معرض الصور المحاضرات صوتيات المكتبة سؤال و جواب اتصل بنا الرئیسیة
 
اعتقادات و كلام أخلاق حکمة عرفان العلمي و الإجتماعي التاریخ القرآن و التفسير
المكتبة > محاضرات آية الله السيد محمد محسن الطهراني > سلسلة محاضرات شرح حديث عنوان البصري > شرح حديث عنوان البصري - من المجلس رقم 201 إلى الأخير > شرح رواية عنوان البصري ـ الجلسة216: التركيز على الأمور الظاهريّة يفوّت المسائل المعنويّة

_______________________________________________________________

هو العليم

شرح حديث عنوان البصري المحاضرة 216

التركيز على الأمور الظاهريّة يفوّت المسائل المعنويّة

ألقيت في الثاني عشر من جمادى الثاني من عام 1435 هجري قمري

ألقاها:
سماحة آية اللـه السيّد محمّد محسن الحسيني الطهراني حفظه اللـه

 

_______________________________________________________________

تحميل ملف البد دي أف تحميل ملف البد دي أف

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلَّى الله على سيِّدنا ونَبيِّنا أبي القاسم محمّد
وعلى آله الطيِّبين الطاهرين واللعنة على أعدائِهم أجمعين

فَقَالَ: «أمَّا اللَوَاتِي في الرِّيَاضَةِ: فَإيَّاكَ أنْ تَأكُلَ مَا لَا تَشْتَهِيهِ، فَإنَّهُ يُورِثُ الحَمَاقَةَ وَالبَلَهَ، وَلَا تَأكُلْ إلَّا عِنْدَ الجُوعِ، وَإذَا أكَلْتَ فَكُلْ حَلَالًا وَسَمِّ اللهَ، وَاذْكُرْ حَدِيثَ الرَّسُولِ صلّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ: مَا مَلأ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرَّاً مِنْ بَطْنِهِ. فَإنْ كَانَ وَلابُدَّ فَثُلْثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلْثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلْثٌ لِنَفَسِهِ».[1]

    

ختم الحديث في هذه الفقرة وعرض لأهم ما تمّ بيانه

أعتقد بأنَّ شرح هذه الفقرة من حديث عنوان البصـري قد استغرق الكثير من الوقت، ممّا أدى إلى التأخّر في شرح بقيّة الفقرات المتضمِّنة لمواضيع مهمّة للغاية؛ لذا قرّرت الانتهاء من شرح هذه الفقرة هذه الليلة ـ إن كان ذلك ممكنًا ـ وإن تبقّى أمر آخر [يستوجب التوضيح]، فسيتم الحديث عنه ضمن شرح بقيّة الفقرات.
لا بدَّ أنَّ الأصدقاء قد وصلوا إلى النتيجة التالية من خلال ما تم طرحه من مواضيع في المجالس السابقة: وهي أنَّني كنتُ أسعى إلى نقل وجهة نظر العظماء بشأن هذه المواضيع كما هي وبدون إضافة شيءٍ من عندي، والحمد لله على ذلك؛ فإن حصل زيادةٌ أو نقصٌ في هذا النقل، فإنَّ ذلك لم يكن مُتعمّداً. وإذا ما شملني التوفيق الإلهي، فإنَّني سأعمل ـ إن شاء الله ـ على مواصلة هذا النهج بالمقدار الذي تسمح لي به المشيئة والتقدير الإلهي.
لقد خطر ببالي أن أقوم بتلخيص ما كنت قد طرحته من مواضيع متعلّقة بهذه الفقرة من الحديث، لأقوم بعدها باستكمال شرح بقيّة الفقرات المتضمِّنة لمواضيعٍ في غاية الأهميّة، وذلك اعتبارًا من المجلس القادم إن شاء الله. وعلى الرغم من تضمّن هذه الفقرة لموضوع مهمٍّ جدًا، إلاّ أنَّني لو أردت شرحها بشكلٍ فنيٍّ ومتخصّصٍ أكثر من هذا، لطال بنا المقام؛ على أنَّ ذلك ممّا لا ضرورة له، لأنَّ المجلس مُخصّصٌ من الأساس للتعامل مع عموم الناس؛ علماً بأنَّه سيتم التوسّع بالبيان وعرض مواضيع أخرى عندما يتم نشـر هذه المواضيع على شكل كتاب.

    

معنى الحماقة والبله الوارد في الفقرة

يقول الإمام الصادق عليه السلام: إنَّ تلك الأمور المتعلّقة بالرياضة والتي لا بدّ من مراعاتها هي: أوّلًا: عدم الإقدام على تناول الطعام ما لم تتحقّق في نفسك الرغبة لتناوله، وألّا تأكل وأنت شبعان أو غير مشتهٍ للأكل «فَإنَّهُ يُورِثُ الحَمَاقَةَ وَالبَلَهَ»؛ فذلك يتسبب في التقليل من رزانة الشخص ويُفقده القابليّة على التشخيص الصحيح للأمور ويُسبب له الحماقة وعدم التمكّن من إدراك الأمور بشكلها الصحيح.
ولا بدّ من الإشارة هنا، إلى أنَّ تعبير «الحماقة» الوارد في هذه الرواية، لا يعني ذلك المعنى المتداول على ألسنة الناس: وهو الجنون والسَفَه والإتيان بأفعال غير موزونة[2]، فهذا المعنى فيه شيء من الحِدّة، بل يمكن التعبير عنه بشكلٍ أفضل من ذلك: فهو عبارة عن فقدان القدرة على الإدراك الصحيح للأمور. فالأحمق هو ذلك الشخص الذي لا يتمكّن من أن يضع الأمور المختلفة، سواءً الشخصيّة منها أم الاجتماعيّة أم العلاقات أم التعاملات في داخل المنزل أو خارجه في موضعها الصحيح؛ كما يُطلق [لفظ الأحمق أو الأبله] على الشخص المُتسـرِّع في اتخاذ قراراته، والذي يُقدِم على القيام بالأعمال بدون تأمّلٍ أو استشارةٍ؛ أو الشخص الذي إذا ما أراد أن يستشير، فهو يستشير أشخاصًا جهلةً. [و يمكن تشبيه ذلك] بالقرارات التي يتّخذها الأطفال في سنّ الخامسة أو السابعة أو العاشرة، وهذه القرارات تكون متناسبة مع أعمارهم، أمّا إذا ما أردت أن تقيّمها أنت فستقول عنها بأنَّها قرارات صِبيانيّة؛ فتلك هي الحماقة. فالحماقة إذن هي التصرّفات الطفوليّة والصِبيانيّة.
[والحماقة أو البَلَه] هي قيام الشخص بطرح موضوع ليس في محلّه؛ وبطبيعة الحال فإنَّ حساسيّة الأمر ستزداد كلّما كان لذلك الشخص مكانةً اجتماعيّةً متميّزةً، فلا يمكن لهكذا شخص التفوّه بأيّ كلامٍ. فأنت لا يُمكنك أنَّ تتكلّم في هذا المجلس بذلك الكلام الذي تتكلّم به مع عائلتك في البيت؛ فلو أنَّك فعلت ذلك لقيل عنك بأنَّك رجلٌ لا يتحلّى بالآداب ولا يُجيد آداب التعامل مع الآخرين؛ هذا هو ما يُطلق عليه الحماقة أو البَلَه والذي هو نوع من الغباء. وهو ناشئ عن عدم امتلاك الشخص للإدراك الصحيح للأمور، وعدم امتلاكه لذلك الذكاء وتلك الدقّة في انتخاب الأمر الصحيح، ولا يعرف هل من الصواب التكلّم بنوعٍ من الكلام في المجلس الفلاني أم لا؟ فيحصل للإنسان في كثيرٍ من الأحيان أن يتكلّم بكلامٍ، ثمّ يندم ويقول: ليتني لم أتفوّه بهذا الكلام في هكذا مجلسٍ، فلم يكن ذلك الكلام مناسبًا للطرح في هذا المجلس؛ لذا نرى العظماء يؤكِّدون دائماً على التريث لثوانٍ قبل إطلاق الكلام، ليرى الإنسان: هل يتناسب كلامه مع هذا الموقف أم لا؟
رحِم الله المرحوم الشيخ المطهري فقد كان يقول عن أحد الأشخاص (وقد توفي هو الآخر): إنَّ فلاناً ينطق بكلّ ما يَرِدُ على ذهنه وبدون أدنى تأمّلٍ أو تريُّثٍ، فكلّ ما يَرِدُ على ذهنه يخرج مِن لسانه؛ فلا يتريث لثانيةٍ أو ثانيتين ليتفكّر بشأنه. وعندما يتكرّر الموقف ويحصل أمر آخر على سبيل المثال، تراه يسارع إلى الحكم عليه فورًا ووِفقًا لما يرد على ذهنه.

