معرض الصور المحاضرات صوتيات المكتبة سؤال و جواب اتصل بنا الرئیسیة
 
اعتقادات و كلام أخلاق حکمة عرفان العلمي و الإجتماعي التاریخ القرآن و التفسير
المكتبة > محاضرات آية الله السيد محمد محسن الطهراني > سلسلة محاضرات شرح حديث عنوان البصري > شرح حديث عنوان البصري - من المجلس رقم 101 إلى 200 > شرح حديث عنوان البصري ـ الجلسة 164 - الرياضة: هي مخالفة الهوى و العمل بالتكليف

_______________________________________________________________

هو العليم

شرح حديث عنوان البصري المحاضرة 164

الرياضة هي مخالة الهوى و العمل بالتكليف

ألقيت في 26 محرّم الحرام لعام 1430 هجري قمري

سماحة آية اللـه
السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهراني
حفظه اللـه

 

_______________________________________________________________

تحميل ملف البد دي أف تحميل ملف البد دي أف

أعوذ بالله من الشيطان
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
وصلى الله على سيدنا ونبينا أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين
ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين

    

خطأ البعض في فهم حقيقة الرياضة

لقد تحدّثنا للرفقاء والإخوة في الجلسات السابقة عن هذه الفقرة من الرواية الشريفة لعنوان البصري، والتي يأمره فيها الإمام عليه السلام بالرياضة، وذكرنا أنّ مسألة الرياضة ـ بناء على ما ورد في هذه الرواية ـ ليست مختصّة بهذه الموارد التي أوردها الإمام فيما يرتبط بكيفيّة الغذاء وسائر المسائل، بل دائرتها أوسع من ذلك، بحيث تتضمّن جميع أمور الإنسان والأفعال التي يقوم بها، هذا ما ذكرناه بشكل عامّ.
وإذا شاء الله ووفّقنا فسوف نذكر اليوم تتمّة المطلب الذي تقدّم، لكي نشرع في غيره من المطالب بعد ذلك.
حقيقة الرياضة ليس كما يُذكر على بعض الألسن والأفواه، ويسمع منها، ويشاهد في بعض الكتابات؛ من أنّ الرياضة عبارة عن مسألة شاقّة وصعبة ومرعبة؛ كأنّها غول يقترب من الإنسان، وأنّ كل من يريد التقدّم في الطريق إلى الله عليه أن يتحمّل الصعاب ويمرّ عبر المشكلات ويصل من خلال الصعوبات. يسمع الكثير من الأشخاص هذا الأمر والحال أنّهم يرون أنّه لا يمكنهم القيام بمثل هذه الأمور، فيقومون بإلغاء مسألة السير إلى الله من حياتهم بشكلٍ كلّي، ويقولون: هذا ليس عملنا، بل هو من وظائف الأشخاص الذين لديهم هممٌ عالية، وأولئك الذين يمكنهم التحمّل والصبر!
وبشكل عام، يظهر من بعض الكتابات هذه النظرة اتّجاه الرياضة، وهذا الفهم لها. وسوف نوضّح ـ بحول الله وتوفيقه ـ هذه القضية في نهاية المبحث، ونبيّن أن هؤلاء يشوّهون نظرة الناس إلى الطريق إلى الله ويطرحونه لهم بشكل مبهم، فيجعلونهم يقولون: إنّ طريق الله صعب وشاقّ ، تعالوا وانظروا فهذا الطريق يتضمّن هذه المسائل ويحتوي على هذه المشكلات! وهو طريق مليء بالعقبات والمخاطر!
وهذا نظير الإشكال الذي يطرحه العديد من الناس على من يدرس المسائل الفلسفيّة والكلاميّة، فتجدهم يقولون: (إنّ فلاناً اشتغل بالفلسفة وصارت عقائده كذا وكذا، وفلاناً شارك في دروس الحكمة وبعد ذلك اعتقد بتعدّد الآلهة)، حسناً إذا كان الأمر كذلك، فلدينا أيضاً في الفقه مثل هذه الموارد، حيث يمكن أن يضلّ الإنسان بسبب بعض الأمور الفقهية. وعلى كل حال، من لم يكن لديه اطلاع على هذه المسائل وكان فهمه ضعيفاً من الممكن أن تضلّه هذه المطالب، كما هو الحال في الفقه، فهناك أشخاص ليس لديهم اطّلاع كاف في الأمور الفقهيّة يحشرون أنوفهم في مسائل لا باع لهم بها، وأنتم ترون ذلك، حيث يطرحون بعض المسائل التي تسمعون، فهم أشخاص غير مطلعين لا على المسائل الفقهيّة ولا على المسائل الأصوليّة ولا على التفسير، ويصلون إلى نتائج تقرُب من الكفر والإلحاد وإنكار البعثة والرسالة وأمثال ذلك، لماذا؟ لأنّهم لا يعلمون، الذي لا يعلم عليه أن يذهب ويدرس ويقوّي معلوماته، وعليه أيضاً أن يوكل كلّ شيء إلى أهله والمتخصّص به.

    

لا ينبغي أن يتدخل الإنسان فيما يجهله، ولزوم الرجوع إلى الخبير والمتخصّص في كل مجال

إذا أتى شخص إليّ وشكا ما به من مرض، فقال: لديّ وجع هنا، وهذه الجهة من القلب تؤلمني، فإنّي وإن كنت على اطّلاع ببعض المسائل الطبيّة، لكن لا يحقّ لي أن أعطي رأيي في مرضه فأشخّص له الدواء، بل يجب أن يُجعل هذا الأمر بعهدة صاحب الاختصاص فيه، وإذا لم أفعل ذلك، بل وصفت له الدواء من نفسي وعمل هذا الإنسان بما وصفت له فابتلي بأمر آخر، فأنا من يتحمّل المسؤولية عن تصرفي هذا، وسوف أكون قاتلاً له، لا شك في ذلك؛ إما أن أكون قاتلاً أو مضِلاًّ.
من عاداتنا نحن الإيرانيون أننا نتدخّل في عددٍ من المسائل، منها الأمور الطبيّة؛ فعندما يقول المريض: آه.. ترانا نبادر بالقول: تناول هذا القرص، خذ من هذا الدواء، بل يذهب البعض أحياناً إلى التبرّع له بالدواء من جيبه، حتّى أنّ بعض الأشخاص في السابق كانوا يتناولون القرص من جيبهم ويقولون للمريض خذ هذا، فقد أخذت أنا منه وتحسّنت، فخذ أنت أيضاً!! والأمر الآخر مسألة البناء، فعندما يجري الحديث عن البناء والعِمارة، يقال: ينبغي أن تفعل هكذا هنا، ونفعل هكذا هناك، وأمثال ذلك.
ولكن في الإسلام يجب أن يعطى كلّ أمر إلى المتخصّص فيه، فمن لم يكن لديه اطّلاع على العلوم الشرعية لا يمكنه أن يفتي في الأحكام الشرعيّة التي لها ارتباط ببعض الفنون المختلفة، ومن ليس لديه اطلاع على المسائل الطبيّة لا يمكنه أن يفتي ويصدر أحكاماً ترتبط بالمسائل الطبية.
الآن، عندما كنا في طريقنا إلى هنا برفقة أحد الإخوة والرفقاء جرى الكلام حول هذه المسألة، وأن أحد الأطبّاء (و هو حيّ فعلاً وهو من أصدقائنا، وكان محبّاً للمرحوم الوالد، وكان هذا الطبيب مسؤولاً عن مؤسسة التبرّع بالدم) هذا الطبيب قال يوماً للمرحوم الوالد ـ وكنت جالساً وأسمع الكلام ـ : لقد ذهبنا إلى المرجع الفلاني (و قد توفّي هذا المرجع وكان يسكن في مشهد وكان مشهوراً ومعروفاً) وسألناه عن مسألة نقل الدم والتبرّع به، وكانت الحرب لا زالت مشتعلة وقتئذٍ، وكانوا يأتون بالجرحى، والمستشفيات تعجّ بالجرحى الذين يحتاجون إلى الدم؛ بحيث إذا لم يُقدم لهم الدم سيموتون، فماذا نفعل؟ إذ لا يمكن أن نضع في عروقهم ماءً بدل الدم! يقول هذا الطبيب: لقد ذهبنا إليه، وقلنا له عليكم أن تتحدّثوا حول هذه المسألة وتحثّوا الناس على التبرّع بالدم لأنّنا في ضائقة من هذه الجهة. فقال: "ماذا تقول؟! وأيّ كلامٍ هذا؟! إنّ الدم نجسٌ وحقن النجس حرام، ولا يجوز القيام بهذا العمل أبداً" يقول هذا الطبيب: فتعجّبت كثيراً من كلامه، وبقيت مبهوتاً، وقلت في نفسي: ما الذي حصل؟ ولماذا وصلنا إلى هنا؟
هل التفتم؟ فهذا المورد الذي أذكره لكم جزئيّ جداً، ومع ذلك وقع موقع التعجب عندكم، فكيف إذا وصلنا إلى مسائل أخرى؛ كالقضايا المرتبطة بالميّت والموت السريري وأمثالها، والتبرّع بالأعضاء والأمور المرتبطة بها؛ وكذا بعض المسائل الأخرى من قبيل تغيير الجنس، وألف مسألة غيرها كل منها تحتاج إلى فهم وتحتاج إلى دقّة، وبحاجة إلى دراساتٍ دائمةٍ وتحقيقاتٍ مستمرّة، وعلى الإنسان قبل أن يتفوّه بكلام ثمّ ينعكس هذا الكلام في المجتمع على مستوى واسع أن يلاحظ التبعات المرتبطة به، فالمسألة ليست مرتبطة بنفس المتكلّم فقط، بل من الممكن أن يؤثّر كلامه على جميع الأفراد ويصير الجميع مبتلىً بنتائج كلامه، بل قد يتأثّر الملايين من الأفراد به وقد يبتلون بهذه الابتلاءات، فالنقطة الأساسيّة والهامّة في الأحكام الإسلاميّة وفي المباني الإسلاميّة هي أن يكون التحرّك والعمل على طبق ميزانٍ ومعيار صحيحٍ لا يوجد أصحّ وأمتن منه بالنظر إلى الظروف الحاضرة لهذا الفرد، هذا هو المعيار، فرسول الله صلى الله عليه وآله كان يتحدّث بهذا الأمر وكان يتصّرف من هذا المنطلق، والأئمّة الأطهار عليهم السلام كانوا يتحدّثون مع الناس ويتعاملون معهم بهذه الكيفيّة.
أتى بعض الأشخاص إلى الإمام الصادق عليه السلام، وقال له: إنّ فلاناً الذي كان من أصحابه وكان مريضاً واحتاج إلى الغسل، ولم يكن هناك ماء ساخن وكان الجو بارداً، فغسّله أصحابه بالماء البارد فمات بسبب ذلك، فقال: هلا يمّموه قتلهم الله، لماذا لم ييمّموه؟ فالمريض لا يغسّل بالماء[1].

