معرض الصور المحاضرات صوتيات المكتبة سؤال و جواب اتصل بنا الرئیسیة
 
اعتقادات و كلام أخلاق حکمة عرفان العلمي و الإجتماعي التاریخ القرآن و التفسير
المكتبة > محاضرات آية الله السيد محمد محسن الطهراني > سلسلة محاضرات شرح حديث عنوان البصري > شرح حديث عنوان البصري - من المجلس رقم 201 إلى الأخير > شرح حديث عنوان البصري – الجلسة 221: اللهم إني أسألك بمعاني جميع ما يدعوك به ولاة أمرك

_______________________________________________________________

هو العليم

شرح حديث عنوان البصري المحاضرة 221

اللهم إني أسألك بمعاني جميع ما يدعوك به ولاة أمرك

ألقيت الليلة العشرين من شهر رجب لعام 1436هـ

 

ألقاها:
سماحة آية اللـه السيّد محمّد محسن الحسيني الطهراني حفظه اللـه

_______________________________________________________________

تحميل ملف البد دي أف تحميل ملف البد دي أف

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلّى الله على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم محمّد
(اللهم صلّ على محمّد وآل محمّد)
وعلى آله الطيّبين الطاهرين
واللعنة على أعدائهم أجمعين

    

خصوصيّة شهر رجب عن شهر رمضان: غلبة جنبة التوحيد

هذا الشهر هو شهر رجب، والرفقاء مطّلعون على أهميّة هذا الشهر وبركاته، والأصدقاء مطّلعون على وصايا الأعاظم المتعلّقة بهذا الشهر وبالأشهر اللاحقة، بل إنّ إحدى السيّدات أرسلت لي سؤالًا ، وقالت:
طالما أنّ شهر رجب له جميع هذه الخصوصيّات التي طرحتموها، وبما أنّ البُعد التوحيديّ والآثار التوحيديّة تتجلّى فيه أكثر من غيره، وهو ما يتّضح من مضامين الأدعية الواردة فيه كذلك؛ فلماذا إذن نجد أنّه تمّ التأكيد على شهر رمضان، حيث ورد في الرواية: شهر رجب شهر الله، وشعبان شهري، ورمضان شهر أمّتي[1]. فلماذا نجد أنّه تمّ التأكيد والاهتمام بشهر رمضان، ولماذا نرى كل تلك الحالات التي تنقل عن الأولياء في شهر رمضان؟
والجواب هو أنّ شهر رجب يغلب عليه البعدُ التوحيد والخصوصيّات التوحيديّة، والذين يستفيدون من هذا الشهر استفادةً عظيمةً هم الذين يمتلكون درجاتٍ ومقاماتٍ من ناحية إدارك المعارف التوحيديّة، فهؤلاء ستكون استفادتهم من شهر رجب عظيمةً، وستكون تلك التجليّات التوحيديّة، ونحو ارتباط نفوسهم مع تجلّيات الله عزّ وجلّ وفيوضاته في هذا الشهر ـ والتي تتجلّى في نفس السالك ـ تجلّياتٍ خاصّة، وستكون لهم حالة وشعور متميّزين.
ولكنّ شهر رمضان، هو شهرٌ تكون فيه رحمة الله عزّ وجلّ متّسمة بالسعة والشمول؛ أي أنها تكون عامّة فيه، وسيتنزل على كلّ إنسان فيه، مقدارٌ من الرحمة يتناسب ومرتبته التي هو فيها.
إذن لكلّ شهرٍ من هذين الشهرين خصائصه التي تميّزه، ولا تداخل لأحدهما بالآخر، فلشهر رجب نوعٌ خاصٌّ من التجلّيات التي تتجلّى للإنسان، أمّا شهر رمضان فله نوعٌ آخر.
نحن نتناول الطعام، وفي نفس الوقت نحتاج أن نستنشق الأوكسيجين، ولا تتنافى حاجتنا إلى أحدهما مع حاجتنا إلى الآخر، وكلاهما ضروريٌّ لنا، ولا نستطيع أن نقول: نحن سنستنشق الهواء، ثمّ نستغني عن شرب الماء، أو أنّا سنشرب الماء مثلًا، وسنستغني عن الطعام.
هناك من يعيش مدّة على الماء فقط من أجل رفع بعض المشاكل، لكنّهم بدلًا من ذلك يُبتلون بأنواع الابتلاءات والأمراض.
إذن الماء ضروريٌّ لنا، وكذلك الطعام ضرويٌّ، والهواء ضروريٌّ، وكذلك الدواء ضروريٌّ، كلّ واحدٍ منها في مقامه، فذلك التأثير الذي ينتج عن الماء، وذلك الإحساس الذي تحسّون به بعد شرب الماء، هو إحساسٌ خاصٌّ، وهو يختلف عن ذلك الإحساس الذي تحسّون به بعد تناول الطعام. فهل لهما إحساسٌ واحدٌ؟! لا، بل يختلف الاحساس فيهما. فالماء يُوجِد فيكم حالةً من الحالات، أمّا الطعام فيُوجِد فيكم حالةً أخرى. لو اختنقتم وقُطع عنكم التنفّس عدّة لحظات، فما هي الحالة التي تحصل لكم؟ ثمّ بعدها حينما يعود إليكم التنفّس، فستحصل لكم حالةٌ خاصّةٌ، هذه الحالة لا تحصل لكم عند تناول الطعام ولا عند شرب الماء، هل التفتم إلى الأمر؟

    

