معرض الصور المحاضرات صوتيات المكتبة سؤال و جواب اتصل بنا الرئیسیة
 
اعتقادات و كلام أخلاق حکمة عرفان العلمي و الإجتماعي التاریخ القرآن و التفسير
المكتبة > محاضرات آية الله السيد محمد محسن الطهراني > شرح دعاء أبي حمزة الثمالي > شرح دعاء أبي حمزة الثمالي لعام 1432 هـ > شرح دعاء أبي حمزة الثمالي لعام 1432 هـ - الجلسة 13: حقيقة أولياء الله وإشكالية حجية أفعالهم

_______________________________________________________________

هو العليم

سلسلة شرح دعاء أبي حمزة الثمالي للعام 1432 هـ

المحاضرة الثالثة عشر:

حقيقة أولياء الله وإشكالية حجية أفعالهم

ألقيت هذه المحاضرة في الليلة الرابعة والعشرين من ليالي شهر رمضان المبارك لعام 1432 هـ

ألقاها:

سماحة آية الله السيّد محمّد محسن الحسيني الطهراني
حفظه الله

_______________________________________________________________

تحميل ملف البد دي أف                                          

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد
(اللهم صل على محمد وآل محمد) وعلى آله الطيبين الطاهرين
واللعنة على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين

«وقد رجوت أن لا تخيب بين ذين وذين منيتي فحقق رجائي واسمع دعائي يا خير من دعاه داع وأفضل من رجاه راج»
يا إلهي لقد وجدت نفسي بين هذين الموضعين، فأملي ورجائي وطلبي الواقعي ومنتهى رغبتي أن لا تعيدني خائباً، وبما أنّني كذلك.. قد فهمت مكانتي في هذه الأمور، ورأيت أن إلهي هو صاحب هذه الصفات.. فلو كان إلهي إلهاً آخر [لاختلف الأمر]... يقول المرحوم العلامة بأنّه علينا أن نشكر الله تعالى على أنّ لدينا إلهاً جيداً... [يتبسم السيد] وكم لدى هؤلاء العظماء سعة صدر وانشراح في حديثهم مع الناس، كلّ من كان يأتي إلى العظماء وأولياء الله كانوا يملئون كيانه أملاً وانبساطاً، لم يكونوا يقرءون للناس آية اليأس، ولم يكونوا يسوقون الناس لليأس من رحمة الله.
إذا نظرنا إلى كلمات النبيّ وروايات الأئمّة نجد أنّها تطفح دائماً بالأمل والرحمة.. بلطف الله وكرمه في نفس الوقت الذي تحذر من الخطأ وارتكاب المعصية، لكن مع ذلك كانت جهة الأمل هي الغالبة في كلامهم، وكذا الحال في كلام العظماء والأولياء.

    

دعوة الأئمة إلى التوبة النصوح وترك اليأس

أتى أحدهم إلى الإمام السجّاد.. وهذه الرواية مرويّة عن الإمام السجّاد والإمام الكاظم عليهما السلام، وقد قيل فيها الكثير، وإذا أردت أن أبيّن ذلك قد يأخذ وقتاً كثيراً... لقد قال هذا الرجل للإمام عليه السلام: لقد ذهبت إلى أحدهم وكان يأكل في شهر رمضان، فسألته: لماذا تأكل؟ فشرع ببيان أفعاله وأعماله القبيحة، وأنّه كم من الأشخاص قتل.. فإنّ أشدّ المعاصي و أعظم الكبائر هو قتل النفس المحترمة، إذ لا يوجد معصية أكبر منها؛ {فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعَاً}، فإذا كنتُ قد فعلتُ هذه المعاصي فلماذا أصوم؟! فلا داعي للصوم ولا للصلاة... (من هنا نعلم بأنّه كان لديه اعتقاد بأن هناك أمراً وأن هناك يوم حساب.. وكان هذا الشخص من أنصار هارون وأمثاله..)، فقال الإمام موسى بن جعفر عليه السلام: إنّ هذا اليأس من رحمة ربّه أعظم من جميع المعاصي التي ارتكبها، فاليأس من رحمة الله يعني قطع العلاقة معه تعالى. إذ يمكن أن يصدر ذنب من الإنسان، ولكنّ ذلك لا يعني أنّه قطع العلاقة مع ربّه، يمكن للإنسان أن يخطئ.. أن يكذب و يفتري، ثمّ يأتي ويعترف أمام ربّه ويقول: ربّي! لقد أخطأت وأنا نادم.. وإن كان هناك مجال ليتدارك الذنب، فإنّه يذهب ويتدارك؛ فإن غشّ في المعاملة، يقول: إلهي لقد أخطأت وتبت، ويذهب ويرضي ذاك الشخص الذي غشّه.. وأمثال ذلك. لكن ليس لدينا في أيّ من هذه المعاصي قطع للعلاقة مع الله، وقطع للحبل الممدود بين العبد وبين الله؛ إنّ كلّ ذلك لا يقطع هذا الحبل، فإن حصل مثل هذا الحال للإنسان.. بأن يرى أنّ العلاقة بينه وبين الله تعالى قد قطعت ، فليعلم بأنّه قد وقع في حالة الخطر. الإمام يقول: إنّ هذا اليأس من رحمة الله هو أعلى من أيّ ذنب آخر.
فحتّى يزيد قال له الإمام بأن علاقته بالله لم تنقطع بعد، فصحيح أنّك قتلتَ إمام زمانك وقتلتَ أولاده وأصحابه, وسبيت نساءه.. كل ذلك في مكانه، ولكنّ باب التوبة لا زال مفتوحاً يدعوك إلى الله، ولو فرضنا أن يزيد أتى إلى الإمام السجاد وقال له واقعاً: لقد أخطأتُ وأنا نادم على فعلي، وأنا أعلم أنّ خطأي ليس بالخطأ العادي والصغير.. فقضية عاشوراء تعتبر فاجعة التاريخ، فاجعة تاريخ البشرية.. مع ذلك لو أتى وقال للإمام السجاد واقعاً: إنّي أريد أن أتوب حقيقة.. ماذا نحكم على هذه القضية الآن؟ هل يقول له الإمام السجاد: اغرب عن وجهي، فلا طريق لك إلى التوبة؟ أم أنّه يفتح له الباب.. إذا فرضنا أنّه أتى وأراد التوبة واقعاً، حتّى لو كانت عبر القَصاص منه، وقال بأنّي مستعد للقصاص والقتل، ألا تُقبل توبته؟!
أتى شخص إلى أمير المؤمنين وقال لقد ارتكبت فاحشةً عظيمةً و عملاً قبيحاً جدّاً، و أريد أن تطهّرني، فقال له الإمام: هناك ثلاثة طرق للقصاص منك، فقال له أريد أن تعاقبني بأشدّها وأصعبها عليّ.. (و من هنا يتبيّن أنّه كان قد تاب واقعاً، لقد كان مريداً للتوبة واقعاً، وأتى مسلّماً.. وعندما أعدّت الوسائل لمعاقبته وقتله، وكان وضعه بحيث أنّ كلّ من كان هناك عطف عليه وبكى لحاله.. حتّى أنّ أمير المؤمنين أخرجه من العذاب وعفا عنه، وقال: لقد تاب الله عليك..
وهذه من الموارد التي ينبغي أن نتحدث فيها، ونبحث كيف أن الإمام يمكنه أن يعمل خلافاً للحكم الشرعي، حيث عمل خلافاً للشرع هنا، وهذه من الأمور التي ينبغي أن نبحث فيها... لكن شيئاً فشيئاً نصل إليها، فاصبروا علينا.
وهنا نرى أن الإمام قام بإنقاذ هذا الشخص خلافاً للحكم الشرعي بضرورة المعاقبة.

