معرض الصور المحاضرات صوتيات المكتبة سؤال و جواب اتصل بنا الرئیسیة
 
اعتقادات و كلام أخلاق حکمة عرفان العلمي و الإجتماعي التاریخ القرآن و التفسير
المكتبة > محاضرات آية الله السيد محمد محسن الطهراني > سلسلة محاضرات شرح حديث عنوان البصري > شرح حديث عنوان البصري - من المجلس رقم 201 إلى الأخير > شرح حديث عنوان البصري ـ الجلسة 235: سرّ اختلاف الناس في مواجهتهم للحقّ

_______________________________________________________________

هو العليم

شرح حديث عنوان البصري المحاضرة 235:

سرّ اختلاف الناس
في مواجهتهم للحقّ

ألقيت ليلة السبت 5 ذو القعدة العام 1438 هجري قمري

ألقاها: سماحة آية اللـه

السيّد محمّد محسن الحسيني الطهراني
حفظه اللـه

_______________________________________________________________

تحميل ملف البي دي أف تحميل ملف البي دي أف

أعوذ باللـه من الشيطان الرجيم
بسم اللـه الرحمن الرحيم
وصلّى اللـه على سيدنا ونبينا أبي القاسم محمّد
الّلهمّ صلِّ على محمّدٍ وآلِ محمّد
وعلى أهل بيته الطاهرين والّلعنة على أعدائِهم أجمعين

كان حديثنا في المجالس السابقة يدور حول تلك العبارات التي كان الإمام الصادق عليه السلام قد أشار إليها في حديثه مع عنوان البصري، حول موضوع الحلم، وكيفيّة التحمّل، وكان يدور حول الوصايا التي كان الإمام قد أوصى بها عنوانًا في هذا المجال، حيث كنتُ قد تحدّثت للإخوة عنها بعض الشيء، وكان خلاصة ما قدّمته هو الآتي: إن احتكّ أحدهم برجلٍ جاهلٍ، وسمع منه كلماتٍ نابية، فكيف ينبغي عليه أن يردّ عليه وكيف يجيبه؟ أيتعامل معه بالمثل؟ أم يتعامل معه بما يليق بشأنه هو، ووفقًا للتعليمات التي تلقّاها؟ وبعبارة أخرى: هل الشجاعة تقتضي أن يَرُدّ عليه بالمثل وبنفس الأسلوب والكلام؟ أم عليه أن يرى ما هو المناسب وما هي ردّة الفعل المناسبة للمقام؟ وما هو الإجراء الذي عليه أن يقوم به؟

    

آثار الصدام مع الجهّال على النفس

لقد بيّنتُ لكم بعض ما يترتّب على مثل هذا الأمر من تبعات، ووعدتكم أن أتحدّث لكم عمّا يتركه مثل هذا الأمر على النفس من تأثير، وما يتركه الصدام مع مثل هؤلاء الأشخاص على النفس من أثر، وكيف تؤثّر طريقة وأسلوب الجواب على هؤلاء على نفس الإنسان من آثار إيجابيّة أم سلبيّة، وقلت لكم بأنَّ ذلك كلّه يعتمد على طبيعة الحالة النفسيّة للإنسان عندما يتعامل مع ما يحصل له. ويمكن القول عمومًا بأنَّ ما يمكن أن يتركه تعامل المرء مع مثل تلك الحالات من أثر يعتمد على طبيعة الموقف الذي تتّخذه النفس تجاه ما يواجهها، وعلى كيفيّة التفكير وطبيعة ما يدور في النفس من خواطر، وعلى الحالة النفسيّة للمرء في مواجهته لما يجري؛ فإن كانت تلك الحالة حالة صحيحة، فستترك أثرًا إيجابيًّا على النفس، وإلّا، فستترك أثرًا سلبيًا، وستستمّر الأمور بالسير على هذا النحو حتّى تصل الأمور بأحدنا إلى ما كنتُ قد ذكرته في إحدى ليالي شهر رمضان عند شرح دعاء أبي حمزة الثمالي، حيث قلتُ حينها بأنَّ التبدّل الذي يحصل للنفس لا يحصل دفعةً واحدةً، بل يحصل بشكل تدريجي، وبطريقة الاستدراج. فإن لم يتعامل المرء مع ما يجري من حوله تعاملاً صحيحًا، ووفقًا لما يُرتجى منه عادةً، فسيحصل تنزّل تدريجي للنفس عن مرتبتها مع مرور الزمان؛ وقد يحدث ذلك خلال أسبوع واحد أو أسبوعين أو شهر أو شهرين أو سنة، وذلك بحسب كيفية ردّة فعل الإنسان وطبيعة شاكلته النفسيّة ـ حيث يكون للشاكلة تأثيرها في هذا المقام ـ فسوف تتنزّل النفس عن مقامها الإنساني وبشكل تدريجي حتّى تصل إلى الدرجة التي تتّحد فيها النفس مع تلك الصفة الخبيثة وغير اللائقة، بل وستصبح عينها؛ فإن كانت تلك الصفة تعرض فيما سبق على النفس عروضًا، وتمرّ عليها مرورًا وعلى نحو الواردة فقط، فسوف يتطوّر الأمر الآن، وستصبح النفس عين تلك الصفة القبيحة.
عندما يكذب أحدهم، فإنَّ هذا الكذب يحصل له بشكل عرضيّ وعابر؛ لأنّ الإنسان لم يُخلق منذ ولادته كاذبًا.. انظروا إلى الأطفال، فستجدونهم صادقين، ولا يعرفون الكذب؛ فإن رأى الطفل أبويه أو المحيطين به يخبرونه بخلاف الواقع، فسوف ينظر إليهم بتعجّب؛ لأنّه يرى ذلك يتناقض مع واقع الأمر الذي يدركه بنفسه. لِم تراه يتصرّف بهذا الشكل؟ لأنَّه لم يُولد على الكذب، بل خلقه الله صادقًا، وبما أنّه قد تنزّل من العالم الربوبي، فهو يحمل معه صفات ذلك العالم، وفي ذلك العالم لا وجود للكذب؛ فهل حصل أن نزل جبرائيل على النبي بوحيٍ كاذبٍ؟! وهل كذب عزرائيل أو بقيّة الملائكة على الناس يومًا؟ وهل يمكن أن يُتصوّر حصول مثل هذا الشيء؟! لا يمكن أن يحصل شيء كهذا أبدًا! لماذا؟ لأنَّ العالم العلوي مبنيّ على الصدق وعلى الحقّ، فلا يمكن للملائكة أن تعرف الكذب، وذلك لعينيّة طبيعة نفس الملائكة وأفكارها وعقولها مع عالم التكوين الخارجي، أي إنَّ الصورة العينيّة ـ لا الذهنيّة ـ لذلك العالم المبنيّ على الصدق تتحقّق في نفس المَلك.
ولكي يُفهم هذا الأمر، فإنّه يحتاج إلى مزيد من التمعّن والتركيز؛ فإنْ نظرنا إلى الأشياء التي تقع أمامنا، فستحصل صورة ذهنيّة لذلك الشيء الخارجي لدينا، فها هم الإخوة يستمعون إلى حديثي الآن، وها أنا أنظر إليهم، فهل حصل تحقّق للوجود الخارجي للإخوة في داخلي؟! أو هل حصل تحقّق لوجودي العيني والخارجي في نفس الإخوة؟! أم إنّ ما يحصل هو مجرّد صورة عن ذلك؛ فعندما تفتح عينك ويقع نظرك عليَّ، فستحصل صورة لي في ذهنك، وهي ما تسمّى بالصورة الذهنيّة أو الصورة النفسيّة ـ طبعًا هذا إن كان حصول تلك الصورة بشكل صحيح ـ وهكذا يكون الأمر بالنسبة لي، حيث سترتسم في ذهني صورة عنكم؛ وإن كنت فنّانًا في هذا المجال فغاية تفنّني أن أجعل تلك الصورة صحيحة في ذهني وخالية من العيوب والنقائص، وأجعلها مطابقة للعين الخارجيّة.