    

منهج الإسلام هو منهج التعقّل والمنطقية، وليس التحجّر والجمود

انظروا إلى المنهج الإسلامي، إنه منهج التعقّل، فكلّ شخص منّا يعلم بأنّه عندما يكون الإنسان مريضاً ينبغي أن يكون حكمه مطابقاً لحكم المريض، لا أن يتعامل معه على أنّه فردٌ سالم، فالسالم يمكنه أن يقوم بأيّ شيء، ويمكنه أن يفعل أيّ شيء، ويمكنه أن يركض كذا كيلومتر في الساعة، فهناك الآن أفرادٌ سالمون إذا قيل لهم: اركضوا في هذا الجوّ، ركضوا وبشكل جيد، بينما الذي يكون مصاباً بسكتة قلبيّة ينبغي عليه أن يريح بدنه، بل يقال أحياناً بأنّه حتّى الجلوس مضرّ له أيضاً! فالركض من الممكن أن يوجب له ضغطاً على الوريد فيحصل لديه انسداد في الشرايين، فإذا فرضنا أنّه جاء شخص وقال لهذا الإنسان: (أريد أن أركض، فتعال واركض معي تتحسّن حالتك)، فإذا استجاب فإنّه عندما يخطو الخطوة الأولى سوف يقع وينتهي أمره، إنّ الخطوة الأولى سوف تقضي عليه، لماذا؟ لأن هذا العمل عمل المجانين لا عمل العقلاء، والحال أن الإسلام منهج العقلاء لا منهج المجانين، منهج الجنون هو تلك المناهج التي ترونها، لكن منهج العقل ومدرسة التعقّل ومنهج الحرّية ومنهج الاختيار هو هذا المنهج وهو منهج الإسلام.
إنّ الدم الذي لم يكن له أي فائدة في عصر الرسول وكان نجساً، والذي صرّحت الروايات بأنه نجس وأنه لا يباع ولا يشترى، هو الدم الذي صار اليوم وضمن هذه الظروف يعدّ أمراً مهمّاً في حياة البشر، وصارت له موضوعيّة الآن في الحياة البشريّة، وهو بعينه الدمّ الذي صار ذا قيمة، إنّ هذا نظير ما يقال بأنّه في موارد الأحكام الثانويّة والأحكام الضروريّة فإنّ الأمور المحرّمة تصبح مباحة. مثلاً إذا افترضنا أنّ شخصاً يكاد يموت من شدّة العطش، ولا يوجد في المكان إلا ماء متنجّس، ففي الحالات العادية يكون شرب الماء المتنجّس حراماً، فلنفترض أن هذا الماء قد تنجّس بسبب وقوع نقطة دم فيه فصار حراماً ويعاقب شاربه عليه، لكن في هذه الظروف الخاصّة والحاجة الماسة له يتغيّر الحكم، فليس فقط يجب عليه شرب هذا الماء، بل إنّه إذا لم يشرب هذا الماء سيعدّ قاتلاً لنفسه وسيعاقب يوم القيامة على ذلك، وإذا قال لله تعالى معتذراً: لقد اجتنبتُ شرب الماء النجس مراعاةً لأحكامك التي أنزلتها علينا، سيقول له الله: إن كنتُ قد جعلت عليك ذاك الحكم، فقد جعلت لك هذا الحكم أيضاً، لماذا تأخذ بذاك دون هذا؟ لماذا فعلت ذلك؟! كلّ حكم وكلّ فعل وعمل يقوم به الإنسان في حياته له ـ في مدرسة الإسلام ـ قيمةٌ خاصّة به في موقعيّته الخاصّة لا في غيرها، فهذا الحكم يفقد قيمته إذا تغيّرت الظروف، فمثلاً لو كنتَ مكان هذا الشخص المضطر للماء والذي قلنا أنّه يجوز له شربه بل قد يجب، وأردت أن تشرب الماء، فإذا قام صديقك وأخرج من متاعه إناء ماء طاهر، وجب عليك أن تلقي هذا الماء النجس جانباً وتتناول الماء الطاهر. فهنا قبل أن تبتلى بهذه المسألة كان شرب هذا الماء حراماً عليك، والآن صار واجباً، وبعد خمس ثواني يعود حراماً، هل اتّضح الأمر؟ هذا المنهج هو منهج الإسلام، وهكذا الكلام في سائر الموارد، ولدينا آلاف المسائل التي من هذا القبيل.

    

