معرض الصور المحاضرات صوتيات المكتبة سؤال و جواب اتصل بنا الرئیسیة
 
اعتقادات و كلام أخلاق حکمة عرفان العلمي و الإجتماعي التاریخ القرآن و التفسير
المكتبة > محاضرات آية الله السيد محمد محسن الطهراني > شرح دعاء أبي حمزة الثمالي > شرح دعاء أبي حمزة الثمالي لعام 1436 هـ ق > شرح دعاء أبي حمزة الثمالي لعام 1436 هـ ـ الجلسة 17: الذات الإلهيّة البعيدة القريبة

_______________________________________________________________

هو العليم

الذات الإلهيّة البعيدة القريبة

الجلسة السابعة عشرة:

ألقيت هذه المحاضرة في الليلة التاسعة والعشرون من شهر رمضان المبارك لعام 1436 هـ. ق

ألقاها:

سماحة آية اللـه السيّد محمّد محسن الحسيني الطهراني
(حفظه اللـه)

_______________________________________________________________

تحميل ملف البي دي أف تحميل ملف البي دي أف

أعوذُ باللـهِ منَ الشيطانِ الرجيم
بسمِ الله الرحمنِ الرحيم
وصلّى الله على سيِّدنا ونَبيِّنا أبي القاسم محمّدٍ
وعلى آله الطاهرين واللعنة على أعدائِهم أجمعين

"أَيْ رَبِّ، جَلِّلْنِي بِسِتْرِكَ وَاعْفُ عَنْ تَوْبِيخِي بِكَرَمِ وَجْهِكَ."

    

لماذا كان أسلوب النداء في الفقرات السابقة من الدعاء "يا ربّ"؟

يُلاحظ هنا أنَّ الإمام عليه السلام قد غيَّر من لهجته في خطابه ومناجاته مع الله تعالى، فقد كان يستخدم هذه العبارات في خطابه: "وَأَنَا يا سَيِّدي عائِذٌ بِفَضْلِكَ"، أو "وَما أنَا يا رَبِّ وَما خَطَري؟"، أو "يا خَيْرَ مَنْ دَعاهُ داع"، أو "حُجَّتي يا اللهُ في جُرْأَتي عَلى مَسْأَلَتِكَ"؛ فجميع تلك العبارات تبدأ بحرف النداء: "يا" والذي يُستعمل للتكلّم مع البعيد عادةً، وإن كان يُستخدم أيضًا للقريب وقد استعمله العرب في ذلك؛ فحرف النداء "يا" يستخدم من قبل الإمام هنا لنداء مقام العظمة والكبرياء؛ فكأنَّ الإمام عليه السلام هنا يتصوّر الساحة الربوبيّة المقدّسة في مقام العِزّ والجلال والكبرياء والبهاء، ثم يأخذ في مناجات هذا المقام، ويبثّ له همومه وشكاواه، ويطلعه على كلّ ما ينبغي أن يبيَّن في مثل هذه الحالة.
وهذا ما يناسب الحال في مثل هكذا مقام؛ فذلك مثل ما هو معروف فيما بيننا عندما يريد أحدهم مخاطبة أحد الملوك والسلاطين؛ فعندما يدخل أحدهم على الملك، لا يقول له: لقد فعلتَ أنت هذا الأمر؛ بل يقول له وبدلاً عن ذلك: لقد قرر مقام السلطان الشامخ هذا الأمر؛ والحال أنّ الملك يجلس أمامه، ولا يفصله عنه سوى متر أو متران، والملك حاضر أمام عينيه، إلا أننا نراه يخاطبه بهذا الشكل فيقول: لقد قرّر مقام السلطان الشامخ هذا الأمر؛ ولا يقول له: هذا ما قلته يا أيّها الملك؛ وذلك لأنَّه لو خاطب الملك بهذه اللهجة، فسيقول له الملك: انتبه لما تقول يا صعلوك، واعرف مَنْ تُكلِّم الآن!! أتدري مع منْ تتكلّم الآن يا هذا؟!!
يُقال بأنَّ الشيخ الحرّ العامليّ زار يومًا الشاه عبّاس [الصفوي] وكان الشيخ البهائي قد أخذه إليه ليزوره هو أيضًا، فقد كان يريد مقابلة الشاه عبّاس، فقال له الشيخ البهائي: فلنذهب معًا لمقابلته. أمّا الشيخ البهائي فقد كان من الأعاظم ـ وهو من أهالي منطقة جبل عامل في لبنان ـ والأعاظم لديهم اطلاع على بعض المسائل فكانوا يُراعون الحدود والموازين، أمّا الشيخ الحرّ العاملي، فلم يكن كذلك، بل كان "حر " والتي هي على وزن "لُر"‍‍[1] [مزحة من سماحة السيِّد]، فكان يتكلّم بدون تكلّف؛ فزارا الشاه عباس، وأخذ الشيخ الحرّ العاملي بالتحدّث مع الملك بدون أيّ تكلّف، بل وكأنَّه يتكلّم مع رجل عادي لا مع ملك يضع على رأسه تاجًا، فالتفت إليه الشاه عباس قائلاً: ما الفرق بين "حر" و "خَر""[2]؟ فقال له الشيخ: مقدار طول سجّادة الصلاة؛ والتي هي مسافة لا تتجاوز المتر الواحد؛ فكان يريد أن يقول للملك: أنت الحمار وأنا الحر، فلا يفصل بيننا من مسافة سوى ما يعادل طول سجّادة الصلاة، أي ما يقارب المتر الواحد؛ فهذا هو نوع من أنواع الإجابة؛ فتغاضى الملك عن هذا الموقف ولم يُظهر غضبه، فهو البادئ وكان عليه ألاّ يقول ما قال، فما دام قد قالها، فليتحمل نتيجتها إذاً.
إنَّ مثل هذه المواقف التي يتعرّض لها الإنسان تكون مفيدة له في بعض الأحيان؛ فهي تعمل على إنزاله من عرشه إلى الأرض؛ فلو صعد أحدهم كثيرًا، فقد يصطدم رأسه بالعرش، وقد يتجاوز بعضهم في صعوده حتى الله، فأنا لا أدري فيما إن كان هنالك مقام يفوق مقام الهوهوية أم لا! ويبدو أنَّنا نفتح لأنفسنا مقامًا في تلك العوالم العليا، فنتجاوز بذلك مقام الهوهويّة ونصعد إلى ما هو أعلى منه! لذلك فإنّ مثل المواقف التي يتعرّض لها المرء مفيدة له. علينا ألاّ ننسى كيف أنَّنا عندما نوضع في القبر فبعد يومين من الدفن، لن يتمكّن أحد من إزالة تراب القبر؛ علينا ألّا ننسى ذلك أبدًا؛ وليكن الله في عون تلك النفوس التي تستولي عليها "الأنا".
فهذا ما يتناسب مع مقام السلطة، فتراهم يقولون: هذا ما أمر به صاحب السموّ، ومن أمثال تلك العبارات التي لا يمكننا أن نتعامل بها مع منكرٍ ونكيرٍ، فهي لا تلقى رواجًا لديهما، فعلينا أن نتعلّم عبارات تخلّصنا من مساءلتهم عندما نتعرّض لها؛ فإن تمكنّا من تجاوز تلك الأسئلة في ليلة الدفن الأولى، فقد نجونا، وإلاّ فإنّ تلك العبارات الجذّابة، والكلمات المنمّقة، والابتسامات الظاهريّة، والتودّد للآخرين، من غير المعلوم أنه سيفيدنا في ذلك اليوم.
يُقال بأن المَلِك "نادِر" كان عندما يذهب إلى الصيد يقول للمحيطين به: عندما نذهب إلى الصيد، فسوف لن يكون اسمي "الملك نادر"، بل سأكون "الغلام نادر"، أمّا عند عودتنا إلى العاصمة وعندما أجلس على عرش المملكة، فأنا "الملك نادر"؛ فحصل يومًا أن أراد أحد المحيطين به أن يمازحه مزحة سمجة، فخاطبه أمام الجميع بـ "الغلام نادر"، فقام نادر بضرب عنقه في الحال قائلاً: أنا الغلام نادر في الصيد، لا عندما أكون في العاصمة وأنا جالس على عرشي؛ لقد تجاوز ذلك الرجل الخطّ الأحمر، ومن يتجاوز الخطّ الأحمر، فعليه أن يتحمّل عاقبة أمره.

