معرض الصور المحاضرات صوتيات المكتبة سؤال و جواب اتصل بنا الرئیسیة
 
اعتقادات و كلام أخلاق حکمة عرفان العلمي و الإجتماعي التاریخ القرآن و التفسير
المكتبة > محاضرات آية الله السيد محمد محسن الطهراني > سلسلة محاضرات شرح حديث عنوان البصري > شرح حديث عنوان البصري - من المجلس رقم 201 إلى الأخير > شرح حديث عنوان البصري ـ الجلسة 232: أهمّية الصدق في السير والسلوك

____________________________________________________

هو العليم

شرح حديث عنوان البصري المحاضرة 232

أهمّية الصدق في السير والسلوك

ألقيت ليلة السبت 12 جمادى الثانية العام 1438 هجري قمري

ألقاها:
سماحة آية اللـه السيّد محمّد محسن الحسيني الطهراني (حفظه اللـه)

 

_______________________________________________________________

تحميل ملف البد دي أف تحميل ملف البد دي أف

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلّى الله على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم محمد
وعلى آله الطبيين الطاهرين واللعنة على أعدائهم أجمعين

وأما اللواتي في الحلم: فمن قال لك إن قلت واحدة سمعت عشرًا، فقل إن قلت عشرًا لم تسمع واحدة، ومن شتمك فقل له إن كنت صادقًا فيما تقول فأسأل الله أن يغفر لي، وإن كنت كاذبًا فيما تقول فالله أسأل أن يغفر لك، ومن وعدك بالخنى فعده بالنصيحة والرعاء.

    

دوران أعمال الإنسان حول محور الذات والنفس

وصل بنا الحديث في كلام الإمام الصادق عليه السلام إلى هذه الفقرات، وأنّ جميع هذه المطالب الثلاثة تدور حول هذا الركن وهو ـ كما ذكرنا سابقًا ـ إبراز الأنا والنفس في تعامل الإنسان مع الآخرين في المجتمع؛ فجميع هذه الأمور تدور حول هذا المحور.
وذكرنا بأنّ ما يسعى إليه الإنسان في كلّ عمل يقوم به وفي كلّ كلام يقوله في أيّ مجال أو موضوع، ولا سيّما في المسائل الإلهيّة والدينيّة ـ حيث تصير الأمور أكثر تعقيدًا ودقّة، وتصير المسألة هناك أصعب ـ هو إبراز نفسه وإظهار ذاته.
وهذا ما يمكن أن نراه في جميع الموارد؛ فإن كان الشخص طبيبًا، فهو يريد ـ بالإضافة إلى مداواة المريض ـ أن يبرز نفسه للمجتمع بشكل جيّد، وأنّ: «وصفي للدواء هو الذي شفى ذلك المريض، والحال أنّه كان ينتقل من مكان إلى آخر دون أن يحصل على نتيجة، وأنا الذي وصفت له الدواء الناجع بمهارتي!». وإن كان مهندسًا، فإنّه يسعى ـ بالإضافة إلى تشييد البناء، وأمانته وعدم الخيانة في عمله، والإتيان بعمله بشكل متقن ـ إلى شيء آخر وهو أنّه يريد أن يبرز نفسه للآخرين على أنّه الأفضل؛ [يقول:] «انظروا إلى هذا البناء وهذا الشكل كم هو جميل! وكم هي رائعة ناطحة السحاب هذه! وكم هو عظيم هذا البرج!»، فيكتب عن ذلك في الجرائد والمجلاّت، ويقوم بالدعاية له في الإذاعة والتلفاز.. انظروا إلى هذا البناء والخصوصيّات الموجودة فيه! فهو يريد أن يظهر نفسه وذاته ومكانته.