من مباني السير والسلوك إتقان الإنسان لعمله

بناء على هذه المسألة يجب على الإنسان أن يجعل حياته وأطواره الخاصة وأفعاله على أساس ذلك، وهكذا كان منهج العلماء والعرفاء وأهل التوحيد؛ بمعنى أنه كان لديهم انضباط دقيق وتنظيم دقيق ورعاية دقيقة للأفراد في الأمور كافّة، وعلى كل فرد أن يراعي هذه المسألة في كل فعل وفي كل مكان. وكان المرحوم الوالد في مسائل مختلفة.. لا أدري هل ذكرت ذلك أم لا؟ ظاهراً ذكرتها لكم.. حسناً، أولاً لقد كان فرداً فنياً في فكره، وهذا محفوظ، ولكنّه بشكلٍ عامّ كان دأبه أن يختار الأحسن والأفضل في كلّ مسألةٍ وفي كلّ أمر، وفي كلّ قضية كان يختار الأعلى والأدقّ.. مثلاً عندما كنّا نمرض لم يكن يقول: تناولوا أيّ شيء، بل كان علينا أن نراجع أفضل الأطبّاء المتخصّصين في الأمراض الداخلية، وإذا تألّمت عيوننا، كان علينا أن نراجع الأفضل، وفي الأعصاب علينا أن نراجع الأفضل، وهذا الأمر كان واجباً في كلّ شيء.
احتاجت أختنا يوماً إلى إجراء عمليّة أعصاب في الظهر، ومن الواضح أنّ المتخصّصين في ذلك كُثُر، وجميعهم جيّدون، لكنه قال: "عليكم أن ترجعوا إلى الطبيب فلان فقط دون غيره، ولا يحقّ لكم أن تراجعوا غيره"، مع العلم بأنّ هناك أطبّاء آخرون، بل كان هناك مِن أصدقائنا مَن كان على استعداد لإجراء هذه العمليّة، وكانوا من المعارف، [و مع ذلك أصرّ رضوان الله عليه على أن نراجع أفضل الأطبّاء]؛ لماذا؟ لأنّ هذا النظام ( وهو نظام الحقّ، ونظام التوحيد، ونظام العرفان) هو على أساس نفس الكيفيّة التي تنزّل بها فيض الله تعالى إلى عالم الوجود في أحسن تقويم وأفضل سبيل وطريق وموقعية، فقد قال تعالى في الإشارة إلى نظام الخلقة: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾[2]، وقال تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ﴾[3]، وهناك العديد من الآيات الأخرى في هذا المقام، وجميع هذه الآيات تلفت نظرنا إلى أن عالم التكوين والخلقة وتنزّل حقيقة الوجود هو بأفضل كيفيّة وأكمل نحو، فالله تعالى حقّ، وفعله حقّ، وجميع العالم منظّم على أساس ذلك النَّظْم الدقيق والتدبير المتقن، ولهذا السبب نستنتج أنّ أفضل منهج للتشريع، وأفضل وسيلة للتربية، وأفضل طريقة للتزكية، وأفضل سبيل للهداية والإرشاد، وأفضل منهج في الهداية، هو ذلك المنهج الذي لا يوجد ما هو أفضل منه، ولا يوجد أعلى منه، فيجب على الإنسان أن يراعي هذا النظام والمنهج، ويزرعه في أعماق نفسه ووجوده ويتخّذه سبيلا له في فكره، وفي خطوراته، وفي كلامه، وفي جميع أطواره.
يجب على الإنسان أن يقبل بهذا النظام الأحسن ويجعله بمثابة أصلٍ أساسيّ في حياته، فمثلاً عندما يريد شخص أن يكتب شيئاً ليحفظه، فعليه أن يختار أجود قلم وأجود أوراق تحقّق له ذلك، ولا يصح منه أن يقول متساهلاً: سأكتب هذا الأمر كيفما اتّفق. هذا خطأ.
ومن يريد أن يتحدّث أو يلقي كلمة، فعليه أن يدرس جميع الجوانب التي يريد أن يتحدّث بها، فيلاحظ الآثار السيئة والتبعات السلبيّة التي قد تترتّب على هذا الكلام، وعليه أن يسدّ من جهةٍ أخرى الطريق أمام سوء استفادة الآخرين من كلامه، وعليه أن يبيّن ما هو مورد رضا الله تعالى وما هو الحّق، من دون أن يلاحظ الأمور والمصالح الشخصيّة أو الشأن الاجتماعي، وعليه أن يقوم بذلك بأفضل وجه، وهكذا الأمر بالنسبة لكلّ شخص في مجاله، وفي مجال عمله وتخصّصه، وقد اتّضح الأمر فلا داعي لمزيد شرح فيه.
إذا تم وضع هذا النظام مكان نظام الحدسيات والظنيات والخيالات [فإنّنا سنتطوّر ونتكامل، وأمّا لو ظللنا نعتمد على الخيالات والحدسيات فلن نتقدّم. الذي يبني على نظام الحدسيّات يقول:] بما أنّي أتصوّر ذلك، فعليّ أن أقوم بهذا العمل، وبما أني أحدس، فيجب أن أفعل هذا الفعل، وبما أني أظن ذلك، فينبغي أن يكون المطلب هكذا. ترون في الكثير من هذه الكتابات التي تقرؤونها أن الكاتب يقول مثلاً:
أظنّ أنّ الأمر كذلك..
لقد أخطأتَ واشتبهتَ أيها الكاتب حين قلت هذا ظني، إذا كنت "تظنّ"، فلماذا تكتب إذاً؟ لا بد أوّلاً من الوصول إلى مطلب معين والتيقّن منه قبل الإقدام، وحينئذٍ فلا تقل: هذا ظني، بل قل: هذا يقيني، وهو ما أكتبه وما أقوله، فعندما تكتب "أظن ذلك" فكتابتك هذا الظنّ أمر عبثي، إذ أنا أيضاً أظنّ، وجميع الناس يظنّون ويحدسون كذلك، فعندما تكتب في الكتاب قائلاً: (إنّني أتوقّع وأحدس بأنّ هذه الآية تعني ذاك المعنى)، فقد ارتكبت خطأ بفعلك هذا! من أين أتيت بهذا الحدس والتوقّع؟ هل درست؟ هل رأيت الروايات؟ هل نزل عليك جبرائيل؟ أو أنك جئت بهذا العقل الأعوج والفكر الخاوي الذي لا يساوي شيئاً وتريد أن تحكم على هذه المسائل؟
لا يحقّ للمسلم أن يقول: أتوقّع، ولا يحق له أن يقول: أظن، ولا يحق له أن يقول: أحدس بذلك، ولا يحق له أن يقول: يبدو لي، ولو فرضنا أنّه لم يصل إلى نتيجة قطعية، فيجب عليه أن يقول هذا الأمر محتمل، وذاك الأمر محتمل أيضاً، وهذا الأمر هو الراجح بهذا الدليل؛ وأمّا الإنسان الذي يقول: أظن ذلك، ويبدو لي هذا، وأتخيّل أن الأمر كذلك، ويقوم بتأسيس أصله على هذا الأساس، فما الذي سيحصل عندئذٍ؟ يا عزيزي، عندما تقول: ظنّي هو هذا، فينبغي ألاّ تقول: يجب القيام بهذا الفعل، واترك هذا الظنّ والخيال في مكانه ولا ترتّب عليه أثراً فلا إشكال في ذلك، فهذا الظن نتعامل معه كآلاف الظنون الأخرى ونضعه إلى جانبها، فعندما تقول: رأيي هو هذا، فهناك ست مليارات نسمة على وجه الأرض يعطون آراءهم أيضاً، فتكون أنت الشخص الواحد بعد ست مليارات شخص، وعندما تقول أتخيّل أن الأمر كذلك، فجميع الناس يتخيلون أيضاً، فأنت واحد مثلهم إذاً، ولكن إذا جاء الإنسان وبنى أساس قراراته وحياته على الظنّ، وجاء يقول: يجب القيام بهذا الفعل! فما حكم هذا الشخص؟ وما هو حاله؟ وماذا نقول عنه؟ من الواضح أنّ هذا الإنسان مريض، والمريض يأتي إلى المطلب المتقن والمطلب الذي يستحق القبول والمطلب الأقرب للواقع، فيدعه جانباً ويرفضه لمجرّد أنه لا ينسجم مع فكره ـ وهذه الأمور التي أعرضها عليكم كلها من مراتب الرياضة كما سيتّضح قريباًـ وبعد ذلك يذهب إلى المطلب الضعيف، ويأخذ بالمطلب غير المعتبر وغير الصحيح، ويتمسّك بالأمر الناقص والواهي، ويضعه في موضع هذا المطلب القويّ، ويحمل حكم المطلب المتقن على هذه المسألة الواهية! ماذا يُسمّى هذا؟ هذا جنون، إذ ماذا يفعل المجنون؟ الذي يفعل هذا الفعل مجنون.
لتوضيح الأمر أكثر، فللنظر إلى عمل الطبيب، ماذا يفعل الطبيب؟ هؤلاء الأصدقاء الأطباء الجالسون هنا ماذا يفعلون؟ هل يعتمد أيّ منكم الآن على تلك المطالب التي كان قد قرأها منذ عشر سنوات مثلاً؟ لا يمكن، بل يجب أن يطّلع في كلّ يوم على المطالب الجديدة وأن يتابع باستمرار المكتشفات الجديدة والمقالات الحديثة، وعليه أن يحاول الوصول إلى أقرب ما يمكن من اليقين، إذ لا يمكن أن يصل إلى اليقين في هذه الأمور؛ لأنّ هذه العلوم التجريبيّة في حال تغيّرٍ دائمٍ وتحوّلٍ مستمرّ، وهو أمرٌ واضحٌ للجميع.
إنّ هذا العقل يأمرك بذلك حتّى بدون أن يأمرك النبيّ بذلك، وبدون أن يكون بحاجة إلى إمام الزمان عليه السلام، أو يأتي برواية عن الإمام الصادق عليه السلام، فعقلك يقول: لا يمكنني أن أعتمد على ما درسته في الجامعة منذ عشر سنوات، وعلى ما قرأته منذ خمسة عشر عاماً أو ثلاثين عاماً.. لا يمكنني الاعتماد عليه الآن، بل علينا أن نرى التكنولوجيا الحديثة والتطوّر الجديد القائم على أساس التجربة والاختبار، ماذا أعدّت لنا وإلى ماذا توصّلت، فمثلاً إذا كانت تلك الطريقة السابقة التي كنّا نعتمد عليها سابقاً في إجراء العمليات الجراحيّة قد تمّ نقضها اليوم، وحلّ محلّها طريقة أفضل تتسبّب بخسائر أقلّ وتحتاج إلى وقتٍ أقلّ وتبعات أدنى؛ فهل يمكنني أن أترك هذه الطريقة الجديدة وأعمل بما كنت قد قرأته قبل أربعين سنة؟! إذا قام شخص بمثل هذا العمل، يكون مجنوناً، يكون مجنوناً حتماً، وإذا كان مجنوناً فينبغي ألاّ نذهب إليه، وينبغي ألاّ نراجعه، أليس كذلك؟!
حسناً، فإذا أراد الإنسان أن يتّبع هذا المنطق ويتّبع أحدث النتائج العلمية، فهل يحتاج إلى دليل خارجي؟! هل يحتاج أن يقول: لقد أمرني الإمام صاحب الزمان عليه السلام بذلك؟ أو قال النبي ذلك أو أمر به؟ أم أنّ هذا الأمر لا يحتاج إلى دستور ولا إلى أمر، بل إنّ عقل الإنسان يقول له: عليك الآن أن تقوم بهذا العمل. إنّ عقلي، والعقل الإنساني يقول لي: عليك أن تتّبع هذا السبيل، فكري يقول: يجب أن تأخذ بهذه المسألة، لست بحاجة في ذلك إلى إمام الزمان عليه السلام. نعم، لقد أمر بذلك الإمام عليه السلام، بل أمر بأعلى من ذلك، والنبيّ صلى الله عليه وآله أمر به وأمر بأعلى منه، لذا نرى بأنّه عندما أرادوا أن يدفنوا سعد بن معاذ، قام النبي بإحكام القبر وسدّ فُرَجه بالحجر والطين، فقالوا: يا رسول الله لقد نهيتنا عن ترميم القبور.. حيث يكره عندما يخرب القبر أن يعيد الإنسان ترميمه، فإذا وضع على القبر بلاطة أو لوحة، وتلفت بعد مدّة نتيجة المطر أو بعض العوامل والأمور التي تطرأ عليها، فلا ينبغي أن نغيّر هذه البلاطة، بل اتركها كما هي، وإذا انكسرت فاتركها، وإذا سوّي القبر بالأرض فاتركه، وإذا اندرس ولم يبق منه أثر فاتركه، يجب أن نحافظ على هذه الوضعيّة في المقبرة، وهي الوضعيّة التي تذكّر الإنسان عند دخوله إليها وتنبّهه، يجب أن يكون هناك صدمة تدخل في دماغه، لا أن تكون المقبرة عبارة عن حديقة غناء وخضار وقرب جنّة وأنهار، بل يجب أن يتذكّر الإنسان عند دخوله إلى المقبرة أنّ دوره سيأتي غداً، فاليوم تشيّع هذه الجنازة، وغداً تشيّع جنازة هذا الإنسان ويأتون به إلى هذا المكان ويدفن في هذا القبر، ويفعل به ما يفعل الآن بهذه الجنازة ويقرأ عليه الفاتحة، فغداً سيقام مجلس عزاء ليومين أو ثلاثة ثم يذهب ورثته لتقسيم الغنائم. [فالحاصل أنّ القبر عندما يندرس لا ينبغي إصلاحه من جديد]، اللهمّ إلا إذا كان البدن ما يزال سالماً في القبر وتخرّب القبر بحيث انكشف البدن، ففي هذه الحالة يجب إصلاح القبر وستر البدن، وليس كلامنا في هذه الحالة الخاصة. ولكن من جهة أخرى في بداية الأمر عندما يُبنى القبر، ينبغي بناؤه بشكل صحيح، فنحن الآن عندنا بدن إنسان ميّت ونريد دفنه؛ فهل نحفر أيّة حفرةٍ ونرميه فيها ثم نُهيل التراب عليه كيفما اتّفق؟ كلاّ! بل يجب أن يُجعل له لحد، وأن يوضع قربه حجارة، ويجب أن يجعل القبر مسقّفاً، ثم بعد ذلك يهال عليه التراب.
حسناً.. لقد أتوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله واعترضوا عليه وقالوا: أنت تقول لنا لا تفعلوا ذلك، فلماذا تقوم أنت بهذا الفعل؟ فأجابهم النبيّ صلى الله عليه وآله بكلماتٍ عظيمةٍ ينبغي أن تكتب في كلّ مكان وأن تنصب وتعلّق في جميع المؤسسات والإدارات وفي البيوت والغرف (فهذه الكلمات هي التي تستحق أن تعلّق وتجعل شعاراً لا كلماتي أنا وأمثالي)، لقد قال لهم: "رحم الله من صنع شيئاً فأتقنه"، فالله تعالى أمر بأنّه إذا أراد أحد أن يقوم بفعل، فعليه أن ينجزه بشكلٍ صحيح[4].
لو أنّنا نعمل بهذا الكلام، فهل كنا سنبتلى بهذا القدر من المصائب؟ وهذا المقدار من البلاء في الدنيا؟ فالشخص الذي يريد أن يجلس وراء ذلك المكتب، ينبغي أن يكون قادراً على إنجاز العمل، وعلى القيام به، إذا جرى الأمر على ذلك ، [فإنّ الأمور ستتحسن وتتطوّر]. وذاك الذي يفتي ينبغي أن يكون مؤهلاً للفتيا، وذاك الذي يصف الدواء للمريض ينبغي أن يكون جازماً بصحّة هذا الدواء وقاطعاً به وبصيراً بنتائجه، وينبغي أن تكون معلوماته حديثة، إذا حصل ذلك، فكم ستقلّ الخسائر؟ وكم ستكون المصارف في مكانها الصحيح؟! ولو التزمنا بذلك، لما حصلت هذه المصائب، فإذا جاء شخص إلى شخصٍ آخر ليبني له بيتاً، فإن لم يكن مهندساً بل كان بنّاءً، ينبغي أن لا يقول: أنا مهندس، بل يقول: أنا بنّاء، إذا كنت بنّاءً فاذهب واعمل بالبناء؛ ابن حائطاً أو غرفة.. ما شئت فافعل، لكن لا تقل: أنا مهندس، وكذلك ذاك الذي يكون عاملاً لا يدّعيّ أنّه بنّاء، وهكذا في سائر الأمور...
لذا علينا أن نكتب كلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ونضعه في غرفتنا، وفي صالتنا، وفي مكتبنا، وعلينا أن نضع هذا الكلام في كل مكان: "رحم الله من صنع شيئاً فأتقنه"، أي شيء تريد أن تقوم به، فعليك أن تقوم به بشكل جيد، تريد أن تكتب مقالة، فعليك أن تفترض جميع الاحتمالات التي يمكن أن تسجّل على هذه المقالة أو هذه النظريّة؛ إذ من الممكن أن يكون هناك رأي حول هذه النظريّة في أقصى نقاط العالم، فلا تقل لنفسك: دعها ولا تعتن بها، بل اذهب وانظر ماذا هناك، وانظر واقرأ تلك النظريّة. إذا كنت تريد أن تصدر حكماً وكنت تحتمل أنّ رأي فلان في هذه المسألة صحيح وأنّ كلامه محط توجّه، وتحتمل أنّه أعطى هذا الرأي في هذه القضيّة، فاذهب إلى المكتبة وافتح الكتاب وانظر فيه، وبعد ذلك احكم، وهذه المسألة جارية في جميع الموارد...
ومن لم يكن لديه اطّلاع على مسألة معيّنة، فعليه ألاّ يُقحم نفسه فيها، ومن لم يكن لديه بصيرة كافية بأمرٍ، فلا يقحمنّ نفسه فيه، ومن ليس لديه إحاطةٌ كافيةٌ بجميع جوانب المسألة ولم يبحث في كافة أنحائها، فلا مبرّر للقيام بإعطاء رأيه فيها. إنّ هذا هو قانون الإسلام، وهذا ما يقال له رياضة، فالرياضة تعني "رحم الله من صنع شيئاً فأتقنه"، أي أن يقوم الإنسان بوظيفته على أحسن وجه، فعندما يقال لك: إنّ فلاناً قد فعل هذا الذنب مثلاً، فلا تحمل سماعة الهاتف سريعاً وتصب عليه جميع ما لديك من كلامٍ نابٍ، إذ لعلّ هذا الناقل قد اشتبه، أو لعلّه كذب عليك، أو لعلّك اشتبهت في سمعك، هنا نقول "رحم الله من صنع شيئاً فأتقنه"، فالنبي قال هذا الكلام لكي لا تقوم عند سماع ذلك بحمل السمّاعة سريعاً، بل عليك أن تترك ذلك جانباً وتتأمّل قليلاً، وتقول عليّ أن أحقّق في المسألة، إذ لعلّه اشتبه، ولذا عليّ أن أحقّق في الأمر وأتأكّد منه؛ وحينئذٍ ستنقلب المسألة مائة وثمانين درجة! إنّ ما أذكره لكم هو نتيجة سنين من التجربة في علاقتي مع العلماء والأعاظم، وفي علاقتي مع المئات من تلاميذهم ومريديهم.

