معرض الصور المحاضرات صوتيات المكتبة سؤال و جواب اتصل بنا الرئیسیة
 
اعتقادات و كلام أخلاق حکمة عرفان العلمي و الإجتماعي التاریخ القرآن و التفسير
المكتبة > محاضرات آية الله السيد محمد محسن الطهراني > أعياد و مناسبات إسلامية > توصيات محرّم، والنظرة الصحيحة لعاشوراء

____________________________________________________

توصيات محرّم،

والنظرة الصحيحة لعاشوراء

 

_______________________________________________________________

تحميل ملف البد دي أف تحميل ملف البد دي أف

 

    

بعض التوصيات المهمّة الخاصّة بشهر محرّم الحرام ومجالس العزاء

على كل حال، لقد اقترب شهر محرّم، وهو شهر يستطيع الإنسان أن يستفيد فيه بشكل كبير واقعًا، وكلّ واحد من الأيام والسنين والدهور التي تمضي ـ والتي هي من مظاهر الله سبحانه وآثاره ـ له آثارٌ خاصّةٌ على الإنسان، وله خصوصيّات، فالعيد وأيام الفرح لها نوعٌ خاصٌّ من التأثير، والمصيبة لها نوع آخر. فإن نظرنا إلى واقعة كربلاء من جهة المصيبة التي فيها نرى أنّ لها تأثيرًا خاصًا، وأمّا إن نظرنا إليها من جهة الجلال، والعظمة، والبهاء، وكبريائية مقام سيّد الشهداء عليه السلام؛ فسيكون لها تأثير مختلف، فإننا عندما ننظر إلى واقعة سيد الشهداء ونستمع إلى مجلس عزاء سيد الشهداء، هل نقوم بتنزيل الإمام الحسين وتحديده ـ حقيقةً ـ بحدود القتل والطعن، والسهم والرمح، والدماء في الصدر والجبهة؟ هل ننظر إلى الأمر بهذه الطريقة؟ أم ننظر إليها كما يراها حافظ عليه الرحمة؟

    

النظرة الصحيحة لكربلاء وعاشوراء

واقعا رحمك الله يا حافظ، ما [أعظم وأجمل] الذي تقوله؟!
تا شدم حلقه به گوش در میخانه عشق
                             هر دم آید غمی از نو به مبارک بادم