يا عزيزي، لقد شيّدت هذا البناء، فاذهب إلى حال سبيلك، فماذا تتوقّع أكثر من ذلك؟ فقد أخذت أجرتك وانتهى الأمر! [يقول] كلاّ، بل لا بدّ أن تتّضح هذه المسألة أيضًا.
وكذا الحال بالنسبة إلى التاجر ورجل الأعمال؛ فالجميع يسعى لكي يبرز ذاته، ويضع نفسه في مرتبة، بحيث يبدو بشكل أفضل عند الناس.
رحم الله أحد أصدقاء المرحوم العلاّمة الذين كانوا في السابق، وقد توفي مؤخّرًا في إحدى المدن، أتى إليه وكان ينقل له حادثة جرت معه، حيث كان الوقت في آخر فصل الشتاء، وقبل نهايته بمدّة قليلة، قال له: «ادع لنا، فإنّ وضعنا كذا وكذا»، ومن جملة كلامه قال: أخذ أحد التجار منّي قماشًا شتويًّا ومختصًّا بتلك السنة، بحيث إنّه إذا لم يُبع في هذه السنة، فلن يشتريه أحد في السنة القادمة، حيث تكون موضته قد بطلت، ولن يحصّل تلك القيمة التي له الآن، ولن يشتريه أحد؛ فأخذ منّا الأقمشة، ولمّا بقيت ثلاثة أسابيع من حلول فصل الربيع، أتى إلينا، وأرجع لنا ما لم يكن باعه من تلك الأقمشة، وقال: لم أبع هذه الأقمشة، وهي لك!
يا عزيزي، لقد أخذتها كلّها، فما معنى هذا التصرّف؟!
وكان يقول بأنّه أخذ من لفّة قماش مترين، ومن لفّة أخرى أربعة أمتار، ومن ثالثة ثلاثة أمتار، وقال: لقد تحيّرت في الأمر، ولم أعلم ما الذي عليّ فعله في مثل هذه الحالة!
هذا، مع أنّ ذاك الرجل كان ذا سيماء جليلة، وله لحية، ويحظى بوجاهة بين الناس والتجّار؛ بحيث إنّني ذهبت في ليلة إلى مسجد ذاك السوق ـ لا أعرف اسمه ولا شكّ أنّ الإخوة يعرفونه ـ للصلاة فيه، فرأيت أنّ إمام المسجد لم يأت تلك الليلة، فاتّفق الناس على تقديم هذا الرجل لإمامة الجماعة، فتقدّم وصلّى بهم، فقلت: أنعِم وأكرِم بإمام جماعةٍ بهذا الوضع وهذه الحالة! فقد كان جميع هدفه وهمّته في أن يظهر نفسه ويبرزها أمام الناس بشكل معيّن، حتّى يستطيع أن يفعل ما يحلو له.
وهذه المسألة مشاهدة جدًّا بين الناس والمتحدّثين والخطباء والعلماء، وينبغي علينا جميعًا أن ننتبه إليها، ونأخذها بشكل جادّ؛ لأنّ هذه المسألة ـ كما يقول المرحوم العلّامة ـ من المسائل التي يأتي الشيطان ويتدخّل فيها أكثر ممّا يتدخّل في سائر الحرف والفنون والصناعات؛ فالكلام الذي نتحدّث به من هذا القبيل إذا لم نخن فيه، وأمّا إذا كان فيه خيانة، فقد انتهى الأمر! فالرواية التي ننقلها نحرّف فيها، وهذا الأمر موجود بيننا إلى ما شاء الله، بحيث تكون الرواية بمعنى، فنفسّرها بمعنى آخر، وتكون الآية القرآنيّة بمعنى، فنفسّرها بمعنى آخر؛ وهكذا الأمر بالنسبة للقصص والحكايات، فننقل نصفها ونترك نصفها الآخر، وننقلها بتراء، أو نزيد فيها.. فهذه جميعها تشير إلى أنّ هناك مشكلة بالنفس وأنّ هناك عقبة لم نستطع تجاوزها! وإلاّ، فما هو السبب الذي يدعوك لكي تنقل نصف الرواية وتترك النصف الآخر؟!! لأنّ النصف الآخر ليس بنفعك، فتقرأ النصف الأول، أو تقرأ النصف الثاني فقط، أو تحذف بعض الكلمات منها.