    

من الرياضة أن يتثبّت الإنسان ويتأكّد من صحّة الأخبار التي تصله

لقد حصلت معي حادثة، لن أعرضها، ولكنّني سأشير إلى نتيجتها فقط، فقد وقع أمر وتفاعل هذا الأمر بشكلٍ كبير، وكان ذلك في زمن المرحوم الوالد رضوان الله عليه، وصار فيه الكثير من القيل والقال والنقل والانتقال، وكلّما فكّرت في هذه المسألة، كنت أرى أنّه لا ينبغي أن تصل إلى ما وصلت إليه، ولا ينبغي أن تصل إلى هذا الحدّ، فأنا أعرف خصوصيّات المرحوم الوالد، وأعرف أخلاقه جيّداً، وأعرف كلماته، فأجريت تحقيقاً حول هذه المسألة، وكانت هذه الحادثة تتضمّن مسائل كبيرة، ولم تكن مجرّد مسألة عادية، كان فيها ماء وجه بعض الأشخاص، وكانت تحتوي على مسائل عائليّة، وكانت تتضمّن أموراً حول علاقات الأشخاص، ولم تكن مسألة عادية بحيث يمكن للإنسان أن يمرّ عليها مرور الكرام، فحقّقت فيها إلى أن وصلت إلى طرف الخيط وعرفت رأس الأمر ومنشأه، وهو أنّ شخصاً نقل مسألةً عن المرحوم الوالد، وبعد أن وصلتُ إلى هذا الناقل قلت له: ما حقيقة الأمر؟ ما هذا الأمر الذي تنقله؟ فقال: (نعم المسألة هي هكذا، وعندما طرحت على المرحوم العلامة هذه المسألة ضحك وأمضى هذا الأمر)، فقلت له: إلى هنا فهمنا المسألة، لكن هل ضحك فقط أم أنه قال شيئاً بعد ضحكه؟ فتأمّل قليلاً وقال: لا لم يقل شيئًا ، فقلت: لم يتفوّه ولو بكلمة واحدة؟ قال: لا.
عند ذلك فهمت حقيقة المسألة، لقد تكلّم هذا الشخص بكلام أولاً، ثم ضحك المرحوم الوالد، ففهم هذا الشخص أنّه أمضى هذا العمل بضحكه، وبعد ذلك أُشيع لدى الجميع بأنّ رأي المرحوم العلامة في هذه المسألة هو هذا، وبات الجميع ينقلون ذلك. فذهبت إلى المرحوم العلامة، ونقلت له المسألة ، وقلت له: والآن يشاع أنّك أنت قد أمضيت هذا الأمر وأيّدته، فقال مستنكراً: أنا أمضيت هذه المسألة؟! متى أمضيتها؟ قلت: لقد نقل لك هذا الشخص الأمر الفلاني فضحكتَ.. فقال: لقد ضحكت على كلامه، لا أننّي كنت أريد أن أمضي كلامه بالضحك، لقد ضحكت على هذا الكلام الأعوج ولم أقل شيئاً (كلمة "أعوج" مني ولم يقل هو أعوج إلا أنّ ذلك كان مفهوماً من كلامه). يعني هو لم يكن يرى من المصلحة أن يطرح الموضوع مع ذلك الشخص، فانظر إلى هذا الخيال كيف يفعل بالإنسان وإلى أين يقودنا! فوليّ الله يضحك على هذا الكلام مستهزئاً، وهذا يقول: إنّه أمضى كلامي، لقد انقلبت المسألة إلى عكسها مائة وثمانين درجة، فذهبت إلى ذلك الشخص وقلت له: لا تفعل هذا الأمر، فقد بحثت عن أصل هذه المسألة وأساسها وعرفت حقيقتها وأن السيّد العلامة لا يؤيّد ذلك.
فهذا التخيّل الواحد فعل هذه المشكلة كلها، هذا هو التخيّل. فأين ذهبت تلك الآيات والأحاديث [التي تأمرنا بالتحقق والتثبت واتّباع العلم]؟! أين ذهب قوله تعالى: ﴿وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا﴾[5]؟ إنّ هذه الآية الشريفة تقول لنا: المكانُ الذي لا تعرفه لا تضع رجلك فيه، وعندما لا يكون لديك يقين بأمر فلا تتحرّك، فأين أنت من هذه الآية؟ إنّ هذه آية قرآنيّة، وهذا كلام النبيّ، وعلى ذلك فقس...

    

الرياضة في مدرسة العرفان تعني اتّباع مرضاة الله في كلّ أمرٍ

وهكذا الأمر في كل مطلبٍ وفي كل قضيّةٍ حيث يجب على الإنسان أن يجعل هذا الأمر هو منهاج حياته، هذه هي الرياضة، وما يقال من أنّ الرياضة مصطلح ابتدعه العرفاء والمتصوّفة وليس له أثر في الشرع، فهو كلام باطل ولا ينبغي الاهتمام به أساساً، فالرياضة في مصطلح أهل المعرفة وفي اصطلاح أهل المعنى والعرفاء وأهل التوحيد تعني وضع القدم في المكان الذي يُطمئنّ بأنّه يرضي الله تعالى، هذا هو معنى الرياضة. فعلى هذا الأساس جميع ما وصلنا من أحكام شرعيّة وبرامج أخلاقيّة وسلوكية وتربويّة من قبل رسول الله والمعصومين عليهم السلام جميعها رياضة.فالمسلم هو من يكون من أهل الرياضة، ومن هم شيعة أمير المؤمنين عليه السلام؟ شيعته من كان من أهل الرياضة، ومن هو المتّبع للأئمة؟ هو الذي يكون من أهل الرياضة، ومن هو الذي يتجاوز منهج الإمام عليه السلام ويرغب عنه؟ هو الذي لا يريد أن يكون من أهل الرياضة، وهو الذي يريد أن يرجّح رغبته وإرادته على إرادة الإمام عليه السلام، ومن يكون كذلك فليس من أهل الرياضة. من هو الذي يحاول أن يظهر فكره ورأيه دون أن يلتفت إلى حقيقة المسألة وعمقها؟ هو الذي يكون مسيره مخالفاً، وعندما يكون مسيره مخالفاً لا يكون من أهل الرياضة، ولا يكون من أهل العمل بالدستور، الرياضة في اصطلاح أهل التوحيد تعني وضع القدم في كل مكان يطمئن الإنسان بأنّ رضا الله فيه.
بناءً على ذلك، فعندما نواجه الموقف الذي حصل بين المرحوم العلامة الطهراني وأحد علماء النجف حيث يقول المرحوم الوالد: عندما كنت في النجف تحدّثت مع أحد كبار العلماء حول هذه المسألة، وبحثنا بأن الإنسان عليه أن يجعل تمام أموره مبنية على أساس الرضا الإلهي والمصلحة الإلهيّة وعلى أساس اختيار الله وإرادته، لكن ذلك العالم كان يقول: كلاّ، بل يجب في بعض الأحيان أن يبني أعماله على أساس المصالح الاجتماعية والشخصيّة، فسيظهر أنّه هذا [أي العلامة الطهراني] من شيعة أمير المؤمنين عليه السلام بينما ذاك من شيعة عمر بن الخطاب، لماذا؟ لأن هذا يقول يجب أن نعمل بما قاله الإمام عليه السلام، أن نضع قدمنا حيث يرضى الله، وحتّى لو لم يكن لدينا يقين فلا بأس، فالله تعالى عندئذٍ لا يطالبنا باليقين، ولكنّه لا أقل أراد منا ما هو قريب من اليقين. يعني عندما يكون لدينا يقين وعندما يكون الأمر الصريح للإمام عليه السلام إلى جانبنا بفعل أمر معيّن، فالأمر واضح ، وكلّ تدخّل وتطفّل ممنوع؛ وأما في المسائل التي ليس لدينا يقين فيها، فالله تعالى لم يضع هنا (إشارة إلى الرأس) حديدًا، ولم يضع هنا اسمنتًا ونحاسًا، بل وضع هنا خلايا عصبية، فلا تتخيّل أنه يوجد في رأسك جبساً، بل عليك أن تُعمِل عقلك والله تعالى يساعدك لتعرف ما كان مورد رضا الله تعالى، عليك أن تصفي قلبك لله، فلا تحتل على نفسك، ولا توهم الأمور على نفسك، ولا تضع الحقّ جانباً إرضاءً للآخرين، ولا تضع الواقع تحت قدمك وتتغاضى عن المخالفة والأخطاء التي تراها مراعاةً للآخرين، ولا تسقط الإمام عن مرتبة الإمامة لكي تغطّي على المخالفات والأخطاء وتبرّرها، فالإمام عليه السلام إمامٌ سواء خالفته أم أطعته وعملت بشكل صحيح، فهو إمام على كل حال، وعليّ أن لا أنزله عن موقعه، وعليّ أن لا أشكّك بمكانة رسول الله صلى الله عليه وآله لأجل العمل المخالف الذي أقوم به، وينبغي أن لا أضع مقام المعصوم عليه السلام ضمن المسائل التي تعتبر مخالفة لأجل بعض المطالب التي تُشاهد هنا وهناك، فالمعصوم عليه السلام معصوم أبداً، والمعصوم عليه السلام في حالة من الطهارة المطلقة إلى ما شاء الله، أمّا أنا فلست معصوماً، ولست في طهارة، ولم أصل إلى مقام الطهارة، فلا يمكنني أن أضع نفسي في مكان المعصوم، ولا ينبغي أن أُذهب ماء وجهي بذلك، أليس كذلك؟
وعلى هذا الأساس، يكون الملاك في اتّباع منهج الحق ومنهج الإسلام واتّباع منهج التشيّع هو الحقّ فقط، والملاك هو رضا الله تعالى فقط، ليس الملاك هو المسائل الشخصية والنفسية، فهذا الملاك نفساني، بينما ذاك ليس نفسانيّاً، الملاك هو الإطاعة واتّباع الواقع، علينا أن نقوم نحن بهذا الأمر والله تعالى يساعدنا في ذلك، وعندما نكون في هذا الطريق، سيساعدنا الله تعالى، وحينما نكون في هذا الطريق سيؤيدنا الله تعالى، ولن يتركنا.

