معرض الصور المحاضرات صوتيات المكتبة سؤال و جواب اتصل بنا الرئیسیة
 
اعتقادات و كلام أخلاق حکمة عرفان العلمي و الإجتماعي التاریخ القرآن و التفسير
المكتبة > وصايا و تعاليم و دستورات > أسرار ليلة القدر
أسرار ليلة القدر

_______________________________________________________________

أسرار ليلة القدر

 ألقاها في الليلة الثالثة و العشرين من شهر رمضان المبارك (ليلة القدر) من عام 1421 هـ ق.

سماحة آية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

_______________________________________________________________

تحميل ملف البد دي أف تحميل ملف البد دي أف تحميل ملف البد دي أف

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهمّ كن لوليّك الحجّة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة و في كلّ ساعة
ولياً و حافظاً و قائداً و ناصراً و دليلاً وعيناً حتّى تسكنه أرضك طوعاً وتمتّعه فيها طويلاً.
اللهمّ امدد لي في عمري و أوسع لي في رزقي، وأصحّ لي جسمي و بلغني أملي،
و إن كنت من الأشقياء فامحُني من الأشقياء و اكتبني من السعداء،
فإنّك قلت في كتابك المُنزل على نبيّك المرسل صلواتك عليه و آله:
{يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ }[1].



أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمداً أبدياً بأزليّته، و أزليّاً بأبديّته، سرمداً في إطلاقه، متجليّاً في مرايا آياته.
و الصلاة والسلام على البشير النذير والسراج المنير، أبي الأكوان بفاعليته،
و أمّ الإمكان بقابلّيته، الرسول النبي الأمّي التهامي القرشي، صاحب لواء الحمد والمقام المحمود
أبي القاسم محمّدٍ الحميد المحمود وعلى آله الطيبين الطاهرين المعصومين المكّرمين.
واللعنة على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.

    

