معرض الصور المحاضرات صوتيات المكتبة سؤال و جواب اتصل بنا الرئیسیة
 
اعتقادات و كلام أخلاق حکمة عرفان العلمي و الإجتماعي التاریخ القرآن و التفسير
المكتبة > محاضرات آية الله السيد محمد محسن الطهراني > شرح دعاء أبي حمزة الثمالي > شرح دعاء أبي حمزة الثمالي لعام 1436 هـ ق > شرح دعاء أبي حمزة الثمالي لعام 1436 هـ ـ الجلسة 9: الاستقامة شرط السلوك إلى الله

_______________________________________________________________

هو العليم

شرح دعاء أبي حمزة الثمالي لعام 1436 هـ

الجلسة 9:
الإستقامة شرط السلوك الى الله

 

ألقيت في الليلة الخامسة عشرة من شهر رمضان المبارك لعام 1436 هجري قمري.

ألقاها:
سماحة آية اللـه السيّد محمّد محسن الحسيني الطهراني
حفظه اللـه

 

_______________________________________________________________

تحميل ملف البد دي أف تحميل ملف البد دي أف

أعوذُ باللهِ منَ الشيطانِ الرجيم
بسمِ الله الرحمنِ الرحيم
وصلَّى الله على سيِّدنا ونَبيِّنا أبي القاسم محمّدٍ
(اللهمَّ صلِّ على محمّدٍ وآل محمّد)
وعلى آله الطيِّبين الطاهرين واللعنة على أعدائِهم أجمعينَ

هَبْنِي بَفَضْلِكَ وَتَصَدَّقْ عَلَيَّ بِعَفْوِكَ؛ أَيْ رَبِّ، جَلِّلْنِي بِسِتْرِكَ وَاعْفُ عَنْ تَوْبِيخِي بِكَرَمِ وَجْهِكَ.
إلهي ارحمني بفضلك وتصدّق عليّ بالعفو منك، إلهي أفض عليّ سترك واستر عيوبي، وتجاوز عن توبيخي ومعاتبتي بكرمك وعلوّ شأنك.
جاءت عبارة الإمام عليه السلام هذه بعد تلك العبارات التي اعتبر الإمام عليه السلام نفسه ووجوده فيها عدمٌ محضٌ؛ [قال:] بما أنني عدم لا وجود لي يا ربَّ، وبما أنني خاوٍ وفارغٌ، وبما أني عدم في شكل وجود، وبما أنّ وجودي من وجودك، وبما أنّني مسلوب الإرادة والاختيار، وبما أني غير مستقلٍّ بنفسي، وبما أنّ الصفات التي أنسبها إلى نفسي ترجع في الواقع إليك يا ربّ..
فالشخص الذي يكون وكيلاً عن شخص، أو العبد الذي يذهب ليشتري من السوق؛ فيوقّع الشيك بالمال المطلوب، أو يُخرج من جيبه المال ليدفعه نقداً، عندما يرى الناس منه ذلك، يتصوّرون بأنَّه هو مالك هذه الأموال، وأنَّ الحساب المصرفي عائد له، إذ هو الذي يوقّع الشيك، فلا شك أنّه رجل محترم، لذا تراهم يتقرّبون منه، ويتنافسون للتعامل معه؛ حيث رأوا أنَّه يعطي شيكاً ويتم صرفه من قبل المصرف فوراً. لا مثل تلك الشيكات التي يقوم البعض بتحريرها لتصرف بعد شهر، فلا تصرف إلى خمس سنوات، بل الشيك الذي يحرره يتم صرفه فوراً.

    

شرط السلوك هو الالتزام بحدود الأحكام الشرعية

جاءني أحدهم وقال: أريد أن أحضر لديكم وأستفيد من وجودكم؛ فقلت له: لا مانع لديّ من ذلك على الإطلاق، تستطيع الحضور والاستفادة مما يطرح، فلا ممانعة من ذلك.. ولكن بشرط واحد، وهو: إذا أردت أن تقترض مبلغاً من المال من أحدهم، فليكن استعجالك في إرجاع الأموال إلى صاحبها، أشدّ من استعجالك لاستلامها منه، فهل أنت كذلك؟ قال: لا؛ فقلت له: متى ما أصبحت على هذه الكيفيّة، فعند ذلك تفضّل واستفد، فذهب ولم يرجع حتّى يومنا هذا، وقد مضى على هذه القصّة عشر سنوات. جزاه الله خيراً، فعندما لم يرَ نفسه على هذه الحال، قال [في نفسه]: على الأقل لا أزعج السيد وأكون مثل الآخرين الذين يظهرون الموّدة الفائقة، ثم دعنا مما يحصل بعد ذلك.. بل نشير إشارة إلى هذا الموضوع وندع التفصيل فيه.
حسناً! لماذا يحصل ذلك؟! إنّما يحصل بسبب عدم معرفتنا بطريق الله بشكله الصحيح، بل ندّعي ذلك ادّعاءً. أتعلمون متى ينبغي سلوك طريق الله؟ أتعلمون متى يجب وضع القدم في هذا الطريق والعبور عن التعلّقات؟ يتم ذلك عندما لا يصدر من أحدكم كذبة واحدة، وعندما لا يعود يخطر على بالكم حتى التفكير بارتكاب الذنب، وعندما لا تفوتكم صلاة واحدة عن تثاقل وتساهل، وعندما ــ وهذا هو الأمر الأهم ــ عندما لا يصدر من أحدكم أي تخلّف للالتزام بوعودكم وبأداء الأمانة للآخرين، عندما تلتزمون بكلامكم وتعهدكم للآخرين.. عند ذلك يمكنكم أن تتفضّلوا وتبدؤوا بالسلوك. نعم، بعد أن تكونوا قد التزمتم بكل هذا!
نحن ندّعي الوصول إلى الله، والحال أننا لا نزال مقصّرين في أداء الواجبات والابتعاد عن المحرّمات! كم هو عظيم ما نقوم به!! أتلاحظون؟ [يقولون:] لعل الأمور قد وصلت إلى مسامعنا بشكل غير صحيح، أو لعلنا فهمناها بشكل خاطئ! كلا يا عزيزي، بل عندما لا تعود تكذب، ويكون كلامك كلّه صدقاً، وعندما لا يخطر بذهنك خطور باطل.. نعم، نستطيع في هذه المرحلة أن نُغمض قليلاً عن الخواطر الباطلة إن لم يتحقّق الأمر عملياً؛ إذ الإنسان معرّض للخطأ، وإذا لم يخطر على باله أيّ خاطرة باطلة، فسيكون معصوماً، لذا نغض النظر عن هذا الأمر فعلاً. وعندما لا تحب الشرّ لأخيك المؤمن، ولا تتكلم عليه ولا تغتابه ــ هذا بشأن الغيبة، فكيف بالتهمة والافتراء وأمثالها ــ وعندما تكون قد أدّيت ما عليك من الواجبات، وامتنعت عن المحرمات، على أنَّ المحرمات معلومة فهي مذكورة في الرسائل العملية ــ وإن كان الكثير منها لم يذكر فيها ــ ومذكورة في الكتب الأخلاقية، فالمحرّمات معلومة.. بعد أن تكون قد التزمت بذلك كلّه، عند ذلك تعال لنرى كيف يمكنك التخلّص من التعلّق الدنيوي، وعندها تكون قد وضعت قدمك في طريق السلوك، ويكون قد حان وقت الحركة والسير إلى الله، حيث يتوجّب علينا عندها أن نرى ما الذي علينا القيام به، وأي طريق ينبغي أن نسلك، وبأيّ أمورٍ ومبانٍ يجب أن نلتزم ونطبّق عملياً.

