معرض الصور المحاضرات صوتيات المكتبة سؤال و جواب اتصل بنا الرئیسیة
 
اعتقادات و كلام أخلاق حکمة عرفان العلمي و الإجتماعي التاریخ القرآن و التفسير
المكتبة > محاضرات آية الله السيد محمد محسن الطهراني > شرح دعاء أبي حمزة الثمالي > شرح دعاء أبي حمزة الثمالي لعام 1437 هـ ق > شرح دعاء أبي حمزة الثمالي لعام 1437 هـ ـ الجلسة 1: قيمة العمل بالنيّة الكامنة خلفه

_______________________________________________________________

هو العليم

شرح دعاء أبي حمزة الثمالي لعام 1437هـ

الجلسة الأولى:
قيمة العمل بالنيّة الكامنة خلفه

ألقيت في التاسع من شهر رمضان المبارك لعام 1437 هجري قمري

 

ألقاها:
سماحة آية اللـه السيّد محمّد محسن الحسيني الطهراني
حفظه اللـه

_______________________________________________________________

تحميل ملف البد دي أف تحميل ملف البد دي أف

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين
(اللهمَّ صلِّ على محمّدٍ وآل محمّد)

    

خطورة العيش في الدنيا بدون التأكد من إخلاص النيّة

كنت أقرأ اليوم مقالةً، والإنسان عندما يقرأ مقالةً من تلك المقالات التي يكتبونها، يُمكنه أن يحدس من الأسطر الأولى ما هو الاتجاه الذي سيتّجه فيه هذا القلم، وأن يعرف هدف الكاتب من كتابته لتلك المقالة، فما في ذهن هذا الكاتب يتجلّى ويكشف عن نيّته وما في خاطره وعن مراده وهدفه من خلال ترتيبه للجمل والكلمات بنحوٍ خاصٍّ أراد أم لم يرد، والإنسان يفهم أنّ هذا القلم هل هو قلمٌ صادقٌ أم هو قلم تزويرٍ وقلم خدعة وقلم تحريف الواقعة والحادثة، وهذا الأمر واضحٌ جدًا.
من اللافت للنظر جدًا بالنسبة لي، كيف أني عندما كنتُ أقرأ هذه المقالة، (طبعًا أنا قرأت بعضها فقط، أمّا الباقي فلا حاجة لقراءته فعُمرنا ووقتنا لا يحتمل أن نضيّعه في مثل هذه المسائل) ، عندها تذكّرت كلام المرحوم الوالد ـ رحمة الله عليه ـ عندما كان يقول:
إنّ الإنسان يظنّ طيلة عمرٍ كاملٍ أنّه يسير نحو الله، ويبدأ بالحماس والدفاع عن الله، ويقوم بعبادة الله، ويدعو الناس إلى الله، ويدعوهم إلى الرضا الإلهي وإلى رضوان الله، ثمّ يفهم في آخر عمره أنّ كلّ ذلك كان من أجل النفس ومن أجل هوى النفس!! وأنّه لا يملك في يديه شيئًا،‌ فينتقل من هذه الدنيا إلى تلك الدنيا صفر الكفّ، أضاع عمره وأتلفه، والله عزّ وجلّ لا يعطي الإنسان عمرًا آخر، لا يعطيه أكثر من عمرٍ واحدٍ، وعندئذٍ لا فائدة في أيّ شيء، فلا فائدة من التنبّه والتذكّر آنذاك.

    

ما الذي ينبغي للإنسان أن يفعله حتّى لا يبتلى بهذه البليّة؟

ما الذي ينبغي للإنسان أن يفعله حتّى لا يُبتلى بهذه البليّة، وكيف للإنسان أن يختبر نفسه حتّى لا [يبتلى بذلك]؟
حسنٌ أحيانًا يكون طريق الإنسان ومسلكه واضحًا فهو يقوم بالعمل المحرّم كأن يشرب الخمر أو يسرق أو يغش في معاملاته...، المسألة بالنسبة لهكذا شخص واضحة؛ ولكن في بعض الأحيان يكون هدف الشخص هو الله ومرضاته، وما شابه ذلك، فهو يجعل نفسه متّجهة نحو تلك الوجهة فيصلي صلاته أوّل الوقت مع الوضوء، ويصوم، ويحجّ، فهذه الأعمال ليست أعمالًا محرّمة، كما أنّه قد يكون ذا صدقٍ وممّن يراعي الأحكام الشرعيّة في معاملاته وغيرها من المسائل، ولكنّه في الباطن يتحرّك بنحوٍ آخر وإلى وجهةٍ مختلفةٍ.‌

    