    

 

كيفيّة تسجيل الملائكة عليهم السلام للأعمال

هذا بالنسبة إلينا، أمّا فيما يتعلّق بالملائكة، فهل تحصل لهم صور ذهنيّة مثل تلك الصور التي تحصل لنا عن الأشخاص والأشياء التي تقع أمامنا؟ أم أنَّ ما يتحقّق في نفوس الملائكة هو نفس وجودنا المندكّ في وجودهم لا صورته، وبعبارة أخرى فإنَّ وجودنا العيني الخارجي ـ والذي هو عبارة عن ذلك الوجود الناقص والمتنزّل عن الوجود المثالي والملكوتي وما فوقهما من عوالم ـ ونفس الأشياء الخارجيّة موجودة في داخل العوالم المجرّدة، حيث تكون الملائكة واسطة في نزول الأسماء والصفات الإلهيّة في الموجودات الجزئيّة المحدّدة والمقيّدة.
كنت قد بيّنت للإخوة الكيفيّة التي يتمّ فيها تسجيل الملائكة لأقوال الناس وأعمالهم وتصرّفاتهم، بل وحتّى ما يخطر على بالهم من أفكار؛ فالأمر ليس بالشكل الذي يجلس فيه الملكان الموكّلان بكتابة الأعمال.. أحدهما على اليمين والآخر على الشمال ـ طبعًا نحن لا نراهما ـ ماسك كلّ منهما بقلم وسجلٍّ وهما منشغلان بكتابة ما يصدر عنَّا من أعمال، حيث يسجّل المَلك الجالس على اليمين الأعمال الحسنة، بينما يسجل ذلك الجالس على الشمال الأعمال السيّئة، ثمّ يقومان بفتح تلك الملفّات يوم القيامة ويعرضانها على الناس ليُريانهم أعمالهم التي كانوا قد فعلوها في الدنيا؛ فلو كان الأمر كذلك، لكان بإمكاننا أن نقول لهما: لقد تلاعبتما في صحيفة أعمالنا كما يحصل مثل هذا الشيء هذه الأيّام، حيث يقوم البعض بالتلاعب في الملفّات وتزويرها! ولقلنا لهما بأنَّكما فعلتما نفس هذا الأمر، فإن كنَّا قادرين على فعل شيءٍ كهذا، فستكونون يا معشر الملائكة أقدر علىه منَّا، فما تمتلكون من قوّة وإمكانات هي أكبر ممّا نمتلك بكثير، وإن كنَّا قد تعلّمنا مثل هذا الشيء من أحد، فإنّما تعلّمناه منكم!!! فها نحن نعمل على تبديل الأدوار ونجعل من المجرم بريئًا، والبريء مجرمًا، فما الذي ستجيب به الملائكة والحال هذه؟ فإن قالوا لنا: إنَّكم تكذبون، لأجبناهم بمثل جوابهم. إنَّ الملائكة سيقومون عندها بالإتيان بذلك العمل الذي سيُخرسنا ويجعلنا ننظر إليهم ونحن مبهوتين، حيث سيجلبون نفس العمل الذي كنَّا قد فعلناه في الدنيا، فيضعونه أمامنا.. نعم، إنَّهم لن يجلبوا لنا سجلاً قد كُتبت فيه الأعمال، ولا نُسخًا منه ولا صورًا ولا أفلامًا؛ فلو كانوا سيجلبون صورًا وأفلامًا، لقلنا لهم: إنَّكم قمتم بالتلاعب فيها أيضًا، فيمكن الآن القيام بمثل هذه الأشياء بالاستعانة بأجهزة الكمبيوتر؛ فها هم ينصبون رأس أحدهم على جسد آخر، ويجعلون من الرجل امرأة ومن المرأة رجلاً، ويفعلون أشياءً كثيرةً من هذا القبيل، كما ويعملون على تغيير الأصوات. فسيُقال للملائكة عندها: إنَّ هذا غير صحيح، بل إنَّكم قمتم بتركيب الصور والأفلام فوق بعضها.
لو كان الأمر يجري على هذا المنوال، لكان بإمكان أحدهم أن يتجادل مع الملائكة. إنَّ الملائكة يقولون هنا: اعلم بأنَّ لنا اليد الطولى في هذا المجال، فسوف نُريك ما لا يجعلك تستطيع أن تّتهمنا بتزوير ملفّ أو تركيب صورٍ فوق بعضها أو صناعة فلمٍ، فأيّ شيء سيفعلون؟ إنَّهم سيقومون بإحضار الرجل وهو يقوم بنفس العمل الذي كان قد قام به في الدنيا، فكيف يمكن التهرّب من مثل هذا الموقف والحال هذه؟ فنفس هذا المجلس المنعقد في هذه الليلة والتي هي ليلة السبت، وفي هذه الساعة والتي هي الساعة التاسعة والنصف من الليلة الخامسة من شهر ذي القعدة الحرام لعام ألفٍ وأربعمائة وثمانيةٍ وثلاثين للهجرة، المنعقد في مدينة طهران في منزل جناب السيِّد محمّد، [سيكون حاضرًا]، فلو قالت لي الملائكة يوم القيامة: إنَّك قلت كذا من الكلام في ذلك المجلس، أيَّها السيِّد الطهراني، وأنكرتُ عليهم قولهم، وقلت لهم: بل لقد صنعتم فِلمًا عن ذلك، فسيقومون عندها بإحضار نفس هذا المجلس الذي أتحدّث فيه إليكم الآن ويُروني إيّاه؛ فهل هذا فلم؟ إنَّه ليس بفلم، بل هو ما يُطلق عليه بالعين الخارجيّة؛ وحينئذ، ماذا يُمكنني أن أفعل؟ فهل أستطيع عندها أن أقول بأنَّ هذا تركيب لمقاطعٍ من فلمٍ؟ كلّا، لا يمكنني أن أقول ذلك! فها أنا حاضر بنفسي، فلا يمكن أن يحصل تركيب هنا، فها أنا نفس هذا الموجود الذي يمتلك صفات معيّنة.
فهذه العينيّة الخارجيّة أين توجد؟ توجد في نفس الملائكة، نفس هذه العينيّة ونفس هذا الوجود موجود هناك؛ فكلّ ذلك محفوظ في نفس الملائكة؛ لأنَّ كلّ ما يكون له تحقّق خارجي، لا يمكنه أن يُعدم؛ فكم هو مقدار ما تمتلكه الملائكة من قدرة؟! وكم هي درجة تجرّدهم؟! وكم يمتلكون من سعة وانبساط؟! تلك السعة التي تستطيع استيعاب جميع المخلوقات بجميع ما يحصل لها من تبدّل وتجدّد وتغيّرات، وجميع ما يقوم به الناس من أعمال أو ما يفكّرون به من أمور؛ فتستطيع الملائكة حفظ كلّ ذلك في وجودها، ثمّ يقومون بعرضه في الوقت المطلوب. على أنَّ من يسلك الطريق إلى الله، فهو يستطيع خلال مراحل سيره وسلوكه أن يفعل نفس الشيء، حيث يستطيع الإشراف على هذه الأمور، وهذا هو معنى الآية الكريمة: ﴿وَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ أَحْصَيْناهُ في‏ إِمامٍ مُبينٍ﴾>[1]، حيث يتمّ إحصاء جميع عالم الوجود في نفس الإمام أصلاً وبدءً، ثمّ يُفاض منه على نفوس الملائكة، فعالم الوجود عالم عجيب حقّـًا!

