معرض الصور المحاضرات صوتيات المكتبة سؤال و جواب اتصل بنا الرئیسیة
 
اعتقادات و كلام أخلاق حکمة عرفان العلمي و الإجتماعي التاریخ القرآن و التفسير
المكتبة > محاضرات آية الله السيد محمد محسن الطهراني > سلسلة محاضرات شرح حديث عنوان البصري > شرح حديث عنوان البصري - من المجلس رقم 201 إلى الأخير > شرح حديث عنوان البصري ـ الجلسة 214 الغاية من تنظيم البرنامج الغذائي وكيفيته

_______________________________________________________________

هو العليم

الغاية من تنظيم البرنامج الغذائي وكيفيته

شرح حديث عنوان البصري ـ المحاضرة رقم 214

ألقيت في الأول من شهر ربيع الثاني سنة 1435

سماحة آية الله

السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهراني
حفظه الله

_______________________________________________________________

تحميل ملف البد دي أف تحميل ملف البد دي أف

أعوذ باللـه من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلَّى اللـه على سيِّدنا ونَبيِّنا أبي القاسم محمّد
(اللهمَّ صلِّ على محمّدٍ وآل محمّد)
وعلى آله الطيّبين الطاهرين واللعنة على أعدائِهم أجمعين

    

الغاية من تنظيم البرنامج الغذائي

إذا يتذكر الإخوة، فقد تقدّم في الجلسات السابقة الكلام عن كيفية التغذية؛ وبالطبع فقد كان يطرأ أحياناً طارئٌ يؤدّي بنا إلى قطع البحث في هذا الموضوع، ليستطرد البحث في الحديث عن أمور أخرى، ثمَّ نعود إليه ثانيةً.
من جملة ما سمعناه وتعلّمناه من العظماء من خلال معاشرتنا لهم، أنَّ على الإنسان أن يقوم بتنظيم برنامجه الغذائي؛ بالشكل الذي يمكِّنه من الاستفادة من هذا المركب (البدن) على أحسن وجه؛ أمّا إذا أصبح الإنسان واقعاً تحت سيطرة البدن وتسخيره، فلن يتمكّن والحال هذه من التطور والتكامل، بل سيبقى قابعاً في ذلك المستوى.
لذا فمن بين الأمور التي لا بد من التركيز عليها والاهتمام بها هو: أنه لا ينبغي أن يشغل الإنسان فكره بكيفيّة الطعام الذي سيتناوله؛ كأن يقول: ما الذي سآكل هذه الليلة؟ وماذا سأتناول في الغد؟ وبعد الغد؟ بحيث إذا طرأ تغيّر ما على برنامجه الغذائي، فسوف يتأثر لذلك وينفعل! فهذه المسألة شأنها شأن سائر المسائل الأخرى تسبب الخمود والركود والسكون للإنسان.
مثلاً تجد شخصاً فكره مشغول دائماً في كيفيّة الاستمتاع بنوع من اللذات؛ فتكون جميع حركاته وسكناته في ذهابه وإيابه، وعندما يكون في سيارته بتوزيع نظراته هنا وهناك، أو عندما يكون في محل عمله يكون همّه منصبّاً على متابعة هذه المسألة؛ فمثل هذا الشخص لا يستطيع الترقِّي أبداً. نحن لا نقول بحرمة السعي وراء هذه الأمور؛ كلاّ، فهي ليست محرّمة، ولكنّها ليست ضروريّة. فهذه الدنيا إنما هي للاستفادة منها في الحركة والعبور، لا للتوقف والاستقرار، ويجب التصرّف بالشكل الذي لا يجعل هذه الأمور تشغل فكر ونفس الإنسان وتحرفها عن التوجّه إلى الله؛ وإلا فلسوف ينصرف الإنسان عن التوجُّه شاء أم أبى، فالشخص الذي يوظّف كلّ وقته في هذا الاتجاه لمجرّد أن هذا الموضوع مباح شرعاً، يكون قد خسر ولم يجنِ من حياته نفعاً، وسنتحدّث لاحقاً عن هذا الموضوع بتفصيل أكثر.
وكذلك الأمر مع موضوع الغذاء، فالشخص الذي يكون كلّ همّه وغمّه التفكير في نوع الغذاء الذي سيتناوله وما هي الأمور التي توجب له التذاذًا نفسانيًا، بحيث إذا ما حصل خلل قليل في هذا الشأن تراه يتضايق ويغضب؛ فمن يفكّر بهذه الطريقة ويتصرّف بهذا الشكل، فإنّ ذهنه ونفسه يتسافلان شيئاً فشيئًا إلى مستوى البهائم؛ فهذا الأمر من شأن الحيوانات، فالحيوان ينتخب أفضل الأعشاب ليتغذّى عليها؛ وإن كان حيواناً مفترساً يختار أطيب الصيد لحماً ليقوم باصطياده، وهو لا يراعي في فعله هذا المواصفات الخاصّة لذلك الطعام. طبعاً نشاهد أحياناً بأنَّ بعض الحيوانات قد تكون أفضل من البشر؛ فنرى من الحيوانات بعض التصرّفات التي تجعل الإنسان يخجل معها أن يُطلِق على نفسه اسم إنسان.
أمّا الحيوان فهذا حاله، فقد خلق الله الحيوان على هذه الشاكلة؛ فإن أراد الإنسان أن يتوقّف عند تلك الدرجة من البهيميّة والحيوانية وينشغل بها، فإنّ نفسه ستتوقف عند تلك الدرجة وستفقد القدرة على الحركة والترقّي والصعود في سيرها.. يعني أنّ هذا الإنسان سيقف عند تلك المرتبة دون أن يترقّى، فمعوّقات السير متفاوتة للأشخاص المختلفين، ولكل منهم مشاكله وعوائقه الخاصّة به، و هذا واحد منها.

