معرض الصور المحاضرات صوتيات المكتبة سؤال و جواب اتصل بنا الرئیسیة
 
اعتقادات و كلام أخلاق حکمة عرفان العلمي و الإجتماعي التاریخ القرآن و التفسير
المكتبة > محاضرات آية الله السيد محمد محسن الطهراني > شرح دعاء أبي حمزة الثمالي > شرح دعاء أبي حمزة الثمالي لعام 1435 هـ ق > شرح دعاء أبي حمزة الثمالي لعام 1435 هـ ـ الجلسة11: وفاء الله وأولياؤه بما وعدوا

_______________________________________________________________

هو العليم

سلسلة شرح دعاء أبي حمزة الثمالي للعام 1435 هـ

المحاضرة الحادية عشر
التنّجز وأهمّية العمل بأوامر العظماء

ألقيت في الليلة الثانية والعشرون من شهر رمضان المبارك لعام 1435 هجري قمري

ألقاها:
سماحة آية اللـه السيّد محمّد محسن الحسيني الطهراني
حفظه اللـه

 

_______________________________________________________________

تحميل ملف البد دي أف تحميل ملف البد دي أف

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلّى الله على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم محمّد
اللهم صلّ على محمّد وآل محمّد
وعلى آله الطيبين الطاهرين
واللعنة على أعدائهم أجمعين

"وَأَنَا يَا سَيِّدِي‏ عَائِذٌ بِفَضْلِكَ هَارِبٌ مِنْكَ إِلَيْكَ متنجِّزٌ مَا وَعَدْتَ مِنَ الصَّفْحِ عَمَّنْ أَحْسَنَ بك ظنًّا"
يا مولاي! أنا ألتجئ بفضلك، وأهرب منك إليك، وأنا متمسك بذاك الوعد الذي منحته للذين أحسنوا الظن بك، فقد وعدت من كان له حسن ظن بك بالعفو عنه والتجاوز عن زلاته وأخطائه..، وأنا لا أعدّ ذلك كلاماً هازلاً! فمتنجز تعني أنني جاد وثابت على هذا الوعد لا أعتبره مزاحاً، بل أرتكز إليه في عملي.

    

تمهيد في تلخيص ما تقدّم

تقدّم أنّ الإمام السجاد سلام الله عليه بيّن لنا في هذه العبارة الركيزة الأولى والحجر الأساس لعملية السير والسلوك والحركة إلى الله، وأنّه حدّثنا عن ذلك الحجر الأساس الذي يدور كلّ شيء عليه! والذي هو بمثابة حجَر الطاحونة؛ فهي تتألف من حجرين أحدهما في الأسفل ثابت، والثاني يتحرّك عليه، وكانوا يضعون القمح بينهما ويطحنونه. فلو لم يكن الحجر الأول موجوداً لما أفاد الحجر الثاني شيئاً، إذ على أيّ شيء سيدور ولا شيء تحته؟! فسوف لن يصدر منه شيء! وذاك الحجر الأساس للإنسان هو رؤيته ويقينه وكيفيّة نظره إلى المسائل التي تدور حوله قهراً شاء أم أبى.

    

وجوب الوفاء بالوعد مطلقاً ولو في غير عقد لازم

لو لم يكن الإنسان قد وُعد هذا الوعد؛ كما لو كان الله لم يعده هذا الوعد، أو كان وعده إياه ولكن كما يعد بعضنا بعضا؛ سأفعل لك هذا الأمر.. من الوعود التي لا قيمة لها ولا اعتبار ولا ضمانة! سأجري لك هذا الفعل.. سأعطيك هذا المال؛ اذهب واعمل هذا العمل وسأعطيك هذا المال! وبعد أن يذهب المسكين ويأتي بالعمل.. فيقول له: متى قلت لك هذا الكلام؟! هذه الوعود الفارغة التي نعدها نحن، وعلينا أن نعلم بأنه في الشرع يجب الوفاء بالوعد الذي يعده الإنسان لآخر! ولو لم يف به فقد ارتكب محرماً يوجب الفسق.
لذا ما نراه من البعض ـ حتى من الفقهاء والأصوليين ـ حيث يقولون بأنّ الشرط إنما يتنجز ويكون لازماً إن كان ضمن عقد، هو ليس صحيحاً، بل الشرط سواء كان ضمن عقد، وكان تنجّزه والإلزام به بسبب تنجّز العقد والإلزام به، أو كان شرطاً خارج العقد، وسواء كان شرطاً ابتدائياً أو شرطاً انضمامياً، فإنّ كل شرط أو تعهّد يلتزم به إنسان اتجاه آخر هو واجب الوفاء، إلا أن يكون له عذر شرعيّ؛ بحيث لا يستطع معه الوفاء؛ كأن يكون مريضاً لا يمكنه المجيء إلى منزله.. وعندئذٍ عليه أن يخبره بأنه مريض لا يستطيع المجيء. أو أن يقول له: تعال إلى منزلي في الوقت الفلاني! فيخرج من المنزل قبل الموعد، ويقول فليأت.. أقصاها سيطرق الباب مرتين أو ثلاثة ثم يذهب ونراه في يوم آخر.. فهذا ليس صحيحاً! أو أن يتعهّد له ويقول افعل هذا الفعل في هذا المورد وأنا أتدارك الأمر! أنا أدفع المال، أو أنا أحلّ المسألة.. فشرعاً يجب عليه أن يدفع المال وأن يعمل بتعهّده، وإن لم يعمل يكون قد ارتكب حراماً قادحاً بالعدالة؛ يعني صار فاسقاً شرعاً. هل التفتم؟! أرأيتم كم نحن بعيدون عن المباني الأخلاقية بل حتى الشرعية، إذ الأخلاق لها مكانتها الخاصة، ولها حساب آخر!
إذا كان الله مثلنا في أقواله وتعهداته؛ فقال لنا: أنت تقدّم نحوي، لكن لا وجود لأيّ ضمان في أن تحصل على شيء.. فعلاً أنت تحرّك وتعال والله كريم! يعني أن الله يقول للإنسان: أن الله كريم!!.. تعال وسوف تحصل على شيء ما في النهاية.. فبهذا يا إلهي لا يصلح الحال! وما دمت قد وعدتنا جادّاً فأنت تلتزم بوعدك!!