يقول: ( منذ أن أمسيت عبداً ذليلاً على باب العشق، صار يأتيني في كلّ لحظة بلاء جديد، فبارك الله بها مِن عبوديةٍ وبلاءٍ)
هذه هي حقيقة كربلاء، وهكذا يجب علينا أن ننظر إلى الإمام الحسين عليه السلام.. من هذه الزاوية وبهذه النظرة؛ فكلّ سهم يأتي، فإنّه يصعد بالإمام الحسين إلى تلك الجهة، فالإمام عليه السلام يقول له: تعال أيّها السهم، بل زد في سرعة مجيئك، لماذا تؤخّرنا؟! لماذا لا تقطّعني السيوف والأسنّة أسرع من ذلك؟! لماذا تمنعني هذه الأشياء عن العروج إلى ذلك العالم الذي يستحيل لوهمنا وخيالنا وعقلنا أن يصل إليه؟ ومن المحال أن ندرك ماهي الأمور التي يجري تكوينها والأمور التي تريد أن تجلبها كربلاء، فهذا لا يدركه إلا العرفاء وأولياء الله الذين هم على نفس هذا الطريق، فهؤلاء هم الذين يعرفون ما الذي يحصل.
لقد كان الحقير في واقعتين إحداهما كان عمري فيها قرابة سبعة عشر سنة وكانت أيام عاشوراء، فكنت في كربلاء وشاهدتُ حالة العظماء والأولياء الإلهين في كربلاء في تلك الأيام، وقد كنتُ أشاهد تلك الحالة التي تكلّم عنها المرحوم العلّامة في الروح المجرد، فقد كانت دموع المرحوم السيّد الحداد تسيل على خدّيه مثل المطر؛ ولكن بكاءه لم يكن لأجل السهم، لِمَ قد أصاب جبهة الإمام؟ بل كان ذلك البكاء يُنبئ عن حالة الابتهال والتوجّه التامّ لتلك العوالم والأجواء، وتلك المنزلة التي كان يصل إليها سيّد الشهداء بواسطة هذه الأمور [التي هي الطعن والضرب والقتل، وكل واقعة كربلاء] ؛ وكان ذلك الذي وصل إليه ويحصل له بعد إمامته ، فالإمام الحسين أوجد واقعة كربلاء بعد إمامته لا قبل إمامته؛ يعني أحدثها حال كونه إماماً، حال كونه واسطة بين المبدأ الأول والخلق، حال كونه حبل الله المتين، عندما كانت جميع عوالم الوجود بإرادته، فالإمام أوجد هذه الوقائع والأحداث وهو في مثل هكذا موقعيّة ومكانة، فتراه يأتي ويعطي الحرّ بن يزيد الرياحي الماء، ما أعجب تصرفه هذا! فالإنسان يقف متحيّرًا من هكذا فعل! فحتّى الطفل المميّز أو الشاب ذي الخامسة عشر يستطيع أن يميّز ويعرف ما هي النتائج التي ستنتج من هكذا عمل، فـ[بطبيعة الحال]سيقف أمامها ويمنعها، فانظر لما يحدث هذه الأيام في الدنيا وما نفعله نحن هذه الأيام، المسألة واضحة.
ولكنّ الإمام الحسين عليه السلام يسقي الحرّ الماء ويقول له: أوجد واقعة كربلاء. ويُعطي الماء لأصحاب الحرّ وهم موشكون على الهلاك من شدّة العطش، فلو أنّه تركهم لمدّة ساعة واحدة لماتوا لوحدهم، ولم يكن هناك حاجة للحرب و أوزارها. فنأتي نحن والحال هذه ونقول: (آه لقد ضُرب الإمام الحسين بالسيف على جبهته)، في الدنيا كلها يُضرب الناس بالسيوف والرماح على جباههم، فهذا واحد منهم، [أو نقول:] (آه لقد أصاب السهم قلب الإمام الحسين)، ألم يصيبوا قلب حمزة في معركة أحد بالرمح كذلك؟! بلى، قد أصابه ومزّق صدره، وهذا ما يحدث في هذه الدنيا دائماً، يطلقون الرصاصة فتأتي في القلب أو الرأس، و يتقطّعون في الحروب إلى أشلاء وما شابه ذلك؛ ولكن عندما ينظر الإنسان إلى واقعة كربلاء يرى أنّها تحمل وزنًا مختلفًا، لماذا نُنزِل أنفسنا إلى مستوى متدنٍّ؟ لماذا لا نستفيد؟! لماذا لا نستفيد من إزاحة هذه الستائر التي أزاحها لنا الأولياء ـ وقد أزاحوها قليلًا فقط ـ والتوضيحات التي وضّحها العظماء لنا؟! لم لا نستفيد منها لأجل تغيير أنفسنا؟!

    

