معرض الصور المحاضرات صوتيات المكتبة سؤال و جواب اتصل بنا الرئیسیة
 
اعتقادات و كلام أخلاق حکمة عرفان العلمي و الإجتماعي التاریخ القرآن و التفسير
المكتبة > محاضرات آية الله السيد محمد محسن الطهراني > سلسلة محاضرات شرح حديث عنوان البصري > شرح حديث عنوان البصري - من رقم 1 إلى رقم 100 > شرح حديث عنوان البصري ـ الجلسة 6: إمكانيّة طيّ الطريق قبل الوصول إلى الوليّ الإلهي

_______________________________________________________________

هو العليم

إمكانيّة طيّ الطريق قبل الوصول
إلى الوليّ الإلهي

شرح حديث عنوان البصري المحاضرة السادسة

 

سماحة آية الله
السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهراني
حفظه الله

_______________________________________________________________

تحميل ملف البد دي أف تحميل ملف البد دي أف

أعوذُ بالل‍ه من الشّيطان الرّجيم
بسم الل‍ه الرّحمن الرّحيم
ألحمد للّ‍ه ربّ العالمينَ والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
وخاتم النبيّين محمد وعلى آله الطيّبين الطاهرين
واللَعنُة على أعدائهم أجمعين

    

ما العمل عند فقدان الأستاذ الكامل؟

تقدّم في التفسير والشرح المجمل لحديث عنوان البصري الشريف، أنَّ الفقرة الأولى من الكلام الشريف للإمام الصادق عليه السلام لعنوان البصري تبيّن كيفيّة علاقة الإنسان بمقام الولاية ـ في زمان الغيبة أو الحضور ـ عند عدم التمكّن من الوصول إلى الإمام عليه السلام، حيث يقول الإمام لعنوان البصري في هذه الفقرة: «إنّي رجلٌ مطلوب»؛ أي إنَّني مُراقَب من قِبل أجهزة السلطة، وإنَّ الحكومة ترصُد علاقتي مع الآخرين، كما أنَّ الإمام يُريد من عنوان في الفقرات الأخرى المتعلّقة بأموره الشخصيّة أن يحدَّ من علاقته به.
وكما لا يخفى، فإنَّ حقيقة الأمر هي كذلك؛ لأنّ الإمام ـ كما هو مُلاحظ ـ يُعطي لعنوان البصري برنامجاً ليعمل على أساسه، ويقول له: عليك من الآن فصاعداً أن تقوم بما يجب عليك؛ فقد أعطيتك البرنامج وبيّنت لك حقيقة الأمر؛ أمّا ما تبقّى فهو في عهدتك.
سبق وأن قلنا: بأنَّ هذا الأمر ليس مُختصّاً بعصر الغيبة، فالأمر هو كذلك في زمان الحضور أيضاً؛ فما هو تكليف الذين يعيشون في بلد آخر غير الذي يسكنه الإمام عليه السلام ولا يتمكّنون من الوصول إليه؟ فعلى سبيل الفرض، عندما يكون الإمام في المدينة أو في مرو أو في خراسان، أو مثل الإمام الهادي والإمام الحسن العسكري حيث كانا تحت الإقامة الجبريّة، أو مثل الإمام موسى بن جعفر حين كان مسجوناً، ولا يتمكّن حتّى الساكنون معه في نفس المدينة من الوصول إليه؛ فكيف سيكون مصير السلوك في هكذا حالة؟ وكيف سيتمّ ارتباطهم بالإمام ومقام الولاية؟
هذه هي المسألة التي لم نكن قد أدركناها بالشكل المطلوب قبل ظهور مؤلّفات المرحوم العلاّمة؛ نعم، كانت توجد في كتب وكلمات الأولياء العظام قبله مواضيع متفرّقة حول لزوم الرجوع إلى الأستاذ ـ سواءً كان المعصوم عليه السلام أو نائبه الخاصّ والذي هو الوليّ والأستاذ الكامل ـ ، ولكن لم يسبق قبل المرحوم العلاّمة وظهور مؤلّفاته أن تمّ بيان مثل هذه المواضيع بكلّ هذا الوضوح؛ فقد كشف المرحوم العلاّمة في مؤلّفاته النقاب عن هذه الحقيقة وذلك بعبارات مختلفة قائلاً: «لا يمكن الوصول إلى مقام الأحديّة والفناء في ذات الحق بدون الاتّصال بالأستاذ الكامل».[1]
وقد كان كلّ من المرحوم القاضي والمرحوم الحدّاد ـ رضوان الله عليهما ـ يؤكّدان على هذا الأمر، كما كان المرحوم الأنصاري ـ رضوان الله عليه ـ يُشير إلى ضرورة الرجوع إلى الأستاذ الكامل أيضاً، وأخيراً بيّن المرحوم الوالد ـ أعلى الله مقامه ـ هذا الأمر على مدى حياته مراراً وتكراراً بحيث أزاح أيّ احتمال للشكّ والإبهام بشأنه؛ ففي كتاب الروح المجرّد وعند ذكره لقضيّة الخلاف الذي حصل بين مريدي المرحوم الأنصاري ـ رضوان الله عليه ـ ، يُصرِّح بأنَّ: الرجوع إلى الأستاذ الكامل هو الشرط الأساسي لسلوك الإنسان والحركة إلى الله.[2]
ولكنّنا في هذا المجال نجد أنفسنا أمام إشكالات عدّة واعتراضات مختلفة:
أولاً: هل كان العلاّمة نفسه تحت إشراف أستاذ كامل منذ بداية سيره وسلوكه، أم لا؟
ثانياً: كيف يمكن تبرير موضوع سلوكه قبل وصوله إلى المرحوم الحدّاد، حيث كان تحت إشراف العديد من العظماء ولسنوات متمادية، مع أنّه هو نفسه يقول: إنّ طريق وصول الشيطان للإنسان مُيسَّر في حالة عدم رجوعه إلى الأستاذ الكامل؛ فيكون مُعرَّضاً لخطر سطو الشيطان بشكل دائم؟
و توضيح ذلك: إنَّ المرحوم العلاّمة كان في بداية الأمر تحت إشراف المرحوم العلاّمة الطباطبائي ـ رضوان الله عليه ـ ، وكان رجوعه إلى المرحوم الشيخ عبّاس القوجاني ـ رحمة الله عليه ـ بأمر منه، كما استفاد من محضر المرحوم السيّد جمال الدّين الكلبايكاني في النجف، وكان على صلة بآخرين أعتذر عن ذكر أسمائهم، وفي السنوات الأربعة الأخيرة من إقامته في النجف ـ حيث كان مجموع مدّة إقامته هناك سبعة سنوات ـ كان تتلمذه منحصراً بالشيخ محمّد جواد الأنصاري.
فالكلام هنا في أنَّه: هل كان سيره هذا ـ وربّما سير العديد من الأشخاص الشبيه بهذا السير ـ سيراً وسلوكاً واقعيّاً، أم أنَّه ـ والعياذ بالله ـ كان سيراً إلى جهنّم؟ وهل كان سيره في هذه المدّة سيراً إلى جهنّم حقّاً، أم سيراً لرفع الحجب الظلمانيّة والنورانيّة وحركة إلى الله؟
و الأمر المهمّ الآخر هو: لماذا رجع إلى المرحوم السيّد الحدّاد؟ مع أنَّه يقول في كتابه: «عندما وصلت إلى المرحوم الأنصاري، فكأنَّما وصلت إلى نبيّ»[3] ، فما هو الموجب ـ والحال هذه ـ لرجوعه إلى المرحوم الحدّاد؟ وما هو مبرّره لهذا الرجوع؟
ومن الإشكالات التي تُطرح أيضاً أنّه: هل كان الأشخاص الذين رجع إليهم [المرحوم العلاّمة] من الكُمَّل، أم لا؟
يستطيع الحقير أن يقول وبشكل قاطع: إنَهم لم يكونوا من الكمَّل! وعلى أقلّ تقدير، يُمكن استفادة هذا الأمر من عباراته بشأن المرحوم الحاج الشيخ عبّاس القوجاني، حيث إنَّه لم يكن كاملاً قطعاً. بالطبع، فإنَّ المرحوم الحاج الشيخ عبّاس القوجاني كان قد نقل عن المرحوم القاضي قوله له: بأنَّه سيُفتح لك الباب في آخر عمرك وستصل إلى المقصد، وقد ذكر في رسالته التي كان قد أرسلها إلى المرحوم العلاّمة في أواخر عمره بأنَّني أُشاهد الآن آثار تلك البشرى التي سمعتها من المرحوم آية الله الحاج السيّد علي القاضي الطباطبائي؛ وها هي تباشيرها قد ظهرت.
على كلّ حال، فإنَّ هذه مواضيع ومشاكل يطرحها علينا هذه الأيّام أصدقاؤنا وأخلاّؤنا في إيران وخارجها. ففي سفرنا الأخير هذا، حيث كانت لنا ولله الحمد مباحثات مع الكثير من أصدقائنا الذين كانوا يطرحون علينا بعض القضايا، وكانوا مهتمّين كثيراً بمطالعة هذه الكتب والتدبّر والتعمّق في محتوياتها، وكانوا مُجدّين وباحثين عن الحقيقة؛ فقد كان من أهمّ التساؤلات التي سمعناها منهم في هذا الشأن مسألة الرجوع إلى الإنسان الناقص؛ فبناءً على ما تمّ التصريح به في كتب المرحوم العلاّمة من قبيل: «إنَّ هذه أرضيّة مناسبة لتدخّل الشيطان، حيث من الممكن خلالها أن يُوقِع الإنسان في الخطر، وقد ينحرف الإنسان ويضيع في صحراء الهلاك»[4] ، كانوا يطرحون تساؤلات بشأن تطبيق مصداق هذا الأمر على الوضعيّة الراهنة؛ لهذا، سأطرح هذه الليلة بشيء من الوضوح مجمل المواضيع التي لم أكن قد تطرّقت إليها حتّى الآن، على أن أواصل الحديث عن بقيّة فقرات حديث عنوان البصري الشريف في المجلس القادم إن شاء الله.

    

