معرض الصور المحاضرات صوتيات المكتبة سؤال و جواب اتصل بنا الرئیسیة
 
اعتقادات و كلام أخلاق حکمة عرفان العلمي و الإجتماعي التاریخ القرآن و التفسير
المكتبة > محاضرات آية الله السيد محمد محسن الطهراني > سلسلة محاضرات شرح حديث عنوان البصري > شرح حديث عنوان البصري - من رقم 1 إلى رقم 100 > شرح حديث عنوان البصري ـ الجلسة 7: اختلاف سُبل الهداية ناتج عن الاختلاف في الشاكلة

_______________________________________________________________

هو العليم

شرح حديث عنوان البصري المحاضرة السابعة

اختلاف سُبل الهداية
ناتج عن الاختلاف في الشاكلة

ألقيت في 10جمادى الثاني لعام 1419هـ

 

سماحة آية الله
السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهراني
حفظه الله

_______________________________________________________________

تحميل ملف البد دي أف تحميل ملف البد دي أف

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ العالمين والصلوة والسلام على أشرف المرسلين
وخاتم النبيّين أبي القاسم محمّد وعلى آله الطيِّبين الطاهرين
واللعنة على أعدائِهم أجمعين

وصلنا في شرحنا لحديث "عنوان البصري" الشريف إلى العبارة التالية للإمام الصادق عليه السلام، حيث يقول: "إنِّي رجلٌ مطلوبٌ ومع ذلك لي أورادٌ" (يقول الإمام: بأنَّ الحكومة والسلطة تتعقّبني، وعلاوة على ذلك فإنَّ لي أوراد وأذكار في الليل والنهار).

    

الطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق

لقد تمّ توضيح كيفيّة هداية الناس من قبل مقام الولاية الكبرى والمطلقة الإلهيّة في شرح العبارة الأولى من كلام الإمام، وقلنا: بأنّ السلوك لا يعني مجموعة أمور وقوانين محدّدة ووضع خاصّ يكون فيه المرء متميِّزًا عن سائر الخلق ويرى نفسه أسمى منهم، بل هو عبارة عن: حركة الإنسان باتّجاه مبدئه وأصل كماله، حيث يكون من مستلزمات هذا السير العبور من عالم النفس والحُجُب الظلمانيّة والنوريّة.
ومن ضمن ما تمّ بيانه هو: أنَّه من الممكن أن تكون خصوصيّات الطريق وكيفيّته بالنسبة لشخص ما تختلف عن خصوصيّات وكيفيّة طرق بقيّة الأشخاص الآخرين؛ ولهذا، لا يمكن أن يكون هناك تحميل وإلزام للآخرين لكي يتابعوا مسير شخص معيَّن؛ وهذا هو ما تشير إليه العبارة المعروفة "الطُّرُقُ إلى اللهِ بِعَدَدِ نُفوس الخَلائِق‏" أو بعبارة أُخرى "أنْفَاسِ الخَلائِق"[1] ؛ أي أنّ لكلّ شخص ـ بحكم شاكلته وارتباطه الخاصّ بالله وظروفه الخاصّة به المتولّدة عن ذلك الارتباط ـ طريق إلى مبدئه.[2]
و هذا الأمر يكون صادقًا حتّى بحقّ الأئمّة عليهم السلام، أي أنّ خصوصيّات أمير المؤمنين مختلفة عن خصوصيّات الإمام المجتبى عليهما السلام، وخصوصيّات الإمام المجتبى تختلف عن خصوصيّات سيّد الشهداء عليهما السلام، كما تختلف شاكلة ومميّزات الإمام السجّاد عن شاكلة ومميّزات الإمام علي بن موسى الرضا عليهما السلام، وهكذا الحال مع بقيّة الأئمّة عليهم السلام؛ ومع ذلك فإنَّ كلّ واحد منهم هو المظهر الأتمّ والأكمل لظهور الحقّ سبحانه.
فلو تمّ على سبيل المثال مقارنة طبيعة وخصوصيّة عبادة الإمام علي بن الحسين وكيفيّة أدعيته الواردة في الصحيفة السجّادية وسيرة هذا الإمام بشكل عامّ مع بقيّة الأئمة عليهم السلام، وكذلك كلّ منهم مع الآخر، لرأيناهم مختلفين عن بعضهم البعض؛ وهذا أمر في غاية الأهميّة والدقّة بحيث أنّي لا أعتقد بأنَّ أحدًا قد كشف الستار عن هذا الموضوع غير المرحوم الوالد؛ نعم، نلاحظ وجود هذا المطلب بشكل مختصر في بعض مؤلّفات الماضين. لقد تحدَّث المرحوم العلاّمة في الجزء الخامس عشر من كتاب معرفة الإمام[3] حول هذا الموضوع؛ على أنَّه قام بحذف بعض المسائل المتعلّقة به.
إنَّ عدم أخذ هذا الأمر بنظر الاعتبار سيتسبّب في ظهور بعض الإشكالات والخلافات بين الأشخاص في وجهات النظر؛ يعني سيقال: لماذا يكون فلان بهذا الشكل وفلان بذاك الشكل؟ لماذا تكون لفلان تلك الأفكار بينما يكون لفلان الآخر ذلك المنهج؟ لأنَّ كلّ واحد منّا يُريد أن ينظر إلى طبيعة وأسلوب ومنهج الآخرين من خلال فكره وطبيعته وخصوصيّاته النفسانيّة؛ والحال أنّنا لو كنّا في مكان ذلك الشخص المُعتَرض عليه وكانت لنا نفس طبيعته النفسيّة، لفعلنا نفس ما يفعله هو.
وإنَّه لعجيب جدًّا كيف يُمكن أن يختلف ويتفاوت الأشخاص في فهم وإدراك المسائل والمواضيع والقضايا! إنَّ لطبيعة التفكير والخصوصيّات النفسيّة للأشخاص دورها الكبير هنا، حيث إنّ فهم الإنسان يتأثّر بموقفه تجاه الأحداث والمسائل التي تحدث من حوله؛ فعلى سبيل المثال، نجد بأنّ الشخص الذي يكون على اتّصال بأشخاص متعدّدين ويتعامل معهم ويجالسهم ويختلط بهم تكون نظرته لأمر ما مختلفةً عن نظرة ذلك الشخص الذي يكون جالسًا في غرفة وقد أغلق عليه الباب وليس له اتّصال بالآخرين؛ فاختلاف وجهة النظر تلك تكون منبعثة عن تلك الأحداث المحيطة بالإنسان.

    