    

مراعاة العظماء لحالهم في اختيارهم نوع الطعام

ما كنَّا نشاهده في أحوال العظماء وكذلك ما جاء في الروايات ـ سنتطرق لتوضيح بعض المسائل الموجودة في الروايات في المجالس القادمة إن شاء الله ـ هو أنَّهم لم يكونوا يدقِّقون بشأن موضوع الطعام، بل ما كانوا يهتمّون به هو تناول الطعام المناسب لهم ولحالهم وحركتهم في هذا الطريق؛ فلم يكونوا يتناولون الأطعمة التي تزيد من غِلْظ الدّم، أو تسبّب ثقلاً للجسم، أو تلك التي يستغرق هضمها الكثير من الوقت؛ لأنّها ـ بلا شكّ ـ تترك أثرها على أحوالهم الروحيّة وتوجّههم [إلى الله], وكانوا يراعون خصوصيّات حالاتهم؛ وهذا الأمر يستطيع كلّ شخص أن يتوصّل إليه بنفسه ويفهمه. لقد كانوا يصدرون أمراً عاماً للجميع بتناول اللحم مرّتين في الأسبوع، أو ثلاث مرّات كحدٍّ أقصى، ولعلّنا لا نُعير هذا الموضوع الكثير من الاهتمام، فنقوم بتناول كلّ ما يكون في متناول أيدينا من الأطعمة؛ ولكنَّ الإنسان لو اهتمّ ودقّق بشكل أكبر في هذا الأمر ، لرأى بنفسه ما له من تأثير على حالاته الروحيّة.
كما كان طعامهم يختلف باختلاف الأوقات و الحالات، فمثلاً في بعض الأوقات كان العظماء يوصون بعض تلاميذهم بالامتناع عن تناول اللّحم بشكل كامل؛ وسرّ ذلك أنّ نفس الإنسان هنا تمرّ بحالةٍ خاصّة وظرفٍ خاصّ يقتضي أن يمتنع عن ذلك، علماً أنّني قليلاً ما رأيت المرحوم العلاّمة ـ رضوان الله عليه ـ يصدر أمراً للأفراد بترك تناول المنتجات الحيوانية بهذا الشكل، فموارد اجتناب المواد الحيوانيّة مختلفة؛ بعضها متعلّق بالتغذية والطعام، واجتنابها في الطعام بدوره له مراتب متفاوتة أيضاً، و يمكن أن تكون في غير مسألة التغذية كاللباس مثلاً.

    

تأثير الطعام على الحقيقة المثاليّة والملكوتية للسالك

وهذا الأمر مبنيٌ على ذلك الأساس الفلسفي الذي كنت قد بيّنته للإخوة وهو: إن لكلّ شيء في هذا العالم حقيقة مثاليّة وملكوتيّة، بحيث يكون لهذه الحقيقة الملكوتية مع تلك الحقيقة الملكيّة والناسوتيّة تأثير على ملكوت ومثال الشخص؛ فإذا ما اتّبع الإنسان برنامجاً غذائياً خاصّاً، فستترك تلك الحقيقة المثاليّة والملكوتيّة لذلك الغذاء أثرها على الشخص. كما هو الحال عندما يقدم الإنسان على أكل المال المشتبه، المال الحرام، المال الربوي أو ذلك المخلوط بالحرام، فكل ذلك له أثر ملكوتي على الإنسان. غير أنَّنا نرى الجميع على نحو واحد، لكنّنا نرى أنه ليس لدينا همّة على العبادة وليس لدينا توجّه إلى الله، والسبب في ذلك قد يكون راجعًا إلى هذه المسألة ونحن لا نشعر بذلك؛ أو نرى أنه قد حصلت عندنا كدورة، كدورة عند الانتهاء من ذاك الطعام، حيث يرى الإنسان أنه حصل لديه تغيّر، وهذا بسبب تلك الحالة المثالية والملكوتية.

    