    

إضاءات في حقيقة مقام ذات الله

وهكذا هو الحال في ما نحن فيه، فعندما يريد الإمام عليه السلام أن يختلي بربّه ويُناجيه، فهو يُراعي هذه المسألة في تحديد موقعيّته وموقعيّة الله، ويلتفت إلى مرتبة الله وأفقه وعالمه؛ علمًا بأنّ استعمال مصطلح "العالم" و"المرتبة" وما شابههما في الإشارة إلى مرتبة الألوهيّة هو استعمال خاطئ، فالله فوق المرتبة، بل هو الموجد والموجب للمرتبة وللأفق؛ فليس لله مرتبة.
يُعبَّر عن الله تعالى وعن مقام الهوهويّة، حيث لا اسم ولا رسم ولا حدّ ولا قيد ولا نعت ولا وصف هناك، بل ولا يمكن أن يجد أيّ شيء طريقه إلى ذلك المقام؛ يُعبَّر عن ذلك المقام بمقام "هُو"، والذي هوَ عبارة عن ضمير الإشارة الذي يشير إلى ذاتٍ في الغيب، وإلى حقيقة بعيدةٍ عن متناول الفكر والعقل، وبعيدةٍ عن الاعتبار والوهم والإشارة والحسّ وما شابه ذلك؛ فيُعبّر عنها بـ "هُو" والذي يعني ذلك الفرد وتلك الذات والحقيقة الخارجة عن الوصف والخارجة عن الظهور، وذلك لأنَّ مرتبة الظهور هي مرتبة أدنى منه، ومرتبة الظهور هي مرتبة بروز الوجود في الخارج، فـ"هو" مرتبة أعلى وأعمق من مرتبة الظهور والبروز وخارجة عنها؛ فهذا هو مقام "هو".
فعندما يريد الإمام عليه السلام أن يتكلّم مع الله، نراه يقول: إلهي أنت تلك الحقيقة التي لا تنالها الأيدي، ولا يمكن الإشارة إليها، ولا يمكن لمسها، ولا يسعها الفكر، ولا تخضع لتأمّل العقل وتصرّفه؛ نعم يمكن الإشارة إليها بشكل مجمل ومبهم؛ فأيّ مقام هو هذا؟ إنَّه مقام العِزّ والكبرياء والجلال الذي لا يمكن أن يقترن به شيء، ولا يدع مجالاً لأن يكون له رفيق أو صاحب يتواجد إلى جنبه؛ فهو مستغرق في عِزّ جلاله وكماله.
دائماً او پادشاه مطلق است
                             در كمال عزّ خود مستغرق است‏
(يقول: دائمًا هو الملك المطلق ، وهو غارق في كمال عِزِّه)

أي إنَّ الله عزيز وشامخ إلى الدرجة التي لا يمكن معها أن يناله أحد، أو يفكر فيه أحد؛ فذلك هو مقام العِزّ؛ فهو عزيز، والعزيز هو الذي ليس له نظير، فهو يعني أنه متفرّد بالوجود والقدرة والبهاء والعظمة؛ فعبارة "عزيز مصر" تعني الرجل صاحب القدرة والجلال الذي لا حاكم سواه، والذي يخضع الجميع لحاكميّته؛ وكذلك عبارة: "هو العزيز القدير" تعني أنَّ الله يمتلك مقام العِزّة والقدرة.
وهذا ما أشار إليه الشيخ العطّار النيشابوريّ عندما قال:
او به سَر نايد ز خود آنجا كه او ست
                             
كى رسد عقل وجود آنجا كه او ست
(يقول: لا يمكن تصوّر الله في حقيقة مقام ذاته؛ فمتى يمكن لعقل الموجودات أن يصل إلى مقام ذاته)

فهو في مقامٍ عظيم بحيث لا يسمح لأحد بالورود إلى ذلك المقام، ولا يمكن تصوّر ثانٍ له في ذلك المقام؛ فالموجود هناك "هو"، وكلّ ما سواه من القوالب الإمكانية ليس إلا عدمًا؛ والموجود هناك "هو"، وجميع الماهيّات ليست إلا عدمًا، وهو الذي يُلبس الماهيّات لباس الوجود ويعطي جميع القوالب لباس التعيّن والتشخّص؛ فهو في مرتبة لا تصل إليها أيّة حقيقة أو ماهيّة.