    

قصّة العالم الخائن

قبل فترة طويلة، كنت في ليلة من الليالي في مسجد النبيّ في موسم الحجّ، وكنت جالسًا على السطح بين صلاتي المغرب والعشاء، وكان هناك شخص يخطب في الناس المجتمعين حوله، وكان ينقل عن كتاب سنن أبي داود أو الترمذي بأنّه لا ينبغي أن نستلم الحجر الأسود، بل يكفي أن نسلّم فقط، ونَقَل بأنّ الخليفة الثاني وقف أمامه وقال: أشهد بأنّك لا تسمع ولا تبصر ـ وهناك رواية وقد شاهدتها بنفسي ـ وما يقال عنك ليس بشيء، بل أنت حجر كسائر الأحجار، ثمّ قال عمر مخاطبًا الحجر الأسود: ولولا أنّي رأيت رسول الله يقبّلك لما قبّلتك وما احترمتك!
فقال ذاك الخطيب المغرض هذا الكلام فقط، وعندما انتهى، ذهبت إليه وجلست عنده وقلت له: أيّها الشيخ، من أيّ كتاب نقلت هذه الرواية؟ فقال: من هذا الكتاب، فقلت: هل هذا هو حدّ هذه الرواية، أم أنّ لها تتمّة؟ فما إن قلت له ذلك حتى امتقع لونه واحمرّ وجهه، فقلت له: هل تعرف تتمّتها؟ فلم يجبني! وكان هناك عدّة أشخاص جالسين، فلكي يعرفوا الحقيقة قلت: هذه هي تتمّة الرواية! فقد جاء في سنن الترمذي أو سنن أبي داود (في أحدهما) مباشرةً بعد أن أتمّ (عمر بن الخطّاب) كلامه أنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان حاضرًا هناك، فأتى ووقف مقابل الحجر الأسود، وقال: أشهد أنّك تسمع وترى، وتحفظ ما نشهد به أمامك وتسجّله لتوافينا به يوم القيامة في عرصة الحساب الإلهي، وتشهد لنا بذلك..[1]
فلم يتكلّم بشيء وطأطأ رأسه، فتعجّب الجميع من ذلك، وكيف أنّ هذا الرجل يبلّغ دين الله، ولكن بالكذب والاحتيال، يا عزيزي!
لقد ذكرت هذا الأمر في كل ّموضع..
وبالمناسبة، ففي ليلة أمس، كنت قد تشرّفت بالذهاب إلى الحرم، وجلست عند رأس الضريح، فأتى إليّ أحد الطلبة الذين لديهم سمت حسن، وعفّة ونجابة، وكان يعرفني بينما أنا لا أعرفه، فسألني عن المرحوم العلاّمة رضوان الله عليه، فأجبته، ثمّ قال: انصحني! فخطرت في بالي هذه المسألة، حيث قلت له: أوصيك بأنّك إن كنت في خيمة الإمام الحسين فكن صادقًا، وإن كنت في خيمة عمر بن سعد، فكن صادقًا أيضًا! كن في كلتا الحالتين صادقًا! فتأمّل كثيرًا في ذلك وشكرني ومضى.
قلت: ليس الملاك أن يكون الإنسان في خيمة الإمام الحسين، بل الملاك هو أن يكون صادقًا! في ليلة عاشوراء، ألم ينفضّوا من حوله؟ ألم يكونوا إلى ذلك الوقت في خيمة الإمام الحسين؟!
أيها الأذلاّء، لقد كنتم تأكلون خبز وملح الإمام الحسين من مكّة إلى هنا، وكنتم تقتاتون على مائدة الإمام الحسين، ولم تنفقوا شيئًا من جيوبكم، بل كان ذلك من ماله عليه السلام؛ فكان يطعمكم الفطور والغداء والعشاء، وكنتم تتوقّعون المجيء إلى الكوفة وتأخذوا الحكم وما إلى ذلك.. لكن في ليلة عاشوراء، رأوا أنّ الأمر مختلف، فلن يكون بعد الآن طعام غداء وعشاء، بل غدًا سيكون هناك غداء وعشاء مختلف.. والإمام الحسين لا يكذب والعياذ بالله، فهو إمام وابن رسول الله، فكلامه صادق ولا يُخطئ الهدف أبدًا! فقالوا: انظروا في ماذا كنّا نفكر، وانظروا ما الذي حصل!