كيفية تنزّل الأمر الإلهي من مراتب الأسماء و الصفات إلى عوالم الوجود

قال الله تعالى في كتابه الكريم: {بِسمِ الله الرّحمن الرّحيم * حم * وَ الْكِتابِ الْمُبين‏* إِنَّا أَنْزَلْناهُ في‏ لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرين‏* فِيهَا يُفرَقُ كُلُّ أَمرٍ حَكِيمٍ * أمراً مِّن عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرسِلِينَ }[2]
لتعجيل ظهور إمام الزمان عليه السلام.. ظهورِه الباطن و الظاهر، صلّوا على محمد و آل محمّد.
اللهم صلّ على محمد و آل محمد.
يُبيّن الله تعالى في هذه الآيات الشريفة كيفية نزول أمره عزّ وجلّ من مراتب الأسماء والصفات و عالم المشيئة و الإرادة الأزليّة إلى عوالم الوجود و التعيّنات الإمكانية.
حيث يقول تعالى: إنّ هذه الآيات آياتُ كتابٍ مبينٍ، كتابٍ موضّحٍ و كاشفٍ عن الحقائق، فهذا الكتاب يُبيّن مصالح الإنسان ، كما أنّه يكشف الستر عن حقائق عالم الوجود، و قد أنزلنا هذا الكتاب في ليلةٍ مباركةٍ، و في هذه الليلة يتمّ إنزال جميع الأمور كلٌّ على حدة و بشكلٍ مفصّلٍ بحيث يتمّ إنزالها جميعاً بنحوٍ محكمٍ و متقنٍ إلى عالم الوجود، و هذه الأمور تنتشر و تتفرّق و تتفرّع و تتقسّم من عندنا إلى أنحاء عالم الوجود، و تخرج من مقام الإجمال إلى منصّة الظهور و البروز.
إنّ لكلّ شيءٍ في عالم الوجود صورةٌ خارجية بارزةٌ و ظاهرة، وهذا الشيء هو في الحقيقة مظهرٌ لأحد أسماء الله تعالى أو أحد صفاته عزّ و جلّ؛ وذلك لأنّ الله تعالى يظهر ويبرز في عالم الأعيان و في عالم الماهيّات بواسطة الأسماء و الصفات الكليّة، فإن رأينا علماً في هذا العالم في أيٍّ من الفنون المختلفة فإنّ هذا العلم هو في الحقيقة نزولٌ لعلم الله تعالى، و كذلك إذا شاهدنا قدرةً في هذا العالم بمختلف أشكالها فإنّ هذه القدرة عبارةٌ عن نزول اسم القدير وظهوره في الموجودات المختلفة بصورٍ متعدّدةٍ، و إذا كنّا نشاهد الحياة واستمرار البقاء سواءً في هذا العالم أم في العوالم المختلفة فإنّ هذه الحياة هي عبارةٌ عن نزول اسم الحيّ الكلّي، حيثُ أنّ ظهورات اسم الحيّ تتحقّق في هذا العالم بشكل حياة الموجودات المختلفة.
إنّ جميع هذه الحوادث والأمور التي وجدت و توجد في هذا العالم من ناحية ذلك المبدأ العِلّي[3] ، وذلك المبدأ الأعلى.. جميعها كان لها وجودٌ عيني وهويّة خارجيّة في العلم الحضوري لله تعالى قبل ذلك، فنحن قبل أن نضع أقدامنا في هذا العالم، و قبل أن نظهر في عالم الملك والشهادة الذي هو نفس عالم المادّة هذا قبل ذلك كان لنا وجودٌ عينيٌّ في علم الله تعالى، و لا ينبغي أن نتصوّر أنّ حقيقة الوجود العلمي لله تعالى ، و الوجود العيني للأشياء في علمه تعالى هي مثل الوجود العلمي الذي نملكه عن الأشياء؛ و ذلك أنّ هذا النحو من الوجود و التصوّر (أي الوجود العلمي الذي نملكه نحن عن الأشياء) ليس إلاّ صورةً علميّةً تحكي عن الصورة الخارجية للأشياء، أمّا نفس الوجود الخارجي ، فإنّه ليس حاصلاً في نفوسنا وغير موجوداً فيها، فالأشياء لها وجود مستقلّ خاصّ بها، وما يحصل هو انتقاش صور حاكية عن تلك الهويّات الخارجّية في أذهاننا و نفوسنا. أمّا في مورد علم الله تعالى، فالأمر ليس كذلك، و المسألة هناك مختلفة ؛ إذ إنّ حقائق عالم الوجود بكلّ مراتبه ، و قبل تعيّنها الخارجي، كان لها تحقّق في علم الله تعالى بصورة جنبةٍ تعلّقية و ربطيّة، وهذا الوجود له جنبة علّية ويعتبر بمثابة الوجود الأصلي للأشياء، و ما نراه من الأشياء في عالم الأعيان و عالم الخارج هو في الحقيقة وجودٌ ظلّيٌ تبعيّ، وبعبارة أخرى: إنّ حقيقة الأشياء، و حقيقة وجودنا نحن، و كذلك حقيقة الأعمال التي نؤدّيها صغيرها و كبيرها ، و حتّى الكلام الذي نقوله، و طرفة العين التي تصدر منّا ، بل و حتّى الخاطرات التي تمرّ في أذهاننا.. كلّ هذه الأمور لها وجودٌ عِلّي في علم الله تعالى، و وجودها هناك أقوى من هذا الوجود الذي نشاهده.
فنحن الآن نشعر بوجودنا ، ولا أحد يستطيع إنكار ذلك، و كذلك نشاهد أعمالنا في الخارج، ولا مجال لإنكار ذلك أبداً، ولكنّ هذه الأمور موجودة بشكل أقوى في علم الله تعالى، لا أنّها هناك على نحو صورةٍ و خطوط، و مجرّد تصوّر، بل إنّ نفس الظواهر الخارجية و نفس الأعمال الخارجية موجودة في علم الله تعالى، غاية الأمر أنّه لمّا كان ذلك العالم لا مجال فيه للزمان و المكان فالجهات الربوبية و المراتب الربوبية فوق الزمان و المكان فإنّ الأشياء الزمانية و المكانية التي لا بدّ لها من زمان و مكان لتتحقّق، هذه الأشياء تحتاج إلى التدريج و الاستمرار في نزول ذلك الفيض، بمعنى أنه إذا كان من المقرّر مثلاً أن يوجد شخصٌ ما بعد عشر سنوات أو بعد بضعة أيّام أو بعد ساعة ، فإنّ مثل هذا الشخص موجودٌ الآن، و هذا الشخص واقعاً له صورةٌ خارجيّةٌ الآن، لا أنّ له صورة ماديّة بل صورة خارجيّة عينية.. حقيقته الآن موجودة، و لكنّها لم تصل إلى مرتبة البروز و الظهور.
مَثَلُ ذلك كمثل شريط تسجيل قد حُفظ فيه كلامٌ لمدّة ساعة كاملة، فلهذا الشريط الآن مجموعة من المطالب و العبارات مدّتها ساعة كاملة، و لكنّنا لكي نتمكّن من الاستماع لهذه المطالب، ولكي نطّلع على ما فيه ، لا بدّ لنا من وضعه في جهاز تشغيل الشريط ، ثمّ نشغّل الجهاز فيبدأ بعرض محتويات الشريط و بثّها، فيُصدر الكلمة الأولى، ثمّ الكلمة الثانية، ثم الثالثة، و هكذا لا بدّ لهذا الشريط أن يدور بشكل تدريجي لكي تظهر هذه المطالب و تصل إلى أسماعنا، ولا يمكن البتّة أن تضعوا هذا الشريط في جهاز التشغيل فتصل كلّ تلك المطالب دفعةً واحدة إلى أسماعكم! لا يمكن ذلك! لماذا؟ لأنّ نفس ذلك الشريط يحتاج إلى مرور الزمان لكي يبثّ ما فيه من المطالب، وكذلك فإنّ أذننا أيضاً تحتاج إلى مرور الزمان لكي تستمع لتلك المطالب. هل اتّضح الأمر؟
و لكن لو افترضنا وجود آلةٍ أو وسيلةٍ أخرى تستطيع أن تنقل جميع المطالب التي في ذلك الشريط و توصلها دفعةً واحدة، فإنّ مثل هذه الوسيلة ستكون مُستثناة من تلك القاعدة، و ستكون مثل هذه الوسيلة فوق الزمان و أنا طبعاً أُبيّن هذا من باب المثال كما هو واضح فلو افترضنا وجود جهاز يستطيع أن ينقل حديث ساعة كاملة دفعة واحدة إلى جهاز آخر، فمثل هذا الجهاز سيكون خارجاً من تلك القاعدة. ولو استطعنا نحن أن نطّلع على ما في هذا الشريط من المسائل بواسطةٍ أخرى و إشرافٍ آخر، فحينئذٍ سنكون نحن أيضاً خارجين عن قوانين المادّة و قوانين الزمان و المكان. واضح؟
إنّ جميع ما يقع في هذا العالم تنطبق عليه هذه القاعدة، يعني صور أعيان الأشياء، و واقعية الأشياء و حقيقتها، كلّها موجودة في العلم الربوبيّ، ولكنّها بحاجة إلى الزمان لكي تظهر وتُوجد بالوجود الخارجي، و أمّا بالنسبة للأفراد الذين ينظرون بواسطة نظرٍ آخر و عينٍ أخرى و إدراكٍ آخر و الذين يُشرفون و يطّلعون من خلال قلبهم و سرّهم على عوالم الملكوت.. أمثال هؤلاء الأفراد، لا يحتاجون للزمان ولا للمكان، فهؤلاء يرون جميع الوقائع والحقائق كما نرى نحن الحقائق التي أمامنا الآن، و يشاهدون جميع الحوادث كما نشاهد الأمور التي من حولنا الآن، و لديهم إشراف على الماضي و الحاضر و المستقبل كإشرافنا نحن على الوضع الموجود الآن. لماذا؟ لأنّ تلك الرؤية و البصيرة التي عندهم ليست محكومة للزمان و المكان، وذلك أنّ مصدر تلك الرؤية و البصيرة ليست من هذه الأذن و لا من هذه العين ولا من هذه الحواسّ الماديّة.
