معرض الصور المحاضرات صوتيات المكتبة سؤال و جواب اتصل بنا الرئیسیة
 
اعتقادات و كلام أخلاق حکمة عرفان العلمي و الإجتماعي التاریخ القرآن و التفسير
المكتبة > محاضرات آية الله السيد محمد محسن الطهراني > شرح دعاء أبي حمزة الثمالي > شرح دعاء أبي حمزة الثمالي لعام 1434 هـ ق > شرح دعاء أبي حمزة الثمالي لعام 1434 هـ ـ المحاضرة 7: الاطّلاع على حقائق الأشياء شرط في المربّي

_______________________________________________________________

هو العليم

شرح دعاء أبي حمزة الثمالي لعام 1434 هـ

المحاضرة السابعة:
الاطّلاع على حقائق الأشياء شرط في المربّي

ألقيت هذه المحاضرة ليلة الثالث عشر من شهر رمضان لعام 1434 هـ ق

 

ألقاها:
سماحة آية اللـه السيّد محمّد محسن الحسيني الطهراني
حفظه اللـه

_______________________________________________________________

تحميل ملف البد دي أف تحميل ملف البد دي أف

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بِسمِ الله الرَّحمَنِ الرَّحيم
و صلَّى اللهُ عَلَى سيّدنا ونَبِيّنا أبي القاسِمِ مُحمّد
اللهمّ صلّ على مُحمّد وآل مُحمّد
و عَلَى آله الطّيّبين الطّاهِرينَ واللّعنة عَلَى أعدائِهِم أجمَعينَ

عظُم يا سيّدي أملي وساء عملي فأعطني من عفوك بمقدار أملي ولا تؤاخذني بأسوء عملي؛ فإنٌّ کرَمَك يجلّ عن مجازات المذنبين وحلمك يكبر عن مكافات المقصِّرين.[1]
قلنا للرفقاء بأنَّ ذلك الأمل الذي يرجوه الإمام السجّاد من الله كبير جدّاً جدّاً، ولا يمكن أن يكون ذلك الأمل شيئاً آخر سوى لقاء الله.

    

معرفة الحقّ تكون بالحقّ نفسه

إنَّ المراد من لقاء الله هو الوصول إلى مقام الذات، والذي هو عبارة عن معرفة الحقّ بواسطة الحقّ نفسه؛ لأنَّه لا يمكن للوجود المحدود من حيث سعته الوجوديّة أن يعرف الوجود اللامحدود؛ إذ إنَّ من مستلزمات المعرفة، تحقّق التماثل والتساوي في الدرجة بين كلتي الرتبتين الوجوديّتين؛ فيصبح هذا الحدّ الوجوديّ بمستوى ذلك الحدّ من حيث المعرفة؛ فإذا ما أصبح بذلك المستوى، تنكشف عندها خصوصيات تلك الدرجة الوجوديّة لذلك المعروف بالنسبة للعارف، وتتوضّح خصوصيات تلك الدرجة الوجوديّة لذلك المعلوم بالنسبة للعالِم؛ فإن لم يكن العالم بنفس تلك الدرجة، فإنَّ اطّلاعه وعلمه ومعرفته بذلك المعلوم سيكون اطّلاعاً ناقصاً، لا اطّلاعاً تامّاً وكاملاً؛ إذ سوف لن يحصل له إشراف على ذلك المعلوم بالكامل وبالشكل الذي هو عليه.
فنحن نرى الآن رفيقنا، ولدينا اطّلاع مجمل عن خصوصيّاته: من هو أبوه، من هي أمّه، متى كانت ولادته، ما هو مستوى تحصيله الدراسي، ما هو مستواه الثقافي، كيف هي أخلاقه، هل هو بخيل ومُمسِك عن الإنفاق أم هو جواد وكريم؟ هل هو حَسن الخُلق؟ أم سيّئه؟... فتلك أمورتحصُل لنا المعرفة بها تدريجيّاً وبمرور الزمان وعلى إثر مرافقته؛ فتتّضح لنا نقاط ضعفه، ونقاط القوّة لديه، وكم هو مقدار تحمّله وحلمه عند وقوع المشاكل والأمور الشاقّة وغير الملائمة لطبيعة النفس الإنسانيّة؛ فما إن تتغيّر أمور البعض شيئاً ما، وما إن تتذبذب أمورهم المعاشيّة شيئاً ما، إلاّ وظهر تذمّرهم وارتفعت أصواتهم إلى عنان السماء!
ـ ما الذي حصل؟
ـ إنَّ الصكّ الفلاني لم يُصرف، لعدم وجود رصيد مالي لديّ.
ـ فليرجع إذاً، ولا يكن لديك رصيد، فما الذي سيحصل؟
ـ واويلاه! إنّي سأفقد ماء وجهي ...
ـ فعلى أيّة حال، كان يجب عليك التمعّن بالموضوع، وكان يجب عليك عمل شيء ما، وكان يجب عليك أن تتصرّف بتأنٍّ، فليس من الضروري أن يكون لديك هكذا أشياء ...
هنالك الكثير من المواضيع، وهنالك الكثير مما ينبغي أن يُقال.
أمّا البعض الآخر، فليس على هذا المنوال؛ فعندما يمرّ بهكذا ظروف، تراه يحافظ على اتِّزانه وهدوئه، ويحافظ على سكينته.
الناس مختلفون، فلا يمكن التكلّم مع البعض إذا ما أوجعه رأسه قليلاً.
ـ لقد أوجعني رأسي.
ـ ثمّ ماذا ...
بينما تجد شخصاً آخر يُصاب بمرض عضال، ولكنَّه مادامت آثار ذلك المرض لم تظهر للعيان، فإنَّه لا يرغب بإخبار حتّى زوجته بإصابته بذلك المرض الخطير، اللهمّ إلاّ إذا اتّضحت المسألة تلقائياً ووصل المرض إلى الدرجة التي يكون فيها مُشاهداً للآخرين.
فسِعة الأشخاص مختلفة، وذلك إمّا أن يكون جِبِليّاً ـ فالشخص يكون ذاتيّاً بهذا الشكل ـ أو أن يصل إلى هذه المكانة ويحصل له هكذا استعداد بفعل طيِّه لمراحل التربية والإعداد.

    