البكاء على الإمام الحسين سبب لنزول الرحمة ولكنه ليس أعلى المراتب

لا شكّ في أنّ البكاء على الإمام الحسين وذكر مصيبته رحمة؛ إذ "عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة"[1] ، فما بالك بالإمام الحسين، كما أنّ عندنا رواية تقول: من بكى على الإمام الحسين ونزلت دموعه ولو بمقدار جناح بعوضة غفرت ذنوبه[2]؛ ولكننا لا نريد الإمام الحسين لأجل غفران ذنوبنا فقط، بل نريد الإمام الحسين لكي يأخذ بأيدينا، ويوصلنا إلى المكان الذي هو فيه، فلأجل هذا الأمر نريده، لا لكي تُغفر ذنوبنا وحسب؛ نعم عندما تُغفر ذنوبنا سنكون طاهرين وما شابه ذلك، ولكننا نحن لا نريد الإمام لأجل هذا؛ بل نريده حتى يغيّر من فَهمنا ومعرفتنا، لكي يزيد في تعقّلنا، ويجعلنا في ذلك الأفق وتلك المرتبة التي هو فيها، هل التفتم؟ إنّ اختصار مقام الولاية الرفيع والعظيم بهذه المسائل الظاهريّة والعاديّة يحرم الإنسان من الوصول إلى تلك الدرجات؛ نعم، لا شكّ أنّه سينال ثوابًا على كلّ حال ولكن في المراتب الدانية و ستغفر ذنوبه و ما شابه ذلك، فهذا محفوظ في مكانه.
عندما كنت أطالع كتاب الرّوح المجرّد وصلتُ إلى المقطع الذي يصف فيه حالات السيّد الحداد في أيام عاشوراء، وقد رأيتُ حالاته بعيني أيضاً، فقد كنتُ هناك ورأيتُ ذلك، فقد كان يقرأ زيارة عاشوراء يوميّاً بعد صلاة الصبح أوّلًا، ثم بعدها يقول لنا نفس السيد الحداد: (قوموا وشاركوا مع مواكب العزاء هذه وشاهدوها، وعندما تأتي "ركضة طويريج" اذهبوا هناك؛ فللإمام عنايات خاصّة بها، وإن لم تحبّوا أن تشاركوا فيها، فلا أقلّ قِفُوا هناك وانظروا ما هي المسألة) فكان هو بنفسه يحثّنا على المشاركة، ويأمرنا بالمشاركة بتلك المجموعات الموجودة هناك. وعندما كنّا ننظر إلى حالته، كنّا نرى أنه لم يكن متوجّهًا إلى السيف والرمح والسهم؛ بل كان غارقاً في الإمام الحسين!! غارقًا في سيد الشهداء!! ولم يكن ذلك خفيّاً بل كان بيّناً، فالإنسان يفهم أنّه لم يكن متوجّهًا إلى تلك الأمور، فالمسألة كانت واضحة ولا تحتاج إلى كثير تأمّل، التفتم؟ [فالإنسان يفهم ذلك] من كلامه عندما كان يتكلّم عن حالة سيّد الشهداء، وعن المطالب التي كان يقولها عليه السلام لحبيب أو لمسلم، وعندما كان يشرح هذه المطالب ويبيّن معانيها، وما هو مقصود الإمام عليه السلام من ذلك.
أو لماذا لم يأذن الإمام في هذه اللحظة لذلك الشخص أن يذهب للحرب ويستشهد؟ فالشهادة واحدة سواءً كانت الآن أو بعد قليل؛ فلماذا قال له: انتظر. يقول السيّد الحداد: قال له: (انتظر)؛ لأنّ إحساساته في تلك اللحظة كانت هي الغالبة و هي التي كانت تدفعه للشهادة، فأَمره الإمام بالانتظار حتى تخفّ عنده هذه الحالة، وتبرد عنده هذه الإحساسات، فيرتقي هو بنفسه!! فهل يمكن لنا أن نقول بعد هذا : إنّ كربلاء مثل غيرها؟! كما قال البعض: يا حسين إن كنت قد قدّمت "علي أكبرٍ" واحد، فقد قدمنا آلاف "علي الأكبر". وإن كنتَ قد قدّمت "حبيب بن مظاهرٍ" واحد فقد قدمنا آلاف "حبيب ابن مظاهر"!!
هل رأيتم كيف لكلام أولياء الله أن يرتقي بفكر الإنسان ولأيّ حد؟!