    

من يرفض الرياضة ويعزف عن طريق الحقّ يقيّض الله له شيطاناً

ولكن إذا لم تكن في هذا الطريق، فسيقول الله تعالى: سأساعدك، لكن في الجهة المقابلة! فلأي شيءٍ قد خلقتُ هذا الشيطان؟! ألا تريد أن تسير في ذلك الطريق المستقيم؟! لا بأس عزيزي! لا تمش فيه وسأرشدك إلى طريقٍ آخر، وسأرسل لك من يبين لك دون أن تشعر؛ فأنت ترى أنّ هذه الفكرة قد أتتك الآن، لكنّك مسكين لا تدري من أين جاءت؟ وحينما تمشي ترى أنّه فتح أمامك طريق آخر، وتهيأ لك بذلك ذنبٌ آخر، وتمّ إعداد الأرضية لهذا الذنب، فهل الله تعالى هو الذي أعد هذه الظروف والأمور؟ كلا يا عزيزي، فنحن لدينا كلا النوعين؛ لدينا جبرائيل وملائكته ونفوسه الروحانية ونفوسه المجرّدة والنورانيّة، ولدينا أيضاً الشيطان والأبالسة وجنود الشيطان، وعليه فلم نخلق هذه الأمور عبثاً، لقد خلقناها لك، لكي تساعدك، ألا تريد المساعدة؟ أوَ تريد أن تأتي بالعمل وحدك؟ لقد أعددنا لك جميع هذه الأمور؛ (كُلّاً نُمِدُّ) لقد صرّح الله تعالى بذلك، وهذه الآية من الآيات التي ينبغي أن تكتب، علينا أن نكتب جميع القرآن، ونكتب جميع روايات الأئمة، واقعاً الأمر كذلك، هل لدينا رواية وردت من الأئمة لا تستحق الكتابة؟ ولو رواية واحدة، صحيح؟ فأنا لو كتبتُ عشرة كتبٍ، فلن تساوي قيمة حبّة شعير واحدة، لماذا؟ لأني لست إماماً، فالكلام هو كلام الإمام عليه السلام، وكلام المعصوم عليه السلام هو الكلام الفصل فقط، وكل من هذين الأمرين (القرآن وقول المعصوم) من ناحية الله تعالى، غاية الأمر أنّ الآيات قسمٌ ونوع خاصّ، وكلام الإمام عليه السلام من قسم آخر. تناولْ نهج البلاغة وانظر فيه، واقعاً هل يمكن أن يقرأ الإنسان في نهج البلاغة ويتأمّل فيه ولا يتحرّك، أوْ لا ينقلب رأساً على عقب؟ فانظر إلى تلك الكلمات القصار والمطالب الموجودة في آخره، جميعهاً توحيديّة واجتماعيّة وأخلاقيّة.
يقول تعالى: ﴿كُلا نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا﴾، ويقول في الآية التي قبلها: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا * وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا﴾. عندما يقرأ الإنسان هذه الآيات ترتعد فرائصه ـ كما يعبّر المرحوم الوالد ـ فالله تعالى يقول: لا تتصوّر أنّ توفيقنا بدخول الجنّة والسعادة والرضا منحناها لك فقط وأنّ مساعدتنا منحصرة بهذا الجانب فقط، كلاّ، بل إذا أردت أن تسير في الطريق المعاكس فسوف نساعدك أيضاً، وإذا أردت أن تسير في الطريق الخاطئ ، فإنّنا سندفعك حتّى تجد نفسك تسير بسرعة 200 كم بالساعة! إنّ كلا الأمرين مشمولٌ للمدد الإلهي، فمن كان يريد الدنيا (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ) ، والعاجلة هي الدنيا، منتزعة من العجلة، فالذي يريد هذه الدنيا ﴿عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ﴾ يعني نهيّئها له، ولكنّنا لن نعطيه القدرة على أن يتصرّف في الزمان والمكان. نعم، فأنا قد أريد الآن أن أمتلك جميع الكرة الأرضيّة وأن أصير حاكماً وسلطاناً على الأطلس والقارة الأمريكيّة والاستراليّة وجميع الأماكن، ولا أكتفي بذلك بل أريد أن أسيطر على القمر وسائر الكواكب السيّارة وجميع الأفلاك التي لا تقف عند حدّ، فهذه الأمور غير مسموح بها، لقد وضعنا لك حداً إذا أردت أن تتجاوزه فعزرائيل لك بالمرصاد، منتظر خلف الباب، فإذا فرضنا أن بعض الأشخاص هنا، يريدون أن يسيطروا على ذاك المكان الفلاني، هل بإمكانهم ذلك؟ كلا! فالفاصل كبير جداً كي تسيطر عليه، والقضية ليست من هذا القبيل. فإذا أردت الدنيا، فسوف نساعدك على الوصول إليها، لكن لا إلى الحد الذي تريد الوصول إليه، فالدنيا لها نظام، ولم نعطك جميع هذا النظام، ولم نتِحْ لك الملائكة لتنفيذ جميع ما تكتبه صباحاً وما تطلبه، لا ليس الأمر كذلك. بل كل شيء في هذه الدنيا له حساب، وضمن كتاب، فنحن نساعدك ولكنّنا لن نسلّم لك الكون كلّه فتخرّب كلّ شيء: ﴿عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ﴾ يعني نحن نجعل ذلك بالمقدار الذي نشاؤه وللشخص الذي نريده، لا للجميع، ولكن ماذا يأتي بعد ذلك؟ ﴿ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ﴾، فالذي يريد أن يقضي هذه الحياة الدنيا بحسب ميله وهواه وأهوائه واختياره ، فنتيجته معلومة.
و أما من جهة أخرى فإنّه: ﴿وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾، فالذي يريد الآخرة ويريد رضانا، ومن يريد أن يضع قدمه في طريق الرياضة، ومن يريد أن يكون من شيعة أمير المؤمنين عليه السلام، ومن يريد أن يكون مطيعاً لإمام زمانه، وكان يسعى في هذا الاتجاه، وقام بما ينبغي عليه؛ ﴿فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا﴾، فلن نضيع أجر هؤلاء ولن نترك سعيهم يذهب هباء، ثمّ بعد ذلك ماذا يقول؟ ﴿كُلا نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ ...﴾ نساعد هؤلاء ونساعد هؤلاء، فهؤلاء نرسل لهم جبرائيل ونرسل لهم ميكائيل والملائكة الذين بإمرتهم، نرسلهم ونقول لهم: اذهبوا وساعدوا هذا الإنسان، فحين تأتيه فكرةٌ سيئة، ارفعوها عنه، واعرضوا عليه هذا الطريق الآخر.. ألقوا في قلبه هذا الفكر وهذا الخطور [الحسن]، وبينما هو جالسٌ وهم في حديثٍ معه يشجّعونه على ترك الأمر الخاطئ ويمضي في الطريق الصحيح فإذا بشخصٍ يأتي فجأة ويخرّب عليه جميع ما كان قد عزم عليه من شرّ، فهذا الذي أتى من أين أتى؟ ومن الذي أرسله؟ إنّه المدد الإلهي!
وعندما يخرج هذا الإنسان إلى الخارج ويسأل نفسه بشكل مفاجئ ويقول: هل كان صحيحاً ما تحدث به هؤلاء الأشخاص الذين كانوا يدفعونني إلى الإقدام على ذلك العمل؟ كلا، لم يكن صحيحاً، لكن من الذي منعه من الإقدام على ذلك؟ لقد أرسلنا جبرائيل.. هل تعتقد بأنّ جبرائيل ينزل فقط على الأنبياء والرسل؟ لا، بل ينزل أيضاً على جميع من يريد السير في طريق الله تعالى، لقد أرسلنا جبرائيل، وجبرائيل ملاكُ ماذا هو؟ إنّه ملاك العلم، نرسله لكي يبيّن الطريق الصحيح للإنسان، لكي يقطع وساوس الآخرين ويبطلها، وليقوم بقطع جميع التعلّقات والنفسانيات والشائعات والهوس التي يُبتلى بها الكثير من الأشخاص بسيف الحقّ البتّار، ويجعل نيّته وفكره خالصاً لله تعالى ويصحّحها؛ لماذا؟ لأن هذا الإنسان قال: أريد أن أمشي في طريق عليّ عليه السلام، وأريد أن أكون من شيعة عليّ!
إنّ أمير المؤمنين عليه السلام الذي كان منذ ألف وأربعمائة سنة، موجود الآن بيننا ـ الآن الساعة الحادية عشر والربع ـ إنّه موجودٌ مع كلّ واحدٍ منّا (وما أقوله الآن هو نهاية المطلب وغايته)، فهو موجود مع كل فرد يتحرك في هذا السبيل ولا يفارقه، فالآن يمكنني أن أفرق بين هذين الإصبعين، فهذان الإصبعان قريبان ولكنّهما مفترقان، لكنّ المؤمن لا يمكن أن يفترق عنا الإمام. فمتى يبتعد عنّا الإمام عليه السلام؟ عندما يأتي الإنسان ويريد أن يترك طريق الحقّ ويمضي في السبيل المعوجّ، فيأتيه التنبيه الأوّل، ثمّ التنبيه الثاني، ويقول له: انتبه هنا، والتفت إلى المحذور الذي وقعتَ فيه؟ وهل رأيت منذ شهرين أنه حصل معك هذا الأمر، لقد ذكرنا لك هذا الأمر وحذرناك منه، لكنك قلت: سنرى وننظر، فتقوم بردّ هذا التحذير ولا تعتني بهذا التنبيه، ثمّ تردّه وتردّه.. أجل، فنحن نعرف كيف نردّ هذا التحذير ونبرّر فعلنا، ونستمرّ بذلك إلى أن يقول لك الإمام: في أمان الله، ويذهب!
وحينئذٍ من يأتي مكانه؟ حضرة فلان يأتي مكان أمير المؤمنين، فإما أن يكون علي مع الإنسان أو فلان، ليس لدينا شخص ثالث، وهذا بدوره لديه العديد من الجنود إلى ما شاء الله...، فالشيطان أحد جنوده، الشيطان وسائر أعوانه من جملة جنوده، فهو يسخّرهم جميعاً لخدمتنا، ويقول: تفضلوا فأنا بخدمتكم، الآن بعدما تركتَ طريق عليٍّ، أنا أدلّك على الطريق وأفتح لك الدرب! أنا أرفع الموانع من أمام مسيرك، فإذا أردت أن تخطو خطوة واحدة، فأنا أساعدك لتصير عشر خطوات، لأبعثنّ إليك الأشخاص الذين يمكن أن ينفعوك حتّى تعثر عليهم بسهولة، ولأرشدنّك إلى تلك المجالس التي تأخذك يميناً وشمالاً، ولألقينّ في قلوب أولئك الأشخاص الذين يمكنهم أن يساعدوك في طريق الباطل محبةً لك، وهذا أمرٌ عجيب جداً؛ إذ ترى أنّهم أظهروا لك المحبّة دفعة واحدة، فمن أين جاءت تلك المحبة؟ ﴿وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ...﴾[6]، فهم مرتبطون فيما بينهم، يلقون محبتك في قلوبهم ومحبتَهم في قلبك، لذا ترى شيئاً فشيئاً أن محبة أولياء الله وأحبّائه صارت قليلة في قلبك، صارت أقل رونقاً، وذلك القطع والحزم والتصميم التي كنت تراها بالنسبة إلى طريق الله والسبيل الذي تمشي فيه لم تعد موجودة، تلك الصلابة التي كنت تتمتع بها قد قلّت، والقرارات التي كنت تتخذها قد تغيرت، وفكرك قد تغير أيضاً ... وهكذا يتغيّر الإنسان بالتدريج حتّى ينتهي به الأمر وقد صار بحال لا يعلمها إلا الله تعالى فقط.