    

عظمة الإمام الحسين عليه السلام وكرمه

والإمام عظيم جدًّا، بعكس حالنا نحن؛ فإنّنا إذا أردنا أن نعمل عملاً، تجدنا نستمدّ العون من جميع المنظومة الشمسيّة، وجميع المجرّات.. بينما الإمام الحسين يقول للجميع: اذهبوا! فهو يقوم بعكس ما نقوم به نحن تمامًا.. يقول: لماذا ترغبون بالبقاء معي؟ اذهبوا الآن، فغدًا لا وجود للفطور والغداء، فهذه الأمور هي إلى هذه الليلة فقط، فضلاً عن أنّني كنت أحدّثكم طوال هذه المدّة، وفي موارد مختلفة عن الذي سيحصل، ولكنّكم كنتم تأخذون المسألة بشيء من التساهل! [وتقولون] لعلّ الإمام رأى رؤيا، أو أنّه يريد أن ينقل لنا كلامًا، ومن غير المعلوم ما الذي سيحدث! لكنّهم رأوا في تلك الليلة شيئًا آخر.. رأوا عمر بن سعد يتردّد على خيمة الإمام الحسين، وأنّ حديثهما يدور حول الحرب والسيوف والرماح..
أمّا نحن، فعندما نريد أن نعمل شيئًا للوصول إلى هدف معيّن، فإنّنا نطلب العدد والعدّة، ونريد من الناس أن يأتون ويجتمعوا حولنا، ونستفيد من الوسائل المختلفة.. من الإذاعة والتلفزة والمجلاّت وغيرها، حتّى تسمع جميع الكواكب السماويّة بذلك! لكن عندما ننظر إلى ليلة عاشوراء، نرى أنّ قضيّة الإمام الحسين مغايرة لهذا الأمر تمامًا، فهو يقول: أيّها الناس، اذهبوا وامضوا، فهؤلاء يريدوني أنا فقط، ولا حاجة لهم بكم! أليس لديكم أطفالاً ونساء ولديكم حياة خاصّة؟ فلماذا أنتم هنا؟
هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فبما أنّه يجلس على مائدة إلهيّة لا نهاية لها، وينبغي على الآخرين أن يأتوا أيضًا وينهلوا منها، فإنّه يقول لهم: صحيح أنّني أشرتُ عليكم بالذهاب، ولكن إذا بقيتم، فهناك أيضًا أمور عظيمة، وأنتم أعلم بأمركم! فصحيح أنّنا لا نلجأ هنا إلى الدعاية، لكن في المقابل، قد يأتي شخص ويقول: يا ابن رسول الله لماذا حرمتنا من هذا الفيض؟ ولماذا لم تقل لنا؟ ولو أخبرتنا لأتينا معك، ولو أخبرتنا لنلنا نحن أيضًا من هذا الفيض الأعلى؛ أي لوصلنا إلى أعلى درجة من الكمال والسعادة يُمكن أن يصل إليها الإنسان؛ وهي الشهادة في ركاب الإمام الحسين، وهذا ليس فيه شكّ أو مبالغة.
فلماذا يعيش الإنسان؟ إنّه يعيش سبعين أو ثمانين أو ستّين سنة لأجل هذه اللحظة، لكنّه هنا يكاد يفقد هذه المسألة ويخسرها؛ فعندما يقول له الإمام الحسين: «اذهب!»، إلى أين سيذهب؟ فهو سوف يخسر هذه الفرصة؛ هذا، مع أنّ الناس ليسوا سواء، حيث تجد بعضهم يحبّ الشهادة بحقّ، فالجميع ليسوا من أهل الدنيا والتكالب على الأهواء النفسانيّة، بل يمكن أن يكون أشخاص هنا وهناك يقولون: إلى أين نذهب يا ابن رسول الله؟! تقول لنا: اذهبوا؟! فعندما تقول: أنا لا أريد أن يبقى أحد معي، فهذا كلامك أنت، وهذا يدلّ على عظمتك ومروءتك وشهامتك وكرامتك.. فالإمام الحسين عليه السلام على قدر كبير من الكرامة بحيث أنّ إطلاق اسم "الكريم" عليه قليل؛ يعني أنّ المعنى اللغوي لكلمة "كرامة" مهما علا، فإنّه لا ينطبق عليه، ولا يُمكننا أن نجد في القاموس أيّ معنى ينطبق عليه؛ فهو على درجة من الكرامة بحيث لا يُمكننا نحن أن ندركها، فنحن نطلق عليه الكرامة التي أخذناها من القاموس.. وهو قد فاق مرتبة المجد والعظمة، إلى درجة أنّ العظمة صارت قليلة في حقّه، وأضحى المجد صغيرًا بالنسبة إليه؛ أي أنّ ذلك المعنى للمجد لا يمكن أن ينطبق عليه تمامًا، بل هو في أفق مختلف.. ولقد قال: «اذهب» حتّى لأخيه، وقال له: هؤلاء يريدوني أنا لا غيري! فأنا الإمام وأنا المدّعي، أمّا أنت وإن كنت أخي، لكنّك مثل سائر الناس، وقال ذلك لابنه أيضًا! فلو لم نسمع ذلك، لما أدركنا عظمة الإمام الحسين عليه السلام!