فعندما تكون نائماً، ألا ترى نفسك في المنام؟ فهل ترى الأمور التي تحدث في المنام بنفس هذه العين التي ترى بها الأشياء عند اليقظة؟! كلا، ليس الأمر كذلك. وهل تلك الأذن التي تسمع بها في المنام و تُدرك بواسطتها أموراً صادقةً و واقعية ـ كما اتّفق ذلك للعديد منّا ـ ، فهل تلك الأذن هي نفس هذه الأذن ؟! كلاّ طبعاً ، فهذه الأذن لا تعمل هناك، إذ قدرتها ضعيفة جداً! ،و هل الكلام الذي تقوله في المنام يصدر عن هذا اللسان ؟ كلاّ، إذ هذا اللسان ساكنٌ و الفم مغلق!
فكيف إذن نجد أنفسنا عندما نستيقظ في اليوم التالي، نقول: لقد قلتُ كذا و كذا في المنام ؟! لماذا لا نقول: إنّ صورتي قالت كذا، أمّا أنا فلم أكن موجوداً! لماذا؟ لأنّ حقيقتنا و واقعيّتنا ليست محصورة في هذا البدن الماديّ، بل إنّ نفسنا و حقيقتنا التي نُخبر عنها هي فوق نزولها و تجسّدها في عالم المادّة وعالم المثال؛ و لهذا نقول: "لقد رأيتك (أنت) البارحة في المنام"، ولا يردّ علينا ذلك الشخص المخاطب قائلاً: "كيف ذلك؟! فأنا كنتُ نائماً البارحة في منزلي!"، إنّنا نقول: لقد رأيتك في المنام ، و لا نقول: لقد رأيتُ صورتك في المنام.
فهل الصور التي في عالم المثال و البرزخ هي من قبيل الصور التي تُرسم على الورقة؟ كلاّ، ليست كذلك. فالصورة المرسومة هي عبارة عن خطوط على سطح الورقة، أمّا الصورة التي نراها في المنام، فهي واقعيّةُ ذلك الشيء الخارجي، فتلك الواقعيّة لها صورتان: صورةٌ مثالية و هي التي تتمثّل في عالم المنام بلباس المثال، و صورةٌ ماديّة هي التي تتمثّل بها بصورة مادّية في عالم المادّة، و من الممكن لذلك الشخص و لتلك الروح ولذلك الإنسان أن يظهر و يبرز في عالم المادّة و حتّى في عالم المثال بصورٍ مختلفة، و يُخضع المادّة لقانونه وسيطرته هو.
لقد كان جابر بن يزيد الجعفي من الأصحاب الخاصّين و من أصحاب السرّ للإمام السجّاد و الإمام الباقر و الإمام الصادق عليهم السلام، و كان ذات يوماً جالساً عند الإمام الباقر عليه السلام، و كان بعض أصحابه جلوساً عنده ، فشرع البعض يُحدّثون الإمامَ عليه السلام عن مكارم أخلاق جابر و المطالب الراقية و النصائح المفيدة التي سمعوها من جابر في الليلة الماضية، فقامت مجموعة ثانية من الأصحاب و قالت: و لكنّ جابراً كان في منزلنا الليلة الماضية، فقال بعض الأصحاب الآخرين: بل إنّ جابراً كان معنا في الليلة الماضية في هذا الوقت وكان يحدثنا و نستفيد منه؛ و هكذا تبيّن أنّ جابراً كان له في آن واحدٍ حضوراً عينياً في أكثر من مكان، و كان يتحدّث مع كلّ مجموعة من الأفراد في آن واحدٍ! فالتفت الإمام الباقر عليه السلام إلى جابر و نهاه عن الاستمرار بمثل هذه التصرّفات.
حسناً، ما هو السرّ في ذلك؟ سببه أنّ الروح تستطيع أن تُجسّم و تُجسّد وجودها النازل في المادّة الخارجية، فكما أنّ الروح لا تتحدّد في قالب واحد ـ بحيث يكون لها تحقّقٌ خارجي في مستوى فوق القالب والصور المثاليّة ـ ، فإنّ لها أيضًا جنبة ملكوتيّة هي فوق الصورة، بل بعبارة أدقّ: فوق المعنى. وتُشير الآية الشريفة: {وَ نَفَخْتُ فيهِ مِنْ رُوحي‏}[4] إلى مسألةٍ دقيقة مفادها أنّ روح الإنسان نشأت وظهرت من الوجود الإلهي ومن ذلك الوجود الذي يقع فوق الصورة وفوق والمادّة وفوق المعنى؛ فهو وجودٌ بسيط تضمّن في حقيقته جميع الصور والموادّ والمظاهر الوجوديّة المختلفة. وعليه، فإنّ لحقيقة الإنسان ـ ولبقيّة الحقائق أيضًا ـ تقدّم رتبّي وطبعي على المادّة والزمان، فكلُّ ما نشاهده في العالم الخارجي كان له وجود في العلم الربوبي؛ وعلى سبيل المثال، جاء في الروايات أنّ صلاة ليلة الدفن [صلاة الوحشة] تُسهّل أمر المؤمن عند جوابه على سؤال منكر ونكير؛ فإذا فرضنا أن أحدهم رحل عن هذا العالم ودُفن، فلماذا ورد عندنا أنّه إذا اطّلع شخصٌ ما على وفاته بعد مضيّ ليلتين أو ثلاث أو حتّى بعد أسبوع فصلّى لأجله صلاة ليلة الدفن ، فإنّ ذلك المتوفّى سيستفيد من هذه الصلاة، مع أنّها لم تتحقّق خارجًا في نفس ليلة الدفن؟ لماذا؟ سبب ذلك أنّه لا سبيل للزمان إلى عالم المعنى والمثال؛ فالوجود الخارجي لهذه الصلاة ـ التي أدّاها ذلك المؤمن بعد أسبوع أو شهر أو سنة من وفاة ذلك المؤمن الآخر ـ كان متحقّقًا ومتعيّنًا في عالم الملكوت والبرزخ والمثال؛ وبالتالي، فما هو الفرق بين أن يُؤدّي الإنسان تلك الصلاة في ليلة الدفن، أو أن يُؤدّيها بعد مرور سنةٍ لتأخّر اطّلاعه على وفاة ذلك الشخص؟ لا يوجد أيّ فارق ـ ولو بمقدار رأس إبرة ـ بينهما من حيث التأثير الذي يوجدانه في إراحة ذلك المتوفّى وتسهيل أمره؛ لأنّ ذلك العالم خارجٌ عن الزمان، فلا علاقة لصور الملائكة والتعرّض للمساءلة ومواجهة منكر ونكير .. لا علاقة لها بالزمان والزمانيات؛ ولهذا، فإنّ الشخص المتوفّى حتّى لو لم يُدفن في تلك الليلة، فإنّه سيتعرّض لسؤال منكر ونكير في الليلة الأولى من وفاته؛ لأنّ المسألة هنا متعلّقة بقضاء ليلةٍ برزخيّة، وليس بقضاء ليلة مرتبطة بالزمان الخارجي، ومن المعلوم أنّه لا علاقة لليلة البرزخيّة بالقمر والشمس والنجوم والأرض والكواكب.
ومن هنا، يُمكننا أن نفهم ما أشار إليه المرحوم العلاّمة رضوان الله عليه في كتابه الروح المجرّد حينما ذهب المرحوم الحدّاد لزيارة قبر المرحوم الشيخ محمد البهاري، قال للمرحوم العلاّمة: لقد سمعت أنّ المرحوم محمد جواد الأنصاري كان يتردّد كثيرًا على هذا المكان من أجل الاستفاضة من روحانيّة المرقد المنوّر للشيخ محمد البهاري؛ ولقد انكشفت أمامي الآن هذه الحقيقة، واتّضح لي اليوم ـ حينما أتينا إلى هذا المكان ـ حقيقة هذه المسألة؛ لماذا؟ لأنّ هذا الوجود الذي تلبّس بالصورة الخارجيّة له حقيقة علميّة وعلّية، وهذه الحقيقة العلميّة والعلّية ـ التي هي بمثابة العلّة بالنسبة لتلك الصورة الخارجيّة وبقيّة الأمور الزمانيّة ـ كانت موجودة سابقًا، وبما أنّ استفاضة النفس من أنوار هذه البقعة المباركة هي استفاضةٌ برزخيّة ومثاليّة وملكوتيّة من دون أن يكون لها أيّه علاقة بالزمان والزمانيات في عالم الخارج، فإنّنا نجد ذلك الشخص العظيم كان يتردّد على هذا المكان للاستفاضة من هذه الأنوار، وهو يتصوّر أنّ هذه البركات والأنوار [كلّها من مرقد الشيخ البهاري] و ذلك لا يعني أنّ نفس مرقد الشيخ محمد البهاري رضوان الله عليه ليس منشأً للبركات؛ فقد كان الشيخ رجلاً عظيمًا جدًّا ومن أولياء الله تعالى، وآثار الجلال والعظمة والبهاء والروحانيّة والنورانيّة مشهودة بشكل واضح في مزاره ، ويبقى أنّ تلك الأنوار والبركات الزائدة هي راجعةٌ لقدوم وليٍّ آخر والذي لعلّه كان أقوى منه من ناحية السعة الوجوديّة والقدرة على الجذب وإبراز الأنوار الربوبيّة.. هل هذا واضح؟