المثال الأوّل: الأضحية

هناك آية في القرآن تتكلّم عن الأضحية يقول الله تعالى فيها: {لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَ لا دِماؤُها وَ لكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى‏ مِنْكُمْ}[1]؛ فهذه الأضحية التي تُضحّون بها لله، لن يصل لحمها ولا عظمها ولا جلدها إلى الله، فالتضحية عملٌ ظاهريٌّ وخارجيٌ، إنّ للخروف وزنٌ معيّن، وأنتم تقومون بتقسيم لحمه ونزع جلده عنه وتُقسِّمون اللحم على أهلكم وعوائلكم وجيرانكم فلا يصل منها شيء إلى الله عزّ وجلّ، إنّ الله مجرّد، أمّا الأضحية فماديّة، إنّ الله ليس بمحتاج، وأمّا ما يصل إلى الله فهو باطن هذه المسألة والأمر الذي هو خلفها، وهو مسألة الدافع من هذه الأضحية، ولماذا ضَحّيت بها؟ هذا هو ما يصل إلى الله، إنّ ما يصل هو الهدف من هذه الأضحية، فلأيِّ سبب قمت بالتضحية؟!
هل ضحّيت بالأضحية في يوم عيد الأضحى لأنّ الأضحية مستحبة؟ أم أنّه كان في طيّات قلبك أيضًا أنّه إن لم تضحِّ هذا العام لقال عنك الناس: لماذا لم يضح فلان هذه السنة ؟! فأنت تخلط معها هذه النية، فهل كانت نيّتك خالصةً أم كان هناك معها شيء آخر؟ فالناس سيقولون بأن فلان يضحي في كلّ عام بخروف أو خروفين أو ثلاثة فلماذا لم يضحِّ بشيء هذه السنة فتشعر النفس بنوعٍ من الذلّة والحقارة [أمام الناس]، هل التفتم؟ فهذه النيّة تأتي وتُخرّب العمل، ولذا فإنّ الذي كان ينبغي أن يصعد لا يصعد؛ لأنّ النيّة نيّة كثرةٍ والكثرة لا تتحرّك نحو الوِحدة، الكثرة تبقى في عالم الكثرة، تبقى في عالم التعلّقات، في عالم الجزئيّات، في عالم التقيّدات، في عالم المادّة، في عالم الاعتبارات، إنّها تبقى في هذه العوالم ولا تتحرّك أو تتقدّم نحو عالم الوحدة، هل التفتم؟! فإذن ما الذي يصعد إلى الله؟ لا شيء.
إنّه يقدّم الأضحية لكنّه لا يشعر بأن حالته قد تحسّنت ولم يحصل عنده أيّ تغيير، لم يحصل له تغيير ولم يشعر بالانبساط والخفّة والرِّقة في نفسه، فلماذا حصل ذلك؟ لأنّ الانبساط والخفة متعلّقان بالنور والبهجة ويأتيان من النور، أمّا أضحيته فلم يكن فيها نور، بل كانت حاملة للتعلّقات والكثرات، والكثرات لا تعطي إلّا الكثرات، ولذا تجد أنّ هذا الشخص لا يحصل على شيءٍ إضافيٍّ جرّاء هذه الأضحية.

    

المثال الثاني: تفطير الصائمين

أو عندما يقوم الإنسان بدعوة الصائمين على الإفطار، وقد ورد عندنا الكثير من الروايات عن استحباب تفطير الصائم، خصوصًا في شهر رمضان، وهي تعده بالأجر الجزيل، بل ورد عندنا أنّه من المستحب تفطير الصائم ولو بشقّ تمرة، وهذا كلّه صحيح. و على هذا الأساس يأتي الإنسان، ويعدّ طعامًا ويدعو بعض الصائمين، ففي البداية يدعو خمسةً، ثمّ عشرةً ثمّ عشرين، ثمّ خمسين، وهكذا يزداد العدد بالتدريج، ويزداد حجم الإفطار حتّى يصير «إفطار السيد الفلاني» ، وهكذا مع مرور السنوات يصير معروفًا بين الناس، فتجد أحدهم يقول للآخر: هل ذهبت إلى «إفطار السيّد» ؟ الحمد لله أنا وفقني الله وذهبت! أسأل الله أن يوفّقك للذهاب في السنة القادمة!
أو يقول: ألم يوفقك الله للذهاب إلى «إفطار السيد فلان» ؟! أمّا أنا فقد وفقني الله وذهبت! فلانٌ ذهب وفلانٌ لم يذهب ... .‌
ما هذه الأمور؟ إنّها جميعًا تخيّلات وكلّها توهّمات!!
وهكذا يستمرّ الإنسان على هذا المنوال حتّى يَتفاجأ في آخر الأمر أن أعماله كلّها صارت للدنيا! صارت من أجل هذا وذاك، وما يقوله هذا أو ذاك! فالأفضل له حينئذٍ أن يترك هذه الأعمال ويتوقّف عن أدائها، فلماذا يضيّع وقته؟! عندما يرى الإنسان أنّ الوضع بهذه الطريقة، فلماذا يقوم الإنسان بهذه الأعمال؟! الأفضل أن يقطع الإنسان هذه الأعمال حتّى لا يزيد الأمر سوءًا.

    

أهميّة العمل هي بالنيّة الكامنة خلف العمل

إنّ المهمّ هو تلك النيّة الكامنة خلف هذا العمل، المهم هو ذلك الهدف الذي من أجله يعمل الإنسان عمله، فعلى الإنسان أن يهتمّ بهذا الأمر حتّى يصل به الحال إلى أن تزول إرادة الإنسان بالكلّية، و لا يبقى له أيّ رغبةٍ أو إرادةٍ، بل هو يحسّ أنّه إنّما يتحرّك ويعمل لأنّ محبوبه يحبّ ذلك ويريده، لا أنّه يعمل امتثالًا للتكليف. إنّه يرى أنّ محبوبه يرضى بهذا العمل، ويعجبه هذا العمل، فيتحرّك نحو ويؤدّيه سواءً جاءه أمرٌ به أم لا.