عدم تمكّن الإنسان القاصر من التعرّف على حقائق الأشياء

ولكنَّك هل تكون في واقع الأمر قد أحطت بجميع خصوصيّاته كما هي عليه؟ كلاّ؛ لماذا؟ لأنَّك من الممكن أن تقوم بعمل ما، ويكون لديك تصوّر خاص عن ردّة فعله، ولكنَّك تُفاجأ بمشاهدة تصرّف منه على خلاف ما كنت تتوقّعه؛ والسبب في ذلك يعود إلى أنَّ ذلك العمل لم يكن متوافقاً مع فكره وذوقه في ذلك الوقت؛ فلو كان لديك ـ والحال هذه ـ اطّلاع كامل عنه وكانت معرفتك به تامّة، لما كان هنالك موجب لأن يتأثّر ويرى منك ما لم يكن يتوقّعه. من هنا، يكون معلوماً بأنَّ معرفتنا بالأشخاص ومهما كانت كبيرة تظلّ معرفة ناقصة؛ إذ إنَّنا لا نستطيع الإحاطة بجميع خصوصيّاتهم.
إنَّكم لا تستطيعون تصوّر ما هو أدنى من النعجة.. تلك النعجة التي ترونها وتذبحونها كأضحية؛ فكم هو مقدار معرفتنا بها؟ هل نعلم حقّاً أيّ حيوان هو، وما هي خصائصه، وما هي نفسيّته، وما هي حالاته، وفي أيّ عالم هو؟ من الواضح أنّه لا علم لنا بذلك؛ فنحن نقول عنها: أغنام، حيوانات؛ فهل هذا يكفي؟!
لهذا قال العظماء بأنَّه لا يمكن للإنسان الإحاطة بالفصل الماهوي لموجود آخر؛ فلا يعلم ذلك إلاّ علاّم الغيوب، ذلك الذي خلق هذا الموجود، فهو العالم أيّ شيء قد خلق؛ فإن لم يكن يعلم ذلك، فيا ويلاه إذاً.
فنحن نقول بشأن بعض الناس بأنَّه حتّى الله لا يعلم بطبيعة هذا الموجود الذي خلقه!!! حتّى الله ليس لديه علم بما سيكون عليه هذا الموجود!!!
ففصول الأشياء ليست معلومة لنا، وما يمكننا الاطّلاع عليه هو عوارض الأشياء؛ فتلك النعجة التي تثغو، ما هو سبب ثغائها؟ ما الذي شعرت به حتى أخذت بالثغاء؟ هل يكون ثغاؤها على نمط واحد دائماً؟ أم أنَّ كل ثغاء لها يُعبِّر عن حالة معيّنة وله معناه الخاصّ به؟ نحن لا نعلم ذلك؛ فكلمّا نقوله هو أنَّ هذه النعجة تثغو، ولكن لو جاء النبي سليمان أو النبي موسى اللذان كانا يعرفان لغة الحيوانات، لقالا: إنَّه يقول بثغائه هذا كذا، وكان يقول شيئاً آخر بثغائه الحاصل قبل خمسة دقائق؛ فهم يعلمون ذلك؛ وأنتم مطّلعون على قصّة لغة الحيوانات، إنَّها مذكورة في كتاب المثنوي! وكلّنا قد سمع بها.
نحن لا نفهم، وليس لدينا اطّلاع، ونتصوَّر بأنَّ الفرق بين النعجة والبقرة هو هذا الظاهر، وهذا هو الفرق بين البقرة والجمل؛ فهذا يكون أقوى وذلك وزنه أكبر، وذلك صوفه أكثر.. تلك هي المعلومات البسيطة التي نمتلكها؛ وأمّا ما هي النعجة في الواقع؟ في أيّ عالم هي؟ ما هي الأجواء التي تعيشها؟ وما الذي جعلها تظهر بهذا الشكل؟ لماذا يجب أن تظهر تلك البقرة بذلك الشكل؟ ما الداعي لذلك؟ ماذا حصل؟ مع أنَّ كلاهما من الحيوانات. بالطبع، ليس لدينا شكّ في كون كليهما من الحيوانات، ولكنّ الأمر لا ينتهي بالاطّلاع على أنّها من الحيوانات؛ فما الذي حصل حتّى تظهر هذه النعجة بهذا الشكل عندما صارت حيواناً؟ في حين يظهر الأسد، النمر، الذئب بذلك الشكل عندما تُصبح حيوانات؟ ما الذي حصل هنا؟ فمع أنّ كليهما من الحيوانات وكلاّ منهما يمشي على أربعة قوائم، إلاّ أنَّ هذا يتغذّى على الأعشاب وذاك يفترس.
ليس لدينا علم بتلك الخاصّية الموجودة والتي يُعبِّرون عنها بالفصل ـ إنَّ هذه المواضيع التي أذكرها هنا مهمة جداً للوصول إلى ما أريد أن أبيّنه ـ أو بالصورة الماهويّة.
إنَّ معنى مصطلح الصورة في الفلسفة والقواعد العلميّة يختلف عمّا هو متداول بين الناس؛ فعندما يذكر الناس الصورة، فهم يقصدون بذلك شكلَ الوجه هذا أو الملامح الظاهريّة أو التصوير الفوتوغرافي؛ أمّا بحسب القواعد العلميّة، فيُقصد بالصورة حقيقة الشيء.. تلك الحقيقة التي تُميّز هذا الشيء عن سواه؛ هذا هو ما يعنُونه بالصورة؛ فالصورة الإنسانيّة هي تلك الحالة التي تُميّزنا عن سائر الأشياء، فيُطلق علينا اسم الإنسان، وعلى البقيّة أسماء أخرى.
فمع هذه المعلومات التي لدينا، ومع أنَّنا بشرٌ، فلماذا لا نستطيع الاطّلاع على هذه النعجة، والمعرفة بها؟ لماذا؟ لأنَّنا لا نكون بنفس درجتها الوجوديّة؛ فلنا وجود محدود، ولتلك النعجة وجودها المحدود الخاصّ بها؛ فما دام هذا الموجود المحدود باق في محدوديّته، فهنالك جدار بينه وبين ذلك الشيء لا يمكنه عبوره وتخطّيه والوصول إلى ذلك الشيء الموجود هناك والإحاطة بخصوصيّاته، والاطّلاع على صورته الحقيقيّة والباطنيّة؛ فالجدار لا يسمح بذلك.
فهذا الجدار لا يدع الإنسان يتعرّف على رفيقه؛ فكلّ ما يستطيعه هو إدراكه لمجموعة من خصوصيّاته الظاهريّة؛ فحتّى لو عشت مع رفيقك لمدة خمسين سنة، فإنَّك لا تستطيع إدراك الكثير من خواصّه النفسيّة ـ تستطيع أن تتعرَّف على ظاهره كلون بشرته ومكان حاجبه وشاربه و... فهذه من الأمور الطبيعيّة ـ أمّا كيف تكون معنويّاته؟ كيف تكون نفسانيّاته؟ ماذا لديه من علوم؟ ما هي مكنوناته؟ ما هي صفاته؟ ما هي خصائله؟ أنَّى للإنسان أن يعرِف ذلك؟ فلو كان يستطيع ذلك لما حصل اختلاف وتصادم بين شخصين، في الوقت الذي نرى فيه بأنَّ ذلك يحصل دائماً.
هل تعلمون أحداً أقرب للآخر من الزوج وزوجته؟ هل يوجد؟ لا يوجد! ألا يحصل خلاف بينهما؟ أفلا وجود لأيّ خلاف حول أيّ أمر؟ لا، يحصل ذلك؛ فيحصل أحياناً أن يصدر من أحدهما أمراً خلاف ما يرجوه الأخر، ويحصل أحياناً أن يقول أحدهما بشيءٍ ينزعج منه الآخر؛ كأن يقول على سبيل المثال: إنَّ عينك هكذا،... . يحصل الكثير من ذلك وهو أمر رائج، ثمّ يحصل بعدها تفاهم بينهما وينتهي الأمر بخير وسلامة، ولكن ومع كون هذان الزوجان يعيشان معاً، إلاّ أنَّه ليس لهما معرفة بالأمور المخفيّة لأحدهما عن الآخر، حتّى وإن استمرّت حياتهما إلى يوم القيامة، لماذا؟ لأنَّ هذا يكون في مرتبة وجوديّة، وذاك في مرتبة أخرى؛ فلا هذا يرتقي إلى مرتبة ذاك ولا ذاك إلى مرتبة هذا؛ فكلّ منهما في درجة خاصّة، وهما يتحرّكان بشكل متساوي ومتوازي، وإذا ما استطاعا أن يوازنا أمورهما، ولا يُسبّب أحدهما مشكلة للآخر، فسيكونان بذلك قد حقّقا أقصى درجات المهارة؛ فذلك من أقصى درجات المهارة، نعم، أقصاها! أمّا أن يطّلع كل منهما على دقائق أمور الآخر، فلا يستطيعان ذلك ولو حاولا إلى يوم القيامة؛ إذ إنَّ ذلك من الممتنعات العقليّة.

