معرض الصور المحاضرات صوتيات المكتبة سؤال و جواب اتصل بنا الرئیسیة
 
اعتقادات و كلام أخلاق حکمة عرفان العلمي و الإجتماعي التاریخ القرآن و التفسير
المكتبة > محاضرات آية الله السيد محمد محسن الطهراني > شرح دعاء أبي حمزة الثمالي > شرح دعاء أبي حمزة الثمالي لعام 1433 هـ ق > شرح دعاء أبي حمزة الثمالي لعام 1433هـ - الجلسة الثالثة: الأمل الحقيقي هو الذي ينسجم مع أعمال الإنسان

_______________________________________________________________

هو العليم

سلسلة شرح دعاء أبي حمزة الثمالي للعام 1433 هـ

المحاضرة الثالثة:
الأمل الحقيقي هو الذي ينسجم مع أعمال الإنسان

ألقيت هذه المحاضرة في الليلة السابعة من ليالي شهر رمضان المبارك لعام 1433 هـ

ألقاها:

سماحة آية الله السيّد محمّد محسن الحسيني الطهراني

حفظه الله

_______________________________________________________________

تحميل ملف البد دي أف

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
و صلّى الله على سيّدنا و نبيّنا أبي القاسم محمّد
و على آله الطيبّين الطاهرين
و لعنة الله على أعدائهم أجمعين

    

الأمل الحقيقي هو الذي ينسجم مع أعمال الإنسان

«عظُم يا سيّدي أملي و ساء عملي، فأعطني من عفوك بمقدار أملي و لا تؤاخذني بأسوأ عملي»
يقول عليه السلام: إنّ أملي يا سيّدي عظيم جداً، وفي نفس الوقت فإنّ عملي سيّء جداً، و لا يتناسب مع ذلك الأمل العظيم الذي عندي، فلا علاقة بينهما أصلاً ! وذلك أنّ الإنسان عندما يكون عنده أملٌ معيّن و هدفٌ يريد تحقيقه فينبغي أن يكون عمله مطابقاً لذلك الهدف، و حينما يكون عند الإنسان نيّةٌ ما، فينبغي أن يكون العمل الذي يصدر منه موصِلاً إلى تلك النيّة، و إلاّ فهو في الحقيقة ليس عنده تلك النيّة أصلاً، بل هو يلهو و يلعب!! و الشخص الذي يرغب في الوصول إلى مقصَدٍ معيّن، فيجب أن تكون المقدّمات التي يتّخذها و يفعلها غيرَ منافية ولا معارضةٍ لذلك الهدف الذي يصبو إليه! فهل يمكن أن تكونوا قاصدين الذهاب إلى طهران ولكنّكم تتحرّكون في طريق أصفهان بدلاً من طريق طهران؟! إذا فعلتم ذلك فإنّ هذه الحركة لن توصلكم إلى طهران أبداً ! وهل يمكن أن يكون لديكم رغبة في الكسب و العمل، ولكنّكم تجلسون في المنزل وتقفلون الباب عليكم و تحبسون أنفسكم في الدار؟! إنّ هذا العمل يتعارض مع تلك الرغبة والنيّة. و لكي تصلوا إلى رتبة علميّة معيّنة و تحصلوا على الشهادة المتعلّقة بها هل يمكن لكم بدلاً من شراء الكتب و دراسة الدروس مع أستاذ جيّد ، والمباحثة والمراجعة ـ فهذه الأمور هي المقدّمات المناسبة للوصول إلى ذلك الهدف و المقصد... حسناً هل يمكنكم بدلاً من فعل ذلك أن تنشغلوا باللهو و اللعب، و تتركوا الدراسة و المراجعة، و تتجاهلوا الدروس و كلام الأستاذ، و تنشغلوا كلّياً بأمر آخر غير الدراسة؟! إنّ ذلك يتنافى مع الهدف الذي تدّعي أنّك تريده، و إذا سلكت هذا الطريق فإنّك لن تحصل على الشهادة التي تطمح إليها أبداً، و لن تصبح عالماً في هذا المجال أبداً.
على ضوء هذا الكلام؛ ما هو هذا الأمل الذي يتحدّث عنه الإمام السجّاد حيث يقول: يا ربّ، إنّ عملي لا يتناسب مع أملي؟! حسناً.. نحن في السنوات الماضية، تحدّثنا عن كيفية تصرّفات الإنسان مقابل نعم الله، و أمام مقام العزّ الربوبيّ، و بينّا العديد من المطالب، و ذكرنا أنّ هذه الكلمات الصادرة من الإمام السجّاد عليه السلام في دعاء أبي حمزة الثمالي حيث يقول: «أنا يا ربّ الذي لم أستحيك في الخلاء، ولم أراقبك في الملاء، أنا صاحب الدواهي العظمى، أنا الذي على سيّده اجترا، أنا الذي عصيت جبّار السماء، أنا الذي ... » ليست كلمات هازلة، و أنّ الإمام عليه السلام لم يقل هذه الكلمات ليعلّمنا نحن فقط، كلاّ ليس الأمر كذلك، بل إنّ الإمام السجّاد عليه السلام واقعاً عندما يقف أمام ساحة العزّ الإلهي، و يلاحظ ذلك الجانب الربوبي، و في مقابله يلاحظ أيضاً مقام عبوديّته هو؛ فإنّه واقعاً و حقيقةً وتحقيقاً يقول هذا المطلب انطلاقاً من الحقّ و اليقين و حاقّ الواقع، و يخاطب الله بهذا الخطاب صادقاً مائة بالمائة أن: يا ربّ لولا لطفك و كرمك فأنا ذلك الشخص الذي يفعل هذه الأمور السيّئة، و أنا ذلك الشخص الذي يرتكب كلّ تلك الذنوب!