    

منشأ أعمال الأئمّة والأعاظم وعباداتهم هو التسليم والخضوع والعشق لله

ذات مرّةٍ قرأت موضوعًا كتبه أحد العلماء، ورغم أنّه كان من أهل العلم والفلسفة أيضًا إلاّ أنّني تعجّبت كيف كتب مثل هذا الكلام، حيث يقول فيه:
إنّ الأنبياء والمعصومين عليهم السلام يتوجّه لهم نفس ذلك التكليف الذي يتوجّه لنا نحن.
إنّ هذا الكلام خطأ محضٌ؛ فالأنبياء والمعصومون عليهم السلام قد تجاوزوا مرحلة التكليف وخرجوا منها، فالإمام لا يجلس منتظرًا أن يصله الأمر والنهي من الله تعالى ثمّ بعد أن يصله يمتثل للتكليف، مثلًا يأتيه الأمر في وقت صلاة الظهر أنْ: قم فصلّ، فيقوم ويؤدّي الصلاة، لا بل هو يعدّ اللحظات والثواني لكي يأتيَ وقت الصلاة فيصلّي، يعني: لو أنّ الله تعالى يرفع التكليف، ويقول: لقد رفعت اليوم التكليف بالصلاة؛ فمن شاء فليصلّ ومن شاء فليترك، فعلى كلامكم لن يصلّي الإمام وسيترك الصلاة ، لأنّ التكليف قد ارتفع!
أم أنّ الأمر مختلفٌ بالنسبة للإمام، فالإمام لا فرق عنده سواءً كان هناك تكليفٌ أم لا، إنّ الإمام عليه السلام لا ينتظر مجيء الأمر من الله تعالى لكي يقوم ويصلّي، فالإمام السجّاد عليه السلام ـ مثلاً ـ لا ينتظر أن يقول الله له: لقد أوجبت عليك أيّها الإمام السجّاد أن تقوم الآن وتصلّي صلاة الظهر الآن، وإلّا إذا لم تصلّ فإنّك تستحقّ العقاب!
هذا حالنا نحن، فنحن الذين نبحث عن مهرب ومفَرٍّ من التكليف، نحن نبحث عن طريقةٍ لتقليل التكليف عنّا [يتبسّم سماحة السيد ضاحكًا ويقول:] فلو أمكننا أن نقلّل ركعةً واحدةً، لفعلنا، فنحن نقول: حبّذا لو يحصل لنا سفرٌ فيقلّ عدد الركعات التي يجب أن نصلّيها، و نوفّر ركعتين... .
قيل لأحدهم عندما عاد من السفر: هل حصلت على نتيجةٍ من سفرك؟ فقال: كلاّ لم أستفد من السفر إلاّ أنّني كنت أصلّي قصرًا! فنحن نسعى لتقليل التكليف الذي علينا بأيّ طريقةٍ كانت.

    

كلام السيّد القاضي عن الصلاة نموذج لما يجري في ضمائر الأعاظم

رحمة الله على السيّد القاضي، فقد كان في بعض الأحيان يقول لرفقائه: أنا حزينٌ ومهمومٌ، وخائفٌ من أنّه إذا رفعوا عنّا الصلاة هناك في الآخرة، فماذا سأفعل؟! إذا قيل لنا: لا داعي للصلاة بعد الآن، فماذا سأصنع؟!
أمّا نحن فنقول: اللهمّ لك الحمد والشكر؛ لأنّك أعفيتنا من الصلاة حتّى نشتغل بأمور أخرى!! فالصلاة والصوم وأمثالها لهذه الدنيا، وأمّا في الآخرة فهناك أمور أخرى ينبغي أن ننشغل بها! نعم، هناك تبقى آثار الصلاة والعبادة وبركاتهما ونعمهما!
أمّا السيّد القاضي ـ رضوان الله عليه ـ فإنّه يقول: إذا أخذوا منّا هذه الصلاة هناك، فماذا سأفعل؟ وكيف سأصنع؟ بينما نحن نبحث عن وسيلة لتخفيف التكليف عن ظهورنا!
حسناً، ما الذي يجعل السيّد القاضي يقول هذا الكلام؟ ما هو الحال الذي يحصل له في الصلاة، وبماذا كان يشعر أثناء الصلاة حتّى قال هذا الكلام؟ يعني لماذا لا نقول نحن هذا الكلام ؟! هذا الأمر مهمٌّ وينبغي أن نتأمّل فيه، فمثل هذه الشخصية لا يقول كلامًا هزلًا، فما هو الشعور الذي كان عنده حتّى قاله؟

    