    

كيفيّة تصرّف الإنسان العاقل في المواقف

على الشخص أن يفكّر في الموضوع، ويتفحّص ظروفه ويأخذ بعض المصالح بعين الاعتبار، ويُراعي الظروف الزمانيّة والمكانيّة والاجتماعيّة، ويحسب التَبِعات التي من الممكن أن تترتب على ذلك الحكم.
فلا يمكن التعويل كثيرًا على ما يصدر عن أمثال هؤلاء الأفراد [الذين لديهم حماقة] طالما أنّ هذا هو حالهم، [فإذا ما تأمّل الإنسان في قضيّةٍ معيّنةٍ] فقد يُؤدي ذلك إلى توارد الكثير من الآراء على ذهنه. فخذ على سبيل الفرض هذا المثال: إذا ترافع إليك بعض الأفراد بشأن إحدى القضايا المتنازع عليها، وفي حال كان أطراف النزاع سيأتون إليك عند الساعة العاشرة أو الحادية عشر صباحًا لتحكم بينهم بهذا الشأن؛ فمن الممكن في هذه الحال أن تتبدّل وجهة نظرك عدّة مرّاتٍ، حتّى يستقرّ رأيك أخيرًا على أمرٍ معيّنٍ عند حلول وقت المرافعة، فلو أنَّك كنت قد حكمت بينهم وفقًا لرأيك الذي صمّمت عليه في الصباح، فمن غير المعلوم ما الذي سيترتب على ذلك من عواقب! فأنت في ذلك الوقت كنتَ جازمًا على الحكم بهذا الشكل، وكنتَ تقول بينك وبين نفسك: إنَّهم يستحقون أن يُقال لهم هكذا كلام وأن يتمّ التعامل معهم بهذه الكيفيّة؛ ولكنَّك وبعد مضـي ساعةٍ من الزمان تُراجع نفسك وتقول: إنَّ هذا الكلام فيه حِدّة ومن الممكن أن تترتب عليه بعض العواقب، فمن الأفضل أن أبدّل هذا الكلام وأطرحه بهذا الشكل.
وبعد مضي نصف ساعة أُخرى تُراجع نفسَك مرّة أخرى وتقول: من الأفضل أن أصرف النظر عن هذه الجملة أيضًا، وأطرح ذلك الجزء من الكلام فقط. وفي النهاية ومع وصول الساعة العاشرة تجد نفسك قد راجعت نفسك لعدّة مرّاتٍ بشأن هذا الموضوع حتّى توصّلت في نهاية المطاف إلى أفضل صيغةٍ يُمكن أن تطرحها، وترى بأنَّك ستحكم بالقضية باطمئنانٍ وسكونِ خاطرٍ؛ هذا مع أنّك كنتَ مضطربًا ومشوّش الذهن عند نهوضك من الفراش في الصباح وكنت تقول: سأفعل به ما أفعل، متى ستحل الساعة العاشرة ويأتي إلى هنا حتّى أريه ما أريه.
أتلاحظ كيف اختلف موقفك في الوقت الحاضر عن ذلك الذي كنت تنوي اتخاذه في بداية الأمر، لقد اختلف موقفُك بمقدار مائة وثمانين درجة، فأصبح الآن على العكس تمامًا من ذلك الموقف السابق؛ فتراك تراجع نفسك وتلومها وتقول: كان مناسبًا جدًّا أن كانت المرافعة الساعة العاشرة ولم تكن الساعة السابعة، وإلاّ لما كان بالإمكان التنبؤ بما ستؤول إليه الأمور.
فالتعجّل في الكلام، والتعجّل في الحكم على أمرٍ ما بدون تروٍّ هو ما يُطلق عليه بالحماقة؛ فالحماقة باللغة العربية تُطلق على ما يتمّ البتّ به بدون دراسةٍ وتأمّلٍ. أمّا في اللغة الفارسيّة، فتستخدم هذه الكلمة بشكلٍ أكثر حدَّةٍ، فهي تطلق على التصرّفات غير الموزونة وغير المتعارفة للشخص. ولكنَّها تعني في الحقيقة التكلَّم بكلامٍ ليس في محلّه، فيُنعت من يقوم بذلك بالأحمق؛ إذ لا بدّ للإنسان من أن يُراعي مشاعر الآخرين ولا بدّ له من التروّي والتدبّر قبل اختياره الكلمات التي سيستعملها في مخاطبة الآخرين، سواءً كان ذلك على نطاق التحدّث إلى شخصين تربطه معهم علاقةٌ خاصّةٌ، أم إلى مجموعةٍ من الأشخاص، أم إلى أُمّةٍ معيّنةٍ أم إلى جميع سكان العالم؛ على أنَّ البعض لا يتوفّقون لرعاية تلك الضوابط، حتّى وإن تريثوا وفكّروا بالكلام قبل إطلاقه، فهؤلاء خارجون عن نطاق حديثنا ولا شأن لنا بأمثالهم. لقد جعل الله للإنسان سبيلًا للاهتداء إلى استعمال الطريقة المناسبة في التخاطب، وذلك عن طريق التشاور مع الآخرين وأمثالها.
يوجد الكثير من المسائل المرتبطة بهذا الموضوع، ومن المحتمل أن يتمّ بحث تلك المسائل عند شرح الفقرات الأخيرة من هذا الحديث الشـريف الصادر عن الإمام الصادق عليه السلام؛ حيث سيتم التطرّق إلى الآيات القرآنيّة والروايات الواردة عن الأئمّة عليهم السلام بشأن كيفيّة التخاطب والتعامل مع الآخرين، وكيفيّة القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والذي يعتبر موضوعًا واسعًا جدًّا بحدِّ ذاته. فلا بدَّ للإنسان من أن يُقيِّم شروط البيئة التي يتكلّم فيها، حتّى يعرف الكلام المناسب الذي يطرحه، مع ظروف تلك البيئة مِن عدمه. وهكذا يفترض أن يكون الأمر مع بقيّة تصـرّفاته؛ فعليه أن يتصرّف بحزمٍ في ظروفٍ معيّنةٍ، وأكثر لينًا في ظروفٍ أخرى.