    

التوبة الحقيقية تكون بتحمّل تبعات الذنب

الآن كلامنا في أنه باب الأمل مفتوح.. فالأئمة والأولياء يسوقوننا نحو الأمل، ويقولون لنا: دعوا اليأس جانباً، ودعوا القنوط جانباً، دعوا الخوف والقلق جانباً.. دعوا هذه الأمور جانباً.. وتحركوا بحالة من الأمل.. فإذا فرضنا أن يزيد أتى إلى الإمام السجاد وقال له صادقاً: لقد أخطأت! وأتوب من فعلي، ومهما تأمرني به فأنا سامع مطيع.. فماذا يجيبه الإمام السجاد حقيقة؟ هو إمام، والإمام هو الهادي والمرشد.. فلا يمكنه أن يسدّ الطريق إلى الله أمام الناس، بل يتركه مفتوحاً.. نعم، يفعل ذلك طبقاً لتشخيصه هو.. [في مثل هذه الحالة] هل يقول الإمام السجاد ليزيد: لا مجال أمامك أبداً؟ أمير المؤمنين لم يقل ذلك لعمر!! بل إنّه قال حتى لعمر: إنّ باب التوبة لا يزال مفتوحاً، ولكنّ الأخير لم يقبل. فالإمام هنا يبيّن الطريق، إذ يقول: افعل كذا وافعل كذا.. ولدينا نظائر هذه الأمور في التاريخ، حيث جرى مثل ذلك للإمام السجاد، وبعض الأشخاص الذين كانوا في بلاط بني أمية وكان قد ارتكب القتل، ومع ذلك أمره الإمام بأن يذهب ويعطي أهاليهم الدية، فذهب ولم يجد أحداً في المنزل، فقال ألقها في منزلهم. والحاصل أنه تاب وقبلت توبته.. وقد نقل لنا التاريخ الكثير من أمثال هذه القضية. ولذا فالإمام موسى بن جعفر يقول: لا ينبغي أن يقطع الإنسان الأمل، فإذا تغلّبت حالة اليأس عليه فهذا أعظم ذنب.

    

الجلوة الجمالية تقلب حالة الإنسان كلياً

والأمر المهمّ هنا هو أنه عندما نعبد الله واقعاً ونقف في ساحة الله حقيقةً.. وليس مرادي العبادة الظاهرية،.. فعلينا أن ننظر كيف يحب الله تعالى أن نتعامل معه؟ هل ينبغي أن نكون في حالة من الخوف والرهبة؟ وأن نتعامل معه على أنه غول مرعب ونحن كالفأرة التي تخشى أن ينقضّ عليها في أي لحظة.. فهل نصلّي له في هذه الحالة؟ كلاّ! فإذا كانت هذه هي الصلاة، فالله لا يريدها منّا مطلقاً.. نبدأ بالخوف والرجفة منه، عندما نقف أمام الله.. فهل الله يوجب الخوف؟ يعني هل أنّ المولى.. المولى العادي والظاهري والمسؤول في أيّ منصب (إذا كان عاقلاً!!) هل هو واقعاً يريد أن يطيعه الأشخاص الذين هم تحته انطلاقاً من الخوف والرهبة؟ أو بسبب العشق والمحبة، وبسبب العلاقة والوحدة والاتحاد والعينية.. أيهما أفضل؟ أيهما أفضل في نظر هذا المسؤول أو الرئيس؟ إذا كان يريد الإطاعة انطلاقاً من الخوف، فوضعه سيّئ جداً!! أمّا إن كان يريد من الأشخاص الذين تحته أن يعملوا بإخلاص، وأن يؤدّوا ما عليهم من مسؤولية في عملهم وأن ينهضوا بهذه المؤسّسة والإدارة، وأن يكون النشاط هو الحاكم عليهم.. فهذا الفضاء هو فضاء إنساني.. فضاء روحاني. أيهما أفضل؟ لا شك أن الثاني أفضل! أليس الله تعالى كذلك؟ يعني هل أن الله تعالى من القسم الأول؟ أم أنّه تعالى أعلى من القسم الثاني بمراتب.