قال لهم الإمام الحسين ذلك، لكي نأتي نحن هذه الليلة ونسمعه، ونرى أيّ أشخاص كانوا في التاريخ؟! وأيّ أشخاص أتوا ومضوا! ومن ينبغي علينا أن نتّخذ أسوة لنا؟! هذه هي القضيّة! أفهل يمكننا أن نتّخذ أيّ شخص أسوة وقدوة لنا؟! وهل يُمكننا أن نقدّم أيّ شخص له ظاهر حسن وسمت جيّد أمامنا ونمشي خلفه؟! كلاّ يا عزيزي! فما معنى: تقدّم ونحن وراءك؟!!
فأيّ نوع من الناس كان هؤلاء؟ لقد أتى أمير المؤمنين، وأتى الإمام الحسن وسيّد الشهداء وسائر الأئمّة، والإمام الرضا.. فعلينا أن نراهم، ونسمع منهم ونفهم مطالبهم، فالله تعالى لم يمنحنا أكثر من حياة واحدة!
كان المرحوم العلاّمة يقول: عندما ذهبت إلى النجف، كان هدفي من الذهاب هو أن أفهم شيئًا! لم أذهب لأكون مقلّدًا؛ فأقول لكلّ من يقول لي افعل كذا: سمعًا وطاعة! ولمن يقول لي لا تفعل: سمعًا وطاعة! بل ذهبت إلى هناك، لأطّلع على حقيقة الأمور، وأفهم ماذا ينبغي عليّ أن أفعل، وأفهم طريق الأئمّة.. فهذه الأمور إنمّا تحصل بالدراسة والمطالعة، فعلينا أن ندرس ونتعلّم ونصبح علماء، وندرك مطالب الأئمّة وكلماتهم.. لا أن نكون إمّعة لكلّ من هبّ ودبّ، ونطيعه في كلّ ما يقول! وإلاّ لبقينا جالسين في منزلنا بطهران الواقع في زقاق "وزير".
فهذا هو سبب مجيئنا إلى قمّ.. فقد حضر عند العلاّمة الطباطبائي رضوان الله عليه سبع سنوات، وهي ليست بالمدّة البسيطة، وقد كان يقول: كلّ ما عندي هو من العلاّمة، فهو الذي وضعني على هذا الطريق، ولو لم أصل إلى العلاّمة ـ وقد ذكر ذلك مرارًا وأشار إليه في كتبه ـ لكنت قد خسرت الدنيا والآخرة! فالعلاّمة أتى وبيّن له، وقال له: أيّها السيّد محمد حسين، إذا أردت أن تعمل في الدنيا، عليك أن تكون هكذا: لا تنظر إلى هنا وهناك، ولا تلتفت إلى المطالب والأماكن المختلفة، وإلاّ فسوف تضيع! إن أردت سعادتك، فهذا هو الطريق، وإن أردت استقامتك، فهذا هو السبيل!
فكان يقول: لقد ذهبت بهذه القناعة إلى النجف، فكان هناك من يقول: تعال إلى هنا، وبعضهم يقول: اذهب إلى هناك، وبعضهم يقول: اذهب للمشاركة في مجلس العزاء الذي يعقده فلان، لكنّه كان يقول: لقد بقيت في النجف سبع سنوات لم أحضر فيها مجلس عزاء واحد، حيث كان العلماء يقيمون مجالس في منازلهم ليالي الجمعة وأيّام المناسبات والشهادات، ومهما طلبوا منه لم يكن يلبّي، ولأجل ذلك لم يكن لديهم نظرة حسنة بالنسبة إليه، فكانوا يقولون عنه بأنّه لا يأتي إلى مجالسهم، فكان يقول من جهته: أنا لم آت إلى النجف لأحضر المجالس، بل أتيت لأدرس! إذا كان لديكم ملاحظات على درسي فأخبروني، ولم يكن أحد يستطيع أن يعترض عليه بشيء في درسه، حيث كان ممتازًا في درسه، [يقول:] أتيت إلى هنا للدراسة، وإلاّ، ففي طهران كانت تُقام مجالس عزاء أكثر من هنا، وكنّا نُشارك فيها. فكان يقول: لقد أتيت إلى النجف لكي أفهم شيئًا! ولكي أحصل على شيء ذي قيمة!
بينما الآخرون لم يكونوا كذلك، بل كانوا يريدون أن لا يحصل لنا شيء، بل يريدون منّا أن نتّبع ما فهموه هم! لكن لم يحصل ذلك، ولهذا السبب حصل انفصال، واختلاف! هل التفتّم؟