    

كيفيّة إيجاد الإكثار من الطعام البله والحماقة عند الإنسان

لا أرى المجال مناسبًا الآن للبحث حول هذا الموضوع، ولنبحث عن منشأ تلك الحماقة والبَلَه، الذي أشار إليه الإمام الصادق عليه السلام في هذه الفقرة، والذي هو عبارة عن انعدام القابليّة على التفكير السليم وعدم التمكّن من اتخاذ القرار الصحيح؛ فأحد الأسباب التي تؤدي بالإنسان إلى الوصول إلى هذا المستوى، وخصوصًا فيما يتعلّق بفهم المسائل السلوكيّة والمعاني وكليّات الأمور، هو انعدام التوازن والتعادل بين الجسم والنفس والروح.
كنت قد ذكرت للإخوة، ولمرّاتٍ عديدةٍ ـ من الممكن أن تصل إلى المائة مرّة ـ بأنَّ هنالك ارتباطًا لا إراديًّا بيننا وبين بدننا ومزاجنا؛ فإن حصل لنا ألمٌ في المعدة أو في الرأس أو حصل لنا أيّ مرضٍ، فسيؤدي ذلك إلى انشغال فكرنا شئنا أم أبينا. ويمكننا ملاحظة ذلك حتّى في الأمور الاعتيادية، فلو كانت حالة الشخص الصحيّة غير مناسبةٍ، فإنَّه لا يستطيع حلّ المسائل الرياضيّة ومهما حاول ذلك؛ لأنَّ حل المسائل الرياضيّة يحتاج إلى ذكاء وهو ما يُطلق عليه بالحدس؛ فحدس الشخص وطريقة تفكيره تقوده إلى الطريقة المؤدّية لحل تلك المسألة؛ لذا يُنصح بعدم محاولة حلّ المسائل الرياضيّة أو المطالعة عندما تكون المعدة ممتلئةً، فذلك سيؤدي إلى تعطيل الذهن عن التفكير السليم، وسينخفض مستوى الذكاء والدقّة المطلوبة، إضافةً إلى ما يترك من آثارٍ ضارّةٍ على الجهاز العصبي وجهاز الهضم وأمثال ذلك وهو بحدِّ ذاته موضوعٌ مستقلٌّ.
لذا يُنصح بعدم التكلّم أثناء تناول الطعام، والتركيز على الطعام نفسه وهذا ما ثبت اليوم طبيّاً. ولدينا رواياتٌ تؤكد على كراهة التكلّم أثناء تناول الطعام؛ وإن كان البعض يُفسر الموضوع بشكلٍ آخر، وذلك بأنَّ التكلّم أثناء مضغ الطعام يؤدي إلى بلع الهواء معه، الأمر الذي يؤدي إلى حصول حالة سوء الهضم؛ ولا بأس بهذا التفسير، فهو أحد أسباب الكراهة. غير أنَّ السبب الرئيسي هو، أنَّ فكر الإنسان سوف يكون مشغولًا بأمورٍ أخرى، وهذا بدوره يؤثِّر على إفراز العصارات الهاضمة، ولهذا السبب يُلاحظ أنَّ الأطباء يُوصون المريض بتركيز تفكيره على ذلك السائل الذي عليه أن يشربه قبل عملية التصوير الشعاعي، فهذا الأمر إن دلَّ على شيء فإنَّما يدلُّ على وجود ردّة فعلٍ خاصّةٍ للمعدة والأمعاء وبقيّة أعضاء الجسم تجاه ذلك السائل الذي تم تناوله بهذه الكيفيّة.
إنَّ هذا الأمر في غاية الأهميّة وله تأثيرٌ على الجسم من حيث تعلَم أو لا تعلم؛ فالنظام الأساسي للجسم مرتبطٌ بالجهاز العصبي، فإذا ما حصل خلل في الأعصاب، فسيُلقِي هذا بظلِّه على ذلك النظام بأكمله.
فإذا ما أخذنا هذا الموضوع بعين الاعتبار، فسنصل إلى هذه النتيجة وهي أنَّ الإنسان يكون بحاجةٍ إلى نوع من فراغ البال وصحّة الجسم والانشـراح لكي يتمكن من إدراك المسائل المعنويّة ولكي يتمكّن من الارتقاء بنفسه، وإلّا فإنّ ذلك لا يمكن أن يحصل له. من هنا يتبيَّن عدم إمكانيّة حصول هذا الأمر مع تناول الأغذية المتنوّعة، وبالمقدار الذي يتجاوز الحدّ المُجاز، والذي يشعر الإنسان معه بالثقل؛ فمع حصول هذا الثقل، يُسلب من الإنسان التشخيص الصحيح للأمور. فإن قرأت القرآن وأنت على هكذا حال، فستجد حالة عدم الاستيعاب لديك؛ [وبالعكس إذا لم تكن ممتلئًا]، فإن شئت فاختبر ذلك بنفسك؛ فأيّ فهمٍ وإدراك للمسائل سيحصل لديك عند قراءتك للقرآن أو عند قراءة تلك الأشعار الراقية وعالية المضامين لأولئك العظماء؟ وماذا سيكون نصيبك من الآيات القرآنية؟ وماذا سيخطر على نفسك من المعاني عند مطالعة الروايات الواردة عن الأئمة؟ ستخطر على ذهنك مسائل لم تكن لتحتمل وتتوقع وجودها، لماذا؟ لأنَّ الفكر والنفس أصبحا على استعدادٍ لتقبّل هذه المعاني، ولأنَّ الروح والنفس لا تكون مشغولةً بتدبير أمور البدن إلى ذلك الحدّ، ولا تكون مشغولةً بهضم ذلك الغذاء الذي وصل إلى الحنجرة ـ فذلك يؤدي بكلّ تأكيدٍ إلى انشغال النفس ـ لذا تستطيع الروح (وهي في هذه الحالة) أن تدرك تلك المعاني بكلّ بساطةٍ، وذلك لعدم انشغالها بأمرٍ آخر، وسيكون الفكر مرتاحًا ومنشـرحًا ونشِيطًا

    