    

    

 

صفات الأطفال قريبي العهد بالتوحيد

ولهذا السبب لا يمكن أن يكون هنالك مجال للكذب والباطل والخداع، والنفاق والإثنينيّة والأنانيّة والمشتهيات البهيميّة في العالم الربوبي، فلماذا لا يكون لها مجالاً هناك؟ لأنَّ ذلك العالم متطابق مع الحقّ وعين الواقع. فهل يمكن أن تكون العين الخارجيّة باطلة؟ ليس لمثل هذا السؤال من معنى، وذلك لأنَّ العين الخارجيّة تمثّل واقع الأمر، فهل يمكن لنا أن نقول بأنَّ هذا القدح باطل؟ كلّا، لا يمكن القول بذلك، وذلك لاتّصافه بالحقّ بما يتناسب مع سعته الوجوديّة.
وهكذا يكون الأمر بالنسبة للأطفال، فهم يحملون معهم عندما يُولدون الصدق والمحبّة والتساوي والعبوديّة والصفاء والألفة والحميميّة، ولهذا قال النبي: «كلّ مولود يُولد على الفطرة، فأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه»>[2]، فأبواه والمجتمع الذي يعيش فيه هم الذين يحرّفونه عن فطرته السليمة وعن دينه، وهم الذين يُخرّبون عقيدته وأفكاره؛ ولهذا السبب ترانا عندما ننظر إلى الأطفال وجيل الشباب، نجدهم أقرب لتقبّل الحقائق من أولئك الذين مضى عليهم الخمسون أو الستون سنةً من العمر، والذين امتزجت حياتهم بالمادّيات والأمور الاعتباريّة والأفكار الباطلة، واستأنسوا بها؛ فإن تحدّث أحدهم إلى واحد من هؤلاء الناس، ترى الرجل يتأمّل في كلام المتحدّث أوّلاً ليرى هل يمسّ كلامه بفكرة معيّنة؟ وهل يؤمن المتحدّث بالفكرة الفلانيّة أم لا؟ فتراه يستجوبه ليتعرّف على عقيدته، فإن وجدها تتعارض مع مبدإ معينٍ يُؤمن به، فستراه يقوم بإسدال ستارٍ فيما بينه وبين المتكلّم دفعة واحدة.. دع الرجل يتكلّم أوّلاً يا هذا! واستمع لما يريد أن يقوله. لماذا ينحرف بنظره يمينًا وشمالاً؟ إنَّه يفعل ذلك بسبب ابتعاده عن الفطرة السليمة.
ما الذي تقود إليه الفطرة؟ إنَّ الفطرة تقود لما تعبّر عنه الآية القرآنيّةة ﴿فَبَشِّرْ عِبادِ * الَّذينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ﴾>[3]، فلو عرضت هذه العبارة على رجلٍ يهوديٍّ أو نصرانيٍّ لوجدته يقول: إنَّه كلامٌ حسنٌ وصحيحٌ. ما الذي تعنيه البشارة المُشار إليها في الآية؟ إنَّها تعني بأنَّ هؤلاء الناس هم من يمكنهم أن يروا الطريق الصحيح، يقول الله: ﴿فبشّر عباد﴾ أي: أيًّا كان ذلك الشخص؛ لأنّ جميع الخلق هم عبادي، غير أنَّ من يتمكّن منهم من طيّ الطريق، ومن ستُفتح له نافذة إلى قلبه ويُضاء له مصباح فيه، هم هذا النوع من الناس لا جميعهم.

    

    

 

لماذا لا يكون تقبّل الشاب للحقائق كتقبّل المسنّ؟

﴿فَبَشِّرْ عِبادِ * الَّذينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ﴾، إنَّ هؤلاء العباد يستمعون إلى كلّ ما يُقال لهم، غير أنَّهم لا يقبلون منه سوى ما يتطابق مع فطرتهم، وما تقبله عقولهم، وما ينسجم مع تشخيصهم للحقّ، ذلك التشخيص المستلهم من القدرة التي وهبهم الله إيّاها، فالله هو الذي وهبهم مثل تلك القدرة، وإلّا فمن أين لهم أن يأتوا بمثلها؟ لذا، فنحن نرى كيف أنَّ الشباب هم الأسرع استجابة لما يُطرح عليهم من مواضيع عندما يتمّ التحدّث إلى جمعٍ من الناس، ويكون ذلك واضحًا عليهم من خلال التبدّل الذي يحصل في لون وجوههم وفي حركة رؤوسهم، فلا نراهم يتصرّفون مثل أولئك الذين هم بعمر السبعين سنة والذين ينظرون إلى المتحدّث وكأنَّهم ينظرون إلى جدارٍ، والذين لا يُعلم فيما إن كانوا قد فهموا شيئًا من الحديث الذي استغرق مدّة ساعة من الزمان والذي بذل فيه المتحدّث جهدًا أم لا! أمّا فيما يتعلّق بالشابّ، فتراه عندما يُلقى عليه أمر، يقول بتعجّب: يا للعجب! [علامة على فهمه] أهكذا يكون الأمر؟! لماذا لم يقل الرجل المُسنَّ مثل ما قاله هذا الشابّ؟ إنَّ السبب في ذلك يعود إلى أنَّ الرجل المُسنّ يعمل على مقايسة ما يسمع من كلام مع ما كان قد ادّخره لنفسه من أوهام أوّلاً؛ فهو لا يستمع إلى المواضيع التي تُطرح على ما هي عليه من البساطة والبداهة وبدون ضمّ أيّة ضميمة أخرى إليها، بل تراه يقول في نفسه: كيف هو موقف المتكّلم ممّا يجري من أحداث؟ فهل هو يؤمن بكذا وكذا من أمور؟ وهل تتوافق أفكاره مع أفكار فلانٍ من الناس ومعتقداته؟ فرجل كهذا لا يمكنه أن يفهم شيئًا ممّا يُلقى عليه؛ وذلك لكونه منشغلاً بالتفكير في الأمور الجانبيّة؛ فبينما يكون المتحدّث منهمكًا بالكلام، وقد تحدّث لمدّة ساعة من الزمان، ترى الرجل يُفكّر في طبيعة علاقة المتحدّث مع إحدى الجهات، فلعلّ له موقفًا سلبيّـًا منها! وأمّا الشابّ فإنّه لم يتلوّث بعدُ بمثل هذه الأمور ولم يدخل فيها، ولم يتعلّق قلبه بعدُ بالدنيا ومصائبها، ولم يصطبغ ذهنه بصبغة الأفكار الباطلة بعد، فتراه يستمع إلى الحديث على ما هو عليه من دون أيّ تلوين، ومن دون إعطائه أيّة صبغة.
ولهذا، نرى أنَّ أول من انجذب نحو النبيّ واستجاب له هم الشباب، ثمّ الذين يلونهم، ثمّ الذين يلونهم، وهكذا... طبعًا لا أريد أن أقول بعموميّة هذا الأمر هنا، كلّا، بل قد يكون هنالك رجلٌ مسنٌّ ولكنَّه لمّا كان قد صرف عمره في الصدق والصفاء، فسيكون حاله مثل حال أولئك الشباب، غير أنَّ الغالب هو ابتلاء من مضى عليه شيء من العمر بتلك الأمور الدنيويّة.