    

الهدف من العبادة هو القرب من الله نفسه لا من جنته

فعندما يريد عبد أن يقف أمامه للصلاة، فإنّ الله تعال يقول له: لا أريد منك أن تصلّي لي خوفاً من جهنم، وهذا هو الكلام الذي أطلقه أمير المؤمنين، ويطلقه سائر الأئمة.. لا تصلّ لله خوفاً من جهنم، فإن فعلت فأنت تصلّي للفرار من جهنم لا لأجلي! لا أريد أن تصلّي لي لأجل ثواب الجنة ونعيمها، ولا أريد أن تصلّي للحصول على أهوائك في الجنة، بل أريد منك أن تصلّي لي، ولأجل أن يحصل لديك ارتباط بي فقط! فعندما يصل العاشق والمعشوق إلى بعضهما البعض، فماذا يكون مراده من هذا الارتباط؟ هل يكون مراده الوصول إلى الفاكهة والشراب الموجود عنده؟ وإذا أراد العاشق أن يذهب إلى منزل المعشوق لأجل الفاكهة، نقول له: يمكن أن تجد بائع الفاكهة في الشارع.. من يريد الذهاب إلى هناك لماذا يريد ذلك؟ لأجل التفاح والبرتقال الموجود في الدكان أيضاً؟ أو أنه يريد أن يذهب إليه ليجلس ويتحدث معه. فإذا أراد أن يعدّ له الشاي، يقول له: لا داعي للشاي ولا للضيافة، بل أريد أن أجلس معك والقرب منك، هذا هو المراد.. هو الجلوس والتحدّث والتوجّه والقرب والارتباط، هذا هو المطلوب هنا، لا الطعام ولا الماء ولا الشاي ولا الشراب ولا أي شيء آخر.. فهذه الأمور غير منظورة أبداً، أليس كذلك؟ يقول الأولياء والأئمة بأن العلاقة بين العبد والله يجب أن تكون علاقة العاشق والمعشوق، والله تعالى جعل لهذه العلاقة طريقاً ووسيلة، ما هي هذه الوسيلة؟ هي القرآن، الصلاة.. الحج.. الصدقات.. عيادة المريض.. برّ الوالدين، فبرّ الوالدين مفتاح العلاقة مع الله.. إنّ مفتاح العلاقة مع الله هو تحصيل رضا الأب والأم. هذه هي الطرق والوسائل التي جعلها الله، هذه الطرق هي التي توصلنا وتزيد من علاقتنا به، وعندما تحصل هذه العلاقة، فهل يمكن للإنسان أن يلتفت إلى شيء آخر بعد ذلك؟

    

أولياء الله يعيشون دائماً في حالة التجلّي التوحيدي

قال لي أحد الإخوة ـ رزق الله الجميع هذه الأمور العظيمة ـ يا فلان: كنت في مكّة جالساً مقابل المستجار أنظر إلى الكعبة ـ والنظر إلى الكعبة عبادة ـ فظهر فجأة أمامي تجلّي، (وكان ذاك الرجل من أهل المعنى) يقول: وعندما كنت أنظر إلى الكعبة وأفكر في الدقائق التوحيدية وكيف أنّ الكعبة لها أثر في حريم الله تعالى وأنّها البيت العتيق، وأنّ الناس عندما يدورون حولها الآن، إنّما يدورون حوله تعالى، لكنّهم لا يفهمون ذلك...
لقد كنت مرّة جالساً مقابل حجر إسماعيل، منذ عدّة سنوات عندما تشرفت بالذهاب إلى مكّة، فرأيت شخصين إيرانيين كبيرين في السن، والظاهر أنّهما أتيا مجبرين إلى مكّة لينظرا ماذا يوجد هناك، فقال أحدهما للآخر: لماذا يدور الناس حول هذه الأحجار؟ فهذا الأمر لم نفهم فلسفته. فقال شخص ثالث كان معهما بمثابة المرشد والدليل وكان المعلّم لهما.. قال: إنّما يفعلون ذلك لأنّ هذه الأحجار قديمة جدّاً !!! انظروا إلى هذا القول وهذا الكلام [يضحك السيد]... إذا كان الأمر لأجل القدم.. فلماذا لا يذهبون إلى هذا الجبل ويطوفون حوله؟ فهو أقدم من الكعبة بملايين السنين، فالكعبة وجدت منذ عشرة آلاف سنة، أو ستة آلاف سنة عندما بناها النبي آدم. والحال أن ذاك الجبل أقدم بملايين السنين. و قد قمت ببيان بعض الأمور لهم والتحدث إليهم.
قال صديقي: عندما كنت مقابل الكعبة أنظر إليها، فجأة رأيت إحدى تلك التجليات.. وهنا لا ينبغي أن يقال كل شيء، لكنّ الحاصل أنه تجلّى لي جمال المحبوب لمدة ثانية، بل عُشر الثانية، كالبرق، وأقسم بأنه لو تكررّت تلك الجلوة لمتّ حتماً.. إذ إنها استولت على جميع وجودي؛ بحيث أنها قلبتني رأساً على عقب، وارتجفت جميع أعضائي لذلك، فالجمال الذي رأيته، إذا رآه إنسان لا يعود ينظر إلى أي جمال في الدنيا إلى آخر عمره. لكنّ العبارة التي أوردها ليست وافية، فإنّ أقلّ ما أصابه أن حالته انقلبت واقعاً، ولم يعد يريد النظر إلى جمال الدنيا والتفكير فيها.. هذا كلّه، والحال أنّه رأى برقاً واحداً.. أرأيتم ماذا هناك؟

برقى از منزل ليلى بدرخشيد سحر
                             وه كه با خرمن مجنون دل افكار چه كرد