    

ما هي ليلة القدر؟ وكيف نستفيد منها ؟

فحقيقة الوجود الخارجي للأشياء وكيفيّة ثبوت هذه الحقيقة قبل خلق الأشياء متجلّية في الآية الشريفة التي تقول: {إِنَّا أَنْزَلْناهُ في‏ لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ}[5] ، فما هي هذه الليلة؟ إنّها هذه الليلة! وهي الليلة التي أنزلنا فيها القرآن دفعةً واحدةً على قلب الرسول، وهذا لا يعني أنّنا خلقنا القرآن في نفس هذه الليلة ـ بحيث لم يكن له أيّ وجود قبلها ـ ، بل إنّ هذا القرآن كان له وجود في العلم الربوبي، وإلاّ لو كان الأمر كذلك، فكيف تسنّى لأمير المؤمنين عليه السلام عند ولادته أن يقرأ سورة المؤمنين للرسول الأكرم صلّى الله عليه و آله وسلّم حينما أُعطي قماطه؟ وطفق يقرأ: { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحيم‏، قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ، الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ}[6] ، حيث قرأ مقطعًا من هذه السورة إلى حدّ معيّن. فإذا كان القرآن قد خُلق دفعةً واحدة في ليلة القدر، فكيف تسنّى لأمير المؤمنين أن يقرأ هذه السورة؟! ومن أين حصل للرسول اطّلاع على السور القرآنيّة؟! وإذا كان هذا القرآن قد نزل على قلب الرسول الأعظم، كيف تسنّى لإمام الزمان ـ الذي تنتسب إليه هذه الليلة ـ أن يضع رأسه للسجود حينما خرج من بطنه أمّه .. حضرة السيّدة نرجس، ويشرع في قراءة الآيات المرتبطة بظهوره:{وَ نُريدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثينَ}[7] ؟! فالطفل الذي يولد حديثًا لا يكون له علم بالقراءة بعد، ولا يكون لديه اطّلاع على ما يدور حوله، ولا يكون قد اكتسب معلومات بعد؛ وبالتالي، حين تلى صاحب الزمان عليه السلام هذه الآية، ما هي المرتبة التي تلقّاها فيها؟ وما هي الدرجة والمرحلة التي اتّصل بها ليحصل له اطّلاع عليها؟ هل يعدو ذلك كون الصورة الخارجيّة للقرآن لها صورة عينيّة في العلم العنائي للحقّ تعالى؟! ففي ذلك المقام، تتوفّر جميع الأشياء على صور، غاية الأمر أنّ البعض يحصل لهم اطّلاع على تلك الصور فيلتفتون إلى حقيقة الأمر، والبعض الآخر ـ مثلنا نحن ـ لا يحصل لهم ذلك؛ فيكونون في حاجة إلى انقضاء الزمان وتبدّل المكان لكي تتحقّق تلك الصور في الخارج. وعلى كلّ حال، كما أنّ القرآن كان يمتلك وجودًا تدريجيًّا بالنسبة للرسول، فقد كان يتوفّر أيضًا على وجود دفعي؛ وقد تحقّق هذا الوجود الدفعي دفعةً واحدةً خارج الزمان والمكان، وأمّا ذلك الوجود التدريجي، فهو بمثابة الشريط الذي بدأ في غار حراء بسورة العلق: {بسم الله الرحمن الرحيم اقرأ باسم ربّك الذي خلق خلق الإنسان من علق}، وانتهى في المدينة في الأيّام الأخيرة من حياة النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلّم؛ فهذا الوجود هو وجود تدريجيّ، ويبقى أنّ للقرآن وجودٌ تحقّق بحسبه كلّ ذلك الشريط في نفس الرسول دفعةً واحدةً وفي لحظة واحدة، بحيث صار النبيّ الأكرم مطّلعًا على جميع الآيات القرآنيّة؛ وهذه اللحظة هي الليلة الثالثة والعشرين من شهر رمضان!
في هذه الليلة، نزل القرآن دفعةً واحدة على وجود النبيّ الأكرم.. {فيها يُفرق كلّ أمر حكيم}؛ فما هي الخصائص التي تتميّز بها هذه الليلة؟ إنّ جميع الأمور المسجّلة في العلم الربوبي وفي لوح التقدير وفي مقام القضاء والقدر يتمّ تقديرها وتحديدها في هذه الليلة لكي تتلبّس بالوجود الخارجي.. {يُفرق كلّ أمر حكيم}؛ أي أنّ جميع الحوادث والأفعال الخارجيّة التي تتّصف بالحكمة والثبات والرسوخ ـ فلا يتطرّق إليها الشكّ وتأبى عن الزوال ـ تنفصل عن بعضها في هذه الليلة؛ ففي هذه الليلة، تتعيّن جميع العلوم التي سنحصل عليها من الآن إلى السنة القادمة، ويتحدّد مقدار ما سنحصل عليه في السنة الآتية من علم وقدرة ومكنة وصحّة وما سنُبتلى به من مرض، وهل سيُكتب لنا الموت في هذه السنة، أم سنبقى على قيد الحياة، وما هي القضايا والحودث التي سنواجهها طيلة هذه السنة. فإذا كانت هذه الليلة تُسمّى بليلة القدر، فلأنّها هي ليلة التقدير وليلة التقييم والقياس والميزان والوزن والتقسيم، والليلة التي يتحدّد فيها رزقنا؛ وبالتالي، فهي ليست بالليلة الهيّنة! وعلينا ألّا نستخفّ بها ونستسهلها! ففيها يتعيّن الرزق الذي سيصلنا من الله تعالى؛ والمراد من الرزق هنا ليس هو الماء والخبز، بل المراد منه هو النصيب الذي قُدّر لنا من ذلك الوجود؛ فهو الذي يتعيّن في هذه الليلة. {بسم الله الرحمن الرحيم إنّا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر تنزّل الملائكة والروح فيها بإذن ربّهم من كلّ أمر سلام هي حتّى مطلع الفجر}؛ فهذه الليلة هي أفضل من ألف شهر لا يوجد فيه ليلة القدر.. {تنزّل الملائكة والروح فيها من كلّ أمر}؛ أي أنّ الروح والملائكة تتنزّل من كلّ جهة؛ فتأتي ملائكة العلم إلى هذا العالم وتعرض علم الإنسان على ذلك الوجود ـ الذي سنتحدّث عنه لاحقًا ـ ، وتأتي ملائكة القدرة في هذه الليلة بكلّ تحتاجه مخلوقات عالم الوجود ـ من كواكب ومجرّات وأناس وجمادات وحيوانات ومادّيات ـ من أجل استمرار حياتها، وكذلك الأمر بالنسبة لملائكة الحياة وملائكة الرزق.. {سلام هي حتّى مطلع الفجر}؛ فينزل سلام الله تعالى ورحمته في هذه الليلة إلى حين إشراقة الصبح. ويقول الإمام الصادق عليه السلام في تفسيره لهذه السورة: إنّ جميع التقديرات التي ستحصل إلى السنة القادمة تتعيّن في هذه الليلة؛[8] فيتحدّد في هذه الليلة ما سنفعله غدًا، وما هي الأمور التي ستواجهنا في المستقبل.. هل هذا واضح؟ ولهذا يقول عليه السلام في كلامه مع ذلك الشخص الذي سأله: (يا ابن رسول الله، ماذا ينبغي علينا فعله في هذه الليلة؟) .. يقول له: إذا كنت قد بيّنت لك الخصائص التي تتميّز بها هذه الليلة، فينبغي أن تعلم بنفسك ما هو الواجب عليك فعله! فبمقدار العبادة التي تؤدّيها، وبمقدار توسّلك، وبمقدار الصفاء والخلوص الذي تحصل عليه في ارتباطك بذلك المبدأ، وبمقدار ما يكون قلبك نقيًّا، سوف يكون نزول الملائكة بتلك التقديرات أكثر صفاءً وخلوًّا من الوسائط.. هل التفتّم إلى أريد قوله؟ فكلّما كان هذا القلب نقيًّا أكثر، كلّما استفاد أكثر من الرزق الذي ينبغي عليه أن يُخزّنه للسنة القادمة. لقد ورد نهي شديد عن النوم في هذه الليلة والغفلة فيها إلى طلوع الشمس؛ لأنّه من المحتمل أن يأتي ملكٌ في نفس هذه اللحظة التي غفلنا فيها ببعض الفيوضات الوجوديّة، فيجد قلبًا غافلاً وغير مستيقظ؛ فلو غفلنا للحظة واحدة، ستتعرّض كيفيّة نزول تلك الفيوضات للاهتزاز والتشويش؛ ولهذا يقول الإمام عليه السلام: كم هو جدير بالإنسان أن يظلّ مستيقظًا هذه الليلة! حيث يسألونه عليه السلام: هل ليلة القدر هي ليلة الواحد والعشرين، أم ليلة الثالث والعشرين؟ فيُجيب عليه السلام: ما أقلّ ليلتين في قبال ما أخبرتك عنه [حول فضيلة هذه الليلة !]
فيقول السائل: أُخبرنا بأنّ الهلال قد شوهد في المكان الفلاني في الليلة الفلانية، فلا ندري هل ليلة القدر هي هذه الليلة أم الليلة التي بعدها؟! فيقول الإمام عليه السلام: ما الإشكال في أن تُحيي الأربع ليالي جميعاً؟! هل إحياء أربع ليالٍ بالنسبة لمسألةٍ بتلك الأهمية يُعدّ شيئاً ذا بال؟! وهل إحياء أربع ليالٍ والبقاء مستيقظاً فيها أمرٌ صعب؟! ما أيسر إحياء أربع في مقابل الوصول إلى هذه الغاية العظيمة![9]
لِمَ يقول الإمام عليه السلام له ذلك؟ سببه هو هذه المسألة التي بيّنّاها.
ثم قال له الإمام عليه السلام: إنّ ذلك الحكم البتّي القطعي الذي ينزل من الله عزّ وجل.. ذلك الحكمّ يُقدّر ويُحدّد في هذه الليلة، العلم الذي ينزل لبني آدم يُقدّر ويُحدّد في هذه الليلة، الملائكة الموكّلة بذلك العلم يأتون بذلك العلم ويخلطونه ويعجنونه بالوجود المثالي والملكوتي للإنسان الذي سيتحرّك في هذه الفترة الزمنية المحدّدة، وبعبارة أخرى: فإن عاقبة الإنسان ومصيره تُعطى له في هذه الليلة..
حسناً ، فما هو مقدار العلم الذي سيجعلونه من نصيبه [وكيف يحددون ذلك المقدار]؟ إنّهم ينظرون إلى حاله فيرون كيف حاله ووضعه في تلك الليلة، فإن كانت حالته جيّدة فسيزيدون في نصيبه، وأمّا إن كانت حالته غير جيدة فسيقلّلون من نصيبه.
إنّ سلسلة العلل و المعلولات في عالم الأسباب والمسببات تُقدّر الليلة؛ فالحوادث والأمور التي ينبغي أن تقع في السنة القادمة تحتاج لتحقُّقها إلى سلسلة من الأسباب.. تحتاج لسلسلة من العلل و المعاليل. وكذا المصائب التي ستحصل لنا في المستقبل كلها خاضعةٌ لسلسلة العلل والمعلولات.
إنّ كيفيّة ترتيب هذه السلسلة من العلل بحيث توصلنا إلى هذه النقطة الإيجابية وتحرفنا عن تلك النقطة السلبية تحدّد و تقدّر في هذه الليلة؛ أي أنّه في هذه الليلة سوف يتمّ فيها تقدير كيفية ترتّب الحوادث في هذه السنة لكي تنقلنا من هذه الجهة إلى تلك الجهة؛ تلك الحوادث التي تأتي فتمنعنا من أن تزلّ قدمنا في هذا المكان .. تمنعنا من أن يلتفت ذهننا إلى هذا الخطأ.. تمنعنا من أن نرتكب هذا الحرام.. تمنعنا من أن نخطئ ذلك الخطأ، إنّ هذه السلسلة من العلل التي نحتاجها لتوجّهنا وتفتح لنا طريقنا تقدّر هذه الليلة، فالليلة هي ليلة وضع الخطّة والبرنامج!حسناً، بناء على هذا، فإنّ الأمر المهم بالنسبة لنا هو أنّه علينا أن ننتبه كيف سنقضي ليلتنا هذه، فهذه الليلة هي ليلة مهمّة جداً، ويوجد عندنا روايات عديدة تقول بأن ليلة القدر هي ليلةٌ تعرض الملائكة فيها صحيفة أعمال السنة على إمام زمان ذلك العصر، ففي كل زمان تعرض الأعمال على الإمام المختصّ بذلك الزمان، في زمن أمير المؤمنين أعمال السنة تعرض عليه، وفي زمن الإمام المجتبى تعرض أعمال تلك السنة عليه وهكذا...
جاء عبدالله بن أبان الزيّات إلى الإمام الرضا فقال له: يا ابن رسول الله أُدع لي ولأهل بيتي. فقال له الإمام عليه السلام: أولست أفعلُ ذلك؟! (فكيف تطلب مني هكذا طلب؟!) أَوَلا تعلم أن أعمال العباد تُعرض علينا في كل يومٍ وليلة؟ هل تعلمون ما معنى هذا الكلام؟ يعني أن الإمام الرضا عليه السلام في كل لحظة عنده إحاطة على جميع عالم الوجود، ليست إحاطةٌ صوريّة وإنما إحاطة حضوريّة، ألا تعلم أن أعمال جميع العباد تُعرض علينا كل يوم وليلة؟ فتعجّب ذلك الشخص تعجباً شديداً، واستعظم الأمر، فقال له الإمام: ليس في الأمر عجب، ألم تقرأ في القرآن {وَ قُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَ رَسُولُهُ وَ الْمُؤْمِنُون}[10] من هو المقصود بـ"المؤمنون"؟ يقول الإمام: المقصود من المؤمنين هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب[11] . أمير المؤمنين وأبناؤه يشاهدون جميع أعمالنا؛ لذلك فإنّ الليلة هي ليلة إمام الزمان، والتوسّل بإمام الزمان في هذه الليلة أكثرُ تأثيراً من أي شيء آخر، جميع تلك الأمور التي ستحصل في العالم تحصل من خلال نافذة إمام الزمان.