اختلاف حال العظماء يوجب اختلاف برنامجهم الغذائي

للعظماء والأولياء حالات وأطوار مختلفة في طول سَيْرهم؛ فمن الممكن لأحد الأشخاص أن يُشاهد طَوْراً واحداً؛ فيرى امتناع أحد الأولياء عن تناول نوع من الطعام لفترة معينة؛ فيقوم بنقل ذلك للآخرين ويقول: لقد صاحبت وليّ الله لمدّة عدة أيام، عشرة أيام، عشرين يوماً، شهراً، شهرين أو عدة أشهر ولم أُشاهده يأكل من هذا النوع من الطعام، فلا بدّ وأن يكون تناول هذا النوع من الطعام ليس مناسباً. لكن هذا لا يمكن أن يكون هو المِلاك.
لقد رأيت بنفسي ما وقع به بعض الأشخاص من الخطأ في نقل هكذا مواضيع عن الأولياء، فكانوا يقولون: لقد كنت مع أحد العظماء في مكان ما، وتمّ تقديم عدّة أنواع من الأطعمة، فتناول من نوع واحد منها ولم يتناول من الأطعمة الأخرى، فلا بدّ وأنَّ هنالك إشكال ما [في بقيّة الأطعمة].
لكن هذا النمط من الحكم خاطئ وغير صحيح، فقد يكون ما حصل بمقتضى حال ذلك الولي، ولا علاقة لهذا الموضوع بالأشخاص الآخرين، فبإمكان الآخرين التناول من ذلك الطعام.
تذكّرت الآن قضيّة معيّنة قد تمّ طرحها من قبل البعض، أرى من المناسب هنا أن أقوم بإعطاء بعض التوضيحات بشأنها. تتعلّق القضيّة بتلك الفترة التي كان فيها المرحوم العلاّمة ـ رضوان الله عليه ـ يقوم بفعاليات سياسيّة بالتعاون مع المرحوم آية الله الخميني، وذلك ضمن الأحداث التي وقعت في العام 1342 [هجري شمسي][1] وما شاكلها. فقد تقرّر في حينها القيام بعمليّة اغتيالٍ لشاه إيران. يقول العبد في هذا المقام: لم يكن المرحوم العلاّمة صاحب ذلك القرار، بل تمّ اتّخاذه من قبل أشخاص آخرين كان المرحوم آية الله الميلاني واحداً منهم، ولم يكن المرحوم العلّامة يؤمن بذلك الموضوع، وتمّ الكشف عن هذا السر في ذلك الوقت، مما أدّى بالسلطات إلى القبض على الأشخاص المتصدّين للموضوع، وانتهى الأمر عند هذا الحد.

    

حرمة الفتك والاغتيال في الإسلام

ما أُريد توضيحه هنا هو الآتي: لقد كان المرحوم العلاّمة ـ رضوان الله عليه ـ يؤكِّد في مجالسه ولمرّات عديدة على مسألة حرمة الاغتيال، وكان يقول «الإسلام قَيَّدَ الفَتك»[2]، فالفتك هو الاغتيال، ولم يكن مؤمناً بما ذهبوا إليه. ولو كان الاغتيال جائزاً لفعل ذلك مسلم بن عقيل ولقتل ابن زياد، ولقد كان الأمر واضحاً ومُبرهناً لمسلم بن عقيل وأظهر من الشمس بحيث لا يعتريه أيّ شك أو شُبهة، بأنَّه لو قتل ابن زياد ـ لعنه الله ـ لما حصلت واقعة عاشوراء، ولكان الأمر قد انتهى بشكل آخر؛ ولكن لما كان جناب مسلم بن عقيل متّصلاً بنور الولاية، ومُمثلِّاً للإمام المعصوم عليه السلام، وقلبه متصلاً بقلب الإمام، فقد جعل جميع أفكاره وأعماله وتصرّفاته واقعة تحت السيطرة الولائية للإمام المعصوم عليه السلام. فلا يستطيع والحال هذه من القيام بتصرّفٍ يتنافى مع دستور ومنهج الشخص الذي يُمثّله ويُعتبر مندوباً عنه.
كان الإمام الحسين عليه السلام قد قال في رسالته التي أرسلها إلى أهل الكوفة: أرسلت إليكم أخي، كلامه كلامي، فأطيعوه. فلو كانَ جناب مسلم بن عقيل قد أقدم على هذا الاغتيال، لأصبح منهج الإمام الحسين عليه السلام مورداً للمؤاخذة؛ فلا يستطيع أيّ شخص والحال هذه أن يقول بأنَّ سيّد الشهداء أُسوة للآخرين، لماذا؟ لأنَّ أمراً مُخالفاً للشرع قد ارتكب هنا! فلا يمكن القيام بعمل مخالف للشرع، وإن أدَّى ذلك إلى حصول واقعة عاشوراء وشهادة الإمام الحسين؛ فإن كان الإمام الحسين سيُستشهد، فليُستشهد! فهذا لا يُبرّر مخالفة الدستور، وهذه المسألة مهمّة جداً وأساسيّة.

    