(والمعنى: لقد ومض برق من بيت ليلى سحراً، واهاً على ما فعل بهشيم أفكار قلب مجنون‏)
وهذا البرق هو بهذا المعنى، إذ ماذا يفعل البرق عندما يصيب الهشيم؟ يحرقها! ولا يبقى شيء من المجنون! لا يبقى شيء منه. عند ذلك يقول الله تعالى: تعال إليّ كي نتبادل هذه البروق ! ثمّ تجد الإنسان يسعى ويعمل فراراً من جهنم، ورغبة إلى فاكهة الجنة؟!
يقول: أصابني برق واحد، فصرت عاجزاً عن النظر إلى [أي جمال] حتّى آخر عمري... فتغيّرت حالتي رأساً على عقب، هذه هي حقيقة المسألة. وعند ذلك انظروا إلى أولياء الله، فبدلاً من لحظة واحدة من البرق، يعيشون في هذه الحالة طوال أربعة وعشرين ساعة، فما الذي يحصل لهم، هذا لم يستطع أن يتحمّل لحظة واحدة، بينما ذاك يعيش في هذه الحالة أربعة وعشرين ساعة.
أحياناً كنت أودّ أن أسأل السيّد الحدّاد عن بعض الأسئلة التي كانت لديّ، لكني لم أكن أجيز لنفسي أن أقطع عليه حالته التي كان عليها، والحال أنّنا لم نكن نفهم شيئاً، وما كنّا نفهمه كان شيئاً بسيطاً جداً، وهو أنّه في حالة غير عادية، لكن فيما بعد فهمنا في أيّ حال وجوٍّ كان، وما الذي كان لديه.. لم أكن أجيز لنفسي أن آتي وأسأله وأخرجه عن حالة السكوت والحالة التي كانت لديه، والحال أنّ السؤال مهمّ، لكنّه بعد مدّة كان يقول لي: لديك سؤال؟ فأقول: نعم! فيقول ما هو سؤالك؟ أقول له: أنت تعلمه [ضحك السيد]... فيقول: حسناً جوابه كذا وكذا. أما أن تأتي وتخرجه من هذه الحالة التي لديه فغير صحيح، إذ لا يمكن أن توصف تلك النعم التي منحها الله تعالى لعباده الصالحين.

    

قراءة المناجاة والأدعية المأثورة عن الأئمة تزيد من التجليات التوحيدية

اقرءوا المناجاة الخمسة عشر للإمام السجّاد.. وكان المرحوم العلاّمة يوصي بقراءتها في الجلسات، وكذا في الحالات الخاصة، في كلّ ليلة اقرءوا واحدة منها، عندما تقومون لصلاة الليل، أو إذا سنحت لكم فرصة لقراءتها أو إذا تشرّفتم بالذهاب إلى الحرم.. إذا رأيتم أن حالتكم مستعدّة، فاقرءوا واحدة منها وتأمّلوا فيها، ماذا فعل الإمام السجاد في هذه المناجاة الخمسة عشر؟ لم يبقِ شيئاً من التجليات التوحيدية والنفحات التوحيدية، ولا في كيفية جذب العبد إلى ربه، والعلاقة به.. إنّها واقعاً عجيبة جداً. طبعاً جميع الأدعية المرويّة عن الأئمة كذلك أيضاً، فإذا نظرنا إلى أيّ منها رأينا أنّها تتناول جهة خاصة.. فالمناجاة الشعبانية لأمير المؤمنين لا تقلّ عنها أيضاً: «إلهي وألحقني بنور عزّك الأبهج فأكون لك عارفاً وعن سواك منحرفاً ومنك خائفاً مراقباً، يا ذا الجلال والإكرام.. حتى تخرق أبصار القلوب حجب النور» أي تعبر القلوب حجب النور.. حجب النور و ليس الظلمة! فأين ذاك المقام من الظلمة؟! «فتصل إلى معدن العظمة وتصير أرواحنا معلّقة بعزّ قدسك». ما هو هذا الكلام؟! وما هي هذه المفاهيم والمعاني؟! لو لم نر بأعيننا أولئك العظماء، لما أمكننا أن نفهم هذه المعاني، وهذا كلّه بميزان فهمنا القاصر، لكنّنا شاهدنا أن هذه المسائل موجودة ومتحققّة فعلاً، ليست بلا طائل، فأمير المؤمنين لم يأت بهذا الكلام ليقصّ علينا الحكايات أو ينظم شعراً أو ما شاكل ذلك.. بل كان الإمام يشعر بهذه المعاني، وأتى وذكر هذه الكلمات. الإمام السجّاد يقول: إلهي أنا في هذه الوضعية التي ترى، فأعطني رجائي. يا من هو أفضل من كل من أدعوه وأجدر من الجميع بأن يستجيب دعائي. فأنت يا إلهي أولى بأن تكون أملي ورجائي.

    