    

الرياضة تعني مخالفة الأهواء والعمل بالتكليف، وبعض النماذج لذلك

بينما أمير المؤمنين عليه السلام يقول: تعالَ من أوّل الأمر واقطع أيّة وسوسة تأتيك، هذا القطع هو الرياضة، هذا ما يسمى بالرياضة، فالرياضة ليست عبارة عن الذهاب إلى الجبل والجلوس في الغار فقط، الرياضة ليست عبارة عن إغلاق الفم والسكوت، الرياضة ليست الصوم عدّة أشهر متتالية، الرياضة ليست الابتعاد عن العيال وما شابه، الرياضة ليست ترك الدنيا، الرياضة ليست الاشتغال بالأعمال الشاقة.. هذه الأمور ليست من الرياضة، بل الرياضة هي أن يقوم الإنسان والسالك بما طلبه الله منه في كلّ موقعٍ وكلّ موقفٍ لأجل الله فقط، هذا هو معنى الرياضة.
مثلاً عندما نرى أنّه يوجد جمعٌ كبيرٌ من الناس على جنازة، ويقال لك تفضّل وأقم أنت صلاة الميت عليها، عند ذلك نرى صلاة الميت، ونرى الكاميرات تصوّر والمصوّرين يأخذون الصور من كل جانب بدلاً من أن يشاركوا هم أيضاً في الصلاة ـ فلا بدّ أنّ فضيلة هذه الكاميرات أفضل من الصلاة نفسها! ـ فالجميع يصوّر، والصور ستنتشر بعد ذلك بين الناس، وسيراها الجميع، ففي مثل هذا الموقف كيف تكون الرياضة؟ الرياضة هي أن تذهب وتقف في آخر صفّ تاركاً إمام الجماعة والصدارة لغيرك، فهناك الكثير ممّن يقدر أن يقيم الصلاة. فهل هذا الأمر صعب، وهل في هذا العمل نحت للجبال؟ وهل فيه صوم عدة أشهر؟ وهل هو بمثابة وضع الرأس في البئر وقراءة ذكر اليونسية هناك كما يظنّ بعض الجاهلين؟ أم أنّ الأمر أيسر من ذلك، فما عليك إلا أن تقوم بكل سهولة وتذهب إلى الصف الآخر وتقول: إني لست على ما يرام، ولا أستطيع الصلاة، وبهذا ينتهي الأمر؛ إذ ليس لأحد أن يجبرك! نعم، بعضهم سيقول: لا سيدنا! ينبغي أن تتقدم مولانا! ويبدؤوا بالصلوات وأمثال ذلك! فعليك أن تقول: هذه الأمور لا تنطلي علينا، في أمان الله مع السلامة، ماذا يُسمّى هذا؟ رياضة، إذا تساهلت هنا، إذا لم تنجح في هذا الموقف، وإذا سيطر عليك الجوّ، وإذا استسلمت لقولهم: سيدنا مولانا (إنّ هذه الألقاب قد قضت على الناس جميعاً) ... حسناً إذا صار الأمر كذلك، فقد خسرت وانهزمت وانتهى الأمر، لم تنجح في هذا الامتحان، ولم تكسب هذا الامتحان.
و كذلك الأمر في المسائل المختلفة والقضايا المختلفة وفي الأحكام المختلفة، بل في كلّ حركة نتحرّكها، إذا قصرنا النظر على مرضاة الله، ووضعنا ما سواه جانباً، ولم نلاحظ المصالح الشخصية، ولم نعتن بدعوة هذا ونعيق ذلك، بل أخلصنا الأمر لله تعالى، [و التزمنا بما يرضيه، فتلك هي الرياضة].
فهؤلاء الذين يكتبون هذه الكتب في الجامعات، وهنا وهناك، بل حتّى في الحوزة، زاعمين بأنّ الإنسان مختار ولديه الحرية ويمكنه أن يقوم بأيّ شيء يريده، وأنّ تلك القيود خاصّة بالدين الذي كان قبل ألف وأربعمائة سنة وأمثال هذا الكلام... فهل تعلمون لماذا يقولون كل ذلك؟ إنّما هو لأجل أنّ هؤلاء يريدون أن يرفعوا هذه المسؤوليّة عن عاتقهم، وأن يفعلوا ما يحلو لهم وما يرغبون به! ولكن ما هذا؟ هذا كله ليس برياضة. فما هي الرياضة؟ الرياضة هي أن ينظر الإنسان إلى ما هو حقّ فيفعله، فجميع هذه الأمور بسبب أن الإنسان قد سلب من نفسه حالة الانقياد والطاعة لله تعالى، قال الله: عليك أن تذهب وتتزوج، لقد وضع الله فيك غريزة، وجعل لك سنّة، كان بإمكان الله أن يخلقك كهذا العمود، هل يتزوج هذا العمود؟ هل يؤمر العمود بالزواج؟ كلاّ، فالعمود لا يتزوج، والحجر لا يتزوج، لقد وضع الله لك أنت أيّها الإنسان الزواج ووضع لك النكاح، وجعل لك هذه السنّة. حسناً، يجب على الإنسان أن يتزوج، يجب عليه العمل بهذه السنة، فإذا قام شخص وقال: كلاّ، ليس من شأني الزواج الآن ...
[يقول سماحة السيّد ممازحاً:] واتّفاقاً فقد كانت أمثال هذه الأفكار موجودة عندي زماناً ما! فقد كنت أقول: لأيّ شيء أتزوّج؟! فأنا عليّ أن أهتمّ بدرسي ومطالعاتي، فدعوني من هذا الأمر.. ولكن رأيت بعد ذلك أنّني مخطئ وأن الزواج شيء جميل !! [يضحك سماحة السيّد والحضور]. حسناً، فأنا لم أكن أعلم، وهذا حال الإنسان الجاهل فهو يأتي ويحرم نفسه من الأمور الحسنة! أجل لقد كنت أقول: أنا أتزوج؟ الزواج إنما هو للأفراد العاديين وأمثالهم، فما لم أصل في درسي إلى تلك المراتب و... وأمثال هذه التخيلات، فقال لي الوالد: (دعك من هذه الترهات ، فكل شيء له وقته، ولكل شيء حسابه الخاص)، عندها علمت أني طوال هذه المدّة التي كنت أعمل على خلاف دستور والدي ـ حيث كان يطلب مني ذلك لسنتين وكنت أغض الطرف عنها وأسوّف ـ علمتُ حينئذٍ أنّ هاتين السنتين كانتا على أساس النفس! نعم النفس! فليس الأمر النفساني هو في طلب الزواج فقط ، بل يمكن أن يكون للنفس دخالة حتى في العزوف عن الزواج أيضاً، فالنفس يمكن أن تتدخّل في كلا الأمرين، فأينما تدخّلت النفس، تصير مسألة نفسانية، فتجد النفس هنا تأتي وتقول: لا! ليس هذا الأمر من شأني، ولا ينبغي أن أقوم به... وأمثال ذلك. أجل لقد اكتشفت أنّني كنت في هاتين السنتين أتحرّك في إطار النفس ورغباتها، أعترف بذلك دون مزاح ولا مجاملة..
و الآن تعالوا إلى هذه الجهة الأخرى، فعندما يقال لك: تزوج! فعليك أن تتزوّج بالشكل الصحيح وأن تفعل ذلك بناء على تعاليم الشرع وبما يوافق مرضاة الله تعالى، فعندما تكون الفتاة ليست مناسبة، فلماذا تأتي وتتزوج منها بسبب بعض الظواهر وبعض المسائل؟ لماذا؟! وعندما ترى أنّ هذا النسب والعلاقة ليست جيدة، فلماذا ترضى بذلك وتسلم نفسك له؟! فالله تعالى أمرنا أن نختار الشخص الذي نريد الزواج منه على أساس الإيمان والأخلاق والتقوى والعقل والانسجام بين الطرفين، فلماذا بعد ذلك تأتي وتبني اختيارك على أساس الحسب والنسب والشهرة والأب والمال والأمور الأخرى؟! ما هذا؟ هذا كله خلاف الرياضة، فكما أن ذلك الذي أعرض عن الزواج كان عمله خلاف الرياضة، فهذا كذلك خلاف الرياضة، كلا بل ينبغي على الإنسان أن يتزوّج [وأن يفعل ذلك بحسب ما يرضي الله].
ولكنّنا نجد البعض في أيامنا هذه يقول: إنّ هذا اختيار شخصي للإنسان، وكل شخص له أن يتزوج وله ألاّ يتزوج، ويمكنه أن يقوم بأي فعل مخالف وخطأ أيضاً، فهذا الذي يأتي ويطرح الآن هذا الرأي، لماذا يقوم بهذا العمل؟ لأجل ألاّ يلزم نفسه بالرياضة، ولكي يحرّر نفسه من الرياضة، فتجد أنّه كلّما أمرته النفس بشيء قبل به سريعاً، وكلّ ميلٍ تميل إليه النفس يقبل به. لأجل ذلك يأتي ويقول: هذا الكلام لا يصح في هذا العصر... وأمثال ذلك. فما هو سبب جميع هذه العبارات الفارغة ولأجل أيّ شيء؟ إنّ حقيقتها ترجع إلى طلب الراحة! حسناً، قل الحقيقة مباشرة، لماذا تقولها بشكل ملتفّ؟ فعليك أن تقول حقيقة الأمر الموجود في قلبك بوضوح، تعال وقل: إن جميع هذه الأمور التي نقولها هي بسبب أني أريد أن أتحرر من الانقياد والعبودية؟ لأنّ الاعتراف بالعبودية له تبعات ويضع حدوداً للإنسان، فالعبد هو الذي يقال له: لا تذهب! لا تأت، اجلس، انهض؛ ولذا نحن ـ من أجل أن نخرج أنفسنا من ذلك ـ نقول: إنّ العصر الآن يختلف عن ذلك العصر، فعقلنا قد تكامل وأمسى بإمكانه أن يصل إلى الحقيقة، وفَهْمنا بات يصل إلى الصواب لوحده، ويمكننا أن نشخّص المصالح بأنفسنا، [ولسنا بحاجة لتعاليم الدين ومبانيه] ؛ لأننا نستطيع أن نشخّص بأنفسنا!

    

عدم الفرق بين العقل الآن والعقل في عصر الرسول

فيا له من تكامل، و يا له من تشخيص!! ألف رحمةٍ على تلك العقول التي كانت في عصر النبي، وألف رحمة على تلك القبائح وتلك الفجائع التي كانت ترتكب، فهي لا شيء أمام ما نراه في عصرنا؛ فهذا القتل والإجرام والجنايات التي لدينا الآن ونراها في هذا العصر قد شاعت بين الناس؛ سواء كانت جرائم وجنايات في الجانب الأخلاقي أو غيره، فجرائم عصرنا أعظم بكثير.. أين كان مثلها في ذلك العصر؟ ومتى كان لها نظير؟ متى كان في ذلك العصر مثل هذه الأعمال الوحشيّة؟ ومتى كان مثل هذه القسوة؟ متى كان مثل هذا التهتّك؟ ومتى كان مثل هذا الفساد الأخلاقي؟ أين كان لدينا بضعة آلاف من البشر ـ يعني هذا الحيوان الناطق ـ يتظاهرون عراةً بشكل تام؟! هل هذا هو العقل الذي تتبجّحون به؟! أهكذا يكون العقل؟! ولهذا نظائر عديدة.
[فلسان حال بعض الأشخاص هذه الأيام يقول:]أجل فنحن الآن قد وصلنا إلى مرحلة يمكننا أن نشخّص الأمور فيها، فلسنا الآن بحاجة إلى لبس السّروال! لقد شخّصنا ذلك، فنحن لسنا بحاجة إليه، فالحاجة إليه إنّما كانت منذ ألف وأربعمائة سنة، أما الآن فالعصر الحديث يقتضي أن يقوم الإنسان باستعراض كلّ ما جعله الله فيه أمام الآخرين !! هذا هو عقلنا، هذا هو العقل اليوم، فالعقل قد تفتّحت براعمه في هذا الزمان ونمى وتكامل إلى هذا الحدّ! وعلى أساس ذلك يريدون أن يجعلوا ديناً جديداً، هل فهمتم الآن؟ هذا الدين المخترع هو من ذاك العقل.. هذا الدين نتيجة ذلك العقل، فهذا العقل يريد أن يجعل لنا حكماً شرعياً، ويريد أن يخترع لنا ديناً، وأن يجعل لنا أخلاقاً وتربيةً وتزكيةً!! بخٍ بخٍ لنا! فهذا الأمر هو آخر ما يتوصّل إليه، ولا أظن أن هناك أمراً بعد هذا.