خلوص النيّة وتفويض الأمر لله تعالى أهمّ الأمور في هداية الإنسان

لا بدّ أن نلتفت إلى أنَّ أهمّ ما يؤثّر في هداية الإنسان ومساعدته وفي علاقته مع ربّه هو التسليم وخلوص النيّة وتفويض الأمر إلى الله؛ فهذا يشكِّل محورجميع حالات وحركات وسكنات الإنسان في السير والسلوك.
يجب على الإنسان أن يكون صادقاً في تفويض الأمر وخلوص النيّة والتسليم للمشيئة الإلهية، وألاّ يخدع نفسه في ذلك؛ فإذا ما تبيَّن له صواب أمر ما، فلا يلجأنّ إلى الإغماض عنه، وإذا ما اتّضحت له حقيقة أمر معين، فعليه التسليم وعدم اللجوء إلى المماطلة والكتمان والنفاق؛ وكما ذكرنا سابقاً، فالمهمّ للإنسان في السير والسلوك هو العمل بما يعلم؛ فلا معنى للكتمان والإخفاء لدى الساللك، ولا معنى للاختباء، ولا للمماراة والنفاق.
وعلى الإنسان أن يسير وفقاً للحقيقة التي يتوصّل إليها، وعلى السالك أن يسعى للوصول إلى الهدف المطلوب؛ أي يسعى لتحقيق المشيئة الإلهيّة والتقدير الذي قدَّره الله له، وعليه أن يتحرّك وفقاً للفهم والبصيرة واليقين والتي يمكن أن تحصل لديه من وسائل مختلفة؛ وهذا أمر في غاية الأهميّة؛ وأمّا اختلاف نوعيّة وكيفية التقدير الإلهيّ، فليس له تلك الأهمّية بالنسبة للإنسان؛ فمثلاً لا علاقة للإنسان بأنَّه: لماذا قدَّر الله له هذا اليوم أمراً، وفي الغد أمراً آخر؟ وذلك لأنَّ الله قدّر كلّ ذلك على أساس المصلحة، ولا علاقة لنا بأنّه لماذا يكون أمير المؤمنين إماماً في زمان معيّن، وفي زمان آخر يكون الإمام المجتبى هو الإمام؛ فتكليفنا هو ألاّ نعمل على خلاف مشيئة وإرادة أمير المؤمنين عندما يكون هو الإمام؛ فإذا ما ذهب وجاء الإمام المجتبى، فسيكون هو مظهر أمير المؤمنين، وإذا ما ذهب الإمام المجتبى وجاء سيّد الشهداء، فسيكون هو أمير المؤمنين بالنسبة إلينا؛ ولا يخفى أنّه عندما أقول >أمير المؤمنين<، فلا أقصد هذا اللقب بعنوانه؛ لأنّه مختصّ بالإمام علي بن أبي طالب فقط، ولا يمكن إطلاقه حتّى على بقيّة الله أرواحنا فداه وعجّل الله فرجه الشريف؛ فإطلاق هذا اللقب على أيّ شخص غير أمير المؤمنين هو حرام شرعاً! [5] وأمّا إن كان المقصود هو حقيقة أمير المؤمنين والتي تمثّل مقام الإمامة، فهو متحقّق في وجود سيّد الشهداء عليه السلام أيضاً، وليس في ذلك مجال للنقاش.
فلو فرضنا أنَّ شخصاً يعيش في عصر الإمام السجّاد عليه السلام، فيتمنّى ويقول: «يا ليتني كنت أعيش في عصر أمير المؤمنين»، فلا بدَّ أن يقال فيه: يا لحماقة هذا الرجل! لأنّه لا فرق بين الإمام السجّاد وأمير المؤمنين، أو أنّ رجلاً يكون في عصر الإمام موسى بن جعفر، فيقول: «يا ليتني كنت معاصراً لسيّد الشهداء، فسيّد الشهداء شيء آخر»، فإنَّ ذلك الرجل يكون جاهلاً حقّاً!
لا فرق بين حقيقة الإمام موسى بن جعفر مع سيّد الشهداء، والفرق في الشكل فقط؛ كأن يكون حاجبه أطول وحاجب سيّد الشهداء أقصر، أو أنَّ وزن سيّد الشهداء أكثر من وزن الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام؛ فهل إنَّ السلوك يكون مبنيّاً على أساس الوزن والوصف، حتّى يكون هنالك فرق بين ما إذا كان أحدهما سميناً والآخر ضعيفاً، أو إذا كانت سيماؤهما مختلفة؟! فبناءً على هذا يكون كلّ ذلك ناتجاً عن الجهل.
عند شهادة الإمام الرضا عليه السلام بسمّ الخليفة العبّاسيّ المأمون، جاء شخص إلى المدينة وأخذ يسأل هذا وذاك: من هو ابن الإمام؟ فقيل له: هو صاحب هذا المنزل الذي يتردّد عليه الشيعة؛ فسأل عن حقيقة المسألة، وعن الإمام بعده؟ فقيل له: إنَّ الإمام من بعد حضرة الرضا هو طفل له من العمر عدّة سنوات! فقال في نفسه: من المناسب أن أشتري كرة أقدّمها إليه هدية، فذلك خير من أن أذهب بيدٍ خالية! [6]
على كلّ حال، فقد اشترى لعبة جميلة وجذّابة وملوَّنة بعضها من فضّة، ليقدّمها إلى الإمام الجواد عليه السلام كي يلعب بها في البيت، ولكنّه حين دخل المجلس وجد الشيعة، العظماء، العلماء ورواة الأحاديث مجتمعين في المجلس، ويسألون الإمام.. يسألون عن الشرق والغرب وعن أعجب المسائل الفقهيّة، وكان هذا الطفل ذو السنوات المعدودة يُجيبهم كما يُجيب الإمام ذو الستّين عاماً؛ فيخجل هنا ويقوم بتقديم تلك اللعبة التي خبّأها في كمّه إلى الإمام، فينظر إليه الإمام نظر مغضب، ثمّ يرمي بها يميناً وشمالاً ويقول له: "مَا لِهَذَا خَلَقَنِي اللَّهُ، مَا أَنَا وَاللَّعِبُ؟!".[7]
وهنا نعرف كم كان مقدار إدراك وفهم الشيعة في عصر الأئمّة لمقام الإمام!
فما الذي ينبغي أن نفعله نحن في مثل هذه الظروف؟ هل يجب أن نضع اليد على الآخرى ونقول: ما دام الإمام موسى بن جعفر سجيناً، فالطريق إلى الله مسدود؟! لو فرضنا بأنَّني في خراسان والإمام يسكن في المدينة، فهل يعني هذا بأنَّ الطريق إلى الله قد تمّ إغلاقه؟! أو لو كُنت أعيش في الكوفة، بينما يعيش الإمام في المدينة، فسوف لن يكون هناك من طريق إلى الله، وسيكون الطريق الوحيد إلى الله مُنحصراً بالمدينة، بل وفي ذلك المنزل الذي يتواجد فيه الإمام الصادق ـ على سبيل الفرض ـ ولا غير؟![8]
و الجواب هو: إنَّ كلّ ذلك باطل، ويوجب سدّ الطريق ومنع الإنسان من الوصول إلى الله؛ فالطريق إلى الله غير منحصرٍ بطريق واحد محدّد، بحيث يتوجّب على جميع سكان العالم القدوم إليه للشروع في سيرهم وحركتهم انطلاقاً منه؛ ففي يوم من الأيام، اعترض رجل على المرحوم العلاّمة قائلاً: لماذا لا تضع نفسك في الواجهة لكي يستفيد من وجودك عامّة الناس؟ ولماذا لا يستفيد منك الجميع؟ فقال له: «أيّها السيّد العزيز، إنَّني قد بسطت هذه المائدة لكي يتناول منها الجميع، ولكن أين هو المستعدّ لتسليم نفسه؟!»
أي إنَّه قد تمّ مدُّ هذه المائدة أمام الجميع، ولكنَّه ليس كل الناس حاضرين للجلوس عليها والتناول منها.
وقد جاء أحد العظماء ليتتلمذ عند المرحوم العلامة، وهو الآن في عداد المتوفّين ـ نسأل الله له الرحمة وعلوّ الدرجات ـ حينها قلت للمرحوم العلاّمة: «سيّدي، لا أعتقد بأنَّ هذا الرجل قد وضع جميع قدراته وخصوصيّاته وإمكانيّاته تحت اختيارك!»، فقال: «يا سيّد، إنَّه قد أوكل إلينا جزءاً من عشرة أجزاء، واحتفظ لنفسه بالتسعة الأخرى!»[9]وهنا يجب أن يقال : "گر گدا کاهل بوَد تقصير صاحب خانه چيست؟"[10] ؛
(يقول المثل: إذا كان المتسوّل كسولاً قليل الهمّة في طلبه، فما هو تقصير صاحب البيت الذي يعطيه ما يسأل؟).
فأنتم تلاحظون أنَّه كان عالماً وذا شأن، ولكنّه لم يكن قد سلَّم نفسه بالكامل لوليّ الله.
لقد ذكرت في المجلس السابق أنَّ أحد العلماء والفضلاء كان قد جاء إلى المرحوم العلاّمة، فقال له المرحوم العلاّمة: «هل أنت مستعدّ لتفويض أمورك إلينا حتّى فيما يتعلّق بتلك الأمور والأحداث؟» فكان جوابه بالنفي، فقال له المرحوم العلاّمة: «إنَّ هذا الأمر هو أول منعطفٍ للاختلاف فيما بيننا!» [11]
أي إذا كنت تعتبرني أستاذاً لك، فإنَّني أرى أنَّ في ذلك خطر عليك؛ فلا يمكن للإنسان أن يكون مصداقاً للآية {نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ ونَكْفُرُ بِبَعْضٍ‏}[12] ، ولا معنى لأن يقبل شيئاً ويترك شيئاً آخر.
فبناءً على ما تمّت الإشارة إليه، فالشيء الوحيد الذي يتمحور حوله الدخولُ إلى خيمة مقام الولاية والطريق إلى الله، وما يمثّل عمود تلك الخيمة هو القلب الصافي وخلوص النيّة! فهذا هو الأمر لا سواه!
أي إذا ما اقتضت المشيئة الإلهيّة أن تكون الحركة في زمان ما على هذا النحو، أو اقتضت الارتباط بشخص معيّن، أو اقتضت الحرمان، فلا يجب علينا الاعتراض أبداً.
فالسالك يُسلِّم نفسه إلى الله في جميع الأحوال ويقول: يا ربّ، أنا مستعدّ لإنجاز ذلك المقدار الذي تتوقّعه منّي، وواضعٌ قلبي تحت اختيارك في مسيري إليك؛ وأمّا ما سوى ذلك فهو خارج عن إطار إرادتي، وأنا أحاول إنجاز ما بوسعي، فقل لي ماذا أفعل؟ هل أحمل متاعي على ظهري وأطوف في المدن؟ فقل لي إلى أيّ مدينة عليّ أن أذهب وأطوف؟ وإذا كنت تريد مني أن أرتحل من هذا البلد إلى ذاك، فقل لي إلى أي بلد أذهب وأيّ مكان أقصد وأين أحطّ رحل إقامتي؟
فالأمر في ذلك كلّه هو إلى الله لا إلينا، ونحن ليس بيدنا إلاّ أن نجعل القلب صافياً وخالياً من الحقد والخداع، بحيث لا يكون لدينا أيّ اعتراض أو تشويش خاطر فيما إذا اقتضت الإرادة والمشيئة الإلهيّة بشأننا أمراً ما.
فإنسان كهذا يكون سالكاً إلى الله حقّاً، والسالك إلى الله هو ذلك الذي يكون قد صفَّى قلبه فيما بينه وبين الله إلى الحدّ الذي لا يمكن أن يتواجد معه أي نوع من التشويش عند حدوث أيّ تغيّير أو تبديل في حركته.
عندما وصل المرحوم العلاّمة إلى محضر المرحوم السيّد الحدّاد، وقال له: «يا سيّد محمّد حسين، عليك الذهاب إلى طهران»؛ أجابه على الفور: «كما تريدون!» في الوقت الذي يقول فيه في كتاب الروح المجرّد عن مجرّد التفكير في الذهاب إلى طهران بأنّه: «كان أشدّ من انهيار الجبال على رأسي‏» [13].
ولقد كانت هذه حالته واقعاً! فالقضايا والمشاكل التي واجهها وكانت ملازمة له في إيران جعلته ينفي عن ذهنه وإلى الأبد التفكير في العودة إلى إيران بعدما هاجر إلى النجف؛ وها هو وعلى الرغم من كلّ ذلك لا يجد في نفسه أيّ تردّد عندما يرى أنّ أستاذه السيّد الحدّاد يأمره بالذهاب إلى إيران.
كانت العبارة التي قالها لي هي: «عندما قال لي أستاذي: اذهب إلى إيران، لم يحصل لديّ أيّ تشويش ولو للحظة واحدة!»، ونراه يقول لأستاذه إعراباً عن التأثر للفراق فقط، لا بعنوان الشكوى: سيّدي، هذا هو أوّل وصولي إلى البحر، وهذا هو أول تذوّقي لطعم مقابلتكم، وإنّ فراقكم والبُعد عنكم سيكون أمراً عسيراً»؛ فيجيبه: «لو كنت في غرب الدنيا أو شرقها، فستكون بقربنا».[14]
أو عندما يقول له: عليك الرجوع إلى الشيخ الأنصاري، يُجيبه: >كما تريدون<، ويرجع إلى الشيخ، حيث كان يُفيد من محضره خلال السنوات الأربعة الأخيرة من إقامته في النجف؛ أي لأكثر من نصف مدّة إقامته في النجف الأشرف.
إنَّ الأمر الذي يجب على الإنسان أن يُذكِّر به نفسه دائماً، ولا يدع الشيطان يغلبه فيه هو: ألاّ يكون لديه أدنى حدٍ من الاعتراض على تقدير الله تعالى إذا ما اقتضت مشيئته أن يكون الأمر على صورة أُخرى؛ فهذه هي المسألة المحوريّة لحركة السالك إلى الله؛ فإذا ما كان لدى المرء هكذا حال، فسيكون عندئذٍ سالكاً واقعيّاً؛ لأنَّ كلمة سالك ليست اسماً خاصّاً، وليست شيئاً منمّقاً يُطلَق على عنوان معيّن.
فعلى سبيل المثال: افرض أنّ كلمة الطالب الجامعيّ أو طالب الحوزة تُطلق على من يدرس في الكلية أو الحوزة؛ فلا يُسمّى من يجلس في بيته ولا يذهب للتعلّم طالب حوزة أو طالب جامعة؛ فعليه أن ينتسب إلى تلك الكلّية أو الحوزة الكذائيّة ويجتاز الامتحان ويتمّ قبوله حتّى يصدُق عليه اسم طالب جامعيّ أو حوزوي، أليس الأمر كذلك؟ فما هو السلوك إلى الله؟ إنّ السلوك ليس عبارة عن قلنسوة يضعها الإنسان على رأسه، أو عمامة يلفّها حول رأسه.. إنَّه ليس بالصبغ الذي يصبغ الإنسان به نفسه، وهو ليس عنواناً يُمنح لأحد.. يقول المرحوم السيّد الحدّاد: «إنَّ بعض الناس سلاّك قبل أن يسلكوا »[15] .
وسنبيّن إن شاء الله في الجلسات القادمة من شرح حديث عنوان البصري الشريف ما هو السلوك وما معناه، لكن نقول بشكل إجمالي إنّ السالك يُطلق على الشخص الذي وضع قلبه تحت تصرّف المشيئة والتقدير الإلهيّين.
إذا رأيتم شخصاً في الشارع، لا هو مكتوب على جبينه «إنَّني سالك»، ولا هو يتكلم بشيء عن العرفان، ولكنَّكم وعند التعامل معه رأيتموه خاضعاً أمام الحقّ، ويعمل بما يرى أنّه حقّ[16] ، وهو على استعداد للسير في طريق الحق؛ فاعلموا بأنَّ ذلك الشخص سالك واقعيّ، وتترتّب عليه آثار السلوك، وإنّ هكذا شخص يطوي الطريق ويتقرّب إلى الله بأكثر مما نتصوَّره بشأن الأشخاص الواردين في وادي السلوك الاصطلاحي.