    

التزام العرفاء بما وعدوا به من إيصال المطيعين

كنا نشاهد هذه المسألة في تعاطي العظماء، كنا نرى هذا التعاطي من العظماء؛ فقد كنّا يوماً في كربلاء.. وكم كانت جميلة تلك الأيام! وأيّ مسائل كانت تطرح! وكم كان مجلساً عجيباً! إذ كان فيه بعض أصدقاء المرحوم الحداد الذين قدموا من الكاظمين، بالإضافة إلى المرحوم العلامة ونحن، وكنا عدّة أشخاص، وبعضهم كان قد جاء من النجف...
فصار الكلام إلى.. وكان السيد الحداد يتكلّم عن رجل جاء إليه وتتلمذ عنده، وتمّ توضيح بعض الأمور له، فحصل على حالٍ جيّد، وصارت لديه حيويّة ونشاط، وقطع شوطاً، وحصل له تغيّر، وصار من أصحاب القلوب.. فعرف الآخرون بذلك، وعلم المحيطون بحاله وأدركوا أنّه قد تغيّر.. ثمّ بعد ذلك صار هذا يأتيه، وذاك يأتيه ويجلس إليه، وهذا يدعوه إلى منزله ويطعمه الأرز والكباب، وذاك يطعمه ماء اللحم، هذا يقول له: تعال إلى هنا وافعل كذا واشرب الشاي معنا، صار هذا يتكلم معه وذاك يتكلم.. إلى أن حصل لديه شبهة وشيئاً فشيئاً صار لديه تردّد وفتور.. يا عزيزي ـ والكلام للسيد الحداد ـ هل أغلقنا الباب أمامك كي تذهب إلى هنا وهناك من تلقاء نفسك؟! هل أعيانا وضعك حتى حصل لك هذا الفتور؟! وأنا أنقل عين كلامه في تلك الليلة، قال: هل عجزنا عمّا تريد حتى تذهب؟ ثمّ بعد ذلك هذا يقول لك: هل يستطيعون أن يفعلوا أو لا يستطيعون؟ وهل بإمكانهم ذلك؟! عندما نعجز سنقول: لا يمكننا ذلك، والوعد الذي وعدناه لا يمكننا الوفاء به! والقول الذي قطعناه لا يمكننا القيام به، في أمان الله! الوعد الذي وعدناك إياه غير مقدور لنا، والمسائل التي ذكرناها لا يمكننا الوفاء بها، إذا كان لديك أستاذ آخر فاذهب إليه! وإن كان لديك مورد آخر فاذهب..
في تلك الليلة تجسّد كلام الإمام السجاد، طبعاً لم تكن هذه الكلمات حاضرة لديّ آنذاك؛ حـيث كان عمري سبع عشرة سنة، ولكن الآن نحن نقرؤها، الآن نرى أنّ هذه المطالب بعينها كانت مدار الكلام في تلك الليلة؛ حيث كان يقول: الوعد الذي وعدته للأصدقاء أنا ثابت عليه، أنت لماذا لا تثبت على وعدك؟ الظاهر أن القضية صارت معكوسة.. فأنا لا زلت على الوعد الذي وعدته، فتفضل بسم الله! لكن لماذا أنت تذهب إلى هنا وهناك؟! ولماذا حصل لك شكّ وترديد؟ ولماذا حصل لديك تكاسل وفتور؟! تفضّل إلى هنا، إذا كان لديك إشكال فتفضّل واطرحه! فإن لم ينحلّ إشكالك، فقل: لم ينحلّ أريد أن أذهب إلى من يمكنه أن يحلّه.. حسناً جيّد جداً! بل إنه هو الذي يقول لك: اذهب وحلّ إشكالك عند آخر. فهل جعل الله طريقاً واحداً للهداية؟ حسناً إلى هنا يكفي ومن هنا فصاعداً اذهب إلى من يساعدك غيرنا..
كان يقول: نحن لا زلنا على وعدنا ـ وكان يخاطب المرحوم العلامة، فقد كان المرحوم العلامة حاضراً ونحن وعدد آخر لا يتجاوز الستة أو السبعة ـ كان الكلام حول بعض الأشخاص الذين يقصّرون ويتكاسلون، ولم يكونوا يتعاملون بجديّة مع المطالب التي كانت تلقى إليهم، بل كانوا يتلقونها بالمزاح، كانوا يتعاملون مع ما يطرح هنا كما يتعاملون مع ما يطرح في الهيئات ومواكب العزاء، يقولون فلنذهب ونرى ماذا هناك.. عزاء علي الأصغر أو علي الأكبر أو القاسم؟ ثم يلطمون صدورهم ويمضون.. يسجّلون اسمهم ضمن الحضور.. ثمّ ينصرفون إلى ما شاؤوا! هذا العمل يقال له: "سلوك الهيئات".. فلنذهب إلى هذا السيّد فهو جيد، سيّد من أولاد النبي صلى الله عليه وآله، لم نر منه شيئاً قبيحاً، ثم إنه يأتي إليه أشخاص محترمون يحسبون للأمور حساباً؛ فلا بدّ أنّ هناك شيئاً؛ فلنذهب ونرَ.. وعلى كلّ فقد نحصل على شيء ظاهريّ أو باطنيّ!
إنّ هذا النوع من المجيء إلى الأولياء عبارة عن خداع للنفس! فالإنسان يخدع نفسه ويحتال عليها، وهو تضييع للاستعداد، وقضاء على الفهم! وقد ذكرت في الجلسات السابقة للرفقاء بأن طريق الله لا يطوى مع الترديد! يعني بدلاً من سبعين سنة؛ وهو العمر المتوسط الذي يمنحه الله للأشخاص، لو منحه سبعمائة سنة، فلن يتقدّم سنتيمتراً واحداً إن كان مع تردّد؛ يقول هل يمكن أم لا يمكن؟! كيف يمكن؟! فعلى الأقل هناك ثواب فلنذهب ولنحصل على الثواب! لو تحرّك بهذا الشكل سبعمائة سنة، بل سبعة آلاف سنة فلن يترقّى سنتيمتراً واحداً!! هذه هي حقيقة الأمر.
عندما كان يتحدّث كان بحالة عجيبة، وكان المجلس بحالة عجيبة جداً، كنّا نرى حضور الله في ذلك المجلس يقول: أيها العباد تعالوا إليّ لمَ لا تأتون؟ لمَ لا تُقبلون؟ لمَ لا تصدّقون؟ إلى أين تريدون الذهاب؟ أصلاً كنا نشعر بهذا الفضاء عندما كان يتكلّم! عجباً هذا السيد المسنّ وليّ الله، يأتي هو ويتلف حياته وعمره، وعندما يريد أن يتحدّث مع أحد يقوم بالتنزّل عبر ألف عالم حتى يصير في مستوى المخاطب ويتمكّن من التكلّم معه! فهل يمكنه أن يأتي ويتكلّم مع أيّ إنسان بسهولة؟! إنّه يقوم بتنزيل نفسه من ألف عالم علويّ! ففي الكثير من الأوقات كان ينشأ لدينا سؤال، لكن لم تكن لدينا الجرأة على طرحه؛ فهو الآن في أيّ عالم، فنأتي نحن ونطرح هذه الخزعبلات والتفاهات ونسأل عنها، ونخرجه عن حالته وارتباطه وتحليقه واتصال سرّه، نخرجه من جميع هذه الأمور ونسمعه خزعبلاتنا وتفاهاتنا؟! نعم أحياناً كان يتنزّل هو ويظهر عطفه علينا؛ فيخاطبنا: ماذا تريد أن تقول؟ نقول الحمد لله هو الذي نزل إلينا، لا أننا نحن الذين أنزلناه!
فرغم أنّه في تلك العوالم تراه يلتمس ويقول [بلسان حاله]: لماذا لا تأتون وتجلسون إلى هذه السفرة المبسوطة؟ لماذا لا تأتون؟ هذه المائدة سوف تُرفع يوماً ما! وعند ذلك نبدأ بالتحسّر.. الآن أليس الأمر كذلك؟! فإننا نتأسف على زمان المرحوم العلامة ونتحسّر.. تحسّر فلا فائدة في ذلك! وكما يقال: علينا أن نحمل شمعاً ونبحث في الدنيا كلها.. هل يمكننا أن نجد شعرة من شعرات هؤلاء أم لا؟!