بعض وصايا الأعاظم تتعلّق بكيفيّة تناول الطعام

لذا يوصي العظماء بأن يكون الغذاء الذي يتناوله الشخص بالشكل الذي لا يستغرق هضمه الكثير من الوقت؛ كأن يستغرق هضمه أربع ساعاتٍ أو خمس أو ست ساعاتٍ، وقد يستغرق هضم بعض الأطعمة ثمانية ساعاتٍ! فذلك يُؤذي الجسم، بل ينبغي أن يتناول الإنسان طعامًا سريع الهضم بحيث يُهضَم خلال ساعةٍ أو ساعتين؛ كما أنَّ مقدار الغذاء يُفترض أن يكون قليلًا؛ فكلّما كان مقداره قليلًا، يكون ذلك مريحًا للمعدة، فلا تنشغل المعدة بهضمه كثيرًا، مما يؤدّي إلى قلة انشغال الفكر وسائر أعضاء الجسم به؛ فامتلاء المعدة لا يؤثّر على المعدة فقط، بل يستتبع ذلك تأثيراتٍ على بقيّة الأعضاء؛ فسيكون له تأثير على القلب والرئتين والحجاب الحاجز والكبد، وسيؤدي ذلك إلى اختلال عملها إلى أن تنتهي المعدة من الهضم ويقلّ الضغط عليها.
فلذلك الموضوع تأثيرٌ مباشرٌ على كيفيّة رؤية الإنسان للأمور المحيطة به وكيفيّة تفكيره، وله تأثيرٌ خاصٌّ على بعض الأعضاء، حيث ذكر العظماء بعض المسائل المتعلقة بالعلوم الغير طبيعيّة والخارقة للعادة في هذا الشأن والتي لا يسع المجال لذكرها هنا.
أتلاحظون؟
لذا يقول الإمام الصادق عليه السلام لا ينبغي ملؤُ المعدة، بل على الإنسان، وقبل أن يبدأ بتناول الطعام، أن يرى أيّ الأطعمة الموجودة أمامه، هي المفيدة له، فيتناول من كلّ صنفٍ بمقدار ما يفيده؛ لا أن يقوم بالإسراف بتناول نوعٍ من الطعام، ثمّ يرى بأنَّ هنالك طعامٌ آخر أكثرُ فائدةٍ له، فيتناول منه، وبعدها يلتفت جانباً فيرى نوعًا آخر من الطعام يتلاءم مع مزاجه ولم يكن قد أكل منه بعد. هذا علاوة على ما يقوم به من مجاملةِ صاحب الدعوة أو صديقه أو الشخص الذي قام بإعداد الطعام لكي لا يتعرّض للعتاب والمؤاخذة. على أنَّ كلّ تلك المجاملات تكون على حساب صحّته ومزاجه، ولنرى متى بإمكانه أن يُرجع صحّته إلى سابق عهدها، فقد ثبت بالتجربة العمليّة ـ كما يؤيّد ذلك وصايا العظماء ـ بأنَّ ذلك التأثير ليس تأثيرًا آنيّاً وحسب، بل سيستمر إلى الغد وربما إلى بعد الغد، وإن كان سيضعف التأثير ويتضاءل مع مرور الزمان؛ غير أن له تأثيره.
لذا على الإنسان أن ينتهج نهجًا طبيعيًّا ومعتدلًا، ويفعل ما هو مفيد له، ويترك الباقي؛ ولا يدع الأهواء النفسانيّة تتغلّب عليه. كان ذلك كلّه أحد المواضيع المتعلقة بهذا الحديث الشريف.

    

تناول الطعام قبل الحاجة يضعف استعداد الروح لتلقي الفيض

يقول الإمام: «ولا تأكُل إلاّ عِندَ الجُوع» ، وهو عبارة عن استمرارٍ وتكملةٍ وتوضيحٍ للموضوع الآنف الذكر؛ فعلى الإنسان ألّا يبادر إلى الأكل ما لم يشعر بالجوع، لعدم حصول الحاجة إلى الغذاء بعد؛ فتناول الطعام مع عدم وجود الحاجة إليه سيتسبب في حصول مشاكل صحيّة وسيتبدّل إلى سمٍّ؛ وسيؤثر سلبًا وبشكلٍ كبيرٍ على الكبد وسائر الأعضاء كما جاء في الكتب المختصّة.
وإذا ما سعى الإنسان لتناول الطعام قبل الحاجة إليه، فإنَّ ذلك سيكون سببًا لحصول الحماقة للشخص؛ فيحصل له حالة من الثِقل والانقباض والكسل وفقدان الاستعداد الذهني لإدراك الحقائق. وكلّما أكّدنا على هذا الموضوع ابرازًا لأهميّته، إلّا أنّ ذلك التأكيد ما يزال قليلًا بحقّه لِما لهذا الموضوع من أهميّة قصوى؛ فلا يوجد عاملٌ مؤثرٌ في إدراك الحقائق كالاستعداد النفسي والروحي، ولا يمكن بأيّ حالٍ من الأحوال إدراك المسائل المعنوية، وانفتاح آفاقٍ جديدةٍ، وإزاحة تلك الستائر المركّبة فوق بعضها عن تلك المعاني والحقائق حتّى تستطيع النفس تقبّلها، بدون حصول ذلك الاستعداد لها؛ وأهم شرط لحصول هذا الاستعداد هو تحرّر النفس عن الاشتغال بالجسم وجهاز الهضم.

    

بيان المراد من الأكل الحلال

«وإذا أكَلتَ فَكُلْ حَلالاً» ، يقول الإمام هنا عليك اجتناب تناول الأطعمة المشتبه فيها؛ ولقد ذكرتُ للإخوة في وقت سابقٍ: على الإنسان إعطاء هذا الموضوع أهميّة لما له من تأثير مثالي وملكوتي على كيفيّة تحقّق وحصول الأمور في الظروف المختلفة؛ وهذا ممّا لا ريب فيه أبدًا. بالطبع فإنَّ الإمام لم يكن بصدد الحديث عن أكل المال الحرام، فذلك من المسلّمات وممّا لا حاجة لأن يقوم الإمام بتنبيه عنوان البصري عليه، بل مقصود الإمام هو اجتناب أكل الطعام الذي فيه شبهةٌ وشكٌّ في طريقة استحصاله؛ بحيث لا يعلم الإنسان مدى التزام صاحب الطعام برعاية الموازين الشرعيّة في طريقة كسبه للمال، وهل أنَّ أمواله أموالٌ مشتبهةٌ أم لا؟ هل هو شخصٌ ملتزمٌ أم أنَّه لا أبالي ولا يعير لهذه المسائل أي اهتمامٍ؟ فسيكون لتناول هكذا طعامٍ تأثيرٌ على الحالة الروحيّة للسالك.
على الرغم من أنَّ الناس لم تكن بصدد التفكير بموضوع السير والسلوك في سابق الأيام، إلاّ أنَّهم كانوا يراعون تلك المسائل بشكلٍ أفضل؛ أمّا اليوم فقد انصبَّ الاهتمام على ملئ المعدة والوصول إلى حالة الشبع من الطعام وبدون رعاية أيّ أمرٍ آخر سوى ذلك؛ فكلّ ما في الأمر هو أن يكون الطعام لذيذًا ويستطيع إشباع الإنسان، بدون الالتفات إلى مصدر الطعام وحلِّية اللحم المُعدُّ منه الطعام، فذلك لا يعنيهم. إنَّ واقع الأمر قد أصبح اليوم بهذا الشكل.
إنَّ لمصدر الطعام من حيث الحِلِّية أو الحُرمة، أو هل هو مال مشكوك فيه أم لا. لكلّ ذلك تأثيرٌ على حال الإنسان، ويستطيع الإنسان مشاهدة ذلك بنفسه. فكما كنت قد بيّنت للإخوة في وقتٍ سابقٍ، فإنَّه لا ينبغي للإنسان التفحّص عن حال الأشخاص في الأمور الاعتيادية؛ [فيأخذ بالتساؤل:] كيف يكون هذا الشخص؟ وما هو عمله؟ وبأيّ الأفراد يرتبط؟ وما هو مدى رعايته للموازين الشرعية؟ كلا، فهذا ليس مطلوباً منّا؛ بل يجب حمل الأمور على الصحة، لأنَّ السلوك مبنيّ على الحمل على الصحّة وعدم التدقيق والتحرّي والتوغّل في هذه المسائل بالشكل الذي يخرج عن المعتاد، وهو[أي: السلوك] على عكس ما يذهب إليه بعض الأشخاص من الذين يعتبرون هذا الموضوع من الأمور الأساسيّة.

    

من الخطأ التركيز على الأمور الظاهرية دون المعنويّة

وقد تحدثت للإخوة عن هذا الموضوع سابقًا، فقد تصوّر البعض بأنَّ السير والسلوك ليس سوى الخوض بالمواضيع المتعلّقة بالمأكولات والمشروبات وأمثال ذلك؛ وذلك بالتحقيق في كيفيّة الحصول على المواد وكيفيّة استهلاكها ومن أين يجب الحصول عليها. فكلّ ذلك يعود إلى تلك المسائل التي كنت قد تحدّثت عنها في المجلس أو المجلسين السابقين، أو تلك التي أشرت إليها في المجالس المنعقدة في بعض المدن، حيث يتصوّر هؤلاء الأشخاص بأنَّ السلوك هو عبارة عن الاهتمام بالمسائل الظاهريّة فقط دون الالتفات إلى المسائل المعنويّة.