    

قصص واقعيّة عن أشخاص وصلوا للمقامات العالية من دون أستاذ ظاهري

ومن هذا الباب تلك القصة التي نقلها المرحوم العلاّمة في الجزء الأوّل من كتاب نور ملكوت القرآن[17] حول ذلك الشخص الذي قابله في المكتبة والذي كان يتحدّث عن بعض الحالات؛ فهل كان هذا الشخص سالكاً بالمعنى الاصطلاحي للسلوك؟ وهل كان لديه أستاذ؟ وهل تتلمذ على يد أحد؟ لم يكن لديه أستاذ، ولم يحضر لدى أحد، وكلّ ما في الأمر أنَّ ما كان يفعله هو خدمة أُمّه وتحمّل مشاكلها، حيث كان يتودّد إليها وفي المقابل يسمع منها العتاب، وكان يُساعدها بينما يرى منها الجفاء، وكان يقوم بخدمتها عملاً بالتكليف؛ فبناءً عليه، يكون في هذا الإطار سالكاً، ولا شأن لهذا الأمر بوجود الأستاذ.
إنَّ هذا الشخص سالكٌ؛ لأنّه تحمَّل المشاقّ؛ فلا يقول له الله: إنَّ ما فعلته لا نفع له، وكلّ ما قدّمته لوالدتك من خدمة لا يساوي عندي فلساً؛ لأنَّك لم تكن تحت تربية أستاذ! إنَّ الأمر ليس على هذا المنوال أبداً؛ لأنَّ هذا الشخص قد صفَّى الآن قلبه فيما بينه وبين الله، ووضع نفسه في خدمة أُمّه لغرض تحصيل رضا الله والتقرّب إليه؛ إذاً فهو الآن سالك، وهو يتقدّم ويتقدّم في هذا الطريق حتّى يُرفع الستار من أمام عينيه فجأة ويرى حقائق العالم بعينيه.
فهذا الاطّلاع على الحقائق لم يكن وليد اللّحظة، بل إنَّ بدايته كانت من تلك اللّحظة التي شرع فيها بخدمة أمّه واستمرّ على ذلك لعدّة سنوات؛ وها هو بعد ذلك يشاهد أنَّ الحجب قد أُزيحت من أمام عينيه؛ أي إنَّ حركته كانت قد بدأت من قبل، وكانوا يدفعون به إلى الأمام، حتّى إذا ما أوصلوه إلى هذا الموقف، أضاؤوا له قلبه، فصار ـ فجأة ـ يُشاهد تلك الحقائق.
وعليه، فكلّ من يجعل الحقّ نُصب عينيه في حركته، فهو في حركة إلى الله.
إنَّ العبارات التي كان يقولها المرحوم العلاّمة بشأن "طيّب" كانت عبارات عجيبة.. لقد كان "طيّب" أحد رؤوساء العصابات وكان من المتمرّدين والعصاة المعروفين في طهران، وكان من الأشخاص المعروفين بالاستبداد والابتزاز في ذلك الوقت، فقد كانت له عصابة ومكان للتجمّع وكان يأمر وينهى، كما كان قد اجتمع حوله مجموعة من الناس ـ وقد تكون قلوب الكثير منهم قلوباً صافية وطاهرة، غير أنَّ بعض أعمالهم وتصرفاتهم لم تكن مناسبة ـ ، فاعتقلته السلطات الجائرة في أحداث الخامس عشر من خرداد[18]، وحاولوا إجباره على أن يقول: إنَّني استلمت أموالاً من المرحوم السيّد الخمينيّ وشاركت في المظاهرات؛ إذ إنَّ"طيّب"كان قد قام بتحريك المظاهرات في الشوارع مساندة للسيّد الخمينيّ، فكلّما كانوا يُصرُّون عليه للاعتراف بهذا الأمر، كان يقول: «أنا لا ألصق بالسيّد هكذا تهمة كَذباً»[19].
فلو فرضنا أنَّنا نسأله: هل تعتقد بأنَّ المرحوم السيّد الخمينيّ إمامٌ؟ لكان يقول في جوابه: لا، فنحن لدينا إثنا عشر إماماً لا غير.. إنَّه مرجِع كبقيّة المراجع، ولو كنّا سألناه: هل تعتقد بأنَّ المرحوم السيّد الخميني معصوم؟ لكان جوابه كذلك: لا، لا أعتقد أنَّه معصوم! هذه هي حقيقة الأمر فلو كنا قد طرحنا عليه هذه الأسئلة، لكان هذا هو جوابه؛ فما كانت حقيقة الأمر؟
الجواب هو: إنَّ "طيّب"يعلم بأنَّ القول بخلاف الواقع هو أمر غير صحيح كيفما كان ذلك؛ ففي الوقت الحاضر، قام هذا السيّد (المرحوم آية الله الخميني) بالوقوف بوجه الظلم؛ فعلى الرغم من عدم كونه إماماً أو معصوماً، إلاّ إنَّني لا ألصق التهمة بالسيّد كذباً. إنَّ "طيّب"لا يعرف شيئاً عن العرفان والولاية وهذه المصطلحات من قبيل الوليّ الكامل والوصيّ الظاهري والوصيّ الباطني والوكيل والقيّم وما شاكل ذلك، وقد لا يعرف فيما إذا كانت كلمة وصي تُكتب بالصاد أو بالسين؛ وهو لم يكن بهذا الوادي أصلاً، وطيّب لا يعرف شيئاً عن هذه المواضيع، فكلّ ما كان يعرفه هو أنَّ التكلّم بما يخالف الواقع هو أمر خاطئ، وأنَّ الكذب على السيّد (المرحوم السيّد الخميني) هو عمل غير صحيح.
إنَّه كان يقول: لماذا أقوم بتلويث سمعة ومكانة وشخصيّة أحد علماء الدّين بواسطة افتراءٍ كاذب؟ إنَّ ما كان يجول في ذهنه هو: إنَّه كائناً ما يكون السيّد الخمينيّ، فهو عالم ومرجع ديني قد نهض ضد الشاه، وله مكانة وخصوصية دينيّة واجتماعيّة؛ وحتّى لو لم يكن له تلك الخصوصية الاجتماعيّة والدينية فهو إنسان؛ أي إنَّه كان يقول في نفسه: لو فرضنا عدم امتلاكه بأيّة خصوصية أو موقع اجتماعي، إلاّ إنَّه إنسان؛ فإذا ما ألصقت بإنسانٍ ما تهمة، فماذا سيكون حكمه تجاهي؟ ألن يقول المرحوم آية الله الخميني في نفسه: لماذا يتّهمني بالعمالة للأجانب، وأنا بريء من هذه التهمة؟! لقد كان هذا التفكير كافياً لأن يتخذَّ"طيّب"قراره ويقول: فلأُقتل، ولتزهق روحي، ولا أقوم بهكذا عمل غير صحيح.
نعم، مثل هذا يُسمىّ رجلاً! وعلى هكذا شخص يُطلق أسم سالك إلى الله، فطيّب هذا سالك واقعي وإن لم يكن له أستاذ، وإن كان كما ذكرنا لا يدرك شيئاً من مصطلح العرفان والوليّ وأمثال ذلك.
هذا ما سمعته من المرحوم العلاّمة،و لم يتمّ الإعلان عنه حتّى هذه اللّحظة؛ وقد أردت توضيحه إلى حدّ ما.
وهناك من يمتلك تصوّراً آخر عن السلوك؛ فيتصورون أنَّ السالك هو ذلك الشخص الذي يتّبع منهجاً معيّناً ويتميّز بالاستسلام والخضوع ويؤدّي طقوساً خاصّة. إنَّ الأمر ليس كذلك، فالسلوك يتطلب عملاً، و"طيّب" هذا كان سالكاً إلى الله في موقفه هذا؛ فكلّما كانوا يُؤذونه ويُعذّبونه ويضربونه ويُذيقونه جميع أنواع البلايا، كان يقول: «أنا لا ألصق هذه التّهمة بالسيّد، ولا أكذب»، وكان يرى نفسه مصداقاً لبيت شعر حافظ الشيرازي هذا، عند كل عذاب ينزلونه به في السجن كي يعترف لهم بما يريدون منه:
تا شدم حلقه به گوش در ميخانه عشق
                              هر دم آيد غمی از نوبه مبارکبادم[20]
(يقول: ما إن أصبحت غلاماً في حانة العشق، حتّى صارت الأحزان تتجدّد عليّ في كل لحظة، فهنيئاً لي بذلك!!)

ففي كلّ بلاء كانوا ينزلونه به، كان يتقرَّب خطوة إلى الله، وفي كلّ جلدة بالسوط، كان يدنو خطوة، ولو كان يقرّ لهم بالتهمة في ذلك الموقف، لبقي على ما كان عليه، ولكنَّه لم يكن ينطق بشيء، وكان يتقدّم خطوة إلى الأمام؛ وهكذا تقدَّم خطوةً بعد خطوة حتّى وصل إلى مكان رفيع جدّاً، إلى حدّ أن قال بشأنه المرحوم العلاّمة هذه العبارة العجيبة:
«لقد طوى "طيّب"دورة سلوكه في السجن!»
هل عرفتم الآن من هو "طيّب"؟! هو الشخص الذي طوى دورة سلوكه بأكملها في السجن؛ فهنيئاً له! لقد كنت أُلاحظ بأنَّ للمرحوم العلاّمة اهتماماً خاصّاً به، فعندما كان يتشرَّف بزيارة السيّد عبد العظيم الحسني عليه السلام، كان من الندرة ألاّ يذهب لزيارة قبر "طيّب"؛ نعم، إنَّه وليّ الله وله اطّلاع عن الجانب الآخر ويعلم ماذا هناك.[21]
وعليه، فالسلوك عبارة عن الحركة في طريق الحقّ، أي أن يُشخّص الإنسان طريق الحقّ ويلتزم به.
فعلينا الانتباه والتدقيق في هذه المسائل بشكل كافي، حتّى نصل إلى الموضوع المطلوب.