    

لماذا ينقلب حال الإنسان فيعادي أولياء الله

و هذه المسألة مهمّة جداً لنا نحن، و هي مسألة دقيقة للغاية ها! و كما كان السيّد العلامة يعبّر فإنّ هذا لمِن المواضع التي تجعل عظام الإنسان ترتجف و تتكسّر، و ينقطع لها نَفَس الإنسان! إذ كيف يمكن لذلك الشخص الذي كان البارحة يحيّي و يرحّب و يمدح بشدّة، فإذا به اليوم أو غداً قد غيّر كلامه، و انقلب حاله! فما الذي حصل؟ و أيّ شيء تغيّر؟! إنّ المسألة خطيرة جداً أيّها الإخوة! فنفس ذلك الشخص الذي كان البارحة يقول: إنّ العلاّمة الطهراني فريد عصره، و لا يوجد له نظير من الناحية العلميّة، و لا يدانيه أحد من ناحية البصيرة الباطنية، ولا شبيه له في الاطّلاع على حقيقة الأمور... نفس هذا الشخص يأتي بعد شهرين، و يصف السيّد العلاّمة بألقابٍ سخيفة، و وقحة، و قبيحة، فيقول مثلاً: إنّ هذا السيّد ليس عالماً، و لا اطّلاع له، و لا يفهم شيئاً .. و كم هو متكبّر و متجبّر، و كم هو ديكتاتور متفرّد في رأيه!!
يا للعجب!! إنّ سماحة السيّد العلاّمة لم يتغيّر أبداً حتّى تُغيّر كلامك بهذا الشكل! فهو ما يزال يؤدّي صلاته التي كان يؤدّيها سابقاً، ولم يترك عباداته التي كان يقوم بها سابقاً، فلماذا تقول هذا الكلام؟ ما هي القضية؟ و ما الذي حصل حتّى صار ذلك السيّدُ (الذي لا نظير له) السيّدَ (الذي لا يوجد أسوأ منه)؟!! إنّ هذه أمور قد جرّبناها بنفسنا، فنحن نأتي هنا و نقرأ دعاء أبي حمزة الثمالي و نشرحه للإخوة و الأحبّة، و نقول لهم هذا الكلام الذي أقوله الآن، و هذه المطالب التي نلقيها بعينها نحن كنّا نسمعها في ليالي شهر رمضان من السيّد العلاّمة الطهراني رحمه الله في مسجد القائم، و نفس أولئك الأشخاص الذين فعلوا هذه الأمور كانوا يحضرون و يستمعون لها! فما الذي حصل؟! ها هنا ينبغي للإنسان أن يستجير بالله تعالى!
إنّ الإمام السجّاد يقول لله تعالى نفس هذه المسألة أن: يا ربّي، أنا أخاف من وقوع هذا الخطر، و هو أن آتي اليوم فأحمدك و أثني عليك، و لكن عندما يأتي الغد فإذا بي ألعنك و أهجوك!! أنا ..أنا نفسي الإمام السجّاد! لماذا؟! لأنّه حتّى الأمس كانت رحمتك و عنايتك شاملةً لحالي، و أمّا اليوم و بمجرّد أن ترفع عنايتك عنّي فإنّني سوف أصبح أسوأ من كلّ الأفراد، و سوف أقع في أدنى درجات الانحطاط!
ألا نرى ذلك اليوم بأعيننا؟! فلماذا نتحدّث عن السابقين و عن التاريخ؟! فنفس ذلك الشخص الذي كان يأتي يمدح و يثني، و يقول: يا سيّد نحن كذا و كذا، فإذا به بعد بضعة أيّام قد انقلب و صار يعترض، و يذمّ! يا للعجب ! ما الذي حصل؟ هل تغيّر شيء لتفعل ذلك؟! [يبتسم سماحة السيّد] ما الذي تغيّر حتّى تبدّلت فجّأة كلّ تلك الصفات الحسنة التي كانوا يصفون بها الإنسان إلى صفاتٍ ذميمة و سيّئة؟! فهذا الإنسان لم يتغيّر.. ما زال يؤدّي صلاته و يصوم شهره، و لم تتغيّر تصرّفاته! ما الذي تغيّر، و ما الذي تبدّل؟! هذه هي الأمور التي ينبغي أن نلتفت إليها، و نفكّر فيها جيّداً ، و لا نغفل عنها !!

    

أهميّة إحكام المنهج والعقلانيّة و عدم التساهل في منح الألقاب

فأنا عندما كنت أوصي الرفقاء بشدّة بعد وفاة السيّد العلاّمة الطهراني رضوان الله عليه أنّه يجب عليكم أن تجعلوا طريقكم عقلانياً، و لا تتصرّفوا انطلاقاً من الأحاسيس و العواطف، و ضعوا كلّ مسألة في إطارها و حدودها الواقعيّة، و احذروا من استعمال تعابير و ألقاب مبالغ فيها، وأن تجعلوا المنطق الحاكم عليكم هو منطق العقل والحكمة والمعرفة، وألاّ تتسّرعوا، إذ أنّ التسرّع سيُلقي بأنفسكم في عالم الأوهام والتخيّلات؛ وحينما تحدّثت بهذه الكلمات، فقد كان نظري منصبّاً على هذا اليوم! فعندما يُريد الإنسان أن يتحرّك خارج الأوامر التي تُعطى له، فإنّه لا يُدرك أنّ هناك فأساً يقوم باقتلاع جذوره بالتدريج، ولا ينتبه إلى أنّ نفسه صارت عُرضةً لتغيّرات وتحوّلات مشؤومة ومتعوسة...
في أحد الأيّام، كان المرحوم العلاّمة رضوان الله عليه يثُني على المرحوم القاضي رحمة الله عليه قائلاً: كان منهج المرحوم القاضي في التربية والسلوك يقضي بأن يتقدّم الأشخاص في سيرهم بوتيرة واحدة وعلى نسق واحد، ولم يكن منهجه و أسلوبه بالشكل الذي يجعلهم يتقدّمون فيه تارةً بسرعة وتارةً أخرى ببطء.. تارة بشدّة وتارةً أخرى بهدوء، بل كانت حركتهم منتظمة ومرافقةً للحزم والاحتياط ورعاية الجوانب الأساسيّة و المهمّة و التي ثبتت صحّتها في السلوك الحقيقي.. هكذا كان منهجه. و الحقّ أنّ هذا ما ينبغي أن يكون، و حتّى سماحته [العلاّمة الطهراني] كان بهذا الشكل وهذه الكيفيّة أيضاً.
في أحد الأيّام كنّا حاضرين عند المرحوم السيّد الحدّاد رضوان الله عليه ـ وقد كان ذلك في إحدى ليالي أيّام عاشوراء ـ، فذكر المرحوم العلاّمة اسم أحد الأشخاص، فقال [المرحوم السيّد الحدّاد]: كيف نتصرّف مع هؤلاء الأشخاص؟ كيف نتصرّف مع أشخاص من هذا القبيل؟!! فهم يأتون بأنفسهم عند الإنسان ويقولون: يا سيّدي، افرك لنا أذننا، و أدّبنا، و لكن عندما نقوم بذلك ونفرك لهم أذنهم، فإنّ صراخهم يرتفع، وكأنّ السماء قد وقعت على الأرض.. يا عزيزي، أنت بنفسك الذي طلبت منّي ذلك، أنت الذي قلت لي: (يا سيّدي افرك لنا آذاننا)، أنت الذي قلت: (يا سيّدي، إذا رأيت شيئاً خاطئاً ، فأخبرنا به)، وأنت الذي قلت: (يا سيّدي، إذا ظهر لك أمر ما، أطلعنا عليه)، وأنت الذي قلت: (يا سيّدي، نحن لن نكون راضين إذا رأيت شيئاً صدر منّا، ثمّ كتمته عنّا، وسنفعل يوم القيامة كذا وكذا)، أنت الذي قلت ذلك.. حسن جدّاً، إذا كان من المقرّر أن تجري جميع الأمور وفقاً للنفس وتخيّلاتها وتوهّماتها، فماذا يعني السلوك إذاً؟! فأنت تمشي بنفسك، وتطوي الطريق لوحدك، وتُشخّص الأمور وفقاً لعقلك، وتتحرّك طبقاً لذوقك! ففي هذه الحالة، لن يكون لتلك الأمور أيّ معنى! ولن يكون ذلك سلوكاً، ولا خروجاً من النفس والتخيّلات والتوهّمات، بل يكون حركة في نطاق التخيّلات والتوهّمات، غير أنّه مصبوغ بلون إلهي.. وهو في الحقيقة نوعٌ من إدخال السرور على النفس وتسليتها ولكنّه مصبوغٌ بلون إلهي.... فنحن نمارس جميع الأعمال [الخاطئة] التي يُمارسها الآخرون، بيد أنّنا نمتاز عنهم بقراءة دعاء السمات عصر الجمعة، وقراءة أشعار حافظ والحضور في مجالس العزاء الصباحيّة!! إنّ حالنا لن يصلح بهذه الطريقة!! تجدنا نتباهى بأنّنا نقرأ دعاء السمات، و نحضر مجالس العزاء، و نقول في أنفسنا: إنّ أعمالنا ممتازة جداً!! فما الذي يُريده الله تعالى منّا بعد ذلك؟! ألا يكفيه كلّ هذا؟!