تأثير الظروف على فهم الإنسان (غير الوليّ) للأمور

والأمر المهمّ والدقيق في هذا الموضوع هي تلك المسألة التي يُطلقون عليها اليوم مسألة تأثير الزمان والمكان[4]، ولا يخفى أنّ مرادنا من مسألة تأثير الزمان والمكان ليس هو ذلك المعنى المصطلح عليه هذه الأيّام؛ لأنَّ هذا المعنى يعتبر مخدوشًا من وجهة نظرنا، بل ما نقصده هو التفسير الصحيح للمسألة.
ولهذا، نرى بأنَّ الشخص الذي يكون تحت تأثير ظروف خاصّة يختلف فهمه للعبارات واستنباطه للأحكام باختلاف تلك الظروف؛ وعلى سبيل المثال، فإنّ فهم الشخص الذي يعيش في قرية للأحكام والمسائل يختلف عن فهم الشخص الذي يعيش في المدينة، كما أنَّ ذلك الطالب الفاضل والعالم الذي لا يكون على اتّصال بأحد وينحصر شغله وتحقيقاته وجِدّه على مكتبته فقط سيكون مختلفًا بشكل كبير عن ذلك العالم الذي يكون ـ علاوة على ما ذُكر ـ على اتّصال بالمجتمع، وستكون فتواه مختلفة بصورة كاملة؛ وهذا الأمر واضح جدًّا.
أمّا الموضوع الأدقَّ والأهمَّ والأوسع، فهو: افرضوا بأنَّ هنالك شخصين يعيشان في بيئة واحدة، فإنك ستجد بينهما اختلافًا، ولكلّ واحد منهما شاكلته وخصوصيّاته النفسانيّة؛ فهذا الاختلاف لا يعود إلى البيئة والأمور الجانبيّة، بل يعود إلى خصوصيّات وطبيعة الأشخاص.
فلو كان هنالك شخصان يحبُّ كل منهما نوعًا خاصًا من الطعام على سبيل المثال، فلا يمكن القول بأنَّ هذا الاختلاف ناشئ عن الاختلاف فيما يجري حولهما في تلك البيئة؛ إذ من البديهي أن لا علاقة لذلك بالأجواء المحيطة بهما، بل إنَّ الأمر عائد إلى الاختلاف في الذوق.
فعلى سبيل الفرض: أن يكون أحدهما مُحبًّا لأكل طبيخ الأرز والمرق، بينما يقول الآخر بأنَّني لا أحبّ أكل الأرز أصلاً، ويكون فعلاً لا يحبّه، بحيث لو قُدِّم له نوع واحد من الطعام بصورة مستمرّة، فإنَّه يظلّ يشتهيه ويُرجّحه على غيره من الأطعمة، أو أنَّ أحدهم يُفضّل السجّاد الأبيض، بينما يُفضّل الآخر السجّاد الأحمر ويكون مشمئزًّا من السجّاد الأبيض؛ في الوقت الذي يقول فيه ذلك الذي يحبّ السجّاد الأبيض، بأنَّ السجّاد الأحمر يؤذي العين ولا يعكس الضوء ويبعث على ظُلمة المكان.
فأيّ هذين الشخصين يكون على صواب؟ الجواب هو كلاهما؛ فالمسألة ليست من قبيل المسائل المنطقيّة لكي يتسنّى لنا إثبات صدق أحدهما بواسطة البرهان، بل إنَّها تعود إلى الذوق والخصائص النفسانيّة لكلّ منهما.
افرضوا بأنَّ شخصًا ما يُحبّ ورد وعطر الياسمين، بينما يلتذّ شخص آخر وينتعش بشكل كبير من استشمام ورد وعطر آخر؛ فهل يمكن القول والحال هذه بأنَّ حاسة الشمّ عند أحدهما سليمة وذوقه مقبول، بينما لا يكون الآخر كذلك؟ كلاّ، فكلاهما على صواب، ولا تفاوت بينهما؛ وبعبارة أُخرى فإنَّ الجميل بمعيار كلّ شخص هو ذلك الشيء الذي تكون سنخيّته وطبيعته مطابقةً مع الخصائص النفسيّة لذلك الشخص.
فلكلّ شخص خصائص لا يمكن للآخرين الإلمام بها؛ أي أنّه من غير الممكن لشخص أن يطّلع على الخصائص النفسيّة لشخص آخر ما لم يكن قد وصل إلى مرتبة الولاية ويكون له إشراف على النفوس؛ فذلك هو وحده الذي يستطيع الاطّلاع على الخصائص النفسيّة للأشخاص؛ فلو عشت مع صديقك مائة سنة، وكنت فيها ملازمًا ومرافقًا له، فلا يمكن لك أن تطّلع على خصائصه النفسيّة.
و الشاهد على ذلك هو أنَّه وبعد مضي مائة سنة من عمرنا، نأتي الآن لنقول: يا للعجب! ما الخطأ الذي ارتكبته، فلقد كنت أظنَّك هكذا؛ فيجب أن يُقال لهكذا شخص: بأنَّ ظنُّك هو الذي لم يكن في محلِّه، ولم يكن لك أن ترتجي منه ذلك.
ولهذا، يُشاهد في الكثير من الأحيان بأنَّ الإنسان يلتفت فجأةً وبعد مرور سنوات وطيّ مراحل من العمر إلى ظهور أخطاءٍ وأمور من صديقه لم يكن ليتوقّعها منه؛ والسبب في ذلك يعود إلى أنَّه لم يكن خلال هذه المدّة المديدة مطَّلعًا على خصائصه، وأنَّ تقييمه له كان مبنيًّا على الحدس والظَّن؛ ففي هذه الحالة، ما إن يُشاهد منه أمرًا على خلاف توقّعه، فإنّه لا يستطيع تحمّل ذلك منه.
وأمّا بالنسبة لأولياء الله، فإنَّهم ومن النظرة الأولى التي يُلقونها على شخص معيّن، تظهر أمام أعينهم جميع خصائصه، ومن يكون ذلك الشخص، وما هو المحور الذي تدور حوله نفسه، وما هي نقاط الضعف والقوّة في شخصيّته، وما هي قابليّاته.
فتلك أمور لا يمكن الإحاطة بها بألف سنة من التحليل والطبّ النفسي؛ لأنّ ذلك خارج عن حيطتها؛ نعم، نستطيع معرفة بعض الآثار من تلك الخصائص في حالة بروزها إلى السطح؛ فعلى سبيل المثال: نقول عن الشخص السخيّ جدًّا بأنَّ لديه صفة الجود والكرم، في الوقت الذي تراه يُحجم عن فعل ذلك في بعض الأحيان؛ فلو كان جوادًا وكريمًا، فلماذا لم يُنفق في هذا الظرف؟!
إنَّ موضوع النفس يشبه عمل البرامج التي يتم إعدادها لأجهزة الحواسيب، فيتركوا نقاط خالية يتوقف الجهاز كليًّا عند الوصول إليها؛ فلو كان لشخص ما إشراف على النفس، فإنَّه سيتمكن من رؤية كلّ شيء بما في ذلك تلك النقطة الخالية، والنقطة التي تقع في مقابلها؛ أمّا إذا لم يستطع الإنسان رؤية تلك النقاط الخالية، فإنَّه سيوسِّع دائرة الموضوع ليشمل كلّ مكان، ليحصل الخلل فجأةً، وتعمّ الفوضى.
ولهذا، يُقال بأنَّه من اللازم على الإنسان ألاّ يتسرّع في الحكم على الناس.. لماذا؟ لأنَّ:
جهان چون زلف وخط وخال وابروست
                             که هر چيزی به جای خويش نيکوست[5]

(ترجمته: إنّ العالم هو عبارة عن جديلة وخطّ وخال وحاجب، فكلّ شيء يكون جميلاً في محلِّه).