    

تعدّد الطرق إلى الله وعدم انحصارها في طريق واحد

إنَّ الحالات التي تحصل للإنسان في المواقف المختلفة متنوعة ومتفاوتة، فمن الممكن ألاّ يكون الله تعالى قد قدَّر للسالك أن يتتلمذ على يد وليّ الله في برهة من الزمان، وتكون المشيئة الإلهيّة والمصلحة قد اقتضت عدم وصول السالك إلى وليّ الله في هذه المرحلة؛ فهل يمكننا والحال هذه أن نتدخّل في أمر الله؟! كأن يطلب المرحوم العلاّمة من الله هذا الطلب: إلهي، أريد أن تُعرّفني على السيّد الحدّاد منذ بداية تشرّفي بالذهاب للنجف الأشرف! فيكون جواب الله: هذا أمر عائد لي، أمّا واجبك بعد مجيئك إلى النجف فهو أن تنهمك باستحصال العلم، وأن ترجع إلى الشيخ القوجاني والسيّد جمال الدّين الكلبايكاني وفقاً لتعليمات العلاّمة الطباطبائي، ولا شأن لك بما سيؤول إليه الأمر؛ فيعمل هو بموجب تكليفه، وبعد مرور سبع سنوات يهيّئ الله له ذلك الأمر.
من الممكن للسنوات السبع هذه أن تكون سنتان للبعض، على سبيل المثال، أو أربع سنوات، أو عشر سنوات، أو أربعة عشر سنة؛ إذ إنَّ الله يهيّئ الأمور لكلّ شخص بحسب شاكلته وخصوصيّاته أو بحسب الظروف المحيطة به، وقد لا تتهيّأ هكذا أمور لشخص آخر، وربّما لا يستفيد الإنسان الاستفادة المطلوبة لو كان قد وصل إلى الوليّ الكامل في مثل هذه الظروف.
فمن الممكن أن تقتضي المشيئة الإلهيّة بأن يرجع الإنسان في ظرف خاصّ إلى أشخاص مختلفين؛ فعلى سبيل المثال، من الممكن أن يكون وجود شخص ظاهر الصلاح ذي قلبٍ صافٍ وعمل وسيرة حسنة مفيداً للإنسان، على الرغم من أنَّه لم يطوي منازل السلوك ولا يمتلك حالات توحيديّة؛ فعلى الإنسان أن يستفيد منه في هكذا ظرف، وقد يكون البرنامج اللاحق مبتن على الرجوع إلى شخص آخر، فتكون مراجعته مفيدة للإنسان أيضاً.
لقد أورد المرحوم العلاّمة في كتاب الروح المجرّد عبارات عجيبة بشأن المرحوم الحدّاد وإدراكه لمحضره؛ فمع إدراكه لمحضر المرحوم العلاّمة الطباطبائي، ورجوعه للشيخ عبّاس القوجاني ـ رحمة الله عليه ـ، وارتباطه بالمرحوم السيّد جمال الدّين الكلبايكاني في هذه المدّة الطويلة، ومع تتلمذه على يد المرحوم الأنصاري لمدة أربعة سنوات، حيث كانت عبارته بشأن المرحوم الأنصاري: «عندما كنت أرجع إليه، فكأنّما كنت أرجع إلى نبيّ‏»[22] ؛ ها هو يذكر هذه العبارة عند وصوله إلى محضر السيّد الحدّاد:
«كم هو مناسب لحالي أنا الذي كنت حيراناً، مُتعباً، مُعانياً لسنوات متمادية، في وصولي إلى نبع الحياة ومركز عشق الذات السرمديّة هذا ... ». [23]
فمع الأخذ بنظر الاعتبار أنّه كان تحت تربية الشيخ الأنصاري لمدة أربع سنوات، نراه يذكر هذه العبارة بشأن السيّد الحدّاد: «أنا الحيران، المُتعب، المُعاني»؛ أي إنَّه مع تلك السنوات المتمادية التي تتلمذتُ فيها لدى المرحوم العلاّمة الطباطبائي والشيخ عبّاس القوجاني ومع ارتباطي بالسيّد جمال الدّين الكلبايكاني وكوني كنت لمدّة أربعة سنوات تحت تربية المرحوم الأنصاري، مع كلّ هذا فقد كنت حيراناً، مُتعباً، مُعانياً! هل تتفطَّنوا إلى أيّ أمر يُريد بيانه؟!
فالسؤال المطروح هنا هو: ما الذي كان يشاهده ويُدركه المرحوم العلاّمة في المرحوم الحدّاد حتّى يُعبِّر عنه بهكذا تعبير، على الرغم من السنوات المتمادية التي قضاها تحت تربية العظماء والمرحوم الأنصاري ـ رضوان الله عليهم ـ؟!
هذا هو ما كنت أطرحه لمرّات متعدّدة بعد ارتحال المرحوم العلاّمة؛ وهو: إنَّ ارتباط الإنسان بمختلف الأولياء الإلهيّين متفاوت؛ فلقد كانت للمرحوم العلاّمة رؤية معينة عن المرحوم الأنصاري، في حين كانت رؤيته عن المرحوم الحدّاد مختلفةً تماماً؛ ومن هنا، يتّضح السبب الكامن وراء ما نُقل عن المرحوم العلاّمة في قوله: «كنت أحتاط في بعض المسائل التي كنت أختلف فيها مع المرحوم الأنصاري»؛ فلقد قال لي:
«عندما كنت تحت تربية المرحوم الأنصاري، فعلى الرغم من أنَّني كنت أعتبره كنبيّ بالنسبة إليّ، إلاّ إنَّني كنت أُراعي الاحتياط في المسائل التي كنت أرى بأنِّي أختلف معه فيها فقهيّاً؛ لكنّني حينما كنت مع المرحوم الحدّاد، إذا ما قال لي: اشرب هذا القدح من الدم، لما كنت سأحتاط، ولكنت شربته!»[24]
هذا هو الفرق بين هذه الرؤية وتلك، وبين هذه البصيرة وتلك، حيث ينبغي الانتباه إلى أنَّ كلامه هذا ليس كلاماً عاديّاً، بل إنَّ من يُصرِّح بهذا الحديث هو مجتهد مُتيقَّن الاجتهاد وفيلسوف وحكيم أعلم، وليس هو بائع لبن.[25]
بناءً عليه، فإنَّ أمر الله لا يقتصر على طريق واحد، بحيث يكون لزاماً على الجميع أن يسيروا بموجبه، بل قد يكون الله خصّص لكلّ فرد طريقه الخاصّ به والمتلائم مع سلوكه.

    

الفارق بين الملاك في حجّية الوصي الظاهري والملاك في حجّية الإمام عليه السلام والولي الكامل