حالة السيّد الحداد عند الصلاة نموذجٌ آخر

واقعًا عندما كنت في خدمة السيّد الحدّاد رضوان الله عليه، كنتُ ألاحظ أنّه عندما كان يقترب وقت الصلاة، سواءً وقت صلاة الظهر أم المغرب، كنت ألاحظ أنّ حالته تبدأ بالتغيّر، يعني: وضعه وحاله يصبحان بشكل خاصّ، فمثلاً في اللحظات الأخيرة قُبيل الأذان كان لا يُكلّم أحدًا، وكان يبدو أنّه في حالة انتظارٍ وترقّبٍ، فهو ينتظر هذه الفرصة لتأتي، لينال من خلال الصلاة ذلك الاتّصال الخاصّ، فعلى الرغم من أنّ الأعاظم كانوا على اتّصالٍ دائماً، إلّا أنّ الاتصال الذي يحصل في الصلاة مختلفٌ، ولذا فإنّه يظلّ منتظرًا و مترقّبًا له.
حسنًا، لماذا نحن لسنا كذلك؟! لأنّ حال هؤلاء يختلف عن حالنا، فمن الواضح أنّهم في حالة مغايرة لحالتنا، إنّ الأعاظم ليسوا في مقام التكليف حتّى يوجّه الله تعالى لهم التكليف، فالتكليف مشتقٌّ من الكلفة، والكلفة تعني الضغط والتحميل والإلزام، فهل كان أمير المؤمنين عليه السلام عندما يصلّي وينقطع إلى الله بحيث لا يشعر بأيّ شيءٍ ـ حوله كما نقلت التواريخ ـ‌ هل كان يصلّي امتثالًا للأمر؟! هل كان يصلّي لأنّ الله تعالى أوجب الصلاة عليه، ولو أنّ الله لم يوجبها عليه لما صلّى؟! هل كان أمير المؤمنين عليه السلام بهذا الشكل؟! إنّ عبادة هؤلاء العظماء لها صورةٌ مختلفةٌ تمامًا، إذ ليس فيها إلّا رغبة المحبوب وإرادته.

    

حالة التسليم عند العلّامة الطهراني لأستاذه السيّد الحدادّ واعتراض البعض على ذلك

لقد ذكرتُ سابقًا في أحد الكتب أو في المحاضرات كلامًا عن المرحوم الوالد رضوان الله عليه، وصار هذا الكلام محلًا للنقد والانتقاد في بعض المقالات، ومن البعيد أن يكون هذا المنتقد جاهلًا بحقيقة الأمر، لذا أعتقد بأنّهم يتحدّثون بذلك انطلاقًا من أغراضٍ أخرى ... ، [والكلام حول] أنّ المرحوم العلّامة كان يقول مرارًا ـ بل في إحدى المرّات ذكر أمامي مباشرةً ـ :‌ «إذا كان أمامي كوبًا نجسًا وأمرني السيّد الحداد بتناول هذا الكوب، فسوف أشربه». هذا هو الأمر الذي ذكره، ولا شكّ فيه أبدًا، بل نفس الحقير كان حاضرًا على هذا الكلام في ذلك المجلس.

    

الإجابة على الاعتراض

جيّد، أوّلًا مَن الذي يقول هذا الكلام؟ ومَن الذي يتحدّث بهذا الحديث؟ الذي يقول ذلك هو شخصٌ غير عادي، فهو ليس بائع سجّادٍ وقماشٍ، بل هو شخصٌ من الناحية العلميّة والإحاطة الفنيّة؛ إن لم نقل بأنّه كان أعلم من العلماء المعاصرين له، فلا أقل كان في مصافّهم من الناحية الظاهريّة. وهي نتيجة يمكن للإنسان أن يصل إليها، وعليه فكلامه هذا ليس من باب لقلقة اللسان ولغو الكلام.
لكن مع ذلك، لماذا ينبغي أن نكون قصيري النظر؟ ونريد أن نبرز أنفسنا وشخصيتنا بهذا الكلام؟ فصحيحٌ أنّه قد طرح هذا الكلام، لكن هل حصل أن طبّقه طوال عمره ولو لمرّةٍ واحدةٍ؟ نسأله: لقد قلت هذا الكلام لأستاذك، حسنًا جدًا، فهل لا بدّ أن يقع هذا حتماً لأنّه قال هذا الكلام لأستاذه؟! هل رأينا طوال عمره الذي بلغ سبعين سنة أنه تناول شيئًا متنجسًا فضلًا عن النجس؟ أبدًا! فإذن لم يحصل مثل هذا الأمر؛ هذا أوّلًا.
وثانيًا: مع من تكلّم بهذا الكلام؟ هل تكلّم مع جناب الكاتب الموقّر الذي كتب المقالة؟ فلو كان قال ذلك لكَ، لكنت قلتَ له في حينها: تفضّل وتناول!
لكنّه قال هذا الكلام لشخص يرى أنّه مثل إمامه في الاطلاع والإشراف على الحقائق، وهو يرى الأمور على حقيقتها، والأمور مشخّصةٌ ومنجّزةٌ بالنسبة إليه. نعم يمكنك أن تشكّك في هذه الجهة وتقول: لا يا عزيزي! تشخيصك هذا خطأ وغيرُ صحيح! عندئذٍ نطرح البحث في ذلك؛ بأنّ تشخيصه هذا هل هو خطأ أم لا. لكنّه لم يقل هذا الكلام لك حتّى تقول له تفضّل وتناول! مثل أن أذهب إلى الصيدليّة وأرى طفلًا في العاشرة من عمره، فأقول له: أعطني أحد هذه الأدوية، فمعدتي تؤلمني! فالطفل ذو العشر سنوات لا يعرف معنى الدواء، فبدلًا من إعطائي دواء المعدة يعطيني دواء للقلب؛ ما إن أتناوله حتّى أتوجّه إلى القبلة [مستقبلاً الموت]. فهل يمكن أن يُطلب الدواء من طفلٍ في العاشرة ؟! أم أنّه يُطلب من الطبيب والصيدلي الذي هناك، فأقول له: معدتي تؤلمني أعطني دواءً! فيعطيني دواءً للمعدة يناسب وضعي وحالتي، وعندها بالفعل حينما أتناوله أتحسّن.
المهمّ أنّه مع من تكلّم بهذا الكلام؟ هل تكلّم بذلك معي ومعك؟ فلو بقينا مائة سنة لن يأتي إلينا يقول لنا [كما قال لأستاذه]: «إذا كان هذا الكوب نجسًا أو متنجسًا وأمرتني بكذا وكذا...» ،‌ لا لن يأتي إليّ ويقول ذلك، ولن يقول لك أيضًا.
فمن كان مخاطبُه في هذا الكلام؟ كان مخاطبه في هذا الكلام أستاذًا باعتقاده هو ـ فإن كان هناك إشكالٌ فهو في هذه الجهة، على الرغم من أنّه لا إشكال في هذه الجهة أيضًا ـ كان يعتقد به أنّ كان مطّلعٌ على جميع الضمائر والأمور والخفيّات، والمسائل وواضحةٌ لديه تمامًا كوضوح النهار، لقد قال لهذا الشخص: إذا أمرتني بتناول بشيء سأتناوله! وقوله هذا لهكذا شخص هو أمرٌ طبيعي وأمرٌ عادي وليس شيئًا مهماً.
نعم لو قال إذا أمرتني بتناول هذا الخبز فسأتناوله! فهل في هذا الكلام شيءٌ مميّزٌ؟ فحتّى لو لم يقل لي سأتناوله. أو لو قال: إذا أمرتني بتناول الماء سأتناوله! فهذا ليس بالقول المهمّ! إذ لا إشكال في تناول الماء! أو قال: لو أمرتني بأكل هذا الطعام سآكله، حسنًا لكن حتّى لو لم تأمرني سآكله، وكلّنا نأكل الطعام! فهذا ليس شيئًا مهماً.