    

    

 

تأثير الأوهام والمرتكزات الذهنيّة على كيفيّة تلّقّي الحقائق

أتذكّر كيف أنَّ المرحوم العلاّمة ـ رضوان الله عليه ـ كان يتحدّث أحيانًا في بعض المجالس كمجالس عصر يوم الجمعة وغيرها من المجالس، وذلك بمقتضى حاله أو بحسب ما تقتضيه الضرورة حيث كانت تحصل بعض القضايا المختلفة التي كانت تستلزم أن يعمل على تنبيه الآخرين عليها؛ فقد كانت بعض الأمور تُنسب إليه أحيانًا، هذا في الوقت الذي لا تتوافق فيه تلك الأمور مع مبانيه التي يؤمن بها أبدًا، بل وتتناقض مع ما ينتهجه بالكليّة وتقع في الاتجاه المعاكس له، فكان المرحوم العلاّمة مضطرًّا للإجابة عمّا كان يُطرح بشكل عامّ وبالإشارة أو الكناية، وهذه هي واحدة من مظلوميّات أولياء الله، حيث إنَّهم لم يكونوا يستطيعون التعبير عمّا في قلوبهم. وها نحن وبعد مرور كلّ هذا الزمان نسمع أشياءً تُنسب إلى المرحوم العلاّمة، في الوقت الذي تكون فيه هذه الأشياء مخالفة لمنهجه وآرائه، فلم يكن يتبنّى مثل هذه الآراء، فلقد عشت أنا في ذلك البيت، فمتى كان ذلك رأيه؟ ومتى كان هذا نهجه؟
عندما كنت أستمع إلى كلامه في المجالس التي كان يتحدّث فيها، كان نظري يقع أحيانًا على بعض المتواجدين في المجلس، فكنت أتعجّب كيف أنَّ كلّ واحد منَّا كان يعيش في عالمه وأفكاره الخاصّة به. إنَّنا نؤمن بعظمة ذلك الرجل، وإلّا لما كنَّا قد حضرنا مجالسه، نعم، نحن نؤمن بكون الرجل رجلاً قديرًا وعظيمًا، ونعرف أنه يختلف عن غيره من العلماء، غير أنَّ إيماننا هذا لا يحول بيننا وبين أن نتخلّى عمّا نمتلك من أفكار خاصّة بنا، وعمّا كنَّا قد رسمناه لنا من صورٍ في أذهاننا. لقد كان من الواضح جدًّا ما كان المرحوم العلاّمة يُريد الإشارة إليه في كلامه، غير أنَّني حينما كنت أنظر في وجوه البعض، كنت أرى كيف أنَّهم كانوا يبدّلون كلامه ويحرّفونه عن مضمونه ويصبغونه بصبغة أخرى. فإن كنت تؤمن بعظمة الرجل يا هذا، فما هو معنى ما تقوم به من تحريف؟! وما معنى هذا الصبغ؟! إن كان الأمر كذلك فلا تحضر عنده، فهل كنت مجبورًا على حضور مجالسه؟ لقد كان بإمكانك عدم الحضور لديه، وكان بإمكانك الذهاب إلى تلك الأماكن التي لا تحتاج معها إلى صرف جهد في تحريف الكلام، فالمتحدّث من على المنبر يكفيك القيام بمثل هذه المهمّة، فهو يقوم بها بنفسه، فها هو يقوم بعملية الرسم والتركيب والمونتاج.

    

    

 