    

المسألة الحمارية: قصة تحكي حالنا مع الله تعالى

يُقال أنّ أحدهم قام بنذرٍ مفاده أن: يا إلهي، لو تمكّنت من الوصول إلى المراد الفلاني، سأصوم ثلاثة أيّام..فهو كان قد أضاع حماره، ولهذا تُسمّى هذه المسألة بالـ "مسألة الحماريّة" !! فالمسألة الحماريّة تحوي مطالب شتّى ونكات جمّة!! [يضحك سماحة السيّد]... أجل.. لقد أضاع هذا الرجل حماره، ومهما بحث عنه، فإنّه لم يعثر عليه، فقال: يا إلهي، إذا عثرت عليه، سأصوم ثلاثة أيّام نذراً، فبينما هو يمشي؛ مرّ من أحد الأماكن، فإذا بالحمار قد أكله الذئب، وخلاصة القول، أنّ الأمر لم يقتصر على عدم العثور عليه، بل إنّ المسألة قد أصبحت لاغية من الأساس! فقال: يا إلهي، أهكذا تتعامل مع عبادك؟! فأنا كنت أريد في هذه الأثناء أن أصوم ثلاثة أيّام ـ لاحظوا، فهو يمنّ على الله أيضاً ـ لكي أعثر على حماري، ولكن لم يقتصر الأمر على عدم العثور عليه، بل إنّك قد قمت بتسليمه للذئب!! وعليه، عوضاً عن تلك الأيّام الثلاثة التي كنت أريد أن أصومها لك، فإنّي سوف أترك صيام ثلاثة أيّام، وسأصطفي من هذه الأيّام أحسنها، أي اليوم التاسع عشر واليوم الواحد والعشرون واليوم الثالث والعشرون [ضحك من سماحة السيّد]، حتّى تحسن التصرّف مع عبادك، وإذا ما أراد عبدٌ من عبادك منك شيئاً ونذر لأجله، فعليك أن تستجيب له وتُصغي لكلامه!!
نعم، وهذا هو نفس ما نريد نحن، هل التفتّم؟ عليكم ألاّ تنسوا المسألة الحماريّة، وعليكم أن تضعوها كلّ يوم نصب أعينكم؛ إذ أنّها ذات فوائد جمّة! وخلاصة القول: إنّ حالنا لا يختلف عن ذلك الرجل في شيء.. يا إلهي، نحن بهذا الشكل.. نحن نمارس كلّ الأفعال [الخاطئة]، وفي نفس الوقت نقرأ دعاء السمات عصر يوم الجمعة... ما شاء الله، أنعم به وأكرم! ما أعظم العمل الذي تقوم به فهو أصعب من نقل الجبال!
نحن نرتكب جميع القبائح، ثمّ نؤدّي الفرائض في أوّل الوقت.. يا عزيزي، أنت لم تقم بشيء يستحقّ المدح! و نحن نمارس جميع الأعمال، ثمّ نجلس ونقرأ شعراً من الأشعار العرفانية ، فنظنّ أنّ المسألة قد تمّت، وأنّه ينبغي عليهم أن يُسجّلوا صكّ الجنّة ـ برمّتها ـ باسمنا.. أَفَهل هذا هو معنى: «عظُم يا سيّدي أملي»؟!

    