اختلاف مواقف العظماء باختلاف حالات تكاملهم

إنَّ ما أودّ الإشارة إليه هنا هو أنّه في أيّ الأوقات نستطيع أن نعتبر أقوال وأفعال وتصرفات الولي الإلهي معياراً لنا، ومتى نستطيع أن نعمل بموجبها؟ فلو تفحّصنا، لوجدنا عمر المرحوم العلاّمة في ذلك الوقت الذي شارك فيه بقيّة العظماء في قيادة الثورة كان بضعاً وثلاثين سنة. حسناً، فلو افترضنا أنَّه رضوان الله عليه في ذلك الوقت و إن لم يوافق بشكل مباشرٍ وصريح على هذا القرار، إلاّ أنّه على الأقل لم يخالفه ويعارضه.. لنفترض ذلك، بل دعنا نفترض بأنَّه كان موافقاً عليه؛ فالسؤال المطروح هو: لو أنّ مثل هذا الأمر ومثل هذا الموضوع كان قد عُرض عليه عندما كان عمره سبعين أو واحد وسبعين عاماً، فهل كان سيتّخذ نفس ذلك القرار؟
أتلاحظون أيّ خطأٍ كبيرٍ قد تمّ الوقوع فيه هنا؟ فكيف يمكن لشخص كان يُبيّن بطلان الاغتيال في مجالسه مراراً وتكراراً، وكان يُعلن عن مُخالفة ذلك للشريعة الإسلاميّة وكان يقول الإسلام قَيَّدَ الفَتك، أن يأتي بعد ذلك كلّه ليوافق على مثل ذلك ويؤيّده؟! لم يكن المرحوم العلاّمة قد وصل إلى رتبة الولاية عندما كان في سنّ الخامسة والثلاثين، أو في سنّ العشرين أو في سنّ العشر سنوات. متى أصبح وليّ الله؟ ومتى صار له إشراف كلّي وبتّي على مراتب الأسماء والصفات؟ كان ذلك عندما كان عمره يتجاوز الخمسين عاماً، حيث كنَّا نسمع من أستاذه المرحوم الحدّاد مطالباً عنه بهذا الشأن. وكان مشهوداً لنا وبكلّ وضوح ـ نحن الذين كنَّا نرافقه ونصاحبه دائماً ـ كيف كان كلامه أكثر إحكامًا ونضجاً، وأكثر خبرةً وعمقاً، وموزونًا أكثر، وأكثر لطفاً، وأكثر مناسبة للمكان الذي يقال فيه!
فهل من الصواب والحال هذه أن نأتي لنطرح هذا الأمر وبعنوان أحد الأسس والأفكار المتبنّاة من قبل ذلك الولي ونقول: بأنَّه كان موافقاً وكان له دور في اتّخاذ القرار باغتيال شاه إيران؟ كلاّ، هذا طرح غير صحيح. لماذا؟ لأنَّه وكما ذكرت آنفاً، فعلى فرض صحّة ما نُقِل، فعلينا أن نتكلّم عن المبادئ التي يؤمن بها أحد الأولياء في ذلك الوقت الذي كان فيه مُتحقّقاً بمقام الولاية، وإلاّ فإنّه كان يقوم بتصرّفات كثيرة عندما كان في سنِّ العاشرة، فهل تكون كافّة تصرفات الوليّ صحيحة في ذلك الوقت؟! كلاّ، فتلك التصرفات تعود إلى ذلك العمر.
عندما كنت طفلاً في العاشرة أو الحادية عشر من عمري، كان المرحوم الحدّاد ـ رضوان الله عليه ـ جالساً يتحدّث إلى والدتي، فقد كانت والدتي تجلس في أحد أطراف الغرفة وهو جالس في الطرف الآخر. كان ذلك في طهران في سفره الذي زار به إيران، وبما إنَّني كنت فضولياً، فقد دخلت وجلست جانباً استمع لما يقول، فكانت والدتي تشتكي إلى المرحوم الحدّاد مما كنَّا نقوم به من أعمال شغبٍ وأعمالٍ عبثيةٍ مما كان يؤدِّي إلى انزعاجها وغضبها وقيامها بتوبيخنا أحياناً، ثم تحزن بعد ذلك على ما فعلت. خلاصة الأمر، فقد كانت تشتكي وتستنجد بالمرحوم الحدّاد رضوان الله عليه.
فضحك المرحوم الحدّاد وقال: لا، لا، لا ينبغي عليكِ أن تنزعجي وتغضبي، فهم أطفال أبرياء، لم يرتكبوا ذنباً، ولا يُعدُّ عملهم هذا مخالفة، فهذه هي طبيعة الطفل، فعليكِ أن تزيدي من صبرك وما شاكل ذلك. ثم قام بعد ذلك بنقل حكاية حصلت له ـ وهي حكاية طريفة ـ فقال: عندما كنتُ أتتلمذ على يدي أستاذي المرحوم القاضي.. لقد كان ينقل هذه الحكاية لوالدتي رحم الله الجميع، وأموات الحاضرين وشيعة أمير المؤمنين عليه السلام، وسنلحق بهم كذلك، فلم يبق الكثير من الوقت، هنيئاً لهم فقد رحلوا وفازوا، وحصلوا على ما كان يجب أن يحصلوا عليه من هذه الدنيا، فهنيئاً لهم.. قال لها: عندما كان المرحوم القاضي يأتي من النجف، كان ينزل في بيتنا، فيستريح ساعة من الزمن، ثم يذهب للزيارة، وكان إمّا أن يبيت تلك الليلة في منزلنا، أو أنَّه كان يعود إلى النجف مرّة أخرى، وفي أحد أسفاره التي جاء بها إلى كربلاء ـ حيث كان بيتنا في كربلاء ـ استراح قليلاً ثم خرج عازماً زيارة سيِّد الشهداء عليه السلام، فخرجت معه لنذهب سويّةً؛ فتبعتنا ابنتي الصغيرة التي كان سنّها في ذلك الوقت بحدود أربع أو خمس سنوات، فقد كانت متعلّقةً بي وتمشي خلفنا؛ فعندما رأيت ذلك غضبت وقلت: لماذا لم تحجزها أمها، ووجّهتُ إهانة إلى الطفلة، وقلت للمرحوم القاضي دعني أُعيد هذه الكذائيّة إلى البيت وأعود إليكم؛ فما إن قلت ذلك إلاّ ورأيت المرحوم القاضي قد توقّف عن المسير والتفت إليّ قائلاً: ماذا قلت يا سيِّد هاشم؟! أهنتَ علويّة بنت رسول الله؟! بأيّ حقٍ تقول ذلك؟! وبدأ بتوجيه اللوم إليّ، ولم يبق شيء لم يفعله إلّا ضرْبي ـ أنا الذي أقول ذلك، ولم يقله السيِّد الحدّاد ـ كان المرحوم الحدّاد يقول: لقد غضب المرحوم القاضي بالشكل الذي جعل أوداجه تنتفخ؛ فقلت [في نفسي]: وما الذي فعلتُه؛ ثم قلتُ له: أرجو أن تعذرني وتسامحني، فلم يحصل شيء! فقال: لم يحصل شيء؟! وماذا سيحصل أكثر من ذلك؟! لقد تعدَّيتَ على بنت رسول الله، وبدأ بمعاتبتي ولومي.
بالطبع لا تفاوت في ذلك بين السيِّد وغيره، فالطفل طفل، وهو بريء؛ ولا فرق بين السيّد والعامّي من هذه الجهة، ولكن بما أنَّ هذا الأمر حصل مع سيّد، فجعل الأمر نظراً لانتسابها إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله.
قال المرحوم الحدّاد: فقلت: سيّدي، أنا أستغفر الله على ذلك، وسأتوب ولن أعود إليه مرة أخرى.
أتلاحظون ماذا حصل هنا؟ لقد صدر هكذا عمل عن وليّ إلهيّ، فإن كان تصرّفه هذا صائباً، فلماذا يلومه أستاذه بهذا الشكل وينبّهه؟ وإن كان خاطئاً، فهل يمكن لوليّ الله أن يتصرّف تصرّفاً خاطئاً؟! فكيف يمكن تفسير ما حصل؟ الأمر واضح، ففي ذلك الوقت لم يكن المرحوم الحدّاد يمتلك تلك الدرجة من الكمال، فيمكن أن يخطئ؛ نعم، يمكن أن يغضب ويرتكب خطأً، ثم يتوب بعدها ويستغفر الله. فلأيِّ الموارد فتح الله باب الاستغفار والتوبة؟ لهكذا موارد بالطبع، فلسنا بمعصومين.
فلو راجعتم تلك القضية في أنفسكم الآن، فستقولون على الفور: وهل يمكن أن يصدر هكذا خطأ عن السيِّد الحدّاد؟ كلا، فهذا غير ممكن! فأقول لكم: لقد سمعت ذلك بنفسي من السيِّد الحدّاد عندما كان يوجه النصح لوالدتي، وكنت جالساً في حينها، وسمعت ذلك منه.