    

موقع الإنسان أمام الله وأثر الالتفات إليه في سلوكه

فهذا ما يتعلّق من الأمر به، فمن نكون نحن والحال هذه؟ بطبيعة الحال سنكون نحن عكسه سبحانه؛ فما دام هو في ذلك المقام الذي لا يتحمّل وجودًا ثانيًا معه، ولا يتّخذ له صاحبًا ولا قرينًا، فمن نكون نحن في هذا الوسط؟! إنَّنا عدم ليس إلاّ؛ فيأتي الإمام عليه السلام ليقول هنا: هذا هو حالي يا ربِّ، وذاك هو مقامك.
لو كنَّا نعتقد بصحّة هذه الأمور حقيقةً، يعني ولو شيئًا قليلًا من الإيمان بصحّتها، فأنا لا أعني ما عند الأولياء من الإيمان، فهذا مما لا يمكن الحديث عنه في هذا المقام، بل أقول لو كان لدينا من الإيمان بهذه المسائل التي يطرحها الإمام عليه السلام، وحتّى ولو كان مقدار هذا الإيمان بقدر رأس الإبرة أو بمقدار حبّة الخردل، أفكنَّا سنمضي حياتنا الدنيويّة بالشكل الذي نمضيه بها الآن؟! وذلك بأن نركع أمام من يستحق ومن لا يستحق التقدير وننحني أمامه بمقدار تسعين درجة، بل ونسجد له؟! لا وبل أكثر من ذلك، فترانا نخضع لهذا وذاك ونلوي رقابنا ونحن نتكلّم معهم..

    

عدم اقتصار دعاء أبي حمزة على شهر رمضان وضرورة التأمّل في مضامينه وتطبيقها خلال السنة

فمن الواضح حينئذٍ بأنَّنا لا نؤمن بهذه الحقائق؛ فنحن إنما نرضّي أنفسنا بقراءتنا لدعاء أبي حمزة الثمالي ودعاء الافتتاح في ليالي شهر رمضان، ثم لا نعود إليها إلاّ بعد أحد عشر شهرًا حيث نعاود الحضور الظاهري في هذه المجالس من جديد، ونعود لنمضي ليالينا وأيامنا بهذا الشكل من جديد.
فكم نكون قد تأمّلنا في مفاهيم هذه الفقرات من الدعاء؛ فلقد ذكر الإمام السجّاد وبقيّة الأئمة هذه الأدعية لنستفيد منها في جميع الأشهر الاثني عشر من السنة، لا في شهر رمضان وحده وبهذه القراءة السيّئة، فنكون قد أقنعنا أنفسنا بأنَّنا قد قرأنا دعاء أبي حمزة واستمعنا لحديث السيِّد، فلله الحمد على ذلك، فكم هي من ليالي سعيدة قد أمضيناها!
ها قد انتهى شهر رمضان، فيبدو أنَّ هذه الليلة هي الليلة الأخيرة من الشهر، هذا بحسب ظاهر الأمر، فلا أدري إن كانت هي الليلة الأخيرة حقّاً، أم لا؛ فها قد انتهى هذا الشهر المبارك ونحن لم نتجاوز بداية المنعطف الأوّل من الزقاق؛ فلم نبرح هذا الحدّ في هذه العبارات وهذه المعاني وهذه المفاهيم.
لقد قرأ الأئمة هذه الأدعية علينا لكي نستفيد منها طوال عامنا؛ فعندما قرأ الإمام دعاء أبي حمزة، فهو يريد أن يقول لنا: عليكم يا شيعتي بالمواظبة على قراءة هذا الدعاء طوال السنة؛ وأنا لا أقول عليكم أن تحفظوا هذا الدعاء ـ فهذا ما لن تفعلوه ـ بل على الأقل عليكم أن تلقوا نظرة عليه مرّة واحدة في الشهر أو مرّة في كلّ أسبوعين أو ثلاثة أسابيع؛ وعلى من يجيد اللغة العربية أن يتمعّن في معاني الكلمات، أمّا من لا يجيدها، فعليه مراجعة الترجمة والتأمّل في عبارات الدعاء؛ وليضع في ذهنه المقدمات التي بيّناها خلال هذا الشهر، من أن الإمام عليه السلام يناجي الله بهذا الدعاء واقعًا، لا أنه في مقام التمثيل والعياذ بالله؛ فالإمام أوّلاً يدعو بهذا الدعاء لنفسه، فلو كان هدفه من هذه الأدعية هو تعليمنا نحن لقرأها على الناس في مسجد المدينة لمرّة واحدة وانصرف إلى بيته، ولكتبها الكتّاب المتواجدون هناك؛ فلأيّ غرض يكرّر الإمام قراءتها كلّ ليلة؟ ولماذا يقوم بإغلاق الباب عليه والاختلاء بنفسه وإمضاء الليل وحتّى الصباح في قراءة دعاء أبي حمزة؟ وهل كان يبكي ـ وهو وحده في الغرفة، أو عندما كان يخرج إلى الصحراء وحده ـ من أجل أن يرينا ذلك؟!
لقد نقل لنا أصحاب الأئمة كيف أنَّهم كانوا يمشون في الصحراء أو يمرّون من جنب شجرة، وإذا بهم يسمعون صوت بكاء وتوسّل، وعندما كانوا يتابعون مصدر الصوت، كانوا يجدون أحد الأئمة في حال مناجاة مع الله! ألم يكن أمير المؤمنين يذهب إلى خارج المدينة في الصحراء أو إلى بساتين النخيل للمناجاة، بالشكل الذي جعل أصحابه يقتفون أثره خوفًا عليه من أعدائه الكثيرين في ذلك الوقت من أن يُلحقوا به الأذى؟ ألم يفعل كميل بن زياد ذلك؟ ألم يُنقل عن الأصبغ بن نباتة أنَّه كان يسمع مناجاة أمير المؤمنين في الليل؟ وهكذا الكثير من أمثال ذلك.
فلو كان الأئمة يقومون بكلّ ذلك من أجل تعليمنا، فكيف يمكن تفسير ذهابهم إلى بساتين النخيل؟ ولماذا كانوا يتعلّقون بأستار الكعبة ويناجون الله وينشدون الأشعار في منتصف الليل؟ وكيف يمكن تفسير ما نقله الأصمعي عن الإمام عليّ بن الحسين؟ فإلى متى نقوم بدسّ رؤوسنا في التراب بالشكل الذي لا نريد فيه أن ندرك هذه الحقائق؟ وها نحن نحاول تبرير ما نسمعه من تلك المعاني بتبريرات لا طائل منها؛ وهي تلك المعاني العميقة والرشيقة والرقيقة التي يفترض أن نصرف ساعات من وقتنا في التفكير بشأنها.
أتذكّر كيف أنَّني كنت أجلس وحدي في بعض الأحيان، أفكّر في بعض تلك الفقرات، ثم نظرت إلى الساعة فوجدت بأنَّني قد استغرقت في التفكير في أحد مفاهيمها ساعتين من الزمان، والحال أنني ما زلت أغوص وأتعمّق في التفكير في مفهوم من هذه المفاهيم. وكلّما كنت أسير وأتقدّم في التفكير بشأنها، كنت أرى بأنَّ الإمام كان قد سبقني في ذلك، فكنت أرى بأنَّ معنىً جديدًا قد اتضح لي، فيتّضح من هذا بأنَّ الإمام كان قد سبقني إليه؛ ثمّ يتوالى توارد المعاني الجديدة على ذهني.
فتجد بعض الناس يقولون بأنَّ الإمام كان قد قال ما قال من أجل تعليمنا، ولم يكن يقصد بها نفسه، لماذا لم يكن يقصد بها نفسه؟! ولماذا لا ينبغي لنا أن نؤمن بشمول حقيقة التوحيد لجميع مراتب الوجود؟! إنَّنا وبعملنا هذا نسهّل إلحاق الظلم بمسلك أئمة أهل البيت، وذلك بأن نجرّدهم عن مكانتهم وموقعيّتهم؛ فها نحن نجرّدهم عن تلك المسئولية ونسلخهم عن تلك المسؤوليّة الملقاة عليهم ونحوّلهم إلى مجرّد إنسان آلي، فنصوّرهم أنهم ليس لهم دور سوى إلقاء بعض الكلمات التي لا يعملون هم بها، ويأمرونا بطيّ طريق لم يطووه هم؛ وليس لهم دور سوى تعليمنا هذه الأمور، ثم وضعت في الكتب بعد ذلك، هذا هو دورهم فحسب. وهذا هو الذي يؤدي ـ وأنا أقسم بالله على ذلك ـ إلى تقاعسنا عن القيام بتلك الأعمال التي يتعيّن علينا القيام بها.