الاكتفاء بالعبادة و حضور المجالس دون إصلاح النفس لا فائدة فيه

هل تعلمون ما هي حقيقة حالنا؟ نحن نمشي ما دامت أوضاعنا وأمورنا لم تتبدّل وظلّت ثابتة على حالها، وما دامت حياتنا تمشي وفق سيرها الطبيعي، وما دام لم يمرض منّا أحدٌ... في أحد الأيّام، جاءني أحدهم ـ وقد كانت تربطني به علاقة ورفاقة لمدّة طويلة ـ وكان قد قام بعمل معيّن، حيث لجأ إلى الاقتراض ومسائل من هذا القبيل، فكان يتوقّع منّي أن أساعده في حلّ مشاكله من خلال الوساطات و المعارف، فقلت له: أنا ليس لي علاقة بأيّ أحد يمكنه مساعدتك ولا أعرف أحداً، وحتّى لو كنت أعرف أحداً، فأنا لا أتدخّل بمثل هذه الأمور، ولا أهتمّ إلاّ بشؤوني، ولست ممّن يسعى لإقامة هذه العلاقات و الوسائط. و بعد مدّة من الزمن، وجد أنّ المسألة لا يمكن أن تحلّ من قبلنا، فتركنا وذهب وقال في نفسه: لا فائدة من هذا السيّد في سداد القرض أو حلّ مشكلته، فهو يجلس فقط وينظر إلى الناس.. و غاية ما يفعله هو أن يدعوا الله لنا أن تحلّ المسألة!! نحن نحسن الدعاء بأنفسنا ولا حاجة لنا بدعائه، فلماذا نتبع رجلاً كهذا؟!
أجل.. فنحن طالما أنّ حياتنا لم تختلف.. طالما أنّ أعمالنا تسير وفقاً لما نشتهيه، وطالما أنّ الابتسامة تعلو شفاهنا، وطالما أنّا لسنا قلقين على شيء ما.. طالما كانت الأمور كذلك فنحن نقول: لا بأس بالمجيء إلى هنا، والذهاب إلى هذا السيّد لا بأس به، أجل.. ليس من العيب أن نذهب، و لا إشكال في أن نقرأ الدعاء ونسجد لله قليلاً (و هو يظنّ أنّ الأمر ينتهي بسجدة!!)... لا بأس بذلك، فنحن لن نخسر شيئاً، و من ناحية أخرى فنحن نمارس أفعالنا التي كنّا نفعلها...
يا عزيزي، هذه المسائل ليست «أملاً عظيماً»، بل هذه أدنى الآمال والأمنيات التي يتمنّاها الإنسان، والتي يمكنه أن يقوم بها ويؤدّيها، فهي ليست عظيمة ولا متوسّطة حتّى!! إذا كنّا نقوم بكلّ فعل نرغب بفعله.. نفعل كما يفعل جميع الناس، ونتبّع أهوائنا النفسانيّة، وننفّذ ما تمليه علينا رغباتنا وميولنا؛ فما هو فرقنا إذاً عن الآخرين؟ فهم يمشون خلف أيّ شخصٍ يرونه ونحن كذلك نمشي خلف أيّ أحد مثلهم، و الآخرون كلّما رأوا شخصاً شرعوا بتقييمه و نقده، و نحن مثلهم نفعل ذلك، فنحن نفعل ما يحلوا لنا حتّى لو كان حراماً.. حتّى لو كان حراماً!! فليس هناك من مشكلة؛ فنحن نعوّض ذلك بأن نقرأ دعاء السمات!! لا مشكلة أبداً!! نواجه أيّ أحد نراه، و نتّبع كلّ قضيّة تجرّنا إليها، حتّى لو قادنا ذلك إلى مسائل انحرافيّة!! نفعل كلّ ذلك اعتماداً على أيّ شيء؟! نعتمد على أنّنا نشارك في مجلس الإمام الحسين عليه السلام؟ فليقصم الإمام الحسين ظهرك !
فأنت يا من لا تمنع نفسك عن أقلّ وأدنى وأصغر المسائل التي يطلبها أهواؤك و ميولك؛ كيف تدّعي أنّك من سالكي طريق الله؟! أين هي تلك الرغبة بالوصول إلى مقام التجرّد والتوحيد والمعرفة؟! كيف ذلك و أنت تقوم بكلّ ما يقوم به الآخرون من المسائل، بل إنّك تقوم بالأعمال المحرّمة!!
ألم أقل و أؤكّد على أنّ التكلّم والضحك مع غير المحارم حرامٌ؟ ألم أقل عدّة مرّات بأنّ العلاقة ينبغي أن تقتصر على حدّ الضرورة؟! ألم أقل أنّ إرسال الرسائل واستقبال الرسائل بالجوّال مع غير المحارم حرام؟! ولكنّك لا تصغي ولا ترتّب على ذلك أيّ أثر!!
حسناً، و بعد أن نفعل كلّ ذلك.. بأيّ شيء نُطَمئن أنفسنا و نسلّيها؟ نُطَمئن أنفسنا بأنّنا نعمل من أجل صاحب الزمان! وبأنّنا نساهم في إحياء احتفال عيد الغدير، وبأننا من السالكين إلى الله، , أنّنا نقوم بالتبليغ من أجل هذا الدين، فننشر الكتب ونحقّقها ونطبعها، إنّ هذه الأمور جميعاً تمثّل حبائل الشيطان!! كلّ هذه الأمور تمثّل التخيّلات والتوهّمات التي تهيّئ الأرضيّة من أجل الانحراف ودخول النفس في شباك إبليس التي وضعها للإنسان، فالشيطان لا يحاول إغواء الجميع بكأس من الخمر، لأنّه يعلم أنّه لن يصل إلى نتيجة من خلال هذه السبيل، ولكنّه ينفذ إلى كلّ شخص من ثغراته وبما يتلاءم مع شخصيّته وحالته وأفكاره وذهنيّاته وتوهّماته ونفسانيّاته. والأعاظم يأتون ويلفتون النظر إلى هذه الأمور، ويضعون أيديهم على هذه الأوجاع، ولكن لا يُستجاب لهم، إلى أن يأتي أحد الأيام فيقع الإنسان في هذه الحفيرة.
نحن رأينا العديد من هذه المسائل، والعديد من تجارب السلف الصالح في المواطن المختلفة مع أشخاص مختلفين، وكلّ قصّة من تلك القصص تمثّل عبرةً لنا، وعلينا أن ندقّق في كلّ واحدة، ونتأمّل في كلّ واحدة.

    