    

الارتقاء الوجودي لمرتبة الأشياء شرط للتعرّف عليها

فمن هو الذي يتمكّن من الاطّلاع والإشراف على خصوصيّات الطرف المقابل؟ إنَّه ذلك الذي يستطيع الارتقاء وجوديّاً حتّى يصبح بنفس مستوى الآخر، وذلك هو الإمام عليه السلام فقط. بالطبع، فإنَّ تلك هي من الدرجات الدنيا، وإلاّ فللإمام درجات أعلى من هذه بكثير؛ فهذا التعبير هو أكثر التعابير عاميّةً نستطيع ذكره في هذا المجال؛ وأمّا بالنسبة للإمام والأولياء الإلهيّين، فهم أكبر من هذه الأمور.
نعم، يرتقي ليصبح بنفس مستواه، ويأتي ليضع نفسه في ضمن حدوده الوجوديّة.
كان نبي الله موسى واقفاً يوماً بجنب نهر النيل، إذ ضربت عصاه قطعة حجر، فأزيح الحجر جانباً، وانفلق إلى نصفين؛ فنظر، فرأى دودة داخل الحجر.. داخل الطين وأمثال ذلك؛ فتعجّب موسى وقال: يا إلهي، مع امتلاكك لكلّ هذا الخلق، فما هذا إذاً؟ ما الذي كان سيحصل لهذا العالم لو لم يكن لهذه الدودة وجود؟ فهذه الدودة الصغيرة وفي جوف هذا الحجر، فأيّ خَلق هذا؟ هل أجبرتك على ذلك حالة الخالقيّة، فخلقت هكذا دودة صغيرة في جوف الحجر؟
فجاءه الخطاب لا تقل ذلك يا موسى، فهذه الدودة تسألني الآن ما الذي كان سيحصل للعالم لو لم تخلق موسى؟ أبداً لم يكن ليحصل شيء!
و كلامها صحيح، فلو لم يكن هنالك ألف موسى، ما كان وضع الدنيا ليتغيّرشيئاً، فسيكون حالها على هذا الوضع الذي ترونه، لا يتغيّر شيئاً،... فلِننتبه! فنحن نتصوَّر بأنَّ لنا شأناً! فلا وجود لذلك في العالم العلوي؛ فعلينا أن نعرف ذلك.
علينا أن نعلم بأنَّنا لسنا من ذوي الشأن في هذا العالم يا عزيزي، فلا نتشبّث بهذا وذاك، ولا نتصوَّر بأنَّه ستتناثر الأفلاك في حالة عدم وجودنا، وتتحطّم المجموعة الشمسيّة وتندكّ النجوم والكواكب السيّارة وكلّ العالم ... لا يا عزيزي, سوف لن يحصل شيئاً من ذلك! فصدِّقوا بأنَّه إذا ما توسَّدنا التراب، فسوف لن تنظر إلينا حتّى تلك الدودة التي بجوارنا، فما بالك بالنجوم والكواكب السيّارة و...
لا يوجد شيء من هذا القبيل في ذلك العالم؛ فذلك العالم هو عالم السكون، وعالم الاطمئنان، وعالم السكوت، وعالم الطمأنينة، وعالم الأمن، عوالم الروَح والروحانيّة؛ فلا وجود هناك للفوضى، ولا وجود للصخب، ولا وجود للأمر والنهي، ولا وجود للمصالح الشخصيّة، ولا وجود لهذا وذاك؛ فكلٌّ يعمل بموجب تكليفه، إذ إنَّ هنالك درجات متفاوته، ولا وجود للخصام بأنَّك أنت الذي فعل ذلك، أو لماذا لم تفعل، لماذا تحتلّ مكاني ... لا وجود لذلك!
فجميع الأمور التي من قبيل: (لولاي لما كنتَ شيئاً، لولاي لما حصل شيء) هي نتاج تخيّلاتنا في هذا العالم، وكلّها تخيّلات، حيث نتصوَّر بأنَّه لولا وجودنا، لأصبح العالم دفعة واحدة هباءاً منثوراً! لا يا هذا، سوف لن تتزحزح قطرة ماء من مكانها ولو بمقدار رأس الأبرة.
جهان چون خط وخال چشم وابروست
                             که هر چيزی به جای خويش نکوست[2]