إشكالية حجية فعل ولي الله

تقدّم في الليالي السابقة ـ إن كان الإخوة يتذكّرون ـ أنّ مرافقة أولياء الله هي عبارة عن ظهور الأمل بالله الذي يتجلّى بهم، ويبعث الاطمئنان بالإنسان في أعماله وتصرفاته، لا يكون لديه ترديد وشكّ، ولا اضطراب.. لا يشكّ في أنّ ما يقوم به هو صحيح أم لا.. والحاصل أن الأعمال التي يقوم بها، يقوم بها ببال مطمئنّ وراحة نفسية، وهذه أعظم نعمة يمكن أن يمنّها الله على العبد، وهي مرافقة وليّ الله واتّباعه. تحدّثنا حول هذا المطلب، وقلنا بأن شبهة حجية فعل وليّ الله كانت مطروحة في السابق، وهذا السؤال كان مطروحاً سابقاً، وقد أجيب عليه. ونحن أيضاً قدّمنا إجابات موجزة، ويمكن أن تطرح في أذهان الناس بعض المطالب الأخرى تبعاً لطرح هذا السؤال: هل أنّ عمل وليّ الله حجّة أم لا؟ مثل فعل الإمام عليه السلام، فالإمام عليه السلام عندما يعطي أحداً دستوراً ويأمره بأمر، يكون إطاعة ذلك الدستور واجباً شرعاً، لا شك في ذلك أصلاً. مثل وجوب إطاعة أوامر النبيّ، كما ورد في الآية القرآنية أن إطاعة النبي واجبة: {يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا أَطيعُوا اللَّهَ وَ أَطيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُم‏}، حيث إنها تصرّح بوجوب إطاعة الله وإطاعة الرسول وأولي الأمر، المختصّين ـ كما فُسّروا في الروايات ـ بالأئمة الإثني عشر. أو بعبارة أخرى، المعصومين الثلاثة عشر الآخرون؛ السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها، بإضافة اثني عشر معصوماً الذين هم أولوا الأمر، وبالتالي يصير عددهم أربعة عشر معصوماً، وإطاعتهم واجبة، ولا شكّ في ذلك.
حسناً، هل إطاعة ولي الله كذلك؟ من هو ولي الله؟ طبعاً... سوف نتحدث في الليالي القادمة في توضيح هذه المسألة ومن هو وليّ الله، وقد ذكرنا توضيحاً في الجزء الثاني من كتاب أسرار الملكوت، وأعتقد بأن هذا المقدار كافٍ، دون أن نحتاج إلى بيان آخر. لكن من باب أنه من الممكن أن لا يكون بعض الإخوة مستحضرين للمطلب، أو بناء على ما ذكر البعض من وجود بعض الإبهام في المسألة، كان لا بد أن نمرّ على هذه المطالب بحسب ما يقتضيه المحلّ، ونشير إلى معنى ولي الله ومصداقه، سواء من الناحية الكبروية أو الصغروية، أي بنحو مفهومي ومصداقي.
والكلام في أنه هل أن فعل أولياء الله حجّة أم لا؟ بالنسبة إليهم أنفسهم فعلهم يكون حجة، لوضوح المسألة عندهم، وباعتبار أنهم يرون تكليفهم ويعرفونه بوضوح. لكن هل هذا الفعل حجّة بالنسبة إلى الآخرين أم لا؟ الكلام في هذه المسألة. بعضهم يرى أن فعل أولياء الله ليس حجة على غيرهم، وإذا كان هناك حجية، فهي حجة عليهم أنفسهم؛ حيث إن هؤلاء يعتقدون أولاً بأن أولياء الله قد يخطئون، لا أنهم كالمعصومين، وليسوا في مستوى المعصوم، وبما أنهم ليسوا كذلك فيجوز في حقّهم الخطأ، كما هو الحال عند سائر الناس. نعم، بالنسبة إلى بعض المسائل قد يكون لديهم انكشاف باطني، لكن بالنسبة إلى مسائل أخرى لا، لذا نحن لدينا أربعة عشر معصوماً فقط، ويجب إطاعتهم فقط دون غيرهم؛ كمرجع التقليد، إذ قد يشتبه في مسألة ما، وليس هناك ضرورة أن يقبل الإنسان بكل ما يقوله مرجع التقليد، بل يطيعه في الموارد التي لا يقطع بكونها مخالفة. أما إذا كان لديه قطع فلا يجوز تقليده، بل يحرم. فلو فرضنا أنّ مرجع التقليد يحكم بأن يوم الغد هو اليوم الأخير من شهر رمضان، والحال أن الإنسان يكون قد رأى الهلال بعينه، فيحرم عليه أن يطيعه في ذلك، بل عليه أن يعتبر الغد هو اليوم الأول من شوال وعليه أن يفطر. أو أن يقول مرجع بأن أكل هذا النوع من السمك لا إشكال فيه؛ لكونه مشتملاً على فلس، بينما يرى الإنسان ـ كونه من أهل الاختصاص في هذه الأمور ـ أن هذا الكلام خطأ، وأن هذا النوع من السمك لا يحتوي على فلس، فيحرم عليه أن يطيعه في ذلك، وإن أكل والحال هذه يكون قد ارتكب حراماً. فلا ينبغي أن يطيع الإنسان مرجع التقليد كيفما كان، بل عليه أن يفكر في كلّ شيء. وهذا الأمر سوف نتناوله في الرسالة التي سنكتبها حول الاجتهاد والتقليد، ونذكرها في بعض الهوامش التي سنتعرض لها هناك.. إذا كان لدينا مجال وأتيح لنا ذلك بحول الله وقوّته.
حسناً، يتصوّر بعضهم بأن وليّ الله قد يشتبه في العمل الذي يقوم به، وقد لا يشتبه.. فما شأننا نحن بذلك، بل هو يقوم بفعله ووظيفته وتكليفه ولا علاقة لنا به، وبالتالي تكون إطاعته غير واجبة، بل قد تكون حراماً. يعني إذا شخّص فردٌ أنّ هذا الدستور الذي يعطيه ولي الله خلاف الشرع، أو خلافاً لرأيه الفقهي والفتوائي، فلا يجوز إطاعته، ولو أطاعه والحال هذه، يكون قد عصى. هذا ما يتصوّره البعض. وهذا الرأي ليس رأياً جديداً، إذ طرح هذا البحث منذ مئات السنين، وقد أشير إليه في مطاوي الكتب السابقة. وطبعاً، نلاحظ في هذه الأيّام أنه قد انخفض مستوى المنطق، ويشعر الإنسان بأن المطالب العلمية صارت تتأثّر بالأغراض النفسية، وهذا ما يبعث على التأسف..