اختلاف الناس في الاستفادة من شهر رجب وعدم اختصاصه بالأولياء

إنّ خصوصيّات شهر رجب، والتجلّيات التي تحصل للإنسان فيه، تلك التجلّيات التوحيديّة، هي لكلٍّ إنسان بحسب المرتبة التي هو فيها، فعلى العوام ـ في حال كانوا من أهل الصلاح ـ أن يقوموا بالأعمال الحسنة، ويزيدوا من مراقبتهم ضمن هذا المستوى. ولا ينبغي أن نقول: يا عزيزي! إنّ شهر رجب مختصٌّ بالأولياء ومختصٌّ بالمرحوم العلّامة الطهرانيّ وبالمرحوم الحدّاد والسيّد القاضي، لا، أو نقول: هو للأئمّة! لا، بل هو لنا نحن أيضًا، أوَلسنا من عِباد الله؟ نحن أيضًا من عباد الله.
إنّ لكلّ إنسان ارتباطًا بالله بنفس تلك المرتبة التي هو فيها، فمجرّد تواجدكم هنا الآن، وسعيكم لفهم المطلوب والمباني، يعني أنّ لديكم ارتباطًا واتصالًا، فلو لم يكن لديكم أيّ ارتباط لما تواجدتم هنا، ولكنتم في مكانٍ آخر، نفس مجيئكم إلى هنا لكي تستمعوا إلى شرح رواية عنوان البصري، سببه هو أنّ لديكم ارتباطًا واتصالًا، لو لم يكن هناك ارتباط، لجلس أحدكم يستمع إلى قصّة خياليّة، أو يشاهد مباراة كرة القدم.. الكرة ذهبت إلى اليمين.. الكرة ذهبت إلى اليسار، [يقول سماحته ساخرًا:] فهذا أحد الأعمال التي يمكن القيام بها!!
حسنًا، إنّ مجيئكم إلى هنا كان سببه الجنبة الربطيّة التي لديكم، وهذا الارتباط، إنّما يكون بمقدار المرتبة والموقعيّة التي يكون عليها الإنسان.
أذكر أنّ المرحوم الوالد كان يتحدّث أحيانًا، كان يتحدّث في بعض المجالس، في مجالس عصر الجمعة، أو في ليالي شهر رمضان المبارك، كان يُنبّه على بعض المسائل، وذلك بحسب ظروف ذلك الزمان، وكانت أحاديثه تلك جميلةً وجذّابةً جدًّا بالنسبة لنا، وكان عدد الحضور عشرين رجلًا، وأحيانًا ثلاثين رجلًا، وأحيانًا خمسة عشر رجلًا، فهو يختلف باختلاف المجالس. وحينما ينتهي من حديثه، كنّا نرى أنّ كلّ فردٍ منهم قد فهم أمرًا مختلفًا عن الآخر، الكلام واحدٌ، والحديث واحدٌ، ولكن عندما نسألهم، يقول أحدهم: فهمتُ كذا، والآخر يقول: فهمتُ كذا، والثالث يقول: فهمتُ بهذا المقدار، والرابع يقول: لا.. رأي العلّامة كان كذا… ألم تلتفت له حينما قال كذا...، هل التفتّم؟ كان لكلّ واحدٍ منهم نوعًا من الفهم يختلف عن الآخر، وكان يحاكم المطالب على أساس فهمه هو، وكان يرتّب على ذلك أثرًا. مع أنّ الكلام كان واحدًا.
يعني: كلّ إنسان سيفهم المسائل بمستواه، وبقدر ما له من الارتباط والاتصال، وبقدر ما له من سعة وجوديّة ومعلومات، وبقدر ما ينسجه من معلومات، لا أكثر.
نعم في بعض الأحيان، يقع اشتباه في الفهم، وهو يرجع إلى نوعٍ من الخصوصيّات، والمواقف التي يمكن لنفس الإنسان أن تتخذها، وهنا تصبح المسائل دقيقةً جدًا إذا ما أردنا أن نبيّن ما هي جذور وعلّة هذا الاختلاف. هل التفتّم؟
حسنًا، هذه هي وظيفتنا وتكليفنا بالنسبة إلى شهر رجب والفيوضات التي تتنزّل فيه، وهذه هي مرتبتنا، ولا يمكن لأيّ فردٍ من الأفراد أن يتجاهل الارتباط بالله عزّ وجلّ، فيقول: إنّ هذا الشهر هو لأولياء الله، ولا علاقة لنا به. إنّ أولياء الله يحصلون على نصيبهم منه، ولكن هل يعني ذلك أن ننزوي بأنفسنا؟ إنّ أولياء الله يأخذون حصّتهم وحظّهم، ويحصلون على نصيبهم، بالمقدار الذي لهم من المقام والرتبة، والتجلّيات التي تحصل لهم تتناسب مع سعتهم الوجوديّة، مثلًا: ورد في القرآن عن النبي موسى أنّه: ﴿فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَ خَرَّ مُوسى صَعِقًا﴾، حينما تجلّى الله عزّ وجلّ للجبل، وحينما تعلّقت إرادته القاهرة بأمرٍ مادّيٍ، ماذا حصل لذلك الجبل في قبال إرادة الله تلك؟ صار مثل الريشة، تصدّع وتفتّت وصار متناثرًا في الهواء كذرّات القطن، وصار مندكًا. يريد الله عزّ وجلّ هنا أن يقول: إنّ المادّة لا يمكنها أن تقاوم مسألة التجلّي والقدرة التي تتنزّل، فهنا كلّ مادةٍ بل وغير المادّة حتّى، هي في مقام الانفعال، والجنبة الفاعليّة [التي لله عزّ وجلّ] هي التي تأتي وتؤثّر، وتغيّر في هذه المادّة، وتخرجها عن حالتها الأولى.
حسنًا، ﴿وَ خَرَّ مُوسى صَعِقًا﴾، هنا النبيّ موسى خرّ صعقًا ووقع على الأرض وأغشيَ عليه بسبب ذلك، والكلام الآن هو: لو كان هناك أحد الأنبياء مكان موسى أو أحد الأولياء من ذوي المقام الأرفع من مقام موسى عليه السلام، فهل كان سيصعق أيضًا؟ قد لا يحصل معه نفس الأمر. فالنبيّ موسى هو الذي حصل معه هذا الأمر في هذه الحادثة، أمّا لو كان هناك فردٌ آخر… .
[يقول سماحته ممازحًا:] الآن لو أردت أن أفصّل في الأمر أكثر وأعمّقه أكثر، فينبغي أن نراعي عواقب الأمر!
ما حصل إنّما حصل مع النبيّ موسى، ويحتمل أنّه لو كان هناك إنسان آخر له مرتبة أعلى وكان أقوى من ناحية الاستعداد والقابليّة، ومن ناحيّة فعليّة المراتب الوجوديّة، فيحتمل أنّه ما كان ليُغشى عليه، ولا ليُصعق. نعم لو كان ذلك موجودًا، فحصول حالة الإغماء والصعق بالنسبة له تحتاج إلى تجلٍّ أعلى أقوى، هل التفتم للأمر؟ فليس الأمر سواء للجميع، بحيث لو حصل مع النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله ما حصل مع النبيّ موسى لصعق هو أيضًا. لا، بل من الممكن أنّه كان يستطيع أن يحتملها ولوقف أمام عظمة الله ينظر إلى الجبل والسماء والصحراء، ولكان ظلّ واقفًا هكذا وهو يقول: سبحان الله والحمد لله. مع أنّ النبيّ موسى صُعق وأغمي عليه، لكنّ النبيّ محمّدًا يقف هكذا وكأنّ أمرًا لم يكن.
أمّا الأمر الذي ينبغي أن يُغيّر حالة النبيّ صلّى الله عليه وآله، فإنه إذا ما جاء يفتّت المُلك والملكوت بأكملهما [وليس الجبل وحده]، ولا يكفيه ذلك التجلّي الذي يُخرج النبيّ موسى عن حالته! بل التجلّي الذي يحتاجه مختلف تمامًا.
"اللهم إنّي أسألك بالتجلّي الأعظم"، هذا الدعاء وارد في ليلة السابع والعشرين من شهر رجب، وهي ليلة المبعث، وهو الدعاء الذي ورد بحقّ رسول الله صلّى الله عليه وآله، وهو يشير إلى هذه الفكرة، وهنا [في هذا الدعاء] نلتفت إلى أنّ التجلّي الذي وقع للنبيّ موسى، والذي لم يتمكّن معه أن يبقى واقفًا ويقاوم، ويثبّت نفسه ويحفظها، كان هو تجلّي الولاية، وقد جاء على نحو ﴿كن فيكون﴾، هذا التجلّي هو الذي جعل النبيّ موسى يُصعق.
طبعًا هذه كلّها أسرارٌ وإشاراتٌ، فلماذا ينبغي أن تحصل للنبيّ موسى؟ وما الذي كان يحصل في نفس النبيّ موسى بحيث يرسل له الله عزّ وجلّ هذه الإشارة وهذه الفكرة ويُبرزها له، ففي نهاية المطاف، ينبغي أن يكون هناك سبب لحصول هذه المسائل! هل التفتّم للأمر؟
على كلٍّ، لكلّ إنسان حاله الخاصّ به، وارتباطه الخاصّ، فالنبيّ موسى له مقامه الخاصّ به، والنبيّ عيسى له مقامه الخاصّ به، ورسول الله صلّى الله عليه وآله يختلف عنهم فله مقام "أوّل ما خلق الله ..."، وله تلك الأوضاع والأحوال والفيوضات التي كانت تفاض على نفسه، وهذا مختصٌّ به، وكذلك الأئمّة عليهم السلام لهم مقاماتهم الخاصّة بهم، والأولياء لهم مقاماتهم الخاصّة بهم .. نحن كذلك لنا مراتبنا الخاصّة بنا، فلكلٍّ مقامه الخاصّ به، وإلّا فلماذا نأتي وندعو الله: ربّي زدني علمًا. نعم ينبغي على الإنسان أن يطلبَ من الله أن يزيده، ولا ينبغي أن ييأس، ولا ينبغي أن يغفل عن رحمة الله عزّ وجل، بل ينبغي أن يطلب من الله أن يزيد له هذه السعة، وينبغي أن يخطو في سبيل تطوير وزيادة هذه السعة، وعليه أن يتقدّم نحو الأمام، وأن يستشعر المسائل التي أضيفت له، إذن إنّ حالات الإنسان تختلف بين الحين والآخر، وعلى كلّ حال علينا أن نعلم أنّ الأولياء لم يذكروا هذه الوصايا [ التي توصي بالاهتمام بشهر رجب] بلا سبب.
كان المرحوم العلّامة [الطهراني] رضوان الله عليه في مثل هذه الأيّام، (حينما كان يسكن في طهران، وكذا حينما اعتكف بالعتبة الرضويّة المقدّسة)، كان بين الحين والآخر يبيّن بعض المسائل لأصدقائه عند حلول بعض المناسبات والشهور، ومن جملة المسائل التي أذكر أنّه بيّنها في شهر رجب لأصدقائه، هو شرح أدعية شهر رجب، فقد كان يبيّن كلّ سنةٍ دعاءًا أو دعائين منها، سواء أكان المجلس خصوصيًّا أم عموميًّا في المسجد، فكان يشرح هذه الأدعية التي وردت في شهر رجب، والتي تمّ التأكيد عليها.
أذكر أنّه في ليلةٍ من الليالي (عندما كنت في السابعة عشر أو الثمانية عشر ، ولم أكن معمّمًا حينها).. في ذلك الزمان كنّا نذهب أحيانًا بصحبته إلى المسجد، وأحيانًا كان يسبقنا، ثمّ نلحق به إلى المسجد. في تلك الليلة سبقني ، ثمّ لم أذهب ولم ألحق به، كنت متعبًا ومُرهقًا آنذاك، وكنت أشعر بالصداع، أضف إلى ذلك كسلي، فأنا لا أبرئ نفسي من الكسل، بل وبالإضافة إلى الصداع والإرهاق، كان هناك كسل من جانبي، والخلاصة أنّي لم أذهب إلى المسجد، وكان قد سبقنا، وحينما عاد سألني: يا فلان، لماذا لم تذهب إلى المسجد؟! فقلت له: سيّدنا، لم أكن على ما يرام . فقال: لقد خسرتَ خسارةً كبيرةً، فالليلة تحدّثنا عن هذه الفقرة [يشير سماحته إلى الفقرة التي أمامه في كتاب الأدعية]، وهي: "اللهم إنّي أسألك بمعاني جميع ما يدعوك به ولاة أمرك"... ، فقلت: وا ويلاه، فعلًا خسرتُ خسارةً عظيمةً، ولا أذكر أنّه شرح هذه الفقرة مرّةً أخرى، وفي تلك الأيّام لم تكن محاضراته تسجّل، لم تكن هذه الآلات متوفرة بسهولة، وهو لم يكن يسعى لأن يتمّ تسجيل ما يطرحه من مسائل، ولكنّي أتذكّر أنّه شرح سائر الأدعية التي وردت في شهر رجب.