(ترجمته: إنّ العالم يُشبه الخطّ والخال والعين والحاجب، فكلّ شيء في محلّه جميل)
فلو كان لموسى اطّلاع في ذلك الوقت، ولو كان في نفس الدرجة الوجوديّة لذلك الحيوان الصغير، لما كان قد اعترض على الله؛ فمقام موسى في محلَّه، ولكنَّ النبي موسى الذي وصل إلى مقام الجمع، غير النبي موسى الذي كان في مرحلة السير؛ فصحيح أنَّ المقام في كلتي الحالتين هو مقام الوحي، لكنّ النبي موسى في مراحل كماله لا ارتباط له بالوحي؛ إذ إنَّ تلك الدرجات هي درجات ذاته وكماله، في حين أنَّ الوحي يتعلّق بالأمور العاديّة والظاهريّة والأحكام المتعلّقة بالناس؛ وحضرة موسى لم يصل إلى ما وصل إليه خلال طيِّه لتلك المراحل الكمالية ومراحل التربية النفسانيّة والاستكمال الوجودي دفعة واحدة، بل انكشفت له الأمور تدريجيّاً ودرجة بعد الأخرى حتّى وصل إلى ما كان يجب أن يصل إليه، على أنَّ هنالك كلام فيما وصل إليه بالنسبة إلى ما وصل إليه البعض الآخر من الأنبياء والأئمّة والأولياء.
و هذا نظير ما ورد في قوله تعالى عن النبي إبراهيم عليه السلام: {وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحينَ}[3] ، حيث لم يحصل له ذلك في الدنيا، بل سيُحلّى بتلك الخَلعة في الآخرة وسيصل هناك إلى مقام الصلاح؛ فهكذا يكون الأمر مع النبي إبراهيم والذي يُسمى بأبي الأنبياء؛ فليس الأمر بالشكل الذي يكون فيه الجميع بنفس الدرجة. لقد تمّ الحديث عن هذا الموضوع سابقاً، وخير شاهد يمكن ذكره هنا هو قصّة سليمان وداود، وكم من الممكن أن يكون لقصّة النبي يونس من تأثير في فهم الإنسان في هذا المجال! حيث يتبيّن كيف كان للأنبياء درجات مختلفة في مراحل التربية النفسانيّة أثناء سلوكهم، وكيف أنَّهم كانوا يطوون تلك المراحل درساً بعد درس ودرجة بعد درجة.
فمن المؤكَّد أنَّ النبي يونس عليه السلام في ذلك الوقت الذي يقول عنه تعالى: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى‏ فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمينَ}[4]، وحين غادر قومه على حالة من الغضب، لم يكن يمتلك تلك الدرجة [العالية] من التوحيد والسعة الوجوديّة، فذهب وقضى أربعين يوماً في بطن الحوت، أو فم الحوت (أيّاً كان)، وطوى مراحل لم يكن قد طواها سابقاً؛ وعندما عاد، كانت له درجة أخرى من الاستكمال الوجودي مختلفة عن تلك التي كان عليها عند ذهابه؛ ولو كان النبي يونس عند مغادرته مغاضباً بعد رؤيته علامات العذاب (حيث خرج لكي لا يمسّه ذلك العذاب) له نفس ذلك الحال الذي كان له عند خروجه من بطن الحوت، لما كان سيغضب، بل كان سيقف في مكانه بدون أن يغضب، ولكانت المشكلة قد حُلَّت!
لقد ذهب مُغاضباً ... غير أنّ لذلك حسابه الخاصّ! فلكلّ شيء حسابه الخاصّ ... فلابدَّ له من أن يخرج ويطوي طريقه ويجتاز هذه الدورة.. الدورة العسكرية! (ماذا تُسمَّى؟) دورة التدريب العسكري!!!! لابدَّ له من أن يجتاز تلك الدورات الواحدة تلو الأخرى، لكي يعلم ما الذي يجري في هذا العالم، ومن هو المالك الفعليّ لهذا العالم. لقد كان النبي يونس قد حسب لنفسه بعض الحساب، ولم يجعل الأمر كلَّه بيد ذلك الجانب؛ فقال له الله: إذا وصل الأمر إلى هذا الحدّ، فتعال إلى هنا، تعال وامض هذه الدورة!
وأنت يا حضرة يوسف، لماذا تبعث رسالةً وأنت في السجن تقول فيها: >إنَّني هنا، فاذكرني<؟ يا للعجب! إذا كان الأمر بهذا الشكل، فسوف تبقى عندنا سبع سنوات في السجن! {اذْكُرْني‏ عِنْدَ رَبِّكَ}[5] ؛ عندما تذهب إلى الملك فاحكي له قصّتي، ولا تنس! قل له إنَّهم قد ألقوا شابّاً مظلوماً لا ذنب له في السجن؛ فأنا التجئ إليك! فمعنى {اذْكُرْني‏ عِنْدَ رَبِّكَ} هو إنَّني ألتجئ إليك؛ فهذا هو معناها.
ثمّ إنّه من العجيب أن يذهب ذلك الشخص عند الملك، وينشغل بإنجاز بعض الأعمال وما شابه ذلك، وينسى الموضوع بالكليّة ... إنَّ ذلك لعجيب حقاً! فالإنسان يتذكّر أبسط الأشياء التي تحصل أمامه، فكيف بقضيّة بتلك الأهميّة (حيث كان مع يوسف في السجن)؟ فكيف يُمكن أن ينسى الإنسان أمراً كهذا؟ كيف يمكن أن يحصل ذلك؟ ثم إنَّ ذلك لم يكن ليوم أو يومين، أو أسبوع ... فهل يعني ذلك بأنَّه لم يتذكّر يوسف خلال تلك السنوات السبع؟! إنَّ ذلك لأمر عجيب! أو إنَّه من الممكن أن يكون قد تذكَّره، فيقول مع نفسه: آه! يا للهول! لا أبقاني الله، انظر، لقد كان قد أوصاني ... ولكنَّه ما أن يهمُّ بالذهاب حتّى يحدث أمرٌ آخر، فينقضي على تلك الحالة شهر آخر ...
انتبهوا، فإنّ مثل هذه الأشياء تحصل كثيراً! ثمّ يتذكّر مرّة ثانية: آه، آه! لقد كنت أنوي الذهاب الأسبوع الماضي، فليكن ذلك غداً؛ فيوصي زوجته أيضاً لتذكيره عند المغادرة لكي يطرح قضيّة يوسف على الملك.
فينسى هو وزوجته هذا الأمر.. كلاهما ينسى! فتنسى هي أيضاً بأنَّه كان قد أوصاها البارحة؛ لقد نسيا معاً! كلاهما قد نسي! نعم، كلاهما! فلو كان أحدهما قد تذكَّر، لقال! فما الذي حصل بحيث ينسى الإثنان معاً؟!
و عند المساء: آه، آه، لماذا لم تقولي لي في الصباح؟ فليكن ذلك غداً، فيأتي الغد وبعد الغد ... فلا بدَّ أن ينسى ذلك لسبع سنوات، فينسى وينسى وينسى!
لقد كان المتوكّل قد جلب الإمام العسكريّ إلى سامراء، ثمّ إنّه ومن أجل تلويث وإفساد موضوع الإمامة وتشويه سمعة الإمام عليه السلام، تفحَّص، فوجد بأنَّ أحد أقرباء الإمام (أخوه جعفر) هو ممّن يُمكن استدراجه والجلوس معه على المائدة والاشتغال بالطرب وتلك الأمور.
في أحد الأيّام، كان الإمام الهادي عليه السلام جالساً، إذ جاء شخص وأخبره بأنّ ابنه المسمّى بجعفر ـ والذي كانوا ينتظرون ولادته ـ قد وُلد؛ فرأى الأصحاب آثار عدم الارتياح على وجه الإمام.
فقالوا: لماذا نراك هكذا يا ابن رسول الله؟ فقد وُلد لك مولود.
فقال الإمام: إنَّكم لا تعلمون ما الذي سيُبتلى به شيعتنا بواسطة هذا المولود.
نعم، يُقال بأنَّه [جعفر] قد تاب في أواخر عمره، حيث ورد ذلك في بعض المصنّفات؛ لقد كان ذلك الشخص هو أخ الإمام العسكري عليه السلام.
كان الإمام العسكريّ عليه السلام هناك، فجاء جعفر الذي كان ينوي الذهاب إلى المتوكّل. وخلاصة الأمر، أنّ هدف المتوكل كان هو تلويث سمعة الإمام؛ فذهب إليه الإمام ونصحه قائلاً: لا تذهب، لا تفعل ذلك!
فأخذ يتذرّع بأنَّه لا شأن لي بهم، فقال له الإمام: أنصحك مرّة أخرى، فأنا أُعطيك كلّما تُريد، فما هو سبب قدومك من المدينة إلى هنا من الأساس؟ فإذا لم يكن لديك شغل، فما الذي جاء بك إلى هنا؟
ـ لا، ليس لديّ شيء، لقد جئت ...
لقد كان يكذب، ولهذا ذهب عنه الإمام، وذهب هو في الغد إلى بلاط المتوكّل ليدخل عليه، فقالوا له: إنَّ بطن المتوكل تؤلمه اليوم، فاذهب وتعال غداً.
فذهب في اليوم التالي، فقالوا له: إنَّ رأس المتوكل يوجعه.
فذهب في اليوم الذي يليه ... وهكذا لمدّة سنتين؛ فكلَّما كان يذهب، كان أحد أعضاء المتوكل يؤلمه! أو إنَّهم كانوا يقولون له بأنَّ مزاجه غير مساعد، فلا يريد مقابلة أحد هذا اليوم، تعال غداً...
إنّك لا تعلم بأنَّك لا تستطيع أن تتصارع مع الولاية يا عزيزي! لا تستطيع ذلك مع الإمام ... لقد قال لك لا تذهب، فعليك ألاّ تذهب! فذاك يُريد استغلالك، ويريد استغلال قرابتك من الإمام من أجل توجيه ضربة له؛ فلا تتصوَّر ... فهذا ذيل الأسد، فلا تلعب به! الإمام هو شرف الله، وصاحب الشرف له غيرة على شرفه.
نعم، فالأمر ليس بهذه الكيفيّة.. أن نأتي ونقول إمام إمام إمام إمام؛ لا يا هذا! فلهذا الموضوع حسابه الخاصّ.
فاستمرّ الأمر هكذا حتّى مات المتوكّل! لقد قُتل بالطبع.. قتله ابنه، فلم يستطع [أخو الإمام] مقابلة المتوكل حتّى النهاية.
إنَّ هذا الأمر وهذه القضيّة تُوضّح بأنّه ليس الأمر بأن نقتصر على ... وكثير من المسائل الواردة في هذا المجال تُحلّ بهذا الشكل.