    

لمس الإنسان بنفسه لآثار طاعة الأولياء

الحمد لله، فلا أقل وفّقنا الله لنقف على آثارهم! آثارهم الكتابيّة وآثارهم الخطابيّة وآثارهم العمليّة وتصرّفاتهم! فهذه نشعر بها وهذه الأمور بمقدار ما نعمل بها نرى نتيجتها! أقول لكم بجدّ؛ والله وبالله وتالله! لو لم يكن لدينا من حياته وكلامه وتصرّفاته ما نستفيد منه لحالنا بعد وفاته، لكانت حالتي شيئاً آخر.. والله العظيم أقسم لكم بأنه كان لديّ حالة أخرى! لما رأيتموني أتحدث إليكم، بل كنت إنساناً آخر! شخصيّة أخرى لها حالتها وخصوصياتها المختلفة، أقسم لكم بأن هذه المسألة إنما هي بسبب اتباع تلك المباني والعمل بهذا النمط من التفكير والتصرف، وتلك الأمور التي كنا نراها بأعيننا ونسمعها بآذاننا ونلمسها بوجودنا من هذا الرجل العظيم.. الحمد لله! ونحن لسنا نادمين، بل نشكر الله شكراً جزيلاً على أنه منّ علينا، وجعلنا نعمل بنفس ذاك النمط وتلك الأعمال التي كانت مورد تأييده في حياته دون تغيير مخلّ؛ نعم مع بعض الزيادة والنقيصة لكن من حيث المجموع نفس ما يريده!
جيد، الإنسان يرى بعينه، ويرى آثاره وعلاماته ويرى نتائجه الاجتماعية، ونتائجه مع الأصدقاء والرفقاء وغيرهم، فهو بنفسه يرى هذا الوضع وهذا الأثر، ويشاهد بنفسه الحال، ويشاهد الأماكن الأخرى أيضاً! الحمد لله..
حسناً، هذا الوعد الذي يعد به أولياء الله يريد أن يقول بأننا نحن لا زلنا كما نحن؛ يعني ذاك الوعد الذي وعده الله نحن متيقّنون به.

    

التوفيق للسير والسلوك من الله تعالى لا من أنفسنا

عندما يقول المرحوم العلامة: من يضع قدمه في طريقنا يعدّ من أبنائنا! ونتعامل معه على أساس الأبوة والولاية الأبوية! سيد محمّد محسن! لا تتصوّر بأنّ ذلك في هذا العالم فقط، بل في هذا العالم وفي ذاك العالم أيضاً! يعني أنتم عندما تأتون وتجلسون هنا، وعندما خطوتم في هذا الطريق، وعندما تبعتم مبانيه وعملتم بها.. هذا ليس منكم، بل هذا الموج يأتي من مكان آخر، من مكان آخر هذه المسائل تتهيأ لكم، من مكان آخر تأتي هذه المطالب إلى ذهنك وفكرك ودماغك، من مكان آخر عندما يحصل لك شك في أمر وتقول ماذا عليّ أن أفعل! فترى أنّ الذهن يقول لك: لا تفعل في هذا المورد! فمن أين جاء هذا؟ حتماً لم يأتني من "بيوت جيراننا "، فللمجاورين طريقهم المغاير، ولهم أفكارهم المختلفة في المقام، أما وجهة نظرك وتصميمك الآن فهما مختلفان! من أين أتت هذه القضية؟ من أين ألقيَ في قلبك هذا الخطور؟ من أين صرت معجباً بهذا الطريق؟ من أين سلكت هذا الطريق؟ من أين...؟؟ هذه الأسئلة أين منبعها ومصدرها؟ جميع هذه المسائل تأتي من مكان واحد، ضمن برنامج معدّ؛ الواحدة تلو الأخرى.. هنا عندما تتخذ قراراً تقول عجباً لم يكن هذا القرار مني! فأنا إلى الأمس كان رأيي شيئاً آخر، فلماذا تغيّر الآن؟ ما الذي جعل رؤيتك تتغيّر اليوم؟ هل تكلّم أحد معك؟ كلا! هل قرأت شيئاً جديداً حول الأمر؟ كلا! هل أسرّ أحد لك ذلك؟ كلّا! هل رأيت أنت شيئاً؟ كلا! فما هو العامل الذي جعلك تبدّل وجهة نظرك في أمر كنت تراه صحيحاً إلى الأمس بينما اليوم عندما أردت تطبيقه اختلفت وجهة نظرك فيه؟ هذا الاختلاف في الفكر من أين يأتي؟ هل فكّرنا في هذا الأمر؟! إنّ له منشأ من ذاك العالم؛ يرسل لك الذبذبات.. اجلس في مكانك! اجلس في مكانك! لكل منا يقول ذلك.. وعندما يذهب الإنسان إلى مكان ويسمع شيئاً، يرى أن جميع بدنه يرتعش.. فمن أين ألهم أن يذهب إلى ذاك المكان ليجد هناك من يبيّن هذا الموضوع! ولو كان يبيّنه لنفسه أو لداع آخر، لا أنه كان ملتفتاً..
كان هناك مسألة منذ مدة طويلة ـ ولا أوضح أكثر ـ فقد كانت لديّ فكرة عن رجل، ثمّ التقيت برجل صادق وأمين ومورد وثوق واعتماد عندي، فسمعت منه قصة عن ذاك الرجل جعلتني أبدّل نظرتي حوله تمامًا! وانتهت المسألة! يعني أن تلك الأفكار التي كانت لي عن ذاك الرجل عندما تغيّرت وراجعت نفسي ورجعت إلى التاريخ والحالات والخصوصيات وغيرها.. قلت عجباً! ما هذا الاشتباه الذي وقعت فيه؟! ويرجع هذا إلى زمان سابق؛ حدود ثلاثين أو أربعين سنة! إلى بضع وثلاثين سنة! قلت عجباً لقد كنت غافلاً تماماً عن هذا! غافلاً عن هذا وعن ذاك.. كل ذلك بسبب قصة واحدة وحكاية واحدة! وحتى الآن المسألة على ما صارت إليه، ولم تتغير نظرتي إليه بعدها!
فالله يأتي ويأخذ بيد الإنسان: {وَ الَّذينَ جاهَدُوا فينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا}[1]، يعني أن الذين هم جادّون ويتابعون فنحن نأخذ بأيديهم! وأما ذاك الذي لا يتابع فلا شأن لنا به! بل نوكل أمره إلى نفسه، إذ هو يقول: هذا فكري أنا وعلمي أنا وتجربتي أنا واستعدادي أنا وذكائي أنا، أنا أنا أنا.. فيقال له: ما ينبغي أن نكمله نحن أوكلناه إليك؛ فاذهب أنت فأكمله بنفسك! ماذا نفعل؟!
تكيه بر تقوا و دانش در طريقت كافري است
                             راهرو گر صد هنر دارد توكل بايدش
(الاعتماد على التقوى والعلم في الطريق إلى الله كفر، فالمسير إنما يحصل بالتوكل وإن كان لدى السالك مائة مهارة)