فالقضيّة هنا تشبه قصة أولئك الأشخاص الذين قيل لهم تعالوا شاهدوا ذلك الفيل الذي جُلِبَ من الهند؛ وبما أنّهم ذهبوا لرؤية الفيل في ظلمة الليل، فقد تلمَّس أحدهم خرطوم الفيل، وقال بأنَّ الفيل يشبه الميزاب، ولمس الآخر رجل الفيل، فقال بأنَّ الفيل يشبه العمود، ولمس آخر أذن الفيل، فقال بأنَّ الفيل يشبه المروحة، ولمس آخر ظهر الفيل، فقال بأنَّ الفيل يشبه السرير؛ بينما كانت تلك هي أعضاء الفيل، لا الفيل نفسه؛ فكلّ منهم قدَّم وصفًا ناقصًا عن الفيل، وقد ذكر مولانا هذه الحكاية في كتاب المثنوي[6]. و [7]
بناءً عليه، فإنَّ العظماء والأولياء يتعاملون مع الناس بشكل عامّ (وتلامذتهم بشكل خاصّ) وفقًا لطبيعة علاقتهم بخالقهم، لا على أساس الشكل والطول والوزن والعمل والسلوك؛ فأوّل نظرة لهم تكون إلى نفس وروح هؤلاء الأشخاص، كما تعمل الأشعّة التي تدخل الجسم وتخترقه.
فإذا ما أُريد تصوير المعدة بالأشعّة مثلاً، فيمكن عندها رؤية كل شيء عن طريق اختراق الأشعّة للمعدة، فتكشف الصورة الشعاعيّة عن وجود قُرحة أو مرض ما في المعدة؛ بينما لا نرى نحن أيّة علامة لوجود المرض عندما ننظر إلى الجسم بأعيننا، بل نستحسنه ونقول: أنعم به وأكرم! كم جسمه سليم، فلا داعي للقلق والغمّ, ولا أثر لأيّ شيء! وأمّا ما الذي يجري داخل الجسم، فلا علم لنا بذلك؛ لأنَّ الاطّلاع على ذلك المرض يستلزم التوفّر على أجهزة خاصّة وناظور وأداة للنفوذ إلى الداخل، ونحن لا نمتلك هذه الأداة، بل يمتلكها وليّ الله؛ فهو الذي يستطيع بتلك الأداة التي وهبها الله له أن ينفذ إلى داخل النفس ويرى الباطن ويقوم بتشخيص المرض، وهو الذي يستطيع رؤية زوايا النفس المختلفة واحدةً واحدةً؛ ثمّ يقوم بإعطاء العلاج المناسب لذلك المرض، ويقول: هذه وصفة علاجك.
فهل يمكننا والحال هذه أن نصف هذا العلاج الذي كتبه لنا الطبيب إلى مريض آخر؟ من البديهي جدًا أن يكون الجواب بالنفي، وكذا يكون الأمر فيما إذا قمنا بإعطاء دواء المعدة الموصوف لشخص مريض إلى شخص سليم، حيث سيؤدِّي ذلك إلى أن تمرض معدته؛ فلا بدَّ لكلّ شخص من أن ينشغل بنفسه من أجل رفع نقائصه والوصول إلى مقام الفعليّة التامة، ولا شأن له بالآخرين.

    

ضرورة اهتمام الإنسان بتكليفه وعدم الانشغال بالآخرين

لقد قلت في الجلستين السابقتين: بأنَّني كنت أحضر لدى المرحوم السيّد الحدّاد، وكنت أشاهد الكثير من الأشخاص الذين كانوا يتردّدون على مجالسه؛ فكان البعض يقصرون همّهم على متابعة من يأتي ومن يذهب ولا غير؛ فلا يبعث الفرح في قلوبهم إلاّ قدوم فلان من الأشخاص من النجف لزيارة السيّد الحدّاد، فإن لم يأت في إحدى الليالي كانوا يحزنون ويقولون: ما السبب في عدم مجيئه؟ فهل تكلّم أحد بشيء، هل أسرَّ إليه أحدهم شيئًا عن السيّد الحدّاد؟[8]
فمثل هؤلاء الأشخاص لم يكونوا يترصّدون المسائل التي ينطق به هذا السيّد العظيم، وهذا الإكسير الذي ليس له مثيل على وجه الأرض، وهذه الشخصيّة التي تكون كلّ لحظة من لحظات الحضور لديها راجحة على الدنيا والآخرة؛ ولا بصدد ما يُفهم من نظراته، ولا البركات التي تحصل للإنسان من مجالسته! فلم يكونوا يهتمّون بشيء من تلك الأمور، بل كلّ ما كانوا يخوضون فيه هو: من الذي أتى ومن الذي ذهب؛ فهذا أيضًا شكل من أشكال الحضور عند وليّ الله!
وأمّا البعض الآخر، فقد كانوا يحضرون عنده ولا شأن لهم بأيّ شيء آخر على الإطلاق؛ فكانوا يحصلون على حصّتهم من الفائدة ويذهبون، ولم يكن لهم أيّ شأن بالذي يأتي ويذهب، وبما يٌقال هناك.. لقد كان نصيب هؤلاء الأفراد من الفيض كبيرًا، وهم الذين جاءوا وفازوا، وأمّا الآخرين، فقد بقوا في عالم التفرّج ولم يبرحوا مكانهم! ولهذا، فإنّ الذي يكون همّه التفكير في بؤسه وتعاسته، لا ينبغي له أن يقضي وقته في التفرّج والانشغال بالقيل والقال.
فمع أنّكم مطّلعون على هذه الأمور، ولا حاجة لذكرها لكم، لكن من باب {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى‏ تَنْفَعُ الْمُؤْمِنينَ}[9] حيث نسأل الله أن يجعلنا إن شاء تعالى مشمولين بهذا اللقب ومصداقًا للمؤمنين، فإنَّني أقول لكم بأنَّه: إذا أمضينا دقيقة واحدة من وقتنا في الخوض بأمور من قبيل: من الذي يأتي ومن الذي يذهب، فإنِّي أضمن لكم بأنَّنا سوف لن ننال أيّ ثواب عن هذه الدقيقة؛ فالبائس والتعيس في هذه الدنيا هو ذلك الشخص الذي يكون حديثه عن القدوم والذهاب والدخول والخروج والقيل والقال وأمثال ذلك.. فذلك هو البائس التعيس!
فلا همّ للمريض سوى البحث عن علاج لمرضه، ولا همّ للمحتاج غير ايجاد وسيلة لقضاء حاجته؛ فلا يوجد مبرّر لفرحنا فيما إذا أُضيف أشخاص لجمعنا، وكذلك لا مبرّر لغمّنا لو لم يحصل ذلك. فيا عزيزي! ما هي إلاّ مدّة يسيرة وأموت، حيث سيحضر الأشخاص الموجودين في هذا المكان ليقرؤوا الفاتحة وينصرفوا، بل إنّهم سيتركوني في هذه الدنيا وقبل أن يحلَّ ذلك اليوم، ويذهبوا لحال سبيلهم!
في سفري الأخير هذا إلى لبنان، توفّي أحد الأشخاص وكان رجلاً مؤمنًا ـ نسأل الله أن يشمله برحمته إن شاء تعالى ـ ، وكان من الأثرياء جدًا، حيث كنت قد شاركت في تشييع جنازته في مدينة صور. لقد كان يسكن في أمريكا وقد أصيب بمرض السرطان، وعجزوا عن علاجه؛ فجلبوه في الثلاثة أو الأربعة أشهر الأخيرة من حياته إلى مدينة صور حيث توفّي هناك.
لقد لفت انتباهي هذا الأمر وتعجّبت له؛ فلقد كان يأتي أولئك الأشخاص من الذين كانت تربطهم به أواصر وعلاقات، وكانوا يتردّدون على بيت أهله، ومن الواضح أنَّهم كانوا أشخاصًا نظير خاله وشقيقه ووالده؛ فكانوا يأتون بسيارات حديثة، فيقفون ليظهروا تأسّفهم ويغادروا؛ فكلّ ما هنالك أنَّهم كانوا يقولون: "آسفين جدًّا.. نستودعكم الله!"، ولا غير.
لقد كنت بدوري أقف جانبًا لأتفرَّج على هؤلاء الناس وأفكّر في أحوالهم؛ فهؤلاء الأشخاص كانوا مع هذا الرجل عندما كان وجيهًا، وكان ينفق من أمواله، حيث كان شخصًا ثريًّا، وكان يمتلك جميع البنايات الموجودة في شارعين كبيرين من شوارع مدينة صور؛ فلمّا رحل عن الدنيا، كانوا يكتفون بإظهار التأسّف ويتركوه ويذهبوا!
فقال لي أحد الأصدقاء: لنذهب يا سيّد، فقلت له: لا، أريد أن أجلس في إحدى الزوايا، لأتفكّر في أحوال هؤلاء الناس؛ فكانوا يترجّلون من سيّاراتهم وقد ارتدوا أجمل ربطات العنق وأجمل الملابس التي يُرى بريقها من مسافة مائتي متر مع خدمهم بأبّهة عجيبة، ليحضروا تلك المراسم، ولم يكن هؤلاء الأشخاص يجلسون على الأرض، بل يجلسون على الأرائك والكراسي؛ فكانوا يجلسون لعشرة إلى خمسة عشر دقيقة ويُدّخنون سيجارة، ثمّ يقولون لأعقاب المتوفّي: "نحن آسفون" ويغادروا؛ لقد كان ذلك هو برنامج حضورهم في مراسم التشييع والعزاء، كما حضر بالطبع مجموعة أشخاص لحمل الجنازة ودفنها.
فالمسألة بالنسبة لنا لا تختلف؛ نعم، هنالك بعض التفاوت، ولكنَّ حقيقة الأمر واحدة.
ينقل المرحوم العلاّمة عبارة عجيبة جدًا عن المرحوم حجّت، وأنا أريد أن أستخلص من هذه العبارة نتيجةً، حيث يقول بأنَّه:
عندما حضرت المرحوم حجّت الوفاة، أمر بإحضار الختم الذي كان يختم به المستندات، وبعد إحضاره قام بكسره بحضور جميع الأقرباء والمقرّبين الجالسين حوله وقال:
"ألقوا بهذا الختم جانبًا! فلقد كان هنالك الكثيرين ممّن حاول خداعي في هذه الدنيا، ولكنَّني لم أُخدع"[10]
أي أنّ الكثير من هؤلاء الأقارب والمحيطين بي كانوا يريدون تغيير المسير الذي كنت عليه، ولكنَّه يكسر الختم ويقول إنَّني لم أُخدع أبدًا، ولم يستطع أيّ أحد أن يثنيني عن طريقي ومرامي الذي أنا عليه.. إنَّه رجل عظيم جدًّا، وكلامه هذا ليس كلام عادي؛ فهو يريد أن يقول بأنَّ لكلّ شخص تكليفه الخاصّ به، ولا علاقة لي بما سيؤول إليه أمر الورثة؛ لأنَّ لي تكليفي وحسابي الخاصّ بي، وأنا مسؤول عن ذلك الحساب فقط.