    

النموذج الأوّل: زيارة الإمام الرضا

سألني أحد الأشخاص: من أيّ بابٍ، كان المرحوم والدك [سماحة العلامة الطهراني قدّس سرّه] يدخل إلى الحرم عند زيارته للإمام الرضا عليه السلام؟ فقلت له: ما هذا الكلام الذي تتفوّه به أيها السيِّد؟ فقال: أردت أن أعرف. فقلت: لا يتحدّد الإمام الرضا عليه السلام بعدد الأبواب، فما هذا الكلام؟ لقد كان يدخل من أيّ بابٍ يجده مفتوحًا وذلك بناءً على الطريق الذي يسلكه إلى الحرم. أمّا محاولة معرفة الباب الذي كان يَرِد منه، أو أيّ بابٍ كان يُقبِّل، فكلّ ذلك من الأمور التي لا ضرورة لمعرفتها، ولا تعني الإنسان شيئًا.
لحرم الإمام الرضا عليه السلام مائة باب، فمن أيّ بابٍ شئت الدخول للزيارة، فادخل؛ وأيّها وجدت أقلّ ازدحامًا، فادخل منه. أتلاحظون؟ فإعطاء هذه المسألة موضوعيّةً يعود بنا إلى ذلك الموضوع الذي تحدّثنا عنه. أنت تنفصل بعملك هذا عن الإمام الرضا عليه السلام. أنت تضع الإمام الرضا عليه السلام جانبًا بصبّ اهتمامك على أنَّه مادام ذلك الشخص كان قد دخل من هذا الباب، فيترتب عليّ أن أرى الإمام من هذه النافذة. لا يمكن تقيّيد الإمام الرضا عليه السلام بهذا الباب أو ذاك! أتلاحظون؟
تلك هي أمورٌ عجيبةٌ وعظيمةٌ ودقيقةٌ، وهي أمورٌ أساسيّةٌ، أي إنَّ مفتاح الوصول إلى الكثير من الحقائق يكمن فيها.

    

النموذج الثاني: صلاة الجماعة

[و من الأمثلة الأخرى على هكذا تصـرفات] الشخص الذي يدخل مسجدًا للصلاة، فترى هذا الشخص يستفسر مِن عشرة أشخاصٍ عن إمام الجماعة، من هو إمام الجماعة؟ ما اسمه؟ أين يعمل؟ ما هي طبيعة عمله؟ ذكرت ذلك سابقاً: يكفيك يا هذا، أن ترى المؤمنين قد اقتدوا به، فتستطيع أن تقتدي به أنت أيضًا، فهل أحرزت راحة الضمير بمعرفة ذلك الشخص وخصوصيات هويته وتاريخ ولادته؟! ما الذي ستتوصّل إليه من هذه الأسئلة؟ ستعرف بأنَّه إنسانٌ صالحٌ. هل لصلاتك كل ذلك القدر حتّى تتفحّص بهذا المقدار؟! فليس من المعلوم إمكانيّة عروج صلاتك إلى السقف فيما لو صليت خلف [إنسانٍ صالح]؟! يبدو أنَّ الأمر من الأهميّة لذلك الشخص الذي يريد الصلاة، بحيث إنَّه لا يستطيع الصلاة أربع ركعاتٍ خلف إمام جماعةٍ، ما لم يحرز معرفة كافة التفاصيل المتعلقة به! لا يعكس هكذا تصرّف سوى الانحراف عن جادة الصواب، واتخاذ مسيرٍ مغايرٍ لها.
يقول الله: عليك أن تجعلني أمامك في الصلاة وتقتدي بي؛ كلّ ما في الأمر هو ألّا يكون إمام الجماعة الذي تقتدي به شخصًا معروفًا ومشهورًا بالفسق، ولا شأن لك بما سوى ذلك. لماذا؟ لأنَّك وعند تكبيرك للإحرام، هل ستجعل هذا الشخص نُصب عينيك، أم الله؟ فإن كنتَ تقصده، فصلاتك باطلةٌ! لأنَّ هذا الشخص يُفترض أن يكون وسيلةً للارتباط بالله لا أكثر. فعندما تصعد في حافلة أو في سيّارة أجرةٍ لتذهب من مكان إلى آخر؛ يسألك سائق السيارة: أين وجهتك؟ فتقول إلى ميدان الثورة [على سبيل المثال]. فهل تقوم في هذه الحالة، بالتفحص في شكله وطول قامته، والنظر في هويته الشخصية. [إنَّك لا تفعل ذلك بكلّ تأكيدٍ] فالزمن اللازم لطي الطريق لا يستغرق سوى ربع ساعة، ولا يكون هذا السائق سوى وسيلة لإيصالك إلى الجهة التي تنوي الذهاب إليها. فلا مبرّر لهكذا تصـرّف؛ فلو سألته عن اسمه، لقال: لك ما شأنك واسمي؟! ولو سألته عن لقبه وعدد زوجاته وأطفاله وأحوال عشيرته وكم له من الوقت وهو يمارس هذه المهنة، ومتى جاء إلى هنا، وهل هو مُتعب أم لا! لقال لك: جزاك الله خيرًا، لا أريد نقلك وإن شئت فسأعطيك مالًا لتتركني وشأني، اذهب وجِد لك سيّارةً أخرى تنقلك! فكلّ ذلك مما لا مبرّر له.
وهكذا الأمر بشأن الاقتداء في الصلاة، فإمام الجماعة بحكم سائق سيّارة الأجرة، فهو وسيلةٌ ليس إلّا، فهل يوجد تمثيل أكثرُ وضوحًا من هذا لكي استخدمه لتبيان المسألة؟!
أمّا إن كان الموضوع يتعلّق بالبحث عن شخصٍ لكي تقوم بتقليده، فالأمر مختلفٌ هنا، ولا يمكن تشبيهه بسائق السيّارة! أتلاحظون؟ فذلك شيءٌ آخر، فهو ليس وسيلةٌ؛ فأنت تريد هنا أن تُسلّمه أمور دنياك وآخرتك. [غير إنَّنا نرى بأنَّ الأمر قد أصبح على العكس، فقضية اختيار مرجع التقليد] أصبحت مثل حكاية سائق سيّارة الأجرة، والاقتداء بإمام الجماعة شيء آخر. أنت تُسلَّم دنياك وآخرتك بيد مرجع التقليد وأنت غير عارفٍ بأنَّك بفعلك هذا تكون قد وضعت كلّ عمرك تحت تصرّفه.
إنّ الله لم يُعطِك عمرين، بل هو عمر واحد. [فبعد مضـي مقدار من الزمن تراك تقول:] كنت أتبع هذا المرجع كلّ هذا الوقت، وإذا به قد ظهر بشكل آخر؛ فكيف بتلك الأحكام والتكاليف التي كنت آخذها منه وأعمل بموجبها.
بالطبع فإنَّ لكلّ موضوعٍ ما يقتضيه، فما ذكر أعلاه كان يتعلّق بموضوع الاقتداء بذلك الشخص للصلاة؛ أمّا إذا ما تجاوز الموضوع الصلاة، وأراد الإنسان الاستماع إلى خطبه وحديثه، فسيكون ذلك موضوعًا آخر وله حديثٌ آخر، فلا بدّ في هذه الحالة مِن التدقيق بشأن من يكون هذا الشخص؛ لأنَّه سيقوم بطرح مواضيع أخلاقيّة واجتماعيّة ويقوم ببيان التكاليف الشرعيّة.
عندما تحين صلاة الظهر أو صلاة المغرب أحيانًا وأدخل إلى المسجد الذي يكون في طريقي لأداء الصلاة؛ ألاحظ بأنَّ إمام الجماعة قد صلَّى صلاة المغرب، ثم قام بقراءة دعاءٍ، ثمّ نهض بعدها لأداء صلاة العشاء ثمّ انصرف. فأقول في نفسي: أيُّ مسجدٍ هذا الذي لا يقوم الإمام فيه بالحديث إلى الناس ونصيحتهم؟ فأيّ إمام جماعةٍ هذا؟! إن كان الأمر يجري على هذه الشاكلة، فقد كان بإمكان المصلين أداء صلاتهم في بيوتهم. فإمام الجماعة هو ذلك الشخص الذي يُقيم الصلاة، ثم يقوم بواسطتها بإيصال مبادئ أهل البيت إلى مسامع الناس؛ فعليه أن يجمع الناس بعد الصلاة ويصعد المنبر، أو يجلس على الأرض، ويُوضّح لهم أمور دينهم. ففي هكذا حال يجب مراعاة الدقّة في الموضوع، فعليه التدقيق بشأن أيّ الأشخاص يمكنه الاستماع إليه، وإلى أيّ شخصٍ يرجع، وأيّ شخصٍ يتَّبع؛ فلا بدّ من التدقيق في كلّ ذلك.
لذا يقول المرحوم السيِّد الحدّاد بأنَّك إذا ما دخلت مدينة أو كنت مسافراً وتوقفت الحافلة في مكان ما وحان وقت الصلاة ودخلت أحد المساجد ووجدت الناس يأتمّون بشخصٍ لأداء صلاة الجماعة، فليس عليك التحقيق بشأن إمام الجماعة، فما دام الشخص شخصًا صالحًا وقد اصطفًّ الناس للصلاة خلفه، فهذا يكفي للائتمام به.
كلّ هذا يدعونا إلى عدم التدقيق بشأن هذا الأمر. نعم، هنالك أمور ينبغي التدقيق بشأنها، والتي سنتحدّث عنها لاحقًا. أمّا ما يتعلّق بالاقتداء في الصلاة، فلا ينبغي التدقيق بشأنه؛ لأنَّ إمام الجماعة واسطةٌ ووسيلةٌ ليس إلاّ؛ علماً بأنَّ لصلاة الجماعة الثواب الكثير، فمجرد اجتماع المؤمنين في مكانٍ واحدٍ، يوجب رضا الله؛ فهذا الاجتماع بحدِّ ذاته سواءً كان في المسجد أو في مكانٍ آخر يبعث على تقوية القوى المعنوية والروحيّة للأفراد. فثواب صلاة الجماعة يعادل عشـرة أو مائة ضعف ثواب تلك الصلاة التي يُصليها الإنسان بمفرده؛ فسيستفيد الشخص أكثر في هكذا حال؛ لذا يجري التأكيد في الشـريعة الإسلاميّة على أداء الصلاة جماعةً.
كما أنَّ على المصلّي ألاّ يُركِّز ذهنه وتفكيره وبصره صوب إمام الجماعة، بل كلّ ما عليه هو متابعته في الركوع والسجود لا أكثر؛ فما سوى ذلك سيؤدي إلى انصراف الذهن عن مبدأ الوجود [وهو الله عزّ وجل]. فيجب على المُصلّي التوجّه إلى مبدئٍ واحدٍ، لا إلى مبدأين أحدهما الله والثاني إمام الجماعة؛ بل يجب صرف النظر حتّى عن التوجّه إلى الملائكة، كأن يُفكر الإنسان بأنَّ الملائكة يسجلون له الثواب الآن؛ فتوجّه المُصليّ نحو الملائكة هو شِرك. فعندما ينظر المُصلّي إلى الله، عليه أن يصرف ذهنه عمّا سواه ولا يجب أن يخطر على باله شيء آخر. فالتفكير بالجدار الذي أمامه، ما لونه؟! وهل هو مُغلّف بالفسيفساء أم لا؟! كلّ ذلك ناجمٌ عن وسوسة الشيطان.