    

مقام الأنبياء عليهم السلام في الوحي غير مقامهم في السير والسلوك

فعلى سبيل المثال، يقولون بأنَّ العالِم الفلاني (بل وحتّى العارف الفلاني أو وليّ الله الفلاني) قد ذكر كلاماً معيّناً، وعندما يتمعَّن المرء بالمسألة، يجد بأنَّ ذلك مستبعد، مع أنَّه من الممكن أن يكون قد قال ذلك فعلاً، ولكنَّه عند الاستفسار عن هذا الموضوع، يتّضح بأنَّه قد قال ذلك قبل أربعين عاماً؛ فقبل أربعين عاماً لم يكن وليّاً! فبما أنَّه وليّ الله، فإنَّهم يعتبرون كلامه هذا بمستوى واحد مع كلامه الذي تفوّه به قبل أسبوع واحد من وفاته. إنَّ هذا الاختلاف في درجات المعرفة تبعث على وقوع بعض الأشخاص في الخطإ؛ فيقوم المرء بالخلط بين ذلك وبين المواضيع الصادرة من الشخص قبل وصوله إلى درجة الولاية.
إنّ جميع الناس يقولون بأنَّنا لا نستطيع إخراج كتكوت من البيضة دفعة واحدة؛ فتبدّل البيضة إلى كتكوت يتطلّب عشرين يوماً؛ فليس الأمر بحيث ما إن تضع الدجاجة بيضة حتّى تصبح كتكوتاً في الحال، فذلك يتطلّب عشرين يوماً، ويستلزم أموراً؛ وهكذا يكون الأمر بالنسبة للإنسان، فلكي يصل إلى هذه الدرجات، لا بدّ له من طيِّ الطريق، وبطيِّه لهذا الطريق تتبدّل أفكاره، ويحصل على معلومات جديدة، ويطّلع على أمور إضافيّة، وهكذا حتّى يصل إلى الحدّ الذي تكون فيه مشاهدته تامّة؛ عندها سوف تكون المطالب واحدة من دون زيادة أو نقصان، ومن دون علوّ أو دنوّ.
فنجد بأنّ النبي يونس قد اختلف حالُه بين زمان خروجه ذهابه وزمان عودته اختلافَ الأرض عن السماء، حيث كان قد استقرّ في بطن الحوت مردِّداً بشكل دائم: {لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمينَ}؛ وهو نفس الذكر الذي يُردّده العظماء والعرفاء، فقد أوصاهم بذلك أساتذتهم. فقال ليونس: عليك أنت أيضاً أن تُردّد هذا الذكر أربعين يوماً! ولكنَّك تذكره وأنت في بطن الحوت، بينما يذكره هو في حال السجود ...
فهذا الذكر يجب أن يُؤتى به في حال السجود، وإذا لم يتمكّن المرء من الإتيان به في حال السجود، فيمكنه أن يفترض نفسه في حال السجود؛ فلا يمكن الإتيان بهذا الذكر بغير هذا الحال، بل لا بدّ من افتراض حالة السجود.
فكان نبيّ الله يونس يكرّر باستمرار في حال السجود {لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمينَ}، فلو لم أكُ من الظالمين، لما كنت قد ذهبت مُغاضباً.
لقد غضِب وامتعض، وغادر قومه وهو غضبان ممتعض.
ـ ألا ترغبون في الإصغاء لكلامي؟ إذن، سأدعو عليكم لينزل عليكم عذاب الله، وسأخرج أنا حتّى لا يمسّني العذاب، وعندما أحسّ بعلامات العذاب، خرج.. قال: حسناً، لقد آن الأوان، فسترون! فماذا كنتم تظنّون؟ كلمّا كنت أتكلّم معكم، كنتم تسخرون منّي، وكلمّا كنت أتكلّم معكم، كنتم تضحكون عليّ، وتستهزؤون بي؛ فسترون الآن ماذا سيحلّ بكم؟ {مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ}، يقول البعض بأنَّ لعبارة {لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} معنى آخر غير القدرة، وأنّ معناها التضييق، أَنْ لَنْ نَقْدِرَ، أَنْ لَنْ نُضَيِّقَ، أي أنّنا لن نُضيّق عليه؛ فللكلمتان معنى واحد، ولا فرق بينهما.
وحتّى إنَّ المرحوم العلاّمة الطباطبائي ـ رضوان الله عليه ـ قال: من المستبعد أن يظنَّ نبيٌّ يمتلك مقام العصمة هكذا ظنّ.
لا، لا يوجد هنالك أيّ استبعاد، فكلّ شخص ودرجته التي هو فيها؛ فعندما يكون الإنسان غير حائز بعد على درجات التوحيد كما هي، ولم يستنر قلبه بحقيقة التوحيد تلك، وما زال هنالك في نفسه وضميره بعض التعلّقات والتوهّمات والتخيّلات في مرحلة نزول درجات الأسماء والصفات، فهو بحاجة لهكذا مواقف من أجل تصفيته.
فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَضِيقَ أو نُضَيِّقَ عليه، فإذا كان من المقرّر أن يكون للنبيّ هكذا ظنّ بالنسبة لقدرة الله عليه، فسيكون هذا الإشكال وارد هنا أيضاً؛ فلماذا حصل له هذا الظنّ؟ فهل هو ظنٌّ صحيح؟ أم ظنٌّ باطل؟ فلو كان ظنَّاً صحيحاً، فسيكون ذلك الظنّ صحيحاً أيضاً. إنّ معنى (لن نَقدِر) هو أنّنا لا نستطيع أن نجعله ضمن حدود قدرتنا؛ فكان يتصوّر بأنَّه ما دام أنّ الله قد منحه ذلك المقام، فإنّ الأمر محسوم بالنسبة إليه.
فيقول الله تعالى، إنَّ الأمر لم يُحسم بعد، فأنت لم تقرأ ما هو مكتوب على الوجه الآخر للعملة، لقد قرأت فقط الوجه الذي يقول بأنَّك نبيّ. حسناً، هذا صحيح، كما أنّ دعاءك مستجاب، وهذا صحيح أيضاً، وأولئك قومٌ قد تمرّدوا، وهذا صحيح كذلك؛ فدعوت عليهم، واستجبتُ دعاءك، فهذه هي علامات العذاب قد بدأت تظهر، لكنَّ كل ذلك هو أحد وجهي العملة؛ وأمّا الوجه الثاني للعملة، فيقول بأنّني إذا شئتُ تبديل الأمر، وأحببت أن أشملهم برحمتي، وأردت تغييرهم، [فلن يمنعني شيء عن ذلك]؛ فمن الذي جعل منك نبياً .. هل نسيت ذلك؟ فأنت لم تأت بنبوّتك من ذخائر خالتك! أم أنّك أتيت بها من منزل عمّك وخالك؟ لا! من الذي جعل منك نبيّاً وجعل منك يونساً؟ أَأنا الذي فعل ذلك، أم أنت؟ أنا فعلت ذلك؛ فإذا كان ذلك من فعلي، فلماذا لا تأخذ بنظر الاعتبار حكمي بالنسبة لعبادي؟ فإذا كنتَ أنت من أنبيائي، فأولئك كذلك من عبادي؛ فكونهم عباد غير مطيعين، فليكونوا، فأنا أصلحهم؛ فلمن رحمتي إذن؟ لك أنت؟ أنت "ولد" صالح، وأنت إنسان جيّد ـ أستغفر الله ـ ، فأنت نبيّ صالح ومطيع لأمري.
فمتى هو وقت إظهار عطفي وغفاريّتي ورحيميّتي؟ وهل هي لك أم لهم؟ إنَّها لكلا الطرفين بالطبع! فهو بحاجة إلى رحمة الله في ذلك المقام بنفس مقدار حاجتهم لها، ولا تفاوت في ذلك أبداً؛ ففي مقام العزّ الربوبيّ ذاك، لا فرق بين نبيّ الله يونس وبين ذلك العبد المذنب؛ فكلاهما محتاج لها؛ فعندما شملتك رحمتي وتوفيقي وتقديري ومشيئتي، أصبحت النبي يونس؛ أمّا أولئك العباد، فلم يحصل لهم هذا التوفيق لحدّ الآن؛ لهذا فهم يعصون، ويخطئون، ويسخرون منك، ويستهزؤون بك؛ فاصبر! لا تعجل، لا تعجل حتّى ترى رحمانيّتي.