مخالفة نصائح الأولياء تـؤدّي بالإنسان إلى إنكار الحقّ الواضح

وقد حصل مع المرحوم العلاّمة رضوان الله عليه العديد من هذه القصص، ففي أحد الأيّام بعد حصول الثورة، كان الأصدقاء والرفقاء يقومون بعمليّة تنظيف مسجد القائم، ولا أدري هل يتذكّر الأصدقاء الذين هنا تلك القصّة أم لا، أنا نفسي كنت موجوداً وكان العلاّمة يلبس قِباءً، وكان البقيّة يقومون بأعمال التنظيف وأنا كنت أجلس جانباً مع أحد الأقارب، وهذا الشخص كان لديه بعض المسائل .. كان لديه بعض المشاهدات، وكان يقول لي هذه المسألة: كيف يمكن للإنسان أن يرى الشمس ثمّ يتنكّر لها؟! (وكان يتكلّم عن أحد أقاربه، وهو من أقاربنا الذين بيننا وبينه نسب، وكان قد تتلمذ على المرحوم العلاّمة لمدّة ثمّ تركه وذهب، و ليته اكتفى بالذهاب و حسب، و لم يظهر إفاضاته و كرم أخلاقه تجاه الأعاظم وأولياء الله!!) حسناً.. قال ذلك الشخص لي: كيف للإنسان أن يرى الشمس ثمّ يقوم بما قام به؟! فهو اليوم يرى الشمس، يعني: هو يرى الواقع والحقيقة بنفسه ..بعقله.. بعينه، ثمّ يأتي غداً فيفعل هذه الأفعال؟! كيف يمكن لهذا أن يحصل؟ وما هي الحالة التي تحصل للإنسان بحيث يسقط عن هذه الرتبة وعن هذه المنزلة، كيف يمكن للإنسان أن يسقط بحيث أنّه حتّى الأمس كان يرى الشمس أما اليوم فلم يعد يراها؟!
فقلت له: يا فلان اذهب واستجر بالله، ولا تتخلّينّ عن الطلب والعجز و الرجاء منه أن [يحفظ عليك إيمانك]، وإلاّ فسيأتي يوم تنكر أنت فيه الشمس الواضحة. لقد خرج ذلك الكلام من لساني فجأةً، كنت أودّ أن أضرب مثالاً لا أكثر ولكن خرج من فمي هذا الكلام، وكأنّ شيئاً ما...
وهو بدوره لم يقل لي شيئاً ومضى الأمر، ثمّ مرّت السنوات، وشيئاً فشيئاً كانت تظهر بعض المسائل وكانت حالاته تزداد قوّة، وفي يوم من الأيّام كان يقول لي: لقد أمرني السيّد العلاّمة أن أكرّر ذكر اليونسية في حال السجود 400 مرّة، ولكن أنا أرى أنّ لي حالاً جيّدة، وبدلاً من ذلك فأنا أقرؤها 2000 مرّة، فقلت له: فإذاً هناك 1600 مرّة منها باطلة! إذ عليك أن تلتزم بما قيل لك! فقال: ما دمت أرى أنّ حالي جيّدة فلماذا لا أزيد؟! قلت له: أفلا يدري السيّد العلامة أنّ حالك جيّدة؟! إن كان لا يدري فلماذا تذهب إليه وتراجعه؟ وإن كان يدري فلماذا تزيد؟! فأنت إذاً تقرأ 1600 مرّة باطلاً، فقال: أنا لا أقتنع بهذا الكلام، قلت له: أنا قد بيّنت الأمر لك، و الاختيار لك.
جيّد؟ هذا نفسه، ذهب وسار وتقدّم و بدأ حاله يتغيّر فالإنسان لا يبقى على حاله، بل يجد حالاً ويجد فكراً ويجد مسائل جديدة، وشيئاً فشيئاً يبدأ بالانتفاخ!! أرأيتم البالون كيف ينفخونه، فهذا كذلك، لقد وصل إلى مرحلة قال فيها: وفقاً لأمر حضرة صاحب الزمان، أنا ينبغي من الآن فصاعداً أن لا أتّبع السيّد فلاناً، فقلت: يا ويلاه، لقد وصل عمله إلى نتيجته، إنّه يقول: "وفقاً لأمر حضرة صاحب الزمان"!!! قلت: اذهب إلى "حضرتك" هذا واسأله ـ قلت له اذهب إلى حضرتك أنت ولم أقل له اذهب إلى حضرة صاحب الزمان، نعوذ بالله وأستغفر الله أن نتجاسر على ساحة الولاية، فقلت له: اذهب إلى حضرتك لأنّ حضرته هو حضرة الشيطان لا حضرة الرحمن ـ قلت له: اذهب إلى حضرتك واسأله هذا السؤال: إن جاء هذا الرجل الذي كنتُ في خدمته حتّى الآن وأمرني أن لا أتّبعك فماذا ترون؟ إن قلتم اتّبعوه، فستكونون مخالفين لأمركم [الثاني]، ولن تكونوا حضرة صاحب الزمان حينئذ، وإن قلتم: اتّبع أمري ولا تتّبع أمره، فأمره سيكون معارضاً لأمري وسيكون ساقطاً عن الحجيّة، لأنّ الفرض أنّ أمري هذا هو الحجّة، ومن يسقط كلامه عن الحجيّة كيف كان كلامه حجّة إلى الآن؟! فهل سقط الآن عن الحجيّة؟ أم أنّه منذ البداية كان ساقطاً عنها؟ لا بدّ أنّه كان من البداية كذلك وكان الارتباط به ارتباطاً غير مشروع. فاذهب واسأله هذا السؤال واطلب منه الجواب عليه، فذهب ولم يرجع بجواب.