    

شرح دعاء اللهم إني أسألك بمعاني جميع ما يدعوك به ولاة أمرك

فلنقم الليلة بشرح بعض فقرات هذا الدعاء للرفقاء ، ولكن أين هذا من ذاك؟! فلا تجلسوا على أمل أن تسمعوا تلك المطالب، كلّا يا عزيزي، فهذا بياني أنا لها، و أنا حالي معلوم، فأين هذا من بيان أولئك العظماء؟! و الحقيقة أنّ مثل هذه الأدعية إنّما ينبغي أن تُفسّر على لسان أولئك.
[يقول الإمام عليه السلام:] اللهمّ إنّي أسألك بمعاني جميع ما يدعوك به ولاة أمرك...

    

سند الدعاء ومصدره

لقد روي هذا الدعاء عن حضرة صاحب الزمان عليه السلام، و وصلنا في زمن الغيبة الصغرى عن طريق النائب الثاني من النواب الأربعة و هو محمّد بن عثمان، حيث أمره الإمام عليه السلام أن يوصله لشيعته وينشره بينهم.
النائب الأوّل هو عثمان بن سعيد، و الذي كان من أصحاب الإمام الهادي و الإمام العسكري عليهما السلام، ثمّ إنّه لما حصلت الغيبة الصغرى، صار النائب الأوّل، و من بعده جاء ابنه محمّد بن عثمان نائبًا ثانيًا، و قد تشرّفنا يومًا بزيارة قبره في بغداد، فقبور النوّاب الأربعة كلِّهم هي في بغداد، و قبل سنتين أو ثلاث عندما ذهبنا للتشرّف بالزيارة، وصلنا إلى قبره صدفة حيث كنّا في بغداد و أردت أن أصلي الظهر في بغداد، فوجدت أنّ بعض الناس يذهبون إلى بقعة خاصّة فذهبت إليها فإذا بقبر محمد بن عثمان هناك ، وهو النائب الثاني لصاحب الزمان عليه السلام. أمّا النائب الثالث فهو الحسين بن روح، و الرابع كان جناب علي بن محمّد السمري، و قد كان هؤلاء الأربعة ـ ولمدّة خمسة و سبعين سنة التي تمثّل الغيبة الصغرى ـ هم الواسطة بين الإمام و شيعته.
وقد توهّم البعض بأنّ هذا الدعاء هو من طرف الإمام العسكريّ عليه السلام، إلاّ أنّ محمّد بن عثمان لم يكن له تلك الموقعيّة في زمان الإمام العسكري، بل كان والده هو صاحب الإمام العسكريّ لا هو، و من هنا يتبيّن جليًّا أنّ هذا الدعاء إنّما هو من طرف صاحب الزمان عليه السلام.
(اللهمّ إنّي أسألك بمعاني جميع ما يدعوك به ولاة أمرك) ، يعني يا ربّ إنّي أطلب منك؛ لأن السؤال هنا بمعنى الطلب لا بمعنى الاستفهام، فالسائل هو الذي يطلب شيئًا من الإنسان.
(... بمعاني جميع ما يدعوك به ولاة أمرك) أسألك بتلك الحقائق وتلك المراتب وتلك المسائل التي يدعوك بها ولاة أمرك، ويطلبون منك بها، وبتلك الحقائق والمعاني التي يرتبطون بك من خلالها، وبتلك القضايا والمعاني التي انطوت عليها نفوسهم المطهّرة، فأنا أطلب منك مثل تلك المسائل!
وفي الحقيقة ، عندما يقرأ الإنسان هذه العبارات فإنّه يحتار ويعجب أنْ ما الأمر؟! و ما القضيّة؟! فالحديث عن تلك المعاني والحقائق التي يرتبط بها ومن خلالها ولاة أمر الله به عزّ و جل!