    

أكثر الأعمال تأثيراً في ليلة القدر هو التوسّل بصاحب الزمان عليه السلام

لقد خطر في ذهني قضيّة الآن، لقد كان للمرحوم العلاّمة صديقٌ وكان ذلك الشخص صالحاً جدّاً ومن العبّاد، وهو صاحب "المطبعة الإسلامية" واسمه المرحوم السيد محمد كتابجي ، وكان من أصدقاء المرحوم العلامة السابقين، وكان من الأخيار والصالحين، وكان واقعاً من المتّقين، وبعبارة المرحوم العلامة: كان من الأشخاص الطاهرين. مَرِض ذلك الشخص فنقلوه إلى المستشفى، ونيّموه فيها، وكانت زوجته وأولاده حوله فرأوا فجأةً أن حالته صارت خطرة جدّاً، إنّ ما أعرضه عليكم من مطالب هو نفسه قام بتسجيلها على شريط وأرسلها إلى المرحوم العلامة، يقول: رأيت أنّ زوجتي وأولادي قلِقون على حالتي، فجاءهم الطبيب وقال : إن حالته ميؤوسٌ منها، ولا يمكننا أن نعمل له شيئاً ..
يقول: فأحسست فجأةً أن لا تعلّق لي بهذا البدن، فتحرّكت وعبرت من سقف المستشفى وطرت، فارتفع صوت زوجتي وأولادي وصراخهم من الغرفة، فجاء الأطباء والممرضون.. وقالوا: إن المسألة قد انتهت. وهكذا صعدتُ أكثر فأكثر، حتى وصلتُ إلى السماء الأولى فرأيت الملائكة هناك وقاموا باستقبالي، وبعدها صعدت إلى السماء الثانية كذلك، وهكذا حتّى وصلت إلى السماء الرابعة أو الخامسة ، فرأيتُ النبيّ والأئمّة صلوات الله عليهم حاضرين هناك.. رأيت رسول الله وفاطمة الزهراء وأهل البيت عليهم السلام كلّهم موجودين ، فجئت وجلست إلى جانبهم، فضمنّي النبي إلى صدره وقال لي : أهلا وسهلاً بك يا ولدي (ذلك أنّ هذا الشخص كان سيّداً)، كما قام الجميع باحترامي والاهتمام بي وقبّلوني، وأنا من شدّة حالة الوجد التي شعرت بها لم أدر، ما الأمر، لقد كنت لتوّيً في المشفى فإذا بي هنا، أين ذلك المكان من هذا، ما الأمر؟! في هذه الأثناء جاءت الملائكة وأعطوا للنبي الأكرم رسالة، وقالوا له : يجب أن تمضي على هذه الرسالة، لقد كان في تلك الرسالة جواز خروجه من هذا العالم إلى ذلك العالم، فقام النبي بإمضائها ثم أعطاها لأمير المؤمنين، فأمضاها ثم أعطاها للأئمة واحداً واحداً ـ وأنا لم أكن أريد أن أرجع من ذلك العالم ـ وهكذا حتى وصلت الرسالة إلى إمام الزمان، فنظر الإمام فيها وقال: أنا لا أمضي على هذه الرسالة. لماذا لا تمضي هذه الرسالة؟! فالتفت [صاحب الزمان] إلى النبي وقال: لقد توسّلت زوجته بي الآن حتى أشفيه، وأنا لا أستطيع أن أردّ حاجتها، فأَرجَع تلك الرسالة للملائكة، ثم أرجعتني الملائكة مرّة أخرى إلى هذا العالم، وإذ بي أشعر أنّني في المستشفى، فنهضت وجلست، فإذا بالأصوات ترتفع من حولي: "لقد عاد! لقد عاد! هل حدثت معجزة؟ لقد مات هذا الرجل ، ثمّ عاد!" وبعد ذلك بدأت أوبّخ زوجتي أن: "لماذا أرجعتموني ؟ لماذا فصلتموني من تلك السعادة ؟!" إنّ هذه الأمور واقعية أيّها الإخوة! فهذه حقائق بُيّنت لنا، إنّ هؤلاء يذهبون ويرون ماذا هناك، ويشاهدون أنّها متطابقة مع ما سمعناه!

    

ماذا نطلب من الله في ليلة القدر ؟

إنّ هذه الليلة هي ليلة إمام الزمان عليه السلام، فما الدعاء الذي ينبغي أن ندعو به؟! لقد انتهى الوقت، وكنت أودّ الحديث عن أمور كثيرة! ما الدعاء الذي ينبغي أن ندعو به؟ الدعاء لنفس هذا الإمام عليه السلام أوّلاً، ثم الدعاء بحسن العاقبة والختم بالخير، أن تكون عاقبة أمرنا خيراً: (اللهمّ اجعل عواقب أمورنا خيراً)، إنّ دعاء حسن العاقبة من الأدعية المهمّة واقعاً!
إلهي اجعلنا واجعل طريقنا بحيث إذا قيل لنا: "تفضلوا! [لترحلوا عن هذه الدنيا]".. إذا قيل لنا ذلك، بادرنا بالإجابة دون انتظار أو صبر! بأن نكون دائماً مستعدّين وحاضرين، بل ينبغي أن نكون نحن الذين نتحرّك في ذاك الاتجاه.
كم رأينا من الأشخاص الذين كانوا في البداية صالحين، ثم انحرفوا في نهاية حياتهم! نفس عبد الرحمن بن ملجم المرادي الذي أنزل هذه المصيبة على عالم الحقيقة وعالم الواقع ونفس الأمر، وجعل جميع العالم في حالة عزاء.. من كان هذا الرجل؟ هل كان من أوّل أمره كذلك؟ يحدّثنا التاريخ بأنّه في عهد عثمان أرسل شخصاً لتولي اليمن باسم حبيب بن المنتخب، وبقي في الحكم إلى وفاة عثمان، ثم يقرّه أمير المؤمنين على عمله بعد قتل عثمان، وكان رجلاً جيداً! فعندما وصله كتاب أمير المؤمنين عليه السلام قبّله وصعد المنبر، وأخبر الناس بقتل عثمان وطلب منهم البيعة لأمير المؤمنين. ثم اختار من الناس عشرة أشخاص وأرسلهم إلى المدينة لإتمام البيعة للإمام، وكان على رأسهم عبد الرحمن بن ملجم المرادي، وكانوا قد أرسلوا أتقياءهم والممدوحين لديهم وعلمائهم. وعندما وردوا على أمير المؤمنين عليه السلام، بدأ كل منهم بالمدح والثناء عليه، وفي النهاية وصلت النوبة إلى ابن ملجم، فذكر الإمام بأوصاف وكمالات: "السلام عليك أيها الإمام العادل ، السلام عليك أيّها البدر التمام..." ، وشرع ببيان أوصاف الإمام، فرضي الإمام ذلك منه، ثم سأله عن اسمه، فقال: اسمي عبد الرحمن! فسأله الإمام: ابن من؟ فقال: ابن ملجم المرادي! فقال الإمام: أنت المرادي؟، قال: نعم! فقال الإمام: إنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم! فتعجب الجميع من ذلك! عندما يسمع الإمام باسم المرادي يسترجع!
حسناً، لماذا انتهى أمره بهذه الطريقة؟ ولماذا ينبغي أن يكون ذلك؟ كل ذلك بسبب الغفلة...
ثم قال الإمام: أريد حياته ويريد قتلي.
وعندما خرج الوفد دعاه الإمام مرة أخرى، وطلب منه البيعة فبايعه ومضى، وللمرة الثالثة يطلب الإمام منه البيعة! فشكّ ابن ملجم فيسأله: لماذا يا علي تتعامل معي كذلك؟ فأجاب الإمام: سوف ترى قريباً أيّة مصيبة ستجنيها يداك في هذا العالم!