    

حالة التسليم لا تبرز في الأوامر العاديّة والمحبّبة للنفس

 

    

النموذج الأوّل: قصّة إبراهيم مع ابنه إسماعيل.

ما يُبرز مدى إطاعة التلميذ لأستاذه ليس في إطاعته عندما يأمره بتناول الطعام والأرز والماء والتفاح والبطّيخ ...،‌ فهذه كلّها أمورٌ عاديّة ومباحة! وهي لا تبيّن مدى الإطاعة، إنّ الذي يُبيّن مدى الإطاعة هو التسليم المحض مقابل الأستاذ، وبالأخص أستاذٌ كهذا الأستاذ، لا كلّ من ادعى أنّه أستاذ، هذه هي المسألة.
وإذا كان الكلام في أنّ أصل طرح هذه المسألة خطأ من الأساس؛ لأنّه إذا أمره بتناول النجس فقد أمر بالمعصية، والأمر بالمعصية لا يمكن أن يصدر من الإنسان. فإن كان [الاعتراض] كذلك، فماذا تقول بالنسبة إلى الخطاب بذبح إسماعيل، ألم يكن معصيةً؟ فهل قتل الابن أسوأ حالًا، أم تناول المتنجّس؟ أصلًا لا يمكن المقارنة بينهما! فلماذا أمر الله بارتكاب المعصية؟ {قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى‏ فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ}[2]، يعني: رأيت أنّي أقطع رأسك بالسكين، لا أنّي أُلاعبكَ!! فقد أخذت السكين الحادّ القاطع وحززتُ رقبتك. وفعلًا قام بذلك؛ فحزّ رقبته بالسكين، لكنّ السكين لم تذبح، وذاك أمرٌ آخر، {فَانْظُرْ ماذا تَرى‏ قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُني‏ إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرين}[3]، ماذا تنتظر يا أبي؟
حسناً، لم يأتِ أحدٌ ويعترض على النبيّ إبراهيم ويقول: ما هذا الأمر الصادر من الله المخالف للشرع؟ أليس قتل الابن والولد الصغير الذي لم يرتكب ذنبًا، والذي سيكون خليفةً لإبراهيم ... ،‌ أليس قتل الولد مخالفًا للشرع؟! لا شكّ في أنّه مخالفٌ للشرع حتماً ومائة بالمائة، ودون أيّ شبهةٍ في ذلك ...، فلماذا أمر الله به؟ كان بالإمكان أن يأمر الله بأوامر أخرى، فلماذا طلب منه ذبح ابنه إذن؟!

    

بيان لحقيقة الأوامر الامتحانيّة

قد يُقال بأنّ هذه الأوامر هي أوامرٌ امتحانيّةٌ. لكنّ الأوامر الامتحانيّة لا تؤثّر في نفس العمل؛ فالأوامر الامتحانيّة هي كذلك بالنسبة إلى الآمر، أما بالنسبة إلى المأمور فليست امتحانيّة، فإذا كان المأمور يعلم بأنّ ما أُمر به هو أمر امتحانيٌّ فعندها لن يكون قد أتى بشيءٍ مهمٍّ، فأنا أستطيع الاتيان به، وأنت أيضًا. فعندما أعلم بأنّ السكين لن يقطع، وأن الله سوف يعطّلها، فكلٌّ منّا يذهب غدًا ويحزّ رقبة ولده، وكأنّه يحزّها بالقطن؛ لأنّنا نعلم بأنّ الأمر امتحانيٌّ، ونحن على علم بذلك؛ وعليه فلا نكون قد أتينا بشيءٍ مهمٍّ، بل أساسًا لماذا يأتي الأمر؟ إنّ الأمر الامتحانيّ إنّما يكون كذلك فيما إذا لم يكن المأمور عالماً بأنّه امتحانيّ، أمّا لو كان عالماً بذلك فلن يكون هناك امتحانٌ.