    

كرم الإمام عليه السلام يقتضي إشراك كلّ من يرغب في مائدته الإلهيّة الخاصّة

فإذا كان من المفترض أن يبقى سيّد الشهداء عليه السلام غارقًا تمامًا في بحر الإباء والكرامة والعظمة والغنى والاستغناء الذي لديه، ويقول لأصحابه: اذهبوا جميعًا فلا أقبل من أحد أن يبقى معي أبدًا، فما هو ذنب هؤلاء الأصحاب الصالحين أمثال أبي الفضل وعليّ الأكبر وحبيب بن مظاهر ومسلم [حتى يحرموا من هذا الفيض]؟! فقد يقولون: لقد وصلت أنت إلى هذا المقام، لكنّنا نحن لا زالت أيدينا خالية! هنا يأتي الإمام ويعمل بوظيفته ـ من باب كرامته أيضًا ـ وينظر إلى الجميع على أنّهم عياله وأبناءه، فيقول لهم: تعالوا! بما أنّ لديكم استعداد وقابليّة، تعالوا، وأمّا أولئك الذين لا قابليّة لديهم، فليذهبوا! أنت يا عليّ الأكبر بما أنّك تريد، تعال! وأنت يا حبيب بن مظاهر تعال، وأنت يا مسلم بن عوسجة وأنت يا عابس، بل حتّى أنت يا حرّ تعال! وهذا هو مرادي عندما قلت سابقًا: كن صادقًا ولو كنت في معسكر عمر بن سعد.. فأين كان الحرّ؟ هل كان في عسكر الإمام الحسين؟ بل كان في عسكر عمر بن سعد، والجميع يعلم ذلك!
انظروا! فالإمام الحسين يرينا جميع هذه الأمور، ويقول لنا: ليس الملاك أن تكون معي؛ إذ قد تتركني وتذهب ليلة عاشوراء.. انظروا! أنعم به وأكرم! لقد أتى ألف شخص مع سيّد الشهداء من مكّة وهم يحملون الرايات، لكنّ الإمام الحسين كان يضحك في نفسه، ويقول: سنرى ليلة عاشوراء من يبقى؛ فالعبرة بالخواتيم!
ومن جهة أخرى، يأتي الحرّ ويعترض الإمام الحسين، وتحصل معه تلك الأمور، لكنّ الإمام يضحك ويقول له: لا علم لك بالذي سيحصل لك.. فلا يخبره بذلك، لكنّه يقول له [بلسان الحال]: سآتي بنفسي إلى هناك، وسأمسك بطوقك! فحينما كان الحرّ واقفًا في الصباح، وإذا به يبدأ بالتفكير: يا ويلتاه...! فمن الذي أخطر في ذهنه ذلك؟! إنّه الإمام الحسين! فبما أنّك تعاملت بأدب في ذلك الموقف ، فإنّني سآخذ بيدك في هذا الموقف. وحينما يأتي الحرّ، يقول له الإمام الحسين: «كأنّك لم تفعل أيّ شيء! وكأنّه لم يحصل أيّ شيء أبدًا!»
فما أعلاه هذا الكرم! بل إنّه كرم لا حدّ له ولا منتهى، فلا يليق أن نقول بأنّه أعلى.. أفهل إنّ لكرم الله تعالى وعظمته حدّ ونهاية؟! وإلاّ لو كان لهما حدّ أعلى، لكان الله تعالى محدودًا؛ فالإمام الحسين عليه السلام هو بهذا النحو، فعظمة الله ومجده وجلاله وبهاؤه ورحمته الواسعة وعفوه اللامتناهي قد ظهرت كلّها في وجود سيّد الشهداء، وتجلّت فيه بمستوى التجلّي الذي يُقال له التجلّي الأعظم؛ وعليه، يكون من اللازم على الإمام الحسين أن يأخذ بأيدي الناس، وإلاّ، فإنّهم سيعترضونه يوم القيامة، ويقولون له: لماذا لم تسمح لنا بالوصول إلى هذا الفيض العظيم؟! فأنت كريم وغنيّ، ونحن نعترف بهذا، ولكن ماذا عنّا نحن المساكين والأشقياء؟ وما الذي ينبغي علينا فعله في هذا الموقف؟ لماذا لم تهتمّ لحالنا؟ لماذا لم تجعلنا في بالك؟ لماذا لم تُشركنا في هذه المائدة؟
وهنا، حينما ننظر إلى الأولياء، نجدهم ـ ويا للعجب ـ يتحدّثون بالكلام ذاته؛ فحينما كنّا في زمان المرحوم العلاّمة، كنّا نسمع منه نفس هذه الكلمات، فكان يقول: يا عزيزي، لقد بسطنا هذه المائدة، لكنّ أحدًا لا يأتي! وهذا عجيب جدًّا! فنحن فرشنا هذه المائدة، فلماذا لا تأتون وتجلسون عليها؟! لماذا لا تفتحون عقولكم؟ لقد ألّفنا سبعين كتابًا، فتعال وطالعها، وستكتشف أنّها تحوي كلّ ما تحتاجه، وأنّها تتضمّن تلك المسائل التي تبحث عنها؛ وهذا كلّه يعني الدخول في خيمة سيّد الشهداء.