    

ضرورة التأكد في نسبة المطالب إلى الأشخاص

فقد سمعت منذ مدّة بأنّه قد نُسب إلى شخص ميت فتوىً ما، وبما أنّه ميت، فلن يمكنه أن يدافع عن نفسه وينفي هذه الفتوى عنه، أو يقول بأن رأيي مخالف تماماً لهذا الكلام، فنسب إليه هذا الكلام انطلاقاً من أغراض نفسية، وهذا من الخيانة العلمية للفقه والعلم والتاريخ؛ حيث يدوّن في تاريخ العلم بأن هذا الشخص المحترم الذي مات فعلاً رأيه هو كذا! أيّ خيانة كبيرة هذه؟! أن يأتي شخص ويكتب في كتابه بأن المسألة هي من هذا القبيل، ويفتري على الآخرين، وأما إذا كان هذا الشخص فاضلاً فالمصيبة أعظم.. يأتي ويفتري ويقول بأن فلاناً رأيه كذا، ويتمّ الاعتماد على ذلك، ويؤخذ هذا الرأي على أن له قائلاً، والحال أنه لا أصل له ولا أساس! فعلى أي أساس تأتي وتدّعي هذه الدعوى في حقّه؟ باعتبار وجود مصلحة؟! أي خيانة هذه؟ هي خيانة للإنسانية والوجدان، خيانة لإمام الزمان، خيانة لدين النبي، خيانة للعلم والتاريخ وخيانة للأشخاص الذين سيأتون فيما بعد، دون أن يكون لهم علم بالأمر، فينحرفون بسبب هذا النقل الذي نقله هذا الشخص. الآن نرى الكثير من المطالب التي بين أيدينا، والتحقيقات التي يقوم بها أهل العلم والفضلاء وتوصلوا إليها.. الكثير من المطالب التي تنقل لا أساس لها من الصحة. تارة يخطئ الإنسان في نسبة الأمور، لكن هذا الشخص كتب ذلك عمداً.. في هذا الكتاب نرى أن الشيخ الطوسي يذهب إلى هذا الرأي، لكن عندما يراجع يرى المسألة مختلفة.
ينقل المرحوم العلامة: عندما كنا في النجف نحضر درس السيد الخوئي، وكنا نتباحث مع آية الله السيد علي السيستاني.. حيث كانا يتباحثان في دروس السيد الخوئي. قال بأن السيد الخوئي نسب أمراً من باب الخطأ إلى شخص معيّن، وقال بأن رأيه في تقريراته هو كذا، فذهبنا وراجعنا الكتاب، فلم نجد هذا الأمر الذي نسبه إليه السيّد الخوئي. وفي اليوم التالي، سألت السيد علي السيستاني هل وجدت هذا المطلب في ذاك الكتاب؟ فقال لا، بل رأيت أن العبارة مختلفة تماماً، فذهبنا إلى السيد الخوئي، وقلنا له صحّح هذا الأمر، فقال: عجيب! كيف فهمت من هذه العبارة هذا المعنى؟! والحال أن السيد الخوئي كان منصفاً، لم يكن مثلنا بدون إنصاف، رحمة الله عليه.. فأتى وأعلن ذلك في الدرس، وقال لقد نقلت رأي فلان خطأ، ولكن السيد علي والسيد محمد حسين ذهبا وتحققّا، ولم يكن كما ذكرت، لذا أعلن تصحيح هذا الأمر. بينما نحن نأتي وننقل مطلباً خطأ عمداً، ونتّهم شخصاً ونقول بأن رأيه الفقهي أو الأصولي هو كذا، وبعد ذلك نعلم بأنه لم يكن كذلك، فلا نعمل على تصحيحه.

    

تقدم الإجابة على هذه الإشكالية سابقاً، لكن سنعالجها هنا بشكل علمي

بالنسبة إلى مسألة حجّية فعل ولي الله فعلينا أن نبحث فيها، و المطالب التي أذكرها للإخوة جميعاً، إذ جميعهم من أهل الفضل والإدراك.. ومن العجيب أنّه بعد كلّ هذه المجالس تحصل مثل هذه الشبهات؟ وهذا الأمر عجيب جداً بالنسبة إليّ، ولم أكن لأصدق ذلك. إذ مع وجود جميع هذه التوضيحات والمطالب والخطب والمسائل التي قدمها الحقير للإخوة.. لا يزال هناك مجال لمثل هذه الشبهات والإبهامات والإشكالات. وعلى كلّ حال أطلب من جميع الإخوة وبالأخص الإخوة الفضلاء وأهل العلم، الذين هم أولى من غيرهم في الغور في هذه المطالب وتحقيقها، والإجابة عليها.
وقد كتب الحقير في جوابه على بعض هذه الإشكالات بأن تمام مباني العرفان وجميع الحالات السلوكية والمكاشفات وشهود أهل المعرفة.. جميعها لا تختلف مع المطالب الفلسفية، ولو بمقدار شعرة واحدة، وجميع هذه الأمور تقبل الدفاع، وأي سؤال قد يطرح نجيب عليه، ونعمل على تدوينها بشكل مقالات ومطالب مدونة، وتوضع في متناول الجميع.
نفس الحقير كان يسعى دائماً لتتاح له مثل هذه الفرصة، حتّى يعمل على بيان مطالب الأولياء ونشرها بشكل منطقي، وبالحجّة والدليل، لا أن نبقي هذه المسائل مخفيّة ووراء الستار. لذا سوف نعمل على الدفاع عن جميع التصرّفات والأقوال والمعارف التي بيّنها أولياء الله في كتبهم وفي كلامهم ومجالسهم الخاصة.. سندافع عنها جميعاً، ونوضح الأمور للجميع، ونعلمهم بأن هذه المطالب لم يؤت بها هكذا من لا شيء، بل هي مسائل متينة كالسدّ المنيع، لا أنّها مطالب خرافية أو مسائل درويشية واعتبارية يؤتى بها من الأوهام، أو بسبب نفخ المعدة أحياناً. جميع هذه المطالب بأكملها تستند إلى الأدلّة الشرعية، لا الأدلّة العقلية فقط، بل الأدلة الشرعية؛ آيات القرآن وروايات أهل البيت عليهم السلام. طبعاً، الأمر الذي أريد أن أبينّه للإخوة هو أن المطالب التي سأعرضها هي في أدنى مراتب الاستدلال العلمي والفني، أما حقيقة الأمر فأعلى من ذلك بكثير، ولكن سنكتفي ببيان المرحلة الدنيا منها، ساكتين عن تلك المراحل العالية. وعليه سوف نعرض المطالب ونسوقها ضمن الأدلة الظاهرية، ضمن هذه الآيات القرآنية والروايات، وضمن الاستدلال الحوزوي والظاهري، وإن كانت المطالب في الواقع أعلى بكثير من ذلك وأرقى، تاركين بيانها لوقت لاحق إن شاء الله.
و من الطبيعي أن نتعامل مع المسألة بهذا الشكل، إذ بعد مرور عشرين سنة نرى أفراداً قد وقعوا في حبائل هذه الإشكاليات، وسبّبوا الشبهة والشكّ والترديد للآخرين. وإذا أردنا أن نعرض كلامهم، فلن يكون مقبولاً، بل سيأخذ البحث منحى السخرية والاستهزاء، لذا الأفضل أن تطرح المسائل طبقاً لهذه الأدلة؛ يعني في أدنى مستوى ممكن لها، وعندما ننتهي من هذه المسألة وتصير واضحة للجميع، و يُفحم هؤلاء الأشخاص، فعند ذلك نرتقي بالبحث إلى المرحلة الأعلى. ثمّ إذا وجدنا بعد ذلك الفرصة مناسبة ننتقل إلى مرحلة أعلى و أعلى..