    

تنافي السلوك مع نقض العهد وعدم الوفاء بالوعد

من يأتي ليقترض مبلغاً من المال، ويقول سأرجعه بعد شهر أو شهرين؛ ثم يذهب ولا يلتفت وراءه، فذلك ليس بمسلمٍ أساساً، لا أنّه ليس سالكاً، إذ لا مجال للحديث هنا عن كونه سالكاً أم لا! فهو ليس بمسلمٍ من الأساس. ومَن لا يفي بتعهداته، فهو خائن، ولا مواربة في ذلك! غاية الأمر ينبغي أن يكون لدينا إنصاف فلا نلصق أنفسنا بمدرسة العظماء، ولا نقل بأنَّنا كنّا من تلامذة العلاّمة الطهراني، ولا نقل بأنَّنا من أتباع هذه المدرسة، ليكن لدينا هذا المقدار من الإنصاف على الأقل. فذلك الذي يعِدُ أخاه السالك أو غيره بأمرٍ ما، ثم يتوانى عن الإيفاء بعهده، فهو خائن، وإن قام بزيارة الإمام الرضا عليه السلام أو العتبات المقدّسة، فأيّ زيارة تلك! وحتى لو أدّى العمرة شهرياً، أو حجّ البيت أو بات في منى، فأي عمرة وأيّ حجٍ سيكون ذلك. لن ينفعه ذلك بشيءٍ أبداً.

    

شيعة علي من يكون ملتزماً بسلوكه وإن لم يكن مسلماً

واقعاً أقول لكم: لِنرَ ما هو الفرق بيننا نحن المدّعون أننا من أتباع مذهب أهل البيت، وبين ذلك المجوسي الذي يلتزم بوعده حتى ولو كلّفه ذلك حياته! نعم، هكذا يفعل البعض، حيث يلتزم بالوفاء بالوعد الذي وعده وإن كلّفه ذلك حياته، فهو مستعد لأن يُقطع رأسه بدلاً من أن يخلف وعده؟ نعم، ما هو الفرق بيننا وبين ذلك المجوسي أو المسيحي أو اليهودي أو حتّى الملحد الذي لا يؤمن بوجود الله، ولكنَّه يمتلك الشرف والسجايا الإنسانية والغيرة والحميّة، ويكون حريصاً على عدم المساس بشرف الناس وعرضهم وسمعتهم؟ هل نحن من الشيعة حقاً في مسألة الاهتمام بسمعة الناس؟ هل نحن من تابعي عليٍّ حقاً؟ نعم نحن، نحن أصحاب هذا الادّعاء، حيث نعمد إلى ما نراه هنا وهناك؛ فما إن نطّلع على سرّ لأحدهم، حتى نحفظه في ملفٍ إلى أن يحين الوقت المناسب لاستغلاله. فهل يُسمّى من يفعل شيئاً كهذا شيعياً؟ من يطّلع عن طريق بعض الإمكانيات المتاحة أو بأي وسيلة أخرى على خطأ كان قد ارتكبه أحد المسلمين، فيحفظه حتّى يحين الوقت المناسب لإفشائه، هل يطلق على من يفعل ذلك أنه شيعي حقاً؟
والله العظيم، لو أنَّ علياً عليه السلام جاء يوم القيامة وقال هذا الرجل من شيعتي، لما رضيت بعليّ هذا أبداً. ها أنا أقسم بالله العظيم بعدم قبولي به لو فعل ذلك. إنما نقبل بعلي إذا اعتبر أحدهم من شيعته عندما يكون ـ على الأقل ـ قد عمل بالواجبات وانتهى عن المحرمات، فنحن نتنازل هنا عن الإتيان بالمستحبات واجتناب المكروهات، كما نتنازل عن المسائل الأخلاقية، لن نرتقي إلى ذلك الحد، بل سنكتفي هنا بالحدّ الأدنى.
فلو أنَّ علياً الذي نعرفه جاء يوم القيامة ليقول عن ذاك الرجل الذي اطّلع بطريقة ما على نقيصة أو خطأ أو زلّة لمسلم آخر، وحفظها عليه حتّى يحين الوقت المناسب لإفشائها.. لو قال عليّ: إنَّ هذا من شيعتي، لقلت له: أنت لست بعليٍّ الذي ارتضيه إماماً لي! ولي الحقّ في ذلك، ولن يستطيع الإجابة على اعتراضي هذا. نعم، عندما يقول أمير المؤمنين: شيعتي هو والدك! عند ذلك سأسكت؛ إذ هذا الأمر صحيح! ولا اعتراض لي على ذلك. عندما يقول: إنَّ من شيعتي مَن إذا تكلّم بكلام لا يتخلّى عنه ولو قطع رأسه، فسأقول عندها: نعم، أنا أقبل هذا الأمر؛ فعليّ الذي أعرفه وأمير المؤمنين الذي أعتقد به ينبغي أن يكون مَن يتّبعه يتمتّع ـ على الأقل ـ بمثل هذه الصفات؛ بأن يلتزم بما يقوله، وأن يفي بما يعد به، وأن يعمل بما يوقّعه. فإما أن لا يوقّع أساساً ويقول لا يمكنني الالتزام بذلك، وإما أن يوقّع، وعندئذٍ ينبغي أن لا يهنأ بنوم ما لم يعمل بما التزم به. إلا أن تخرج المسألة عن اختياره أساساً، وحينئذٍ سيكون لها حكم آخر، ولكن بحمد الله المسألة ليست كذلك.
جاءني رجلان.. فقال أحدهما: لقد اقترض منِّي هذا الرجل مبلغاً من المال على أن يعيده إليَّ بعد شهرين، وقد مضت سنتان ولم يعده إليَّ. فقلت لذلك الرجل: لِمَ لم تعد إليه أمواله؟ فقال: لم أتمكّن! قلت: وكم هو المبلغ؟ قال: كذا! فقلت له: لو أنَّك أثناء نزولك من هذا الدرج سقطت وانكسرت رجلك إن شاء الله ــ قلت له هذه العبارة إن شاء الله تنكسر ــ وحملت إلى المستشفى، ألن يطلب منك هناك مبلغ أربعة ملايين؟ من أين ستؤمّنها؟ هل ستدفع هذا المبلغ من المال، أو أنّك ستُبقي رجلك مكسورة؟ فلم يجبني بشيء!
أترون؟ فالأمر لا يكون بالشكل الذي لا نستطيع إيجاد حلّ له! بل نحن لا نريد أن نكون أناسًا صالحين! علينا أن نقول ذلك؛ لا نريد الالتزام بما أوصى به العظماء. فلماذا نأخذ بالمراوغة؟ ولماذا نقوم بالفرار؟ ولماذا لا نريد الالتزام بالقوانين؟ صحيح! وهكذا الأمر في جميع المجالات.
ولو أتى أمير المؤمنين عليه السلام يوم القيامة وقال: إن ذلك المجوسي الذي التزم بما تعهّد به، ولم يكن يؤمن بي ــ فقد يكون لا يعلم، أو لم يصل اسمي إلى مسامعه، ولم يتمكّن من التحرّي، وكان من المستضعفين ــ غير أنَّه متقن لعمله، ويفي بالتزامه ووعده، فعندما يفي بتعهده ويلتزم بوعده، ومع ذلك يأتي أمير المؤمنين ويخرجه من صفّ شيعته.. فلن أقبل بعليٍّ هذا! فقد يكون الرجل مجوسياً أو يهودياً أو مسيحياً يؤمن بعيسى بن مريم، غير أنَّه ملتزم بما يتعهّد به، وملتزم بمتطلبات الإنسانية والفطرة السليمة والمباني التي ألهمها الله قلبه، وملتزم بأصول الإنسانيّة وبحقوق الإنسان ــ لا أقصد قوانين حقوق الإنسان التي وضعوها الآن، بل حقوق الإنسان بمعناها الواقعي والإسلامي ــ وملتزم بالقانون، فلا يقول بأنَّ القانون وضع لغيرنا، ومتمسّك بشرف الإنسانية.. فإن كان يلتزم بجميع هذه المبادئ، ومع ذلك يقول عليّ يوم القيامة: هذا عدوٌ لي، وبما أنّه لا يؤمن بي، ينبغي أن يدخل جهنّم! فعندها سأقول: إن كان الأمر كذلك، فأنا لا ارتضي به، ولا أُؤمن بهذا النظام! لماذا؟

    