    

السيّد الحدّاد أستاذ العلاّمة الطهراني

فالسيِّد الحدّاد كان أستاذاً، ووليّاً إلهيّاً، وكان أستاذ المرحوم الوالد؛ وقد قال المرحوم الوالد: لقد تتلمذت على يدي المرحوم الحدّاد مدة ثمانيةٍ وعشرين عاماً؛ وكان المرحوم الوالد وإلى آخر يوم من أيام حياة المرحوم الحدّاد، يرى نفسه صفراً مقابل المرحوم الحدّاد.
أريد هنا أن أُخبر الأخوة بهذه القضية؛ فقد قال لي أحد الأصدقاء ـ حصل ذلك قبل مدّة قصيرة ـ: تشرّفت بزيارة مشهد قادماً من إحدى المدن، وكانت تلك هي المرّة الأولى التي أحظى فيها بمقابلة المرحوم العلاّمة لغرض استلام البرنامج السلوكي والشروع بالعمل؛ فعندما تشرّفت بمقابلته قلت له: أُريد أن أُبايعكم على أن أقبل بكلّ ما تأمرون به وأقوم بتنفيذه، وأن أمتنع عن كلّ ما تنهون عنه؛ لقد جئتُ إلى هنا بهذا التصميم، لكي أكون مطيعاً إطاعة محضة. ثم أردف قائلاً: فقال لي المرحوم العلاّمة ـ رضوان الله عليه ـ إنَّني لست سوى واسطة ووسيلة هنا، وجميع الأمر يعود إلى أستاذي السيِّد الحدّاد، فهو الأصل، أمّا أنا فواسطة، وأنا في قباله صفرٌ؛ فإن كنت تريد أن تبايعني، فأنت تبايعه هو لا أنا، لأنّي واسطة! أتلاحظون ذلك؟!
على الأشخاص الذين يسمعون كلامي أن يفتحوا أسماعهم لكي يفكّروا أكثر فيما يطرحونه من أمور، ولا يتكلّموا حول أيّ موضوع بدون تروٍّ؛ فالإنسان يتحمّل مسؤوليّة ما يتفوّه به أو يكتبه، ويتحمّل عواقب ذلك. أتلاحظون؟!
فنحن الآن نقول لماذا صدرت هذه العبارة عن السيِّد الحدّاد؟
ما المشكلة في ذلك؟ فذاك السيِّد الحدّاد الذي كانت لديه حالات التجرّد وخلع البدن وتلك الحالات التي كانت تحصل له في عهد المرحوم القاضي والتي أُشير إليها في كتاب الروح المجرّد.. ذاك السيّد الحدّاد كان يخطئ قبل ذلك! فأيّ ضيرٍ في هذا! فلسنا بمعصومين. نعم، عندما يكون قد وصل إلى مقام الجمع، ومقام التعرية والتخلية عن النفس بشكل كامل، وعندما يصل إلى التحقّق بالحقيقة النوريّة المبدأيّة والربوبيّة.. عندئذٍ لا يمكن أن يحصل شيء من تلك الأخطاء، فذلك مقام آخر، أتلاحظون؟!
وكذلك الأمر مع المرحوم العلاّمة؛ فعندما نريد أن نتكلّم عن خصوصيّات وليّ الله ونريد أن نبيّن للناس مبادئه التي يؤمن بها، فلا بدّ من مراعاة السنّ التي كان فيها؛ وهل كان متحقّقاً بالولاية أم لا؟ لا أن يكون الأمر بهذا الشكل، وهو: ما دام اسمه مثبّت في الهويّة الشخصيّة باسم السيِّد محمّد حسين، فهذا يكفي، فكلّ ما يقوله يكون صحيحاً؟! كلاّ، فهذا النمط من التفكير نمط خاطئ، وإلّا فهو يؤدِّي إلى التشكيك في أصل المدرسة! فسيُقال: ما هي هذه المدرسة التي تُجيز الاغتيال؟ فالاغتيال هو اغتيال! والحال أنّه نفسه كان يقول ـ وحتّى آخر عمره ـ بحرمة الاغتيال، وكان يؤكّد على ذلك بمناسبات مختلفة. وهذا هو واقع الأمر، فهذه القضية غير مسموح بها في مباني التشريع الإسلامي.
كان هذا أحد الموارد التي أردت بيانها؛ وهكذا الأمر بشأن موارد أخرى لا تُراعى الدقّة المطلوبة في طرحها مما يؤدِّي بالأمر إلى طرحها بشكل مغاير للمبادئ التي يتبنّاها أولياء الله؛ لذا يجب على الأشخاص مراعاة قدر أكبر من الدقّة في طرحها.
فما يُطرح بشأن موضوع الطعام هو من هذا القبيل؛ فكون أحد الأولياء قد تناول طعاماً ما، أو امتنع عن تناول طعام آخر في برهة من الزمن، فذلك يرجع إلى حاله في ذلك الوقت، ولما كانت حالات الإنسان متفاوتة، لذا فهو يقوم بتنظيم برنامجه الغذائي وفقاً لحاله.
فلا يمكن تحديد ملاك ثابت في جميع الأوقات، بل ينبغي أن يعمل الإنسان على تشخيص الطعام الملائم له في ذلك الظرف، بالطبع من الممكن أن نجعل هذا الأمر هو الملاك العام وهو: أن يتناول الإنسان ما يراه مفيداً له.

    