    

الملاك في السير والسلوك هو الصدق

بل حتّى لو كنت في خيمة عمر بن سعد، لكن بما أنّك صادق، فإنّهم سيأخذون بيدك، لكن بشرط أن تكون صادقًا؛ فقد كان عددٌ من الأفراد ينتمون إلى جيش عمر، لكنّهم التحقوا في ليلة عاشوراء [بالإمام الحسين عليه السلام]، فقد رأو أنّه: يا للعجب، ما هذا الذي يُقال عن هؤلاء، وأنّهم يفعلون كذا وكذا، وأنّهم ارتدّوا عن الدين؟! إنّهم يُؤدّون صلاة الليل، وأصواتهم تصدح بقراءة القرآن، فما هذا الذي يُقال عنهم؟! فجلسوا مثنى ورباع، وبدؤوا ينظرون إلى أولئك فى الناحية الأخرى يحتسون الخمر، ويرتكبون المعاصي، و...، فبما أن نيّاتهم كانت صادقة، فإنّ شرارة ستضربهم، لتشعل النار في كيانهم، وتُحرق كلّ تلك الجهالات والأوهام والاعتباريّات [التي كانوا يعيشون فيها].. أفلا ترون أنّ النار حينما تلمس القطن، فإنّها تُحرقه بأجمعه، وتُحوّله إلى رماد، فلا يبقى منه أيّ شيء...
وحينما يحترق كلّ شيء؛ عندئذ، يحقّ لك أن تأتي عند سيّد الشهداء؛ أي عندما لا يتبقّى أيّ شيء، ولا يظلّ لك أيّ منفذ تتعللّ به [لكي لا تلتحق بسيد الشهداء] كأن تقول: وا ويلاه، سوف يحصل لي كذا هنا! وا ويلاه، سوف أُبتلى بالمصائب هناك! وا ويلاه، إنّ لي زوجة وأولادًا! وا ويلاه، ماذا سيحلّ ببستاني وأملاكي؟! وا ويلاه، ما هو مصير متجري؟! فجميع هذه التعلّقات ستحترق، وتنعدم، وتصير هباءً منثورًا، ليبقى هو لوحده فريدًا في هذه الدنيا، من دون أن يملك فلسًا واحدًا من المال؛ وكأنّه لم تكن له زوجة وأولاد، ولم يكن ربَّ أعمال وتجارات، ولا صاحب أملاك وعقارات.. لا شيء من ذلك! فيغدو وحيدًا فريدًا؛ وحينئذ، أين سيمكنه الذهاب؟ إلى خيمة الإمام الحسين!! لأنّه ليس له مكان آخر يذهب إليه!
يقول الإمام الحسين: عندما تأتيني، عليك أن تكون تاركًا لكلّ شيء، وليس عندك أيّ شيء، [عليك أن تأتي وأنت خال من كل التعلّقات]؛ فعليك ألاّ تفكر بمالك الموجود في البنك، ولا تفكّر في كم ستخسر عند مجيئك، وأمّا إن بقيت عندك هذه الأمور، وبقيت مهتمًّا بها فسيقال لك: اذهب، واهتمّ بهذه المسائل! فعليك حتى تكون معنى أن تصير مثلنا! فنفس الإمام الحسين عليه السلام يقول: لقد تخلّيتُ عن كلّ شيء، وخرجتُ من المدينة.. أفلم يكن عليه السلام يمتلك عقارات وأراضي؟ لكنّ كلّ هذه الأملاك انتهت حينما خرجتُ من المدينة، حيث ودّعتُ المدينة بما فيها من أهل وأقرباء وأصحاب وجيران، وذهبتُ؛ فمن كان يريد أن يأتي معي، فعليه أن يأتي بهذا النحو، وبهذه الحالة والشعور؛ وعندئذٍ سيقبلونه، وسيضيّفونه، وما أعظمها من ضيافة تلك التي يقوم بها سيّد الشهداء!!
في بعض الأحيان، كانت تفلت من المرحوم العلّامة بعض الكلمات، وأتذكّر في إحدى جلسات الجمعة التي كانت تعقد في المنزل، أنّه قال: كان الإمام عليه السلام جالسًا مع بعض أصحابه الخواصّ والثابتين والراسخين في ولائهم، فكان جالسًا عليه السلام، فطرقوا عليه الباب.
فقال لهم: تفضّلوا بالدخول.
فقالوا له ـ وكانوا قد أدركوا بعض الحقائق، وتوصّلوا إلى بعض الأسرار ـ: عندنا طلب منك.. نريدك أن تمنّ علينا ببعض المطالب الأخرى التي تفوق ما تفضّلت به علينا سابقًا.
فقال لهم عليه السلام: اقبلوا بما قيل لكم حتّى الآن، واذهبوا واعملوا به، ولا تهتمّوا الآن بالمطالب والمسائل الأعلى.
فقالوا له: كلّا! بل نريد أمورًا أخرى ولن نرضى منك بهذا القدر.
فقال لهم الإمام عليه السلام: حسنًا، فليأتِ واحد منكم الآن، وانظروا ما الذي سيحدث له، وبعد ذلك، فليأت آخر!
فذهب أحدهم إلى داخل إحدى الغرف، ولمّا رجع إليهم، رأوا بأنّه في حالة من الذهول ولا يستطيع أن يتكلّم، ولا يُعلم ما الذي به، فخافوا وقالوا له: واحدٌ منّا يكفي، ولا نريد أن نذهب نحن أيضًا! فما هي الأمور التي واجهه الإمام بها؟! الظاهر أنّه كشف له عن نزر يسير من تلك الحقائق.
بعد ذلك، قال المرحوم العلاّمة: على الإنسان أن لا يترك طلبه [وعليه ألاّ يتراجع]؛ بل عليه أن يقول للإمام الحسين: أنا سآتي. فعندما يرى الإنسان بعض الأمور، عليه ألاّ يخاف؛ لأنّ الإمام الحسين عليه السلام لن يقوم بعملٍ غير مناسب؛ فصحيح أنّهم رأوا ذلك الرجل بهذه الحالة، ولكنّهم لا يعلمون ما الذي حصل معه؛ فلا ينبغي على الإنسان أن يتخلّى عن المسألة؛ فالذين وصلوا إلى المراتب العالية، إنّما وصلوا إليها بهذا النحو من الجرأة؛ فعلى الإنسان أحيانًا أن يُلقي بنفسه في البحر؛ لأنّ البقاء على الساحل لا يوصل الإنسان إلى أيّ مكانٍ، بل يتحرّك فقط بهذه الحدود.
حسنًا، لقد صارت الساعة الثامنة والنصف، وقد تعبتُ.. كان المرحوم العلّامة عندما يتعب، يقول في بعض الأحيان: لقد انتهى وقودي!
على كل حالّ، إن شاء الله يكون ذلك خير، فالهدف هو أن نأتي ونتكلّم عدّة كلمات مع بعضنا البعض ونمرّ عليها، ونرى ما هي حال هذه الدنيا، وما هي حال المراتب العالية.