أمير المؤمنين مع الحق وضد الباطل أينما كانا

لأنَّ أمير المؤمنين رجل حقّ، أمير المؤمنين لم يأتِ ليفتح دكاناً خاصّاً به، بل أتى أمير المؤمنين لإحياء الأصول الإنسانية بين الناس، ولإحياء الفطرة السليمة، ولإحياء العقل والإنسانية والوجدان والشرف بين الناس، لقد جاء أمير المؤمنين لأجل ذلك، ولأجل ذلك قتل أيضاً.
يقول جورج جرداق: قُتل عليٌّ في محراب عبادته لشدّةِ عدلهِ [1]. فأنا أقبل عليّاً هذا الذي يصعد المنبر ويكاد أن يُصاب بالسكتة القلبية عندما يصله خبر إغارة جيش معاوية على أبعد نقطة من نقاط البلاد الإسلامية وانتزاعهم لحجل المرأة المسلمة أو المعاهِدة من رجلها، فلقد كانت النساء تلبس الحجول في ذلك الوقت، حيث قال أمير المؤمنين: «فلو أنّ امرأً مسلماً مات مـــن بعــــد هـــذا أسفاً ما كان به ملوماً، بل كان به عندي جديراً»[2] . فيا للعجب من عليّ هذا! فعندما ننظر إلى عليّ، نقول: لهم الحق فيما يقولون فيه، فكلّ ما يقال في عليٍّ فهو صحيح، وكلّ صفة وصف بها عليّ فهي صحيحة؛ فإن قالوا: هو دون الله وفوق البشر، فكلامهم صحيح؛ وإن قالوا: هو ليس بشراً، فكلامهم صحيح؛ وإن قيل هو إنسان كامل، فهذا الكلام صحيح؛ وإن قيل لا يمكن تصوّر ما هو أرقى منه، ولا يمكن لأيّ عقل أن يصل إليه، فهذا صحيح؛ فكلّ ما يُقال فيه صحيح. لماذا؟
لأنَّنا نرى ذلك يتطابق مع فطرتنا، ونرى عمل عليّ يتلاءم مع ما نعلمه ونشعر به مما أودعه الله فينا؛ ولكن أين نحن من عليّ! فلا يمكن لنا أن ندّعي بأنَّنا من شيعة عليّ ونحن نمتنع عن تسديد الدين ما دام صاحبه لا يطالبنا به، بل نقول دعه وشأنه، فما إن نقول ذلك، نكون قد خرجنا عن خطّ عليّ، وهذا مما لا جدال فيه، وسيقال لنا يوم القيامة: اذهب وقف في صفّ عمر، حيث سيقف عمر كالقرن الشامخ، إذ له كيان مستقل وأتباع ومحبون، وهم ليسوا بالقليلين، بل يوجد إلى ما شاء الله منهم. فعندما تقدِم على عليّ في ذلك اليوم وتقول له: أنا من شيعتك يا علي، فسيقول لك: لا، أنا لا أقبل بك، اذهب وقف في ذلك الصف الخلفي. انظر إلى شيعتي، شيعتي هم هؤلاء الذين تراهم؛ هذا الشاب وتلك الشابة.. هؤلاء الذين اتبعوا الحق وبحثوا عن الحق، هؤلاء الذين اتبعوا فطرتهم، بل حتّى أولئك الذين يكون ظاهرهم ليس كما ينبغي، لكنَّهم يمتلكون قلوباً نقيّة، وينطقون بالحق. فعلى الرغم من أن مظهره ليس مناسباً، لكنَّه منصف وعطوف؛ فإذا رأى مظلوماً يساعده، وإن شاهد مسكيناً أو محتاجاً يمدَّ إليه يد العون. فهؤلاء هم أتباعي، وهم الذين يقفون في صفّي.
أمّا ذلك المدّعي لكونه شيعياً، وهو مع هذا يكذب ويغتاب ويتّهم ويمكر ويُلفّق التهم للآخرين ويفعل ما يحلو له، وبعد ذلك يقول: أنا شيعي وهدفي الحفاظ [على الإسلام]، فسيُقال له: اذهب وقف في ذلك الصف خلف أولئك الأشخاص.. لماذا؟ لأنهم كانوا كذلك.. فأولئك اتّهموا النبي ـ والعياذ بالله ـ بالهذي ومنعوا من جلب القرطاس والقلم إليه، وقالوا: إنَّه يهذي، ولا حجّية لكلامه والحال هذه، بل حسبنا كتاب الله، القرآن يكفينا، فإن كان لدينا القرآن، فلماذا نتّبع كتابة النبي والحال أنّه يريد أن يكتب عند اشتداد المرض عليه، وليس من المعلوم كم سيبقى بعدها على قيد الحياة، فلا حاجة لنا بما سيكتبه. كان يعلم جيداً ما الذي يريد أن يكتبه! فلو كان يريد أن يكتب وصيّة لجنابك بالخلافة، أكنت ستقول ما قلت؟! أفكنت ستقول: حسبنا كتاب الله؟!
عليك أن تجيب عن ذلك يوم القيامة؛ لماذا قلت حسبنا كتاب الله؟ ولماذا لم تسمح للنبي بالكتابة؟ ولماذا لم تدع النبي يكتب ما يريد وما كان في ذهنه؟! عليك أن تدفع ثمن ذلك، عليك أنت وجميع من اتّبعك، نعم جميعكم؛ فستجلبكم الملائكة جميعاً يوم القيامة، فقد تم حجز أماكن لكم، وتم تثبيت أسمائكم وأرقامكم عليها، فهي محجوزة لكم؛ فرقمك يا هذا خمسة وثلاثون، وأنت رقمك كذا وهكذا ستقفون في صفّ منتظم كلّ في مكانه المعدّ له حتّى يتم حسابكم. فستقوم الملائكة بإعطاء كلّ واحد منكم عند خروجه من القبر رقمه الخاص به.. كما يحصل مع أولئك الجنود الذين يتم إرسالهم إلى جبهات القتال، حيث يتم تسليمهم لوحةً تحمل رقماً خاصاً يتم التعرف بها على الجندي بعد مقتله بأنه هو فلان.
فكلّ من يأتي في يوم القيامة يكون معه لوحة تتضمن معلومات عن شخصيته وتابعيته والمكان الذي يجب أن يقف فيه وفي صفّ من سيقف وما رتبته؛ فكل ذلك مثبّت في ذلك القرص؛ وستجلبه الملائكة وتوقفه حيث يجب أن يقف. فسيقول عندها:
إلهي لم أوقفتني في هذا المكان؟
هذا هو مكانك الذي يجب أن تقف فيه.
لقد كان يفترض بي أن أقف في صفّ علي.
خلف عليّ؟! إنَّك تمزح كثيراً، وهذا ليس مكان مزاح. أتريد أن تقف خلف عليّ؟! كلا، لا يوجد مكان فارغ لك، فجميع تلك الأماكن محجوزة. ثمّ لماذا يجب أن تقف في صفّ علي؟!!
لأنَّني كنت شيعياً.
من هم الشيعة؟ هل يمكن أن يكون ذلك الذي يكذب من الشيعة، وهل ذاك الذي يكيل التهم للآخرين مائة مرّة في اليوم، وذلك الذي ينقض عهده، ويقوم بتلفيق التهم للآخرين، هل يمكن أن يكون أولئك من الشيعة؟! فقد يكون أولئك من الشيعة، ولكن شيعة مَنْ يكونون؟ إنَّهم شيعة جناب عمر، فلا يمكن أن يكونوا من شيعة عليّ. أتوافق على هذا الكلام، أم لا؟
نعم أوافق عليه.
فقف مكانك إذاً، فقد تم تثبيت كلّ ذلك في اللوحة التي تحملها.
فقد تم تثبيت جميع تلك الحقائق في ملفه، فهو من أولئك الشيعة الذين يكذبون كذا مرّة في اليوم، ويتّهمون الآخرين، ويرتكبون المعاصي، وينقضون أقوالهم ولا يعيرون أهمية لعهودهم.. فكان ينام مرتاحاً ولسان حاله يقول: ليذهب إلى الجحيم أولئك الذين يتوقعون منِّي أن أفيَ لهم بوعدي، فدعني أنام مرتاحاً. أتلاحظون؟! هؤلاء هم الذين يحسبون أنفسهم من شيعة الإمام الرضا عليه السلام. أمّا الشيعة الواقعيون، فلا يمكن أن يكونوا كذلك، بل تراهم حذرين ومتيقظين.
هنالك الكثير مما يمكن أن يطرح في هذا المجال؛ فهنالك إلى ما شاء الله من القضايا والمسائل التي تحصل هنا. والقاعدة هي كذلك، والقانون هو هذا؛ هناك قانون: ﴿وَ الْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ﴾[3] . المقياس في يوم القيامة على أساس الحق دائماً.. بل ويتم ذلك في هذه الدنيا كذلك، فستأخذ جزاءك في نفس اليد التي عملت بها، وسيتم الحساب في هذه الدنيا، فما بالك بذلك اليوم. نعم، وَ الْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ. لن يُنظر في ذلك اليوم إلى ما كنت تدعو له في الدنيا، ومن هو ذلك الذي كنت تنشر له الدعايات، ومن كنت تتبّع، بل يُنظر في ذلك اليوم إلى عملك كيف كان.