سبب انحراف الناس عن أهل البيت عليه السلام مع علمهم بعظمتهم

عندما أستمع إلى بعض الخطب أحيانًا، كنت أتعجّب وأقول في نفسي: لقد كان نفس هذا الشيء يحصل في عهد الأئمّة عليهم السلام أيضًا. كنت أقرأ مقالاً عن الإمام الصادق عليه السلام حول ذكرى استشهاده، وهو اليوم الخامس والعشرين من شهر شوال، وكان ممّا جاء فيه أنَّ بعض تلامذته عليه السلام كانوا من علماء أهل السنّة، وكان من أبرزهم أبو حنيفة، حيث قال: "لولا السنتان لهلك النعمان" أي لولا تلك السنتان اللتان كان قد أمضاهما لدى الإمام جعفر بن محمّد، لما كان له ذكر يُذكر؛ فإنمّا اكتسب أبو حنيفة تلك الشهرة التي جعلت الناس تعرفه، نتيجة لتتلمذه تلك السنتين على يد الإمام الصادق. فكيف تقوم ـ يا عديم المروءة ـ ومع اعترافك بهذه الحقيقة بإيجاد مذهب تُقابل به مذهب الإمام الصادق؟! كيف يمكن أن يحصل مثل هذا الشيء؟ فها أنت تعترف بهذه الحقيقة بنفسك، وأنت الذي تقول: "لولا السنتان لهلك النعمان" فمعنى لهلك النعمان هو: لما كان هنالك أيّ ذكرٍ لأبي حنيفة الآن. وهكذا الأمر بالنسبة إلى الكثير من كبار علماء أهل السنّة مثل سفيان الثوري ومالك بن أنس وغيرهما، وكان الكثير منهم يحضرون مجالس الإمام، فيتعلّمون منه علومًا؛ وذلك عندما كان يجلس في مسجد المدينة يحدّث الناس؛ وقد كان عليه السلام يتحدّث للكلّ، فكانوا يجتمعون حوله، فيفيدهم، ويسألونه عن مسائلهم الشرعيّة والأخلاقيّة وغيرها. لماذا كانوا يحضرون لدى الإمام؟ فلو لم يكونوا يعرفون عظمة مقام الإمام لما كانوا يحضرون مجالسه؛ فحضورهم هذا يعني معرفتهم بعظمة مقامه، ومعرفتهم باختلافه عن غيره من الناس، فلقد كانوا من أهل العلم والفضل والفهم، فهل من الصحيح أن تحضر لديه وتتعلّم منه، ثمّ تدير وجهك عنه وتكتفي بالقول: لولا السنتان لهلك النعمان؟! والسؤال يطرح كذلك على غير أبي حنيفة أيضًا الذين كانوا يأتون للإمام ويطرحون عليه أسئلتهم ويستفيدون من محضره ثمّ يديروا وجههم عنه!
إنَّ كلّ ذلك يحصل بسبب حبّ الدنيا، وحبّ الرئاسة، وجمع الأتباع حولهم، وبسبب استغلال الحكومات التي في تلك العصور لهم، حيث كانت تستغلّ وجود مثل هؤلاء الناس؛ فهي لا تستطيع خداع الإمام الصادق، لذا تلجأ إلى مثل هؤلاء العلماء فتجذبهم لها، وتبقيهم حولها.. هل التفتم؟!
لماذا يحصل كلّ ذلك؟ إنَّه يحصل لهذا السبب الذي أتحدّث إليكم عنه في هذا المجلس.
لقد كان المرحوم العلاّمة يتحدّث إلى أصدقاءه، ولا أدري بأيّ لسانٍ وأيّ بيانٍ يستطيع أن يطرح وجهة نظره، ويقول للآخرين: هذا هو رأيي في موضوع كذا؟ وما إن ينقضي المجلس إلا وكنت أسمع أحدهم يقول لآخر:
أرأيت كيف أنَّ السيِّد العلاّمة يتبنّى هذا الرأي؟
متى تبنّى ذلك الرأي يا هذا؟! فلقد كنتُ أحضر المجلس بنفسي، فلم يُنقل لي الكلام نقلاً، بل كنتُ قد سمعته بأذني هذه، فما الذي كنت تفعله في تلك الساعة التي كان يتحدّث فيها؟ فهل كنت تستمع حقًّا، أم كنت تعمل على صبغ الكلام بصبغتك الخاصّة بك؟ فمتى قال المرحوم العلاّمة مثل هذا الكلام؟ فلو كان قد قاله، لما قبلتُه منه مع كوني ابنه.. نعم، إنَّ الأمر لهذه الدرجة من الأهميّة، فكيف تأتي لتقول: لقد قال المرحوم العلاّمة كذا وكذا، وكان رأيه فيما يتعلّق بالأمر الفلاني كذا وكذا، ثمّ يتبع هذا الأمر ما يتبعه من تبعات، فينتشر بين الناس على أنَّه من كلام الأولياء، هذا مع أنَّ كلّ ما يُنقل هو كلام باطل؟!
ولا عجب في ذلك، فهذا الأمر موجود منذ القدم، فها هو أبو حنيفة يقول: لولا السنتان لهلك النعمان، ثمّ يأتي ليُؤسّس مذهبًا له في قبال مذهب الإمام الصادق.. هل التفتم؟
ما هو السبب الكامن وراء ذلك؟ إنَّ السبب يعود إلى أنَّنا عندما نواجه أمرًا حقًّـا، فإنّنا نتعامل معه على أساس مرتكزاتنا الذهنيّة وما ادّخرناه في أنفسنا خلال هذه المدّة من أفكار تتعارض مع المباني الحقّة؛ وإلاّ، لو كانت مدّخراتنا من المباني الحقّة، [لما حصل ما حصل] وذلك لأنَّ تلك المباني مبنيّة على أساس الصفاء والمحبّة والصدق؛ فما الذي سيقوله الإمام الصادق والإمام موسى بن جعفر عليه السلام غير هذا؟!
وأما ما ادّخرناه في أنفسنا فهو عبارة عن أمورٍ اختلطت مع المشتهيات الدنيويّة، والأنانيّة، والرغبة بجلب المنافع، والإثنينيّة، والغيريّة، والشرك، والكفر؛ فقد جمعنا كلّ هذه الأمور في أنفسنا ثمّ نريد أن نفهم كلام الإمام الصادق؛ وهذا غير ممكن؛ لأنَّ كلام الإمام الصادق عليه السلام لن يدخل إلى ذهننا حينئذٍ، ولا فرق في ذلك بين أن يكون الشخص الذي في قبالنا هو المرحوم العلامة أو الإمام الصادق أو رسول الله أو حتى الله؛ أي إنَّ الله لو نزل على الأرض على هيئة بشر وقال لهم: لقد كنتم تتنازعون مع النبيّ لكونه من بني البشر، فما الذي تقولونه الآن، فها أنا الله أمامكم؟ لقالوا عندها: لا نؤمن بما تقول وإن كنت أنت الله!

    

    

 

أساس الدين قائم على الصدق

فالصفات الحسنة تزول بشكل تدريجي، فيزول الصدق والصفاء، وكما قلتُ لكم سابقًا، فإنَّ كلّ ذلك يحصل بشكل تدريجي، كما يتبدّل أيضًا ذلك الفكر الصحيح والحرّ والذي يبحث عن الحقّ وحسب؛ فإن كنت تتحدّث عن أمرٍ في وقتٍ سابق، كنت ترى كيف يستحسن بعضهم كلامك، بل ويُضيف عليه من عنده ما يؤيّد به رأيك، أمّا الآن ـ ولأنّ الرجل قد اصطبغ بصبغة خاصّة ـ تراه يقول: وهل من المصلحة طرح مثل هذه الأمور يا سيّد؟!
ما الذي حصل لك يا هذا؟ ففي العام الماضي لم تكن مؤيّدًا لما كنتُ أطرحه من كلام وحسب؛ بل كنت تُضيف عليه من عندك ما يدعمه، وأمّا الآن فقد صرت تقول: هل في طرحه صلاح؟! وما إلى ذلك من أمور! ما الذي قاد إلى هذا؟ إنَّ الذي قاد إليه هو تبدّل باطن الرجل، فالموضوع هو نفس الموضوع، ولكنَّك أنت الذي تبدّلت، فالأوضاع لم تختلف هذا العام عن العام الماضي، فوضع الأفلاك والكواكب والقمر والشمس والنجوم لم يتغيّر. إن اعتراضك هذا يدلّ على أنّك أنت من تغيّرت في باطنك، وإلّا فلم تتغيّر المصلحة في طرحه، بل لا يوجد أصلح من هذا؛ فلا يوجد صلاح في الدنيا يفوق صلاح الصدق، وهذا هو ما أمر به رسول الله؛ فما أكّد عليه رسول الله هو: أنّ ديني دين الصدق. ولم يقل: إنّ ديني دين المصلحة، سواء اجتمعت المصلحة مع الصدق أم لم تجتمع. بل ما يقوله النبي هو: إنّ ديني هو الدين الذي يترشّح عنه الصدق، فلو لم يترشّح عنه الصدق، لما كان ذلك الدين هو دين النبيّ، بل لكان دين الشيطان ودين نمرود وفرعون؛ نعم، إنَّ دين النبيّ هو ذلك الدين الذي يترشّح عنه الصدق والمحبّة والصفاء والألفة، وهذا هو الذي فيه الصلاح؛ فالصلاح هو ما ينتج عن الصدق وينشأ عن الطهارة والصفاء.
[ألم يقل النبيّ:] «إنَّما بُعثت لأُتمّم مكارم الأخلاق» أي لأصل بمكارم الأخلاق إلى أوجها، وهذا يعني أن يصل الناس إلى ما وصلتُ إليه من مقام.. المقام الذي قاسيت وعانيت لأجل بلوغه، فأمضيت أربعين سنة في غار حراء من أجل الوصول له، ثمّ جئتكم الآن لأبلّغكم إيّاه وأتحدّث لكم عنه، فلم تكن المصلحة وكسب المنافع هي هدفي ممّا قمت به، بل كنت أريد أن أبلغ بمكارم الأخلاق إلى أعلى قمّة فيها، وهي أن أتطابق مع عالم التكوين، وذلك بأن أتطابق مع كلّ ما هو حقّ ومع كلّ ما يمثّل الواقع، ولأجل هذا بُعثت إليكم، ولأجل هذا السبب كنت أمكث وحيدًا في غار حراء الأربعين يومًا بعد الأربعين.
نحن على أعتاب موسم الحج، فليذهب أحدنا إلى تلك الأماكن، ليرى ما الذي يجري هناك. عندما ذهبت إلى الحجّ في بعض السنوات وتشرّفت بالذهاب إلى غار حراء، رأيت كم هو عجيب ذلك العالم؟ [حيث يتساءل الإنسان قائلاً:] ما الذي كان يفعله النبي في وحدته هنا، نعم، إنَّه لعالم عجيب حقّـًا! كان المرحوم العلاّمة يقول: لم يكن لرسول الله الفرصة التي تسمح له بالتكلّم حتّى مع جبرائيل والملائكة عندما كان يمكث في غار حراء. فأيّ حال كان يمتلك.. ذلك الحال الذي لم يكن ليسمح له بالتحدّث حتّى إلى جبرائيل؟ هذا في الوقت الذي لا يحلم فيه أحدنا بالتكلّم مع الملك الواقع في المرتبة الألف تحت يد جبرائيل، فالملائكة لهم مراتب مختلفة؛ وذلك لأنَّ النبيّ كان متّصلاً بالأصل والمنبع. فعلى الرغم من كون جبرائيل هو الملك الموكّل بالعلم، وهو الذي يفيض العلم على كافّة موجودات العالم، غير أنَّ النبي كان يرى نزوله من تلك العوالم من أجل التكلّم مع جبرائيل تنزّلاً عن المقام الذي هو فيه؛ وذلك لكونه منمحيًا ومندكّـًا وفانٍ في ذات الله، ولم يكن لديه أيّ مجال للنزول إلى عالم الكثرة؛ حتّى لم يكن لديه المجال للنزول إلى عالم التجلّي الأعظم، والذي هو المرتبة الأولى لنزول الأسماء والصفات.

