معرض الصور المحاضرات صوتيات المكتبة سؤال و جواب اتصل بنا الرئیسیة
 
اعتقادات و كلام أخلاق حکمة عرفان العلمي و الإجتماعي التاریخ القرآن و التفسير
المكتبة > محاضرات العلامة الطهراني > محاضرات متعددة > الإحرام من ميقات العشق – محاضرة العلامة الطهراني في الأربعين

_______________________________________________________________

هو العليم

الإحرام من ميقات العشق

محاضرة العلّامة الطهرانيّ في الأربعين

 

للعلاّمة

آية اللـه الحاج السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
رضوان اللـه تعالى عليه

_______________________________________________________________

تحميل ملف البد دي أف تحميل ملف البد دي أف

 

زار جابر بن عبد الله الأنصاري قبر سيِّد الشهداء عليه السلام بعد أربعين يوماً من شهادته، وقال لعطيّة العوفيّ: سمعتُ رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول: «مَنْ أحبَّ قوماً حُشِرَ مَعهم ومَنْ أحبَّ عَمَلَ قومٍ أُشرِكَ في عملِهم»[1]. فنحن بزيارتنا للحسين عليه السلام نكون قد جاهدنا معه، وقتلنا معه؛ فنحن معهم. وها هو قلبي يخبرني بأنَّنا معهم. لقد كان يقول ذلك بكلّ يقين.

    

من هو جابر الأنصاري ؟

كان عمرُ جابرٍ عند قدومه لزيارة قبر سيِّد الشهداء عليه السلام إثنين وسبعين عاماً. إذ إنَّ جابراً كان من أصحاب رسول الله وكان رجلاً عظيماً؛ وكان قد شارك في معركة بدر وأحد، ولقد شارك في ثماني عشرة غزوة من غزوات النبي صلى الله عليه وآله. ذكر ذلك المرحوم الميرزا محمّد الأسترأبادي في رجاله[2] فقال: كان قد شارك في ثماني عشرة غزوة؛ كما ذكر ابن عبد البرّ في الاستيعاب[3] بأنَّه كان في ركاب أمير المؤمنين عليه السلام في حرب صفين.
لقد كان رجلاً عظيماً جداً.. أبوه هو عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري ولقد استشهد في معركة أحد حيث كان يقاتل في الحرب هو وابنه جابر. استشهد أبو جابر ودفنه رسول الله هو وعمرو بن جمود في قبر واحد[4]. وكان جابر من شيعة أمير المؤمنين المخلصين، أيّ أنَّه كان من أولئك الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين في الولاية. وأنا لم أُلاحظ أيّ قدحٍ لجابر بن عبد الله الأنصاري من قبل عظماء الشيعة من أصحاب كتب الرجال وتراجمهم.
كان جابر يمشي في أزقّة المدينة ويُنادي: «عليٌّ خيرُ البشر، فمَن أبى، فقد كفر. يا معشرَ الأنصار، أدِّبوا أولادَكم على حبِّ عليّ، فمَن أبى فانظروا في شأن أُمّه»[5]. نعم، لقد كان يجهر بهذا الأمر.
هذا وقد بلغ جابر العقد التاسع من العمر، حيث أدرك الإمام محمّد الباقر عليه السلام وأبلغه سلام رسول الله إليه قبل أن يرتحل عن الدنيا. ومن غير المعلوم فيما إن كان قد فقد بصره عند وقوع فاجعة كربلاء[6]، بل يُستفاد من الرواية التي تذكر بأنَّه كان في بيت الإمام السجاد بعد واقعة كربلاء، فخرج الإمام محمد الباقر وشاهده جابر؛ فقال له: أقبل وأدبر، فقال: هذه شمائل رسول الله[7].. يُستفاد من هذه الرواية بأنَّ جابراً كان مبصراً آنذاك. أمّا كونه قد فقد بصره في أواخر عمره ورحل عن الدنيا وهو أعمى، فهذا الأمر محلّ ترديد.
وخلاصة الأمر، فقد كان جابرٌ رجلاً ذا مكانة مرموقة وكان فقيهاً ومن ذوي المعرفة وكان من الشيعة المخلصين. وعند سماعه خبر استشهاد سيِّد الشهداء عليه السلام خرج من المدينة قاصداً كربلاء لزيارة قبر سيِّد الشهداء وكان معه عطية العوفي الكوفي.