    

النموذج الثالث: بناء المساجد ودور العبادة

لذا تمت التوصية بعدم تزيِّين جدران المساجد بالزينة والألوان، لأنَّها تبعث على تشتيت ذهن المصلِّي؛ ويصبح المسجد مثل الكنائس التي يستخدمون دقائق المسائل الفنيّة في تزيِّينها. ما كلّ هذه الزخارف؟! كلّ تلك الأمور تجعل الشخص الداخل إلى الكنيسة أو الكنيس، وبدلاً من أن يتوجّه إلى الله، يقوم بالتفرج على تلك السقوف المزينة وتلك الزخارف.
ذهبت مرّة لرؤية إحدى الكنائس الكبيرة، والتي ربّما تكون أكبر كنيسةٍ في العالم، للتعرّف على أحوال أولئك الناس؛ فرأيت بأنَّ الشخص الداخل وبدلًا من الاشتغال بالعبادة، يأخذ بالتحديق بتلك الزخارف! فهل أتيتَ يا هذا لغرض العبادة والدعاء في يوم الأحد، أم كان مجيئك لغرض التفرّج على تمثال السيَّد المسيح؟! ذلك التمثال الذي استغرق نحته مدّة ثلاثين عامًا. فترى الأشخاص مشغولين بالتقاط الصور وتصوير الأفلام. فمتى كان هذا المكان ـ وهو بهذه الحالة ـ يصلح للتوجّه إلى الله والعبادة؟! فكلّ شيءٍ هناك عبارةٌ عن تماثيلٍ وصوَر، فأين هو الله في هذا الوسط؟ فلا ترى سوى التماثيل والنقوش والأعمال الفنيّة والمعماريّة والانشغال بالأمور الدنيويّة.
وليكن بعلمكم إنَّهم متقدمون علينا في هذا المجال. [وها نحن نعمل نفس الشـيء] فتجد مساجدنا مزينةً بدقائق الزينة، فهم يعملون على تزيِّين السقوف والجدران سنتيمتراً سنتيمتراً. لكن هل أمر الإسلام بأيٍّ من هذه المسائل أو أكَّد عليها؟ فلو أنَّ مسجداً قد تمّ بناءه على نحو هذا المكان الذي نحن جالسين فيه؛ على أنَّ هذا التغليف بالحجر زائد عن الحاجة [يشير سماحته إلى الرخام الذي غلّف به جدار المجلس]، فلو كانت جميع الجدران مغطاةً بالجبس لكان ذلك أفضل، فلو تغاضينا عن هذا المقدار، فأيّ نقصٍ وأيّ عيبٍ سيكون في مسجد يتمّ بناؤه على هذا الطراز؟
قال المرحوم العلاّمة: دخلت أحد المساجد فوجدت محرابه من الذهب، فقلت: هذا عمل حرام، فالزخرفة بالذهب حرام.
لقد أراد [العظماء] أن ينبهوننا ويُقوّموا طريقنا الذي نسلكه، ولكنَّنا نأبى ذلك ونريد سلوك الطريق المنحرف؛ فهم يقولون: أنت مسلم وسالك الطريق إلى الله، فلماذا تنحرف عنه؟ لماذا تشغل نفسك بهذه المسائل، فهي تحرفك عن مسيرك؟ فيجعلنا هذا الكلام نعود إلى رشدنا قليلاً ونأخذ بالتفكير. ولكنَّه وما أن يأتي شخصان ويقولان: ما أجمل هذا المسجد أيّها الحاج، فهو يشرح صدر الشخص الداخل إليه! ترانا نتراجع ونقول: ما دام المؤمنون يقولون هذا، فدعهم إذن [يتمتعوا بهذه الزخرفة]. ثم يأتي التنبيه بوسيلةٍ أخرى ويقول: لا تلتفت إلى قول هؤلاء، ولا تتأثّر بأفكارهم ولا تسمع مدحهم، بل عُد إلى عقلك وانظر ما الذي تدركه أنت. وهكذا يكون الإنسان واقع بين هذه التجاذبات.
بالطبع فإنَّني كنت قد طرحت عليكم هذه المواضيع سابقاً، ولكنَّني أردت أن أعمل مراجعة لها هذه الليلة. إنَّ كلّ هذه المسائل تُعدُّ انحرافًا عن المسير الصحيح؛ وما يقبله الإسلام هو متابعة ما جاء في شريعة رسول الله صلى الله عليه وآله وما جاء عن الأئمة عليهم السلام ولا غير.
هنالك رواية عجيبة عن الإمام الباقر عليه السلام في هذا الخصوص حيث يقول: عندما يظهر قائمنا يقوم بتخريب جميع هذه المساجد، فقيل له عليه السلام: يا بن رسول الله، فلا يجوز لنا الصلاة فيها إذن؟ قال: لا بأس بالصلاة فيها في عصر ما قبل الظهور. هذا التجويز يعني بأنَّه لا ينبغي لنا التشدّد في هذا الأمر قبل ذلك الزمان، فالإمام وحده المُكلّف باتخاذ الاجراءات الشديدة والقطعيّة؛ لماذا؟ لأنَّه يقوم بإقرار التوحيد، والتوحيد لا يتلائم مع هذه المظاهر. أمّا بالنسبة لنا فالأمر مختلفٌ، ولا بدّ من مداراة الناس، فليس الجميع بنفس الاستعداد؛ [فلو فعلنا ما سيفعله إمام الزمان] لترك الكثير من الناس المساجد وذهبوا إلى الكنائس وقالوا لا حاجة لنا بهكذا مسجد و سنتركه للآخرين.
ولكن على الإنسان أن يقوم بتشخيص الأمور بنفسه، وعليه أن يفعل ما هو مأمور به.