    

    

 

سياسة رسول الله كانت نابعة من نفسه الصافية

عندما وصل النبيّ إلى هذه المرحلة، حيث تغيّرت نفسه وتبدّلت بشكل كامل، فلم تُبق جنبة الوحدة في نفسه أيّة شائبة من شوائب الأنانيّة والشوائب البشريّة، حيث كانت نفسه بمثابة الماء الصافي الزلال، والمرآة الصقيلة اللذين يعكسان كافّة صفات الله، حينها فقط أتاه الأمر بالتوجّه نحو الناس لدعوتهم، وحينها فقط أتاه الأمر بأن يذهب لسياسة الناس.. تلك السياسة المبنيّة على تخلّقه بمكارم الأخلاق، وإلّا، فأمور جميع العالم تُدار بالسياسة، فانظروا إلى سياسيّ العالم اليوم، فهل تجدونهم يسعون لتطبيق مكارم الأخلاق كالصفاء والمحبّة والألفة والعفو؟!
أرأيتم كيف يقوم الطفل ذو الخمس أو الستّ سنوات بإعطاء طفل آخر إحدى الجوزتين اللتين في يده، فهل نرى اثنين من السياسيّين من أولئك الذين يسعون للوصول إلى المناصب كرئاسة الجمهورية أو رئاسة الوزارة أو الملك من يفعل مثل ذلك؟ فيقول أحدهما لصاحبه: إنَّني أراك أحقّ بهذا المنصب منِّي، لذا سأتنازل لك عنه لكي تتولّاه بدلاً عنِّي؟! ونحسب أنفسنا أننا من شيعة عليّ عليه السلام.. الحمد لله أننا تمكنَّا من رؤية هذا النوع من شيعة الإمام علي!!
لماذا ترانا وصلنا إلى هذه المرحلة؟ لأنّنا لم نُصغ إلى كلام النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم عندما قال: "إنَّما بُعثت لأُتمّم مكارم الأخلاق" فقمنا بتأويل كلامه وقلنا: لم يكن النبيّ جادًّا فيما يقول، وإنَّ ذلك الكلام لم يكن موجّهًا إلينا، بل كان النبيّ يوجّه كلامه هذا إلى المشركين والكفار من قريش، أمّا نحن فقد تجاوزنا هذه المرحلة، بل وقد فُقنا مقام النبيّ وجبرائيل في حيازة مكارم الأخلاق، فنحن لسنا ممن يُوجّه إليهم مثل هذا الكلام!
وها نحن نريد أن نسوس الناس في هذه الدنيا مع هذه النفس وهذه الأفكار وهذه العقيدة وهذه الطباع والشاكلة وهذه الأهواء البشريّة التي نمتلكها، ومع كلّ ما نمتلكه من صفات حيوانيّة قبيحة، ونعتبر تلك السياسة امتدادًا لسياسة النبيّ! وعليه، حينما يُخاطب الله تعالى النبيّ بهذه الآية القرآنيّة ويقول له: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى‏ خُلُقٍ عَظيمٍ﴾>[4]، فإنّه يعني: بما أنّك تمتلك هذه الأخلاق، فعليك أن تدير المجتمع وتسوسه وفقًا لهذه الأخلاق وفي ظلّها.. فهذه هي السياسة الإلهيّة، وهذه هي سياسة جبرائيل، وهي نفسها سياسة إسرافيل وعزرائيل وسياسة الله. لِمَ؟ لأنّ هذه السياسة كانت تحت ظلّ أولئك، فهي سياستهم، لا أنّهم صاروا هم تحت ظلّها، فأخذ كلّ واحد منهما مكان الآخر.

    

    

 

شذرة من سيرة النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم في تعامله مع المشركين