    

الأخطاء التي نرتكبها لا تعود علينا خاصة بل على المدرسة والمذهب والدين أجمع

لقد سمعت قبل مدّة قضية ما، ولم أكن لأصدقها.. فقلت وهل يمكن أن يصل الانحطاط بالبعض إلى هذا الحد؟ ففي المجال الأخلاقي يعتبر هذا سقوط بتمام معنى الكلمة، فهل يمكن أن يحصل شيء كهذا؟ وهل يمكن أن تحصل هكذا قضية؟ وبعد التحقيق بشأنها، تبيّن لي صحة ما أُخبرت به. لا أخوض في تفاصيل الأمر، لكن بشكل عام، لنفرض أنَّ عملاً شائناً قد ارتكب في مكان ما، ولنفرض أنَّ مرتكبه لا ينتمي إلينا، ولا يعيش في هذا البلد، بل هو رجل أجنبي.. ثم ينكشف هذا الأمر، ويُقال له:
لقد ارتكبت عملاً شائناً في ذلك الموقف وعملت ظلماً، وهذا يعتبر عملاً محرماً.
نعم، لقد أخطأت في هذا الموقف.
ماذا؟ لقد أخطأت؟! [وهل يكفي هذا]، بل عليك أن تعتذر وتطلب العفو والسماح، فلقد كنت قد ارتكبت عملاً خاطئاً.
كلاّ، لا ضرورة للاعتذار، فقد كان مجرّد خطأ.
لنفرض بأنَّ أمراً كهذا قد حصل ولم تترتّب عليه أيّة تبعات، فكيف ستكون نظرة ذلك المسيحي أو اليهودي إلينا في هذه الحالة؟ وماذا سيحكم علينا؟ نحن ندّعي نشر مبادئ النبي، وندّعي اتباع دينه، فنحن ندّعي ذلك إذاً، وقد أبلغنا جميع العالم بذلك وسمعه الجميع منَّا، بل وسمعه حتّى الطفل الذي في المهد؛ فقد سمع الجميع منّا ادّعاءنا الدعوة إلى الإسلام وإلى التشيّع واتباع أمير المؤمنين. ألن يقول ذلك الذي سيرى هذا: أهذه هي دعوة نبيّهم؟ أولن يقُل اليهودي ذلك؟ فهذه ليست أحجية عسيرة الحلّ! بل سيقولون هذه هي أخلاق نبيهم! فها قد ارتكب ذنب، ومرتكبه يقول وبكلّ بساطة: لا حاجة للاعتذار، فلم يحصل شيء، بل كان مجرّد خطأ قد حصل! لماذا يحصل ذلك؟
لأنَّنا إن اعتذرنا عن فعلنا، فسيقول الآخرون: لقد ارتكبتَ معصية هنا، واعترفت بارتكابها، وبما أنّك اعترفت بهذا الذنب، فهذا يعني أنه يمكن ارتكابك مثل هذه المعصية. ما الذي سيبقى والحال هذه؟ فما دام ارتكابك للمعصية أمراً محتملاً، كيف يمكنك والحال هذه دعوة الآخرين لطاعتك والاقتداء بك؟ وعندما تُواجَه بارتكابك للمعصية، وتُقرّ بذلك بنفسك.. فكيف ستجري الأمور والحال هذه؟
ولكن الأمر الذي يطرح نفسه في هذا المجال هو: عندما أقوم، أنا الطهراني، بطرح هذا الموضوع في الوقت الحاضر، فإلى أين يصل هذا المطلب؟ وإلى أين يُنسب قولي هذا؟ ألا يربط هذا بجهات أخرى؟ فعندما نريد أن نقوم بعمل معين، علينا أن نأخذ آلاف المسائل بنظر الاعتبار قبل القيام به، فعلى أقلّ تقدير علينا أن نتصرّف بالشكل الذي تعود فيه تبعات أعمالنا تلك علينا نحن، لا على والدنا؛ ذلك الرجل العظيم، فلا تتشوّه سمعته بسبب ما نقوم به نحن من عمل. فلو كان لدينا إنصاف ومروءة، علينا أن نعلن وبصراحة بأنَّنا نحن الذين نتحمّل مسؤولية ما قمنا به، وهذه هي القاعدة، نقول إذا طرحنا المسألة بحيث نسب الأمر إلينا فلا إشكال، ولكن إذا أريد تعميم الأمر ونسبته إلى جهة أعلى، فإن كان هنالك إنصاف، يجب أن نعلن عدم مسؤولية الجهة العليا عمّا حصل، وأنَّ الفاعل هو الذي يتحمّل مسؤولية ما قام به.
أمّا إن لم نقم بذلك، وانعكس هذا الأمر على أصل المدرسة، وعمل على تشويه سمعتها والتشكيك بمصداقيتها.. ألا نكون قد ارتكبنا خيانة والحال هذه؟ بلى نكون قد ارتكبنا خيانة، فهذا مما ليس فيه أدنى شك. فكم ستكون المسؤولية جسيمة؟ وكم علينا أن نكون حذرين في تصرفاتنا؛ بحيث لا نأتي بعمل ينسبه الآخرون إلى هذه المدرسة ويحمّلوها تبعاته؟ فيقال: انظروا إليهم هذا كلامهم وهذا فعلهم وهذا برنامجهم!! فكم ستكون المسألة مهمة حينئذٍ؟! يقوم المرء أحياناً بعملٍ وهو يحسب أنَّه يُحسن الصنع، وهو لا يعلم بأنَّه يُفسد الأمر، فهو يعمل على هدم أساس البناء.
وعليه كيف سيكون الأمر إن قمنا بعمل، وانتسب هذا العمل إلى رسول الله؟ [فسيُقال عندها:] من المعلوم أن نبيّهم على هذه الشاكلة وإمامهم أيضاً! فالأمر في غاية الأهميّة وفي غاية الخطورة، والمسؤولية التي سيتحمّلها الإنسان في هذا الأمر كبيرة جداً. لذا نرى الأمور تُبنى يوم القيامة على أساس الحق؛ والوزن يومئذٍ الحق؛ فيجري الحساب في ذلك اليوم على أساس صحة وسقم العمل، وسيُقال لك: لا شأن لنا بما تدّعيه، بل نريد أن نعرف ما الذي كنت تفعله في الدنيا.. كائناً من تكون!
فنرى بأنَّ يزيد بن معاوية يقتل الإمام الحسين عليه السلام وجميع أصحابه في واقعة كربلاء،
لماذا تفعل ذلك؟
لأنَّه يجب أن يبايعني ويسلم لأوامري!
لماذا عليه التسليم لك؟ وعلى أيّ أساس يجب أن يكون هذا؟ قدّم دليلك حتى يقبله الإمام الحسين.