    

للتكليف مراتب تختلف باختلاف درجة الإنسان في الفهم والمعرفة

إنّ الرياضة هي الحركة طبقاً للحكم الإلهي، وهذا الحكم الإلهي يختلف بحسب اختلاف المراتب... الآن في نهاية كلامنا لهذا اليوم ينبغي أن نستخلص حاصل المطلب وننتهي منه ونأخذ النتيجة منه، فالحمد لله الرفقاء جميعهم مطّلعون وفاهمون.
إنّ هذه الأحكام الإلهية تتعلّق في كلّ زمان بموقعيّة ذلك الفرد وحاله والظروف التي تحيط به، فتمنحه تكليفاً خاصاً؛ فإذا كانت مرتبة معارفه بهذا المقدار، فإنّه يكلَّف على أساسها، وإذا كانت أعلى، ارتفعت درجة التكليف كذلك، وهكذا... وذلك أنّ خصائص الإنسان ومستوى فهمه تختلف باختلاف العمر؛ فالطفل الذي يكون في الخامسة من عمره إذا وضعت في يده خاتماً قيمته بضعة مليارات، وفي المقابل وضعت أمامه سيارةً لعبةً قيمتها زهيدة جدّاً، ثمّ طلبت منه أن يتخلّى عن أحدهما وينفقه، فما الذي سينفقه؟ سينفق الخاتم حتماً ويأخذ السيارة!
فإذا قيل له: هذه السيارة قيمتها زهيدة!
سيقول: ما هذا الكلام؟! أنت وأمثالك ترجّح الخاتم على هذه السيارة، هل يعقل أن يأتي إنسان ويضع في يده خاتم ويترك هذه السيارة؟ انظر إليها كم هي جميلة، وكيف تصدر صوتاً...
فهذا الطفل في هذا الحدّ، لكنّه عندما يكبر ويكبر، فيصير عمره عشر سنوات ثم خمس عشر سنة، ثم يكبر ويهرم فتتغير خصائصه النفسيّة إلى أن تصل إلى حدٍّ لا يعود لتلك اللذّات الظاهرية والمسائل الطبيعية التي كانت عنده في عصر الشباب والتي كانت مانعاً من تقدمه وفخّاً له.. هذه الأمور لا يعود لها أيّ قيمة عنده، فلو جئته بمائة فتاةٍ فالأمر لا يختلف بالنسبة إليه، لماذا؟ لأنّ هذا المسكين قد سقط عن حيز الانتفاع بهذه الأمور، ولم يعد قادراً على القيام بشيء، إنّ وضعيته الآن اختلفت. عند ذلك هناك مسائل أخرى تهمّه، وتلك الأمور هي الصعبة والخطيرة والتي ينبغي أن نطلب من الله العون عليها، فالإنسان في تلك المرحلة يكون عنده اعتداد بنفسه وبآرائه؛ حتّى أنّه ليس مستعدّاً أن يتنازل عن فكرته ورأيه ولو انقلبت الدنيا رأساً على عقب، يقول: (فلتخرب الدنيا كلّها وتسوّى بالأرض، لكن أنا لا أتنازل)! إنّ هذه المرحلة هي المرحلة الخطيرة وهي ما ينبغي أن نفكّر فيه ونحسب حسابه؛ فكلّما تقدم الإنسان أكثر، تُمسي المسألة أكثر دقّةٍ، وكلّما كان اطّلاعه أكبر، كان الحكم عليه أدقّ، وماذا تصير الرياضة بحقّه؟ ستصير أكثر دقّة.
دعوني أضرب لكم مثالاً، فلنفرض أنّ طائرة تحرّكت نحو مكان معين، وتريد أن تهبط في منطقة معيّنة أو مطار، فلا يمكن لها أن ترى ذلك الخط المرسوم على المدرج الذي ستهبط على أساسه من حين الإقلاع.. لا تستطيع أن تشاهد ذاك المدرج الآن، بل يقوم الطيّار بتحديد المسار الآن على أساس القارّة التي يريد التوجّه إليها، لا المدينة ولا الدولة، وعندما تقترب أكثر، تعيّن مسار المدينة، وعندما تقترب من المدينة تعين المنطقة التي ستهبط بها، وعندما تقترب من المنطقة، تحدّد المدرج الذي ينبغي أن تهبط فيه، لاحظوا كيف يصير الأمر أكثر دقّة كلّما اقتربنا، ففي طوال هذا المسير عندما كانت تواجه الطائرةُ موانعَ وعقبات في الطريق، كانت تغير مسيرها وتحرفه قليلاً لتبتعد عنها، دون أن يكون هناك أيّ خطر في هذا التغيير، مثلاً: عندما تواجه الغيوم التي ينبغي ألّا تدخل فيها تغيّر مسيرها؛ كالغيوم المليئة بالبرق، إذ يجب في مثل هذه الحالة أن تغيّر مسيرها وتتّجه باتجاه آخر، وعندما تواجه مناطق حرارتها مختلفة قد تؤدي إلى إحداث رياح، فتقوم بتغيير مسيرها هرباً من الأخطار المتوقّعة؛ فتترفع عنها أو تمرّ من تحتها، ولا إشكال في ذلك؛ لأنّ المسير بعيد، فيقول الملاح: سأحرف مسيري الآن قليلاً، ثم أعيد تصحيحه لاحقاً، لكنّه عندما يريد أن يهبط في المدرج، لا يقول: الآن أحرف مسيري ثم أعيد تصحيحه بعد بضع كيلومترات، لأنّه إذا انحرف خمسة أمتار باتجاه مخالف، فستسقط الطائرة وتنتهي، ولذا لا بد من الدقة في ذلك الوقت بحيث يجب أن يجعل الملّاح الخطّ الوسَطي تماماً تحت عجلة الطائرة، فتلك الدقّة التي تكون في ذلك الموقع لم تكن في بداية الطريق، بل لا يمكن أن تحصل من قبل... فبمقدار السعة التي يعطينا إياها الله تعالى من العلم والمعرفة بالحقائق والاطّلاع على الدين والشرع، يفرض علينا الله تعالى التكاليف بنفس هذا المقدار، وكذا الرياضة تكون بهذا الحدّ أيضاً، يعني أنّ الرياضة عندما يزيد العلم والمعرفة، وبعدما قرأنا كتب المرحوم العلامة، وفهمنا أن هناك أموراً أخرى، وأن هناك مطالب مغايرة، فالرياضة عندئذٍ تصير أدقّ، لماذا؟ لأنك وصلت إلى تلك المدينة، وكذا الحال عندما نزداد غوراً وتقدّماً ونعمل فكرنا أكثر ونشدّد المراقبة أكثر، تصير مدركاتنا أكثر وتغدو التجلّيات العلمية للباري تعالى أكثر، والجذبات النوريّة أكثر، وهكذا، فهذه الأمور عندما تصل تجعلني أصل إلى تلك المنطقة، وتصير الأمور أكثر دقّة، لذا قال العظماء: "حسنات الأبرار سيئات المقرّبين"، فمن يصير في مقام القرب، تصير حسنات الأبرار سيئات بالنسبة لهم، مع أن هذه الأفعال هي ثواب لأولئك الأبرار.
كنت يوماً عند المرحوم الوالد... سأذكر هذه المسألة بالإجمال الآن وتفصيلها يأتي إن شاء الله، لأنّي أريد اليوم أن أنهي هذا المطلب، وأتحدّث في الجلسة القادمة عن مسألة المأكولات، أتى أحدهم إلى المرحوم الوالد وطرح عليه مسألة، قال: لقد فعلت هذا الأمر، وبعد ذلك، عندما ذهب هذا الشخص، سألت الوالد: أليس من الأفضل لهذا الشخص أن يفعل أمراً آخر؟ فأجاب: "نعم". و[نحن لا نريد انتقاد هذا الرجل] فلعلّ فكره كان قد وصل إلى هذا الحد فقط، إذ لم يكن هذا الشخص قد وصل إلى مراتب عالية من المعارف وفهم في الأمور الأخلاقية، وإن كان شخصاً جيداً حيث كان طبيباً مشهوراً في مشهد، وقد انتقل إلى رحمة الله تعالى، رحمة الله عليه. لكن على كل حال ميزان المعرفة أمر آخر.
حسناً ، بعد ذلك شرع السيّد الوالد رضوان الله عليه بتوضيح بعض الأمور، حيث بيّن العديد من المراتب لهذا العمل، وكلّ عمل في مرتبته يعدّ عملاً صحيحاً، لكن هذا العمل بالنسبة لمن هو في مرتبة أعلى يكون خطأً، ففي المرحلة الأولى كشف العلاّمة رحمه الله الستار عن مرحلة واحدة، ثم أزاح ستاراً ثانياً ، ثمّ ثالثاً ثمّ رابعاً ثمّ خامساً حتّى وصل الأمر إلى مرتبة مدهشة، فأي مرتبة تلك المرتبة! وقد أثار ذلك تعجّبي جداً، فبإمكان الإنسان أن يقوم بعملٍ ما في مرتبةٍ ما ولا بأس به، ولكن نفس هذا العمل بتلك النيّة الجيّدة عندما يتقدم الإنسان وترتقي رتبته لا ينبغي عليه أن يفعل هذا الفعل، فعند ذلك ينبغي أن تختلف نيّته وعلاقاته وتختلف كيفيّة تعاطيه، ثمّ لا ينبغي له أن يأنس بذلك؛ لأن هناك مرتبة أعلى، وعليه فمعنى الرياضة التي بيّنها الإمام عليه السلام لعنوان البصري هو أنّ الرياضة عبارة عن قيام الإنسان بذلك التكليف الذي يكون أفضل ما يمكن بالنسبة لتلك المرتبة من المعرفة التي هو عليها.. هذا هو معنى الرياضة. وأمّا ما ورد في الكتب وما ينسبه البعض إلى العرفاء والصوفية من أنهم يقومون بالرياضات الغريبة كوضع الرأس في البئر وقراءة الذكر على تلك الحال، وبعض الأمور المتعلّقة بالأسرة وأمثال ذلك، فهي جميعاً غير صحيحة وليست إلا تحريفاً للحقيقة يراد منها إبعاد الناس وحرفهم عن العرفان وأهله.