وأقول بحقّ: لو رجعنا إلى تاريخ حياة النبيّ، ورأينا الأذى الذي تعرّض له ... وهل يمكن أن نتصوّر بأنَّ أحدًا قد تعرّض لمثل ما تعرّض له النبيّ من أذىً، لدرجة أنّنا نخجل من ذكر ما تعرّض له من أذى؟! لقد حوصر النبي في شِعب أبي طالب لمدّة ثلاث سنوات، فتوفّي عمّه، وتوفّيت زوجته هناك، ولقد كان أنين الأطفال من شدّة الجوع والعطش في الشِعب قد وصل إلى الحدّ الذي كان يسلب فيه النوم من عيون المشركين؛ هذا، إضافة إلى ما تلقّوه من جراح في شعب أبي طالب، وإضافة إلى معاناة النبي نتيجة لفقده لعمّه وزوجته وبعض أصحابه، وما عاناه من ضرب بالحجر.. ذلك الضرب الذي أدّى إلى إدماء قدميه، وشُجَّ في رأسه، زيادة على الأذى الذي يخجل أحدنا أن يذكره بلسانه، ولقد استمرّ هذا الحال حتّى اضطرّ النبي لخوض الحروب مع المشركين كمعركة بدر وأحد، حيث حمل أمير المؤمنين جسد النبيّ في معركة أحد وكأنَّه جثّة، حتّى أوصله إلى زاوية من الزوايا، لكي لا يصل إليه المشركون فيقتلوه؛ نعم، هذا هو مقدار الجراح التي أصابت جسد النبيّ، فهل كان النبيّ يدير المعركة من المدينة وهو جالس على سرير ناعم حيث تقوم اثنتين من الحور العين بالترويح عليه بالمراوح؟ فيصدر أوامره ويقول: اهجموا عليهم واضربوهم واقتلوهم؟ كلّا، يا هذا، بل كان النبيّ يتواجد في الصفوف الأماميّة من جبهة القتال، وكان أقرب إلى المشركين من غيره من الناس. لقد أخذ أمير المؤمنين النبيّ إلى غارٍ في الجبال القريبة لحمايته، حيث كان بالإمكان زيارة هذا الغار إلى وقت ليس بالبعيد، غير أنَّهم سدّوا الطريق إليه ومنعوا من الوصول إليه في الوقت الحاضر.
وهكذا استمرّ الأمر مع المشركين، فأطلقوا معركة الأحزاب، واختلقوا للنبيّ ما اختلقوا من مشاكل، وهكذا مضت الأيّام حتّى وصل الأمر إلى فتح مكّة؛ وحينئذ، لو كنَّا مكان النبي وامتلكنا ما امتلكه النبيّ من قدرة وسلطة، فما الذي كنَّا سنفعله بالمشركين في ذلك الوقت؟ لو فعلنا بهم أيّ شيء لكنَّا محقّين في ذلك؛ لأنّهم لم يتركوا عملاً مشينًا إلاّ وقاموا به. كان سعد بن عبادة [يحمل الراية] ويتقدّم الجيش الزاحف نحو مكّة وهو ينشد: "اليوم يوم الملحمة، [اليوم تسبى الحرمة]" أي: هذا اليوم هو اليوم الذي سنهجم فيه عليهم، ونقتلهم، ونُخرّب بيوتهم، وننتقم منهم. بالطبع، فإنَّ القوم كانوا قد عانوا ما عانوه من المشركين، وكانوا قد أصيبوا بالجراح، وفقدوا ما فقدوا من قتلى في تلك المعارك التي خاضوها معهم.
وعندما أصبح الجيش على مقربة من مكّة، أمر رسول الله أمير المؤمنين بأخذ الراية من سعد، فماذا كان الشعار الذي ردّده أمير المؤمنين؟ إنَّه كان قد نادى: "اليوم يوم المرحمة" أي اليوم يوم العفو.. يا للعجب! انظر إلى هذا التفاوت، فقد كان سعد بن عبادة يُردّد ذلك الشعار، وكان هو وبقيّة الشباب يشعرون بالحماس، وكانوا يقومون بحركات استعراضيّة من قبيل التلويح بسيوفهم وهزّ رماحهم، وإذا بهم يرون أمير المؤمنين يأتي ويمسك الراية بيده، ويُبدّل الشعار فينادي: اليوم يوم الرحمة والعفو، فقالوا يا رسول الله: لقد صبّوا على رؤوسنا كلّ تلك المصائب! فقال لهم الرسول: هذا هو الموقف الذي إن عفوتم فيه، فزتم، وهذا هو الموقف الذي تصدق عليه آية: ﴿فبشّر عبادي الذين...﴾؛ فإن تجاوزتم عمّا لحق بكم منهم، فستعبرون هذه القنطرة، وإلّا فلن تبرحوا أماكنكم التي أنتم فيها، هذا مع كونكم محقّين فيما تفعلون، فصحيح أنّهم ضربوكم وقتلوا منكم، وكان بإمكانكم أن تضربوهم وتقتلوهم، فهذا من حقّكم، ولكنَّكم لن تتحرّكوا من مكانكم، وستبقون حيث أنتم؛ فمع أنّكم أخذتم مكّة وفتحتموها، ولكنّكم لم تستطيعوا أن تسيطروا على قلوبكم، فما ستفعلونه لن يتجاوز أمر السيطرة على التراب والحجر والبيوت، ولكن ماذا عنكم أنتم؟ فما هو مقدار ما تقدّمتم في مسيركم؟ وما هو مقدار تكاملكم؟ وكم ستتركون من أثر على غيركم من الناس؟ بل سيكون ذلك مُلكٌ مثل ما لبقيّة الملوك من المُلك، حيث يحصل أن يُعتدى عليه فيعتدي هو عليهم، فيقود هذا الملك الجيوش ويهجم عليهم ويدمّرهم تدميرًا كاملاً، فما هو الفرق بين ما تريدون القيام به، وما كان يفعله أولئك الملوك والحال هذه؟ فلن يكون نبيّـًا من يفعل مثل ذلك.
لماذا بكى عمرو بن العاص عندما سمع بشهادة أمير المؤمنين؟ لأنّه كان يعرف من يكون أمير المؤمنين، بل ويعرفه أحسن ممّا نعرفه نحن، ولماذا بكى معاوية لذلك؟ علمًا بأنَّ بكاء معاوية لم يكن بكاءً كاذبًا، بل كان حقيقيّـًا، إلاّ أنّه لم يرتدع عمّا كان عليه. إنَّ معاوية كان يعلم جيّدًا أنَّ أمير المؤمنين يستطيع أن يكسب معركة صفّين، غير أنَّه لم يفعل؛ فمنذ بداية المعركة كان باستطاعة أمير المؤمنين أن يمنع جيش معاوية من الوصول إلى الماء، وهذا كان كافيًا للقضاء على ذلك الجيش، غير أنَّ أمير المؤمنين كان يقول: بأيّ حقّ نمنع عنهم الماء، فما هو ذنبهم لمنعه عنهم؟! اسقوهم! فنحن بأيدينا السيوف، وإنّا لم نأت إلاّ لأجل الحقّ، وهؤلاء هم عبيد الله، فلابد لنا أن نراعي الأمور المتعلّقة بكونهم عبيدًا لله، فلابدّ أن نسقيهم الماء، ومتى ما سقيناهم وشربوا منه وارتووا، نرى ما يكون منهم، فإن انتصرنا عليهم بعد ذلك، فسيكون نصرنا في محلّه، وإن هُزمنا من قِبَلهم، فلا ضير، فهل يُفترض أن تكون لنا الغلبة دائمًا؟! غير أنَّنا سنكون نحن الفائزين في هذه الحالة، وسنكون قد تجاوزنا هذه القنطرة.

    

    

 