    

وليّ الله يسعى لتنفيذ المشيئة الإلهيّة من دون مراعاة لأيّ شيء آخر

لقد كان المرحوم الوالد على هذه الشاكلة أيضًا، إذ لم يُبق لنفسه حسابًا خاصًّا؛ فما الذي يعنيه هذا؟ يعني أنَّني قد استوفيت حظيّ خلال مدّة حياتي ونصيبي من الدنيا في الفترة المحصورة بين هذا الزمان وذاك، ولا علاقة لي بأيّ أحد سواءً كان من الأبناء أو الأصدقاء أو الأقارب؛ فلقد بيّنت المسائل للجميع ضمن حدود واجبي.
ومن الممكن أن يعتقد شخص ما بأنَّ المسألة بخلاف ذلك، لكنَّني أقول ـ بيني وبين الله ـ أنَّ الأمر هو بهذا الشكل حقًّا؛ فقد بيَّن ما هو ضروري ولازم لوصول الإنسان إلى الهدف ولحركته الكماليّة في هذه الدنيا (سواءً فيما يتعلّق بأسلوب العمل للاتّصال بالله، أو فيما يخصّ المسائل الشخصيّة وتلك المرتبطة بالصحبة، أو الأمور الداخليّة والخارجيّة، أو المعاشرات والمعاملات) واستعرض ذلك في ضمن مؤلّفاته، وقد قال عدّة مرّات:
لقد بيَّنت خلال هذه المدّة المديدة كلّ ما هو ضروري لسير الإنسان، فأكون بذلك قد أدَّيت واجبي.
وأمّا بالنسبة لما سيجري من بعدي، فذلك ممّا لا شأن لي به بتاتًا؛ فكلّ شخص يعلم ما عليه، وهو الذي يقوم بتحديد واجبه؛ فلقد أعطاكم الله العقل، فاستفيدوا من عقولكم! فإلامَ عهد الصباوة؟! لماذا لا تستفيدوا من عقولكم؟ فلقد وضع الله بين أيديكم القرآن والروايات وسيرة الأئمّة المعصومين، فلأيّ شخص قيلت وكُتبت هذه الروايات والمعارف التي وصلتنا عن طريق كتب العظماء؟ فهم لم يقوموا بتبيان ذلك للباب والجدار والحيوانات، بل لأشخاص من أمثالي وأمثالك لكي نعمل بموجبها بعين بصيرة وعقل منير وتحت إرشاد شخص لنا يقين بصحّة ما يطرحه من مواضيع؛ فنعمل بموجب هذه الإرشادات من أجل الوصول إلى أهدافنا.
لقد كان يقول ولمرّات متعدِّدة: "لقد أدَّيت الواجب الملقى على عاتقي".
أمّا أن يأتي أشخاص ليقوموا بتعيين التكليف للآخرين؛ فهذا الشخص وزير وذاك وكيل والآخر وصيّ أو نائب، وعليكم أن تفعلوا هذا الشيء أو ذاك، وعليكم الرجوع لهذا الشخص؛ فكلّ ذلك يعتبر من باب التلاعب.
إنّ الشخص الواصل إلى مقام التوحيد لا يستطيع أن يفعل شيئًا آخر غير تنفيذ مشيئة الله. لقد كان الأمر الوحيد الذي واجه سيّد الشهداء عليه السلام يوم عاشوراء هو ما بعد الشهادة؛ فلم يكن حديث أهل بيته معه عن سبب قتله واستشهاده، بل كانوا يقولون ما الذي سنفعله بعد شهادتك؟ فلقد كانوا يرون أمامهم قوم لم يبق لهم لا دين ولا إيمان ولا وجدان؛ ولهذا فإنَّ الإمام الحسين لم يكن يتكلّم معهم في خطبه عن الدين والإيمان؛ لأنَّه كان واضحًا افتقادهم للإيمان، بل كان يقول:
يَا شِيعَه آلِ أَبِى سُفْيَانَ! إنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ دِينٌ وكُنْتُمْ لا تَخَافُونَ الْمَعَادَ، فَكُونُوا أَحْرَارًا فِى دُنْيَاكُم‏.[11]
(يقول الإمام: لنفرض أنّه لا دين لكم وأنّكم لا تخافون المعاد، لكن أين ذهبت عروبتكم التي تتفاخرون بها، وأين ذهبت حريِّتكم ووجدانكم؟)
فأنا لازلت على قيد الحياة وها أنتم تهجمون على الخيام؟ فأيّ ذنب ارتكبه هؤلاء الأطفال؟ اقصدوني أنا وقاتلوني، فإن كانت لي القدرة على الدفاع عن نفسي, دافعت، وإلاّ سقطتُ على الأرض؛ فليس لأولئك دين حتّى يتكلّم معهم الإمام عن الدين والإيمان.
كان الإمام الحسين عليه السلام يتكلّم معهم بهذه الكيفيّة من ناحية، ومن ناحية أُخرى كان يوصي أهله بالصبر والتوكّل على الله ويقول: ليكن أملكم بالله وحده، ولا يكن لكم أيّ أمل حتّى بي أنا سيّد الشهداء.
نعم، هذا هي مدرسة الإمام الحسين عليه السلام؛ فهو يقول: لا يكن اعتمادكم حتّى عليّ أنا الإمام الحسين، والإمام المعصوم؛ فسوف أسقط بدوري على الأرض يومًا ما وأرحل عن الدنيا، وسوف ترون الآن كيف أسقط على الأرض، ويأتي الشمر ويقطع رأسي ولن تكون لي القدرة على دفعه، وسيرمونني بالسهام ويسيل الدم من جسمي بالشكل الذي أفقد معه القدرة على تحريك يدي.
فإذا كنت أنا الإمام الحسين بهذا الشكل، فلا تعتمدوا عليّ، وليكن اعتمادكم على من لا يسقط على الأرض، ولا يستطيع الشمر أن يقطع رأسه؛ وهو من يكون أنا وأمثالي متوجّهين إليه، ويكون هدفنا هو الوصول إليه.
فحضرة سيّد الشهداء لم يرحل عن الدنيا بهدف أن يأتي عدد من الناس ليبكوا عليه ويلطموا صدورهم لأجله؛ فلو فُرض عدم وجود من يبكيه ويلطم صدره عليه، أو من يذهب لزيارة قبره، فهل إنَّ الإمام سيحزن ويقول: يا للأسف، لقد تحمّلت كلّ هذا العناء والتعب، ولكنَّه ذهب هباءً منثورًا! إنَّ الأمر ليس بهذا الشكل قطعاّ، وبحسب قول الشاعر:
گر جملۀ کائنات کافر گردند
                             بر دامن کبرياش ننشيند گَرد[12]
(ترجمته: لو كفرت كلّ الكائنات، لما تلوَّث رداء كبريائه بالغبار)