فالإمام عليه السلام يقول لذلك الشخص: لا تذهب الآن وانتظر. لماذا؟ لأنّه إمام. فهو بإمكانه أن يقول له: (اذهب)؛ ولكن سيكون نصيبه قليلًا، والإمام عليه السلام يريد منه أن يصل إلى تلك المرتبة وباله مرتاح، ونفسه مطمئنة، لا أن يصل بواسطة غلبة الإحساسات، يعني تغلب إحساساته عليه، [فيقول:] لأن رفيقي "مسلم بن عوسجة" حارب وقُتِل، أنا أيضًا عليّ أن أذهب، وأقاتل. فيذهب ويتقدّم ثم يُقتل بعدها، وهو عاشق للإمام الحسين؛ ولكن ما يريده الإمام الحسين عليه السلام منه أن يكون العشق في محلّه المناسب له، ويكون العقل أيضًا في محلّه، فالأمران جنبًا إلى جنب يؤتيان نتيجة، فلا بد أن يكون هناك تعقّل وعشق، ونشاط، ومطابقة مع خطّة وبرنامج الإمام، وغيرها من الأمور؛ فحينئذٍ، وبعد أن حصلت على هذه الموهبة، فأنت مجاز بالقتال، ولك أن تذهب الآن؛ وأمّا إن ذهبتَ قبل ذلك فإنّك ستكون من الشهداء؛ ولكنّ درجتك ستكون أقل بقليل!
و الحال أنّ سيّد الشهداء عليه السلام إمامٌ، ولا يمكن للإمام عليه السلام أن يقوم بالعمل بأيّ نحو كان؛ لأنّ وظيفته هي أن يهدي كل شخص، فيجب عليه أن يهدي مسلم بن عوسجة إلى ذلك المقام الخاصّ به، وكذلك زهير وبرير، وعليه أن يوصل حبيب أيضًا إلى مقامه الخاصّ به، وكما أن لكلّ واحد منهم مقام خاصّ فله وقت خاصّ به أيضًا؛ بل إنّ هذا في حدود ما وصل إلينا [في الأخبار و التواريخ]، وأمّا ما خفي علينا في واقعة كربلاء، وما هي الأفعال التي قام بها الإمام هناك، وماهي الكلمات التي تكلّم بها؛ فلا علم لنا بها، بل استنتجنا هذا من بعض الكلمات التي وصلتنا من خلال التواريخ، وأرباب السير، والمقاتل، وهذه المسائل.
لقد أخبرتُ الرفقاء بأنّي عندما طالعت "الرّوح المجرد"[3] وجدت أنه ينسجم مع ما شاهدته وفهمته بنفسي؛ ولكن عندما قرأت الصفحة التي بعدها قلت: هذا الكلام ليس كلام العلّامة، فهاتان الصفحتان فيهما مطلبان. فذهبت إليه وقلت له... كلاً، عفواً، بل لم أذهب إليه لأنّه كان قد انتقل إلى رحمة الله ولم أستطع أن أتحدّث معه حول هذه المسألة، فبقي هذا السؤال في قلبي، حيث أنّ قَلَم العلّامة ينسجم مع الكلام الموجود في الصفحة الأولى، وإن كان الكلام في الصفحة الثانية فيه جنبة تُكمّل ما في الصفحة الأولى، ولكن ـ باختصارٍ وبصراحة ـ بقي في قلبي منه شيء، فبنظري أنّ هناك مسألة لم يستطع أن يصرّح بها المرحوم العلّامة؛ يعني ذلك الصعود والعروج الذي كان في بيان ذلك المطلب الأوّل، توقّف ثم بدأ بالتنازل والانخفاض.
ثم بعد مدّة كنت أتحدّث مع أحدهم وفي ضمن كلامه نقل لي أمراً، فرأيت أنّه: ها! لقد حلَلت لي الشبهة التي كانت عندي. وذلك أنّه نقل لي أنّ هناك شخصًا جاء للعلامة وقال له: (يا سيّد، إنّ ما كتبتَه هنا [في الروح المجرّد] لا يحتمله الناس، فمن الجيّد أن تضيف على هذا الكلام بعض التوضيح حتى يصير هذا الكلام مقبولًا للناس ومحتملًا)، فقام العلّامة بإضافة هذا التوضيح الذي في الصفحة التالية، فقلتُ: لقد اتّضحت المسألة الآن، وقد أُجيب على سؤالي.
لم يأتِ هؤلاء العظماء ليكتبوا لنا مقتًلا؛ بل أتوا لكي يرفعوا مستوانا من خلال الاستفادة من هذه الواقعة، ويأخذوا بأيدينا ويرفعوا مستوانا عن المستوى الذي عليه سائر الناس.