    

كون إمام الزمان المظهر الأتم للصفات الإلهية

وعليه في هذه الأيام الباقية من شهر رمضان، سوف نبحث هذه المطالب، وهي ليست بعيدة عن فقرات دعاء أبي حمزة الثمالي التي يقول فيها الإمام: يا إلهي أنت أفضل من قبل بقضاء حاجتي. إذا كان الله كذلك، فخليفة الله ومظهر هذا الإله والممثّل له في هذه الدنيا من هو؟ هو إمام الزمان الحيّ الحاضر، هو الذي لديه جامعية الصفات الإلهية في مقام البروز والظهور، لأن وجود الله وجود غيب الغيوب، ووجود الله وجود هوهوي لا ظهور له، في مقام غيب الغيوب لا ظهور، وفي مقام الهوهوية والعماء لا تجلي هناك. فظهوره وتجليه وتأثيره وتنزيل آثاره من الصفات الكلية والأسماء الكلية لا بدّ أن يكون عبر مصداق خارجي، وذاك المصداق الخارجي هو إمام الزمان. إذاً في الواقع، عندما يقول الإمام السجاد: يا خير من دعاه داع! يكون الوجود الممثّل والمرئي أمامنا هو وجود إمام الزمان، لذا نحن مأمورون بالتوسل بإمام الزمان.. فهو مطلع على جميع نوايانا، ومشرف عليها، وعلى علم بجميع خصوصيّاتنا.. حيث يقول في توقيعه للشيخ المفيد المذكور مع سائر تواقيع الإمام في كتاب الاحتجاج للطبرسي: «إنا غير ناسين لذكركم، ولا مهملين لمراعاتكم ولولا ذلك لاصطلمكم الأعداء!» وهذا عجيب جداً، يقول هل يمكن أن ننسى شيعتنا؟ وهل يمكن أن نهملكم ونترك رعايتكم؟ لو لم تكن عنايتنا لكم ولطفنا بكم، وكرمنا ورحمتنا إياكم، لسحقكم الأعداء.. هل تظنّون بأنكم جلستم هنا باطمئنان وتستمعون إلى دعاء أبي حمزة؟ لا تعرفون حقيقة الأمر... إنّنا نظن بأنّنا نحن الذين نأتي ونذهب.. ونقوم بالأعمال التي نقوم بها، دون أن يكون لدينا خبر عن الحقيقة.. فلو لم يكن لطف وعناية الإمام بنا لكان قضى علينا جميع هؤلاء الأعداء والمحاربون للإسلام.. هل تظنون بأنهم لا شأن لهم بكم؟ هؤلاء يريدون أن يقضوا حتى على الظلّ الذي ينتسب إلينا، ويرمونه بألف سهم حتى لا تقوم لنا قائمة.. «ولولا ذلك لاصطلمكم الأعداء».. أنتم تظنون بأنكم تجلسون هكذا وتنامون وتستيقظون صباحاً للصلاة، ثم تذهبون إلى أعمالكم بشكل عادي وتعودون إلى منازلكم دون أي مشاكل؟ إذا فتحتم عين البصيرة للحظة واحدة لاطلعتم على المخاطر التي نجونا منها.. من الذي نجّانا من هذه المخاطر؟ من الذي يرفع هذه الموانع؟ من الذي يهيّئ لنا الأمور؟ من الذي يفتح أمامنا الطريق.. من؟ «إنا غير ناسين لذكركم ولا مهملين لمراعاتكم».. وهذا هو معنى تلك الولاية التي عبّر عنها الإمام: «يا خير من دعاه داع وأفضل من رجاه راج».. وآية {وابتغوا إليه الوسيلة} تفيد بأنه لا بد من التوجه إلى إمام الزمان..