مبالغة البعض في الاحتياط في الطعام تؤدي إلى الوسوسة

ومن التصرّفات الخاطئة التي لاحظتها من البعض في زمان المرحوم العلّامة، هو قيامهم بتهيئة طعامهم بطريقة مخالفة للسيرة الظاهريّة؛ فلا يقومون بشراء الخبز واللحم من السوق، بل يقومون بإعداد ذلك بأنفسهم؛ فقد كانوا يشترون المعدّات اللازمة لإعداد الخبز مثل "العجّانة" وما شاكل ذلك.
ما هذا؟! هذا يُعدُّ ضرباً من الإفراط، ولم نشاهد أو نسمع بأمر كهذا. فلماذا تمّ تشريع الشريعة الإسلامية؟ لقد وضعت القوانين والقواعد الشرعيّة لكي لا يتوقف الإنسان عند هذه الأمور. فكما أنَّ الاستفادة من المال الحرام يوجب توقّف الإنسان عن الحركة ويؤدِّي إلى ركوده عند مستوىً معين، فكذلك الخوض في هذه المسائل الخارجة عن العرف والمباني العرفيّة؛ فستعمل هذه الأمور وبشكل تدريجيّ على إعاقة النفس، وإشغال الفكر في نطاق كيفيّة تهيئة الطعام، ويكون فكره منحصراً بذلك.
لذا يُشاهد عند الجلوس إلى هؤلاء الأفراد، بأنَّ كلّ حديثهم يكون متمركزاً على الطعام؛ فتراهم يقولون: هذا الطعام جيّد وله كذا من الخصائص، وذلك الطعام له كذا من الأضرار ويُسبّب زيادة الصفراء أو السوداء.. هذا كلّه حديث عن البطن؛ وذلك لأنَّهم توقّفوا عند هذا العائق. عندما قال الشارع عليك أن تجري أصالة الطهارة وأصالة الحِليِّة بشأن ما يُباع في الأسواق، فتحكم على كلّ شيء بأنّه طاهر وحلال ما لم يحصل اليقين بالخلاف! ترى ذلك الشخص يذهب إلى القصّاب ويسأله: هل أنت مُتيقّن بنفسك من أنَّ هذا اللحم المعلّق يعود إلى ذبيحة قد تمّ قطع أوداجها الأربعة، وتمت التسمية ومراعاة استقبال القبلة عند الذبح، وأنَّ الذابح مسلم وأنَّ الذبيحة غير مغصوبة وأمثال ذلك؟! إنَّ هكذا تصرّف يبعث على تنغيص حياة الشخص. وإذا ما فرغ من القصّاب يذهب إلى بائع الدجاج ليسأله: هل تعرف المصدر الذي اشتريت منه هذا الدجاج، وهل تمت التسمية عند ذبحها واحدة واحدة. فأيّ حياة ستبقى للإنسان مع هذا التحقيق في كلّ مفردات الحياة؟ كلّ ذلك يبعث على إيجاد ذلك البلاء المسبّب لهدم أساس حركة النفس، ألا وهو الوسوسة..
ذهبنا يوماً إلى منزل أحد عباد الله في قم، وعندما حان وقت الطعام، جاء صاحب المنزل ـ وكان من أهل العلم ـ وقال: لقد اشتريت هذا الدجاج حيّاً وجلبته إلى المنزل وتمَّ ذبحه هنا، فكلوا منه بكلّ اطمئنان لأنَّه مذبوح ذبحاً شرعيّاً ولا شكّ فيه. فقلت له: ولماذا لا تشترون من ذلك الدجاج المذبوح الذي يُباع في السوق، فأيّ إشكالٍ فيه؟ فقال: لا، نحن لا نشتري من ذلك، فمن غير المعلوم ما الذي يجري هناك، ولا نستطيع الاطمئنان له.
ما هذا الكلام؟! فما دُمنا قد أُخبرنا بطهارة ما يُباع في سوق المسلمين، فذلك يكفي، فما معنى أن يقوم الإنسان بالتحقيق بنفسه في هذه الأمور، فيذهب إلى المجزرة (المسلخ) ليرى كيف يتمّ الذبح وما شاكل ذلك؛ فهل الإنسان بدون عمل لكي يستطيع القيام بكلّ ذلك؟
لقد جاء الدين ليجعلنا نتجاوز هذه الأمور ولا نتوقّف عندها، لأنَّ أمامنا الكثير، فأمامنا مسائل أهم علينا الاشتغال بها؛ فعلينا الاشتغال بتلك المسائل المتعلّقة بالنفس وأمراضنا الروحيّة والعقبات التي تنتظرنا في الطرف الآخر؛ فبدلاً من الاهتمام بهذه الأمور والانشغال بها، ترانا نصرف وقتنا في التحقيق في المسائل المتعلّقة بحليّة اللحم وأمثال ذلك.

    

بناء الشرع على التساهل بالطهارة