إنّ هذه الإمدادات تأتي من تلك الناحية، فعندما يقولون: إنا نأخذ بأيديكم، فهم صادقون في ذلك!

    

مشكلة علاقتنا مع الأنبياء والأولياء في الاقتصار على ظاهرهم

وقد حدث أمر في السنوات الصعبة التي مرّت علينا.. والتي كانت أياماً عصيبة جداً! وفي تلك الأوقات كان قد تفاقم عليّ التهاب المعدة والإثنا عشري لمرتين أو أكثر.. نعم كانت أياماً صعبة جداً! و كنت لبرهة من الزمان أعيش تحت ضغوط المشكلات المختلفة والأحداث المتنوعة.. وبعد ظهر يوم من تلك الأيام أردت أن أنام ـ ويبدو أنّه كان يوم تاسوعاء وما سأذكره وأمثاله إنما ينشأ من نفس الإنسان ومن سعته المحدودة! فلكلٍّ سعة خاصة ومقدار معيّن ـ أردت أن أنام، فخطر في بالي هذا الكلام معاتباً به الوالد: ماذا فعلت في هذه المدّة التي كنت فيها؟! ما الذي أنجزته لهذه الأمة ولهؤلاء الناس ولهؤلاء الأصدقاء؟! لماذا حصل ما حصل بعد وفاتك؟! لم أكن أشكّ في بطلان الادعاءات، فهذا أمر مفروغ عنه! لكن نشأ لديّ إشكال من الجهة الثانية للقضيّة؛ فهذه السنوات المديدة، وهذه المحاضرات المفصّلة... ففي طهران ما يقرب من واحد وعشرين سنة أو اثنتين وعشرين سنة في مسجد قائم؛ حيث كان يرتقي المنبر بنفسه في شهر رمضان، وليالي الثلاثاء كان يتحدّث، وفي كل ليلة كان لديه تفسير قرآن، وفي كل جمعة كان هناك جلسة عصراً. ثم بعد أن ذهب إلى مشهد بدأ بتأليف الكتب، أضف إلى ذلك المواعيد الخاصة واللقاءات؛ فهذا يأتي وذاك يذهب.. فما الذي حصل؟! ماذا حصل؟!
هناك جواب واضح وضوح اثنين ضرب اثنين يساوي أربعة.. فيا عزيزي انظر ماذا حدث بعد النبي! ألم تكن تقول على المنبر هنا وهناك: كم سنة بقي النبي مع الناس؟ ثلاثاً وعشرين سنة! يا عزيزي كان يكفي للرجل أن يبقى مع النبيّ أسبوعاً حتى يتغيّر نحاس وجوده إلى ذهب! أسبوع واحد كاف.. بقي النبي مع الناس ثلاثاً وعشرين سنة؛ ثلاث عشرة سنة في مكة، وعشر سنوات في المدينة! لكن عندما تنظر ترى أن جسمه هو الذي كان مع الناس فقط، لحن كلامه هو الذي كان مع الناس فقط، أما كم نفذ لحن كلامه في الناس ورسخ فيهم؟ لاحظوا هذا المثال فعندما يضرب المسمار في الحائط أو في الخشب، فبالضربة الأولى يدخل نصف ميل، ثم بالضربة الثانية يدخل أكثر إلى أن يدخل كله؛ سنتيمترين أو ثلاثة! كلام النبي كم نفذ في هذا القلب؟ لم ينفذ أبداً! فقد شاهدنا، حيث فتحوا معركة باسم السقيفة، سقيفة بني ساعدة كانت معركة! وكانت مسرحيّة والممثلون فيها معروفون؛ فإنّ جميع أولئك الذين كانوا يأخذون ماء وضوء النبي ويضعونه على وجوههم ويحجزون مكاناً خلف النبيّ في الصفّ الأول؛ فإنّ الثواب أكثر خلف النبي، والصلاة تختلف عن الصف الثاني والثالث وهكذا إلى الأخير، فإنها أقرب إلى النبي! جميع أولئك الذين كانوا ينادون يا رسول الله يا رسول الله وكان صوتهم يصل إلى عطارد والثريا والزهرة.. جميع هؤلاء دخلوا في هذه المعركة والمسرحيّة التي أعدّوها؛ حتى أنس بن مالك الذي كان بواب النبي؛ حتى هذا ذهب، وهو الذي كان ينبغي أن يأتي ويشهد لأمير المؤمنين في تلك القصة التي ذكرناها مفصلاً في الجزء الأول من أسرار الملكوت.. جميعهم ذهبوا! حتى أنّ أمير المؤمنين قال لهم: يا جماعة ألم تسمعوا؟ ألم تروا؟ ألم تكونوا في تلك الحادثة؟! أم أنكم أسدلتم رؤوسكم إلى الأرض كالماعز؛ لم يستطيعوا النظر خجلاً! وإذا كان أحدهم جريئاً يقول له: يا علي نسينا! يا فلان! هل نسيت فعلاً؟! فأنت العشاء الذي تعشيته منذ عشرة سنوات تذكره جيداً؛ أكان "سبزي" أو "فسَنْجون"[2]! هل نسيت تلك القضيّة؟ هذه الأمور إنما هي لنا نحن! صدقوني بأنّ هذه الأمور جرت لكلّ منا أو أنها ستحصل يوما ما! هذه لنا نحن! وأنت ماذا تعرف عن تلك القضية؟ يقول لا أذكر!
هل تصدقون بأني بعد وفاة المرحوم العلامة سألت كلّ فرد فرد منهم، وكانوا يطأطئون رؤوسهم! حسناً!