    

شهادة أمير المؤمنين حقيقة ثابتة فوق الزمان و المكان

يقول الإمام الحسن عليه السلام: عندما ضرب ابن ملجم والدي، وصار وضعه وخيماً، واقتربت الساعات الأخيرة من حياته، فثقل حاله! حينئذٍ، جمعنا عنده وأوصانا.. (وهذه الوصية موجودة في نهج البلاغة)، ثم توجّه إليّ وقال: يا حسن، عندما تفارق روحي بدني، فغسّلني وحنّطني ببقايا حنوط جدك رسول الله، والتي جاء بها جبرائيل من الجنة للنبي، ثمّ كفّني واحمل جنازتي من الخلف، فإن جبرائيل وميكائيل يحملان مقدّمها، ولذا احملوا أنتم الجنازة من الخلف، وعندما يضعان الجنازة على الأرض فضعوها، واحفروا هناك، وسوف ترى قبراً محفوراً ولحداً مثقوباً كان أبي نوح قد حفره لي قبل الطوفان بسبعمائة عام، ثم ألحدني وضع الأحجار، ثم قبل أن تنهض ارفع إحداها فلن تراني! واعلم أني قد لحقت بجدك بأخي رسول الله، والله بأنه ما من نبي يموت في أي مكان في العالم فسوف يجمع بينه وبين روح وصيّه بعد وفاته، وبعد مدّة يُرجِعه إلى مكان دفنه الأصلي.
يقول الإمام المجتبى عليه السلام: لقد انتقل والدي إلى رحمة الله، فقمت بتغسيل جثمانه المبارك. يقول محمد بن الحنفية: أقسم بالله! أني شاهدت الإمام الحسين عليه السلام يصبّ الماء، والإمام الحسن يغسّله، وكان الجسد يتقلّب وحده يميناً ويساراً. ثم نادى الإمام الحسن عليه السلام أخته زينب وقال لها: ناوليني بقية الحنوط التي حنّط بها جدّك رسول الله وأمّك فاطمة الزهراء، ولما فتحه فحّت رائحته ووصلت إلى جميع الكوفة، ثم كفّن أمير المؤمنين عليه السلام ووضع على سرير، وخرج مع بعض أصحابه وأهل السرّ في جوف الليل، وكان مقدّم السرير يسير، ونحن نحمل مؤخّره فقط. يقول محمد بن الحنفية: والله ما مرّت الجنازة بحائط ولا شجرة إلا وانحنت له، وتواضعت أمام أمير المؤمنين عليه السلام. واستمرت الجنازة بالمسير إلى أن وصلت إلى المكان الفعلي للقبر فوضعت على الأرض، فقمنا بالحفر ووجدنا ما كان أمير المؤمنين قد أخبرنا به؛ حيث وجدوا لوحاً مكتوباً باللغة السريانية: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا قبر علي بن أبي طالب وصي رسول الله صلى الله عليه وآله، الذي حفره نوح النبي بسبعمائة عام قبل الطوفان. فوضعوا جسد الإمام في القبر، ولحّدوه كما أمرهم الإمام، ثم نزع الإمام المجتبى عليه السلام أحد أحجار اللحد فلم ير الجسد في القبر، وبعد مدّة، أعاد النظر فوجده في القبر. في هذه الأثناء، قام الإمام الحسن بالصلاة عليه طبقاً لوصية الإمام، وبعد الصلاة نظر إلى قبره قبل إهالة التراب عليه، فرأى الجسد مغطى بثوب من سندس أخضر، فكشف الإمام الحسن ذاك الثوب من جهة الرأس فشاهد النبي الأكرم جالساً مع آدم وإبراهيم الخليل عليهم السلام يتحدّثون معه، وكشف الإمام الحسين الثوب من جهة الرجلين فرأى أمه فاطمة الزهراء سلام الله عليها وحواء وآسية والسيدة مريم ينُحن عليه. ثمّ أهالوا التراب على القبر الشريف...
وبعد ذلك، أتى صعصعة بن صوحان الذي كان من أصحاب أمير المؤمنين وتناول قبضة تراب وأهالها على رأسه وقال: هنيئاً لك يا أبا الحسن، فلقد طاب مولدك، وقوي صبرك، وعظم جهادك، ثم توجّه إلى الإمام المجتبى وسيّد الشهداء وسائر أولاده وعزّاهم بمصابهم. ثم عادوا إلى الكوفة.
ورد في بعض التواريخ بأنّهم عندما وصلوا إلى ظهر الكوفة سمعوا أنيناً يصدر من خرابة هناك، فذهبوا إلى حيث الصوت، فرأوا شيخاً أعمى يبكي ويقول: يا من كنت تأتيني كلّ ليلة وكنت تعطف عليّ وترحمني، ما الذي شغلك عني؟ ولم تعد تأتيني؟ فقال له الإمام المجتبى: ماذا تقول؟ فقال: في كلّ ليلة كنت أنتظر شخصاً يأتيني بالخبز والتمر ويسألني عن أحوالي، فقال له: هل له خصوصيات وآثار معينة؟ فقال: من خصوصياته أنه عندما يضع رجله في هذا المكان، كنت أسمع صوت تسبيح وتقديس يصدر من الحيطان والذرات والحجارة الموجودة هنا، وكانت تسبّح بتسبيحه، فعزاه الإمام المجتبى به وقال له: ذاك هو أبي، وقد ودّع هذه الدنيا الفانية منذ ثلاث ليالي بضربة من سيف ظالمٍ.
إنّنا الآن نشعر بالحضور المعنوي لأمير المؤمنين عليه السلام هنا، فالإمام عليه السلام هو قلب عالم الوجود، وهو مرتبط بتمام ذرّات العالم، ومصيبته مصيبة على الجميع.
ينقل أبو حمزة الثمالي عن الإمام الصادق عليه السلام رواية، يقول: بعد قتل أمير المؤمنين عليه السلام، ما رُفع حجر، لثلاثة أيام، إلا وجد تحته دم عبيط[12] ، وقد أمطرت السماء دماً في الكثير من البلاد، منها بيت المقدس. إنّ هذا الأمر واقعي؛ إذ قلب العالم قد ترك عالم الملك إلى عالم الملكوت، وجميع الوقائع في حالة تحوّل. ألم ينقل بأنه في الليلة التي ضرب فيها أمير المؤمنين عليه السلام صاح جبرائيل بين السماء والأرض: "تهدمت والله أركان الهدى وانفصمت العروة الوثقى، قتل علي المرتضى، قتله أشقى الأشقيا". فهذه الحقيقة جارية في جميع عوالم الوجود، والجميع مطّلع على هذه المصيبة ومغموم لأجلها. لقد نقل الكثير من الأشخاص بأنهم شاهدوا بأنفسهم ما كان قد جرى من أمور في ليلة الحادي والعشرين من شهر رمضان المبارك، ولا زالت هذه الحقائق موجودة إلى الآن، ولا زالت هذه المصيبة موجودة.