    

معرفة مقام الله تعالى تجعلنا لا نرتعب من الشخصيّات الكاذبة ولا نخضع إلا لله

إنَّ لنا درجتنا الخاصة بنا في هذه الدنيا، ولنا حدودنا التي يجب علينا رعايتها؛ لذا فعندما نرى كيف يتكلّم الإمام المعصوم أو الولي الإلهي بكلام مثل هذا، فعلينا أن نتعلّم منه كيف ينبغي علينا أن نتكلّم وكيف علينا أن نتعامل مع الآخرين، وألّا نرتعب من بعض الشخصيّات الكاذبة، وألا نرتعب من المكانة الاعتبارية الكاذبة لبعض الناس في هذه الدنيا؛ وعلينا أن نعلم بأنّ الكلّ سواسية كأسنان المشط، لا فضل لأحدهم على الآخر، فنعمل بذلك على الحفاظ على كرامتنا كأناس في المجتمع؛ فأنت إنسان، والإنسان له كرامة.
قال سيِّد الشهداء ـ كما تُنقل هذه العبارة عن أمير المؤمنين عليهما السلام كذلك ـ لَا تَكُنْ عَبْدَ غَيْرِكَ وَقَدْ جَعَلَكَ اللهُ حُرَّا>[3]؛ حقًّا إنَّ كلمات الإمام الحسين هذه من تلك الكلمات التي تنزل على الرأس كالمطرقة أو المعول، وتحطّم ما فيه من أوهام وتخيّلات، وتهدم تلك الأمور الاعتباريّة والأوهام الزجاجية المنتفخة وتفتتها وتذرّها في الهواء...
"لَا تَكُنْ عَبْدَ غَيْرِكَ وَقَدْ جَعَلَكَ اللهُ حُرَّا"؛ فالإمام يخاطب الإنسان هنا قائلاً: يا سيّء الحظ، لقد خلقك الله حرًّا، فلماذا تذلّ نفسك أمام عبدٍ من عباد الله، وهو عبد مثلك، ولا فرق بينك وبينه فكلاكما عبد من عبادي؛ فابذل عبوديّتك لي أنا، وأنفق ذلّك بين يديّ أنا، واسكب فقرك ومسكنتك تحت قدميّ أنا؛ لا لأحد آخر هو مثلك، وهو من الضعف بحيث إن سُحب من أذنه خرج مخّه معها، وإن دخل إلى جسمه ميكروب أو جرثومة ما، لما تمكّن جميع من في العالم من إخراجه منه وإن استخدموا كلّ ما لديهم من أجهزة وأحدث ما لديهم من تقنيّات؛ فهذا ما يحصل بالفعل، فتعال وانظر؛ أليس في مصير الماضين عبرة لنا؟!
فما كنَّا نشاهده في عهد حكومة ملك إيران السابق، صدّقوا أنّه كان يجعلنا نقول: وهل يمكن أن يأتي اليوم الذي يسقط فيه هذا النظام؟! وهل يمكن أن يأتي اليوم الذي تزول فيه هذه السلطة وهذه الأجهزة الأمنيّة؟!لم يكن ذلك ليخطر في أذهاننا؛ فقد كانوا يحكمون البلاد بالقوّة الشيطانيّة، وكانوا يسيطرون على كلّ شيء حتى بتنا نستبعد إمكانيّة سقوط هذا النظام!
ولكن عندما شاءت الإرادة الإلهيّة، لم يقف بوجهها دبّابة أو مدفع أو طائرة؛ فجاءت المشيئة الإلهيّة وحطّمت عروش الظالمين؛ أليس هذا ما حصل؟!
وما إن انتهى عهد ملك إيران، حتّى جاء دور غيره؛ ففي عهد صدّام، كان الأمر عجيبًا حقًا؛ أي إنَّنا إن كنَّا نعطي احتمال سقوط ملك إيران الواحد من المليون، فلم نكن لنعطي مثل هذا الاحتمال بالنسبة إلى سقوط صدام؛ فأيّ حيوانٍ وحشيٍّ كان صدّامٌ هذا؟!! لقد كان متوحّشًا إلى درجة أنّنا كنَّا نقول ـ والعياذ بالله ـ بأنَّ الملائكة لا تقدر عليه ـ لقد كنَّا نمزح بقولنا ذاك طبعًا ـ فهل كان متصوّرًا بأن يسقط نظامه بين ليلة وضحاها؟!
المحكمة.
عن لعبة، وكان لا بدّ لذلك المسكين من أن يُغادر؛ هذا في الوقت الذي كنَّا نشغل أنفسنا في متابعة ما يجري من تغيّرات على الساحة، بينما لم يكن الأمر سوى لعبة وها قد انتهت؛ وسيأتي دورنا نحن أيضًا، وستنتهي اللعبة بالنسبة لنا أيضًا، وستنتهي هذه اللعبة بالنسبة إلى الجميع، نعم، ستنتهي تلك النهاية
في إحدى المرّات كنت أستمع إلى برنامجٍ حول ما كان يجري في الأمم المتّحدة من مداولات بشأن العراق، فكان ممثّل العراق في الأمم المتّحدة يتكلّم ويقول: تعالوا وفتشّوا العراق بأكمله، فإن وجدتم قطعة واحدة من أسلحة الدمار الشامل، فلكم أن تفعلوا ما شئتم؛ ولم يكونوا ليقبلوا كلامه، بل كانوا يصرّون على امتلاك العراق لتلك الأسلحة، وكانوا يقولون بأنَّ على هذا النظام التخلّي عن السلطة؛ فقلتُ حينها: لقد خُتم ملف هذا النظام ولن ينفعه أيّ عمل يقوم به، فلقد خُتم على هذا الملف هناك في الأعلى، ولن ينفعه ما يقوله في شيء، وهكذا كان الأمر؛ فجمعوا جمعهم وضربوا العراق وأسقطوا النظام؛ فهل كانت هنالك أسلحة للدمار الشامل فعلاً، أم لم تكن؟ فهذا مما لا علم لنا به؛ ولكن طوي ملفّ هذا النظام في نهاية المطاف.
أتذكر جيدًا ما الذي قاله ممثّل العراق في الأمم المتّحدة بعد أن قامت القوّات الأمريكيّة باحتلال بغداد. إنَّ الإنسان ليُذهل حقًا عندما يرى كلّ ذلك، وهو بمثابة العبرة لنا جميعًا، فهذا الأمر لا يختصّ بالعراق وحده، بل ويشملنا جميعًا وسواء أوصلنا إلى مركز السلطة أم لم نصل، فلا بدّ وأن يُختتم ملفّنا في يوم من الأيّام، فهذا قانون لا يقبل الاستثناء، فلم يتمّ استثناء أحد منه حتّى اللحظة، وسوف لن يُستثنى منه أحد مستقبلاً.
فعندما سُئل ممثل العراق عن رأيه فيما حصل من دخول القوات الأمريكيّة العراق واحتلالها لبغداد، قال: (The play is finished) لقد انتهت اللعبة؛ فلقد كان الأمر ومن أوله إلى آخره عبارة