    

النموذج الثاني: قصّة الخضر وما قام به من أمور

جيّدٌ، بناءً عليه فلماذا أمر الله بأمرٍ مخالف للشرع؟! ونظائر هذا الأمر كثيرٌ؛ ففي قصّة الخضر وما قام به من أمور ... .
طبعًا إذا كان الإخوة يتذكّرون، فقد طرحتُ هذه المواضيع في السنوات السابقة في ليالي شهر رمضان عند تعرّضنا لمسألة حجيّة فعل وليّ الله.

    

النموذج الثالث: أمر الإمام الصادق لهارون المكّي بدخول التنور

الإمام الصادق عليه السلام أمرَ هارون المكيّ بالدخول في التنور المشتعل نارًا، فهل كان هارون عند دخوله في التنور يعتقد بأنّ النار لن تُحرقه، لو كان يعلم بذلك فلن يكون لفعله أيّةُ قيمةٍ. ولو كنت أعلم لدخلت أنا في التنور؛ لأنّني أعلم بأنّ الإمام الصادق قد منع من إحراق النار، بل كنت سأسبقه في الدخول، حتّى نكون قد امتثلنا أمر الإمام. [لكن سيقال لنا] اجلس مكانك فأنت لا تليق لمثل هذه الأمور، بل هارون المكي هو اللائق.
فهارون إنّما دخل التنور باعتقاده أنه سيتحوّل إلى جمرةٍ، هذا كان اعتقاده! فلماذا أمره الإمام الصادق؟! أليس إهلاك إنسانٍ مؤمنٍ مخالفًا للشرع؟! فلماذا فعل ذلك؟!
وكان ذاك الخراساني قد جاء الإمام وتكلّم كثيرًا معه، فرأى الإمام أنه يتكلّم كثيرًا، وعادةً يتكلّمون كثيرًا، فقال الإمام لا تُكثر من كلامك، فإن كنتَ صادقًا فادخل التنور!
فقال له: ماذا يا ابن رسول الله؟!
قال: بدلًا من كثرة كلامك، قم وادخل التنور!
يا ابن رسول الله ماذا تريد من روحي، فماذا قلتُ لك؟ لقد قلتُ بأنّ لك موالين ومحبّين في خراسان!
إذا كان لديّ محبين فأنت أحدهم، فادخل التنور.
يا ابن رسول الله، أين الرحمة والمروّة؟ لقد تراجعت في كلامي
قال الإمام حسناً، الظاهر أنّك من أهل الكلام فقط.
وفي هذه الأثناء أتى هارون المكي وسلّم، فأجابه الإمام وقال له قبل أن تجلس تفضل وادخل التنور، فهو أكثر دفأً لك.‌
فلم يقل: نعم أو لا أو لماذا؟ بل وضع ما في يديه وذهب مباشرةً إلى التنور ودخل فيه! فتعجّب الخراساني من ذلك!
ثمّ بدأ الإمام يسأله عن أحوال مشهد، في ذلك الوقت لم يكن هناك مشهد، بل سأله عن نيشابور وسبزوار وأطرافها، حيث كان يُطلق آنذاك على تلك المناطق خراسان. والحاصل، أنّه تحدث إليه مدةً، ثمّ قال له: لنرى ماذا جرى لصاحبنا، نظر إليه فرأى أنه كان يلعب بالنار. فقال له الإمام: كم شخصًا يمكن أن نجد في خراسان مثل هذا؟ فقال: لا يوجد أحدٌ كذلك! فقال له الإمام: لو كان لديّ خمسةُ أشخاصٍ مثل هذا لنهضت!
حسنًا، فلماذا إذن يأمر الإمام الصادق بأمرٍ مخالفٍ للشرع؟! لماذا؟ إنّ الإمام لا يأمر بشيءٍ مخالفٍ للشرع، وقد بينّا ذلك سابقًا؛ لأنّ الكلام الصادر من الإمام عليه السلام هو بحدّ ذاته كلام الشرع، وهنا مكمن خطئنا! حيث تخيلّنا الشرع كأمرٍ مستقلٍّ، واعتقدنا باستقلاليّة عالم التكاليف، [وكما يقال[: «إنّ لله أحكامًا يشترك فيها [العالم والجاهل] ... » ، ونظير هذه المسائل التي درسناها لحدّ الآن، ثمّ جئنا وقلنا: على الإمام أن يُطابق كلامه مع هذه الأمور، وأن ينظر إلى مصاديق التكاليف وجزئيّاتها، فيُطابق كلامه مع هذه التكاليف! هذا لا يصحّ أبدًا؛ لأنّ الكلمات التي ينطق بها الإمام والمسألة التي يُنشئها ليست بالشكل الذي ينبغي أن يكون هناك لوحٌ محفوظٌ أو كتابٌ في ذلك العالم، فيأتي الإمام ويُقلّب أوراقه [ليرى هل هذه المسألة متطابقة مع ما هو موجود في ذلك الكتاب]؛ وتجدر الإشارة إلى أنّني تناولت هذا الموضوع سابقًا.