    

تأثير بعض المعاملات التجاريّة في جعل الطعام مشتبهًا

إنَّ مسألة ألا يكون الغذاء الذي يأكله الإنسان غذاءً مشتبهاً، مسألةٌ مهمة؛ سيدفع ثمنها الشخص في يومٍ من الأيّام؛ فلا ينبغي التغابي والتغافل بهذا الشأن، بل يجب مراعاة كامل الدقة؛ فحتّى الخطور الذي يخطر على ذهن الإنسان بشأن معاملةٍ ما، سيترك أثره على ملكوت ذلك التعامل! كأن يُخفي البائع أمرًا ما عن المشتري خشية امتناع المشتري عن الشراء؛ فعلى سبيل المثال إذا كان البائع يعلم بأنَّ سعر المادّة التي ينوي بيعها سينخفض في الغد، ويُخفي تلك المعلومة عن المشتري بحجّة إنَّه يتعامل معه بسعر اليوم، وإن جاءه ذلك المشتري في الغد وعاتبه سيقول له بعتك المادّة بسعر الأمس، ولم أكن قد أجبرتك على الشراء؛ فهذا نوع من أنواع التعامل المشتَبَه، فالمشتبه لا يُطلق على التعامل القطعي الحرمة، فذلك [أي: التعامل القطعي الحرمة] هو الحرام [لا المشتبه]. على البائع أن يُخبر المشتري بحقيقة الموقف، فيجب عليه إخباره بأنَّ سعر تلك المادة سينخفض في الغد. أو إذا ما كان المشتري يريد شراء مادّة بمواصفات معينة، ولم يكن لديه مادّة بتلك المواصفات وهو يعلم وجودها لدى المحل المجاور، فعليه إخبار المشتري بذلك؛ فلعلّ المشتري يقول: لقد أعجبني تصرّفك هذا، فقررت أن أشتري منك تلك المادّة. كما أنَّ على البائع إعلام المشتري بنوع العلامة التجارية للمادّة التي ينوي بيعها فيقول للمشتري: لدي مادّة بهذه العلامة التجارية، فإن أردت مادّة بعلامة أخرى، فهي متوفرة في المحل الفلاني.
فهذا النوع من التعامل هو تعامل سلوكي؛ وسيكون للنقود المستحصلة من هذا الطريق نور؛ غير أنَّ ذلك النور لا يمكن رؤيته بواسطة الأجهزة، بل يتمكن من تشخيصه ذلك الشخص الذي تستطيع عيناه رؤية مسائل أخرى؛ فلو تم شراء رز أو خبز بهذه النقود، فسيكون لذلك الرز أو الخبز نور. أمّا إن كان ضمن تلك النقود خمسين ألف تومانٍ قد تمّ استحصالها بدون استحقاق، فسوف لن يكون لتلك النقود الإضافيّة نور، وإذا ما تم شراء الرز بثمنها، فسيشعر الشخص الذي يأكل ذلك الرز بالكآبة والثقل. كيف حصل ذلك؟ حصل ذلك بسبب تلك النقود؛ لذا على الإنسان أن يكون صادقاً ومستقيماً في تعامله مع الآخرين، وليحصل ما يحصل. فما يجب أن يحصل عليه الإنسان، سيحصل عليه؛ وما لم يكن مقسوماً له، فسوف لن يحصل عليه أبدًا. وكيف للإنسان أن يعرف بأنَّ الحصول على ذلك المال سيكون في مصلحته؟ فلعلّه لا يكون في مصلحته؛ فلا ينبغي علينا النظر إلى مصالحنا من منظار دنيوي.

    