    

سبب إقبال الناس على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلّم وصاحب الزمان عجّل الله فرجه

هذا هو الفرق بينه وبين نبيّنا! لقد كان النبي يدعو لهم دائماً، ولم يكن يدعو عليهم، وكان يدعو لهم في جميع الأحوال، وفي أصعب الظروف؛ ففي معركة أُحد دعا الله بهذا الدعاء: الّلهم اهدِ قومي فإنَّهم لا يعلمون.[6]
كان يشاهد الحقيقة التوحيديّة مشاهدة عينيّة؛ فلم يكن يلعن، ولم يكن يقول: إلهي، اقتل هذا الذي يضرب الآن! بل كان يقول: إلهي، اهده، فذلك بيدك؛ فما دام الأمر بيدك، فاهده! فإذا كان لازماً على هذا اللّسان أن يتحرّك، فلماذا لا تكون حركته ضمن نطاق الخير؟ ولماذا ينطق باللعن؟ فلمّا كان كلّ شيء بيد الله، فلماذا يكون دعاء الإنسان لله في إطار السوء؟ لماذا لا يكون بالخير؟
في سفري هذا الذي تشرَّفت فيه قبل عدّة أشهر لأداء مناسك العمرة، ذهبت في إحدى الليالي إلى حِجر إسماعيل وكنت أدعو تحت الميزاب، وكان الدعاء يتمّ تلقائيّاً للناس والأقارب والرفقاء، حيث كان يتمّ استعراضهم بشكل تلقائي، شئت أم أبيت؛ فكانوا يأتون في الدعاء بهذا النحو.. جميع الأشخاص الذين جاءوا وغادروا، من أولئك الذين يمدحونني ويثنون عليّ، أو أولئك الذين يُظهرون مودّتهم ولطفهم بشكل آخر!!!! فلم أستطع أن ألعن أحداً أبداً، ولم يكن لساني لينطق باللّعن، وحتّى لو كنت أُريد ذلك، لما استطعت.
قلت: إنَّ هذا المكان الذي أنت واقف فيه، ليس بمكانٍ لِلَّعن! فهذا المكان الذي أنت واقف فيه يختلف عن الشارع؛ فأنت هنا تحت الميزاب الذهبي، وتحت ميزاب الرحمة، وفي حِجر إسماعيل، وبجانب الستار، وهذا ليس مكان مناسب لِلَّعن؛ فلم أكن أقدر على ذلك ... يعني لو أنَّني كنت أُريد ذلك، لما كنت أستطيع اللّعن، فلم أكن أستطيع ذلك مطلقاً، أبداً! قلت: حسناً، "عمّر الله بيتك" يا ربّ، افعل ما تريد، فسامِح الجميع، اهدِ الجميع، ما الضرر في ذلك؟! كم هو أفضل! بأن يرى الإنسان رفيقه الذي كان في غفلة لسنوات مديدة، وإذا به يعود مرّة واحدة ليصبح إنساناً ... ألا يفرح؟! سيكون أحمق جدّاً لو لم يفرح لذلك! سيكون سفيهاً وأبلهاً إن لم يكن كذلك!
هل رأيتم بعض الأشخاص؟ كلّما أردتّم [أن تنفتحوا عليه] ـ بأيّ شكل من الأشكال ولو بعشرة أمنان من العسل.. من ذلك العسل الخالص، لا عسل السكّر.. بعشرة أمنان من العسل، والمُربّى و... ـ فإنّك لا تستطيع حتّى أن تنظر إليه؟ فهو منغلق على نفسه إلى درجة...
لماذا يكون الإنسان بهذه الكيفيّة؟ ما هو سبب ذلك؟ ما هو سبب ذلك؟
لقد طوى نبي الله يونس هذه المراحل، فذهب وأكمل دورة {لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمينَ} بما فيها من معاني وأمور، فأخذ يتبدّل يوماً بعد يوم، ولقد تحلّل بدنه أيضاً؛ فمع تحلّل البدن أخذت روحه تقوى، وتتلطّف، وأخذ بالتقرّب، والدنوّ من مقام القرب والحرم القدسي؛ فرأى فجأةً: يا للعجب! لماذا دعوت عليهم؟ فحالهم مثل حالي!
فهو الذي جعل منّي نبيّاً، وجعلهم على هذا الحال؛ فلماذا أدعو عليهم؟!
فعندما عرِف ذلك ورأى بأنَّه وهم سواء، قيل له: حسناً! لقد حان الآن وقت خروجك، والآن فقط حان ذلك الوقت الذي تستطيع فيه مواجهة قومك؛ هل تستوعبون هذه الأمور أم لا؟ حان الآن الوقت الذي تستطيع فيه إدارة بلادك، وإدارة مجتمعك، وحان الآن ذلك الوقت الذي تستطيع فيه أن تجلس مع الناس وتحدِّثهم؛ فتجلس وتتحدَّث مع ذلك الشخص، وتنظر إلى الجميع بنظرة واحدة؛ فلا تنظر إلى ذلك الشخص الذي يرتكب المعصية الآن في الشارع بنظرة سوء، بل تنظر إليه بنظرة عطف ورحمة، وإلاّ لو أردت أن تنظر إليه بنظرة سوء، فإنَّه سينظر إليك بنفس الكيفيّة ... هذه بتلك!
أنا مثلك، وأنت مثلي؛ فلا تنظر إليّ بهذا الشكل، وإلاّ فإني سأنظر إليك بنفس الكيفيّة! أمّا إذا تخليّت عن تلك الحالة، وأصبح وجهك بشوشاً، ومُبتسماً، وتظهر عليه حالة الرحمة، وحالة العطف، فعندها سيأتي الناس ويحتضنوك، ويقبّلونك، ويُقبِلوا عليك، ويتوجّهوا إليك.