عندما كان الإمام الصادق عليه السلام يذهب لتجديد الوضوء، كان يرشّ الماء على ملابسه قبل دخوله، لاحتمال حصول الشبهة في تنجّس اللباس؛ فلم يكن بيت الخلاء في ذلك الوقت كما هو عليه اليوم، فعندما يذهب المرء إلى إحدى القرى اليوم، يواجه هكذا مشكلة؛ مع أنَّ وضع القرى في زماننا هذا أفضل من وضع المدن في ذلك الزمان، فيحصل للإنسان مع هكذا حال شبهة في إمكان وصول النجاسة إلى الملابس؛ شاء الإنسان أم أبى. والسؤال الذي أطرحه هنا هو: ألم يكن يعلم الإمام الصادق عليه السلام الغيب؟ فلماذا لا يستفيد من علمه للغيب هنا؟ يريد الإمام أن يُعلّمنا بأنَّ الصلاة التي نحن مكلّفون بأدائها مبنيّة على الظاهر، لا على علم الغيب؛ فلا يتوجب على الإنسان أن يقوم بفحص لباسه قبل الصلاة للبحث عن الأماكن التي من الممكن أن تكون قد تنجّست؛ بينما نلاحظ البعض يقوم بفحص أطراف ثيابه وعباءته، وإن تبيّن له خلوّها من عين النجاسة، يبدأ بالشك فيقول: لعل طفلاً قد تبوّل عليها، فيذهب ليستفسر عن هذا الأمر.
لقد فاتك وقت الصلاة أيّها المسكين، وستصلّيها قضاءً! فهذا ليس مطلوباً منّا، ذلك من شأن الإنسان العاطل. فهذا النمط من الناس لا يفهم من الدين غير هذه المسائل؛ فهو واحد من أولئك المبتلين بالوسوسة؛ فترى الشخص يجلس على حوض الماء أربع ساعات لغرض الوضوء؛ لأنَّه لا يعتقد بطهارة ماء الحنفيّة، فهو يشك في اتّصاله بمصدر الماء الكُر، فلا يتوضّأ إلاّ من الحوض.
كنت في منزل أحدهم يوماً، وهو من أصدقائي القدامى؛ فرأيته يقوم ببناء حوض للماء في بيته؛ فسألته: لماذا تبني هذا الحوض؟ فضحك ولم يجب بشيء، ثم قال بعدها: أريد أن أكون على اطمئنان من أنَّ وضوئي يتمّ بماءٍ كُر؛ فقلت له: بناءً على هذا تكون جميع الصلوات التي كان يُصلّيها والدي باطلة، فقد كان يتوضّأ من مصادر الماء الموجودة في دورات المياه؛ فلم أره أو قلّما كنت أراه يتوضأ من الحوض؛ نعم، عندما يصادف وجود حوض في المكان الذي يريد الوضوء فيه، كان يتوضأ من ذلك الحوض، وإلاّ فهو يتوضأ بماء الحنفية. وقد وصل الأمر بهذا الشخص إلى أنَّ وضوئه كان يستغرق أربع ساعات!! فأيّ نبيٍّ أو إمامٍ استغرق وضوؤه أربع ساعات؟ أيّ إنسانٍ في رأسه ذرّة من العقل، كان وضوئه يستغرق أربع ساعات؟
خرجت مع أبي من الخيمة في عرفات، فقال لي: املأ الإبريق ماءً لكي أغتسل؛ فابتعدنا عن الخيام في يوم عرفة، وأخذتُ بصبّ الماء فوق رأسه وبدنه، واغتسلَ بهذا الشكل؛ ولقد بقي في الإبريق ثلث مقدار الماء! فكم كان مقدار الماء الذي استعمله للغسل؟ كم ليترًا؟ كان حجم الإبريق أكبر من إناء الماء هذا بقليل [يشير السيد إلى إبريق الماء الموجود أمامه المخصّص للشرب] ولقد اغتسلتُ أنا بالثلث الباقي؛ فاغتسلَ هو بذلك المقدار واغتسلت أنا بهذا المقدار! فقلت ما دام الغسل يمكن أن يتم بهذا الشكل، فأنا أعرف كيف يمكنني ـ والحال هذه ـ الاغتسال بمقدار أقلّ منه وذلك باختصار بعض الموارد. هذا ما شاهدناه من العظماء؛ [فليس من الصحيح والحال هذه] أن يشغل المرء نفسه بهكذا تصرفات.
لذا نرى بعض الأشخاص بنوا حياتهم على هذا الأساس.. لا أدري من أين جاؤوا بهذه المسائل؟ هل قرؤوها في كتاب ما، أو أنّها قيلت لهم من قبل شخص ما؟! لا يا أعزائي فهذا النمط من الحياة لم يتم إقراره من قبل الشريعة، ولا من قبل هذه المدرسة، ولم نلاحظ ذلك من خلال تجربتنا الحسّيّة ومعايشتنا للعظماء وأولياء الله. نعم، لا شك بوجود أمور أخرى تتعلّق بالطعام المنزلي والخارجي وأنَّ هنالك تأثيراً للطعام الذي يتم إعداده خارج المنزل، وقد تمت الإشارة إلى ذلك في الشريعة الإسلامية.