ماذا حصل؟ من بقي؟ بقي سلمان وأبو ذر والمقدار وعمار وبضعة أشخاص فقط! هؤلاء دخلت كلمات النبي إلى أرواحهم! دخل كلام النبيّ إلى أرواحهم! نفَس النبي.. هذا النَفَس يفعل الكثير من الأمور.. نَفَس النبي يبدّل نحاس وجودهم لا إلى ذهب فقط، بل إلى إكسير! هؤلاء رأوا بأن نَفَس رسول الله حيّ الآن في مظهر عليّ! هو حيّ! نفَس رسول الله الآن حيّ! أما ذاك فكان بدناً، دفنّاه وأهلنا عليه التراب، كان بدناً! وتلك الروح أتت إلى هذا البدن تأمر؛ افعل لا تفعل! اجلس انهض! تحرك توقف! تلك الروح أتت إلى هذا البدن! غاية الأمر أن هذا البدن يختلف، فإذا فرضنا أن لون وجه ذاك البدن كان أبيض فهذا لونه أسمر، من باب المثال! أنا لا أعرف ماذا كان! ذاك كان طوله كذا.. كان رسول الله أطول من أمير المؤمنين.. فذاك كان طوله لا أدري مائة وسبعون أو مائة وثمانون سنتيمتر، أما هذا فمائة وثمانية وستون.. ذاك البدن كان بهذا الوزن وهذا بوزن آخر.. فقط الظاهر هو الذي اختلف، الشكل والشمائل الظاهرية.. الذي فهم ذلك هم أولئك الأربعة! هؤلاء هم الذين فهموا المسألة! أما البقيّة فرأوا أنّ النبيّ هو الذي دُفِن في التراب وانتهى! فيقرؤوا الفاتحة والسورة عليه والسلام! وبعد ذلك يقولون صلّى الله عليك يا رسول الله! ثم يقومون بأعمالهم. هذا نوع من العمل!
الجميع كان يرى النبيّ في حدود جسمه البالغ متراً وثمانين وفي الوزن الخاص، وقد ذهب.. ذهب ودفن.. هؤلاء لم يروا أن النبي هو متر وثمانون.. بل كانوا يرون أن النبي عبارة عن حقيقة ونور، كانت هذه الحقيقة ظاهرة آنذاك بهذا الظهور، أما الآن فظهورها هو هذا الآخر!
الآن أنت أتيت إلى هنا، أيّ لباس تلبس؟ هذا يلبس ثوباً أسود وذاك أبيض وذاك بنيّاً، فكلٌّ يلبس لباساً! بعد ثلاث ليالي عندما تأتون إلى هنا من غير المعلوم أن يكون اللباس نفسه، بل قد يتغيّر! فمن يلبس ثوباً بنياً اليوم يلبس ثوباً أبيض، لكن هل يختلف هو؟ كلا بل هو نفسه! نفس الفكر ونفس العقل ونفس القلب ونفس الإنسان؛ لا يتغير اسمه ولا هويته، ولا يتغير أبوه ولا أمه.. بل الذي تغير هو لباسه فقط، فقد اتسخ ثوبه وبدّله بثوب آخر مختلف اللون! أخضر أزرق أصفر... فأحدها هو الذي تغير..
في زمان النبيّ كان الناس ينظرون إلى النبيّ نظرتهم إلى الثياب! يعني أن جميع الناس كانوا ينظرون إلى النبيّ على أنه هذا اللباس لا أكثر! ينظرون إليه أنه هو هذا الذي يرونه يتكلم أمامهم ثمّ بعد أن يموت ينتهي! فلننظر ماذا ينبغي أن نفعل! أما أولئك الأذكياء والملتفتون جيداً يقولون: لا هذا الذي يتكلم إلينا الآن هو لسان ولحم وعين وأذن وجسم، أما الحقيقة فهي كامنة وراء اللسان واللحم والأذن والعين، والآن الأعضاء والجوارح تتحدّث إلينا، وسيأتي يوم ندفن فيه هذه الأذن والعين واللحم واليد والرجل! أما تلك الحقيقة فلا تدفن! لا يمكن أن تدخل تلك الحقيقة في التراب! اللحم يمكن دسه في التراب والعين واللسان والرأس واللحية واليد والرجل.. كلها تدخل في التراب! أما تلك الحقيقة التي في محلها وتلك الحقيقة التي تتكلم الآن فتأتي بشكل لسان آخر.. هل هو علي؟ لا بل هي شيء آخر.. في شكل لسان آخر، التي نطلق عليها علي بن أبي طالب! فنفس أمر النبي الآن موجود.. غاية الأمر أنّ صوته مختلف ولحنه مختلف وكيفيّة تركيب كلامه وجمله مختلفة! فليكن مختلفاً ما الإشكال في ذلك؟ أليس المضمون واحداً؟ نعم المضمون واحد! هناك كلام واحد يتمّ عرضه لا كلامان! فهذا عليّ عندما ينتقل إلى ذلك العالم، وذاك اللسان عندما يدفن فإنّ القاعدة نفسها تجري، فتلك الحقيقة تأتي وتحل في قامة الحسن بن علي! فهذا رسول الله يتكلّم من قامة الحسن بن عليّ! هو نفسه وهو حقيقة رسول الله الذي في هذا القالب يأمر وينهى.. وهذه الحقيقة عينها تأتي بعد ذلك في الحسين بن علي وعلي بن الحسين وهكذا إلى اليوم، فاليوم الذي يحمل راية الواسطة والربط بين الخلق والخالق هو قطب عالم الوجود الإمام بقية الله.. نفس حقيقة رسول الله الآن تعمل في هذا القالب! هي نفس تلك الحقيقة! فعندما تنظر إلى إمام الزمان، فأنت تنظر إلى رسول الله، أنت تنظر إلى النبي! النبي الذي يظهر وجوده في هذا الشكل وفي هذا الوجه وهذه العين وفي هذه القامة، ويبيّن نفسه بهذا القالب..
وهذه القضية بعينها تأتي بالنسبة إلى الأولياء الإلهيين الذين وصلوا إلى مرتبة المعرفة حق المعرفة! فهؤلاء أمرهم كذلك! فعندما يقول المرحوم العلامة: حينما كنت أنظر إلى الشيخ الأنصاري أشعر كأني أنظر إلى النبي.. هل رأيتم أنه كلام صحيح! فسبب صحته هي ما تقدّم! وهو ليس بالأمر المشكل والشاق الذي لا يقبل التصوّر والقبول. والحقّ هو هذا، والواقع هو هذا!
ذاك الذي تخلّى عن بقايا وجوده، ولم يعد لديه أثر من آثار وشوائب الأنانيّة والنفس والأنا في ذاته، فقد تحوّلت نفسه ورجعت واندكّت في نفس رسول الله! فالكلام الذي يتكلّم به هو كلامه وحديثه هو حديثه! أما نحن...
جيد هؤلاء العظماء كانوا كذلك؛ كانوا يقولون نحن "متنجزون"! فقد بسطنا هذه المائدة، فلماذا لا يأتي أحد إليها؟! يعني بدلاً من أن يكون لدى الإنسان شك في أنهم يقدرون على ما وعدوا أم لا، فيا أيها العزيز ليس الأمر كما تتصوّر.