    

من توصيات العلامة الطهراني رضوان الله عليه بالنسبة لعاشوراء ومجالس العزاء

حسناً، كان المرحوم العلامة قد أعطى توجيهات بالنسبة لمسائل كربلاء، ومجالس العزاء، والمصائب وما شابه ذلك:
أولًا: كان يؤكّد على مجالس العزاء بين الطلوعين، وكان يقول: (إنّ الفيوضات التي بين الطلوعين، وبالخصوص بالنسبة للعزاء بين الطلوعين، لا توجد في غيره من الأوقات) لا أنّه لا يوجد فيوضات أصلاً لكنّها قليلة، فبين الطلوعين تحصل تلك الفيوضات الخاصّة للإنسان؛ نعم قد يكون الضجيج والأصوات في الليل أو بعد الظهر أكثر، وكذلك اللطم، ولكن ما يحصل للإنسان بين الطلوعين له تأثير أعمق، وذلك ما كان [العظماء] ينظرون إليه ويهتمّون به، فمثلاً بالنسبة لزيارة الإمام الرضا عليه السلام كان يوصي أن: لتكن زيارتك دائمًا بين الطلوعين؛ نعم في بعض الأحيان لا يكون هناك فرصة كافية كأن يذهب للزيارة لمدّة يومين أو ثلاثة ففي مثل هذه الحالة عليه أن يذهب للزيارة متى ما سنحت له الفرصة؛ أمّا في الوقت العادي فإنّ زيارة ما بين الطلوعين لها أثر خاصّ، حتى إنّ هذا الأثر ليس موجودًا في الليل، بل يختص بوقت بين الطلوعين، وقال السيد الحداد أيضًا: رزق الإنسان لذلك اليوم يكون بين الطلوعين. لذلك قال: ينبغي على الإنسان ألاّ ينام بين الطلوعين؛ لأن ذلك الرزق يُقطع عنه أو يُقلّل، والمقصود من الرزق ليس هو الطعام والشراب، بل المقصود منه هو تلك الفيوضات، والحقائق الوجودية النازلة على القلب، والتي تكون مقدّرة للإنسان في ذلك اليوم، وهو ما يسمى بالرزق المعنوي، أو الرزق العلميّ.
حتى أنه قال: من الجيّد للأشخاص أن يقيموا مجلس عزاء في منزلهم ليلة الجمعة أو صبح الجمعة، فقد كان العظماء يؤكّدون كثيرًا على مجلس عزاء سيّد الشهداء، فإنهم يرون بأن التوسّل بسيّد الشهداء مفتاح يفتح لهم باب تلك الأمور التي تهمّهم، وقد نقلوا في كتبهم أو محاضراتهم مسائل حول هذا الموضوع.
وقالوا: من الجيّد أن يعلّق الإنسان بعض السواد في منزله أو في أيّ مكان يكون فيه، مثل: محلّه أو مكان عمله، أو حتى عيادته، فذلك شعار يدلّ على العزاء والحزن؛ حتى يحسّ الأشخاص بذلك في وجودهم، طبعًا كثرة السواد ليست مطلوبة أيضًا، كأن يغطي الأرض والسماء وما بينهما بالسواد!! لا، فإنّ هذا غير جيّد، بل اللّازم هو بحدود المتعارف، فكلّ شيء إنما يكون حسنًا إذا كان متعارفًا، وبمقدار محدّد.
و كان العلاّمة يقول أيضًا: على الرفقاء أن لا يكون عندهم [في هذه الأيام خاصّة] مكسّرات وحلويات وهذه الأمور، فعليهم أن يرفعوها من منازلهم، وألا تكون الهديّة التي يتهادونها بينهم من هذه الأمور؛ نعم يمكن أن يأخذوا معهم فواكه، فلا إشكال في ذلك، فحُرمة هذه الأيام ينبغي أن تراعى، وأن تشاع هذه الثقافة بين الناس، أتذكّر أنه جاء أحد الأشخاص إلى العلامة وكان ذلك اليوم يوم شهادة الإمام الهادي أو الجواد عليهما السلام، وكان قد أحضر معه "گز"[4] للعلامة، وقد كنتُ أنا في القسم الداخلي للمنزل، فقال العلامة: (أَرجع الگز له وقل له: لو أنّ أباك كان قد توفّي فهل كنت لتحضر هذه الحلويات؟!) وقد قال أيضًا أمرًا آخر ولكن .. الخلاصة أنه واجه الأمر بطريقة شديدة جدًا، فأولياء الله والعظماء كانوا يدقّقون في هذه المسائل، وينظرون إليها باهتمام.
ومن المسائل الأخرى أيضًا التي على الإنسان أن يراعيها هذه الفترة، مسألة المجالس، فحضور الشخص لمجالس كثيرة لن يكون مثمرًا وذو فائدة كما ينبغي، فعليه أن يحضر مجلسًا واحدًا أو مجلسين مثلًا، فالأكثر من ذلك ليس ذا ثمرة، أو يحضر مجلسًا في اللّيل ومجلسًا بين الطلوعين إن كان موجودًا، فلا تتصوّروا أنكم كلّما شاركتم في المجالس بشكل أكبر فستستفيضون أكثر، لا فالأمر ليس كذلك، إذ لو فعل الإنسان ذلك [وشارك في كثير من المجالس]، فإنّه سيتعوّد على هذه المجالس وستصبح عاديّة بالنسبة له، والتعوّد على هذه المجالس ليس جيّدًا؛ فعلى الإنسان دائماً أن يحضر في مثل هذه المجالس وذهنه متفتّح، وخاطره مرتاح، حتى يستطيع أن يستفيد منها ويستفيض.
ومن الجيّد على السالك ألاّ يأنس بمجرد استماعه لهذه المطالب ويكتفي بذلك، بل عليه أن يجعل نفسه في أجواء عاشوراء تلك، فهذه المجالس قد أكّد عليها الأئمة فقالوا: (رحم الله من أحيا أمرنا)[5]. فهل إحياؤها هو بمجرّد ذكر المصيبة، مصيبة الإمام الحسين وأنه قُتل، وأن عليًا الأكبر قد قتل، وحصل بكربلاء كذا؟! هذا ليس إحياءً حقيقةً، على الإنسان أن يضع نفسه في ذلك الفضاء وتلك الأجواء، وأن يتخيّل كأنّه في كربلاء، فحينها ما الذي سيفعله؟ وما الذي سيفعله عندما يأمره الإمام الحسين بأمر؟ وما هي ردّة الفعل التي يبديها آنذاك؟ فليجرب ذلك ويشرع بذلك وكأنه الآن في عاشوراء. فبهذه الكيفيّة سيكون للمجالس أثرٌ آخر، وستؤثّر في حالة الإنسان وفي أوضاعه.
طبعًا هناك أمور أخرى مرتبطة بنفس الإخوان والأحبة والأعزة من الفضلاء والمشايخ، فإنهم يعلمون ما عليهم أن يبيّنوا للناس من أمور؛ عليهم أن يبينوا تلك الحقائق التي كانت مصبّ اهتمام الأئمة عليهم السلام. ومن جهة أخرى علينا أننتبه بأنّ مدرسة سيّد الشهداء في مكان رفيع ومنيع جدًا؛ لذا ينبغي أن نحترز من استعمال العبارات والمصطلحات التي قد تكون ثقيلة، وإن كانت تلك المسائل موجودة حقيقة، فيجب أن تكون التعابير التي يستعملها في كيفيّة بيان المقاتل متينة ومحكمة، وأن تكون الاصطلاحات المستعملة متناسبة مع شأن الإمام؛ فعندما كان الحقير في محضر العظماء كالمرحوم الوالد، أو في مسجد القائم عندما كنتُ أستمع إلى العزاء لم أسمع بمثل هذه التعابير، فإن أراد أن يطرحها فليستعمل كلمات مناسبة، ولا داعي لطرحها، فقراءة هذه المقاتل الموجودة كافٍ، ويجعل الناس كأنهم في تلك الأجواء والفضاء، لذا على الأشخاص أن يتأملوا في طريقة بيان المطالب. كما أنّ العلامة كان يقول يجب المطالعة، وأن يكون العزاء بحيث يجعل الإنسان يحسّ بالحادثة وكأنه موجود في تلك الحادثة.
على كل حال مسألة عاشوراء وعشرة محرم لها شأن ومكانة خاصة، ويجب على الإنسان أن يستفيد أكثر ما يمكن من هذه الفرصة التي هيأها الله له، ويستفيض من فيوضات سيّد الشهداء عليه السلام.
إن شاء الله نأمل من الله أن يوفّقنا لإدراك تلك المعارف التي وفّق أولياءه للوصول إليها بشكل أكبر، وأن يثبّتنا ويبقينا على طريقهم.
اللهم صلّ على محمّد وآل محمّد.