إنَّ للإمام الحسين مقامًا بحيث إنَّه لو أجتمع الأوّلون والآخرون من الملائكة والجنّ والأنس، وأراد الله أن يُقسِّمَ عليهم بَرَكة شعرة واحدة من شعره عليه السلام، لدخل جميعُهم الجنّة؛ نعم، إنَّ الأمر هكذا بلا ريب![13]
ففي أحد الأيّام، قرأ المرحوم الحاج الشيخ حسن النوري الهمداني ـ وهو رجل طيِّب جدًّا ومن أصدقاء المرحوم الوالد، نسأل الله أن يجعل جميع أمواتنا غارقين في رحمته ـ للمرحوم العلاّمة هذا الشعر:
يا علی، گر به حشــر، قنبـر تو
                             سايه بر گبرِ محشر اندازد
جای دارد که ابر رحمتِ گبر
                             سايه بر اهل محشر اندازد [14]
(ترجمته: يا عليّ! لو ظلّلَ خادمك قنبر على مجوس المحشر في يوم الحشر، لکان حريًّا أن تُلقي غيوم رحمة المجوس بِظلالِها على أهل المحشر)

فقال المرحوم العلاّمة:
والله هذا حقٌّ، وأنا به أدين!
فذلك هو حال سيّد الشهداء، فعلى كافّة الأوّلين والآخرين أن يحضروا إلى عتبته، ويلطموا رؤوسهم، لكي يسمح لهم بالدخول إلى حَرَمه.
وبناءً عليه، ينبغي علينا أن نرى لماذا قام الإمام الحسين عليه السلام بهذا الأمر، وإلامَ كان يريد أن يدعو الناس؟ لقد كان هدف الإمام هو دعوة الناس إلى التوحيد، ولو لم يكن هو هذا هدفه، لما ذهبنا لزيارته؛ فلا ينبغي الذهاب لزيارة من يدعو الناس إلى نفسه، بل يجب زيارة من يدعو الناس إلى الله فقط.
إنَّ وصول سيّد الشهداء عليه السلام لذلك المقام الذي يفوق حدّ التصوّر هو بسبب دعوته الناس إلى الله؛ ولهذا، نراه ـ من جهة ـ ينصح أهله ويدعوهم إلى الصبر والتحمّل وعدم الخروج عن جادّة الاعتدال، ومن جهة أُخرى، نجده قد أوكل الجميع إلى الله وهو يقول: ليكن ما يكون، فما علاقتي بما سيحصل من بعدي؟ كلّ ما سيحصل من بعدي لا يعنيني، فواجبي هنا هو الاستشهاد في سبيل الله، وإذا ما شاء الله أن يُنزل البلاء والمصائب على ذريّتي وأقربائي، فهذا مما لا يعنيني؛ فهؤلاء هم عباده ومملوكين له، وهو أقرب إلى أهلي منّي؛ فإذا شاء أن يؤسروا ويُنظر إلى وجوههنَّ وشعورهنَّ، أو حتّى إذا ما تمّ استرقاقهنَّ، فهو أعلم بذلك ولا يعنيني بشيء؛ فهل أنا هو القيِّم والوكيل عليهم؟!

    