    

الرؤية القاصرة لأحد العلماء عن علم الإمام المعصوم

في أحد الأيّام، كان أحدهم ـ وقد تُوفّي فعلًا ـ يتحدّث عن هذه المسألة، ولا أعلم حقيقةً ما الذي على الإنسان أن يفعله: هل يضحك أم يبكي؟! فكان يقول: عندما يظهر مولانا بقيّة الله أرواحنا له الفداء، سيخلق الله تعالى عمودًا من نور، فيدخل الإمام عليه السلام وسط ذلك العمود، وحينما يأتي الناس عنده من أجل التحاكم إليه في دعاويهم، فإنّه يحكم لهم بالحقّ من دون الحاجة إلى بيّنةٍ أو شاهدٍ؛ وهكذا يكون دأبه! فحينما سيظهر عليه السلام، سيخلق الله تعالى عمودًا من نور يمتدّ من الأرض إلى عنان السماء، نظير قوس قزح! فيضعون كرسيًّا للإمام عليه السلام حتّى يجلس وسط ذلك العمود، فيصطدم به ذلك النور (الذي يُشبه نور الشمس الداخل من النافذة)؛ وحينما يصطدم به ذلك النور، سيتّضح له عليه السلام الجواب عن كلّ سؤالٍ يطرحه أيّ أحدٍ من الناس!! بمعنى أنّه متى ما تنحّى ذلك النور جانبًا، فلن يعود الإمام عليه السلام عالمًا بأيّ شيء؛ فكأنّ جلوسه على هذا الكرسي هو الذي...!! هل التفتّم؟! لقد كان يتحدّث بمثل هذا الكلام مع أنّه كان شيخًا يبلغ من العمر ثمانين سنة!! هذا هو مقدرا معرفتنا بالإمام عليه السلام؟!

    

الشرع ينشأ من كلام الإمام وأوامره

إنّ الكلام الذي يُنشئه الإمام عليه السلام هو بحدّ ذاته شرع، والإمام بنفسه مشرّع، والكلام الذي يأمرك بفعله هو بنفسه تشريعٌ في ذلك الزمان؛ أي إنّه شرّع لك ذلك، ثمّ إنّه لو أتى عليه السلام ونهاك عن نفس ذلك الفعل، فإنّه يكون هنا أيضًا تشريعٌ.

    

أمر الإمام الكاظم لعليّ بن يقطين نموذج على ذلك

لقد قال الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام لعليّ بن يقطين: من الآن فصاعدًا، عليك أن تتوضّأ بوضوء أهل السنّة! فلم يتساءل هذا الأخير في نفسه: لماذا ذلك؟ فأنا شيعي! حيث كان هارون قد بثّ جواسيسه للاطّلاع على أحواله. فما إن وصله الأمر من طرف موسى بن جعفر عليه السلام بأن يتوضّأ وفقًا لوضوء أهل السنّة حتّى امتثل طائعًا للأمر؛ بمعنى أنّه قد شُرّع له الوضوء في ذلك الزمان بتلك الكيفيّة؛ وهنا يأتي السؤال: بحسب الظاهر والاصطلاحات الظاهريّة المدوّنة في الكتب، يُفسّر هذا الأمر بالتقيّة وأمثال هذه الأمور، حسن جدًّا! أنتم تُفسّرون ذلك بالتقيّة، لكن لو أنّ عليّ بن يقطين ذهب في تلك الحالة إلى البيداء، حيث يخلو المكان من أيّ موجودٍ حتّى الطائر، فهل عليه أن يتوضّأ وفقًا لوضوء السنّة أم الشيعة؟ ينبغي عليه أن يتوضّأ بحسب وضوء أهل السنّة! لأنّ الإمام قال له: من الآن فصاعدًا (ولم يقل له حتّى يأتيك خبر لاحقٌ أو لا)، عليك أن تتوضّأ كما يتوضّأ أهل السنّة؛ فإذا ذهب إلى مكان ما في الصحراء، حيث لا يوجد أيّ أحدٍ وليس هناك من راءٍ ولا جاسوس، فلو أنّه توضّأ وفقًا لوضوء الشيعة، فإنّ وضوءه سيكون باطلًا، وصلاته أيضًا باطلة؛ لأنّه خالف أمر الإمام، مع أنّه لا مجال للتقيّة هنا، إذ إنّ التقيّة كانت متصوّرة في بغداد، وفي منزله، حيث كان بوسع هارون أن يطلّع عليه ويرسل إليه جواسيسه؛ والسبب في ذلك هو أنّه سيكون قد خالف أمر الإمام، وهي مسألة لا علاقة لها بالتقيّة.
ونظير ذلك ما لو ذهب إلى غرفته وأغلق عليه الباب، وكان هناك إناءٌ وحوضٌ من الماء، فإنّه بإمكانه أن يتوضّأ من دون أن يراه أيّ أحدٍ، لكن لو أنّه توضّأ بوضوء الشيعة، فإنّ وضوءه سيكون باطلاً؛ لأنّه سيكون قد خالف أمر موسى بن جعفر، ومخالفته عليه السلام هو عمل محرّم؛ فوضوؤه باطل وصلاته باطلة، وعليه فوق ذلك أن يقضي صلاته، هل التفتّم؟! لكن لو مرّت مدّةٌ من الزمان، فقال له الإمام عليه السلام: من الآن فصاعدًا، عليك أن تتوضّأ وفقًا لوضوء الشيعة، ففي هذه الحالة، سيتحقّق تشريعٌ جديدٌ؛ وحينئذٍ، لو اضطرّ في هذه الفترة للوضوء أمام أعين هارون، فإنّ عليه أن يتوضّأ بوضوء الشيعة؛ لأنّ الأمر صدر مقيّدًا بـ (من الآن فصاعدًا)، اللهمّ إلّا أن يقول له الإمام عليه السلام: عندما تكون أمام هارون، عليك أن تتوضّأ بالكيفيّة الأخرى.
فعندما يأمر عليه السلام الإنسان بأمرٍ معيّنٍ، فإنّ المسؤولية ترتفع عنه وتقع في عهدة نفس الإمام عليه السلام؛ فهو الذي يعلم [بحقيقة الأمر]، ونحن لا نعلم. وحينما يأمره الإمام عليه السلام بأن يتوضّأ بوضوء الشيعة، فإنّ عليه أن يتمثل لأمره ولو كان واقفًا أمام هارون، بل وحتّى لو كان في ذلك قطع رأسه! يا للعجب، لقد اكتشفت بأنّك شيعي وأنت تتظاهر أمامي بأنّك... ،‌ سآمرهم بأن يُعدموك الآن! ثمّ يعدموه! فليفعلوا ذلك! لقد كان عمره يبلغ هذا المقدار، وكان مقدّرًا أن يُطيع موسى بن جعفر، ويقف في وجه هارون، ويستشهد! أفهل نحن مطالبون بأن نلهث وراء الحياة الظاهريّة؟! إنّنا ملزمون بأداء التكليف، وبأن نعلم ما هو التكليف الملقى على عاتقنا.