    

ما هو السرّ في استعمال نداء القريب في فقرة "أي ربّ"؟

فالإمام عليه السلام يقول لله: هذا ما أنت عليه يا ربِّ، وهذا ما أنا عليه من الحال؛ وعندما ينتهي الإمام من عرض ذلك كلّه، يقوم بتغيير لهجته في الكلام فيقول: لـمّا كنتَ أنت في ذلك المقام يا ربِّ، وأنا على هذا الحال، فتعامل معي هكذا... فنراه هنا يقوم بتبديل حرف النداء "يا" والذي يُستخدم لنداء البعيد عادةً، إلى حرف "أي" والذي يستخدم لنداء القريب، فيقول هنا: "أي ربِّ"، يعني يا من أنت قريب منِّي؛ لـمّا كنتَ أنت الله الذي تمتلك مقام العظمة والعِزّ والكبرياء والرِفعة والإطلاق والسرمديّة، والصمديّة، والتي تعني أنه يسدّ الطريق على ورود الغير إلى ساحته، ولـمّـا كنتُ أنا ذلك العبد الفقير، المعدم، الخالي، الذي لا يملك لنفسه إرادة، وكلّ ما لديه فهو أنت؛ فلمّا كان كلّ شيء على هذا الحال، فتعال يا ربِّ وتعامل معي على هذا الأساس وهو: "أَيْ رَبِّ، جَلِّلْنِي بِسِتْرِكَ" ؛ فغضّ النظر عن أخطائي، فعندما تصل النوبة إليّ، فلا تفتح عينيك وتحدّق بي، بل غضّ الطرف عنّي. أحيانًا أُخاطب الله فأقول: ألا يمكن أن تصرف نظرك عنِّي لمدّة خمس دقائق يا ربِّ، ثم تعاود النظر إليّ، أو حتّى لمدّة دقيقتين، فاغمض عينيك عنِّي لمدة دقيقتين؛ نعم يحصل لي أحيانًا مثل هذا الشيء. فالإمام هنا يقوم بتقريب نفسه من ربِّه ويخاطبه قائلاً: أنا لا شيء وأنا عدم وأنت كلّ ما في الوجود وها قد اقتربتَ منِّي وأصبحت إلى جنبي؛ فنراه يخاطب الله هنا بـ "أي" بدلاً من "يا"؛ وهذا هو نفس الأمر الذي كان يتحدّث عنه المرحوم العلاّمة عندما كان يقول: "لقد رموا الله في مكان بعيد لا يمكن أن تصل إليه يد أحد، وجعلوا منه غولاً مخيفًا، فعملتُ على تقريبه من الناس حتّى أجلسته إلى جنبهم، فقلت لهم: هذا هو الله، فهو على درجة لا يمكن تصوّرها من الرحمة، والعطف، والغفران، والكرم؛ فها قد جلبتُه وأجلسته إلى جنبكم، فإن كنتم تريدون التحدّث إليه، فتحدّثوا إليه ولا تخافوا منه، فهو ليس بذلك الغول المخيف؛ فانظروا لتروا كم هو من إله جميل".