    

حقيقة مقام الأمانة على سرّ الله ومظاهره في سيرة الأئمة عليهم السلام

حسنًا، فمن هم هؤلاء الذين نتحدّث عنهم؟ إنّهم (المأمونون على سرّك) ، إنّهم الأمناء على حقيقة مشيئتك و تقديرك المعبّر عنه بمقام السرّ، فمقام السرّ هو مقام الإرادة، و مقام مشيئة الله تعالى الذي لا يعرفه أحدٌ و لا يطّلع عليه أحدٌ، و لا يناله أحد، فذاك المقام هو مقام السرّ، فهؤلاء هم الأمناء على مقام السرّ هذا.
إنّ الأمين على مقام السرّ هو ذاك الذي يجلس في منزله، فيأتي القوم و يلقون حبلًا في عنقه، ويجرّوه بالإجبار إلى المسجد ليبايع، هذا هو الأمين على مقام السرّ! هل التفتّم؟ حتّى يصل الأمر إلى أن تعترض عليه زوجته التي هي بنت رسول الله صلّى الله عليه و آله أن: ما الذي حصل؟! و ما الذي حلّ برسالة أبي؟! و ماذا حصل بنبوّة أبي؟! و ماذا عن المشقّات التي تحمّلها طيلة ثلاثٍ و عشرين سنة؟! و ما هو مصير تلك الحروب و الغزوات؟! و ما هي نتيجة الجراح التي تحمّلها؛ فقد جرح وكسرت رباعيته، وكسرت رجله؟! ما الذي حصل بها وما نتيجتها؟!
فهذا الذي يجلس في منزله، فيأتون و يجرّونه مقيّدًا ليبايع بالإجبار هو الأمين على مقام السرّ! إنّ هذا هو الذي عنده اطّلاع على تلك المشيئة والإرادة! هل فهمتم؟
من هو المأمون على السرّ؟! إنّه ذاك الذي عندما أراد أن يخرج من المدينة المنوّرة، جاء إليه أخوه محمّد بن الحنفية ، وقال له: ما الذي يجعلك تخرج؟ و إلى أين تذهب؟! ألا تدري ما الذي يجري في الدنيا؟! ألا تدري أوضاع يزيد و ما ينوي أن يفعله ؟! إنّ جميع الناس سيكونون ضدّك. فأجابه: إنّ الله شاء أن يراني قتيلًا! هذه هي مشيئة الله.
فسأله بعد ذلك: إن كانت مشيئة الله أن يراك قتيلًا، فلماذا تأخذ النساء و الأطفال إذن ؟! هل تحسن النساء القتال و الحرب ؟! فأجابه: إنّ الله شاء أن يراهنّ سبايا.
هذا هو الأمين على السرّ!
فبناءً على ذلك، من هو المأمون على السرّ؟ الأمين على السرّ هو ذلك الشخص المطّلع على مشيئة الله تعالى! فمن يكون ذلك ؟ إنّه الإمام.
فهل عرفنا من هو الإمام؟! و من الذي يطلق عليه "إمام" ؟! هل أنا إمام ؟! أنا الذي لا أعرف من الذي يقف خلف هذا الجدار ! وحتّى لو ذهبت إلى هناك خلف الجدار، فمع ذلك لا أدري من هناك حتّى أفتح عيني و أنظر، فلو وضع أحد يده أمام ناظِريّ ، فلن أعرف كذلك من هناك! فهل أكون حينئذٍ إمامًا؟!
إنّ الأمين على السرّ هو تلك الذات التي لها اطّلاع على مشيئة الله و إرادته، و حينئذٍ هل يمكن لها أن تقوم بأمر مخالف لها؟! هل يمكن ذلك؟! فذلك الذي اطّلع على أنّه "شاء الله أن يراهنّ سبايا"، هل يمكن أن يخالف تلك المشيئة بعد ذلك؟! فعندما تكون مشيئة الله أن تسبى ذراري رسول الله صلّى الله عليه و آله، و عندما تتعلّق إرادة الله بأن تُكشف بنت أمير المؤمنين عليه السلام أمام الناس، و عندما تكون مشيئة الله أن تقاد ذراري رسول الله بالسلاسل والأغلال إلى مجالس يزيد وابن زياد وشوارع الشام وعبر الصحاري والبلدان، فمن الذي يطّلع على تلك المشيئة ويجريها؟ إنّه الإمام زين العابدين عليه السلام، فهو الأمين على السرّ.
إنّه ذلك الذي يأتي في اليوم الثالث عشر من محرّم، فيجد الأفراد حيارى لا يدرون كيف يدفنون تلك الأجساد؛ إذ كانت الأجساد جميعًا بلا رؤوس، فمن يدري أين الإمام الحسين عليه السلام ، وأين حضرة أبي الفضل، وأين حبيب؟! لا يعرف أحد من أحد... لقد نفّذ الإمام الحسين عليه السلام مشيئة الله تعالى إلى هنا، و أمّا من هذه النقطة فصاعدًا فإنّ مشيئة الله ستجري و تنفّذ على يد الإمام زين العابدين عليه السلام، و ذلك أنّ الذي جاء يوم الثالث عشر، و ركب على الناقة و جاء إلى كربلاء، فقال لهم: ادفنوا هذا هنا، و ادفنوا ذاك هناك، فهذا عمّي وهذا والدي وهذا أخي عليّ الأكبر.. ذلك الإنسان هو نفسه المقيّد بالأغلال والذي يقاد الآن مع قافلة السبايا نحو الكوفة! لقد قُيّد عنقه بنوعٍ خاص من الأغلال يجعل كلّ يوم يمرّ عليه بمثابة عاشوراء جديدة!
وقد ذهبت ذات مرّة إلى أحد البلدان، و زرنا مكانًا تعرض فيه آلات متعلّقة بالسجون في العصور الماضية، و أدوات السجون التي كانت تستعمل منذ ألف سنة و أمثال ذلك، و بينما كنت أنظر إلى الأدوات، فوقع نظري على قيدٍ غريب، فأخذت أتأمّله لأعرف ما هو، و عندما قرأت التوضيح المكتوب هناك عنه، تبيّن لي أنّه نفس جامعة الحديد التي قيّدوا الإمام السجاد عليه السلام بمثلها، و عندما تصوّرت أنّني قُيّدت بذلك القيد، وجدت أنّني لا أقدر أن أتحمّله حتّى خمس دقائق، فهذا هو الغلّ الذي قيدوا به الإمام السجاد عليه السلام!
إنّ هذا الإنسان هو الذي يتلقّى المشيئة الإلهية ليجريها و يكسوها لباسَ الوجود الخارجيّ! هل التفتّم إلى ما أريد قوله؟ فذلك الذي يأتي يوم الثالث عشر فيعيّن أجساد الشهداء: ألا يقدر أن يتخلّص من قيوده بسهولة و يمشي مرتاحًا؟! بالطبع يقدر، و لكنّه مع ذلك يقول: لا بدّ لهذه القيود أن تبقى! لا بد أن تبقى! هذا هو الإمام! و هكذا يكون الإمام! علمًا أنّ هذا أوّل درجة من القضيّة ، والآن نريد أن ننتقل إلى الحديث عن الرتبة الأعلى إن قدرنا وتمكنّا، فهذه هي الرتبة الدنيا من الأمر.
( المأمونون على سرّك).. المأمون على السرّ هو ذلك الذي عندما يأتي ليودّع أهله الوداع الأخير، فيرى طفله الرضيع يتلظّى من العطش ولا يقدر من شدّة العطش حتّى على البكاء والتأوّه، وهذا الأمر وارد في الروايات، فيأتي و يأخذه معه إلى الخارج. ألا يعلم أنّ سهم حرملة سيأتي ويصيبه؟! ألا يعرف ذلك؟! كيف و هو قد بيّن تفاصيل ما سيحدث في كربلاء مقدّمًا؟! فهل يُعقل أن لا يدري بأنّ ذلك سيحصل؟! فمن هو الأب الذي يدري أنّ أمرًا كهذا سيصيب ابنه الرضيع، و مع ذلك يأتي بنفسه و يحمله و يعرّضه لمثل ذلك؟! من يقدر على ذلك؟! من؟! إنّه يحمل عليًا الأصغر و يأتي به، و من جهة أخرى يجب أن يأتي ذلك الملعون ويصوّب سهمه بدقّة نحو عليّ الأصغر، ولكن لو أنّ الإمام عليه السلام حرّك هذا الطفل عشرة سنتيمترات ... إنّ تحريك طفل رضيع عمره ستّة أشهر أمرٌ يسير إذ وزنه خفيف، فلو أنّه حرّكه عشرة سنتيمترات لما أصابه السهم ولذهب بعيدًا، ولكنّه مع ذلك يبقى ثابتًا في مكانه، فيأتي السهم ليصيب الهدف بدقّة! هذا هو الأمين على السرّ ! هذا هو الأمين على السرّ!
ثمّ يقول عليه السلام: (المستبشرون بأمرك) ، يعني هؤلاء يبشّرون الناس بأمرك.. يعني تلك الحقائق التي يراد لها أن تتنزّل من عندك ، فهم يبشّرون الناس بها ، ويدعون الناس إليها أن يا أيّها الناس تعالوا إلى هنا، أين أنتم خانعون؟ إلى أين تذهبون؟ وإلى كلام من تصغون؟ انهضوا وانظروا ماذا هنا لدينا؟!