    

عودة للجواب على اعتراض المعترض على تسليم العلامة الطهراني لأستاذه

وعليه، فإنّ كلام هؤلاء الأشخاص الذين يتحدّثون بمثل هذه الأمور باطلٌ من كلتا الجهتين: أوّلاً، نسأل: حينما طرح [المرحوم العلاّمة] هذه المسألة، في حقّ من طرحها؟ لقد طرحها في حقّ شخصٍ له إشرافٌ واطّلاعٌ على جميع الزوايا والأنحاء الوجوديّة، وفي حقّ شخصٍ قال له مرارًا وتكرارًا: لا يفرق عندي السفر والحضر؛ فلو كنت هنا أو في مكان آخر، فإنّك ستكون أمامي! ولا يخفى أنّني سمعته يقول ذلك أيضًا في حقّ بعض الأشخاص، حيث كان يقول لهم: سواءً كنتم هنا أو في مكانٍ آخر، عليكم أن تعملوا وفقًا لظروفكم الخاصّة، وأمّا بالنسبة إليّ، فلا يفرق الأمر!
على كلّ حال، لقد كان أستاذُه شخصًا كهذا، فيقول له: سواءً كنت هنا أم هناك، وسواءً كنت في إيران أم في أيّ مكانٍ آخر، فإنّك لا تخرج عن ناظري! وعليه، فمن المعلوم أنّ شخصًا بمثل هذه الخصائص لن يكون شخصًا عاديًّا.
عندما قيل ذلك هل حدث شيءٌ ما؟ أم أنّه كان فقط لبيان حال التسليم وبيان حال الركون والاعتماد والسكون أمام ما يصل إلى الإنسان من ذاك الطرف. وهنا يدرك الإنسان أنّ العمل والعبادة هي العبادة التي لا دخل للنفس فيها، لا دخل للهوى، لا دخل للإرادة الشخصيّة، والمطلوب فيها هو فقط وفقط حالة الانجذاب إلى المحبوب وحالة تلقّي إرادة المحبوب التي تحصل عند الإنسان.
نسأل الله أن يقسم لنا العبور عن هذه الموانع وأن يرفع الله بنفسه ما يوجب سدّ الطريق، وأن يقوم بكسره.

    

دعاء أبي حمزة الثمالي تجلّي لحقيقة ما يراه الإمام في نفسه قبال الله

عجيبةٌ جدًّا هي فقرات دعاء أبي حمزة، فعندما يقرأها الإنسان يرى أنّ الإمام السجّاد عليه السلام كيف يبيّن العجز الفقر وموقعيّة الإنسان بعباراتٍ مختلفةٍ، فيطرح المسألة بنحو ثمّ يعود إلى الكلام الأوّل ثمّ يعيد المسألة، فكم في هذا الدعاء من الكرّ والفرّ حول هذه المسألة بحيث لا يدع مجالًا للإنسان لكي يقول أنا لا أقدر في هذه النقطة أن أكون عبدًا، فالإمام لا يدع منفذًا أمام الإنسان، والإنسان يرى العبوديّة المحضة في هذه الكلمات وهذه البيانات.
حسنًا، يبدو أنّا أطلنا، وهذا المقدار كاف.
اللهمَّ صلِّ عَلى محمَّد وآلِ محمَّد


[1] ـ سورة الحجّ، الآية 37.‌

[2] ـ سورة الصافات، الآية 102.‌

[3] ـ سورة الصافات،‌ الآية 102.‌

 

      
  

جميع الحقوق محفوظة لـ موقع المتقين www.motaghin.com ويسمح باستخدام المعلومات بشرط الإشارة إلى المصدر.

© 2008 All rights Reserved. www.Motaghin.com


Links | Login | SiteMap | ContactUs | Home
عربی فارسی انگلیسی