معنى مقام الجمع عند العرفاء

وهذا هو ما يُصطلح عليه بمقام الجمع لدى العرفاء؛ فمقام الجمع هو ذلك المقام الذي يختصّ الإمام عليه السلام بحيازة أعلى درجاته؛ فلو فُرض بأنَّنا استطعنا اختراق قلب الإمام الحسين عليه السلام ووصلنا إلى حقيقته وسرِّه وباطنه ـ وهذا ممّا لا يمكن أن يحصل ما لم يتفضّل به هو علينا ويُرينا ذرَّة منه ـ، فسنجد أمرين يكونان متناقضين في عالم الظاهر، ومتطابقين في عالم الباطن. [15]
الأمر الأول عبارة عن: الوصيّة والنصيحة والأمر والنهي والإرشاد والتربية والهداية في عالم الظاهر، حيث ينبغي بشكل محتّم مراعاة هذه الأمور في عالم الظاهر؛ وهو عكس ما نحن عليه، فلو ابتُلي أحدنا بمرض لنسي الله بالكامل، ولغُلِبَ على أمره.
لقد ذهبت لعيادة شخص مُبتلى بمرض سرطان الدَّم، فلم يردَّ عليّ السلام لمجرّد أنّهم كانوا قد أخبروه بإصابته بهذا المرض، هذا مع أنّه لم يبق أمامه إلاّ عدّة أشهر ليرحل عن هذا العالم؛ فقلت له: إنَّ أمامك أشهر معدودات من الحياة، فلماذا لا تردَّ عليّ السلام؟ فلم يكن يرغب بالنظر إلى أيّ أحد أو التكلَّم معه أو ردّ السلام عليه، وكان يائسًا بالكامل من الله والنبيّ والدنيا ومن كلّ شيء، وكان فاقدًا للأمل ويائسًا.
فلو فُرض بأنَّك ستموت يا عزيزي، فهذا ليس بشيء؛ أليس الموت بحقّ؟ ألم تكن تُرغِّب الناس لمدّة عشرين أو ثلاثين سنة من على المنبر في الشهادة والمشاركة في جبهات القتال والموت والقتل؛ فما الذي جرى حتّى لا تردَّ السلام على أحد عندما حلَّ بك هذا الأمر الآن؟!
كلّ ذلك بسبب ضعف الإيمان، حيث يُغلب الإنسان على أمره و بحسب الاصطلاح: ينفرط عقده.. يا عزيزي! إنّهم يُريدون أن يُعطوك مكان أفضل، فتلك بيئة لا صخب فيها، ولا تحتاج فيها لأن تجلس مع الناس وترشدهم، وستذهب إلى مكان واسع لا بداية ولا نهاية له، لكنّه يخاف ولا يستطيع التحمّل وحسم موقفه.
وحقيقةً، لماذا لا تكون لأحدنا طاقة التكلّم مع الآخرين ورؤيتهم حينما يحصل لنا أمر أو يمرض أحد أطفالنا؟! بينما نرى كيف تصرَّف سيّد الشهداء عليه السلام في يوم عاشوراء على الرغم من مشاهدته لجميع المصائب التي حلّت بهم بما في ذلك مسألة الأسر وغيرها؛ وهو تصرّفٌ لا يبدر إلاّ ممّن له قدرة الإمام عليه السلام ـ والأولياء في الدرجة الأدنى ـ وسعته.
أفهل كانت واقعة عاشوراء هيّنة؟ فهذا عليّ الأكبر عليه السلام الذي لا تُساوي الدنيا والآخرة شعرة من شعراته! وهذه مصيبة أخيه أبي الفضل عليه السلام! وتلك مصائب أصحابه!
لقد كانت منزلة حبيب بن مظاهر لدى الإمام بالدرجة التي يقول معها المؤرّخون بأنَّهم لاحظوا علامات الضعف على الحسين بن علي عندما سقط حبيب على الأرض شهيدًا؛ نعم، لقد كان بهذه المنزلة.[16]
و أمّا بشأن أبي الفضل عليه السلام، فيقول: "الآن انْكَسَرَ ظَهْري وقَلَّتْ حيلَتي وانقطَعَ رَجائي"[17]؛ ومن البديهي، أنَّ الإمام عليه السلام لم يكن بصدد المجاملة عند ذكره لهذه العبارات، ولم يقل ذلك عبثًا.
فتلك ضغوط ترد على نفس الإمام نتيجة لتعلّقها بعالم الكثرة؛ وهكذا يكون الأمر شاء هو أم أبى، وحتّى ولو كان هو الإمام عليه السلام، لكنّنا في نفس الوقت نراه يذهب إلى ميدان القتال ويعود، ويذهب إلى هذا وذاك، وينصحهم، ويتحدّث مع أخته بنحو معيّن، ومع ابنته بنحو آخر؛ فنجده يتحدّث مع كلّ واحد من الناس ـ صغيرهم وكبيرهم ـ بشكل خاصّ، وكان يتعامل مع كلّ شخص وفقًا لدرجته بنحوٍ تبدو فيه المسألة طبيعيّة، وكأنَّ شيئًا لم يحصل؛ فأيّ قابليّة هذه نُشاهدها من الإمام؟!
فإذا كنّا نلاحظ مراعاة الإمام عليه السلام التامّة لجميع الجوانب والجهات، فإنّ السبب في ذلك يرجع إلى توجّهه عليه السلام لعالم الظاهر والكثرة.
وأمّا الأمر الثاني، فيتمثّل بمراعاة الجانب الباطني، حيث كان الإمام في مقام التسليم المحض أمام الله، بحيث يبدو وكأنَّ شيئًا لم يحصل قائلاً [بلسان حاله]: إلهي، هؤلاء عبيدك وإماؤك، وأنت أعلم بما ينبغي فعله: إن شئت أن تأسرهم أم لا! لقد جئت حتّى هذا المكان وأنجزت واجبي ورحلتُ؛ فلك الشكر أن وفقّتني وشملتني بعنايتك بحيث تمكّنت من إتمام الأمر حتّى النهاية، ولك الشكر أن بيَّضت وجهي لديك، وها أنت تنقلني من هذا العالم بهكذا حال بعد اجتيازي لهذا الامتحان العظيم بوجه أبيض.
ولهذا، من الممكن مشاهدة أظرف وأدقّ التجليات التوحيديّة في يوم عاشوراء؛ وحقيقةً، فإنّ الذي ينظر إلى أحوال الإمام الحسين عليه السلام في سفره من المدينة إلى مكّة ومن مكّة إلى حلول يوم عاشوراء، يستطيع أن يُلاحظ بأنَّ الإمام ـ ومنذ بداية رحلته ـ يتعامل ويتكلّم مع كل شخص بنحوٍ خاصّ، وأنّه مطّلع بشكل دقيق على جميع التفاصيل، حيث كان يُخبر البعض ببعض ما سيحصل؛ لكن مع كلّ هذا، نجده لم يتخطّ الأمور الظاهريّة أبدًا، ولم يُقصِّر في مراعاة القوانين والأمور المترتّبة على بعضها البعض في هذه العالم، ولو بمقدار ذرّة.
ففي ليلة عاشوراء، حفر خندقًا حول الخيام لكي لا يتمكّن الأعداء في الغد من الهجوم عليهم من الخلف؛ أفلم يكن الإمام الحسين ـ والحال هذه ـ يعلم بأنَّه سيُستشهد في الغد؟ فعلامَ يحفر الخندق؟ لكنَّه عملٌ يجب حتمًا أن يُنجز؛ بمعنى أنّه لا ينبغي أن تُوجد في واقعة عاشوراء أيّة نقطة ضعف أبدًا.
لقد قال عليه السلام لجميع أهله وأصحابه في ليلة عاشوراء بأنَّ كلّ من يبقى معه فإنَّه سيُقتل في الغد، وحتّى أنّه عمل على بيان تفاصيل ذلك، وعندما وصل الدور إلى ابن أخيه القاسم، قال له: وستقتل أنت أيضًا بعد أن تبلُو [تُبتلى] ببلاء عظيم[18]، حيث أنّ حضرة القاسم استُشهِد بشكل فظيع.
وكان يشرح أيضًا التفاصيل الخاصّة بشهادة كلّ واحد من أصحابه فردًا فردًا؛ وكأنَّ ساحة المعركة كانت تُستَعرَض أمام عينيه، لكن مع ذلك، ولكي يكون الأمر على أعلى درجات الإحكام، بحيث لا يستطيع أيّ أحد الإحساس بوجود تمايز واختلاف بين مقامي الوحدة والكثرة، فإنّه كان يمشي في كلا المسارين بنحوٍ لا اليهودي يُمكنه أن يعترض عليه، ولا النصراني يكون قادرًا على الإشكال عليه؛ أي أنّه لا يستطيع أيّ أحد وإلى أبد الآبدين من إيجاد أبسط ثغرةٍ في منهجه؛ فهذا النمط من التصرّف هو ما يُطلق عليه الجمع بين الوحدة والكثرة، والذي هو عبارة عن الدعوة إلى التوحيد.

    