    

وصف الأئمة لقدرة الله وصف تكويني

(الواصفون لقدرتك) علينا أن لا نغوص كثيرًا في توضيح هذه المطالب، نظرًا إلى ضيق الوقت، فهؤلاء هم الذين يصفون قدرتك، أي أنّهم مستقرّون في مقام تحقّق قدرتك، لا أنّهم يقولون يا إلهنا أنت قادر، فأنا أقول ذلك أيضًا، إلهي أنت لديك القدرة؛ فقد خلقت السماء وخلقت الأرض، والنجوم. لا بل هم يصفون القدرة وصفًا حقيقيًّا خارجيًّا، أي تلك القدرة الواقعيّة لله واسم القدير والقادر وصفة القادر تظهر في ذواتهم في الخارج، هذا معنى أنّهم الواصفون لقدرتك، فتلك القدرة الإلهيّة الأزليّة... وهذا أمر عجيب جدًّا الذي يبيّنه الإمام عليه السلام هنا.

    

متانة الزيارة الجامعة وبيان شيء مما ورد فيها

يقال إنّ الزيارة الجامعة لا سند لها، فقد سمعت أنّ رجلًا كتب في مقالاته أنّ غلاة الشيعة هم الذين اخترعوا الزيارة الجامعة. فليقل من هم هؤلاء؟! ففي النهاية ليست الزيارة الجامعة بالتي يمكن أن يكتبها إنسان عاديّ كبائع الشمندر مثلًا، بل هي تحتاج إلى عالم وعارف وحكيم، وعلى الأقل لا بدّ أن يمتلك هذه العلوم الظاهريّة، فمن هو يا ترى الذي كتبها؟! من هو الذي نطق بها غير الإمام الهادي عليه السلام؟! ومن الذي يمكنه أن ينطق بها غيره؟! فعباراتها أقوى وأشدّ من هذه العبارات التي نقرأها الآن، ففي الزيارة الجامعة أنّكم أنتم الوسيلة وأنتم الواسطة بين الله والخلق، وبواسطتكم تمطر السماء وتنزل البركات على الأرض، وحقيقت وجودكم تملأ العالم كلّه، أرواحكم في الأرواح وأجسادكم في الأجساد فحقيقة أرواحكم هي التي تسيطر وتهيمن على كافّة عوالم الأرواح والعوالم المجرّدة، وفي صورة الظاهر فإنّ بُعدكم الخَلقيّ بالنسبة إلى البدن هو الذي يوجب أن تكون أجسادكم في الأجساد، فمن الذي يمكنه أن يدرك هذه الحقائق؟! فبعدكم الماديّ هو العلّة لتحقّق كافّة عوالم المادّة والشهادة. فهل يمكن أن يصل الفكر إلى هذا؟! وكيف يمكن الوصول إلى ذلك؟! ثمّ بعد هذا يقال: إنّ هذا من الغلاة. فمن هم هؤلاء الغلاة ؟! لا يمكن إلقاء الكلام على عواهنه بغير دليل، فلتسمّ لنا من هو المغالي الذي وضع هذه الزيارة، وما هو الدليل على ذلك؟! قل لنا وضعها فلان ابن فلان وهذا هو الدليل على ذلك، أما إلقاء الكلام بهذا العموم والتظنّي فليس له أيّة قيمة علميّة. فلتجعل أنت عبارة واحدة من عبارات الزيارة الجامعة وأنا سأعتقد أنّك الإمام الثالث عشر، فلتتفضّل ولتقل عبارة واحدة من هذه العبارات وأنا أقول إنك نبيّ. فهذا الكلام كلّه ناشئ عن الجهل.
(المعلنون لعظمتك) وليس معنى الإعلان أنّهم يتحدّثون بها، بل يجعلونها أمرًا علنيًّا، فتلك العظمة التي هي موجودة في العالم ومتحقّقة ومتجليّة، هذه الذوات المقدّسة هي التي تهبها الصورة الخارجيّة والتحقق الخارجيّ.
(أسألك بما نطق فيهم من مشيتك)، إلهي أنا أطلب منك بتلك المشيئة التي أجريتها فيهم، وبتلك الإرادة التي تعلّقت بهم، وما هي تلك الإرادة والمشيئة؟ هي: (فجعلتهم معادن لكلماتك)

    