    

خلود الإمامة هو الذي جعل الإمام الحسين يحترم الصلح الذي أمضاه الإمام الحسن

كيف فعل الإمام الحسين مع عهد الصلح الذي وقّعه الإمام الحسن المجتبى عليه السلام ــ الليلة هي الليلة الخامسة عشر من شهر رمضان وهي ليلة ولادة الإمام الحسن المجتبى عليه السلام، وقد جاء ذكره في هذه المناسبة ــ عندما يُقدم الإمام المجتبى على توقيع الصلح مع معاوية، لم يقم سيِّد الشهداء بأيّ فعل احتراماً للصلح الذي وقّعه أخوه؛ لأنّه وقّع هذا الصلح، والذي يشير إلى تولّي معاوية الحكومة والخلافة ما دام على قيد الحياة، وإن مات تعود الخلافة إلى أهلها. هكذا هو مضمون عهد الصلح الذي وقّعه الإمام ــ وإن كان معاوية قد وضعه تحت قدميه فيما بعد ـ
كان بوسع الإمام الحسين أن يقول: لقد وقّع أخي الصلح عندما كان هو الإمام، أمّا الآن فأنا الإمام وأنا أضع هذا الصلح جانباً؛ فأنا الإمام الآن. وعندما كان الإمام الحسن موجوداً لم أقم بأي عمل ولم أخرج على معاوية، أمّا الآن فأنا الإمام! وما دمت أنا الإمام، يمكنني والحال هذه أن أنقضه. لكنَّ الإمام لم يفعل ذلك؟ لماذا لم يفعله؟
لأنَّ أمر الإمامة أمر ثابت وخالد، فالإمامة لا تقوم بوجود الإمام الظاهري، بل هي قائمة بوجوده الحقيقي والولائي. فالتوقيع الذي وقّعه الإمام المجتبى ليس حجّة في زمان حياته فقط، بل حجّيته قائمة إلى يومنا هذا، وهو حجّة على إمام الزمان عليه السلام؛ يعني لا يمكن لإمام الزمان عليه السلام أن يعمل بما يناقض ما وقّعه الإمام المجتبى عليه السلام قبل ألف وأربعمائة عام، وإن كان الإمام المجتبى قد ارتحل عن هذه الدنيا قبل هذه السنين الطوال. فلم يكن توقيع الإمام المجتبى بيده الظاهرية وقلمه الظاهري، بل تمّ ذلك بواسطة حقيقته الولائية الباطنة، وتلك الولاية لا تقوم على وجود الشخص وحياته، بل هي أمر مستمر؛ فتارة تظهر وتتجلّى بمظهر النبي الأكرم، وتارة بمظهر أمير المؤمنين، كما أنها تظهر بمظهر الإمام المجتبى أو الإمام موسى بن جعفر أو الإمام الرضا أو الإمام الهادي عليهم السلام، والآن هي سارية وجارية بواسطة مظهر الإمام بقيّة الله أرواحنا فداه.
لذا فإنَّ تلك الحجيّة وذاك الملاك وذلك الدليل وهذا الفعل وهذا الظهور والتجلّي ـ وهو الولاية ـ الذي أعمله الله تعالى في عالم الوجود هو بعينه الذي قام به الإمام المجتبى من إعمال الولاية، فهما شيء واحد، ولذا لا يمكن حتّى لإمام الزمان أن يقوم بتغيّيره؛ لأن إمام الزمان هو مُنزِل ومُنفّذ الولاية وهو مُنفّذ أمر ونهي الإمام عليه السلام. وهذا هو السبب في خلود الإمام عليه السلام.
الصلح الذي عقده الإمام الحسين عليه السلام لا يمكن لإمام الزمان أن ينقضه، والتوقيع الذي وقّعه الإمام السجّاد لا يمكن لإمام الزمان أن ينقضه؛ فيقول: هو قد أمضاه في وقته وأنا أنقضه! اللهمّ إلا أن يكون ذلك الإمضاء متعلّقاً بظروف ذلك الزمان خاصة، فهذا أمر آخر. أمّا إذا كان الإمضاء متعلّقاً بأمر مستمر؛ كأن يقول الإمام السجّاد: أنا أقرّر هذا الأمر ويجب أن يبقى إلى يوم القيامة، فحينئذٍ لا يستطيع إمام الزمان أن ينقضه أو يلغيه، وحينما يقول الإمام السجّاد: يجب أن يستمر هذا الأمر، يجب أن يبقى إلى يوم القيامة؛ سواء جاء بعده الإمام الباقر أم لا، وسواء أتى الإمام الرضا أم لا، فكلام الإمام أبدي.
ولهذا السبب تكون الرواية التي تصلنا من الإمام عليه السلام حيّة وأبدية، لا تزول حجّيتها بارتحال الإمام، بل تبقى حتّى يوم القيامة، وما بعد يوم القيامة، فهي باقية ببقاء الله، هذا فيما يتعلّق بكلام الإمام.

    

لا خلود لفتوى المجتهد بل تموت بموته

وأمّا بالنسبة للمجتهد، فلا يكون الأمر معه كذلك؛ ففتوى المجتهد تزول وتنتفي وتبطل بموته، ويجب على المقلِّد الرجوع بعده إلى المرجِع الحي والمجتهد الحي، لماذا؟ لأنَّ المجتهد لا ولاية له، فليس للمرجِع ولاية تكوينية، بل ولايته ولاية اعتبارية؛ منوطة بفهمه، وفهمه على أساس حياته ومعرفته بما يدور حوله من أمور وأحداث، فإن مات فقد توقف علمه واطلاعه على ما يجري، فلا يمتلك عندئذٍ الفهم لكي يتمكّن من استنباط الحكم.
المجتهد الذي يفتي فتوى في الصباح ويغيّرها مساءً، ما يعني ذلك؟ يعني أنّه يقول بأن كلامي لا أبدية له، فاليوم الساعة العاشرة ونتيجة لقراءتي لهذا الكتاب ورجوعي إلى هذا الدفتر وإلى بعض المواضيع توصّلت إلى أمر ما، واعتبر الإمام ـ تنزيلاً ـ بأن كلامه هذا حجّة على مقلديه، يعني حجيّة كلامه حصلت باعتبار من الإمام، لا أن له حجّية ذاتية. أتلاحظون؟ ثمّ عندما تحلّ الساعة العاشرة مساءً، وأراجع كتاباً آخر وأجد فيه رواية تتعارض مع ما توصّلت إليه، وتكون حجّيتها أقوى من الأولى، أبدّل فتواي، وتبطل بذلك تلك الفتوى التي أصدرتها صباحاً، ولا يمكن للمقلِّد اعتباراً من الساعة العاشرة مساءً العمل بموجب الفتوى السابقة، فإن عمل بموجبها، فعمله باطل!
أمّا بالنسبة إلى الإمام فلا، إذ يمكنك أن تعمل بكلام أمير المؤمنين أو بكلام الإمام الصادق أو الإمام الجواد أو الإمام الرضا؛ فبأيٍّ عملت لا فرق، إذ لهم نفس الفتوى ونفس الحكم ونفس الكلام. لكن ذاك [المجتهد] لديه مئة فتوى؛ فالليلة يصدر فتوى وغداً فتوى أخرى وبعد الغد أخرى وهكذا.. ومن الممكن أن يبدّل فتواه عدة مرات خلال أسبوع من الزمان.
سمعت بأنَّ المرحوم السيِّد محمود الشاهرودي كان قد قال لوالدي: يا سيِّد محمّد حسين، أنا أصدر فتوىً في الصباح، وأصدر أخرى في المساء! فأنت الذي تقول هذا بنفسك! فتقول: أنا أصدر فتوىً صباحاً، ثم أصدر غيرها مساء، فما الذي سيفعله ذلك المقلِّد المسكين والحال هذه؟ نعم، عليه العمل على هذا المنوال إذاً. إذا كان الأمر على هذه الحال، كان من الأفضل أن يقوم المرء بترتيب أموره شيئاً ما، وكان عليه أن [يكون حذراً] وكما كان عليه المرحوم السيِّد أحمد الكربلائي، فكان قد أعطى الموضوع حقّه.
كلّما حصل لي التوفيق بالتشرّف بزيارة مسجد السهلة، فأول ما يخطر على بالي هو تلك الحكاية التي نقلها المرحوم العلاّمة عن السيِّد أحمد الكربلائي في مقدمة كتاب التوحيد العلمي والعيني[4] ؛ وهذا يحصل لي تلقائياً، ولا أدري كيف يحصل ذلك، ولعلّه هو الذي يدغدغنا بذلك أو لعل لذلك علّة أخرى، ومهما يكن من أمر فكنا نعيش ذلك الجوّ..