    

أهمّية الترقّب لمجيء شهر رجب في استجلاب الفيوضات الإلهيّة

إنّ شهر رجب بات قريبًا، وهو شهر عجيبٌ؛ فرجب هو ذلك الشهر الذي ينتظره الإخوة والرفقاء والسلاّك ويترقّبونه، فالواحد منّا إذا ذكر شهر رجب قبل بضعة أشهر كان يقول: أجل، لقد بقي أربعة أشهر على مجيء شهر رجب، ثمّ بعد مرور بعض الوقت يقول: ها قد بقيت ثلاثة أشهر، ثمّ بعد ذلك يقول: لقد بقي شهران، وهكذا، كنّا نعدّ الأيام بانتظار هذا الشهر المبارك. هذا، مع أنّنا من المحرومين والذين لا نصيب لهم، اللهمّ إلاّ أن يمنّ الله علينا ببركة أنفاس الإخوان والرفقاء؛ فالمأمول منهم ألاّ يكونوا ممّن يأكل لوحده، فعندما يحصلون على شيء، فعليهم أن يتقاسموه [مع إخوانهم ]، فأكل الإنسان لوحده ليس جيّدًا، وكما كان السيّد الوالد رحمه الله يقول: ليس من شيَم الدراويش أن يأكلوا لوحدهم؛ ولذا، نحن نأمل ذلك من الرفقاء.
كما أنّه على الإنسان أن يلتفت إلى هذا الأمر، وهو أنّ وصيّة الأعاظم كانت بأنّه على الإنسان ألاّ يبقى منتظرًا حتّى يأتي شهر رجب، فقد بقيت مدّة حتّى يأتي شهر رجب، فلا يجب الانتظار، بل ينبغي أن يقوّي الإنسان المراقبة ويزيدها قبل حلول هذا الشهر، وعليه أن يزيد مراقبته لكلامه وتصرّفاته، وتوجّهه، وأن ينظر إلى أفكاره ويراجعها، ليرى هل كانت أفكاره حتّى الآن صائبة، وهل كانت تصوّراته عن الآخرين صحيحة، وهل الطريق الذي كان يسلكه طريق صحيح، وعليه أن يصلح وضعه بقدر الإمكان؛ فلو تمكّن الإنسان أن يصحّح ثلاثين بالمائة من وضعه فليفعل، وإن تمكّن من إصلاح عشرين بالمائة، فليصلح بذلك المقدار؛ لأنّه هو المستفيد، يعني على الإنسان أن يصلح بقدر ما يمكنه ذلك .. عشرين بالمائة .. ثلاثين بالمائة، فحتّى هذا جيد؛ طبعًا، لو استطاع أن يصلح أموره مائة بالمائة فذلك نور على نور.
وينبغي أن يكون عند الإنسان حالة انتظار وترقّب لمجيئ شهر رجب؛ فهذه الحالة مهمّة جدًا، بل إنّ حالة الترقّب والانتظار هذه أهمّ من الأعمال، والأوراد، والأذكار، والعبادات؛ يعني: ينبغي أن يدخل الإنسان في شهر رجب بروحيّة خاصّة وبحالة خاصّة، بحيث يرى أنّه ذاهب إلى دعوة ومائدة قد أعدّت له؛ فهذه الحالة أهمّ من الأعمال؛ لأنّ ما يصل إلى الإنسان إنّما يصل إليه بسبب نيّته؛ فالنيّة هي سبب نزول الأنوار واستجلاب الفيوضات الإلهية.
ولذا، كان السيّد الوالد رضوان الله عليه عندما يقترب شهر رجب، يتحدّث في مجالسه التي كان يعقدها مع رفقائه، وكان يذكّر رفقاءه، وينبّههم أن التفتوا إلى أنّه لم يبق إلاّ أسبوعان أو ثلاثة أسابيع على شهر رجب، فابدؤوا بالتفكير به من الآن؛ فذلك التاجر عليه من الآن أن يحسب حساب هذا الشهر ويبدأ بتغيير تصرّفاته، وهكذا الآخرون، فعليه أن يراجع تصرّفاته وكلماته ويصلحها، وعليه أن يجعل نيّته صادقة منذ الآن، وعليه منذ الآن أن يراجع نفسه، ويحاول أن يرى نفسه لوحدها ليتمكّن من اتّخاذ القرار الصحيح.
نسأل الله المتعال أن يقسم لنا في هذه الأشهر المباركة (رجب وشعبان ورمضان) توفيقاتٍ أكبر، وأن يرفع من فهمنا للحقائق الوجوديّة المرتبطة بنا، ومن إدراكنا لمستقبلنا؛ إذ لم يبق لنا إلاّ بضعة أيّام في هذه الدنيا، فنسأله تعالى أن يوفّقنا لكي نتمكّن من الاستفادة من عمرنا وحياتنا بشكل أفضل؛ بعون الله وتوفيقه وبعنايات مقام الولاية الكبرى، ويوفّقنا لنيل تلك الفيوضات والسعادات.
اللهم صلّ على محمّد وآل محمّد


[1] ـ نقل الحاكم النيسابوري في المستدرك ج 1، ص 457: "عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: حججنا مع عمر بن الخطاب، فلمّا دخل الطواف استقبل الحجر فقال: إنّي اعلم أنّك حجر لا تضرّ ولا تنفع ولولا أنّى رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبّلك ما قبّلتك ثمّ قبّله. فقال له علي بن أبي طالب: بلى يا أمير المؤمنين إنّه يضرّ وينفع، قال: ثمّ قال: بكتاب الله تبارك وتعالى! قال: وأين ذلك من كتاب الله؟ قال: قال الله عز وجل: ﴿وإذ اخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم الست بربكم قالوا بلى﴾، خلق الله آدم ومسح على ظهره فقررهم بأنّه الربّ وأنّهم العبيد وأخذ عهودهم ومواثيقهم، وكتب ذلك في رقّ وكان لهذا الحجر عينان ولسان فقال له: افتح فاك قال: ففتح فاه فألقمه ذلك الرقّ، وقال: اشهد لمن وافاك بالموافاة يوم القيامة، وإنّي أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: يؤتى يوم القيامة بالحجر الأسود وله لسان ذلق يشهد لمن يستلمه بالتوحيد، فهو يا أمير المؤمنين يضرّ وينفع. فقال عمر: أعوذ بالله أن أعيش في قوم لست فيهم يا أبا حسن".

[2] ـ الشمس الساطعة، ص 16: «وحقّاً! فإنّنا لو لم نلتقِ بمثل هذا الإنسان، لكانت أيدينا خالية من كلّ شي‏ء وخسرنا الدنيا والآخرة، فللّه الحمد وله المنّة».

[3] ـ الظاهر أنّ المراد من ذلك هو موقف الحرّ من الإمام الحسين عليه السلام حينما قال له: «ثكلتْك َأُمُّك، ما ترُيدُ؟» فقالَ له الحرًّ: أمّا لو غيرُك منَ العرب يقولهُا لي وهوعلى مثلِ الحالِ الّتي أنتَ عليها، ما تركتُ ذكرَ أُمِّه بالثُّكَلِ كائناً من كانَ، ولكنْ واللّهِ ما لي إِلى ذكرِ أُمِّكَ من سبيلٍ إلاّ بأحسنِ ما يُقْدَرُ عليه (راجع: الإرشاد، الشيخ المفيد، ج 2، ص 80). المترجم

      
  

جميع الحقوق محفوظة لـ موقع المتقين www.motaghin.com ويسمح باستخدام المعلومات بشرط الإشارة إلى المصدر.

© 2008 All rights Reserved. www.Motaghin.com


Links | Login | SiteMap | ContactUs | Home
عربی فارسی انگلیسی