معنى كلمة الله

وما هي الكلمة؟ هي الحقيقة الوجوديّة التي تتنزّل من ذات الباري، وتكون سببًا في أن تتحقّق تلك المشيئة في الخارج في قوالب الصفات والأسماء الكليّة، هذه هي الكلمة، فحضرة المسيح في الآية القرآنيّة ما هو؟ (وكلمته)[2]. لماذا كان كلمته؟ لأنّه كان يبرئ الأكمه والأبرص والأعمى بمجرّد أن يمسح عليهم، فمن كان أعمى وكان عصب عينه متيبّسًا، أو لا عين له أصلًا...
يقال إنّ أحدهم جاء الشيخ حسن علي الأصفهاني، وقد كنت حاضرًا في المجلس الذي كان فيه الأصدقاء والأطبّاء يروون القصّة للمرحوم العلامة، ولا يزالون الآن على قيد الحياة في مشهد، وقد ذكرتها فيما سبق للرفقاء، ولكنّ مجملها أنّ أحدهم تزوّج، وكانت زوجته قد أصيبت بمرض، وأجريت لها عمليّة جراحيّة ولم يعد لها رحم، فيئسوا من الإنجاب، وكان الرجل يفكّر في زواج جديد فجاؤوا إلى الشيخ حسن، فتناول شيئًا من التين أو الحلوى وقرأ عليه سورة الحمد وقال له: أعطه لتلك المرأة لتأكل منه، فقالوا له: شيخنا هذه المرأة لا تمتلك رحمًا أصلًا! فقال لهم: هل تريدون رحمًا أم ولدًا؟! فأنتم تريدون ولدًا، وها أنا أعطيكم الولد، فالمرأة التي لا رحم لها تلد بعد تسعة أشهر ، فكيف يكون ذلك؟! هذا هو معنى الكلمة، فكلمة الله هذه هي، أي هي الحقيقة التي تبعث على ظهور اسم من أسماء الله وبروزه. هذا كان حال الشيخ حسن علي النخودكي فكيف بعيسى بن مريم؟ فعيسى أمره مختلف، فهو نبيّ من أولي العزم وله مقامه، ماذا كان يصنع عيسى؟ كان ينفخ فيحيي ويبعث الميّت، كان يقوم بما تقوم به الملائكة التي تنفخ في الصور، فيُحيي الموتى، بل الأكثر من ذلك أنّه كان يأخذ التراب الذي في البستان ويرشّ عليه قليلًا من الماء، وينفخ فيه، فيتحوّل إلى طائر يُحلّق في السماء.. يا للعجب! لم هذا الطائر ميّتًا ثمّ أحياه هو، لا بل كان هو يوجد الروح إيجادًا. وذاك الذي يقدر على خلق طائر يُمكنه أن يخلق أسدًا أيضًا، بل وأكثر! فلعلّ عيسى عليه السلام كان يُنجز تلك الأعمال التي أنجزها بما يتناسب مع سعة نفسه، وفي مجال إظهار قدرته على التصرّف في الحيوانات... أما الإمام الرضا عليه السلام فهو يوجد أسدًا، حيث أشار إلى الرسم المنقوش في الستار، فتحوّل إلى أسد حقيقي؛ وحينئذ، نستطيع القول أنّه يقدر على إيجاد إنسان.. هل التفتّم؟! يعني أنّ تلك الكلمة تأتي وتنفخ روحًا إنسانيّة بدلًا من أن تنفخ روحًا حيوانيّة؛ وهو نفس ما قام به جبرائيل عليه السلام مع السيّدة مريم عليها السلام؛ وحينئذ، يُصبح جبرائيل هو كلمة الله، حيث تأتي هذه الكلمة وتُوجّه نظرها إلى السيّدة مريم، وتنبعث عنها إرادة، فتحسّ مريم عليها السلام بوجود جنين في بطنها! فما الذي حصل؟! أفهل كان هناك مختبر في ذلك العصر؟! يعني: حينما تنبعث تلك الإرادة والمشيئة، يتمّ نزول اسم أو صفة من الصفات الإلهيّة بواسطة تفعيل تلك الإرادة، فنرى بأنّ إنسانًا قد وُجد؛ ولهذا، يُصبح عيسى عليه السلام بنفسه كلمة الله.. ولا يخفى أنّني لا أريد هنا القول بأنّ عيسى عليه السلام لم يكن يقدر على القيام بمثل هذا الأمر، فلعلّه كان يستطيع إيجاد إنسان أيضًا، بل مرادي هنا هو الحديث عن المرتبة العليا لهذا الأمر؛ لأنّ إيجاد الروح الإنسانيّة يتطلّب تجرّدًا أكبر.. فلم يقتصر هؤلاء الأئمّة على أن يكونوا كلمة الله كما كان عيسى عليه السلام، بل كانوا معادن كلمة الله؛ أي أنّ الإمام يحوي في وجوده على ألف من حضرة عيسى عليه السلام!

    

معنى كون الأئمّة معادن الكلمات

وهذا هو المراد من عبارة: (معادن لكلماتك)؛ بمعنى أنّ هناك ألف موسى وألف إبراهيم في داخل الإمام ونفسه؛ فهؤلاء هم معادن لجميع الكلمات، حيث إنّ هذه الكلمات تكون سببًا في نزول ذلك الاسم الكلّي والصفة الكلّية في هذا العالم.
فحينما يقول الإمام الصادق عليه السلام[3]: أنّ آصف وزير نبي الله سليمان عليه السلام تمكّن من إحضار عرش بلقيس بواسطة تفعيل اسم من الأسماء وكلمة من الكلمات الإلهيّة في وجوده، واستطاع توقيف الشمس عن طريق هذه الكلمة، ليتمكّن نبيّ الله سليمان من أداء صلاة العصر في وقتها، حيث كان عليه السلام يُشاهد استعراضًا عسكريًّا، فبدأت الشمس فجأةً بالغروب، فقام حضرة آصف بتوقيف الشمس بإشارةٍ من نبي الله سليمان الذي ذهب لأداء الصلاة حتّى لا يدخل وقت القضاء؛ فما الذي يعنيه ذلك؟ يعني أنّ حضرة آصف كان بوسعه التصرّف في كلّ عالم الوجود؛ لأنّ الذي يقدر على توقيف الشمس، هل يعجز عن القيام بعمل آخر؟! فيقول الإمام الصادق عليه السلام: إنّ ذاك الذي تجلّى فيه اسم واحد من الأسماء الإلهيّة استطاع أن يتصرّف في كلّ عالم الوجود، بينما نحن تجلّى فينا اثنان وسبعون اسمًا.. فما الذي سينتج عن ذلك؟ فذاك كان يمتلك اسمًا واحدًا، فيحيي الموتى، بل كان يوجد الأحياء [من العدم]، ويوقف حركة الشمس؛ مع أنّ توقيفه لحركة الشمس يعني توقيفه لكلّ العالم، وإلاّ لو اقتصر الأمر على توقيف الشمس فقط، لأدّى ذلك إلى اصطدام الكواكب ببعضها البعض؛ وكذلك الأمر بالنسبة لأمير المؤمنين عليه السلام حينما قام بتوقيف الشمس، حيث أنّ ذلك يستتبع توقيف كلّ العالم.. لقد تحرّكتم كثيرًا، فتوقّفوا قليلًا عن الحركة، وخذوا قسطًا من الراحة، إلى أن يتمّ الأمر!!! نرجو من الله تعالى أن يُوفّقنا لكي نضع أنفسنا في مجرى تلك المشيئة والقدرة حتّى نتمكّن من استيعاب ما قام به هؤلاء، وإلاّ فنحن الآن لا نفهم شيئًا من هذه الأمور، ونكتفي بنقل ما سمعناه من الآخرين؛ وهذا لا يعني أن نسعى لطلب الحصول على مثل هذه الأمور؛ لأنّه لا توجد فيها فائدة، بل ما أُمرنا به هو السعي وراء أمور تفوق مسألة ردّ الشمس.
يقول الإمام الصادق عليه السلام: إنّ شيعتنا يصلون أيضًا إلى هذا المقام، ويستطيعون بدورهم امتلاك تلك الأسماء الاثنين والسبعين.. ويا له من مقام!
فهذا هو المراد من: (فجعلتهم معادن لكلماتك)؛ يعني أنّ جبرائيل يُعمل تلك الفاعليّة بما هو كلمتك، وميكائيل يُعمل تلك الفاعليّة من خلال هذه الحقيقة، وكذلك الأمر بالنسبة لموسى عليه السلام حينما شقّ النيل ومكّن الناس من عبوره، فإنّه قام بذلك عن طريق تفعيل هذه الكلمة في تلك الحقيقة؛ وجميع عالم الوجود يقوم بتفعيل هذه المرتبة في تلك الحقيقة، ليتمكّنوا بذلك من القيام بهذه الأعمال؛ وعلى هذا، من هم المقصودون بـ : (معادن لكلماتك)؟!

    

معنى كون الأئمّة أركان التوحيد

(وأركانًا لتوحيدك..) يعني أنّ التوحيد يقوم عليهم، وحقيقة التوحيد تظهر بواسطتهم؛ فهذا هو المراد من الأركان، وإلاّ على ماذا نطلق اسم ركن الصلاة مثلًا؟ على ذلك الأمر الذي تبطل الصلاة عند عدم القيام به؛ نظير تكبيرة الإحرام والركوع. فبواسطة هؤلاء يتحقّق التوحيد في العالم؛ أي إنّ الحقيقة الربوبيّة تبرز عن طريق ظهور هؤلاء في هذا العالم.