    

التعريف بعطيّة الكوفي

يقول المرحوم الشيخ في رجاله: كان عطية العوفي من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام. ويقول في مكان آخر بأنَّ عطية العوفي كان كوفيّاً من أصحاب الإمام الباقر[8]. وقال البعض لعله كان هنالك اثنين ممن يتسمّون بهذا الاسم. أمّا المرحوم المامقاني فقد قال في تنقيح المقال: لا يُستبعد أن يكون هو عطية نفسه كما قال البعض غير أنَّ حياته قد استمرت حتّى عصر الإمام الباقر؛ فقد كان عمره في عهد أمير المؤمنين عشرين سنة ويمكن عدَّه من أصحابه، ولما كان عصر الإمام الباقر بعد خمسة وخمسين عاماً من ذلك، فيكون عمره في عصر الإمام الباقر خمسة وسبعين عاماً، فلا استبعاد من إدراكه لفترةٍ من عصر الإمام الباقر.[9]
كان عطية من تلامذة ابن عباس، ولقد كتب تفسيراً للقرآن بخمسة أجزاء وعرضه على ابن عباس ثلاث مرات، كما قرأ عنده القرآن سبعين مرة[10]. ولقد كان من كبار رواة الشيعة.

    

زيارة جابر لقبر سيّد الشهداء يوم الأربعين

خرج جابر من المدينة قاصداً الكوفة. ومن غير المعلوم فيما إذا كان قد خرج من المدينة بصحبة عطية العوفي، أم أنَّه قد التقى به في الكوفة وخرجا سويةً لزيارة قبر سيِّد الشهداء.
على كلّ حال، حيث أنّ اليوم هو يوم الأربعين فمن المناسب أن نقرأ هذه الرواية الواردة في كتاب (بشارة المصطفى) وهو من كتب الشيعة النفيسة:
ينقل المرحوم عماد الدين الطبري الآملي في سنده المتصل عن عطية العوفي حيث يقول: «خرجت مع جابر بن عبد الله الأنصاري (رحمه الله ) زائرين قبر الحسين بن علي بن أبي طالب فلما وردنا كربلاء دنا جابر من شاطئ الفرات فاغتسل ثم اتّزر بإزار وارتدى بآخر، ثم فتح صرّة فيها سِعدٌ فنثرها على بدنه، ثم لم يخط خطوة إلا ذكر الله تعالى»

    