و ما أجمل الطريقة التي يصف فيها المرحوم الكمپاني رضوان الله عليه حالات هذه المصيبة في أشعاره [(بإمكان الزوار الكرام الاستماع إلى أبيات العزاء و الأدعية التي تليه من خلال هذا الرابط). (إدارة الموقع)]:
خم گردون دون، لبريز خون است
                             به كام باده نوشان واژگون است
هر آشوبى است در ملك وشهادت
                             ز شور عالم غيب مصون است
اگر شورى ندارد عقل رهبر
                             چرا سر گشته دشت جنون است؟
مگر بالا بلند رايت دين
                             ز تيغ ابن ملجم سرنگون است؟
ز خون، محراب و مسجد لاله گون است
                             اميرالمؤمنين غرقاب خون است

(يقول: إنّ دنّ شراب الدهر طافح بالدماء، و كؤوس الشاربين مقلوبة
إنّ كلّ انقلاب يحلّ في عالم الملك والشهادة، فإنّ منشأه عالم الغيب المصون
فلولا أنّ حماساً قد حلّ في عقل قائد الجيش، لما رأيته يهيم حيراناً في وادي الجنون
ماذا جرى؟ هل نُكّست راية الدين العليا بسيف ابن ملجم؟
إنّ المحراب والمسجد ـ بسبب الدماء ـ باتا كالوردة الحمراء
فأمير المؤمنين عليه السلام غارق بالدماء)
چرا نبود رعيت را رعايت
                             مگر رفت از جهان شاه ولايت؟
ز خون، محراب و مسجد لاله گون است
                             اميرالمؤمنين غرقاب خون است

(يقول: لماذا ليس هناك رعاية للرعية؟! هل رحل من العالم صاحب الولاية؟!
إنّ المحراب والمسجد ـ بسبب الدماء ـ باتا كالوردة الحمراء
فأمير المؤمنين عليه السلام غارق بالدماء)
چرا اسلام مى نالد ز غربت
                             مگر رفتش ز سر ظل حمايت؟
ز خون، محراب و مسجد لاله گون است
                             اميرالمؤمنين غرقاب خون است

(يقول: و لماذا يبكي الإسلام من الغربة؟! هل زال عنه ظلّ الحماية؟
إنّ المحراب والمسجد ـ بسبب الدماء ـ باتا كالوردة الحمراء
فأمير المؤمنين عليه السلام غارق بالدماء)
چرا از نو حرم بيت الصّنم شد
                             مگر ويران شد اركان هدايت؟
ز خون، محراب و مسجد لاله گون است
                             اميرالمؤمنين غرقاب خون است

(يقول: ولماذا عاد الحرم بيتاً للأصنام من جديد؟! أفهل تهدّمت أركان الهداية
إنّ المحراب والمسجد ـ بسبب الدماء ـ باتا كالوردة الحمراء
فأمير المؤمنين عليه السلام غارق بالدماء)
چرا قرآن قرين سوز و ساز است
                             مگر شد هر سوره محو و هر آيت؟
ز خون، محراب و مسجد لاله گون است
                             اميرالمؤمنين غرقاب خون است

(يقول: و لماذا صار القرآن قريناً للحزن و الحرقة؟! أوهل مُحيت كلّ سورة و كلّ آية
إنّ المحراب والمسجد ـ بسبب الدماء ـ باتا كالوردة الحمراء
فأمير المؤمنين عليه السلام غارق بالدماء)
چرا سنت زند بر سينه و سر
                             مگر از حادثى دارد روايت؟
ز خون، محراب و مسجد لاله گون است
                             اميرالمؤمنين غرقاب خون است

(يقول: ولماذا تلطم السنّة صدرها و رأسها؟! أفهل عندها عن حادثٍ رواية؟
إنّ المحراب والمسجد ـ بسبب الدماء ـ باتا كالوردة الحمراء
فأمير المؤمنين عليه السلام غارق بالدماء)
چرا خونابه مى بارد ز گردون
                             مگر از غصّه اى دارد شكايت؟
ز خون، محراب و مسجد لاله گون است
                             اميرالمؤمنين غرقاب خون است

(يقول: ولماذا تمطر السماء دماً؟! هل عندها ـ من غصّة تحرقها ـ شكاية؟!
إنّ المحراب والمسجد ـ بسبب الدماء ـ باتا كالوردة الحمراء
فأمير المؤمنين عليه السلام غارق بالدماء)
إذا ذهبنا بعين القلب إلى الكوفة هذه الليلة، و نظرنا إلى منزل أمير المؤمنين عليه السلام، فكيف يا ترى ستكون حالة أبنائه و بناته صلوات الله عليهم؟! يُنقل أنّه لمّا ارتحل أمير المؤمنين عليه السلام من هذه الدنيا الفانية إلى الدار الباقية، فإنّ صوت بكاء ذرّيته و أبنائه ارتفع، بل إنّ كل مدينة الكوفة غرقت في البكاء و العويل، ويقال: أنّ الناس رأوا و سمعوا قبائل الجنّ أيضاً تبكي عليه، و نحن بدورنا كذلك فلنذهب إلى هناك، فالطريق ليس بعيداً، فلنذهب و لنشارك أبناءه بالبكاء و الحزن في مصيبتهم، و لننادي كما ينادون:
وا محمّداه .. وا محمّداه
وا علياه.. واعليّاه
وا حمزتاه.. وا حمزتاه
وا جعفراه.. وا محمداه.. وا حمزتاه.. وا علياه.. وا جعفراه.

إنّ آثار استجابة الدعاء ظاهرة! فلنفرض أنفسنا في حرم أمير المؤمنين عليه السلام، و لنقدّم فرق رأسه المشقوق شفيعاً بين يدينا، و لنستحضر ذنوبنا، ولنتب من جميع ذنوبنا وخطايانا إلى الله تعالى، قولوا معاً عشر مرّات:
إلهي العفو! إلهي العفو! إلهي العفو! إلهي العفو! إلهي العفو! إلهي العفو! إلهي العفو! إلهي العفو! إلهي العفو! إلهي العفو!
استحضروا ذنوبكم، و استغفروا منها !
افتحوا المصاحف وضعوها مقابل وجهكم:
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم إني أسألك بكتابك المنزل وما فيه وفيه اسمك الأكبر وأسماؤك الحسنى وما يخاف ويرجى أن تجعلني من عتقائك من النار .