يُعرِّف المرحوم العلاّمة مسألة الوصاية (الوصاية الظاهرية) في كتاب الروح المجرّد بهذا الشكل: «الوصيّ الظاهري هو ذلك الشخص الذي يجعله الأستاذ وصيّاً له أمام الملأ العام، فيكتب بذلك ويُمضيه ويُعلنه»[26].
و السؤال المطروح هنا هو: لماذا يجب تسمية الوصيّ الظاهري بشكل علني، ولا ينبغي أن يكون ذلك بشكل سرّي؟ يمكن معرفة الجواب من نفس عنوان "الوصيّ الظاهري"؛ فمفهوم هذا العنوان هو انتفاء الحُجّية الذاتيّة التي تكون كافية للآخرين من أجل الرجوع إلى هكذا شخص؛ فلولا الحجيّة التي تمّ إثباتُها له من قبل الوليّ، لما كانت له الميزات التي توجب الرجوع إليه؛ فلو كان لهذا الشخص حُجيّة ذاتيّة، لما كان هنالك من ضرورة للإعلان، بل يستطيع الإنسان تشخيص أهليّته من عدمها من خلال مراجعته؛ كما هو الحال في كيفيّة معرفة الوليّ.
وعليه، فإنّ العلّة الكامنة من وراء قيام الوليّ بتسّمية والاعلان عن الوصيّ هي لزوم مراعاة مقام الإثبات في مثل هذا الموضع.
لكن لا يخفى أنّه قد يكون المرء مُتخصِّصاً، فيقوم ـ عند رجوعه للوصيّ الظاهري ـ بتشخيص أهليّة هذا الشخص للوصاية؛ ففي هكذا حالة لا تكون هنالك حاجة للإعلان، كما هو الحال في رجوع الإنسان للإمام عليه السلام؛ فالأمر هنا يكون محسوماً.
إنَّ المسألة التي قد تكون موضعاً للاستشكال هذه الأيّام هي ما يُقال من: إنَّنا نلاحظ بأنَّ موضوع الوصاية بشأن الأئمة عليهم السلام يكون على هذه الشاكلة أيضاً؛ كأن يقوم الإمام موسى بن جعفر عليه السلام بإخبار أحد الأشخاص بأنَّ الإمام من بعده هو ولده عليّ بن موسى الرضا عليه السلام؛ فعبارة المرحوم العلاّمة: «إنَّ الوصيّ الظاهري يجب تعريفه أمام الملأ العام» لا تتنافى مع الوصاية الخاصّة؛ إذ من الممكن أن يكون الشخص وصيّاً ظاهريّاّ، ولكنَّ الأستاذ لم يعرّفه أمام الملأ العام، ويكون قد أخبر شخصاً واحداً بأنَّ ذلك الشخص هو الوصيّ من بعده.
إنَّ هذا إشكال سخيف جداً؛ فالحُجيّة في موضوع الإمامة ثبوتيّة، بينما هي إثباتيّة في موضوع الوصاية؛ إذ لا حاجة للوصاية أساساً في مسألة الإمامة.[27]
فلو أنَّ الإمام موسى بن جعفر عليه السلام لم يكن قد أخبر شخصاً واحداً، لما تغيَّر مقام الإمام الرضا عليه السلام؛ لأنَّ مسألة الإمامة هي مسألة الإشراف على النفوس؛ فلو فُرِض بأنَّ الإمام موسى بن جعفر عليه السلام لم يكن قد قال بإنَّ الإمام من بعدي هو عليّ بن موسى الرضا، فهل سيبقى الشيعة في انتظار لكي يصلهم خبر إمامة عليّ بن موسى الرضا من يونس بن عبد الرحمن الذي يكون في الكوفة مثلاً؟! فمن يكون يونس بن عبد الرحمن؟ وما هو دوره في هذه المسألة؟! فالدور هنا للإمام عليه السلام الذي يجذب النفوس إليه من خلال إشرافه عليها، ولا حاجة له بهذا الكلام؛ فسواءً قال الإمام موسى بن جعفر عليه السلام بإنَّ الإمام من بعدي هو عليّ بن موسى الرضا أم لم يقل ذلك، فهو إمام.
إنَّ الإمام الذي تتوقف إمامته على الوصاية، ويكتسب حُجيّته من أمر الإمام السابق له من دون أن يكون له أيّ دور ذاتي، لا يمكن لنا أن نقبله كإمام؛ فالإمام هو الذي يُلقي محبّته في قلوبكم من مسافة آلاف الفراسخ وأنتم جالسون هنا، الإمام هو الذي يُنظّم أفكاركم وفقاً للمصلحة من مسافة آلاف الفراسخ وأنتم جالسون هنا، والإمام هو الذي يدفع عنكم المكاره التي تكون على وشك أن تُحيط بكم وهو في أقصى الأرض، ويرفع عن طريقكم آلاف المعوّقات؛ وهكذا شخص لا يحتاج إلى وصاية.
فلو لم يكن هناك وجود في كتب الشيعة والسنّة لرواية جابر وغيره من الرويات التي وردت عن النبيّ حول أسماء الأئمة الأثنى عشر، ولم يكن لدينا أيّ اسم أو رسم عن الأئمّة، فإنَّ إمامتهم باقية على حالها. والسؤال الذي نوجّهه لأهل السنّة هو: على فرض عدم تنصيب النبيّ لأمير المؤمنين في حجّة الوداع، وعدم تحقّق قضيّة الغدير، فمن يتّبع الشخصُ الذي يدخل إلى المدينة بعد رحلة النبي؟ أيتّبع أبا بكر أم يتّبع علي؟!
من البديهي أنَّ الأمر سيتّضح لذلك الشخص بعد طرحه لسؤالين على أبي بكر وسؤالين على عليّ؛ فهل إنّ علماء اليهود والنصارى الذين كانوا يأتون من المدن المختلفة والبعيدة إلى المدينة ويُحاجّوّن أبا بكر فيعجز عن الجواب، ثم يأتون عليّاً فيجدون لديه الجواب.. هل كان لهم اطّلاع على حجّة الوداع؟!
أتى عالم نصرانيّ من اليمن إلى المدينة، فحاجج أبا بكر، فعجِز أبو بكر عن الجواب وافتُضِح، فقال: لو كان هذا هو خليفة النبي فعلى الإسلام السلام؛ فلتُقرأ على الاسلام الفاتحة! فذهب أبو ذرّ فوراً إلى أمير المؤمنين وقال: أدرِك الأسلام، يا عليّ! فذهب الإمام إلى المسجد فبيّن للنصرانيّ علوم ما كان وما يكون، وأفصح له عن العوالم العلويّة والسفليّة، فقال للإمام: «أشهد أنَّك خليفة رسول الله»؛ فأعلن إسلامه في نفس تلك اللحظة وعاد إلى وطنه. [28]
فبناءً عليه، لا تحتاج إمامة أمير المؤمنين إلى الوصاية، ولقد فعل رسول الله ذلك في يوم الغديرمن أجل إتمام الحُجّة على الناس، وإلاّ فلو لم يكن الرسول قد فعل ذلك من الأساس، لكان علينا الذهاب إلى المدينة، ولَعرِفنا من هو الإمام من بين هذين الشخصين وذلك بطرح بعض الأسئلة على كلّ واحد منهما.
فمن هنا، تتبيّن لنا بشكل واضح تلك المغالطة المنطوية تحت هذا الإشكال؛ فمسألة تشبيه الإمام والوليّ بالوصيّ الظاهري هي من بين أسخف ما يمكن أن يُطرح في هذا المجال؛ لأنَّ موضوع الإمامة والولاية ـ كما ذُكر آنفاً ـ مرتبطة بمقام الثبوت، ولا تحتاج إلى الوصاية من الأساس، خصوصاً إذا كانت هذه الوصاية قد تمّت في الخفاء، وأخبر بها شخص واحد فقط.
فالإمام هو ذلك الشخص الذي يُلقي حقيقته في القلوب ولا يحتاج إلى وصاية الإمام السابق له، وإن لم يُخبِر حتّى شخص واحد بإمامته؛ وإلاّ فهو ليس بإمامٍ ووليٍّ.
لقد ارتحل الإمام الصادق عليه السلام عن الدنيا وكان الناس متحيّرين لا يدرون ماذا يفعلون، وكان البعض منهم يقول: إنَّ أمر الإمامة قد انتهى، وكان البعض الآخر في حالة من الاضطراب؛ فبينما هم كذلك إذ ظهر لهم فجأة رجل وهو يُشير إليهم أن أقدموا! فخافوا وتصوّروا بأنَّ هذا الشخص ربّما يكون أحد جواسيس الخليفة وكان قد سمع حديثهم؛ إذ كان الوضع آنذاك خطير جداً. على أيّة حال، قام ذلك الشخص بجلبهم إلى بيت الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام، فدعا الإمام عدّة أشخاص منهم للدخول إلى المنزل وأخبرهم بما دار بينهم حول الإمامة من بعد الإمام الصادق، ثم قال: والآن سلوا ما شئتم! [29]
فهل كان الإمام الصادق عليه السلام قد قال لهؤلاء الأشخاص ارجعوا إلى ابني الإمام الكاظم من بعدي؟! وهل كان ذهابهم إلى الإمام موسى بن جعفر بناءً على وصيّة سريّة من الإمام الصادق، أم أنَّهم لم يكن لديهم أيّ اطّلاع عن إمامته بالمرّة؟!
وعليه، لا توجد علاقة للوصاية بموضوع الإمامة والولاية؛ فالوصاية تكون للشخص الذي لم يكن الناس ليرجعوا إليه لولا إثبات حُجّيّته من قبل الولي؛ أي إنَّ حُجيّته هي حُجّيّة تعبديّة مُنحت له من قبل الحُجّة السابق له.
كما هو الحال مع مسألة حُجيّة الخبر الواحد، حيث ورد في الروايات التي بين أيدينا عن الأئمّة عليهم السلام أنّهم قالوا: إذا نُقلت إليكم رواية عن طريق شخص تثقون به، فقد جعلنا تلك الرواية حُجّة عليكم، ويمكنكم العمل بمقتضاها. ولا يخفى أنّه بناءً على ذلك فإنَّنا نعتبر حُجّيّة الخبر الواحد حُجّيّة تعبّديّة، ولا نعتبرها حجّة لأنّها جاءتنا عن طريق السيرة العقلائيّة وتلك البحوث الواردة في علم الأصول؛ بمعنى أنَّه لو نقل إلينا شخص خبراً، ونحن لا نعلم صلاح ذلك الشخص، بل نثق فقط بعدم كونه من الكاذبين؛ فإذا ما قال لنا الإمام عليه السلام: عليكم أن تقبلوا بخبره، فسنقول: سمعاً وطاعةً، ونقبل بذلك الخبر؛ ولولا ذلك ولو كان الأمر منوطاً بالشخص نفسه، لم نكن لنقبل الخبر منه؛ فهذا هو معنى إضفاء الحُجّيّة على خبر الواحد.
أمّا بشأن الخبر المتواتر الذي ينقله ألف شخص على سبيل المثال، فهل يكون الأمر على هذا المنوال؟! فهل يقول الإمام هنا: جعلت الخبر المتواتر حُجّة عليكم فاقبلوه؟! من الواضح جدّاً أنَّه لا معنى لجعل الحُجّيّة هنا؛ إذ إنَّنا نقبل بالخبر المتواتر، سواءً قال الإمام ذلك أم لم يقله، لأنَّ حُجّيته حُجّية ذاتيّة؛ فالخبر الذي ينقله ألف شخص على سبيل المثال هو خبر يُحصّل العلم ولا مجال للشكّ فيه، وبالخصوص إذا كان تواتره لفظيّاً؛ وعليه، فإنّ إضفاء الحُجّيّة من قبل الإمام عليه السلام يكون عند وجود الأرضيّة التعبديّة، لا في الحالات التي تكون فيها الحُجّيّة ذاتيةً.
والأمر المهمّ هنا هو أنَّه لا يمكن للإمام عليه السلام أن يأمر بعدم الأخذ بالخبر المتواتر؛ لأنَّ هذا الأمر غير معقول وغير منطقي، ولا يمكن تصوّر صدور هكذا أمر عن الإمام.
فلو كنتَ في غرفة مغلقة الأبواب وليس لها منفذ إلى الخارج، فدخل شخص وسألته: ألا زالت الشمس تلوح في الأفق؟ فقال: نعم، فهذا من المواطن التي يمكنك أن تتردَّد في قبول كلامه؛ فإن كان ذلك الشخص موثوقاً، فستُصدّقه، وإلاّ فإنَّك ستتردّد في الموضوع؛ أمّا إذا ما ذهبت بنفسك إلى الفناء ورأيت الشمس في السماء، فهل ستسأل الآخرين عن وجود الشمس؟! بالطبع لا حاجة للسؤال هنا وأنت ترى الشمس فوق رأسك.
فمكانة الإمام عليه السلام والوليّ الكامل هي بمثابة حالة الشمس تماماً التي لا تحتاج إلى أن تُعطى لها الحُجّيّة من أيّ جهة آخرى، وكما أشرنا سابقاً، فإنَّ الإنسان يستطيع تشخيص الأمر عن طريق مقابلة الوليّ وسؤاله؛ وعليه، إذا شاء الوليّ، فإنَّه يستطيع أن يقوم ببعض التصرّفات، فيلتفت الإنسان للحقّ، ولا تبقى مع هذا حاجة للوصاية؛ ففي هكذا حال، لو أنَّ ألف شخص قالوا بأنَّه ليس إماماً أو وليّاً، [لما كان ذلك يعني للإنسان شيئاً] إذ إنَّ الأمر يكون واضحاً للإنسان نفسه.
أمّا الشخص الذي لا يمتلك تلك المكانة، فلا بدّ من وجود دليل يجوّز الرجوع إليه، وينبغي الانتباه الشديد هنا إلى الفرق الجوهري بين المقامين! ولهذا يقوم العظماء بتعيين وصي ظاهري لهم؛ أي: يا أيّها الناس، اعلموا بأنَّني أنا الذي أعطيته الحُجّية والاعتبار، فتوقيعي هذا هو الذي يُعطي لهذه الورقة الاعتبار، فلولا توقيعي يكون هذا الشخص بمثابة بقية الأشخاص؛ فلو كان وليّاً لما كان كبقيّة الأفراد، فلكونه كالبقيّة، فلا بدّ من أن يُمنح الاعتبار من قبل الغير.
و هذا الأمر لا ينسجم مع إخفاء الأمور والاختباء [خلف أمور أُخرى]، فالوصيّ الظاهري لا بدّ من تعريفه أمام الملأ العام، ولا بدّ من وجود نصّ مكتوب من قبل الوليّ بهذا الخصوص، وإلاّ لكانت وصايته قابلة للطعن؛ ففي موضوع الوصيّ الظاهري، لا يمكن الاستناد إلى نقل شخص واحد، وبتلك الكيفية التي يُخبَر بها أحد الأشخاص بشكل سرّي بأنَّ فلان هو وصيّي الظاهري؛ لأنَّ الفرض مبنيّ على أنَّه وصيّ ظاهريّ، فإذا كان الأمر كذلك، فلماذا لا يتمّ تعريفه إلى باقي الأشخاص؟! فهل هم من المعاندين ومن أصحاب المكر والخداع أو أنَّهم من المنحرفين لا سامح الله؟! فلا معنى لهذا الأمر!
وعليه، إذا كان الوصي هو وصيّ ظاهري، فالمقام هنا يكون مقام الإثبات، فلابدّ من التأييد ولابدّ من حسم الأمر، أي إمّا أن يتمّ ذلك تحريريّاً، لكي لا يبقى لأيّ شخص فرصة للطعن، أو أن يكون ذلك بالشكل الذي يتمّ فيه تعريفه في الملأ العام أو على الأقلّ لعشرين، ثلاثين، أو خمسين شخصاً، لكي يعلم الجميع بأنَّ هذا الشخص هو الوصيّ الظاهري.. هذا هو الموضوع الأوّل الذي كان يتوجّب بيانه لحلّ الإشكال.