    

كل ما يؤدّي إلى وضع العراقيل أمام السالك فهو حاجب

كلّ ما تمت الإشارة إليه يقود إلى هذه الحقيقة وهي: لا ينبغي للسالك أن يضع عراقيل في طريقه فتوقِفه عن السير، فكلّ ما يوقفه عن السير يعتبر سدّاً، سواءً كان ذلك الشيء هو الطعام، أو اللباس، أو اللذات النفسانيّة الأخرى، أو المنزل أو كلّ ما يشغل فكره وذهنه ويجعله يتوقّف عند نقطة معيّنه ولا يسمح له بتجاوزها.. كلّ ذلك يعتبر فخّاً له وسدّاً في طريقه.
لقد رأيت أشخاصاً من تلامذة المرحوم العلاّمة ـ رضوان الله عليه ـ كانوا مبتلين بهكذا ابتلاءات، وقد أدّى بهم ذلك إلى الانحراف عن المسير، والابتعاد عنه والاشتغال بمسائل أخرى؛ لأن النفس بطبيعتها تقوم بالتوليد وإضافة أمور من عندها؛ فيقول الشخص: أرى من الصلاح أن أفعل هذا الشيء فيما يتعلّق بهذه القضيّة، ومن الأفضل أن أفعل ذلك الشيء في تلك؛ وهكذا حتّى تستفحل عنده الوسوسة.
أعتذر من الأخوة عن الاستمرار في الحديث [لأنَّ حالتي الصحيّة لا تسمح لي بأكثر من هذا]؛ على أنَّني سعيد جداً بهذا اللقاء.. قال لي الدكتور بأنَّ الفاصلة الزمنية بين المجالس أصبحت كبيرة. فقلت له: سأعمل بمشيئة الله على عقد المجالس في وقتها المقرّر، في كلّ أسبوعين أو ثلاثة مجلس، لكي أتمكّن من اللقاء بالأخوة والأصدقاء أكثر من هذا إن شاء الله. وسأقوم بإكمال الحديث في المجلس القادم إن شاء الله.
اللهمَّ صلِّ عَلى محمَّد وآلِ محمَّد


[1] ـ المقصود هي تلك الأحداث التي أعقبها اعتقال السيِّد الخميني ومن ثمّ تبعيده إلى تركيا في وقت لاحق. [المترجم]

[2] ـ الكافي، ج 7، ص 375.

      
  

جميع الحقوق محفوظة لـ موقع المتقين www.motaghin.com ويسمح باستخدام المعلومات بشرط الإشارة إلى المصدر.

© 2008 All rights Reserved. www.Motaghin.com


Links | Login | SiteMap | ContactUs | Home
عربی فارسی انگلیسی