الإحرام من ميقات العشق

كنت أفكّر يوماً في هذا الموضوع وهو غسل جابر وإحرامه، فلقد جاء في الروايات بأنَّه لو لم يكن لدى من ينوي الذهاب لأداء فريضة الحج لباس إحرام، فيمكنه الإحرام بلباسه الذي يرتديه، غير أنَّ عليه أن يقلِبه عند اللبس، فعليه أن يقلب المعطف ويضعه على كتفيه بحيث تكون الأكمام متدلية إلى الأسفل.
فهل كان جابر قد سمع من رسول الله أو أمير المؤمنين بأنَّ على مَنْ يعزم على زيارة قبر سيَّد الشهداء أو قبر أحد الأئمّة أن يغتسل ويُحرم أم أنَّه قد تفطّن لهذا الأمر بنفسه؟ فالفقيه هو ذلك الفرد الذي يتمكّن من تفريع الفروع عن أصولها. فكأنَّ روح الإسلام قد استقرّت في كيان جابر، وكأنَّه قد تذُّوق حقيقة الإسلام وتعرَّف على سرّ قوانينه؛ فهو يعلم بأنَّ للإحرام والغسل والزيارة والطواف الذي تمّ تشريعه لأداء فريضة حجّ بيت الله سرٌّ وحقيقةٌ، وحقيقة بيت الله هو مقام ولاية سيِّد الشهداء عليه السلام. وبالتالي لمّـا كان جسده الشريف قد استقرّ في هذه الأرض، فهنا يكون بيت الله وهنا يكون محلّ دفن حقيقة مقام الولاية. فتلك الكعبة هي الكعبة الظاهرية، وهنا يكون الباطن؛ فينبغي الغسل والإحرام هنا من باب أولى.
فهنا يتّضح مفهوم ما جاء في الرواية التي تذكر بأنَّه لا بدّ من أن يكون للفقيه مَلَكة قُدسيّة[11]؛ فالملَكة القُدسيّة هي ذلك النور الذي يكون في قلب الفقيه فيستطيع بواسطته أن يطبّق الأحكام الكلّية على مصاديقها، و يتمكّن من تشخيص ومعرفة تلك المصاديق بشكل جيّد. ولقد كان جابر يمتلك مثل هذا النور بالشكل الذي مكّنه من تشخيص لزوم الغسل والإحرام ما دام عازماً على زيارة قبر ابن بنت نبيّ الله؛ لذا فقد اغتسل غسل الطواف وغسل الزيارة وأحرم متوجّهاً نحو بيت الله الحقيقي.
«حتى إذا دنا من القبر قال : ألمسنيه، فألمسته، فخر على القبر مغشيا عليه، فرششت عليه شيئاً من الماء، فلما أفاق قال: "يا حسين" ثلاثاً. ثم قال: حبيبٌ لا يُجيب حبيبه.
ثم قال [معتذراً عن الحسين]: وأنَّى لك بالجواب وقد شُحطت أوداجك على أثباجك[12] وفُرّق بين بدنك ورأسك فأشهد أنَّك ابن خاتم النبيين وابن سيِّد المؤمنين وابن حليف التقوى وسليل الهدى وخامس أصحاب الكساء وابن سيِّد النقباء وابن فاطمة سيدة النساء، ومالك لا تكون هكذا وقد غذّتك كفّ سيِّد المرسلين ورُبِّيت في حجر المتقين ورُضعت من ثدي الإيمان وفُطمت بالإسلام، فطبت حيّا وطبت ميِّتا، غير أن قلوب المؤمنين غير طيبةٍ لفراقك ولا شاكَّة في الخيرة لك فعليك سلام الله ورضوانه، وأشهد أنَّك مضيت على ما مضى عليه أخوك يحيى بن زكريا.
ثم جال ببصره حول القبر وقال: السلام عليكم أيّتها الأرواح التي حلّت بفناء الحسين وأناخت بِرحله، أشهد أنَّكم أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وأمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر وجاهدتم الملحدين وعبدتم الله حتى أتاكم اليقين، والذي بعث محمداً (صلّى الله عليه وآله) بالحق نبيّاً لقد شاركناكم فيما دخلتم فيه»

    