    

معنى عدم تعطيل آيات الله ومقاماته

(وآياتك ومقاماتك التي لا تعطيل لها في كلّ مكان..) فهؤلاء يُمثّلون مقاماتك التي لا تُعطّل ولو للحظة واحدة.. ﴿لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ ولا نَوْم﴾[4]؛ أي أنّ الله تعالى لا ينام ولايغفو ولو للحظة واحدة: اگر نازى كند از هم فرو ريزند قالبها (يقول: لو أراد أن يُبرز دلاله، لتحطّمت كلّ القوالب)؛ فعلّة هذا الكلام الذي أتحدّث به الآن هو توجّه الإمام عليه السلام، وإلاّ لأصبحتُ أبكمًا، ولما تمكّنتُ من التفوّه بكلمة واحدة، كما أنّ قدرتي على فتح جفوني وغلقها إنّما هي بواسطة توجّه الإمام عليه السلام، وإلاّ إذا انقطع هذا التوجّه، فإنّ الجفن الأعلى سيسقط على الأسفل، بل إنّ الوجود بتمامه سيتحوّل إلى عدم، ولن يقتصر الأمر على موت الإنسان؛ لأنّ الموت بحدّ ذاته وجود، غاية الأمر أنّ نوعه مختلف.. فتكتشفون فجأةً أنّ السيّد الطهراني الذي يتحدّث معكم قد انعدم، فلا يوجد هناك إلاّ المتكّأ! يا للعجب! أين ذهب؟! لقد كان يتحدّث إلينا، وكان صوته يصل إلينا، وكنّا نراه أمامنا! فلو أنّ هذا المتكلّم يفتقد تلك العناية ولو للحظة واحدة، لما رأيتم هنا إلاّ المتكّأ، ولتبدّل المسار!
وعليه، فإنّ جميع ما يحدث في هذا العالم وفي عوالم الربوبيّة وعالم البرزخ والقيامة إنّما يحدث بسبب (مقاماتك التي لا تعطيل لها)؛ فلا يوجد تعطيل في هذه المقامات ولو للحظة واحدة؛ وحينئذ، هل صار واضحًا لدينا من هو الإمام؟ وهل أستطيع أن أسمّي نفسي إمامًا؟ فالإمام هو الذي إذا قطع إرادته عن نزول الفيض الربوبيّ إلى العوالم ولو للحظة واحدة، فلن ترى بعد ذلك إلاّ العدم، ولن يكون هناك وجود لجبرائيل ولا ميكائيل ولا شمسٌ ولا أرضٌ ولا مجرّات ولا درب التبّانة ولا درب "الجبن"!!! وكذلك الأمر بالنسبة للعوالم غير المادّية؛ فجميع هذه الأمور متعلّقة بإرادته ونَفَسه ونظرته.
في أحد الأيّام، كنّا جالسين عند المرحوم العلاّمة رحمة الله عليه، وكان معنا اثنان أو ثلاثة من الأصدقاء المقرّبين، فجرى الحديث المراتب التي يطويها الأولياء بعد وفاتهم، فقال المرحوم العلاّمة وكان يراعي في حديثه عن أستاذه الأدب والعديد من المسائل : حينما كنّا نتشرّف بخدمة المرحوم السيّد الحدّاد، لم نكن نرى منه إلاّ عمامةً موضوعة على رأسه، ونظّارات على عينيه، وهو منهمك في قراءة الدعاء، أو الحديث معنا، أو القيام أو القعود... أفهل كنّا نرى منه شيئًا غير هذا؟! أفهل يُمكننا أن نُدرك أين هو الآن؟! فما كنّا نرى منه إلاّ شكله وعمامته وعينيه وحاجبيه وعباءته و... ، لكن هل نستطيع القول أنّ حقيقته منحصرة في هذه الأمر؟! ثمّ قال: إنّ أولياء الله تعالى بهذا الشكل: لا يفرق لديهم الموت وعدمه؛ فسواء بقوا أو ارتحلوا فهم في مقام حازوا فيه جميع المراتب الوجوديّة، هم في مقام بحيث أن تمام مراتب الوجود متحققة في وجودهم، فعند ذهابهم إلى ذاك العالم لا يضاف إليهم شيء؛ سواء كانوا في هذه الدنيا أم في ذاك العالم، لا يختلف الأمر لديهم
(يعرفك بها من عرفك)، من يريد أن يعرفك فهو يعرفك من خلال هذه المقامات، وإذا كان هناك طريق إليك فلا بد أن يكون الطريق من خلالهم، وأما غيرهم فضلال محض وعدم محض وجهل محض وظلمة محضة.. طريق الله منحصر بهم فقط: يعرفك بها من عرفك. حسنًا، لنرَ ما هي الفقرة التالية؟

    

معنى "لا فرق بينك وبينها"

(لا فرق بينك وبينها إلا أنهم عبادك وخلقك)، الفرق بينكما هو أنهم مخلوقون لك وأنت خالقهم، يعني إذا وضعنا مسألة الخالقيّة والمخلوقيّة جانبًا، فكل ما تنسبه إلى الله يمكنك أن تنسبه إلى هؤلاء! هذا هو معنى عبارة (لا فرق)؛ فالله يخلق وهم يخلقون، الله يميت وهم يُميتون، الله يمنح العلم وهم يمنحون، الله يعطي القدرة وهم يعطون، قدرة الله غير متناهية وقدرة هؤلاء غير متناهية! فهل قدرة الإمام غير متناهية أم أنها متناهية؟ حتمًا غير متناهية! لأنه لا فرق بينهم وبينك، لا فرق بين تلك المقامات وبينك، هناك فرق واحد فقط وهو جهة المخلوقيّة.
(نزّلونا عن الربوبيّة وقولوا فينا ما شئتم)، فنحن لسنا أربابًا، بل نحن مخلوقون! حسنًا، هم مخلوقات للّه ونحن مخلوقون له أيضًا.. قدرتنا لا تمكّننا أن نحمل حجرًا وزنه عشرون كيلو، هذه قدرتنا. أما هو [الإمام] فيدير تمام العالم، تلك قدرة أيضًا، ذاك يعطي في كل لحظة وجودًا لتمام عالم الوجود.
بعضهم يقول بأن المراد من عبارة "بينها" هم الملائكة. فما هو مقام الملائكة أساسًا! فالملائكة أنفسهم تحت مشيئة وإرادة الأئمة. فضلًا عن أن بعض النسخ يوجد فيها "بينهم" بدلًا من "بينها".
(إلا أنّهم عبادك وخلقك)، هنا وردت العبارة بضمير "هم"، فالفرق هو أنك إله وهم عبادك ومخلوقون لك. تمام مشيئة العالم تجري من خلال هؤلاء.