لماذا ترانا نُحبّ الأطفال؟ لماذا؟ لماذا نحبّ الطفل ذا السنتين أو الثلاث سنوات؟ لعدم وجود الأنانيّة لديه بالمرّة؛ فيأتي هذا ليحتضنه، ويأتي ذاك ليحتضنه ... فلا ينظر أبداً إلى من احتضنه... فهو لا يعرفه من الأساس، لماذا؟ لعدم وجود الأنانيّة لديه؛ فلو كانت لدى هذا الطفل أنانيّة، لما كان الإنسان يلتفت إليه! فلم يكن صِغر عمر الطفل هو الدافع لأن تتعلّق به وتحتضنه، وتحمله، وتداعبه، بل السبب يكمن في أنَّ هذا الطفل ليست لديه استقلاليّة، وليست لديه أنانيّة، ولا يعرف الأنا والأنت؛ فهو طاهر، وصاف، وليست لديه تعلّقات، وليس لديه شيء من تلك الأشياء التي ننسبها إلى أنفسنا؛ فبما أنَّ فطرتنا تبحث عن هكذا صفات، لهذا فإنَّنا نجد ضالّتنا في هذا الطفل؛ فنجد بأنَّ لدى هذا الطفل ما ليس لدينا؛ ولذلك نتعلّق به؛ فالعارف ووليّ الله يكون مثل الطفل! ليس لديه شيء أبداً.
فالذي جعل الجميع يُقبلون على النبي، هو لكونه لا شيء لديه، وذلك الذي جعل الجميع يميلون إلى أمير المؤمنين، هو لأنَّه لا شيء لديه.. ليس لدى الإمام السجّاد شيء؛ وعند ظهور إمام الزمان، لماذا سيقبل عليه الجميع؟ لماذا لا يقبل علينا أحد وها نحن ننادي ليل نهار؟ أنا أقصد نفسي، فلا تذهب أذهانكم إلى ما هو أحسن، فأنا أقصد نفسي! لماذا يرتفع النداء في كل مكان من العالم أن اقبلوا نحوي، فها أنتم ترونني، فتعالوا إليّ!
ـ اذهب يا هذا، فأنت غارق في تخيّلاتك وأمانيك!
فنحن نقول أيضاً بأنَّه ليس من العيب على الشباب أن تكون لديهم أماني! فها نحن أيضاً نتمنّى أن يكون لنا شأن، فيأتي الناس ليُقبِّلوا أيدينا، ويهتفوا لنا، وينثروا الصلوات علينا، وفي الصحف... وإلاّ فستبقى تلك عقدة في أنفسنا! فإذا ما رحلنا عن الدنيا دون أن يحصل ذلك، فما الذي سنفعله؟ كيف سنُجيب منكراً ونكيراً؟!!!!
ما هو السبب في ذلك؟ لأنّني مثلهم وهم مثلي، والجواب يكمن في هذه الجملة، نعم، في هذه الجملة.
لماذا يُقبل العالم على إمام الزمان عند ظهوره؟ ألكونه إماماً؟ من أين لهم أن يعرفوا بأنَّه إمام! ألكون أبيه هو الإمام الحسن العسكريّ؟ إنَّهم لا يعرفون ذلك! لا، بل سيتفحّصون وسيرون تلك الحقيقة التوحيديّة المحضة الخالية من الأنانيّة، والخالية من الأنا والأنت، والخالية من الاستقلال: أنا أكون الرئيس وأنت المرؤوس، أنا أجلس لأضع رجلاً على رجل وأصدر الأوامر: هذا يكون، وذلك لا يكون ...
لا يوجد هنالك من هذا الأمرشيئاً، بل هو مثلهم.. حقيقةً مثلهم، لا في الكلام فقط.
كان أحدهم يقول: لقد ذهبت إلى أحد الأشخاص، فكم كان إنساناً قديراً! كم كان عظيماً! فمع أنَّني استشكلت عليه، إلاّ إنَّه كان ينظر إليَّ برزانة وتحمّل.
قلت: ذلك لأنَّك طبيب! وإلاّ فإنَّني كنت قد ذهبت إليه واستشكلت عليه ببعض المسائل، فكاد أن يشقّ بطني نصفين! نفس هذا الشخص! هل التفتّم؟ فالتواضع الواقعي يختلف كثيراً عن التواضع الظاهري؛ فذلك الشخص الذي يكون حقيقة التواضع قد انتقش في نفسه، وأصبح جزءاً منه، وتخمَّر معه، سيكون تصرّفه على وتيرة واحدة في جميع الأحوال، لا أن يكون حاله، بحيث عندما تُمدّ مائدة الحلوى والأرز المُعطّر بالزعفران، فإنّك تراه يُرحّب ويستقبل، لكن ما إن تبدأ الأمور في التقلّب، حتّى تراه يكيل الذّم!
فلو كان الأمر واقعيّاً، لكان ذلك في جميع الأحوال، ولكان له نفس الحال والتصرّف في جميع الأحوال، لماذا؟ لأنَّ ذاته واحدة.
و لكن ما إن تتبدّل الأوضاع قليلاً، ويحصل تعارض مع تلك المسائل النفسانيّة، تظهر عندها تلك المكنونات النفسانيّة للعلن، وتنكشف سريرته دفعة واحدة.
فهذا الذي كان يضحك، لماذا تراه يسبّ الآن؟ لقد كنت تضحك حتّى هذه اللحظة، لقد كنت تمزح، ولقد كنَّا نقول كم هو إنسان... فما الذي حصل حتّى تغيّر كل شيء دفعة واحدة؟ هل اشتبكت أسلاكك مع بعضها؟! هل احترقَت؟!
هذا ما يبحث عنه الناس، فالناس يُريدون التوحيد، ولا يريدون المظاهر، والناس ينقادون إلى الفطرة، لا إلى ...
فإذا ما وُجد هكذا شخص، وقام بالكشف عن نفسه، وعرِفه الناس، فسيتقبّلونه بأرواحهم وأنفسهم، ولا حاجة بعد ذلك إلى الصخب، ولا حاجة إلى الإعلان وأمثال ذلك.
نعم، يبقى أن تلك السيطرة الولائيّة للإمام وتلك اليد الغيبيّة ستتدّخل لتأكيد الأمر للناس، وتوضيح الأمر لهم بشكل أكبر.