    

تحرّر الأولياء من جميع شوائب عالم الكثرة

واقعاً كم كان [السيد أحمد الكربلائي] حراً متحرّراً من القيود والأغلال والتعلّق الدنيوي، فلم يكن ليستسيغ وجود مقلِّد أو مريد حوله، فكان يعيش مرتاحاً، غير متعلّق بشيء، وليس لديه ما يشغل الآخرين، الذين يشغلون أوقاتهم بكثرة أو قلّة المحيطين بهم، فتراهم ينشرون لافتات الإعلانات والأعلام والرايات هنا وهناك ويعملون الدعايات لدعوة الآخرين إلى مجلسهم الذي سيتحدّث به جناب حجّة الإسلام فلان في المسجد الفلاني من أجل أن يحضر أكبر عدد ممكن من الناس. لقد كان السيِّد مستغنياً عن دعوة الآخرين عن طريق نصب الإعلانات ونشر الدعايات، كان مرتاحاً منها، ومتحرّراً من عوالم الدنيا السبعة.
قال حافظ.. عذراً، تفضّل حافظ قائلاً[5] . قلت مرة في حضور المرحوم العلاّمة: يقول حافظ، فقاطعني وقال لي: ماذا قلت يا سيِّد؟ بل قل: تفضّل الشيخ حافظ الشيرازي قائلاً. فمنذ ذلك الوقت وأنا أقول: تفضّل الشيخ حافظ الشيرازي قائلاً.. غلام همّت آنم... أرأيتم كيف هم أحرار ويعيشون براحة بالٍ، فلو أن عزرائيل جاء الآن في هذه الساعة والتي تبلغ الحادية عشر أو الثانية عشر، وقال: تعال لترحل عن الدنيا، [لقال فرحاً:] الآن وفي هذه اللحظة: أين جهة القبلة ــ فلا بدّ من استقبال القبلة إذاً ــ سريعاً قبل أن يندم عزرائيل ويتراجع عن كلامه، دعني أتخلّص من هذه الدنيا وأرحل لكي أسعد هناك قبل أن يتراجع عزرائيل عن كلامه.
كنت في مكان ما يوماً، وكان هنالك عدد من الأفراد المعروفين، فنقلوا لنا أمراً مضحكاً وقالوا: كنّا في مكان ما، وكان جميع الحاضرين في ذاك المجلس من العلماء، وجرى الحديث هناك عن اكتشاف جديد ــ لا شأن لنا بصحة أو سقم هذا الاكتشاف ــ مفاده أنَّ الإنسان إن استمر أربعين يوماً على تناول عددٍ محددٍ من ثمرات التين وسبع أو تسع حبّات من الزيتون بعد قطفها من الشجرة مباشرة، فسيتم تبديل كافة خلايا وأجهزة الجسم، وسيتمكن الإنسان من التعمير لثلاثمائة إلى ثلاثمائة وخمسين سنة. والملفت للنظر هنا هو أنَّ الحاضرين قالوا وبالإجماع: دعونا نذهب إلى حيث توجد مزارع التين والزيتون لننصب لنا خيمة ونبقى هناك. والغريب في الأمر أنَّه كان هنالك شيخ كبير محني الظهر وهو على وشك الموت، فقال هو الآخر: لننصب لنا خيمة هناك حتّى نعمّر ثلاثمائة سنة.
فيا أيّها المسكين، ما هي إلاّ قدمان تخطوهما وستسقط على الأرض ويجلس الآخرون في مجلس عزائك، فهل هذا هو وقت نصب الخيام؟ ثمّ لو فرضنا بأنَّه نصبت لك خيمة هناك، فماذا بعد ذلك؟ ألكي تعيش ثلاثمائة سنة!! إنَّ المرء ليتعجّب حقاً عندما ينظر إلى طريقة تفكير هؤلاء الناس! فعمرك الآن تسعون سنة يا عزيزي، لقد كان بينهم من هم بعمر التسعين والثمانين عاماً، ولنفرض بأنَّك ستعمّر إلى ثلاثمائة سنة أو حتّى إلى ثلاثة آلاف سنة، فماذا ستكون النهاية؟ ستكون ليلة كهذه الليلة إذاً!! فأنت بعقلك هذا الذي أحاط بما فوق العرش، وبدرايتك التي شملت ما تحت العرش والسماء وبطريقة تفكيرك التي أمضيت فيها تسعين سنة لحد الآن.. فلو أنَّ هذه السنوات التسعين قد أصبحت ثلاثة آلاف سنة، فهذه الآلاف الثلاثة ستنتهي في ليلة مثل هذه الليلة، فما الذي ستفعله حينها؟ أم أنَّك تريد أن تبقى بعدها أيضاً؟ فكم تكون قد كسبت من الفهم والدراية والبصيرة والرشد والترقي والكمال خلال هذه السنوات التسعين؟! كم تكون قد كسبت منها في الواقع؟!
ثم استغرقت في التفكير وقلت في نفسي: لنفرض صحة هذا الأمر وأنَّنا نستطيع التعمير إلى ثلاثمائة سنة، [فما الذي سنفعله في هذه المدة؟] فما عشناه في هذه المدة يكفينا، ووجدت بأنَّ بضعاً وخمسين سنة قد مضت كافية، فكم نريد أن نُعمّر أكثر من هذا؟ أينما ذهبنا وجدنا لون السماء نفس هذا اللون، ووجدنا نفس هذه الشمس وهذا القمر وهذه النجوم. فمهما سنعيش في هذه الدنيا، لن يتغيّر علينا الحال، فلنترك هذه الدنيا ولنرحل لنرَ ماذا يوجد في الجانب الآخر، فهنا لا يوجد شيء. عندما نظرت إلى نفسي قلت: وما الذي يعنيه المزيد من العمر، فثلاثة سنوات كثيرة علينا لكي نقوم بترتيب أمورنا والطلب من الآخرين مسامحتنا، ونقوم بإصلاح ما أفسدناه بإيذائنا لخلق الله، فعلى ما أعتقد أنه يكفي ستة أشهر لهذا الغرض، لنقول بعدها: ها نحن جاهزون يا ربّ. لماذا علينا أن نبقى أكثر من هذا؟ فلا يوجد ما يستوجب ذلك.
هكذا كان المرحوم السيِّد أحمد وهكذا كان العرفاء، فلقد كانوا أحراراً.
غلام همت آنم که زیر چرخ کبود
                             ز هر چه رنگ تعلق پذیرد آزادست[6]

يقول: أنا عبدٌ وتابعٌ لتلك الهمّة التي تجعلني أتحرّر من جميع أنواع التعلّق الدنيوي ومن كلّ ما هو موجود تحت هذه السماء.
فهو متحرّر من جميع ألوان التعلّق الدنيوي سواء منه: الرئاسة أو كثرة الأتباع أو نشر لافتات الدعاية والإعلان أو كثرة من يحضر المجالس؛ فإن حضر مجلسه عشرة آلاف شخص سيكون حاله كما لو حضره عشرة أشخاص، بل سيكون أكثر انشراحاً عندما يحضره عشرة أشخاص، ويقول سأكون مرتاحاً عندما أتكلّم إلى عشرة أشخاص، وإلا سيتحتّم عليّ أن أكون أكثر حذراً ومراقبة لنفسي لئلا تسقط عباءتي عن كتفي، أو لأمور أخرى، فيكفي ثمانية أو عشرة أشخاص..
أسمعُ البعض يتكلّم أحياناً فيقول: كم كان عدد الحضور كبيراً في مجلس فلان، فيتحدّثون دائماً عن العدد. [أما الوليّ فهو] متحرّر من جميع مظاهر التعلّق تلك.