معنى قول جابر: لقد شاركناكم فيما دخلتم فيه

كم هو كلامٌ عجيبٌ ذلك الذي قاله جابر، فهو يقول لقد شاركناكم فيما دخلتم فيه، أي إنَّنا قد شاركناكم في قتلكم وأسر أهل بيتكم وذبح أطفالكم وعطشكم وجميع المصائب التي نزلت عليكم.
«قال عطية: فقلت له: يا جابر كيف ولم نهبط وادياً ولم نعلُ جبلاً ولم نضرب بسيف، والقوم قد فُرِّق بين رؤوسهم وأبدانهم وأُوتمت أولادهم وأُرملت أزواجهم؟! فقال لي: يا عطية سمعت حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «من أحبَّ قوماً حُشر معهم ومن أحبَّ عمل قومٍ أُشرك في عملهم» (يعني يحصل له اتحاد ومعيّة مع حقيقة وأصل أولئك القوم) والذي بعث محمداً صلّى الله عليه وآله وسلم بالحقّ إنَّ نيّتي ونيّة أصحابي على ما مضى عليه الحسين عليه السلام وأصحابه. خُذْني نحو أبيات كوفان.
قال عطيّة: فلمّا صرنا في بعض الطريق قال: يا عطيّة، هل أُوصيك؟ وما أظنّ أنّني بعد هذه السفرة مُلاقيك! أحبِبْ مُحِبَّ آلِ محمّدٍ ما أحبَّهم، وأبغِضْ مُبغِضَ آل محمّدٍ ما أبغضهم وإن كان صوّاماً قوّاماً، وارفقْ بمُحبّ محمّدٍ وآل محمّدٍ فإنّه إن تَزِلَّ له قَدمٌ بكثرة ذنوبه تَثبُتْ له أخرى بمحبّتهم، فإنّ مُحبَّهم يعود إلى الجنّة، ومبغضهم يعود إلى النار»[13]
كان هذا هو آخر حديث لجابر مع عطية. ولقد كان جابر عارفاً بروح الدين بشكله الصحيح. فانظروا كيف يبيّن معيّته مع سيِّد الشهداء. فهو يقول: أنا منكم فعلاً، ولقد قاتلت معك وضربت بالسيف بين يديك، ولقد تحمّلت مرارة العطش وذُبح ابني وقُتل أخوتي؛ كما إنَّني ذُبحت أيضاً.
كيف حدث كلّ ذلك؟ لأنَّ نيتي كانت بهذا الشكل.
إلهي بحق محمّدٍ وآل محمّد هب لنا نوراً لكي نتعرّف به على روح الدين ونُدرك حقيقته؛ وهب لقلوبنا اليقين لكي نعرفك أكثر وأكثر.
واشرح صدورنا بنور الإسلام؛ وثبِّت أقدامنا على صِراطك المستقيم.
واجعلنا نتمتع في هذا الصراط بما منحتنا من تلك المواهب.
واجعل نهج حياتنا على نهج ومسير سيِّد الشهداء عليه السلام وأولاده وأصحابه.
ولا تخرجنا من الدنيا حتّى ترضى عنّا.
وارزقنا شفاعتهم في الدنيا والآخرة.
وعجِّل فرج إمام الزمان.
اللهمَّ صلِّ عَلى محمَّد وآلِ محمَّد


[1] ـ بشارة المصطفى، ص 74

[2] ـ ابن عساكر، ج 11، ص 214.

[3] ـ الاستيعاب في معرفة الأصحاب، لابن عبد البر، ج 1، ص 220.

[4] ـ المصدر السابق؛ أسد الغابة فی معرفة الصحابة لابن الأثير، ج 1، ص 377.

[5] ـ الأمالي، للشيخ الصدوق، ص 136.

[6] ـ هنالك بحث حول كون جابر مبصراً أو أعمى عند زيارته للقبر المطهّر لسيِّد الشهداء عليه السلام، في الجزء الثالث من كتاب معرفة الإمام، الدرس الحادي والثلاثين وذلك عند ذكر الحديث المروي عن جابر بشأن الأئمة الإثني عشر عليهم السلام، فراجع (الفريق العلمي).

[7] ـ تفسير البرهان‏، ج 1، ص 234 و ص 235؛ غاية المرام، ص 265 و 266.

[8] ـ رجال الشیخ الطوسي، ص 51; سفینة البحار، ج 6، ص 296.

[9] ـ تنقیح المقال، ج 2، ص 253.

[10] ـ ریحانه الأدب، ج 4، ص 218; سفینة البحار، ج 6، ص 296; تنقیح المقال، ج 2، ص 253.

[11] ـ لمزيد من الاطلاع حول هذا الموضوع، الرجوع إلى کتاب ولایة الفقیه في الحکومة الإسلامية ج2 ،ص 98؛ و کتاب أسرار الملکوت ج1، ص 73.

[12] ـ الأثباج جمع ثَبَج وهي ما بينَ الكاهِلِ إِلى الظَّهْرِ (المترجم)

[13] ـ بشارة المصطفى، ص 74.

      
  

جميع الحقوق محفوظة لـ موقع المتقين www.motaghin.com ويسمح باستخدام المعلومات بشرط الإشارة إلى المصدر.

© 2008 All rights Reserved. www.Motaghin.com


Links | Login | SiteMap | ContactUs | Home
عربی فارسی انگلیسی