    

من البرامج السلوكيّة التكلّم مع الله في جميع الأحوال كرفيق

وهذا الكلام الذي أبيّنه لكم هو كلام حقيقي فأنا لا أريد ـ بحديثي عن هذا الموضوع ـ تمضية الوقت، بل إنّ هذا الكلام هو برنامج سلوكي، أيّ أن الأولياء كانوا يوصون تلامذتهم بالعمل بهذه الأمور من أجل طيّ الطريق؛ فكانوا يقولون لتلامذتهم: تكلّم مع الله على أنَّه رفيق لك في جميع الأحوال، ولا تعتبره موجودًا مخيفًا ومرعبًا ومن الأشياء البعيدة عنّا؛ فإن تصوّرته على هذه الشاكلة، فلن تتقدّم في طريقك، وستفقد الجرأة في الحركة نحو الأمام، ولن يكون عندك الأساس الذي تعتمد عليه في الحركة، وستفقد القدرة على الحركة في طريق التكامل؛ أليس كذلك؟ لقد اختبرنا كلّنا هذا الأمر، فمن لم يختبره لحدّ الآن فليرفع يده؛ فعندما نقف للصلاة، ألا نقول: أين نحن وأين الله؟! ما أبعده عنّا! ألا نقول ذلك عندما نذهب إلى الحج، وننوي ارتداء لباس الإحرام والتلبية؟ ألا نقول حينها: أين نحن وأين الله؟! ما أبعده عنّا؟!
ذهبت إلى منزل أحد الأصدقاء ـ حفظه الله ـ يومًا، وهو أحد أطبّاء مدينة مشهد المعروفين، وهو ممن كان يحترمه المرحوم العلاّمة ويهتمّ بأمره، ألا وهو الصديق الشفيق الدكتور الخوارزمي سلّمه الله؛ وكان هنالك شيخ من أهل العلم، وهو من المقرّبين من أحد السادة؛ لا داعي لذكر حاله بأكثر من هذا المقدار، فقد انتقل ذلك الرجل إلى رحمة الله، ولا ينبغي ذكر الموتى [بنقائصهم]؛ إلا أن الحادثة التي وقعت هناك مهمّة؛ فتخيّلوا رجلًا من أهل العلم، وكان يعتبر نفسه مرجعًا للتقليد وله رسالة عمليّة؛ فقال ذلك الرجل: ذهبتُ معه لأداء العمرة يومًا، فبينما كنَّا في الجحفة وكنَّا قد أحرمنا ولبّينا، نظرت إليه وإذا بي أرى وجهه قد تغيّر وبدت عليه حالة من الاضطراب [وكان يرتعش]؛ مع أنه كان شيخًا عجوزًا، وكان يتنقّل على كرسي متحرّك؛ لقد رأيته بنفسي في أحد أسفاري لزيارة العتبات في حرم الإمام موسى بن جعفر يتنقّل بواسطة الكرسي المتحرّك.
يقول الرجل: بينما كان على كرسيّه المتحرّك، رأيت بأنَّ وجهه قد شحب، وقد اضطرب كثيرًا، فخفت أن يحصل له مكروه، فقلت له:
لماذا أراك مضطربًا؟
فقال: ماذا أفعل؟ ماذا أفعل؟
فقلت: وما الذي حصل لك؟!
فقال: لقد أحرمت ولبّيت.
فقلت: إن كنت أحرمت، فقد أحرمت، فماذا في هذا؟!
فقال: ها قد أحرمت، فكيف سأتحلّل من الإحرام؟!
لو كنت مكانه لأجبته بشكل آخر، ولكنت قلت له: ما الذي يبعثك على القلق؟ فإن لم تستطع التحلّل من الإحرام، فلا تتحلّل منه، فهل هناك أحدٌ ينتظرك عند العودة بحيث قد تحصل لك مشكلة ما؟ فإن لم تستطع التحلّل من الإحرام ـ فإن بقي أحدهم وحتّى آخر عمره في الإحرام، فليبقَ ـ [فلا تتحلّل منه] فما الذي يبعث على قلقك؟ فها أنت تتناول طعامك، وتنام ليلك، فما الذي تريد القيام به أكثر من هذا؟ فأنت رجل عجوز، وها قد شارفت على الموت، وأنت تتنقّل على الكرسي المتحرّك، فما معنى هذا الخوف، وما هذه الألاعيب؟! بالطبع، فقد قلت هذا الكلام في بيت الدكتور لذلك الرجل، فقلت له: إن لم يستطع أن يتحلّل من الإحرام، فلا يتحلّل منه، فما الذي يريد القيام به؟ فقد بلغ به الحال درجة تجعله يسقط بمجرّد أن تمسّه بيدك.
فما الذي يبعث على قلقك يا هذا؟! فإن كنت خائفًا من عدم تمكنّك من التحلّل من الإحرام، فلا تتحلّل منه؛ فما هو التصوّر الذي يتصوّره عبد الله هذا عن الإحرام؟! فهل يتعدّى الإحرام لبس قطعتين من القماش يأتزر بإحداهما إلى سرّة البطن، وتُلقي بالأخرى على كتفيك؟ فما عليك بعدها إلاّ أن تأتي ببقيّة الأعمال!
والحال أن البعض يتصوّر بأنَّه ما دام قد دخل في الإحرام فعليه ألاّ يتكلّم بشيء، ولا يفعل أيّ شيء آخر؛ فتراهم يُدخلون المحرم في جوٍّ من الأوهام والتخيلات بدلاً من أن يشعر بأنَّه يدخل الجنّة في لحظة إحرامه؛ وهو يخرج بإحرامه من جميع الاعتبارات والتعلّقات الدنيويّة؛ كالتعلّق بالمال والجاه والنساء فينبغي عدم النظر لها والتكلّم معها ـ إلاّ بشكل عادي ـ وكذلك يترك تعلّقه بالزينة كساعة اليد إن كانت جميلة وجذّابة، وكذلك الأمر مع خاتم اليد إن كان يبعث على جلب النظر إليه؛ فإن كان الرجل معمّمًا، فعليه خلع عمامته وعباءته وقبائه، والاكتفاء بلبس منشفتين بل قطعتين من القماش القطنيّ الأبيض، ففي لبس المنشفة زيادة عن المطلوب، فيأتزر بإحدى القطعتين ويرتدي الأخرى، وذلك بأن يلقيها على عاتقه، وعليه أن يكون كبقيّة النّاس بنفس لباسهم وهيئتهم، ولا يفكّر في شيء سوى العبوديّة؛ ولولا مراعاة أمر الدين والحياء، لأمر الله المحرم برمي هاتين القطعتين والظهور مثل آدم وحوّاء، غير أنَّ هذا مما لا يمكن فعله، وإلاّ لكان أمرًا جيدًا!