    

حرية الإمام الحسين عليه السلام

انظروا إلى الإمام الحسين.. سواء عنده إن جاء جميع أهل المدينة ليصلّوا خلفه في يوم العيد، أو إن وقف ذلك الموقف ليلة عاشوراء حيث قال لمن حضره في تلك الليلة: إنَّ القوم لا يطلبون غيري، فاذهبوا أنتم إلى حال سبيلكم! والعجيب أن بعضهم كان من المطيعين، فأطاع أمر الإمام سريعاً وانصرف. فكم هو جميل أن يكون الرجل مطيعاً، فعندما قال لهم الإمام: اذهبوا إلى حال سبيلكم، ذهبوا في الحال، [وقالوا] أنت أمرتنا، وها نحن نمتثل لأمرك وننصرف. فجأة يرى الإمام أن من بقي معه ثلاثين أو أربعين رجلاً، ومع ذلك لم يهتزّ موقفه أبداً. فذلك الذي يعلم بأنَّه سيرحل عن الدنيا غداً، ما الذي يتفاوت لديه إن كان معه عشرة ملايين رجل أم عشرة رجال؟ فهو يقول: أنا راحل في الغد، وهذا أمر مكتوب وثابت لا يتبدّل ولا سبيل إلى نقضه؛ وسواءٌ لديّ أبقي معي عشرة ملايين رجل هذه الليلة، أو عشرة رجال، فأنا راحل في جميع الأحوال، ولن يختلف الأمر لديّ شيئاً، فكّروا أنتم بأمر أنفسكم، هل يتوجّب عليكم البقاء أم الانصراف والحال هذه؟ فأنا حرٌّ، ومطمئنٌ وليس لديّ أيّ نوع من أنواع التعلّق الدنيوي؛ ككثرة المقلِّدين والمريدين والدعايات والأموال وحبّ الرئاسة؛ فتلك أمور واهية، ولو وجد ألف منها، فهي بمثابة الصفر لديه، فليس له أيّ نوع من التعلّق بتاتاً.
فمعنى «غلام همّت آنم ...» يعني أنا تابع وأسير لتلك الهمّة وتابع لها، وأنا أتبع ذلك العزم فقط، لا أتبع شخصاً آخر. فإن كان ولا بدّ لي من أن أكون تابعاً لأحد ما في هذه الدنيا، فأنا عبد وغلام وأسير وتابع لتلك الهمّة. تلك الهمّة التي سلبت عنه كلّ تعلّق دنيوي، ولم تُبقِ له إلاّ الله؛ فتلك الهمّة هي التي تستحقّ أن يتبعها الإنسان.
غلام همت آنم که زیر چرخ کبود
                             ز هر چه رنگ تعلق پذیرد آزادست

فالذي يشير إليه بيت الشعر هذا هو معنى الحريّة في الواقع. لذا نرى أنّ العارف يكون حرّاً في جميع أموره، والوليّ الإلهي حرّ كذلك.
الإمام الحسين عليه السلام وسيد الشهداء عندما يوقّع الإمام المجتبى على الصلح يقبل بكلامه.. ويقول: بما أن أخي هو الإمام وهو الذي وقّع الصلح، فتوقيعه يعتبر حجّة عليّ، تمام. نفس الإمام الحسين هذا الذي قاتل يزيد فيما بعد ــ لقد كان حديثنا يدور حول يزيد ــ نفس الإمام الحسين بقي مدّة عشر سنوات في حياة معاوية ولم يُقدِم على أيّ شيء أبداً، بل بقي ساكناً. ألم يكن إماماً في فترة حكومة معاوية؟ كان بإمكانه أن يفعل نفس ما فعله مع يزيد في تلك المدة ويقوم في وجه معاوية، ويقول له: من تكون يا هذا؟! فكان بإمكانه أن يقوم في وجه معاوية وأن يُقتل، فالقتل هو قتل، وهو يحصل بالسيف والحربة؛ فبدلاّ من أن يتمّ ذلك بعد ثلاثة عشر عاماً أو عشرة أعوام، فليحصل الآن! إذ واقعة كربلاء حصلت في السنة الأولى من خلافة يزيد. فقال الإمام: ما دام معاوية قد هلك، فيجب أن تعود الخلافة إلى صاحبها الأصلي، وعليه أنا لا أبايعك يا يزيد! لكن يزيد كان أحمقاً ولم يسمع كلام أبيه، فأبوه كان قد أوصاه بعدم التعرّض للحسين بن علي؛ ولكن يزيد كان أحمقاً في الوقت الذي كان أبوه سياسياً محنّكاً، لقد كان غبياً أحمقاً، وعمل هنا بخلاف ما كان أبوه قد أوصاه به، فقام بالتضيِّيق على الإمام الحسين.

    

استقامة معاوية بن يزيد جعلته من زمرة علي يوم القيامة

والعجيب أن يأتي من بعد يزيد هذا الذي عمل على إيجاد واقعة كربلاء، يأتي من بعده ابنه معاوية بن يزيد، فخلافة يزيد لم تدم أكثر من ثلاث سنوات ثم هلك إلى جهنّم وبئس المصير.. هذا هو والوزن يومئذٍ الحق.. لقد كان معاوية بن يزيد شاباً يافعاً فصعد المنبر ــ ويبدو بأنَّ خلافته لم تستمر لأكثر من شهرين أو شهرين ونصف ــ وقال[7] : يا أيّها الناس، إنَّ هذه الخلافة ليست من حقّنا، فهي خلافة مغتصبه، كان آبائي قد اغتصبوها، وهي خاصّة بأهل البيت وبني هاشم، وها أنا أخلع نفسي عنها، ونزل عن المنبر. ولقد جزعت أمّه عندما بلغها الخبر وقالت: يا ليتني لم ألدك، وليتكَ كنتَ كذا، فقالت كلمة بذيئة. فقال لها: قولي ما شئت أن تقولي، فهذه الخلافة وكما أراها هي خلافة مغتصبة وجميع الشواهد والدلائل تدلّ على هذا، وأنا لا استطيع أن أتحمّل مسؤولية كهذه.[8]
أتلاحظون كيف أنَّ قبر معاوية هذا في الشام قد أصبح محلّاً لزيارة الشيعة وبقية الناس، وهو عبارة عن مبنى صغير يقع خلف المسجد الأموي، وقد زرته بنفسي، وكم كان قبراً نورانيّاً، وقبّلت الباب وقبّلت الضريح، وقد كُتب على ضريحه: هذا قبر معاوية بن يزيد محبّ أهل البيت. فبارك الله فيه ونعم ما صنع. لقد دسّوا له السمّ بعد عدّة أشهر وقتلوه، فاستشهد نتيجة لذلك. فهنيئاً له. فكيف يكون وضع معاوية هذا يوم القيامة؟! وأما أبوه وجدّه، فلا أحد يعرف مكانة آبائه، ولا يعلم الناس أين هو قبر معاوية. كنت قد مررت بالقرب من مزبلة، ولم يكن أحد ليخبرني بأنَّ هذا هو قبر معاوية، فعلمت حينها بأنَّ هذا هو قبره حيث تلقي القطط والكلاب [فضلاتها] عليه، بل ويفعل حتّى الناس ذلك، فقاموا بإغلاق الباب لكي لا يفعل الناس ذلك، فما تفعله الحيوانات يكفي. هكذا هو قبر جدّه وذاك هو قبره. على أنَّ ما سيجري في ذلك العالم شيء آخر تماماً.
والوزن يومئذٍ الحق. سيقول له أمير المؤمنين: لقد خلعت نفسك عن الخلافة؟ لقد أصبت فيما فعلت، لذا فأنت معي يوم القيامة، والأمر في غاية الجدّية لا يقبل المزاح. أما ذلك الرجل الذي من نسله يقول له: لقد وقفتَ بوجه الحقّ، فلن تكون معي يوم القيامة، بل سيكون لك مكان آخر. فهو يقول لبعض ذريته: أنت لست معي، بينما يقول لابن يزيد: أنت معي! هكذا يكون الحقّ. فإن كان أمير المؤمنين حقاً، فلا بدّ أن يتصرّف بهذا الشكل، إذ هذا ما يقتضيه الحق.
لذا، قبل أن نفكّر في ورود طريق الله وقبل الشروع في السير والسلوك والبحث عن تلك المطالب، علينا أن ننظر جيداً إلى أنفسنا، لنرى الحال الذي نحن عليه. فإن كنا لا نزال نكذب فليس لنا الحقّ في البدء بالسير والسلوك، وإن كنا لا نزال نحيك الدسائس لإخوتنا في الإيمان، فليس لنا الحق في الادّعاء بأنَّنا من السالكين، وإن ادّعينا ذلك فنحن من الخائنين. فنحن إن كنا نخطئ في حق الأخ ونتهمه ونغتابه ومع ذلك نضع عمامة على رؤوسنا، كيف يجوز لنا أن ندّعي السلوك؟ بل يجب علينا اجتناب كلّ ذلك. أتلاحظون؟!
كنت أنوي التحدّث عن موضوع ما، وإذا بي أتحدّث عن غيره. فكلّ ما يأتي هو خير. يسألني الإخوة أحياناً عن الموضوع الذي سأتحدّث بشأنه في تلك الليلة، فكنت أقول لهم: ما لم أجلس خلف الميكرفون، لا أعرف ماذا سأتحدث، عندما أجلس وأبدأ بالبسملة، عندئذٍ سيتّضح كيف سينتهي بنا الحديث.
نسأل الله وببركة ويُمن هذه الأيام والليالي المباركة أن يشملنا جميعاً برعايته ويمنّ علينا بإيقاظنا وتنبيهنا، وإيجاد انتفاضة في أنفسنا من أجل إدراك تلك الحقائق التي أوصانا بها العظماء، عسى أن تحصل لنا يقظة خاصة تجاهها؛ ونسأله أن يوفقنا للاستمرار على هذا النهج، وأن يمنّ علينا بمتابعة هدي وطريق أولياء الله.
الّلهمّ صلِّ على محمّد وآلِ محمّد