    

لا إلزام في الرجوع للوصيّ الظاهري

وأمّا الموضوع الاخر، فهو: هل إنَّه من اللازم على جميع الأفراد الرجوع إلى الوصيّ الظاهري؟ فهذه مسألة دقيقة ومهمة جداً. لنفرض أنَّ المرحوم آية الله الحاج الشيخ عبّاس القوجاني كان هو الوصيّ الظاهري للمرحوم القاضي ـ رضوان الله عليه ـ وكان الجميع يعلم ذلك، ولم يكن هذا الأمر مورداً للشكّ والترديد من قِبل أيّ شخص؛ فهل يكون الرجوع لهذا الوصيّ الظاهري أمراً مُلزماً لكافّة تلامذة المرحوم القاضي؟
و الجواب هو: كلاّ، لا يوجد أيّ إلزام بذلك، فلكلّ شخص طريقه الخاصّ به؛ فهل كان العلاّمة الطباطبائي والمرحوم السيّد محمّد حسن الإلهي يأخذون البرنامج السلوكي من الشيخ عبّاس القوجاني؟! وهل كان السيّد الحدّاد يأخذ البرنامج منه؟! أي: هل إنَّ مجرّد كون المرحوم الشيخ عبّاس القوجاني وصيّاً ظاهريّاً يفرض حتّى على السيّد الحدّاد الرجوع إليه؟! ما أوهن هذا الكلام وما أضعفه! قولوا لي أيّ من تلامذة المرحوم القاضي قد رجع إلى الشيخ عبّاس القوجاني؟! اضربوا لي مثالاً واحداً فقط!
نعم، لا يخفى أنَّ عدم الرجوع للمرحوم الشيخ عبّاس القوجاني لم يكن بسبب وجود ضعف وخلل فيه لا سامح الله؛ فالأمر ليس كذلك أبداً؛ لأنَّه كان رجلاً منظّماً، منزّهاً، من أهل المراقبة والسلوك وكان صادقاً، وكان المرحوم العلاّمة يمجّده على الدوام؛[30] ولقد رأيته وزرته بنفسي؛ فمن المُسلَّم أنَّ عدم رجوع العظماء إليه لم يكن لهذا السبب، بل إنَّ الحديث يدور حول ما هو معنى الوصاية الظاهرية؟ فهل معنى الوصاية الظاهرية بأنَّه يلزم على الجميع الرجوع إلى ذلك الوصيّ؟ فالأمر ليس كذلك أبداً، فلربما كان لكلّ شخص طريقه الخاصّ به.
ومع وجود العبارة التي سمعناها من المرحوم العلاّمة بشأن العلاّمة الطباطبائي، لا يمكن أن يكون هنالك مجالاً للمقارنة بينه وبين الشيخ عبّاس القوجاني، حيث كانت عبارة المرحوم العلاّمة عن العلاّمة الطباطبائي هي: «إنَّه رجلٌ لا تذكر الملائكة اسمه ما لم يكونوا على وضوء!»؛ بيد أنَّنا لم نكن نسمع عبارة كهذه بشأن الشيخ عبّاس؛ نعم، كان يقول بشأنه: « المرحوم الشيخ عبّاس رجلٌ صادق، وليس من أصحاب المكر والخداع، وكان هو بنفسه يقول "ليس لديّ شيء"، وكان صادقاً في قوله هذا».. هذا ما كان يقوله المرحوم العلاّمة بنفسه، ولربّما سمع ذلك منه الكثيرُ من أخلاّئه.
فهل نستطيع والحال هذه أن نستشكل على العلاّمة الطباطبائي بأنَّه: لماذا لم تكن تتّبع الشيخ عبّاس القوجاني؟ من البديهي أنَّ الجواب سيكون بالنفي، وذلك لسببين:
أوّلاً: من الممكن أن تكون المشيئة الإلهيّة متفاوتة بالنسبة للأشخاص المختلفين؛ فيجب من باب المثال على الشخص الفلاني أن يأخذ برنامجه السلوكي عن الشيخ عبّاس القوجاني في هذا الوقت، أمّا بالنسبة لشخص آخر فلا يكون من الصواب أخذ البرنامج عنه.
ثانياً: إنَّنا نعلم بصورة قاطعة أنَّ العلاّمة الطباطبائي كان أعلى مقاماً من الشيخ عبّاس القوجاني، فكيف يمكن للشخص الأعلى والحال هذه أن يأخذ البرنامج من الشخص الأدنى؟! فهل هذا الأمر صحيح من الناحية العقليّة؟! إنَّ هكذا شيء لا يمكن أن يحصل من الأساس؛ لأنّه إذا كان الشخص أعلى درجة من الوصيّ الظاهري من حيث المعرفة والبصيرة والحال، فإنَّه من المستحيل عليه عقليّاً الرجوع إلى الوصيّ الظاهري؛ إذ إنَّ طريقه مختلف عن طريقه.
و هل يمكن لشخص أن يذهب إلى الوصيّ الظاهري ويشرح له حالات لا يستطيع أن يفهمها من الأساس؟! فمع افتراض أنّه لا يُدرك شيء من تلك الحالات، فأيّ تعليمات سيُعطيه؟! فلو أنَّ أحد تلامذة المرحوم القاضي ـ ما عدا السيّد الحدّاد الذي وصل إلى مقام الولاية ـ كالعلاّمة الطباطبائي مثلاً يذهب إلى الشيخ عبّاس القوجاني ويقول له: لقد حصلت لي هكذا حالة ومكاشفة، فسيبقى الشيخ عبّاس القوجاني جالساً هكذا ينظر إليه ولا يُدرك من تلك الحالات والمكاشفات شيئاً؛ فهل يستطيع أن يُعطيه تعليمات؟ أليس هذا شيئاً مُضحكاً؟! إنَّ هذا أمر مستحيل.
وعليه، يكون من الواضح بأنَّه ليس من اللازم أبداً على جميع الناس الرجوع إلى الوصيّ الظاهري؛ حتّى وإن كان قد تمّ تعريف هذا الوصيّ بهذا العنوان أمام الملأ العام.

    

فائدة تعيين الوصيّ الظاهري

وأمّا الفائدة من تعيين الوصيّ الظاهري، فهي لكي يتمكن الأشخاص العاديّين من الرجوع إليه والاستفادة منه، ومن لم يتمكّن من الرجوع إليه، فله طريق آخر؛ فقد جعل الله لعباده آلاف الطرق، حتّى إنَّه من الممكن للأستاذ أن يقوم بنفسه بإرجاع الأفراد إلى أشخاص متعدّدين في أيّام حياته.
تُنقل حكاية: بأنَّ أحد تلامذة المرحوم القاضي سأله يوماً: إلى من نرجع بعد وفاتك؟[31] فقال: «أنا لا أعرف شخصاً سوى رجلٌ في همدان اسمه الحاجّ الشيخ محمّد جواد الأنصاري»، كما أنّه ذكر عبارة أُخرى وهي: «إنَّه أخذ التوحيد من الله مباشرةً»، ولكن ما يهمّنا هو عبارته الأولى فقط التي قال فيها: «لا أعرف شخصاً غير الشيخ الأنصاري».
لماذا لم يقل له المرحوم القاضي: ارجع إلى الشيخ عبّاس القوجاني؟ لأنَّه كان يعلم بأنَّه لا يُفيده؛ فالشيخ عبّاس القوجاني يكون ملائماً للأشخاص المبتدئين من الذين شاء الله لهم أن يكونوا بمعيّة هذا الرجل الصافي والطاهر والبعيد عن المكر والخديعة للاستفادة منه، حتّى إذا ما شاء لهم الله أمراً آخراً وطريقاً آخر، فسيهديهم إليه.
ونلاحظ هنا بأنَّ المرحوم القاضي يقول لهذا الشخص في أيام حياته: ارجع إلى الشيخ الأنصاري من بعدي، في الوقت الذي يجعل فيه الشيخ عبّاس وصيّاً له.
إنَّ الله تعالى قد جعل لكلّ شخص طريقاً خاصّاً به في سيره وسلوكه؛ فيقول لشخص ما بأنَّ طريقك يتمثّل بمرافقة الشخص الفلاني وأخذ البرنامج عنه والاستفادة منه، بينما يُعطي أمراً آخر لأشخاص آخرين لا يكونون في نفس المستوى مع هذا الشخص ولا يستطيعون الاستفادة منه؛ فإذا كان الأمر على هذا المنوال بأن نقول: بأنَّ على جميع الأشخاص إطاعة الوصيّ الظاهري الذي كان الأستاذ قد عيّينه وعرَّفه أمام الملأ، لكان ذلك سيستلزم تقديم المفضول على الفاضل والمرجوح على الراجح، وعلى قول الشاعر:
ذات نايافته از هستى بخش
                             كى تواند كه شود هستى بخش؟[32] [33]

كيف يمكن للشخص الذي لم يطو الطريق، أن يكون دليلاً للآخرين؟ وهذا أمر في غاية الأهميّة، لذا ينبغي الالتفات إليه كثيراً.
بناءً على ما سبق، فقد تمّت الإجابة على إشكالين: الإشكال الأوّل هو: لماذا لم يصل المرحوم العلاّمة إلى السيّد الحدّاد منذ البداية؟ والإشكال الثاني هو: هل إنَّ كلّ من يصل إلى أحد العظماء يكون لازماً عليه قبول جميع المسائل التي يذكرها له، أم ينبغي عليه فرزها وفقاً لحالاته والمرتبة التي هو فيها؟ كما ذكرنا سابقاً، فإنّنا نلاحظ وجود هذا الاختلاف في نظرة المرحوم العلاّمة تجاه المرحوم آية الله الشيخ عبّاس القوجاني، وأعلى من ذلك تجاه المرحوم آية الله الشيخ محمّد جواد الأنصاري، وأعلى من كلّ ذلك ـ بل وفي أعلى الدرجات ـ تجاه المرحوم الحاج السيّد هاشم الحدّاد ـ رضوان الله عليهم أجمعين ـ ، إلى الحدّ الذي كان يقول فيه: «لو قال لي اشرب قدح الدم هذا، لشربته»، بينما كانت نظرته تجاه المرحوم الأنصاري بالشكل الذي كان يقول فيه: «أنا أحتاط في الأمور التي أختلف فيها معه»، وأمّا نظرته تجاه الحاج الشيخ عبّاس القوجاني ومقدار طاعته له، فمعلوم إلى أيّ حدٍ كان؛ وهذا هو ما نقصده من الترتيب والفرز المنطقي.
بناءً عليه وكما تمّ ذُكره: فإنَّ الواجب على الإنسان أن يكون راضياً بما قدَّر الله له في جميع الأحوال.
خلاصة الأمر، فقد تمّ طرح هذا الموضوع بين الأخلاّء بعد ارتحال المرحوم العلاّمة ـ رضوان الله عليه ـ وهو: من هو الوصيّ الظاهري للمرحوم العلاّمة؟ أو من هو الوليّ؟
نلاحظ هنا بأنَّه لم يكن هنالك وجود بعد المرحوم العلاّمة لتلك الخصوصيّات والمميّزات التي كانت بين الشيخ عبّاس القوجاني والمرحوم القاضي، أو تلك التي كانت بين المرحوم السيّد أبي القاسم اللواساني والمرحوم السيّد أحمد الكربلائيّ؛ فهل كان لهكذا أمر وجود أم لا يكن؟ أنا لا أعلم، ولكن ما قاله المرحوم العلاّمة في كتاب الروح المجرّد بشأن الوصيّ الظاهري هو: إنَّ على الوليّ والأستاذ أن يُثبّت هذا الأمر أمام الملأ العام، لا أن يُخبر بذلك شخصاً واحداً وبشكل خفيّ، بحيث لا يكون معلوماً ما هي حقيقة الأمر وما الذي قاله! فقد تعرّض المرحوم العلاّمة في هذا الكتاب لموضوع الوصاية الظاهرية بهذا الشكل[34].. هذا من ناحية.
و من ناحية أخرى، إذا أراد شخص ما مراجعة الوليّ الباطني في هكذا ظروف، فالوليّ الباطني غير معروف أيضاً؛ فهل الوليّ الباطني موجود، أو سيوجد مستقبلاً؟ أنا لا أعلم عن ذلك شيئاً؛ فنحن نعمل وفقاً لذلك المسير والمرام الذي استفدناه من العظماء، حيث كان المرحوم العلاّمة يقول: «إنَّ من يقرأ هذه الكتب، ويعمل بما جاء فيها، فإنَّه سيصل إلى الهدف»؛ فكلّ ما نعلمه هو ضرورة العمل بموجب التعليمات التي كان المرحوم العلاّمة يبيّنها خلال السنوات الطويلة المنصرمة؛ كما هو الحال مع المرحوم العلاّمة الطباطبائي الذي عمل ووصل إلى الهدف. لقد قال لي المرحوم العلاّمة شخصيّاً: «إنَّ العلاّمة الطباطبائي قد وصل إلى الفناء الذاتي في أواخر حياته»، ولا شأن لنا فيما إذا كانت المشيئة الإلهيّة قد اقتضت بأن يسير العلاّمة الطباطبائي في هذا الطريق الخاصّ، ولا يرجع إلى المرحوم الحدّاد، أم أنَّ هنالك شيء آخر.
وكذلك الحال مع المرحوم السيّد حسن المسقطي الذي وصل إلى مقام الفناء، كما وصل المرحوم السيّد محمّد حسن الإلهي إلى درجات عالية؛ فجميعهم كانوا أعلى مقاماً من الشيخ عبّاس القوجاني، ولم يرجع أيّ منهم إلى المرحوم الحدّاد بعد المرحوم القاضي؛ ولقد كان هذا الأمر واضحاً وظاهراً للعيان لجميع الأشخاص.