    

مخالفو مدرسة العرفان لم يأخذوا مباني هذه المدرسة من أساطينها؛ فأخطأوا

افرض أنّ شخصاً قد تكلم بكلام خاطئ في هذا المجال (أي في مجال الرياضة الشرعية)، أو تصرّف تصرّفاً خاطئاً، فلماذا تنظر إليه جاعلاً إيّاه المعيار الذي تستقي منه مبادئ هذه المدرسة ؟! ولماذا لا تنظر إلى العلاّمة الطباطبائي، ولا ترجع في ذلك إلى العلاّمة الطهراني، ولا إلى الملاّ حسينقلي الهمداني، ولا إلى السيد مهدي بحر العلوم؟! ولماذا تبقى تبحث هنا وهناك لتجد شخصاً يقول بهذا الأمر، ثم تأتي وتنسب ذلك إلى العرفاء والصوفية، وتقول: العرفاء هكذا!
إذا كان الأمر كذلك، فعند الأطياف والمدارس الأخرى أيضاً الكثير من الأمور التي يمكن أن نطالبهم بها، يعني لو أردنا أن نحاسبهم بتصرّفات بعض من ينتمي إليهم فلن يبقى أحدٌ على الإطلاق، [ولكن هذا خطأ؛ إذ ينبغي أن يأخذ الإنسان مبادئ كلّ مدرسة أو طيف من أعاظم شخصياتها؛] فمثلاً إذا أراد الإنسان أن يأخذ نموذجاً من الفقهاء، فإلى من عليه أن ينظر؟ هل يصحّ له أن ينظر إلى أيٍ كان؟ كلا، بل عليه أن ينظر إلى الشيخ الطوسي، عليه أن ينظر إلى الشيخ المفيد، وعليه أن ينظر إلى الشيخ الأنصاري والميرزا الشيرازي، علينا أن ننظر إلى الآخوند الملا حسينقلي الهمداني، وإلى المرحوم السيد القاضي والعلامة الطباطبائي، علينا أن ننظر إلى هؤلاء الفقهاء.
أمّا من يكون في قلبه غرض ومرض، فإنّه لا يأتي ويطرح هؤلاء الأشخاص بعنوان النموذج الذي يمثّل هذه المدرسة؛ لأنّه لا يمكن أن يجد فيهم بُغيَته من الإشكال والتشنيع، بل يذهب هنا وهناك، ويبحث في الكتب المنشورة في آخر الدنيا ليجد ما يمكن له أن يستغلّه في التشنيع والاتّهام ثمّ يقدّمها كمثال ونموذج. والحال أنّك إذا وجدت بعض الأخطاء التي صدرت من بعض الأشخاص المنتمين لهذه المدرسة، فسوف تجد بالمقابل آلاف الأخطاء عند الآخرين.
فهؤلاء الذين لديهم غرض ومرض يريدون أن يصوّروا مدرسةً معيّنة بصورة خاطئةٍ في الأذهان ويريدون أن يشوّهوا سمعتها من خلال تقديم بعض الأفكار الخاطئة على أنّها أساس وأصل هذه المدرسة، فهل يمكن أن يأخذوا حالات المرحوم الملا حسينقلي الهمداني نموذجاً؟! لا طبعاً؛ لأنّه لا يمكن لأحد أن يعترض عليه!
و نحن نقول لهم: حسناً، فليكن البعض قد ارتكبوا ألف فعل خاطئ، لكن أنت دعك منهم وكن مثل الآخوند الملا حسينقلي الهمداني، أو كن مثل العلامة الطباطبائي، أو مثل العلامة الطهراني، فأنتَ قد رأيتَ حياته ووضعه، ورأيت علمه ورأيت حالاته ورأيت كتاباته ومؤلفاته، لقد رأيتها جميعاً ... كن مثل المرحوم الميرزا جواد الملكي التبريزي، أو كن مثل المرحوم السيد مهدي بحر العلوم... لماذا علينا ـ بسبب أمراضنا والأغراض التي لدينا ـ أن ندع هؤلاء العظماء من العرفاء وأهل المعرفة جانباً، ثم نأتي ونلاحظ ذلك الدرويش في آخر الدنيا ونسلّط الضوء عليه ثمّ نقول: (لقد فعل هذا الدرويش الفعل الفلاني الخاطئ؛ فإذاً منهج العرفان باطل)؟!
إذا كان قد فعل ذلك فليفعله، فهل على الإنسان أن يحذو حذوه في ذلك؟ لقد ذكرت قبل أيّام للرفقاء وقلت لهم: انظروا من أوّل كتاب مولانا جلال الدين البلخي قدس سره إلى آخره، كم بيت شعر قاله في حقّ أبي بكر وعمر وعثمان؟ فلنسلّم جدلاً أنّه لم يقل ذلك من باب التقيّة، فكم بيتاً من الشعر في حق هؤلاء قد ذكر فيه؟ عشرة؟ عشرين؟ حسناً، اترك هذه الأبيات جانباً واطبع الكتاب وانشره بين الناس بدونها، هل تفعل ذلك؟ الآن لم يعد فيه شيء، لم يعد في هذا الكتاب لا عمر ولا أبو بكر ولا عثمان، حسناً، اعزل هذه الأبيات واطبع الكتاب، هل تفعل ذلك؟ كلاّ! لماذا؟ لأنه يوجد هنا مرض، هنا يوجد غرض، فالمسألة ليست مسألة أنّ مولانا سني أو شيعي، بل الكلام في أن هذا الرجل هو من القائلين بوحدة الوجود، ووحدة الوجود كفر [بزعمهم].. هذه هي المسألة، لا أنّ المسألة في كونه شيعياً أو سنياً؛ فمن يجعل ما ذكره مولانا من أبيات في أمير المؤمنين عليه السلام مقابل ما ذكره في عمر، ثم بعد ذلك يقول: إنّ مولانا سني، فهو عنده مشكلة في فهمه، أو يضع ما ذكره في أمير المؤمنين ويجعله مقابل ما ذكره في أبي بكر، فأيٌّ منهما يرجح على الآخر، فأنا أقبل، نحن نقبل بالنتيجة، صحيح؟ هنا نعرف أن ذاك الذي يعترض على هذا الأمر، لا يريد أن يظهر الحق، بل يريد أن يُظهر نفسه، فمثل هذا الشخص حتّى لو ظهر الإمام صاحب الزمان وقال له: إنّ مولانا جلال الدين شيعي، فسيقول له: أنت تكذب، إذا ظهر وقال له إنّما قال محيي الدين ابن عربي ما قاله من باب التقيّة، فسيقول له: أنت تكذب!! لماذا؟ لأنّه هذا الشخص بقي طوال عمره يقول ذلك، وما أذكر لكم أذكره لكم بجدّ ودون مبالغة، فحال أمثال هؤلاء لا يختلف أبداً عن حال ذلك الرجل السنّي الوهّابي الزنديق الذي تناقش مع المرحوم الشيخ جواد مغنية في حرم رسول الله حيث قال للشيخ: حتّى لو خرج الرسول من قبره وقال لي: الحقّ مع علي، فسأقول له: أنت تكذب، بل الحقّ مع عمر، فقام الشيخ مغنية ولطمه على وجهه، ثمّ انجرّت المسألة إلى المحكمة، ولمّا عرف القاضي ما حصل قال لذلك الرجل: لقد أخطأت في كلامك هذا، وبهذا أيد القاضي الشيخ مغنية في هذه المسألة.
وما نحن فيه مثل ذاك، فذاك تكلّم بهذه الكيفية، ونحن نتكلم بسبب جهلنا بهذه الكيفية، فعندما يأتي الإمام صاحب الزمان ويقول لنا: إنّ هؤلاء كانوا شيعة وكانوا يتكلّمون بهذا الكلام من باب التقية، ولم يكونوا قادرين على غير ذلك، أو أن يقال لهم: حتّى لو سلّمنا بأنهم كانوا سنة فهم على أقلّ تقدير كانوا من السنّة المستضعفين، ولم يتبيّن لهم الحقّ لا أنّهم جاحدون، فالذي يتكلّم حول عليّ عليه السلام بهذا الكلام، هل يعقل أن يكون [جاحداً أو من أعداء أهل البيت عليهم السلام]؟! وهل يمكننا أن نقول: إنّ جميع السنّة حتى الصالح منهم والمستقيم والمحبّ لأهل البيت عليهم السلام كلّهم في النار؟! ثمّ هل انتهت جميع القضايا المهمّة في الدنيا وبقيت لنا هذه القضية فقط [يعني قضية المحاربة لمولانا وإسقاطه]؟! أَ إلى هذا المستوى وصل بنا عدم الإنصاف حتى صرنا ننكر أنّه كان من محبّي أهل البيت عليهم السلام ؟! فهل يصح حينئذٍ أن نحقد على شخصٍ من محبّي أهل البيت إلى هذا الحدّ، وأن نؤلّب الدنيا عليه، وأن نُطبق بالسماء على الأرض؟ ها؟ ثمّ لماذا نقوم بتحريف أشعاره؛ بأن نحملها على معنى باطل؟! إلى هذا الحدّ علينا أن نكون؟! حسناً، إذا كان الأمر كذلك، فاعلموا أنّ هناك يوماً سيأتي غداً وسيُسأل كلّ إنسان فيه عمّا صنعت يداه.
لكن أمير المؤمنين عليه السلام لا يقبل بذلك، بل هو يقول: اتبعوني واقتدوا بي؛ ولذا عليكم أن تحملوا كلام العظماء على الصحة ما استطعتم إلى ذلك سبيلاً.. احمله على الحقّ ما استطعت، وأمّا إذا لم تستطع ذلك، فقل: لا أعلم، دون أيّ تعصّب ودون أيّ تحجّر! وأمّا أن يصرّ الإنسان على موقفه حتّى أنّه يقوم بتحويل المطالب الصحيحة مظهراً لها بصورة الباطل، فعن أيّ شيء يكشف ذلك؟ إنّه أنّ ههنا خللاً وخطأ وإشكالاً. ومن هنا فهذه المطالب التي سمعها الإخوة حول الرياضة ورأوا أن بعض الأفراد الجاهلين يشنّع على أهل المعرفة في موضوع الرياضة في كتبه وكلامه.. جميع هذه المطالب هي مطالب خاطئة ومخالفة، فذاك [العارف] الذي يقول: عليكم بالرياضة، هو نفسه الذي يقول: على السالك أن يتّبع خطوات عليّ المرتضى وابنه إمام الزمان صلوات الله عليهما حذو القذّة بالقذّة، وإذا أمره الإمام عليه السلام بشيء فعليه أن يقول: سمعاً وطاعة، فإذا فعل ذلك يصير من أهل الرياضة. وهذا الأمر والتكليف يختلف باختلاف الموارد، وله في كل مكان شكلٌ خاصّ؛ ففي الأكل لا بد من المراعاة، وفي الصوم لا بد من مراعاة حاله، ولا بد من مراعاة حالة العلاقة مع الزوجة والأولاد، وهكذا في جميع الموارد يجب أن يراعي ما يقتضيه الحال، وسوف نتحدث حول هذه المطالب لاحقاً إن شاء الله.
نسأل الله تعالى أن يخرجنا من الجهل ويفهمنا الحقائق ويجعلنا على صراط أولياء الله والعرفاء الإلهيين والأئمة المعصومين عليهم السلام، وأن يشمل الجميع بظلّ إمام الزمان بقية الله وعطفه، وأن يجعلنا من الأنصار الواقعيين له.. من الأنصار الواقعيين حقاً، وألا يحرمنا في الدنيا من زيارته وفي الآخرة من شفاعته.
اللهم صل على محمد وآل محمد.


[1] ـ يشير سماحته إلى ما جاء في الكافي ، و من لا يحضره الفقيه : عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : قيل له : إن فلانا أصابته جنابة وهو مجدور فغسلوه فمات ، فقال : قتلوه ، ألا سألوا ، ألا يمموه ، إن شفاء العي السؤال . (المترجم)

[2] ـ سورة الحج (22)، الآية 62.

[3] ـ سورة الروم (30)، الآية 8.

[4] ـ روى الصدوق هذه الرواية في أماليه بنصّ مشابه، حيث جاء في ص 468 : ... فنزل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حتى لحده وسوى اللبن عليه وجعل يقول : ناولوني حجرا ، ناولوني ترابا رطبا ، يسد به ما بين اللبن ، فلما أن فرغ وحثا التراب عليه وسوى قبره ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إني لأعلم أنه سيبلى ويصل البلى إليه ، ولكن الله يحب عبدا إذا عمل عملاً أحكمه. (المترجم)

[5] ـ سورة الإسراء (17)، الآية 36.

[6] ـ سورة الأنعام (6)، من الآية 121.

      
  

جميع الحقوق محفوظة لـ موقع المتقين www.motaghin.com ويسمح باستخدام المعلومات بشرط الإشارة إلى المصدر.

© 2008 All rights Reserved. www.Motaghin.com


Links | Login | SiteMap | ContactUs | Home
عربی فارسی انگلیسی