    

المرحوم العلامة في عالم الرؤيا: سبب ما جرى بعد الوفاة رغم كل ما بذل أنا نعامل الناس حسب سعتهم لا سعتنا

نعم هذا الذي كنت أريد أن أبينه.. في ذلك اليوم بعد الظهر حيث حصلت لنا تلك الشبهة، من أنّه يا سماحة المرحوم العلامة ماذا صنعتم في هذه المدة وأين وضعتم جهودكم؟! ففي النهاية كانت النتيجة هذه الأحداث...!
وبعد ذلك ـ ويا للعجب ـ رأيته في عالم الرؤيا وقال لي: لكلّ إنسان سعة وجودية خاصة، فما توصّلت أنت إليه ابق ثابتاً عليه، ولا شأن لك بأيّ إنسان آخر! فقلت الآن انتهت المسألة وحلّت المشكلة! طبعاً كان هناك مطالب أخرى.. ولكن المشكلة حلّت!
كان يقصد أننا في هذه الدنيا كانت علاقتنا بالناس على أساس السعة الوجوديّة لكلّ واحد منهم، ولم نكن نتعامل معهم بسعتنا نحن! فعندما كنا نتكلم مع هؤلاء كنا نتنزل إلى مستوياتهم فيقولون هم: ما شاء الله! لقد جلست مع السيد ساعة، ويا لها من مسائل قد طرحت..! يلتقي مع فلان فيقول: لقد كان لي لقاء مع فلان! ولا خبر لديك ما المسألة! جميعهم كانوا مسرورين، وكل منهم يأخذ نصيبه.. لكن لم يكن من الصواب أن آتي أنا وأتبع مستواه وفكره، بل هو الذي ينبغي أن يأتي ويتبعني! لماذا لا تكون المسألة على العكس من ذلك؟ لماذا عليّ أنا أن آتي؟! ليس البناء على ذلك! فلماذا آتي أنا؟ لماذا أذهب وأتبع رؤية ذاك الذي لديه سعة محدودة وفهم محدود.. لماذا أنا أذهب وأتبعه؟ لماذا! بل أنت تفضل إليّ!
أتى رجل لينصحني وبقي نصف ساعة يتحدّث مفصّلاً عن "أحداث النهر الساخن في المحيط الأطلسي (Gulf Stream)"! وعندما أنهى كلامه جيداً، وكنت من أول الأمر أعرف ماذا يريد، قال: لماذا لا تحفظ نفسك أنت في ظل هذه المجريات وتبقي على نفسك وعلى...! فقلت له: لماذا لا يكون الأمر على العكس؟ بأن يحفظ ذلك التيار نفسه من جانب الحقير؟! فأنت رتّبت هذه الصغرى والكبرى وسقت كلّ هذا الكلام لتحصل على هذه النتيجة! أقول لك: فلنعكس المسألة، فليأت ذلك التيار وليسكت ولينصت إلى كل ما أقوله أنا! فبقي هكذا متعجباً!! بعد أن بقي نصف ساعة ينصح..
با سيه دل چه سود گفتن پند
                             نرود ميخ آهنین در سنگ
(ماذا ينفع الكلام مع أسود القلب، فالمسمار الحديدي لا يخترق الصخر الأصم!)

قلت له هات دليلك! فإن جئت بالدليل نقبل به! هل التفتم؟! جميع المسائل هي من هذا القبيل..