بلى فهناك الكثير من المسائل التي شاهدناها ونشاهدها من هذا القبيل.
حسناً.. لقد مضت تلك الحادثة، وفي يوم من الأيّام كنّا في محضر المرحوم العلاّمة، وكان هناك شخص آخر من الإخوان، وهو الآن يسكن في إحدى المناطق ويقوم بالتبليغ والترويج ومتابعة هذا المسير والسير الممضى والمكلّف به، فالتفت إليه المرحوم العلاّمة وقال له: تذهب إلى طهران وتلتقي بفلان وتقول له: إنّ من تعدّه إمام الزمان هو شيطان ـ وقد كنتُ في تلك الغرفة حينما كان المرحوم العلاّمة يقول له هذا الكلام ـ ثمّ قال له: أنا أقول لك هذا الكلام كيلا تقول غداً: إنّ الأولياء العظام رأوا أحوالنا ولم يقوموا بتذكيرنا!
إنّ نفس هذا الرجل هو الذي كان يقول: هل يمكن لإنسان أن يرى الشمس ثمّ ينكرها؟! فانظروا إلى أين وصل، والموقف العجيب هو أنّ ذلك الأخ يقول: ذهبت إلى طهران وبحثت عن ذلك الرجل وأوصلت إليه الرسالة، فلمّا أخبرته بها اسودّ لون وجهه وأطرق رأسه إلى الأرض، ولم ينبس ببنت شفة، ثمّ وبعد بضع دقائق رفع رأسه وقال: لا ليس الأمر كذلك، بل إنّ ما نراه هو الصحيح، وهو الحقّ!! ثمّ ابتلي بعد ذلك بمسائل أخرى لن نتعرّض لها.
حسناً فماذا حصل؟! نفس هذا الرجل الذي كان يقول هل يمكن للإنسان أن يرى الشمس ثمّ ينكرها؟! ما حصل هو أنّ الأولياء العظام قالوا له: لا تفعل ذلك! وقد أرسلوا رسالة أن التزم بالمقدار المحدّد من الذكر المعطى لك ولا يحقّ لك أن تضيف مرّة واحدة من عندك.. قالوا: لا تفعل، ولكنّه لم يلتزم فوصل إلى حيث ينكر الشمس، عندما يقولون: 400 مرّة فلا بدّ من قراءة 400 مرّة، ولا ينبغي القيام بذكر 400 مرّة ومرّة إضافية، و عندما يقولون: 100 مرّة أو 200 مرّة [فعلى الإنسان أن يلتزم بذلك]، وحتّى عندما يقولون: أصلاً لا ينبغي أن تقوم بهذا العمل فلا ينبغي أن تقوم به، و إذا قالوا: أنت ينبغي أن تقوم بهذا فينبغي أن تقوم به، وهذا ليس ديكتاتوريّة وليس محوريّة للذات، أيّها الأحمق العزيز! إنّ هؤلاء يقولون كلّ ذلك لصالحك أنت، وليس هناك من فائدة تعود عليهم، فهم يرون أنّك إذا أردت أن تستمرّ على هذا النحو ستواجه غداً هذه المعضلة، وهذه المشكلة التي وقعت فيها، فهذه نتيجة أيّ شيء؟
إنّ هذا بسبب أنّ آمالنا ورغباتنا ليست هي رغبات أولياء الله. إذ لو كانت رغباتنا مطابقةً لرغبات العظماء ورغبات أولياء الله ورغبات أولئك الذين يقولون: «عظُم يا سيّدي أملي»، فعلينا أن ننتخب طريقاً يتناسب مع تلك الرغبات، لا أن نقوم بكلّ ما يحلو لنا، ونسلك كلّ طريق يُعجبنا، ونخوض في كلّ مسألة تروق لنا.
وقد أورد هذا الحقير بعض المطالب في الجزء الثاني من كتاب >أسرار الملكوت<، ولا داعي لنا الآن لذكر الأسماء والتفصيل أكثر، فالرفقاء ـ بالطبع ـ قد قرؤوا ذلك وطالعوه بأنفسهم. واعلموا أيّها الرفقاء والأصدقاء أنّني كنت حريصاً جداً عند كتابة هذا الكتاب و كنت دقيقاً كلمةً كلمةً، أي أنّني كنت أفكّر هل يُمكنني أن أمسح هذه الكلمة وأضع بدلها كلمةً أخرى مرادفة أفضل منها.. فإلى هذا الحدّ كنت أحاول التدقيق في المسائل، لكي أؤدّي للمطالب حقّها مهما وَسِعني ذلك. وقد ذكرت هناك أنّ طريق ومنهج أولياء الله والعظماء دقيق جدّاً، وبيّنت كيف أنّهم في الأخير يوصلون المطالب إلى الإنسان الذي عليه أن يكون منتبهاً ويقظاً لكي يُدركها ويُحصّلها، والذي يقتنص الكلمات ليصل إلى النتيجة المطلوبة. وأمّا إذا أرخى الإنسان برأسه إلى الأسفل، وتجاهل الأمر، وبدأ يلفّ ويدور، وحاول [الفرار] من المطلب بنحو من الأنحاء، فإنّهم [أي أولياء الله] يُغلقون المسألة ويتجاوزون الأمر، و يتركونه و شأنه. وقد تعرّضت هناك إلى أمثلة عديدة، فليراجعها الرفقاء مرّة أخرى ليروا ما هي المسائل والمطالب التي يُمكنهم استخلاصها من هناك، كما أننّي ذكرت تتمّة المطالب في الجزء الثالث من الكتاب الذي سيُطبع ويُنشر قريباً إن شاء الله تعالى ـ وذلك بحسب ما يسمح به المجال للكلام وبسط الحديث.