    

الوليّ الكامل هو الجدير بتربية الناس لاطّلاعه على حقائق الأمور

فمحصّلة الكلام لهذه الليلة هو أنَّه لكي يطّلع ويتعرّف الإنسان على شيء ما ـ حتّى ولو كان ذلك الشيء حيواناً أو نعجة أو عصفوراً أو دجاجةً أو حمامةً أو صقراً أو أسداً أو أيّ شيء آخر، سواءً كان صخرةً أو شجرةً أو ماءً أو نجمةً ـ ، فلا بدّ من أن يكون من الناحية الوجوديّة في نفس المستوى الوجودي لذلك الكائن؛ أيّ أنَّ هذا الوجود يستطيع أن يكون في نفس ذلك المستوى من الناحية الوجودية. وبما أنّنا نُعدّ ـ عادةً ـ محدودين من الناحية الوجودية، ولا نستطيع أن نكون في نفس تلك الدرجة الوجوديّة لذلك الشيء، لذا فإنَّ معرفتنا بالأشياء هي معرفة عَرَضيّة لا معرفة جوهريّة؛ فالمعرفة العرضيّة هي معرفة اللون والشكل والصوت والكيفيّات والأمور الظاهريّة والحركات والسكنات وغيرها.
أمّا إذا ما أردنا التعرّف على خصوصيّات الأشياء، وحقيقة ذلك الشيء، وملكاته وصفاته، ومكنونات ضميره، ورغبنا في معرفة تلك الخصوصيّات التي تشكّل باطن نفسه وليس لأحد معرفة بها واطّلاع عليها ، فإنَّ ذلك غير ممكن إلاّ للشخص الواصل إلى مقام المعرفة، فإنَّه يتمكّن في ذلك المقام من الاطّلاع على خصوصيّات الأشخاص؛ وذلك هو: إمّا الإمام أو وليّ الله.
ولهذا، ترون ـ مثلاً ـ بأنَّه كانت لنا نظرة معيّنة عن أحد الأشخاص في عهد المرحوم العلاّمة، بينما كنّا نرى بأنّ المرحوم العلاّمة ينظر له بشكل آخر.
حسناً، فهذا الشخص هو بهذا الشكل وله هذه الصفات، فلماذا يتكلّم عنه بشكل آخر؟! ولماذا يتصرّف معه بنحو آخر؟! ولماذا عندما كنت أتكلّم عنه، بدلاً من إبراز الاشتياق إليه، فقد كان يتحدّث عنه بشكلٍ ...، ويقول عنه: >نعم، حسناً، حسناً، أبلغه سلامي!<
ـ أهذا فقط؟! لقد كنت أتصوَّر بأنَّك ستتحدّث عنه لمدّة ساعة كاملة!
هل التفتّم؟! ولكنَّني عرفت السبب بعد مرور الزمان.. يا للعجب! فهذا الشخص الذي كنت أحسن الظنّ به، بل وأكثر من ذلك كنت أقطع بحسن حاله، تبيّن لي كيف تصرَّف بشأن المسألة الفلانيّة، وكيف كان تصرّفه بشأن المسألة الفلانيّة.
فما هو سبب ذلك؟ إنَّ السبب هو عدم فهمي، فلم أكن أعلم بحاله، وكنت أرى الظاهر فقط؛ مثل: السلام عليكم! السلام عليكم! أبلغ سلامي إلى السيّد الوالد، وقل له بأنَّني أكنَّ له فائق الاحترام! أنا خادم له! أنا كذا! أنا عبد! أنا ... أنا كذا أنا كذا ... .
لقد كنت أنظر إلى هذه الابتسامات، وكنت أنظر إلى حركات الرأس تلك، وكنت أنظر إلى ذلك التواضع؛ وأمّا ما يجري في الباطن، فلا اطّلاع لي عليه، بينما كان هو [المرحوم العلاّمة] مطّلعاً على الباطن، ويرى ذلك القلب، وكان ينظر إليّ ببسمة يقول من خلالها: لا يزال الأمر مُبكّراً بالنسبة إليك! اصبر وسترى ما الذي سيحلّ على رأسك، فلا تتعجّل القضاء!
جاء أحد هؤلاء ـ بالطبع لم يكن رأيي بشأنه إيجابيّاً جدّاً ولكن ليس إلى هذا الحدّ ـ وكان قد جلب في أحد الأيّام هديّةً إلى المرحوم العلاّمة، فذهبت لأفتح الباب؛ فقال لي: اعط هذا إلى السيّد! فقد كان ذهب من قمّ إلى مشهد، وجلب معه كتاب.
رجعت وقلت بأنَّ فلان قد جاء ويُبلغكم السلام، وجاء بهذا الكتاب إليكم ...
ـ اذهب، اعطه إيّاه، فليس لديّ وقت لقراءته!
فأثار هذه الأمر تعجّبي وكيف أنّه فجأةً... ، بالطبع، فإنَّي لم أذهب لألقي الكتاب عليه، وأنقل إليه الكلام بنفس الشكل الذي قاله.
فذهبت وقلت له: ربّما ليس لديه وقت للقراءة ...
فكنت اُليِّن الكلمات... بالطبع، فإنَّ كلمة >اذهب< كانت موجّهة لي، أمّا >قل له< فكانت بشكل آخر ... فكنت أُصلح لونها وشكلها شيئاً ما ...
يوجد بعض الأشخاص إذا ما أخبرهم الإنسان بأمر معيّن، فإنَّهم يُضيفوا عليه من عندهم، ثمّ ينقلوه بعد ذلك إلى الطرف المقابل.. يا عزيزي، أنا لم أقل الكلام بهذا الشكل! تقول لشخص اجلب قبّعة هذا، فيذهب ويجلب رأسه!
أمّا البعض الآخر، فلا يكونون بهذا الشكل ...
لمّا توسَّد المرحوم العلاّمة التراب، علمت عندها حال ذلك الشخص، ولم يكن الأمر بأنّني لم أكن أعرفه؛ لقد كنت أعلم بعض الأشياء، ولكنَّني رأيت... آه آه آه يا للعجب! لقد علمت الآن سبب ذلك التصرّف الذي بدر منه [من المرحوم العلاّمة] في ذلك الوقت، وعلمت ماذا كان عليه الأمر بحيث دفعه ذلك لأن يقول ما قال.
ثمّ حصلت بعد ذلك بعض الأمور، في الوقت الذي كان فيه ذلك الشخص أفصح حديثاً وأكثر تملّقاً من الآخرين، وكان أكثر رعايةً للأمور و...
فهو [أي المرحوم العلاّمة] لا ينظر إلى لقلقة اللسان، ولا ينظر إلى التبسّمات، ولا ينظر إلى الانحناءات بمقدار التسعين درجة.. إنَّه ينظر إلى هذا القلب؛ فإذا ما أردنا أن نتقدّم إلى الأمام، فعلينا أن نُصلِح هذا، لا أن نقوم بأداء تلك الحركات! فلا فائدة من الانحناء لتسعين درجة؛ فبدلاً من قول: أنا غلام لك، أنا عبد لك، أنا فداء لك، أنا خادم لك، وما شاكل ذلك، يجب إصلاح هذا الباطن؛ فإذا ما تمّ إصلاح هذا القلب، فلا حاجة عندها لهذه العبارات، ولا حاجة لهذا الحديث، ولا حاجة لهذه الأمور ولهذا الكلام.
ولهذا السبب قال العظماء بأنَّ: تربية الأشخاص والإمساك بزمام أمورهم يجب أن يكون على يد وليّ الله.. لهذا السبب! فهو وحده الذي يعرف ماذا عليه أن يعمل، وكيف يُقيم العلاقات، وكيف يتكلّم، وماذا يطرح من أمور، وأين يجب عليه أن يتوقّف، وأين يجب عليه أن يتحرّك، وعلى أيّ أساس يجب أن تكون حركته؛ فهو وحده الذي يعرف ذلك.
نسأل الله أن يُنير أعيننا بهذه الحقائق، وأن يُحقّق لنا كلّما يطلبه ويصبو إليه الأولياء إن شاء الله، وألاّ ينظر إلى نقصنا وفتورنا وقصورنا وتقصيراتنا.. إن شاء الله.

اللهم صلّ على محمّد وآل محمّد


[1] ـ فقرة من دعاء أبي حمزة الثمالي الشريف.

[2] ـ "گلشن راز" للشيخ محمود الشبستري.

[3] ـ سورة العنكبوت (29) آخر الآية 27.

[4] ـ سورة الأنبياء (21)، الآية 87.

[5] ـ سورة يوسف (12)، جزء من الآية 42.

[6] ـ اعلام الورى بأعلام الهدى، ص 83.

      
  

جميع الحقوق محفوظة لـ موقع المتقين www.motaghin.com ويسمح باستخدام المعلومات بشرط الإشارة إلى المصدر.

© 2008 All rights Reserved. www.Motaghin.com


Links | Login | SiteMap | ContactUs | Home
عربی فارسی انگلیسی