    

وفاء الله وأوليائه بالوعد ينفي اليأس الناشئ من تغيّر المتغيّرين

هنا نرى بأن منهج الأنبياء والأئمة والأولياء هو أن يأتوا ويجلسوا مع كل فرد فرد على حدة! فعندما كان النبي يأتي ويتحدث إلى الجمع، لم يكن ليقول لهم ناظراً للجميع نظرة واحدة: أطيعوا الله وأطيعوا الرسول...[3] والسلام! كلا لم يكن الأمر كذلك! بل عندما كان النبيّ يأتي ويتحدّث كان يجلس إلى جانبك أنت على الخصوص ويقول لك: يا سيّد محمد حسن أنا أتحدّث إليك! كلامي هذا إنما هو لك! يا فلان ويا فلان كلامي هذا هو لك، يا فلان.. يعني أنه كان يخاطب كلّ فرد من الأفراد، ويقول له أنا أتحدّث معك! لا علاقة لك بالآخرين! فأنا رسول الله مرسل إليك خاصّة! أنا مرسل إليك خاصة وأقول لك هذا! لا تنظر إلى الجمع، ولا تنظر إلى قلّة الناس وكثرتهم.. هذا كلام المرحوم العلامة! لا تنظر إلى من يأتي ومن يذهب! بل انظر إلى نفسك وإليّ فقط.. هذا هو كلام النبي! انظر إلى نفسك.. أما من يجلس إلى جانبك، فما علاقتك به! فهل سوف تدفن في قبره؟ وهل ستحمل ملفه يوم القيامة؟ فمن أين أتانا هذا الداء الذي ابتلينا به فصرنا ننظر إلى من حولنا؟ سببه أننا لا تصديق لدينا ولا يقين! من هنا أتى! نحن ليس لدينا يقين بأنّ كل من يأتي يفتح له الله ملفاً خاصاً به! فالله يصلح له الأمر ويأتي به! لا أن المسألة هكذا فلنذهب ونرى ماذا هناك! نشكل مؤتمر ولجنة لتنظر فيه! بل من الأول يفتح له ملفاً ويحمله إياه ويقول اذهب! وللآخر يقول: هذا ملفك اذهب واعمل به! أولياء الله هكذا يقولون: بأنكم عندما تتحركون في الطريق إلى الله، انظروا إلى أنفسكم فقط! لا تنظروا إلى هذا وذاك! فالنظر ههنا وههنا.. نعم يمكن.. ولدينا روايات تفيد بأن الإنسان ينبغي أن ينظر إلى من وفقه الله للعمل حتى يحثه على العمل! ويكون شوقه أكثر وتوفيقه أكبر! وعشقه أكثر! واندفاعه واهتمامه أشد! لكن لا العكس! فإن شاهدنا مبتلى ببعض المشكلات فلنمض في طريقنا.
صدّقوني بأني كنت مع أشخاص لو قلت ما هي الأفعال التي كانت تصدر منهم، فلو لم ينبت لكم قرنان، فلا أقل لخرج من رأسكم الدخان! هذا هو الحد الأدنى! ذكرت بعضه لكم! هؤلاء يصلون إلى حدّ يكَبّون على رؤوسهم في قعر جهنم، وقد ألقوا فيها من الآن ولا يزالون مستمرون على أفعالهم! وصاروا مورد سخط وطرد أولياء الله! ولكن حتى الآن لم يخطر في ذهني ولو لطرفة عين أن لماذا فعلوا ذلك؟! ذهبوا فليذهبوا! ما علاقتي أنا بذلك! لم يطيعوا الأوامر، ارتكبوا المعاصي، ولم يعملوا بالبرامج وبالأوامر المطلوبة منهم! فرأوا جزاءهم! فآتي أنا وأقول: آه آه عجيب! صدقوني إن لم ينبت لكم قرون فلا أقل سيخرج الدخان من رؤوسكم إن قلت لكم بعضاً من الأسرار التي اطلعت عليها! حسناً لم يلتزم فهذا جزاؤه! فالله لا يمازح أحداً! والطريق واضح!
لذا لدينا في الروايات؛ إما عن أمير المؤمنين في الكلمات القصار أو عن الإمام الصادق، والظاهر أنها عن أمير المؤمنين: يقول بأن الفرق بين المؤمنين وبين المنافقين هو أنه عندما يزداد عدد المنافقين فإنهم يفرحون بأن منافقاً أضيف إلى جمعهم وصار وزنهم كبيراً، وفرحهم إنما هو لأجل أن وزنهم صار ثقيلاً!
أراد رجل أن ينتقل من مدينة ما إلى قم، فأراد بعضهم أن ينصحه فقال له: إن كنت قد عزمت على الذهاب فاذهب! لكن لا تحضر مجلس فلان؛ لئلا يعظم شأنه.. فقلت: لعلّ هؤلاء قد خلطوا بين مدرسة السير والسلوك وبين محطة وزن الشاحنات، فهذا الذي يتحدّثون عنه هو ما يسمّى "السلوك بالكيلوات"؛ حيث يضعون حجراً فيزداد الوزن سبعين كيلواً، فيقال ازداد الوزن سبعين كيلواً.. بناء عليه من الأفضل أن نجلس ولا نتحرك فالوزن يزيد بذلك! والثقل يزداد.. فما شاء الله على هذه المعرفة!
فالمنافق عندما يأتي أحدهم إلى مجلسه يفرح بأن وزن جماعته قد زاد.. فقد جاء السيد الفلاني إلى مجلسنا! وإن سئل هل نذهب إلى المكان الآخر يقول: لا لا تذهب!! أصلاً لا تفكر في الذهاب إلى مكان آخر لترى ماذا هناك! وما المسائل التي تجري! واقعاً آه آه آه! فالإنسان مع هؤلاء يشاهد الدنيا بتمام أبعادها. وإن تركهم منافق يحزنون لذهابه؛ ويقولون: يا إلهي! لقد نقص منّا رجل! لقد ذهب إنسان من هذا الجمع! فهذه الأحذية التي توضع في الخارج نقصت، وهذه السيّارات التي كانت تركن في الخارج للأشخاص الذين يأتون إلى هذا المجلس قد نقصت سيّارة.. ويذهبون إليه! تعال إلينا من حين لآخر! لماذا لا تأتي؟
أما المؤمنون فليسوا كذلك، بل إن جاء رجل إلى جمعهم يفرحون به.. يفرحون لأن التوفيق الإلهيّ قد شمل حال إنسان جديد! لا يقولون بأن الوزن قد ثقل! لا يقولون بأن السيارات المركونة خارجاً قد زاد عددها، لا يقولون بأن الناس يرون أن واحداً إضافياً يأتي إلى منزل فلان!
كان أحدهم يتحدّث عن صحة طريقه، فيقول: عندما كنا نتحدّث هناك، كانت الباحة الذي أمامنا مملوءة بالناس! هؤلاء هكذا، لا فرق بينهم! هل التفتّم! هم أنفسهم، لكن الصور تتغير! السيرة واحدة والباطن واحد، بينما الظواهر مختلفة!