    

وقفة مع ظاهرة العري عند الإنسان المعاصر

وها هم يفعلون نفس هذا الأمر الآن! فها نحن نرى ذلك الإنسان الراقي والذي يعيش في عصر الذرّة يفعل مثل هذا الشيء، فلقد تبدّل الإنسان بحيث انتفخ مخّه بشكل كبير، وتبدّلت خلايا دمه الحمراء والبيضاء وتبدّلت بلازما دمه، فتبدّل مخّه وأصبح متنوّر الفكر؛ فلم يعد ذلك الدين السابق ليفي بمتطلبات حياته المعاصرة والحال هذه، فلا بدّ من استبدال ذلك الدين القديم بدين جديد؛ فها نحن نرى هذا الإنسان يستعرض نفسه في الشوارع عاريًا تمامًا أمام النساء والأطفال، فيشارك في هذا الاستعراض طبقات مختلفة من المجتمع من رجالٍ ونساءٍ، شبابًا كانوا أو كهولاً؛ فذلك الدين القديم لم يعد ليفي بمتطلبات هذا الإنسان المتنوّر الفكر.
كنت قد سافرت برفقة عدد من الأصدقاء في الماضي البعيد إلى باريس، وكان هنالك حفل معيّن، فسأل الأصدقاء أحد ضبّاط الشرطة عن طبيعة الحفل المقام هناك، فقال الضابط: لم تفتكم الفرصة، فسيجر اليوم استعراض هنا، فمن حسن حظكم أنكم متواجدون هنا لكي تتمتعوا بالمنظر؛ فسيستعرضون أنفسهم ذهابًا وإيابًا دون مبالاة بوجود من ينظر إليهم من رجل أو امرأة أو طفل!!
فهذا النوع من الناس هم أولئك الذين لم يعد ذلك الدين القديم ليفي بمتطلبّاتهم، ولا بدّ لهم من دين جديد بقوانين جديدة، فلقد أصبحت القوانين السابقة قديمة لا تفيدهم في شيء!! علينا أن نترحّم على الأمم السابقة كثيرًا، نعم علينا الترحّم على أولئك الذين كانوا يعيشون قبل ألف وأربعمائة أو ثلاثة آلاف سنة، فعلى أقل تقدير، هم لم يصلوا إلى هذا المستوى المنحطّ من الأخلاق والثقافة الساقطة بحيث يستعرضون أنفسهم مثل الحيوانات، فتراهم يسيرون في الشوارع كالحمير وكأنَّه ليس هناك من ينظر إليهم الآن، وهم سعداء بما يفعلون وغير مبالين بما يجري من حولهم.

    

الله تعالى ستّار العيوب

يقول الإمام هنا: أي ربِّ جَلّلني بِسِترك؛ فيا ربِّ، يا من أنت قريب منِّي، ويا من أراك قريبًا منِّي إلى درجة كبيرة جلّلني بسترك؛ فيا صاحب مقام الستّارية، ذلك المقام الخاصّ بك، والذي تستر به عيوب عبادك وأخطاءهم، جلّلني بسترك.
جاء في الدعاء الشريف: يَا مَنْ أَظْهَرَ الْجَمِيلَ، وَسَتَرَ الْقَبِيحَ، يَا مَنْ لَمْ يُؤَاخِذْ بَالْجَرِيرَةِِ[4]؛ أي أنه يستر العمل القبيح وما يصدر عن عبده من أخطاء، هذا في الوقت الذي يوصِل فيه ما يصدر عن عبدك من عمل صالح إلى أسماع الآخرين، فيعمل على تهيئة ظروف تؤدِّي إلى أن يطّلع الآخرون على ما صدر من عبده من عمل خيرٍ؛ فهكذا هو ربّنا!
ولقد جاء في المناجاة الشعبانيّة لأمير المؤمنين عليه السلام: إِلـهي قَدْ سَتَرْتَ عَلَيَّ ذُنُوبًا في الدُّنْيا وَأَنَا أَحْوَجُ إِلى سَتْرِها عَلَيَّ مِنْكَ في الأُخرى؛ لماذا؟ لأنَّ يوم القيامة هو يوم حسابٍ وكتابٍ؛ فقد سترت عليَّ ذنوبي في الدنيا فحفظت ماء وجهي وسُمعتي من أن تتلوّث أمام الآخرين، فكلّ هذا قد تمّ لي في الدنيا، أمّا في الآخرة، فإنَّك ستحاسبني عليها وستُدخلني جهنّم بسببها، فحاجتي يا ربِّ لسترها في الآخرة أكبر من حاجتي إليها في الدنيا.
تكمن هنا نكتة خفيّة، فيريد أمير المؤمنين أن يعمل هنا على إثارة وتحريك غيرة الله وربوبيّته، فتراه يقول: وَأَنَا أَحْوَجُ إِلى سَتْرِها عَلَيَّ مِنْكَ في الأُخرى؛ ثمّ يُردف أمير المؤمنين عليه السلام قائلاً:: إِذْ لَمْ تُظْهِرْها لأَحَدٍ مِنْ عِبادِكَ الصّالِحينَ؛ فأنت قد سترتها حتّى عن عبادك الصالحين في الدنيا يا ربِّ، فلم تفضح سرِّي حتّى لعبادك الصالحين، هذا فضلاً عن العوام من عبادك.

    

ما المراد بالعباد الصالحين الذين تستر عنهم الذنوب؟

قلت للمرحوم العلاّمة رضوان الله عليه يومًا: كيف يمكن تفسير أمر ستر الذنوب عن عباد الله الصالحين، أفلا يطّلع أولياء الله عليها؟ فقال: إن أمر: لَمْ تُظْهِرْها لأَحَدٍ مِنْ عِبادِكَ الصّالِحينَ يتعلّق بأولئك الذين هم ما دون مقام الأولياء الذين وصلوا إلى مقام الولاية، فلا يُظهر الله تلك الذنوب لهم، أمّا ذلك الوليّ الذي قد حاز على مقام الولاية الإلهيّة، فيكون قد خرج عن المرتبة البشريّة، فلم تعد رؤيته للأمور رؤية الرجل العادي الذي إن اطّلع على شيء، فسيترك ذلك الشيء أثرًا له في نفسه، بل هو ما فوق هذا الأفق؛ فالأمر سواء لديه أطّلع على شيء من هذا القبيل أم لم يطّلع عليه، فلا يترك هذا الأمر أيّ أثر له على روحه وعلى ردّة فعله وكيفيّة تعامله مع الغير.
أمّا بالنسبة لنا، فنحن إن اطّلعنا على عيب لأحدهم، فترى حالنا يتبدّل عندما نقابله وجهًا لوجه، وتتبدّل لهجة كلامنا عندما نتحدّث معه؛ ونعوذ بالله من أن نقوم بإفشاء عيب الآخرين بنحوٍ عمدي، أي أن نكون نحن الذين أقدمنا على إفشاء ما يقوم به الآخرون، كأن يكون ذلك بواسطة نصب أجهزة تساعدنا على ذلك، فالويل ثمّ الويل لمن يفعل ذلك؛ فسيكون ذلك أمرًا عجيبًا حقًّا، وذلك بأن نكون قد سخّرنا أدوات تساعدنا على الاطّلاع على عيوب وأسرار وأخطاء وزلاّت الناس؛ فسيقتصّ الله ممن يفعل ذلك بأشدّ ما يمكن؛ فتلك هي واحدة من الموارد التي يفضح الله صاحبها عليها شرّ فضيحة، ويعاقبه عليها بالشكل الذي يجعله يتذكّر أيّام طفولته!!
فذلك أمر في غاية الأهميّة [ولا يمكن أن يتجاوز عنه الله] وذلك أن يرتكب عبد من عباده ذنبًا أو يخطئ خطأً، فيسعى الآخر للاطّلاع عليه؛ فجميع الناس يخطئون ويرتكبون المعاصي والذنوب ثم يتوبون فيتوب الله عليهم ويغفر لهم، فلماذا تسعى أنت للاطّلاع عليها؟ وما الذي يعنيك من ارتكاب أحدهم لخطأٍ ما، فتذهب وتتقصّى عنه؟ فما هي علاقتك بالأمر؟ فهل أنت وليِّ أمره أو القيّم عليه؟ فما هي علاقتك بالأمر بحيث تقوم بتتبّع أخطائه، فتقوم بوضع جهاز لكي تتجسّس على ما يقوم به؟ أو تقوم بالصعود إلى سطح المنزل لترى ما الذي يفعله؟ أو أن تلصق أذنك بالباب لتقوم باستراق السمع.