    

ولي الله مظهر للطف إمام الزمان وفي طوله

حسناً، من هم شيعة إمام الزمان عليه السلام؟ شيعة إمام الزمان هم الذين يتّبعونه، ويفتح لهم الستار ويعبرون عوالم النفس، ويتّحدون مع نفس الإمام، وعندما يتّحدون بنفس الإمام.. عند ذلك يسمى هذا الشخص ولياً. ويكون هو مظهر لطف الإمام وفي طول الإمام، الإمام يكون مظهر لطف ورحمة الله تعالى، وولي الله يصير مظهراً ومصداقاً للطف ورحمة إمام الزمان.. هكذا تأتي من الأعلى إلى هنا.. إنشاء الله إذا وفقنا الله تعالى سيكون بحثنا في الليالي القادمة حول هذه المسألة، لنرى كيفية حجية فعل ولي الله، وهل تتعارض هذه الحجية مع حجية كلام المعصوم، أو أنه لا تعارض فيها. وإذا حصل اختلاف في ذلك فماذا نفعل؟
وبشكل عام سنعمل على حلّ هذا المطلب الذي نرى أنه يطرح في هذه الأوقات في كل مكان.. حتّى هنا.. حيث إنهم أشكلوا على كتاب الروح المجرد للمرحوم العلاّمة، واستهزءوا به بحيث أنه لا يمكن أن يصدر مثل ذلك الكلام حتى من شخص لا علاقة له بالقيود، فما بالك بمن يكون ذا شأن. فقط الشخص الذي يكون بلا قيود ولا ضوابط هو الذي يمكنه أن يستهزئ بكلام المرحوم العلامة.. في حين أننا نعلم قطعاً بأن هذه المطالب التي تطرح إنما تطرح بأغلبها من باب الغرض والعناد، إن لم نقل بأنها جميعاً تطرح من هذا الباب.. وكل شخص يفهم ذلك بوضوح.

    

اتهام أولياء الله بدون دليل

فإذا تأملتم في مسألة عاشوراء التي يطرحها العلامة في الروح المجرد، فبمجرد أن يقرأها الإنسان يفهم مراده منها، لكن مع ذلك يأتي البعض ويستهزئ بها ويشكل عليها.. يا من تقرأ هذه المطالب وتشكل عليها... كان بإمكانك المجيء إلى مشهد، لترى مجالس المرحوم العلامة الطهراني في عشرة محرم، وترى الدموع التي كانت تتساقط على وجناته.. فما هذه الافتراءات التي تقولها؟! فكم أنت رجل مغرض؟! ولو كنت أتيت لرأيت العلامة الطهراني يقف في المجلس وينزع عمامته في يوم عاشوراء، ويلطم مع سائر الأشخاص الذين يلطمون.. فإذا أتيت واطلعت، لما كتبت بعد ذلك ما كتبت، كان ينبغي أن تكلّف نفسك خطوة واحدة، وتقيها من العناء، وترفع عن نفسك العار والشقاء.

اى مگس عرصه سيمرغ نه جولانگه تست
                             عِرض خود مى‏برى و زحمت ما مى‏دارى


(أيتها الذبابة لا تساوي نفسك مع طائر السيمرغ، فإن ذلك يوجب لنفسك الهتك ولنا المتاعب‏)
إذ إن كلامك هذا يوجب علينا أن نأتي ونجيب عليه، فهل كلّ من تكلم بكلام فارغ ينبغي أن نجيبه؟ بدلاً من صرف وقتنا على أمور أخرى ومطالب أرقى.. نأتي ونبحث حول كلام فلان عن عاشوراء العلامة الطهراني.. كان بإمكانك أن تأتي وترى بعينك.. كيف يلطم العلامة على الإمام الحسين في يوم عاشوراء. الآخرون عندما يلطمون يرفعون أيديهم قليلاً وتبقى ملاصقة لصدرهم ـ هذا إذا رفعوها ـ أما بعضهم فيجلس هكذا وينظر إلى الجدار، بينما العلامة الطهراني كان يقف مع المشاركين وينزع عمامته ويلطم معهم.. عجيب جداً.. لكن ندعو لهم بالهداية، ماذا نفعل معهم؟ ندعو لهم فقط ونقول: شفاهم الله وعافاهم.. وإلا فليس لدينا شيء آخر.
فالحاصل أن هذه المطالب كانت موجودة، كما أن هناك الكثير من المطالب التي كان المرحوم العلامة ينقلها عن أساتذته، أو ينقلها الحقير عنهم.. هناك بعض الأفراد الجاهلين يعترضون على ذلك.. منذ سبعة عشرة سنة وأنا أبين وأوضح... ومع ذلك يبقى الاعتراض موجوداً.
نعم، لا إشكال في ذلك، إذ هذه المسائل توجب توضيح المباني وتبيينها بشكل أوضح، وإن شاء الله إذا وفّقنا الله تعالى وبعناية صاحب الزمان صاحبنا ومولانا.. سيعرف الإخوة معنى التشريع، وأنّ ما هو متداول على ألسن الفقهاء من معنى التشريع ليس صحيحاً.. ومن الممكن أن تكون بعض المسائل صعبة، لكن ندعوهم للتحمل والصبر.. وبعد ذلك تسهل الأمور وتحلو.. ما معنى الشرع، والشرع العام والشرع الخاص؟ وما معنى الأحكام الأولية، والأحكام الثانوية؟ الحكم الاضطراري والتقية؟ وأين يمكن تحديد موقعية كلام المعصوم في هذه الموارد؟ وهكذا مسألة إرسال الرسل، ما الذي يطلق عليه الدين، وما هي وظيفة النبي، وهل أن النبي يجعل الحكم من تلقاء نفسه، أم أنه بعنوان كونه حاكٍ ومخبر عن تلك المباني والملاكات الواقعية؟ وما هو دور الأئمة في هذا المجال؟ هل الإمام مشرّع كرسول الله، أو غير مشرّع، بل مبيّن فقط؟ وهذه المسائل التي لا بد من بيانها للدخول في هذا البحث وبيانه بشكل واف وكامل، وسوف تتم الإجابة على الكثير من الإشكالات في طيات الكلام عن ذلك. يعني هناك سؤال واحد، لكن في مقام الجواب، سيتم الإجابة على العديد من المطالب الأخرى. إنشاء الله، بحوله وقوته.
اللهم صل على محمد وآل محمد.

      
  

جميع الحقوق محفوظة لـ موقع المتقين www.motaghin.com ويسمح باستخدام المعلومات بشرط الإشارة إلى المصدر.

© 2008 All rights Reserved. www.Motaghin.com


Links | Login | SiteMap | ContactUs | Home
عربی فارسی انگلیسی