الأحكام الإسلاميّة مبنيّة على أساس إيجاد الاتّصال بالله تعالى والتقرّب إليه

وهذا هو منهج أولياء الله، وهذا هو الأساس الذي تُبنى عليه كافّة الأحكام الإسلاميّة، فإن صلّينا، فيجب أن تكون صلاتنا تقرّبنا إلى الله وطاعةً لله، فإن أُمرنا بأن نؤدِّي صلاتنا جماعةً، فعلينا أن نؤدِّيها جماعةً، وإن أمرنا بتأديتها فُرادى، فعلينا ألّا نعترض ونقول: لماذا نؤدِّيها فُرادى؟ فأداؤنا للصلاة فُرادى، سيؤدِّي إلى فقدان الأبّهة والعظمة الملازمة لصلاة الجماعة؟ فعلينا أن نصلّيها جماعة والحال هذه! وهذا ما يفعله البعض في الوقت الحاضر. إنَّ الله يأمرك بأن تؤدِّي هذه الصلاة فُرادى، لأنّ أداءك لها كذلك يجعل اتّصالك بي أفضل، فإن أردت تأديتها جماعةً، فبناء للتشريع الذي شرّعته أنا، فإنّ صلاتك هذه لن تقوّي الجنبة الربطيّة بينك وبيني، وهو الأثر الخاص للصلاة، بل إنّما يحصل ذلك في الصلاة الواجبة التي أمرت بتأديتها جماعةً. وها هم يقولون: ولماذا لا نؤدِّي هذه الصلاة جماعة أيضًا؟ إنَّهم وبعملهم هذا يكونون قد رفعوا مكانتهم فوق مكانة الله. يقول الله هنا: ائت بها كما تحبّ، ولكن عليك أن تعرف بأنَّك إن صلّيت ألف صلاة من هذا النوع، فلن يحصل لك أيّ انشراح في القلب.. لماذا؟ لأنَّك تؤدِّيها وأنت مقطوع الاتّصال بالله.
وهكذا يكون الأمر في أعمال الحجّ وغيرها من الأعمال، فيجب أن يكون التوجّه فيها إلى الجنبة الربوبيّة والإلهيّة، ولا ينبغي التوجّه إلى ظاهر الأعمال فقط، بل علينا التركيز على الجنبة الإلهيّة؛ وهي الجنبة الربطيّة وجنبة الارتباط بالمبدأ؛ وذلك لكي تحصل الفائدة المرجوّة من العمل. لذا، من يذهب لأداء مناسك الحجّ عليه أن يتوجّه إلى التوحيد فقط، فإن عمل بموجب ذلك، فسوف يجني الفائدة المرجوّة من عمله، أمّا إن شغلنا أنفسنا بالأمور الظاهريّة والزخارف الدنيويّة والمسائل الجانبيّة التي ينشغل بها عامّة الناس عادةً كالتقاط الصور وما شابه ذلك، فإن الذهن لن يستطيع أن يتوجّه ويلتفت، ولن ينسجم مع ذلك الجّو .. وسيبقى عالقًا في الأمور الظاهريّة والصوريّة، ولن يستطيع الخروج من هذا الجوّ وهذه المرتبة التي هو فيها، وستكون هذه هي حاله في طوافه وسعيه ووقوفه في عرفات.
لقد أشار الأئمّة عليهم السلام والعظماء إلى هذه الأمور. وعندما كنت أبحث عن الحديث [أي حديث عنوان البصري في كتاب الروح المجرّد، حيث إن السيّد يقرأ الحديث من كتاب الروح المجرّد] وقع نظري على تلك الجملة التي كان المرحوم العلاّمة قد نقلها عن المرحوم السيِّد الحدّاد رضوان الله عليهماا[5] عندما قال: مرّ شيخ في أحد مواقف الحجّ على عدد من الجالسين، فقال لهم: بماذا أمركم شيخكم؟ أي ما هو البرنامج السلوكي الذي أعطاكم إيّاه شيخكم، وما هو منهجكم في السير؟ فقالوا له: أمرنا أستاذنا بالتزام الطاعات واجتناب المعاصي، أي بالمواظبة على الإتيان بالأعمال الواجبة والمستحبّة والاجتناب عن المعاصي. عندما يتأمّل أحدنا في هذا الأمر، لا يجده أمرًا سيّئًا، بل يجده أمرًا جيّدًا، فلا بدّ للجميع من التزام الطاعات، غير أنَّه كان يريد أن يقول لهم: لماذا لم يأمركم بما هو أسمى من ذلك؟ فقال لهم الشيخ: تلك مجوسيّة محضة، أي إنّ المجوسيّة ليست أمرًا غير هذا، حيث إنّها ترسم أمرين في ذهن الإنسان وهما: الأعمال الصالحة والأعمال القبيحة، فقال لهم: هلّا أمركم بالتوجّه إلى الله والتبتّل إليه، أي: لماذا لم يأمركم بتوجيه أذهانكم نحو أمر واحد فقط؟
كنت أتعجّب كثيرًا حينما كنت أتشرّف بزيارة المدينة المنوّرة ومسجد النبيّ، وكنت أتعجّب ممّا يفعله بعض الإيرانيِّين الذين كانوا يسألون عن موضع قبري أبي بكر وعمر، فكنت أقول لهم: لقد أتيت إلى جنب قبر رسول الله وأنت تفكّر بعمر وأبي بكر؟! فكانوا يقولون: قيل لنا [أنَّهما مدفونين هنا]، فكنت أقول لهم: ليقل الآخرون ما يقولوا، فما دمتم إلى جنب قبر النبيّ، فلا ينبغي أن تفكّروا بهما أصلاً، ما الذي يعنيه هذا التصرّف؟ إنَّه يعكس تلك المجوسيّة [التي أشار إليها المرحوم السيِّد الحدّاد]
كان المرحوم العلاّمة يدعو بعض الوعّاظ للتحدّث في مسجد القائم، وكان يتمّ دعوة أحد الوعّاظ المعرفين وهو رجل مسنّ ـ رحمه الله فقد كان ذلك هو مقدار أفق معرفته ـ وهو مسئول في إحدى مؤسّسات الوعظ والنشر في ذلك الوقت، حيث كانت تتمّ دعوته في عشرة محرّم، وكان الكثير من أئمّة الجماعة يحضرون ذلك المجلس الذي كان ينعقد صباح أيّام عاشوراء، فجرى الحديث في أحد الأيّام عن موضوع زيارة المدينة وزيارة مرقد النبيّ، وكنت أجلس جانبًا أستمع لما يدور بينهم من حديث، فقال هذا الرجل بعصبيّة وغيظ شديد: كيف يستسيغ أحدنا زيارة مرقد النبيّ مع وجود هذين ـ فنعتهما باسم حيوان ـ إلى جنبه؟! أتلاحظون! بل كيف لا تُستساغ تلك الزيارة مع وجود النبيّ؟! ولماذا تُفكّر بوجود رجل آخر إلى جنب النبيّ؟! فبغضّ النظر عن هذين الرجلين، فلو أنَّ جميع بني البشر كانوا مدفونين إلى جنب النبي، فما هو شأنك بهم؟ بل عليك أن تشغل تفكيرك بهذا الأمر وهو: لماذا أتيت إلى هذا المكان ومن أجل أيّ هدف قد أتيت؟ فهل قطعت آلاف الفراسخ ووصلت إلى هذا المكان لكي تشغل بالك بهذين الرجلين؟ أم عليك أن تنتظر ما الذي سيفيضه عليك رسول الله، وعليك الاستفاضة من نفس رسول الله والسيِّدة فاطمة الزهراء. إنَّ مثل هذا التصرّف سيعمل على تقليل نصيب الإنسان مّما سيصيبه من فيض، وسوف لن ينال شيئًا من ذلك العروج الذي يُفترض أن يحصل له.
فعلينا أن نسلك نفس الطريق الذي كان الأولياء والعظماء قد أوصوا بسلوكه، نسأل الله أن يوفّقنا لإدراك هذه الحقائق التي منَّ على أوليائه بإدراكها.
الّلهمّ صلِّ على محمّد وآل محمّد

    


[1] ـ سورة يس (36)، جزء من الآية 12.

[2] ـ جاء الحديث في الوافي، ج 23، ص 1281 بهذا اللفظ: كل مولود يولد على الفطرة وإنما أبواه يهوّدانه وينصّرانه ويمجّسانه؛ وقد جاء في البخاري، ج 2، ص 104بهذا اللفظ: كلّ مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه. [المترجم]

[3] ـ سورة الزمر، أجزاء من الآيتين 17 و 18.

[4] ـ سورة القلم (68)، الآية 4.

[5] ـ الروح المجرّد، ص 53.

      
  

جميع الحقوق محفوظة لـ موقع المتقين www.motaghin.com ويسمح باستخدام المعلومات بشرط الإشارة إلى المصدر.

© 2008 All rights Reserved. www.Motaghin.com


Links | Login | SiteMap | ContactUs | Home
عربی فارسی انگلیسی