[1] ـ بحار الأنوار، ج 90، ص 349.

[2] ـ هناك العديد من الروايات التي في هذا المعنى، منها خبر الفضيل بن يسار عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه قال : (من ذُكرنا عنده ففاضت عيناه، ولو مثل جناح الذباب، غفر الله له ذنوبه، ولو كانت مثل زبد البحر). ومنها خبر أبي هارون المكفوف, قال أبو عبد الله(عليه السلام) في حديث: (ومن ذُكر الحسين عنده فخرج من عينه من الدموع مقدار جناح ذباب كان ثوابه على الله ولم يرضَ له بدون الجنّة) ، و غيرها الكثير. (م)

[3] ـ راجع كتاب الروح المجرّد، ص82 إلى ص96.

[4] ـ وهو نوع من الحلويات الإيرانية. (م)

[5] ـ قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام للفضيل بن يسار: تجلسن وتتحدثون؟ فقال الفضيل: نعم. فقال الإمام الصادق عليه السلام: إن تلك المجالس أحبها، أحيوا أمرنا فإن من جلس مجلسًا يُحيى فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب. انظر كتاب وسائل الشيعة ج10، الباب:66.

      
  

جميع الحقوق محفوظة لـ موقع المتقين www.motaghin.com ويسمح باستخدام المعلومات بشرط الإشارة إلى المصدر.

© 2008 All rights Reserved. www.Motaghin.com


Links | Login | SiteMap | ContactUs | Home
عربی فارسی انگلیسی