أغلقوا المصاحف الآن و ضعوها على رؤوسكم:
اللهم بحقّ هذا القرآن، وبحقّ من أرسلته به، وبحقِّ كلِّ مؤمن مدحته فيه، وبحقّك عليهم فلا أحد أعرف بحقّك منك.
بك يا الله .. بك يا الله .. بك يا الله .. بك يا الله .. بك يا الله .. بك يا الله .. بك يا الله .. بك يا الله .. بك يا الله .. بك يا الله .
إلهي بمحمد.. إلهي بمحمد.. إلهي بمحمد.. إلهي بمحمد.. إلهي بمحمد.. إلهي بمحمد.. إلهي بمحمد.. إلهي بمحمد.. إلهي بمحمد.. إلهي بمحمد..
إلهي بعليّ.. إلهي بعليّ.. إلهي بعليّ.. إلهي بعليّ.. إلهي بعليّ.. إلهي بعليّ.. إلهي بعليّ.. إلهي بعليّ.. إلهي بعليّ.. إلهي بعليّ..
إلهي بفاطمة.. إلهي بفاطمة.. إلهي بفاطمة.. إلهي بفاطمة.. إلهي بفاطمة.. إلهي بفاطمة.. إلهي بفاطمة.. إلهي بفاطمة.. إلهي بفاطمة.. إلهي بفاطمة..
إلهي بالحسن.. إلهي بالحسن.. إلهي بالحسن.. إلهي بالحسن.. إلهي بالحسن.. إلهي بالحسن.. إلهي بالحسن.. إلهي بالحسن.. إلهي بالحسن.. إلهي بالحسن..
إلهي بالحسين.. إلهي بالحسين.. إلهي بالحسين.. إلهي بالحسين.. إلهي بالحسين.. إلهي بالحسين.. إلهي بالحسين.. إلهي بالحسين.. إلهي بالحسين.. إلهي بالحسين..
إلهي بعلي بن الحسين.. إلهي بعلي بن الحسين.. إلهي بعلي بن الحسين.. إلهي بعلي بن الحسين.. إلهي بعلي بن الحسين.. إلهي بعلي بن الحسين.. إلهي بعلي بن الحسين.. إلهي بعلي بن الحسين.. إلهي بعلي بن الحسين.. إلهي بعلي بن الحسين..
إلهي بمحمد بن علي.. إلهي بمحمد بن علي.. إلهي بمحمد بن علي.. إلهي بمحمد بن علي.. إلهي بمحمد بن علي.. إلهي بمحمد بن علي.. إلهي بمحمد بن علي.. إلهي بمحمد بن علي.. إلهي بمحمد بن علي.. إلهي بمحمد بن علي..
إلهي بجعفر بن محمد.. إلهي بجعفر بن محمد.. إلهي بجعفر بن محمد.. إلهي بجعفر بن محمد.. إلهي بجعفر بن محمد.. إلهي بجعفر بن محمد.. إلهي بجعفر بن محمد.. إلهي بجعفر بن محمد.. إلهي بجعفر بن محمد.. إلهي بجعفر بن محمد..
إلهي بموسى بن جعفر.. إلهي بموسى بن جعفر.. إلهي بموسى بن جعفر.. إلهي بموسى بن جعفر.. إلهي بموسى بن جعفر.. إلهي بموسى بن جعفر.. إلهي بموسى بن جعفر.. إلهي بموسى بن جعفر.. إلهي بموسى بن جعفر.. إلهي بموسى بن جعفر..
إلهي بعلي بن موسى.. إلهي بعلي بن موسى.. إلهي بعلي بن موسى.. إلهي بعلي بن موسى.. إلهي بعلي بن موسى.. إلهي بعلي بن موسى.. إلهي بعلي بن موسى.. إلهي بعلي بن موسى.. إلهي بعلي بن موسى.. إلهي بعلي بن موسى..
إلهي بمحمد بن علي.. إلهي بمحمد بن علي.. إلهي بمحمد بن علي.. إلهي بمحمد بن علي.. إلهي بمحمد بن علي.. إلهي بمحمد بن علي.. إلهي بمحمد بن علي.. إلهي بمحمد بن علي.. إلهي بمحمد بن علي.. إلهي بمحمد بن علي..
إلهي بعلي بن محمد.. إلهي بعلي بن محمد.. إلهي بعلي بن محمد.. إلهي بعلي بن محمد.. إلهي بعلي بن محمد.. إلهي بعلي بن محمد.. إلهي بعلي بن محمد.. إلهي بعلي بن محمد.. إلهي بعلي بن محمد.. إلهي بعلي بن محمد..
إلهي بالحسن بن علي.. إلهي بالحسن بن علي.. إلهي بالحسن بن علي.. إلهي بالحسن بن علي.. إلهي بالحسن بن علي.. إلهي بالحسن بن علي.. إلهي بالحسن بن علي.. إلهي بالحسن بن علي.. إلهي بالحسن بن علي.. إلهي بالحسن بن علي..
إلهي بالحجّة القائم .. إلهي بالحجّة القائم .. إلهي بالحجّة القائم .. إلهي بالحجّة القائم .. إلهي بالحجّة القائم .. إلهي بالحجّة القائم .. إلهي بالحجّة القائم .. إلهي بالحجّة القائم .. إلهي بالحجّة القائم .. إلهي بالحجّة القائم ..
نسألك اللهم و ندعوك ونقسم عليك و نرجوك بحقّ محمد و آله يا الله يا الله يا الله،
يا ربّ اغفر لنا و تب علينا، يا ربّ لا تأخذنا من هذه الدنيا قبل أن تغفر لنا و تعفو عنّا،
يا ربّ أجر قلم عفوك على جميع أعمالنا، يا ربّ ضعنا على صراط أوليائك
يا ربّ اجعل حياتنا حياة محمّد و آل محمد ، و مماتنا ممات محمد و آل محمد صلواتك عليهم أجمعين
إلهي، وفّقنا لزيارتهم في هذه الدنيا، ولا تحرمنا شفاعتهم في الآخرة
اللهمّ عجّل في فرج صاحب الزمان عليه السلام، و اجعلنا من أصحابه الواقعيين و المنتظرين الحقيقيين لفرجه
اللهم اقض جميع حوائج شيعة أمير المؤمنين عليه السلام
عظم البلاء وبرح الخفاء وانكشف الغطاء وانقطع الرجاء ،
وضاقت الأرض ومنعت السماء وأنت المستعان وإليك المشتكى ،،
وعليك المعول في الشدّة والرخاء ،

اللهمّ صلّ على محمد وآل محمد أولي الأمر الذين فرضت علينا طاعتهم ،
وعرفتنا بذلك منزلتهم ، ففرج عنا بحقهم فرجاً عاجلاً قريباً كلمح البصر أو هو أقرب من ذلك،

يا محمد يا علي يا علي يا محمد اكفياني فإنّكما كافيان وانصراني فإنكما ناصران،
يا مولاي يا صاحب الزمان الغوث الغوث الغوث ، أدركني أدركني أدركني ،
العجل العجل العجل ، الساعة الساعة الساعة ، برحمتك يا أرحم الراحمين ،

لنقرأ الفاتحة لجميع شيعة أمير المؤمنين الذين تشرّفوا بالارتحال من هذه الدنيا إلى الدار الباقية.
[اللهم صلّ على محمد و آل محمّد]


[1] ـ سورة الرعد (13) ، الآية 39

[2] ـ سورة الدخان ، الآيات من 1 5.

[3] ـ العلّي نسبة إلى العلّة.

[4] ـ سورة الحجر (15)، مقطع من الآية 29. وسورة ص (38) ، مقطع من الآية 72.

[5] ـ سورة الدخان (44) ، جزء من الآية 3.

[6] ـ سورة المؤمنون (23) ، الآيات من 1 3.

[7] ـ سورة القصص (28) ، الآية 5.

[8] ـ عن الصادق عليه السلام قال: إذا كان ليلة القدر، نزلت الملائكة والروح والكتبة إلى السماء الدينا، فيكتبون ما يكون في قضاء الله في تلك السنة. بحار الأنوار، ج 4، ص 99. المترجم

[9] ـ يشير سماحته إلىى هذه الرواية: عن عليّ بن أبي حمزة الثمالي قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فقال له أبو بصير: جعلت فداك الليلة التي يرجى فيها ما يرجى؟ فقال: في إحدى وعشرين أو ثلاث وعشرين قال: فإن لم أقو على كلتيهما؟ فقال: ما أيسر ليلتين فيما تطلب قلت: فربّما رأينا الهلال عندنا وجاءنا من يخبرنا بخلاف ذلك من أرض أخرى فقال: ما أيسر أربع ليال تطلبها فيها، قلت: جعلت فداك ليلة ثلاث وعشرين ليلة الجهني، فقال: إنَّ ذلك ليقال، قلت: جعلت فداك إنَّ سليمان بن خالد روى في تسع عشرة يكتب وفد الحاج، فقال لي: يا أبا محمد وفد الحاج يكتب في ليلة القدر والمنايا والبلايا والأرزاق وما يكون الى مثلها في قابل؛ فاطلبها في ليلة إحدى وعشرين وثلاث وعشرين وصلِّ في كلِّ واحدة منهما مائة ركعة وأحيهما إن استطعت الى النور واغتسل فيهما، قال: قلت: فإن لم أقدر على ذلك وأنا قائم؟ قال: فصلِّ وأنت جالس، قلت: فإن لم أستطع؟ قال: فعلى فراشك، لا عليك أن تكتحل أوّل الليل بشيء من النوم، إنَّ أبواب السماء تفتح في رمضان وتصفّد الشياطين وتقبل أعمال المؤمنين؛ نعم الشهر رمضان كان يسمّى على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله المرزوق. [ وسائل الشيعة ج10 ص355] و أمّا المراد بليلة الجهني التي جاء ذكرها في الرواية فيتضح من الرواية التالية عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ إِنَّ الْجُهَنِيَّ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي إِبِلًا وَغَنَماً وَغَلَّةً فَأُحِبُّ أَنْ تَأْمُرَنِي بِلَيْلَةٍ أَدْخُلُ فِيهَا فَأَشْهَدُ الصَّلَاةَ وَذَلِكَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم فَسَارَّهُ فِي أُذُنِهِ فَكَانَ الْجُهنِيُّ إِذَا كَانَ لَيْلَةُ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ دَخَلَ بِإِبِلِهِ وَغَنَمِهِ وَاهْلِهِ إِلَى مَكَانِهِ. و اسم الجهني عبد الرحمن بن أنيس الأنصاري وسائل الشيعة ج 10 ص 360.

[10] ـ سورة التوبة (9)، جزء من الآية 105

[11] ـ يشير سماحته إلى الرواية التالية: علي، عن أبيه، عن القاسم بن محمد، عن الزيات، عن عبدالله بن أبان الزيات وكان مكينا عند الرضا (عليه السلام) قال: قلت للرضا (عليه السلام): ادع الله لي ولأهل بيتي فقال: أولست أفعل؟ والله إن أعمالكم لتعرض علي في كل يوم وليلة، قال: فاستعظمت ذلك، فقال لي: أما تقرأ كتاب الله عزّ وجلّ: " وقل اعملوا فسيرى الله عملكم و رسوله والمؤمنون "؟ قال: هو والله علي بن أبي طالب عليه السلام. الكافي الجزء الأول ص 220.

[12] ـ العبيط من الدم الخالص الطري.

      
  

جميع الحقوق محفوظة لـ موقع المتقين www.motaghin.com ويسمح باستخدام المعلومات بشرط الإشارة إلى المصدر.

© 2008 All rights Reserved. www.Motaghin.com


Links | Login | SiteMap | ContactUs | Home
عربی فارسی انگلیسی