[1] ـ تنسب بعض المصادر هذا القول إلى جورج جرداق، بينما تنسبه مصادر أخرى إلى جبران خليل جبران. وقد وجدت بأنَّ جورج جرداق كان قد ذكر هذه العبارة في مقابلة أجريت معه قبل وفاته بأشهر. [المترجم]

[2] ـ نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، ص 69، الخطبة 27.

[3] ـ سورة الأعراف (7)، جزء من الآية 8.

[4] ـ القصة مجملًا هي أن الشيخ محمد تقي الشيرازي كان هو المرجع في زمان السيد أحمد الكربلائي، وقد سمع السيد الكربلائي أن الشيخ محمد تقي الشيرازي أرجع الناس له في المسائل الاحتياطية، فكانوا يسألونه: لو أنّك مت أو حدث لك حادث فإلى من نرجع؟ فيجيبهم (ارجعوا للسيد الكربلائي فإني لا أجد أحدًا أرجعكم إليه غيره). فانزعج السيد من ذلك كثيرًا فكتب للمرجع محمد تقي الشيرازي: (يا أيّها الميرزا محمد تقي إن الحكومة في الأمور الدنيويّة بيدكم؛ و إذا ما قمتم بهذا العمل مرّةً أخرى وأرجعتم إليّ أحداً فإنّي غداً في يوم القيامة وفي محضر جدّي رسول الله ستكون الحكومة إلينا آنذاك، فسأشكوكم إليه، وسوف لن أرضى عنكم). كتاب توحيد علمي وعيني(فارسي) ص24،25. ونقل أيضًا قصة أخرى عنه في ص25،وهي : عندما توفي أحد مراجع التقليد في ذلك الزمان اجتمع عدّة من علماء طهران وتجارها وكسبتها إلى السيد أحمد الكربلائي ليقلدوه ـ وكان الناس آنذاك عندما يُجمع أهالي طهران من العلماء والكسبة والتجار على تقليد شخصٍ فإن ذلك الشخص يصير هو المرجع لجميع الشيعة تبعًا لطهران في كل البلدان ـ ولكن السيد أحمد لم يقبل بذلك وقال لهم: (إن كان دخول النار واجب كفائي، فهناك من به الكفاية).

[5] ـ ليس من المستساغ في اللغة الفارسية استعمال كلمة "قال" «گفت» إن كان الكلام يُنقل عن أحد العظماء؛ حيث تعتبر إهانة له، بل ينبغي استخدام كلمة «فرمود» والتي تعني تفضّل قائلاً. وهذا بخلاف اللغة العربية التي لا تميّز بين الحالتين [المترجم]

[6] ـ ديوان حافظ، الغزل 37.

[7] ـ لقد رويت خطبته بعبارات مختلفة منها ما أخرج ابن حجر ـ في بيان موت يزيد ، قال : إنَّ معاوية ابن يزيد قال ـ فيما قال : ومِن أعظم الأُمور علينا علمُنا بسوءِ مصرعه ( يعني أباه يزيد ) ، وبؤسِ مُنقلَبهِ ، وقد قتل عترةَ رسول الله ( صلَّى الله عليه [ وآله ] وسلَّم ) ، وأباح الخمر وخرَّب الكعبة . ولم أذقْ حلاوة الخلافة ، فلا أتقلَّد مرارتها ، فشأنكم أمركم . واللهِ ، لَئن كانت الدنيا خيراً فقد نلنا منها حَظَّاً ، ولئن كانت شرَّاً فكفى ذُرَّيةَ أبي سفيان ما أصابوا منها (الصواعق المحرقة ص134) قال ابن حجَر بعد ذلك : فرحمه الله ، أنصف مِن أبيه ، وعرَف الحقَّ لأهله . وكان ابن حجر قد ذكر أنَّ معاوية الثاني قد قال في أوَّل خُطبته : إنَّ هذه الخلافة حبلُ الله ، وإنَّ جدَّي معاويةَ نازع الأمرَ أهلَه ، ومَن هو أحقُّ به منه ، عليَّ بنَ أبي طالب ، وركبَ بكم ما تعلمون ، حتَّى أتته منيَّتُه فصار في قبره رهيناً بذنوبه . ثمَّ قلَّد أبي الأمرَ ، وكان غيرَ أهلٍ له ، ونازع ابنَ بنت رسول الله ( صلَّى الله عليه [ وآله ] وسلَّم ) ، فقُصِف عُمره ، وانبتر عَقِبُه ، وصار في قبره رهيناً بذنوبه . ثمَّ بكى وقال : مِن أعظم الأُمور علينا علمُنا بسوء مصرعه .. . (الصواعق المحرقة ص134) ثمَّ اختنقته العَبرةُ فبكى طويلاً وعلا نحيبُه ، ثمَّ قال : وصرتُ أنا ثالثَ القوم ، والساخطُ علَيَّ مِن الراضي . وما كنتُ لأتحَّملَ آثامَكم ، ولا يراني الله (جلَّت قُدرتُه) مُتقلِّداً أوزاركم ، وألقاه بتبعاتكم ، فشأنكم أمركم فخُذوه ، ومَن رضِيتُم به عليكم فولُّوه ، فلقد خلعتُ بيعتي مِن أعناقكم ، والسلام . راجع حياة الحيوان للدميري ، ج1،ص88.

[8] ـ قال في كتاب (سمط النجوم العوالي 3:212) ثم نزل [من المنبر] فدخل عليه أقاربه وأُمًّه فوجدوه يبكي ، فقالت له أُمُّه : ليتك كنت حيضة ، ولم أسمع بخبرك ، فقال : وددت ـ والله ـ ذلك ، ثمَّ قال : ويلي ! إنْ لم يرحمني ربِّي . ثمَّ إنَّ بني أُميَّة قالوا لمُؤدِّبه القصوص : أنت علَّمته هذا ولقَّنته إيَّاه وصددته عن الخلافة ، وزيَّنت له حُبَّ عليٍّ وأولاده ، وحملته على ما وَسَمَنا به مِن الظلم، وحسنت له البدع حتَّى نطق بما نطق وقال ما قال !! فقال : والله ، ما فعلته ولكنَّه مجبول ومطبوع على حُبِّ عليٍّ وأولاده ، فلم يقبلوا منه ذلك ، وأخذوه ودفنوه حيَّا حتَّى مات رحمه الله .

      
  

جميع الحقوق محفوظة لـ موقع المتقين www.motaghin.com ويسمح باستخدام المعلومات بشرط الإشارة إلى المصدر.

© 2008 All rights Reserved. www.Motaghin.com


Links | Login | SiteMap | ContactUs | Home
عربی فارسی انگلیسی