يفرح المؤمن بأنّ الله قد منّ على إنسان وأخذ بيده، وواقعاً المسألة مفرحة؛ فالله هدى إنساناً آخر! لكنّه عندما يذهب لا يحزن! ذهب فليذهب! سوف يقلّ استهلاك الأوكسيجين من الهواء، إذا أراد أن يذهب فليذهب! لماذا لا ينزعج؟! لأنه لا يرى أن بقاءه منوط ببقاء ذاك! أما الأول فيرى ذلك؛ فإن نقص العدد واحداً يبدأ بالاضطراب والارتعاش في وجوده، ويحصل لديه زلزال؛ بأن واحداً قد نقص وأن عضواً قد خرج منه. أما هذا فلا، بل يبقى جالساً في مكانه! الثاني يذهب لا إشكال، الثالث.. يقول له اخرج من هذا الباب! الرابع.. من ذاك! يبقى كذلك إلى آخر خارج، ويقول لا بأس فنحن باقون! لماذا لأنه معتقد، ولأنه متنجز! ثابت لا يتحرك!
الأشخاص الذين بقوا حول أمير المؤمنين؛ سلمان وأبو ذر والمقداد وعمار.. هل كانوا يحزنون على ذهاب الآخرين؟ نعم كانوا يحزنون بأنه لماذا انتقل الحق من صاحبه إلى آخر.. نعم من هذه الجهة كانوا يحزنون! لكنهم في قرارة أنفسهم كانوا فرحين بأن الإمام علي صار لنا خاصة! نحن الأربعة.. فلم يعد هناك مسائل حرب وذهاب وإياب وإعداد جيش وضرب وكذا.. فهل يمكننا أن نجد علياً آنذاك! أما الآن فقد صار لنا نحن الأربعة! نذهب إليه ليلة السبت ونجلس إليه، ونذهب إليه ليلة الأحد يا علي نشكر الله أن أحداً لم يأت إليك! نذهب ليلة الاثنين وليلة الثلاثاء، في الصباح وفي الظهر وفي العصر.. نشرب الشاي.. لعله لم يكن شاي لديهم وقهوة، لكن كان لديهم نوع من الشراب يتناولونه.. والحاصل أننا نذهب ونجلس إليه ونأنس به!
في الطرف الآخر يقولون: لقد أجلسنا علياً في بيته، وأخذنا الحكومة وسحبنا الناس من حول عليّ، فلا أحد يأتي إليه.. فلا بد أن نجلس ونقرأ العزاء ونبكي لأجله، إذ لا أحد حوله! هؤلاء الذين هم حول أمير المؤمنين فرحون بما هم عليه من أننا الآن أمكننا أن نجلس إلى عليّ ونسمع كلامه وأسراره ويحصل لنا حال أنس معه.. فالآن عثرنا على الفرصة بأن يتفرغ لنا.. فعلينا أن نستفيد من هذه الفرصة بالحد الأقصى، ونمضي معه الأيام التي نحياها في هذه الدنيا..
انظروا فهنا طريقتان للتفكير؛ التفكير الدنيوي ومعياره الكثرة والوزن، والتفكير الأخروي وفيه النور والبهاء والبهجة والفرح والعشق والحرارة والائتلاف والجذب والنفحات.. فلو كانوا مائةً لقالوا لماذا هذه الكثرة؟ يكفي هؤلاء الأشخاص الأربعة أو الخمسة.. نعم لا يصح أن يقولوا هذا الكلام، فهذا خطأ، لكن في صميم قلوبهم يقولون الأفضل أن لا يكثروا! في صميم قلوبهم يقولون ذلك، أما بحسب الظاهر فلا يقولون ذلك، فلو أراد الله أن يهدي رجلاً هل أقف أنا في وجهه؟! لكن في صميم قلوبهم هكذا يتمنون أن يبقوا أربعة خمسة أشخاص هم الذين يستفيدون من عليّ ويغلقون الباب على أنفسهم ويسمّرونه بمسامير حتى لا يدخل عليهم أحد! هؤلاء هم الذين فهموا، وهؤلاء هم الذين ربحوا، وهؤلاء هم الأذكياء، وهؤلاء الذين وقفوا على حقيقة المسألة! أعني هؤلاء الأربعة أشخاص.
على كل حال طريق الله مفتوح والمسير إليه متاح، ودعوة الله وصلت إلى كل فرد منا! فهذا الخيل وهذا الميدان فليُبدِ كلّ إنسان ما عنده من قوّة على المسير!
لقد كان طريق العظماء وسبيلهم يعتمد دائماً على هذه المسألة؛ وهي أن أعمال الآخرين والالتفات إليهم لا بدّ أن يكون درساً وعبرة، لا أن يكون موجباً لسيطرة اليأس والقنوط على الإنسان! فالأول صحيح والثاني خطأ! فلذا يقول الإمام السجاد هنا: متنجز ما وعدت؛ يعني أنني فهمت المسألة، ووقفت عليها، فلا مزاح معك! أنت وعدت أن تتجاوز عن الأشخاص الذين أحسنوا الظنّ بك.
والحاصل أننا نقول لله أيضاً: نحن لا دخل لنا بشيء بل حتّى نحن لا نعرفك، ولكنّنا نعلم أنّ وليّك الإمام السجاد يقول الحق، فهذا واضح لدينا ونعلم به نقف عنده بكلّ ثبات وإصرار! فإن كان هناك رجل صادق في هذه الدنيا فهو الإمام السجاد! هذا نعلم به! لذا فلا يمكنك يا إلهي أن تقول لنا: ننظر في الأمر واصبروا قليلاً وانتظروا فسنرى ماذا نصنع، لا يا سيدي! ففي دعاء أبي حمزة ذكر هذا الأمر وليك الإمامُ السجاد والذي هو معصوم وولي وإمام، والذي ليس على وجه الأرض صادق مثله، فنحن نأخذ به ونتمسك به، هذا هو تنجزنا لا تأخير له ولا تأجيل!!
لذا نقول إلهي كما قال لك الإمام السجاد: إنك تعفو عن الذين أحسنوا الظن بك، فنحن لدينا حسن ظن بك، وينبغي أن تعاملنا بحسب حسن ظننا بك! إن شاء الله!
اللهم صلّ على محمّد وآل محمّد


[1] ـ سورة العنكبوت، الآية 69.

[2] ـ نوعان من الأطعمة المعروفة في إيران والعراق.

[3] ـ سورة المائدة، الآية 92. وسورة النور، الآية 54؛ وسورة محمد، الآية 33.

      
  

جميع الحقوق محفوظة لـ موقع المتقين www.motaghin.com ويسمح باستخدام المعلومات بشرط الإشارة إلى المصدر.

© 2008 All rights Reserved. www.Motaghin.com


Links | Login | SiteMap | ContactUs | Home
عربی فارسی انگلیسی