    

كلمات أمير المؤمنين العجيبة بعد دفن رسول الله صلوات الله عليهما وآلهما

الإمام الرضا عليه السلام يقول في تلك الرواية التي ينقلها عن أمير المؤمنين عليه السلام بعدما دفن النبي، ينقل عبارة عجيبة.. أنا لم أجد هذه العبارة في مصدر من المصادر، قرأتها فقط في كتاب "ناسخ التواريخ"، فإذا وجدها الإخوة في مكان آخر فجيد أن يشيروا علينا..
يقول: "اللهم إن هذا أول العدد وصاحب الأبد" يعني إلهي هذا الذي دفن هنا هو أول حقيقة تعلّق فيها العدد، أي مقام الأحديّة بعدما تنزّل إلى مقام الواحديّة، وبروز الأسماء والصفات إنّما نشأ من مقام الواحديّة ذاك، هذا النبيّ هو مقام الواحديّة؛ لأنّه لا معنى للعدد في مقام الأحديّة، لا معنى للواحد مقابل الاثنين، بل الواحد الذي هو بمعنى حقيقة بسيط الأشياء، لا الواحد المقابل للاثنين والثلاثة والأربعة، هناك من تلك المرتبة الأحديّة وعندما يريد مقام الهوهويّة الظهور والبروز، يكون رسول الله هو أول نقطة بروز الإرادة والمشيئة. وصاحب الأبد، يعني أن هذه الحقيقة ليس لها أول وآخر، فالأبدية انتقشت في هذه الحقيقة، وصارت الأبدية محكمة فيها.
وفيها عبارات عجيبة جدًا، منها: "نورك الذي فتقت به غواسق الظلم وبواسق العدم، وجعلته بك ومنك وإليك وعليك دليلا، روحه نسخة الأحدية في اللاهوت، وجسده صورة معاني الملك والملكوت، طاووس الكبرياء، وحمام الجبروت".
أمير المؤمنين عليه السلام يقول إن روح رسول الله هي حقيقةُ أبديةِ عالم الوجود، أول نقطة التعيّن.. طبعًا العظماء والأولياء لديهم عبارات في هذه القضيّة، محي الدين لديه عبارات عجيبة في هذا المقام.. لذا الإمام الرضا عليه السلام يقول في تلك الرواية العجيبة: أين يمكنكم أن تدركوا الإمام بأوهام عقولكم، لا بعقلكم بل بالوهم والخيال والتصور تريدون أن تنصبوا الإمام؟! ماذا تدركون أنتم؟ من يفهم الإمام ما هو؟! فهل يمكننا أن نفهم هذه الحقيقة؟! هل نستطيع أن نفهم هذه المعاني وهذه المقامات وهذه الدرجات وهذه المراتب؟!

    

انفتاح باب الأمل لوصول الموالين المتّبعين إلى أعلى المراتب بواسطة الولاية

لكن لدينا أمل في فهمها، فالأمل موجود.. فهذه الأمور قالها الأئمة لنا، قالوا لنا اقرأوا وافهموا واقتربوا، لا تقولوا هذه ليست لنا، هذه لهم فقط، بل تقدموا واخطوا نحونا يحصل لديكم حركة وشوق. نحن نقول لكم ذلك، وندلّكم على باب الحديقة الغناء، فإذا وصلتم إليه ندخلكم في تلك الجنان! عليكم فقط أن تخطوا ونحن ندخلكم إلى ذاك المكان؛ نمنحكم سعة وقدرة، ونزيد من سعتكم الوجوديّة، ونخرجكم عن حالة التفكير في الدنيا والوصول إليها، ونزيد من تعلقكم بتلك العوالم، ونعيد لكم التوجّه والالتفات إلى المسائل التي تصرف نظركم نحوها، وننبّهكم إلى ذلك، لكن عليكم أن تتحرّكوا فقط، تفضّلوا بسم الله! هذه الأدعية إنّما وردت لأجل هذه المسائل.
لذا نرى في شهر رجب أن الأدعية توحيديّة، فما معنى هذه الأدعية في هذا المجال؟ أليست المسألة مسألة توحيد ومسألة الله؟! ألا ينبغي أن تعود الأدعية إلى خصوص ذات الباري تعالى؟! فلماذا أورد الأئمة هذه الأدعية هنا؟ أوردوها هنا لأجل هذا الأمر!
أركان التوحيد هي هذه، حقيقة الولاية هي التوحيد، فحينما يقولون بأنّ الولاية عين التوحيد فهو يعني أنه إذا أردنا أن نأخذ الفيض والبركات في هذا الشهر فينبغي أن يحصل هذا الفيض والبركات من نفس الإمام، إذ لا شيء أبدًا في أي مكان آخر.
حسنًا، كنا نريد أن نتحدّث في هذا المجال بأمور أخرى أيضًا، لكن إن شاء الله.. لقد ذكرنا هذه الأمور بسبب شهر رجب، ولو بمقدار بضعة فقرات.. وكما يقول المثل:
مهر جهانسوز چو پنهان شود
                             شب پره بازيگر ميدان شود
(أي: عندما تغيب الشمس المضيئة، يصير الخفّاش فارس الميدان)

فنحن نتحدث بما جمعناه من هنا وهناك، وبما سمعناه من العظماء مما يمكن قوله وذكره، فهؤلاء بمناسبة شهر رجب وحصول الوسائل لتلقي الحقائق والفيوضات في شهر رجب وشهر شعبان وشهر رمضان ...
إن شاء الله يوفقنا الله تعالى للوصول إلى حقيقة هذه المعاني، وإدراك واقعية هذه المعاني، والوصول إلى لبّ ومغزى هذه الحقائق التي بيّنت لنا.. إن شاء نوفّق للوصول إليها تحت رعاية صاحب مقام الولاية، وننعم جميعًا إن شاء الله، ونخطو نحو تلك المعرفة بأقدام أكثر إتقانًا وأشدّ إحكامًا.
وأنا مع صغر سني في ذلك الوقت عندما كنت أشارك في مجالس المرحوم السيّد الحدّاد رضوان الله عليه، وكنا نرى حالته، كنا نرى واقعية لديهم.. فنحن نحسن الكلام فقط بهذه الأمور، نتكلّم ساعة أو نصف ساعة، لكن عندما يقال لنا: ما الذي استفدته من كلامك؟ نقول هذا الذي سمعناه فقط. بينما عندما كان أولئك يتكلمون كنا نحسّ بوجود حقائق وراء هذا الكلام، لا أنهم كانوا ينقلون لنا ما وجدوه في الكتب فقط! كانوا ينشئون كلامهم، وكلامهم كان إنشاءً! وكأنّهم يريدون أن يقولوا لنا حقيقة واقعيّة، فقد كنّا نرى وجود هذه الحقائق وهذه المعاني ـ بالإجمال لا بالتفصيل ـ في وجودهم وحياتهم، ما يكشف عن وجود شيء هناك، لا أنّهم كانوا يقولون شيئًا لا واقع له ولا وجود، بل كانوا يلقون أمورًا واقعيّة موجودة.
اللهم صلّ على محمّد وآل محمّد


[1] ـ الشيخ الصدوق، فضائل الأشهر الثلاثة، ص 24.

[2] ـ سورة النساء، مقطع من الآية 171: إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه.

[3] ـ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ عَنْ سَعْدٍ أَبِي عُمَرَ الْجُلاّبِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ: إِنَّ اسْمَ اللَّهِ الأَعْظَمَ عَلَى ثَلاثَةٍ وسَبْعِينَ حَرْفًا كَانَ عِنْدَ آصَفَ مِنْهَا حَرْفٌ وَاحِدٌ فَتَكَلَّمَ بِهِ فَخُسِفَ بِالأَرْضِ مَا بَيْنَهُ وبَيْنَ سَرِيرِ بِلْقِيسَ ثُمَّ تَنَاوَلَ السَّرِيرَ بِيَدِهِ ثُمَّ عَادَتِ الأَرْضُ كَمَا كَانَ أَسْرَعَ مِنْ طَرْفَةِ عَيْنٍ وعِنْدَنَا نَحْنُ مِنَ الإسْمِ اثْنَانِ وسَبْعُونَ حَرْفًا وحَرْفٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى اسْتَأْثَرَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ الْمَكْتُوبِ عِنْدَهُ. (بحارالأنوار، ج 14، ص 114). المترجم

[4] ـ سورة البقرة، مقطع من الآية 255.

      
  

جميع الحقوق محفوظة لـ موقع المتقين www.motaghin.com ويسمح باستخدام المعلومات بشرط الإشارة إلى المصدر.

© 2008 All rights Reserved. www.Motaghin.com


Links | Login | SiteMap | ContactUs | Home
عربی فارسی انگلیسی