    

ضرورة الرجوع للوليّ الكامل في حالة التعرّف عليه

فالسؤال الذي يُطرح هنا هو: لو أنَّ المرحوم العلاّمة الطباطبائي كان قد رجِع إلى المرحوم الحدّاد، ألم يكن ذلك أفضل له؟! أنا أعتقد بأنَّ ذلك كان أفضل له؛ فلو سألني أحد هل يجب على العلاّمة الطباطبائي الرجوع إلى المرحوم الحدّاد أم لا؟ لكنت أقول: ينبغي عليه الرجوع إلى المرحوم الحدّاد! ألم يكن من الواجب على المرحوم السيّد محمّد حسن الإلهيّ أو بقيّة تلامذة المرحوم القاضي أن يُدرِكوا في أنفسهم بأنَّهم لا يزالون ناقصين وبحاجة إلى أستاذ وأنّه يتوجّب عليهم متابعة الموضوع؟! إنَّ الجواب سيكون بالإيجاب حتماً.
وأمّا بالنسبة لإشكال تلامذة المرحوم الأنصاري في فترة ما بعد ارتحاله، فهو: أنَّهم كانوا يقولون بعدم لزوم الرجوع إلى أستاذ ووليّ بعد المرحوم الأنصاري على الاطلاق؛ فقد يكون هنالك من يُنكر ولاية المرحوم الحدّاد، فسيقال لهكذا شخص إنَّ السبيل للتحقّق من الأمر هو أن تجلس وتتحدّث معه وترافقه، فإذا اتّضح لك عدم كونه وليّ، فلا تُطعه؛ ولكنَّهم لم يكونوا كذلك، فعندما شاهدوا بأنَّ هذا الطريق مغلق بوجوههم، قاموا بإنكار الحاجة إلى الأستاذ من الأساس وقالوا: حتّى لو كان هنالك وليّ، فنحن لا نرضى به، فنحن لسنا بحاجة إلى وليّ وأستاذ بعد المرحوم الأنصاري أبداً، وستكفينا روح المرحوم الأنصاري.. إنَّ إجابات المرحوم العلاّمة المذكورة في الروح المجرّد كانت في هذا المجال.[35]
إنَّهم لم يكونوا أبداً ليقولوا: بأنَّ السيّد الحدّاد ليس وليّاً، وإلاّ لقال لهم المرحوم العلاّمة اذهبوا واختبروه، فإذا ما ثبت لكم ـ بينكم وبين الله ـ بأنَّه ليس وليّاً، فإنَّنا سنقبل منكم ذلك.
فرأوا بأنَّهم لا يستطيعون الصمود بوجه منطق المرحوم الحدّاد والمرحوم العلاّمة، وإذا ما ذهبوا بهكذا نمط من التفكير إلى السيّد الحدّاد، فإنَّهم سيُفتضحون؛ إذ إنَّه وليّ، والوليّ له تسلّط ولائي على كافّة شراشر وجود الأشخاص، ويستطيع استخراج أيّة مسألة من زوايا نفوسهم، ولا يُخطئ سهمُه الهدف؛ فلا يمكنهم والحال هذه إنكار ولايته؛ فلمّا رأوا بأنَّ هذا الطريق مسدود أمامهم، قاموا بإنكار الأمر من الأساس وقالوا: حتّى لو وُجد وليّ بعد المرحوم الأنصاري، فإنَّنا لسنا بحاجة له من الأساس؛ فعندها قام المرحوم العلاّمة بطرح وإثبات موضوع لزوم رجوع الأشخاص الناقصين إلى الوليّ والأستاذ الحيّ.
ولا يخفى أنّنا لا نستشكل على هذا الموضوع، ونقول إلى الآن بأنَّه: عند وجود الوليّ الكامل، أو الشخص الذي نكون ملزمين بالرجوع إليه باطناً، فيجب علينا إطاعته، وإن لم يكن وليّاً؛ ولا نقاش في هذا الأمر ولا يشكّ فيه أحد.
بناءً عليه، يكون الاختلاف بين هاتين القضيّتين واضحاً؛ ففي الحالة الأولى، كان تلامذة المرحوم الشيخ الأنصاري يعلمون بوجود الأستاذ والوليّ، فقاموا بإنكار لزوم الرجوع إلى الأستاذ من الأساس وكانوا يقولون: لا حاجة لنا بالوليّ؛ أمّا الحالة التي نحن بصدد البحث فيها، فإنَّنا لا نعلم من هو الوليّ.. نعم، لو عرَّف الله لنا وليّاً وقمنا بإنكاره، فسيكون الأمر شيئاً آخراً.
لم يكن لي بدٌّ من أن أقوم بطرح هذه المسائل التي لم يسمعها منّي أحد حتّى هذه اللحظة، وأبسط فيها الكلام بهذه الكيفية.
أمّا الموضوع الآخر الذي أعرضه هنا والذي يُمثل الحلّ للمشكلة التي يعاني منها الجميع ويقومون بطرحها، فهو: عدم حُجّيّة خبر الواحد في الأمور الاعتقاديّة.
ولا يخفى أنّني غير مُتفرِّد بهذا الرأي؛ فمبنى العلاّمة الطباطبائي وبقيّة العظماء أيضاً هو عدم حجّية خبر الواحد إلاّ إذا كان قطعيّ الصدور وقطعيّ الدلالة؛ كأن يسمع الإنسان خبراً من الإمام عليه السلام بشكل مباشر ويقوم بكتابته بعين لفظ الإمام في نفس ذلك الوقت، لا أن يسمع كلاماً من الإمام اليوم، ليقوم بكتابته غداً؛ فلا فائدة من ذلك.
فلا اعتبار لخبر الواحد في الأصول الاعتقاديّة ـ وهي المسائل الحياتيّة التي يتوقّف عليها الموت والحياة، والجنّة والنار، وسعادة الإنسان وشقاءه ـ وإن كان الخبرمرويّاً عن شخص موثوق؛ وخصوصاً إذا ما تمّ نقل نفس هذا الخبر عن نفس الشخص الموثوق بأشكال مختلفة؛ فيا لها من مصيبة إذاً! يرويها هذا اليوم بهذا الشكل، ويرويها في يوم آخر بشكل مغاير؛ فلا تكون لها عندئذٍ أيّة حجّية.
فهنا يجد ذلك الملاك العامّ ـ والذي هو عبارة عن العمل وفقاً للبرنامج، والرجوع إلى شخصٍ يكون علمه بالأمور أكثر من السالك والتي هي مسألة مقبولة عقليّاً ـ له مكاناً ومعنىً؛ وبالطبع فإنَّ قلب الإنسان لا بدَّ من أن يكون قلباً نقيّاً وطاهراً ومسلِّماً أمره إلى الله، فلِسان حاله يقول: «إلهي، إذا تمكّنت من الوصول إلى وليِّك، فإنِّني سأطيعه»، ولا غرض آخر له؛ وإن لم يكن كذلك، فهو معاند وعمله باطل وهو سائر بعكس المسير الصحيح؛ فهذا هو السلوك والطريق الواضح والصراط المستقيم.
بناءً عليه، فالسلوك هو: الحركة وفقاً للمشيئة الإلهيّة التي يُقدّرها الله لكل فرد بحسب المصالح والمفاسد.[36]

    

خلاصة البحث

فخلاصة البحث المتعلِّق برجوع الإنسان إلى الشخص الخبير أصبحت كالآتي: إذا ما وجد الإنسان الناقص وليّاً، فيجب ويتحتَّم عليه أن يُسلّم نفسه إليه، وإلاّ فإن كان هنالك وصيّاً ظاهريّاً يستطيع الإنسان الاستفادة منه، فيجب عليه الرجوع إليه؛ وفي حالة عدم وجوده، فعليه العمل بموجب التكاليف اليقينيّة وأن يكون على صلةٍ بأشخاص مُطَّلِعين بصفتهم خبراء؛ فهذا هو معنى السلوك، وهذا هو ما نُشاهده في سيرة العظماء.
ففي فترة من الزمن، كان المرحوم العلاّمة يرجع إلى المرحوم العلاّمة الطباطبائي، وفي فترة أخرى، كان يرجع إلى المرحوم الشيخ عبّاس القوجاني ، ثمّ كان يرجع إلى المرحوم الشيخ الأنصاري؛ وكان في حياة المرحوم الشيخ الأنصاري يذهب إلى السيّد الحدّاد، في الوقت الذي لم يكن فيه الشيخ الأنصاري قد أوصاه بالرجوع إلى السيّد الحدّاد! المسألة المهمة للغاية هي أنَّ الشيخ الأنصاري لم يقل للمرحوم العلاّمة: عليك بالرجوع إلى السيّد الحدّاد؛ بل إنَّ الأمر قد اتّضح للمرحوم العلاّمة الذي علِم ماذا هناك! فذهب إلى السيّد الحدّاد بدون أن يُخبر الشيخ الأنصاري بذلك؛ أي أنَّ الله كان قد أوضح له هذا الطريق في ذلك الوقت.
من هنا، يتّضح لنا خطأ ذلك الإلزام وفرض وجهات النظر ـ الذي تقوم به بعض الجهات بشأن قضيّة معيّنة ـ على الآخرين؛ فعلى كلّ شخص أن يختار طريقه في مسيره إلى الله وفقاً لبصيرته ـ فيما بينه وبين الله ـ ، ولا يجوز له فرضه على الآخرين.
إنَّ الأمر الذي كنت اُنبِّه عليه بعد المرحوم العلاّمة هو: إنَّ رأي كل شخص بالنسبة إلى أيّ أمر هو خاصّ به، ولا يجب تسريته على الآخرين، وذلك لأنَّني كنت أرى وألمس في ذلك الوقت المشاكل التي برزت اليوم، وأقسم هنا ـ بيني وبين الله ـ بأنَّ وجهة نظري لم تتغيّر بشأن هذه القضايا منذ ارتحال المرحوم العلاّمة إلى هذا اليوم، ولقد كنت أشعر في ذلك الوقت الذي أعقب ارتحال المرحوم العلاّمة بهذه الأمور شعوري بها اليوم، ولم تتغيّر المسألة بالنسبة لي أبداً.
و خلاصة الأمر، فقد اتّضح من خلال ما سبق: ما هو معنى الوصاية، وما هو دورها في حركة الإنسان؛ فالوصاية ليست بالأمر الإلزامي، بحيث يكون لزاماً على كلّ شخص الرجوع إلى الوصيّ؛ فلقد كان المرحوم القاضي يقول لتلامذته يمكنكم الرجوع إلى الشيخ محمّد جواد الأنصاري، في الوقت الذي كان فيه قد عيَّن له وصيّاً ظاهريّاً.. متى رجع العلاّمة الطباطبائي إلى أحد الأشخاص؟! وهل يمكن أساساً لشخص يكون في رتبةٍ أعلى من الرجوع إلى الوصيّ الظاهري والذي هو في رتبةٍ أدنى؟! وهل هذا الأمر مقبول من الناحية العقليّة؟! إنَّ هذه الرؤية وهذا المنهج عبارة عن السقوط في الخطر.
وأمّا إذا سار كلّ شخص وفقاً لهذا الفكر والمنهج الصحيحين، فلن يحصل أيّ شيء ولن يقع أيّ صدام؛ كما هو الحال في موضوع التقليد، حيث نرى بأنّ جماعة تُقلّد المرجِع الفلاني، وآخرون يقلِّدون مرجِعاً آخر من دون وجود للنزاع والمشاكل بينهما؛ فأحد المراجع يرى أنَّه من الواجب ذكر التسبيحات الأربعة لثلاث مرات، بينما يرى الآخر بأنَّ ذكرها لمرّة واحدة يكفي، أو من قبيل رفع النجاسة؛ فيقول أحدهم بكفاية الغسل لمرة واحدة، بينما يرى الآخر لزوم الغسل ثلاث مرات؛ فلا وجود في هذا المنهج للنزاع والمشاكل.
فلا مكان للنزاع والاختلاف وفرض الرأي في الطريق إلى الله؛ لماذا؟ لأنَّ الله قد جعل لكلّ فرد طريقه الخاصّ به، وقد يجعل الله لي اليوم هذا الطريق ولك ذلك المسير، ومن الممكن أن يجعلني غداً في ذلك الطريق ويجعلك في هذا المسير، أو قد يجعلنا نطوي طريقاً واحداً؛ إذاً فجميع تلك الخصومات وذلك الصراع ناشئ من الجهل وعدم النضج وقلّة الخبرة؛ فهي السبب في كلّ تلك المشاكل.
هذه هي حقيقة السلوك؛ ولهذا فإنَّ الإمام الصادق يُريد أن يقول لعنوان البصري بأنّه لا دخالة لحضوري وغيبتي في موضوع سلوكك؛ فأنا أُعطيك البرنامج وعليك العمل بموجبه، ولا يفرق الأمر بالنسبة إليك: سواءً كنت في المدينة أم لم أكن، وسواءً كنت في السجن أم لم أكن، وسواءً استطعتَ الوصول إليّ أم لم تستطع؛ فإذا عملت وفقاً للبرنامج، فأنا.. الإمام الصادق، ولكوني وليّك، فإنَّي أحفظك من خلفك ومن الباطن، وأنا الذي أمسك قلبك بيدي، وأنا الذي أسيِّرك في الطريق.
فالإمام هنا بصدد بيان هذا الأمر المهم، ولكنَّنا نتصوَّر بأنَّه لا بدّ لنا من مقابلة الإمام والوليّ لمرّة واحدة في الأسبوع على أقلّ تقدير، في حين أنَّ الأمر ليس كذلك؛ فإذا ما كانت المقابلة ضروريّة، فهو الذي يقوم بإيجادها، وإلاّ فلا؛ فبناءً عليه، تكون كل تلك التصوّرات باطلة.
وبالنتيجة، أصبح السلوك عبارة عن: حركة الإنسان إلى الله في ذلك المسير الذي عيّنه الله له، بالشكل الذي يتقبّل فيه بروحه وقلبه أيّ أمر حقّ يحصل له، ولا يُدير له ظهره.
وقد يحصل ـ والحال هذه ـ أن يرسل الله للإنسان رفيقاً يكون أكثر فائدة له من الأستاذ نفسه؛ كما يقول حافظ ـ عليه الرحمة ـ :
دريغ ودرد كه تا اين زمان ندانستم
                             كه كيمياى سعادت، رفيق بود رفيق[37]
(يقول: إنَّني أتألّم وأتحسّر لأنَّني لم أكن أعلم حتّى هذا الوقت، بأنَّ الرفيق يمثّل كيمياء السعادة)