بيان سبب عدم وصاية العلاّمة رضوان الله عليه من خلال قصّة رزيّة الخميس

وخلاصة القول، فقد رحل المرحوم العلاّمة عن الدنيا ولم يترك لورثته شيئًا، ولا يخفى أنَّ المُراد ليس هي الأموال؛ إذ لم يكن يمتلك شيئًا، بل المقصود هو أنّه لم يترك مقامًا أو وصيّةً أو أيّ حساب وكتاب لفترة ما بعد حياته؛ أي أنّ كلّ شخص يجب أن يعرف الواجب الملقى على عاتقه، فقد بيَّنت ـ بمقتضى واجبي ـ الأمور إلى هذا الحدّ، وعملت بموجب تكليفي ورحلت؛ فمن الآن وصاعدًا يتوجّب على كلّ شخص أن يعلم بنفسه أيّ طريق يسلك وأيّه يترك.
فهذه الرؤية هي عين التوحيد، وهذا هو طريق ومنهج الشخص الموحِّد؛ فآية {قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى}[19] تتعلّق بالنبيّ وذوي القربى الذين هم الأئمّة عليهم السلام؛ ولهذا فهو [أي المرحوم العلاّمة] لم يُصرِّح ولم يوصِ بشيء فيما يخصّ الفترة التي تعقب ارتحاله.
وهنا، أرى من اللازم بيان مسألة كنت شاهدًا عليها لوحدي، ولم يكن هنالك شخص آخر غيري وهي أنّ:
المرحوم العلاّمة كان يرقد في المستشفى ليلة وفاته، ولم ينم في تلك الليلة حتّى الصباح بسبب المرض الذي ألمّ بقلبه، وعند وصولي إلى مشهد وذهابي إلى المستشفى، كان قد بقي على أذان الصبح ساعة واحدة، وكان هنالك عدد كبير من الأصدقاء، فذكروا بأنّه كان يتحدَّث ويضحك طوال الليل وحتّى الصباح وكان يمزح مع الجميع. لقد توقّف قلبه عن العمل تقريبًا بعد صلاة الصبح بحيث أصبح الخطّ الذي يرسمه جهاز تخطيط القلب على الشاشة على شكل خط مستقيم، ثم عاود قلبه العمل بعد عدّة دقائق.
وبعد هذه الحادثة، لم يتكلّم مع أيّ شخص، وكان واضحًا بأنَّ الأمر قد حُسم بالنسبة إليه. لقد استمرّت هذه الحالة بحدود ثلاث ساعات، حيث لم يكن معه في هذه الساعات الثلاثة أيّ شخص من الأقارب أو الرفقاء، بل كنت معه وحدي برفقة اثنين أو ثلاثة من الأصدقاء الأطباء ولا غير، وكلّ ما كان يتكلّم به خلال هذه الفترة هو: "أعطني ماءً!" عندما كان يعطش، كما كان منهمكًا بقراءة أحد الأذكار؛ فكنت أصبّ في فمه الماء بواسطة الملعقة؛ لقد كان هذا هو كلّ كلامه، وحتّى إنَّه لم يكن يسألني مطلقًا: كيف حالك؟ ومن أين أتيت؟
فما هي المسألة التي دعته ـ والحال هذه ـ إلى عدم التكلّم معي بشأن أيّة قضيّة أو موضوع فيما يتعلّق بما بعد وفاته مع أنَّ الأمر قد انتهى بالنسبة إليه؟ وأنا أقول بشكل قاطع كما أقطع الآن برؤية هذا المصباح مضيئًا أمامي بأنَّه كان يعلم بقرب ارتحاله؛ فما الذي دعاه بألاّ يقول لي: يا سيّد، افعل من بعدي كذا وكذا؟! ولايخفى بأنّه ثمّة هناك قضايا وأمور لا أبوح بها، ولكن عندما أقول بأنّي متيقّن بأنّه كان يعلم [بوفاته]، فإنّني لا أقول ذلك عبثًا ومن دون سبب.
إنَّ وجه هذه المسألة يرجع إلى أنَّه يقول: ليس من واجبي أن أقول شيئًا بعد الآن؛ لقد كان من واجبي البيان إلى هذا الحدّ، وأمّا من الآن فصاعدًا، فأنتم تعرفون ماذا عليكم أن تفعلوا! لقد بيّنت لكم الأمور طيلة العديد من السنوات، وتحدَّثت معكم لمدّة طويلة، وقلت لكم بأنّه لا ينبغي لكم اتّباع أيّ مسير كيفما كان بشكل أعمى، وتحدّثت لكم عن نفسي، وعن العظماء، وعن الأصدقاء، وشرحت لكم حال الأولياء، والطريق الذي سلكته، فإلامَ أبقى أتحدّث؟!
لقد كنت أفكّر يومًا بما حصل عندما حان وقت ارتحال النبيّ حيث قال:"ايتوني بدواةٍ وقرطاسٍ أكتب لكم كتابًا لا تضلّوا بعده"[20].
لقد كان النبي قد نصَّبَ أمير المؤمنين للخلافة قبل شهر من هذه الحادثة، وكان في نفس الوقت يشعر بدسائس المنافقين بشأن هذا التنصيب؛ ولهذا قال مع نفسه: من المناسب أن يُقال بأنَّ النبي قد كتب بخطّ يده كتاباً بوصاية أمير المؤمنين في أواخر لحظات حياته، ثمّ رحل بعد ذلك.
فرفع عمر علم المخالفة هنا وقال: "دعوه، إنَّ الرَّجلَ ليَهجُرُ، حَسبُنا كتابُ الله"[21]
وبهذه الإهانة الموجّهة للنبيّ الأكرم نشب الخلاف بين الأمّة؛ فقالت جماعة من المنافقين الذين كانوا هناك: القول ما قاله عمر، بينما قالت جماعة أُخرى: الحقّ ما قاله النبي؛ عندها قال النبيّ: قوموا عنّي، فلا ينبغي التنازع عند رسول الله، ووفقًا لبعض الروايات، فقد تمّ جلب دواة وقلم للنبيّ بعد خروج المنافقين، إلاّ أنَّه صلى الله عليه وآله وسلّم لم يكتب شيئًا.
فكنت أقول مع نفسي: بما أنَّهم جلبوا دواةً وقلمًا للنبيّ، وكان هنالك عدد من الشهود، فما المانع من كتابة الوصيّة، وإن لم يُعمل بموجبها؟!
فانكشفت لي هنا مسألة، وهي: أنَّ النبي كان يقول مع نفسه بأنَّني قد بيَّنت لكم كلّ ما كان يلزم بيانه؛ فلمّا وصل الأمر إلى هذا الحدّ، فلا يعنيني أمركم بعد ذلك شيئًا.. لقد عمدت من أجلكم أيّها الجهّال الذين يشبهون الحيوانات على رفع يد عليّ بحضور الجميع في غدير خُمّ، وعرَّفته لكم، وكنت قد أخَّرت ذلك لسنوات عديدة حتّى جاءني التهديد بـ : {وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ}[22] (يا رسولي! إذا كنت تريد أن تُسايرهم وتُداريهم أكثر، فإنّك لم تُبلّغ رسالتي أبدًا!).
أي: يا رسولي، إنَّ للمداراة والمماشاة حدًّا معيّنًا، فما هو دخلك في هذه الأمور حتّى تُماشيهم وتُداريهم إلى هذا الحدّ؟! فحينما أقول لك قم بهذا العمل، عليك القيام به؛ وها أنا أقول لك عليك بتنصيب عليّ! فمن يكون هؤلاء الأشخاص الذين تُسايرهم وتُداريهم؟ عليك أن تقوم بهذا العمل، وإلاّ {فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ}.. لم تقم بأيّ شيء أصلاً؛ ولهذا، فإنَّ النبي قد عمل بموجب تكليفه.
فكم هي فضائل ومناقب أمير المؤمنين التي بيَّنها رسول الله للناس في الحروب والغزوات (غزوة الخندق، خيبر، أُحد) وفي مواطن أُخرى؛ حتّى إنَّه قال: "يا عليّ، لولا أن تقول فيك طوائف من أمّتي ما قالت النصارى في عيسى بن مريم (أي ادِّعاء ربوبيّة عيسى)، لقلت فيك قولاً لا تمرّ بملأ من الناس إلاّ أخذوا التراب من تحت قدميك يلتمسون بذلك البركة"[23] .
نعم، لقد بيَّن النبي للناس طوال مدّة البعثة البالغة ثلاثًا وعشرون عامًا جميع ذلك، ثم نصَّبَ في نهاية المطاف أمير المؤمنين في مقام الولاية والوصاية؛ فما الذي يمكن أن يعمله أكثر من هذا؟ لكنَّه مع ذلك لم يطاوعه قلبه عند احتضاره على تركهم وحالهم، وكان يقول في نفسه: لمّا كان هذا هو وقت الرحيل، دعني أترك لهم آخر وثيقة للوصاية بعدي وأرحل، ولكنَّه لمّا رأى بأنَّهم قد سحبوا هذا البساط، عَلِم عندها بأنَّ هذا أمرٌ لا بدَّ من حصوله، وأنَّه لا بدّ لهؤلاء الناس من أن يُمتحنوا؛ وحينئذ على كلّ شخص أن يسلك الطريق الذي انتخبه.
فمن خلال عدم كتابته كتاباً بالوصاية لأمير المؤمنين، يكون النبيّ الأكرم قد وقَّع وثيقة توحيده، وقال: لا شأن لي بكم بعد الآن؛ لأنّني قمت بواجبي تجاهكم، فإن لم تُريدوا القبول بالوصيّة، فلا تقبلوا، فأنا ذاهب وأستودعكم الله! أي أنّني قد نصَّبت لكم عليًّا وصيًّا من بعدي، وأتممت الحجّة على الجميع، غير أنَّ عملي هذا لا يعني بأنَّني سأستمرّ بمتابعة الموضوع وأفرض عليًّا عليكم بالإكراه؛ فأنا لن أفرض عليكم وصاية عليّ، ولو كنتم بشرًا [بمعنى الكلمة] لرضيتم، أمّا إذا كنتم حيوانات ولا تُريدون أن تقبلوا بها، فلا تقبلوا! ثمّ إنّه أصبح معلومًا بعد ذلك كيف كان الأمر والتدبير.
والمثير للانتباه بالأمر هو أنَّ أمير المؤمنين يقول بنفسه بأنَّ هؤلاء الناس قد أتوا عنده بعد مضيّ خمسة وعشرين عامًا وبعد أن اكتشفوا ما هي الأمور التي أتحفتهم بها حكومة أبي بكر وعمر وعثمان، حيث إنَّ التعبير الذي ذكره أمير المؤمنين عليه السلام هو: "ينثالونَ عليّ من كلّ جانب، حتّى لقد وُطِئَ الحَسَنان، وشُقَّ عِطفاي مجتمعين حولي كَرَبيضة الغَنَم"[24].
وحقيقةً، كم هو تشبيه مناسب وجميل هذا الذي يذكره أمير المؤمنين حينما يقول عن هؤلاء القوم بأنَّهم كالغنم! فإذا كنتم أنتم الذين جئتم بأنفسكم لعليّ، وقد وجدتم أنَّه حقٌّ، فلماذا تؤذونه إلى هذا الحدّ، وتُدمون قلبه، وتتعلّلون على الدوام بأنَّه: لماذا علينا أن نُحارب، فالآن الجوّ بارد، أواليوم الجوُّ حارٌ، أو أنّ القرآن مرفوع على رؤوس الرماح، فعلينا أن نحتكِم إلى القرآن!
أجل، فكلّ هذه التصرّفات هي نتيجة لاتّباعهم أولئك الذين غصبوا الخلافة، كما ورد على لسان الزهراء سلام الله عليها:
أبتاهُ هذا السامريُ وعجلهُ
                             تـُبــِعا ومالَ الناسُ عن هارون [25]