    

حقيقة السلوك هي تطهير النفس و ليس الاكتفاء بالأعمال الظاهرية

إنّنا لا نمتلك مثل ذلك الفهم، ومثل ذلك الأمل، ومثل تلك الرغبات، فنظنّ أنّ المسائل هي هكذا، وأنّها منحصرة في هذه الأمور السطحيّة والبسيطة، وفي أن نأتي ونجلس مع بعضنا، ونضحك مع بعضنا البعض، ونقرأ حكايتين من حكايات أولياء الله، ثمّ نأتي بثلاث قصص من كتاب "تذكرة الأولياء" للعطّار النيشابوري، ونستخرج مسألة أو مسألتين من نفحات الأنس للملاّ جامي، ونقوم بجولة في كتاب "طرائق الحقائق" لنرى هل يُمكننا أن نجد فيه شيئاً يزيد من حرارة مجلسنا ومحفلنا، ومسألتين من مولانا وحافظ و...، ونظنّ أنّ المسألة هي بهذا الشكل. لا يا عزيزي ، ليس الأمر كذلك! فهذا لا يُشكّل إلاّ واحداً في المائة من المسألة، وأما التسعة والتسعين المتبقي منها فيرجع إلى النفس، فما الذي يُمكننا فعله تجاه ذلك؟! فتسعة وتسعون بالمائة منها ينبغي عليك أن تنقّب عليه في داخلك، وواحد بالمائة فقط يتعلّق بالصلاة والصيام والذكر وصلاة الليل وأمثال ذلك.. واحد فقط، والتسعة وتسعون المتبقّي هي مسائل نفسانيّة، وهي التي تُثقل كاهل الإنسان، وتقصم ظهره في يوم من الأيّام؛ وبالتالي يُعدّ استذكار هذه المسائل هو الأمر الذي يجب الاهتمام به. وأمّا بالنسبة للصلاة، فحتى الإنسان الآلي (الروبوت) يستطيع أداءها، بل يُمكنه أداء أكثر من ذلك! فإذا قمت بشحن إنسان آلي، فإنّه سيصلّي من أجلك سبعين ركعة في اليوم عوضاً عن سبعة عشر، ويُؤدّي عنك جميع صلواتك الفائتة مهما بلغت، ويكفي فقط أن تفسح له المجال [يبتسم سماحة السيّد]!
فماذا كان الخوارج؟! كانوا أناساً آليّين. وماذا كان أهل السنّة الذين اتّبعوا الخلفاء؟! كانوا أناساً آليّين.. كانوا يُصلّون ألف ركعة في ليالي شهر رمضان، لكن ماذا كانوا؟ كانوا آليّين، لماذا؟ لأنّهم كانوا يُصلّونها جماعة، مع أنّ الرسول قال بأنّ نوافل شهر رمضان يجب أن تؤدّى فرادى، فلماذا تُؤدّونها جماعةً؟ لأنّها سنّة عمر! و هم إلى حدّ الآن يُؤدّونها جماعة، وإذا اطّلعتم على المسجد الحرام ومسجد النبي ومساجد أهل السنّة، ستلاحظون أنّهم يُؤدّونها جماعةً... إنّ أداءها جماعةً هو عمل حرام، ومخالف لسنّة رسول الله، وباطل، فالسنّة منحصرة في سنّة رسول الله وسنّة علي، والباقي باطل وحرام. فلتؤدّ تلك الصلاة، إلاّ أنّها لن تخرج عن كونها صلاة آليّين! وإذا قمت بشحن الإنسان الآلي، فإنّه سيُصلّي عشرة آلاف ركعة بدلاً عن ألف، لكن كم سيعطيه الله تعالى من الثواب؟ لا شيء..صفر!! وعندما ينتهي الشحن، وتفرغ بطّاريته، وتنتهي مدّة برمجته، فإنّه سيتوقّف... السلام عليكم ورحمة الله.. يقولها ثلاثاً ويتوقّف! ثمّ تقوم بالضرب على هيكله، فينطلق مرّة أخرى.. يقوم ويُكبّر تكبيرة الإحرام ويقرأ سورة الفاتحة ويقول >ولا الضالين< بإتقان إلى درجة أنّك لا يمكنك تقليده مهما حاولت إلى نهاية عمرك، وسيقرأ >إيّاك نعبد وإياك نستعين< مع التركيز بشدّة على مخارج الحروف، لكن ما قيمة كلّ ذلك؟ لا شيء!! وإلى أيّ حدّ ارتفعت صلاته؟ صفر، لماذا؟ لأنّه إنسان آلي!
في هذه الأيّام صنعوا إنسانا آليّاً يقوم بتنظيف المنزل بشكل جيّد، ويسقي الأرض، وأمثال ذلك.. وكلّ ذلك من خلال جهاز التحكّم عن بُعد، فقد أصبح المجال مفتوحاً في هذه الأيّام للقيام بمثل هذه الأمور، لكن ما قيمة كلّ ذلك؟ لا شيء، لا قيمة له أصلاً! فباستطاعة الإنسان أن يُصلّي، غير أنّ الصلاة التي تصعد إلى الأعلى إنّما هي تلك الصلاة التي تكون تحت طاعة علي عليه السلام، و تلك الصلاة التي تكون تحت طاعة الإمام المجتبى هي التي ترتفع إلى أعلى، لا الصلاة مجرّدة عن ذلك، فهي لا فائدة منها؛ لأنّ الصلاة بدون الإمام المجتبى هي صلاة الرجال الآليّين، والصلاة بدون سيّد الشهداء هي صلاة آليّين.
لقد كان جنود عمر بن سعد يُصلّون أيضاً.. أفلم يقم هؤلاء في اليوم الحادي عشر [من محرّم] بأداء صلاة الميّت على جثامين أمواتهم ـ أوردهم الله في قعر جهنّم ـ! لقد أدّوا صلاة الميت على جثث أولئك الأموات، وتركوا جثمان ابن الرسول [من دون صلاة]، ما شاء الله! ويسمّون هذا إسلاماً! لقد كان هذا هو إسلامهم! لماذا؟ لأنّ هؤلاء كانوا من الذين رأوا الشمس [في رابعة النهار]، ثمّ قاموا بعد ذلك بالإنكار، ونحن أيضاً على نفس المنوال، غاية الأمر أنّنا متأخرّون عنهم بألف وأربعمائة سنة.. نحن أيضاً من هذه الطائفة.. نحن أيضاً سبّاحون ماهرون، غاية الأمر أنّنا لا نمتلك القدرة والقوّة، ولو مُنحنا قدرة ومكنة، فلن نختلف عن يزيد وابن زياد في شيء، ولن نختلف عن عمر بن سعد وخولي وسنان، لماذا؟ لأنّ هؤلاء لم يكن لهم ذيل ولا قرون، بل كانوا أناساً يمتلكون فكراً وعقلاً وكريّات بيضاء وحمراء وبلازما وأمعاء وقلب وصدر وغير ذلك، وكانوا يتوفّرون بدورهم على وجدان وفطرة، وكانوا يتمتّعون بالمواهب الإنسانيّة، لكن ما الذي حصل؟ ما هي المسألة التي طرأت حتى جاء هؤلاء وارتكبوا هذه الفجائع في عاشوراء، ووصل بهم الأمر إلى أن يجعلوا من الطفل ذي الأشهر المعدودات غرضاً لنبالهم؟ فهل تتصوّرون أن يقوم بذلك شخص يُصلّي ويصوم ويقول: >أشهد ألاّ إله إلاّ الله وأشهد أنّ محمداً رسول الله<؟! أفلا يُعدّ هذا الطفل حفيداً لذلك الذي تقول في حقّه: >أشهد أنّ محمداً رسول الله<؟! عجيب جدّاً! أفلم يكن أبوه يُصلّي! أفلم يكن أبوه يصوم! أَفَهل قام أبوه بتحليل حرام؟! لقد قال الإمام الحسين يوم عاشوراء: هل حلّلت حراماً؟! وهل حرّمت حلالاً؟! هل ارتكبت معصيةً أو بدعةً؟! لقد كان من المقرّر ـ وفقاً للصلح الذي عُقد بين أخي وبين أبي يزيد هذا الذي لا أصل له ولا نسب ـ أن الخلافة من حقّي بعد موت معاوية، غير أنّ يزيد قام بنقض هذا الاتفاق، فلجأتُ إلى المعارضة.
حسناً، فبدل أن يقول هؤلاء الجنود: إنّ الحقّ معه ـ فمسألة الصلح لم تكن خافية على أحد، وقد كان كلّ أهل الحجاز والشام وكلّ الناس يعلمون بها ـ فلماذا إذن لم يقولوا أنّ الحقّ معه؟ لماذا؟ لأنّهم قاموا بفصل أنفسهم بالتدريج.