قصّة الإمام الصادق مع التاجر الذي طلب الخيرة

جاء شخص إلى الإمام الصادق عليه السلام طالبًا الاستخارة، فاستخار له الإمام وظهرت الاستخارة سيّئة؛ فسافر هذا الشخص وبعد عودته من السفر جاء إلى الإمام قائلاً: لقد استخرت لي، وكانت الاستخارة غير جيدة؛ فقال الإمام وما الذي حصل؟ قال: كانت استخارتي لغرض الذهاب في سفرة تجاريّةٍ، فسافرت وكان ربحي في هذه السفرة مضاعفًا. فقال له الإمام كانت نتيجة الاستخارة سيئة بسبب فوات وقت صلاة الصبح، لأنَّك نمت متأخراً، فلم تنهض للصلاة في وقتها، وصلّيتها قضاءً؛ أتتذكر ذلك؟ فقال: نعم، نعم أتذكر ذلك. فقال الإمام: لهذا السبب كانت نتيجة الاستخارة سيئة.
فهل يفترض أن يكون النظر إلى الأمور على أساس دنيويّ؟! عندما نتمعّن في هذه الحكاية، نقول: إن فاته وقت الصلاة، فلا بأس يستطيع أن يقضيها؛ ونتعامل مع الأمر هكذا بهذه البساطة! أمّا الإمام الصادق عليه السلام ولكونه إمام فيُخبره بحجم الخسارة التي خسرها؛ على عكس ما نفهمه نحن، فنحن نتعامل مع الموضوع بشكلٍ عادي ونقول: لقد حصل هذا الأمر إذن، وهو يحصل لنا كثيراً ونقوم بقضاء تلك الصلاة. فإن جاءك هذا الشخص مستشيراً وأنت تعلم بأنَّ صلاة الصبح ستفوته وسيصليها قضاءً بسبب نومه المتأخر في تلك الليلة، هل كنت ستنهاه عن السفر؟ لا، بل ستقول له: اذهب؛ لماذا؟ لأنَّنا لم ندرك أهميّة الموضوع؛ فلكوننا لم ندرك أهميّته، نقول له اذهب؛ وتستطيع قضاء ما فاتك من الصلاة، فهذا ليس بالأمر المهم!
لا بدّ وأن يكون هذا الشخص مُقصّـِراً في تكليفه [في القيام للصلاة]، وإلاّ لما تكلّم معه الإمام بهذا الشكل. فقد يحصل أن تفوت الإنسان الصلاة [بدون تقصير] فيؤدّيها قصـراً، فهذا ممّا يحصل أحياناً، وهو ليس بالأمر المهم. نعم، يبدو بأنَّ الشخص كان مُقصِّراً، فرأى الإمام مقدار ما خسره ذلك الشخص؛ لذا قال له: لا تفعل. ولكنَّ ذلك الشخص خالف كلام الإمام وذهب وابتلي بهذا الابتلاء، ثمّ يأتي ليعترض على الإمام قائلاً: يا بن رسول الله، لقد كان سفري سفرًا ممتعًا، وكان ربحي مضاعفًا! فأين هو الخلل بحيث كانت الاستخارة سيئة؟! يقول الإمام ـ (أنا [يشير سماحته إلى نفسه] الذي أقول ذلك [نيابة عن الإمام] ـ إنَّ هكذا تقيِّيم للمسألة ناجم عن أسلوبك وتفكيرك الخاطئ وسوء فهمك للأمور، وانحراف ثقافتك وتخلّفك عن المسير الصحيح، [ولذا تراه سفرًا جيّدًا بالنسبة لك] أمّا بالنسبة للشخص الذي لا يريد التخلّف عن القافلة، فلو كان ربحه أكثر من هذا بمائة مرّة، ما كان ليذهب في سفرٍ كهذا ليطلب هذا الربح.
هذا كلّه لأنّ جميع الأمور عنده غير صحيحة، ولذا فهو يرى أنّه كان ينبغي أن تكون الخيرة جيّدةً بدلًا من سيّئة.
إنَّ الإمام الصادق عليه السلام لا يطرح هذه الأمور على عامة الناس، فهؤلاء لا يستحقون بأن يكونوا مورد خطاب الإمام ولا شأن له بهم، بل يُخاطب الإمامُ أولئك الذين يريدون سلوك الطريق الصحيح إلى الله وإصلاح آخرتهم. فإن كنت منهم فعليك اجتناب تناول الأغذية المشبوهة.
وليكن شروعك بالأكل بذكر اسم الله، واذكر حديث الرسول ... .
لقد أخلفتُ الوعد مرّةً أخرى ولم أتمكّن من إنهاء الموضوع، وسيتم شرح ما تبقى من هذه الفقرة في المجلس القادم إن شاء الله. وآمل الانتهاء من شرحها في المجلس القادم إن شاء الله.

    

بعض الوصايا في كيفيّة استقبال شهر رجب

لقد جرت العادة في كلّ عام على التذكير ببعض المسائل المتعلّقة بالأشهر المباركة. فالأخوة يعلمون بقرب أيّام شهر رجب وشعبان ورمضان، وسأستعرض في المجلس القادم بعض تلك المسائل أيضًا، ولكنَّني وددت أن أطرح أمراً يتعلق بشهر رجب كنت قد سمعته من المرحوم العلاّمة؛ فكان يوصي بشـروع المراقبة الخاصّة بشهر رجب قبل حلول هذا الشهر بأيّام، فيجب على السالك تجديد النظر بموضوع مراقبته وبرنامج عمله وأسلوبه في التعامل وعلاقته مع الآخرين. لأنَّه إن حلّ شهر رجب ولم يصلح الإنسان أموره فلن يستفيد منه، فلا بدَّ من التهيؤ له قبل حلوله؛ فيجب عدم تفويت حتّى اللحظة الواحدة منه، فتلك اللحظة تختلف عن بقيّة اللحظات [التي في الأشهر الأخرى]. فيجب على السالك أن يكون دقيقًا في أسلوب كلامه وعلاقته مع الآخرين، فعليه التكلّم والتعامل مع الغير بأسلوبٍ ألطف. فإن كان الشخص عصبيّ المزاج، فعليه أن يتعامل بمزاجٍ يرتضيه الله؛ وعليه مراعاة رضا الله في كلامه وعلاقته مع الآخرين خصوصًا مع أرحامه وأقربائه وأصدقائه؛ والابتعاد عن التخيّلات والأوهام وكلّ ما يخطر على الذهن؛ ومراعاة الأشخاص وبالخصوص أولئك العاملين تحت أمرته وما شاكل ذلك من الأمور التي يؤكِّد عليها العظماء.
يؤكِّد العظماء على البدء بكلّ ذلك قبل حلول شهر رجب، حتّى إنَّهم قالوا: من المستحسن أن يعمل الشخص على إيجاد أجواء شهر رجب في بيته وبيئته اعتبارًا من الأوّل من شهر جمادي الثاني لكي يُستفاد منه بشكل أكبر. [فعليه تشديد المراقبة] فيما يتعلق بأذنه وعينه وقدمِه؛ فلا يذهب إلى أي مكان، ويَحد مِن تكلّمه مع الآخرين، فلا يتكلم مع أيٍّ كان من الأفراد، ولا ينصت إلى أيّ كلامٍ ولا ينظر إلى أيّ شيءٍ أمامه؛ [ولا يُعطي الفرصة لنفسه بالتسويف] فيقول لا يزال أمامي المزيد من الوقت حتّى حلول شهر رجب، فلدي فرصة عشرين يومًا أو خمسة عشر يومًا على سبيل المثال. [ويقول كذلك:] الله عظيم.
نعم، الله عظيم، وهو عظيم دائماً ولكنَّ الله قد جعل لكلّ شيء سببًا وعلّة لتحقُّقه، وخلاصة الأمر، فقد أكَّد العظماء على أهميّة ذلك الاستعداد الذي يُفتَرض على الشخص إيجاده في نفسه لغرض الورود في هذه الأشهر المباركة رجب وشعبان ورمضان؛ لا نفس الدخول في تلك الأشهر هكذا بلا استعداد، فلِتلك الأشهر جوّها الخاصّ بها. فالمهمّ هو: كم هو مقدار ذلك الاستعداد الذي أوجده الشخص لهذا الغرض؟ فقد كان العظماء يقولون: ستأكل من الحساء بمقدار يتناسب مع ما تدفع من نقود؛ فكلّما قام الإنسان بتقوية ذلك الاستعداد، كلّما كان أكثر تأهيلًا لأجل ورود الفيض الإلهي على قلبه ونفسه.
سنستعرض المسائل المتعلقة بخصوصيات الأشهر المباركة رجب وشعبان في المجلس القادم إن شاء الله.
اللهمَّ صلِّ على محمّد وآلِ محمّد


[1] ـ إحدى فقرات حديث عنوان البصري الشريف للإمام الصادق عليه السلام.

[2] ـ إنَّ ما أشار إليه السيِّد حفظه الله هو المتداول على الألسن باللغة الفارسية، وسيوضح السيِّد ذلك لاحقاً. [المترجم]

      
  

جميع الحقوق محفوظة لـ موقع المتقين www.motaghin.com ويسمح باستخدام المعلومات بشرط الإشارة إلى المصدر.

© 2008 All rights Reserved. www.Motaghin.com


Links | Login | SiteMap | ContactUs | Home
عربی فارسی انگلیسی