فمَثَل هؤلاء الناس كمثل عبدة العجل الذين اتَّبعوا السامريّ وخذلوا أمير المؤمنين، وقد أخبر عليه السلام عن رجوعهم إليه بقوله: "مجتمعين حولي كَرَبيضة الغَنَم!"، فهل هؤلاء في واقع الأمر إلاّ غنم؟!
فما الذي ينبغي على أمير المؤمنين ـ والحال هذه ـ فعله مع هؤلاء القوم؟ من البديهي بأنَّ عليه أن يعمل بموجب تكليفه المبتني على تطبيق مسألة التوحيد، وذلك بترك هؤلاء الناس وشأنهم؛ وذلك لأنَّه يريد بدوره أن يُنفِّذ أمر التوحيد مثلما أمر الله نبيَّه إذ يقول: {فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ}.[26]
نرجو من الله ـ إن شاء سبحانه ـ أن يُنبّهنا في جميع الأحوال، وأن يمنَّ علينا بمعرفته، ويرويَنا من ذلك الماء المعين الباعث على الاطمئنان والتخلّص من جميع الكثرات ورفع جميع الكدورات وتجلِّي مقام التوحيد.
اللهمَّ صلِّ على محمّد وآل محمّد


[1] ـ من الجدير بالذكر أنَّ العلاّمة الطهراني ـ رضوان الله عليه ـ يقول في معرفة الله، ج 1، في هامش الصفحة 212، "و على أيّة حال فإنّ هذا ليس بحديث، بل هو حكمة لبعض الحكماء"؛ على الرغم من أنَّ المرحوم السيّد حيدر الآملي في جامع الأسرار ومنبع الأنوار، ص 8، وص 95، و121؛ والحاج الملاّ هادي السبزواري في شرح الأسماء الحسنى، ج 1، ص 145، و245 يعتبرانه حديثًا نبويًّا.

[2] ـ للمزيد من الاطّلاع على هذا البحث، راجع: معرفة المعاد، ج 8، ص 30.

[3] ـ معرفة الإمام، ج 15، ص 243 إلى 272.

[4] ـ لمزيد من الاطّلاع عن "دور الزمان والمكان في فهم الإنسان"، راجع: افق وحى، ص 542.

[5] ـ گلشن راز (حديقة الأسرار)، الشيخ محمود الشبستري.

[6] ـ المثنوي المعنوي، الكتاب الثالث.

[7] ـ لمزيد من الاطّلاع عن الدقائق الموجودة في هذه الحكاية، راجع: تفسير آيه نور، ص 153.

[8] ـ المجلس الخامس من شرح حديث عنوان البصري.

[9] ـ سورة الذاريات (51)، الآية 55.

[10] ـ سرّ دلبران (أسرار المعشوقين)، ص 210.

[11] ـ اللهوف، ص 119؛ بحار الأنوار، ج 45، ص 51.

[12] ـ أمثال وحِكم دهخدا، ج 3، ص 1284، نقلاً عن الخواجه عبدالله الأنصاري.

[13] ـ لمزيد من الاطّلاع على الحالات التوحيديّة لسيّد الشهداء عليه السلام في يوم عاشوراء، راجع: معرفة الله، ج 1، ص 109 إلى 117 وص 345 فما بعدها؛ والروح المجرّد، ص 96.

[14] ـ معرفة المعاد، ج 5، ص 32.

[15] ـ لمزيد من الاطّلاع عن مقام جمع الجمع، راجع: الشمس الساطعة، ص 306؛ وحيات جاويد (الحياة الأبديّة)، ص 54.

[16] ـ لمزيد من الاطّلاع حول هذا الموضوع، راجع: نور ملكوت القرآن، ج 3، ص 301، نقلاً عن: أسرار الشهادة، ص 274.

[17] ـ مقتل الخوارزمي، ج 2، ص 30؛ بحار الأنوار، ج 58، ص 233 مع شيء من الاختلاف.

[18] ـ مدينة المعاجز، ج 4، ص 215؛ موسوعة كلمات الإمام الحسين عليه السلام، ص 487.

[19] ـ سورة الشورى (42)، مقطع من الآية 23.

[20] ـ تاريخ ابن خلدون، ج 2، ص 62؛ معرفة الإمام، ج 13، ص 118، الهامش 1: ومن الأدلّة الفاضحة الواضحة اعتراف الشهرستانيّ وكلامه أنّ القائل كان عمر. قال العلاّمة الحلّيّ في كتاب «منهاج الكرامة» ص 48 و49، طبعة عبدالرحيم: وقد ذكر الشهرستانيّ وهو أشدّ المتعصّبين على الإماميّة: أنّ منشأ الفساد بعد إبليس الاختلافات الواقعة في مرض النبيّ صلى الله عليه وآله: فأوّل تنازع في مرضه فيما رواه البخاريّ بإسناده إلى ابن عبّاس قال: "لمّا اشتدّ بالنبيّ صلى الله عليه وآله مرضه الذي توفّي فيه، قال: ائتوني بدواة وقرطاس أكتب لكم كتابًا لا تضلّوا بعدي!" فقال عمر: إنّ صاحبكم ليهجر حسبنا كتاب الله! وكثر اللَّغَط. فقال النبيّ صلى الله عليه وآله: "قوموا عنّي لا ينبغي عندي التنازع!".

[21] ـ لمزيد من الاطّلاع على المصادر التي نقلت هذه العبارة عن الخليفة الثاني، راجع الكتب التالية: مطلع انوار، ج 8، خاتمة البحث المتعلق بالخليفة الثاني، نقلاً عن يوم الإسلام، ص 41؛ الشيعة في الإسلام، ص 172، نقلاً عن البداية والنهاية، ج 5، ص 227 وشرح بن أبي الحديد، ج 1، ص 133، والكامل في التاريخ، ج 2، ص 217، وتاريخ الرسل والملوك، ج 2، ص 436؛ المهذّب، ج 1، ص 12؛ المراجعات، ص 353؛ مسند أحمد، ج 1، ص 325؛ عمدة القارئ، ج 17، ص 63؛ صحيح البخاري، ج 5، ص 138و ج 7، ص 9؛ صحيح مسلم، ج 5، ص 76؛ فتح الباري، ج 8، ص 102؛ المصنّف، ج 5، ص 438؛ السنن الكبرى، ج 3، ص 433؛ الملل والنِحل، ج 1، ص 22؛ أضواء على السنّة المحمدية، ص 52.

[22] ـ سورة المائدة (5)، مقطع من الآية 67.

[23] ـ الكافي، ج 8، ص 58.

[24] ـ نهج البلاغة (محمّد عبده)، ج 1، ص 35.

[25] ـ فاطمة الزهراء بهجة قلب المصطفى، ص 609، نقلاً عن قصيدة الشيخ صالح الكوّاز الحلِّي.

[26] ـ سورة الغاشية (88)، الآية 21.

      
  

جميع الحقوق محفوظة لـ موقع المتقين www.motaghin.com ويسمح باستخدام المعلومات بشرط الإشارة إلى المصدر.

© 2008 All rights Reserved. www.Motaghin.com


Links | Login | SiteMap | ContactUs | Home
عربی فارسی انگلیسی