أي إنَّ نفس ذلك الفيض الذي يناله الإنسان من الأستاذ، من الممكن أن ينالهُ من الرفيق، فدور رفيق الطريق وتأثيره في تقدّم الإنسان عجيب جدّاً، وسيتمّ إن شاء الله توضيح هذا الموضوع بالتفصيل عند البحث في ضرورة أن يكون للإنسان رفيق؛ فقد تمّت هنا مجرّد الإشارة إلى أنَّ اخنلاف طرق الحركة إلى الله وهدايته، حيث من الممكن أن يكون الأمر في فترة من الزمن على منوال معين، وفي فترة أخرى على منوال آخر، مع تساوي كلا الأمرين؛ لأنَّ كلاهما عبارة عن حركة في الطريق إلى الله.
نأمل إن شاء الله تعالى ألاّ يكلنا سبحانه إلى أنفسنا طرفة عين أبداً، وأن يتولّى تدبير قلوبنا وتصحيح أفعالنا وكلامنا!
وأن يتكفّلنا ويؤيّدنا ويوفّقنا بذاته في تلك القفار المُهلكة والمنحدرات الخطرة والوعرة، ويُنجّينا من مكائد الشيطان على الدوام!
و ألاّ يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين أبداً!
و ألاّ يحرمنا من التمسّك بحبل الولاية!
و ألاّ يحرمنا من زيارتهم في الدنيا وشفاعتهم في الآخرة!
اللهمَّ صلِّ على محمّد وآل محمّد


[1] ـ معرفة الله، ج 1، ص 184؛ رسالة السير والسلوك المنسوبة إلى بحر العلوم، ص 205؛ الروح المجرّد، ص 468.

[2] ـ راجع: الروح المجرّد، ص 49.

[3] ـ راجع: نفس المصدر، ص 673.

[4] ـ راجع: رسالة السير والسلوك المنسوبة إلى بحر العلوم، ص 205 إلى 212؛ لبّ اللباب، ص 129 و135؛ سرّ الفتوح في الردّ على كتاب «عروج الروح»، ص 39.

[5] ـ الكافي، ج 1، ص 411؛ وسائل الشيعة، ج 14، ص 600؛ معرفة الإمام، ج 8، ص 95.

[6] ـ يجب الانتباه إلى أنّ هذا الأمر ليس مزاحاً، بل هو من قبيل الأمور التي نحن مبتلين بها اليوم.

[7] ـ بحار الأنوار، ج 50، ص 56.

[8] ـ يتم هنا توضيح معنى الحركة إلى الله والرجوع إلى الأستاذ؛ ولهذا على الأخلاّء والأصدقاء الانتباه إلى كيفية المناورة في الكلام باتجاه الهدف المطلوب والوصول إلى النتيجة المرجوّة، لكي يتّضح لهم الأمر.

[9] ـ لمزيد من الاطّلاع، راجع: أسرار الملكوت، ج 2، ص 28.

[10] ـ أمثال وحكم دهخدا، ج 3، ص 1300.

[11] ـ لمزيد من الاطّلاع، راجع: شرح حديث عنوان البصري، الجلسة 5.

[12] ـ سورة النساء (4)، جزء من الآية 150.

[13] ـ الروح المجرّد، ص 42.

[14] ـ نفس المصدر، ص 39.

[15] ـ للاطّلاع على هذا الموضوع، راجع: كتاب گلشن راز ( روضة الأسرار)، ج 1، ص 164.

[16] ـ هذا بالطبع عند تمكّنه من تشخيص الحق، والاّ فلا ضير على الإنسان إذا لم يتمكن من التشخيص؛ فهل إنَّ كل من أصبح سالكاً بحسب الاصطلاح سيتمكّن من تشخيص الحقّ في جميع الحالات؟!

[17] ـ نور ملكوت القرآن، ج 1، ص 115.

[18] ـ الأحداث التي أعقبت اعتقال السيّد الخميني.

[19] ـ وظيفة الفرد المسلم في إحياء الحكومة الأسلامية، ص 86.

[20] ـ ديوان حافظ، الغزل 362.

[21] ـ انظر: معرفة الإمام، ج 18، ص 192؛ وظيفة الفرد المسلم في إحياء حكومة الإسلام، ص 88.

[22] ـ وقد ذكر هذه المسألة مرّات عديدة لهذا الحقير، كما أشار إليها في ضمن مؤلّفاته أيضاً* * الروح المجرّد، ص 674.

[23] ـ راجع: الروح المجرّد، ص 31، الهامش.

[24] ـ لمزيد من الاطّلاع، راجع: أسرار الملكوت، ج 3، ص 245.

[25] ـ عبارة يُراد منها في العرف الإيراني الدارج الإشارةُ إلى الشخص العامّي، وليس التنقيص ـ لا سمح الله ـ من بائع اللبن. المترجم

[26] ـ راجع: الروح المجرّد، ص 472.

[27] ـ راجع: معرفة الإمام، ج 1، ص 258؛ أسرار الملكوت، ج 2، ص 342.

[28] ـ الروضة في فضائل أمير المؤمنين، شاذان بن جبرئيل القمّي، ص 84.

[29] ـ الكافي، ج 1، ص 351، مع شيء من الاختلاف؛ الخرائج والجرائح، ج 1، ص 331: "ومنها : ما روي عن هشام بن سالم، قال: كنت أنا ومحمد بن النعمان صاحب الطاق بالمدينة، بعد وفاة جعفر عليه السلام وقد اجتمع الناس على عبد الله ابنه فدخلناعليه وقلنا: الزكاة في كم تجب؟ قال: في مائتي درهم، خمسة دراهم. فقلنا: ففي مائة؟ قال: درهمان ونصف. فخرجنا ضُلّالا فقعدنا باكين في موضع نقول: إلى من نرجع؟ إلى المرجئة، إلى المعتزلة، إلى الزيدية، فنحن كذلك إذ رأيت شيخا لا أعرفه يومئ إليّ، فخفت أن يكون عيناً من عيون أبي جعفر المنصور، فإنّه أمر بضرب رقاب من يجتمع على موسى عليه السلام وقتله إن اجتمعوا عليه. فقلت للأحول: تنحّ، لا تهلك فإنّي خائف على نفسي، وتبعت الشيخ حتى أخرجني إلى باب موسى عليه السلام وأدخلني عليه. فلمّا رآني موسى عليه السلام قال لي ابتداءا منه: إليّ إليّ، لا إلى المرجئة، ولا إلى المعتزلة، ولا إلى الزيديّة. فقلت: مضى أبوك؟ قال: نعم! قلت: فمن لنا بعده؟ قال: إن شاء الله أن يهديك هداك. فقلت في نفسي: لم أحسن المسألة فقلت: وعليك إمام؟ قال: لا! فدخلني هيبة له، قلت: أسألك كما سألت أباك؟ قال: سل تخبر ولا تذع، فإن أذعت فهو الذبح. فسألته فإذا هو بحر لا ينزف. قلت: شيعة أبوك ضلاّل فأدعوهم إليك؟ قال : من آنست منه الرشد".

[30] ـ راجع: الشمس الساطعة، ص 27؛ مطلع الأنوار، ج 1، ص 295.

[31] ـ يبدو أنّ ذلك حصل عندما كان المرحوم القاضي ـ رضوان الله عليه ـ مريضاً، أو أنَّ هكذا أسئلة من الممكن أن تُطرح نتيجة للبطالة، فأيّ سؤال هذا والمرحوم القاضي مع تلك العظمة جالس إلى جنبك ولا يزال يتنفّس؟! وكأنَّما عطّلت جميع موجودات المُلك والملكوت أعمالَها منتظرةً وفاة المرحوم كي يذهب هذا ليُراجع شخص آخر؛ وأنا أُسمي ذلك بطالةً.. لقد كان هنالك الكثير من أمثال هؤلاء في زمن المرحوم العلاّمة أيضاً، فقد كانوا يجلسون ويتساءلون من سيكون الوليّ بعد العلاّمة؟ فيا عزيزي، ما يزال هذا العبد حيّ ويمشي، فاذهب واستفد منه؛ فأيّ معنى من طرح هذا السؤال: إلى من نرجع من بعدك؟!

[32] ـ أمثال وحكم دهخدا، ج 2، ص 854، نقلاً عن عبد الرحمن الجاميّ.

[33] ـ يقابله في العربية: فاقد الشيء لا يُعطيه ]المترجم[

[34] ـ راجع: الروح المجرّد، ص 472.

[35] ـ الروح المجرّد، ص 43 إلى 61.

[36] ـ لمزيد من الاطّلاع، راجع: أسرار الملكوت، ج 2، ص 293 إلى 316، الخصوصيّة الرابعة: الإنسان الكامل يعمل على أن تكون أموره متطابقة مع إرادة الحق ومشيئته‏.

[37] ـ ديوان حافظ، الغزل 305.

      
  

جميع الحقوق محفوظة لـ موقع المتقين www.motaghin.com ويسمح باستخدام المعلومات بشرط الإشارة إلى المصدر.

© 2008 All rights Reserved. www.Motaghin.com


Links | Login | SiteMap | ContactUs | Home
عربی فارسی انگلیسی