    

الانحراف يحصل بالتدريج دون أن يلتفت الإنسان

انتبهوا، فذلك لا يحصل دفعة واحدة! لقد بدؤوا يرتكبون المعاصي شيئاً فشيئاً.. شيئاً فشيئاً، نعم، كانوا يرتكبون المعاصي مرّة بعد أخرى حتى بلغوا إلى درجة أنّه لمّا قال لهم الإمام الحسين: دلّوني على موضع الخطأ من كلامي وسأتراجع عن المسير فوراً، فإنّ الجميع بقي واقفاً يحدّق فيه. قولوا لي، أخبروني ما هو الحلال الذي حرّمته! بقوا هكذا ينظرون إليه.. ثمّ قالوا: لا، نحن لا نقبل بهذا الكلام، ويجب عليك أن تستسلم وتُبايع!! فما معنى >نحن لا نقبل بهذا الكلام وقد يصل الأمر ـ وهو عمل لا يقوم به حتى ذئب البراري ـ إلى حدّ أن يأتي الأب بطفله ذي الأشهر المعدودات من أجل أن يسقى.. ألا ترونه كيف يتلظّى عطشاً.. خذوه واسقوه الماء بأنفسكم! فيرمونه بالسهم، ويظلّون محدّقين هكذا! هذا اليوم هو يوم الخطر بالنسبة إلينا! وعلينا ألاّ ننظر إلى قصّة عاشوراء كقصّة مضت وانقضى عليها الحال، فاليوم هو يوم عاشوراء بالنسبة إلينا، وكلّ يوم هو يوم عاشوراء بالنسبة إلينا، حتى لا نصل ـ لا سمح الله ـ إلى هذه المرتبة. لأنّه إذا وصلنا إلى هذه المرتبة، فإنّنا سنسجن الأبرياء ونضربهم ونقتلهم، ثمّ نبرّر ذلك كلّه!! أجل.. سنقتل ونسرق ونسحق، ثمّ نبرّر ذلك، بل سنصوّره أنّه في سبيل الله تعالى!!! وهذا نفس ما قاله عمر بن سعد يوم عاشوراء حينما نادى: يا خيل الله اركبوا !! وبسم الله.. يا للعجب! أنت الذي كنت تقول البارحة بأنّك تعلم بأنّك ذاهب إلى جهنّم، جئت تسمّي الآن هؤلاء "خيل الله"! ألم تقل بنفسك للإمام الحسين: (إنّني متيقّن بدخولي جهنّم، لكن ماذا أفعل بحكومة الري، فأنا لا أستطيع تركَها تُفلت من بين يدي)؟!!، ثمّ جئت الآن لتقول للجنود "يا خيل الله"! يا له من شخص عجيب!
إنّ الإنسان هنا يتلاعب بالألفاظ، و نفس الألفاظ التي تُستعمل في ذلك الطرف تأتي إلى هذا الطرف.. نفس لفظ >الله< هو هو.. نفس >بسم الله< هي هي.. نفس >الحمد الله< هي هي، ونفس هذه الصلاة هي تلك الصلاة، ونفس هذا الصيام هو ذلك الصيام. لاحظوا، فهي متطابقة تماماً في الظاهر، ولا تتفاوت إلاّ في القلب، وفي النيّة التي يمتلكها هذا والنيّة التي يمتلكها ذاك، وفي النية والحالة التي يصلّي بها الإمام الحسين وأعوانه وأنصاره، و النية التي يُصلّي بها الآخرون، هذا مع أنّ الصلاة واحدة في الظاهر. لعمرك إنّ نفس >الله أكبر< الموجودة هنا موجودة هناك ..هي هي، فهذا يتوضّأ، ويغسل وجهه أوّلاً بيده اليمنى، ثمّ يغسل يده اليمنى واليسرى، ويمسح، ويأتي بكلّ ذلك كما هو كاملاً، ثمّ يقوم للصلاة، بل إنّه يشعر بالسرور أنّه قد صلّى !!

    

الاختلاف الكبير بين أملنا و أمل الإمام السجاد عليه السلام

إنّ هذه المطالب هي مطالب عليكم أن تأخذوها بعين الاعتبار إلى أن نرى في الليالي القادمة ـ إن شاء الله ـ ما هي طبيعة هذا الأمل، وبماذا يختلف أمل الإمام السجّاد عن أملنا ورغباتنا نحن، بحيث يكون بينهما كلّ هذا البون الشاسع؟ وما هي النيّة التي يحملها الإمام السجّاد، وما هي النيّة التي نحملها نحن؟ فعندما يقول عليه السلام: «عظُم يا سيّدي أملي»، فنحن نقول بأنّ هذا ما يوجد لدينا أيضاً.. هو نفس هذه الجنّة، وأداء التكاليف الإلهيّة، وكسب رضا الله تعالى، ونفس هذه الأمور التي نمتلكها نحن. كلاّ، إنّ المسألة مغايرة تماماً، ومقدّماتها مختلفة أيضاً؛ فهو يطلب شيئاً، ونحن نسعى وراء شيء آخر. نحن نمارس التمثيل ونؤدّي أعمالاً استعراضيّة ونقوم بالتقليد والمحاكاة، هل التفتّم؟ نقوم بالتقليد والمحاكاة، وإلاّ فإنّ من يريد سلوك هذا الطريق والمنهج، عليه ألاّ يُدير رأسه يميناً ويساراً، بل يرخي رأسه إلى الأسفل، ولا يُدير عينيه إلى هذا الاتجاه وإلى ذلك الاتجاه، بل يحنيهما إلى الأسفل، ويبحث عمّا كان يفعله العظماء، وعدّة أمور وأعمال أخرى.. نرجو من الله تعالى أن يُلفت نظرنا ويُبصّرنا ويُرقّي فهمنا؛ إذ أنّ جميع هذه المطالب والمسائل ترجع إلى الفهم.
في أحد الأيّام، كان المرحوم العلاّمة جالساً، وكان الحديث يدور عن السيّد الحدّاد رحمة الله عليه، فنظر إلى والدتنا ـ رحمها الله وشمل برحمته الواسعة جميع الماضين من شيعة أمير المؤمنين عليه السلام ـ وقال: أنا لم أر شخصاً في هذا العالم يمتلك فهماً أكثر من هذا الرجل.. يمتلك فهماً أكثر. فلم يقل (يمتلك حالات أفضل من الجميع)، ولم يتحدّث عن الحالات والمشاهدات والمكاشفات العرفانيّة، بل تحدّث عن فهمه وقال (لم أر شخصاً يمتلك فهماً أكثر)، نرجو من الله تعالى في هذا الشهر أن يفتح أفهامنا، وأن يُبصّرنا بالمصالح والمفاسد التي تواجهنا، ويجعل طريقنا ونهجنا محلاًّ لرضاه ورضا أوليائه.

اللهمّ صلّ على محمد وآل محمد.

      
  

جميع الحقوق محفوظة لـ موقع المتقين www.motaghin.com ويسمح باستخدام المعلومات بشرط الإشارة إلى المصدر.

© 2008 All rights Reserved. www.Motaghin.com


Links | Login | SiteMap | ContactUs | Home
عربی فارسی انگلیسی