    

سيرة أولياء الله في ستر العيوب

لقد رأينا بأنفسنا وسمعنا وتعلّمنا من المرحوم العلاّمة رضوان الله عليه الشيء الكثير في هذا المجال؛ وإنَّه لأمر عجيب حقًّا، فقد رأينا منه بالعيان ولمسنا منه بأنفسنا تطبيق نفس هذه المواضيع التي نحن بصدد الحديث عنها عن الإمام السجّاد عليه السلام في جميع تصرّفاته وعلاقاته مع الآخرين؛ فحصل أن أراد مرّة أن يتّخذ إجراءً بحق أحد تلامذته من أجل تنبيهه إلى بعض أخطائه؛ لقد انتقل هذا التلميذ إلى رحمة الله في حياة المرحوم العلاّمة؛ رحمه الله، فلقد كان رجلاً مثابرًا ومتحمّلاً للكثير من المصاعب وطاويًا لمقدار من الطريق؛ ولقد كنت على علم بالموضوع لكوني كنت وسيطًا فيما حصل؛ فأخبرت المرحوم العلاّمة بأنَّ أحدهم يريد أن ينقل إليه رسالة شفويّة من ذلك التلميذ، فقال لي: أبلغه بأن يأتي عصر ذلك اليوم وحدّد لي الساعة التي عليه أن يأتي بها؛ فأتى ذلك الواسطة وطلب منِّي أن أحضر كذلك؛ فدخلنا الحسينيّة الواقعة في الطابق الثاني من منزل المرحوم العلاّمة ثلاثتنا، وعندما دخلنا، رأيته قد أغلق الباب خلفنا، وهذا على غير عادته، فلم يكن ليغلق الباب في وقت من الأوقات، بل كان يتركه مفتوحًا فكنّا نتردّد من أجل جلب الشاي وغيره؛ فلا أتذكّر أن جاءه ضيف في يوم من الأيام وقام بإغلاق باب الحسينيّة، بل كان الباب مفتوحًا على الدوام، وكان المكان الذي يجلس فيه معروفًا.
فدخلنا ثلاثتنا، ولم يكتفِ المرحوم العلاّمة بإغلاق الباب، بل جلس في آخر الحسينة هناك بالقرب من المنبر، وذلك لكي يطمئن بعدم إمكانيّة وصول الصوت إلى الخارج بأي شكل من الأشكال، فجلسنا هناك ثلاثتنا ـ وكنت أحضر بصفة الوسيط في هذه القضية، ويحضر الرجل الثاني كممثّل عن ذلك الرجل ومن أجل إيصال رسالته ـ ثمّ أشار إلينا قائلاً: تكلّموا بصوتٍ منخفضٍ!
[انظروا موارد الاحتياط التي عمل المرحوم العلاّمة على رعايتها]، فلم يكتف بغلق الباب والجلوس بعيدًا عنه بل أمرنا بالكلام بصوت منخفض أيضًا؛ فلماذا عمل كلّ ذلك؟ إنَّه عمل ذلك حفاظًا على سمعة إنسانٍ مؤمن بين أصحابه، وهو إنسان سالك، قد أمضى سنوات فيه حتّى ابيضّت لحيته، وهو يحظى باحترام وعٍزّة ومكانة بين إخوته من سالكي الطريق؛ فيجب الحفاظ على ألاّ تتشوّه سمعته بين الآخرين بسبب ما كان يرتكبه من أخطاء، والتي كان يصرّ على ارتكابها وعلى الرغم من التحذيرات المتكرّرة التي كانت توجّه إليه؛ فكان المرحوم العلاّمة مجبورًا على أن يتعامل معه هذا التعامل التربوي من أجل سلوكه وتزكيته؛ فحتّى وعندما كان مجبورًا على فعل ذلك، تراه يحافظ على جميع الحدود والثغور من أن تنتهك، ويحافظ على شأنيّة الرجل، ولا يجيز أن يطّلع على هذا الأمر أحد؛ فكنَّا نتكلّم حول ذلك الموضوع بصوتٍ منخفضٍ، فأوصل الوسيط رسالة ذلك الرجل، وتكلّمت بدوري بما عندي من كلام، ثمّ قال المرحوم العلاّمة لذلك الرجل: أبلغه بكذا وكذا.
قال لي أحد الإخوة: عندما كان الباب مغلقًا، رأيت أحدهم وقد ألصق أذنه بالباب بشدّة؛ إنَّ الرجل كان يعتقد بأنَّنا كنَّا نجلس خلف الباب؛ إنَّنا نجلس جنب المنبر يا هذا! وتفصلنا مسافة عشرة أو خمسة عشر مترًا عن الباب ـ لا أعلم كم يكون طول الحسينية بالضبط، ولكنَّه يتجاوز العشرة أمتار على أية حال ـ ونحن نتكلّم بهدوء، وها قد جاء الرجل وألصق أذنه؛ فلماذا ألصقت أذنك يا هذا، ما الذي تريد أن تسمعه؟! فبما أنك وجدت الباب مغلقًا يا عزيزي، فعليك أن تنصرف، فلماذا تريد أن تسترق السمع؛ فهذا من الأعمال التي تجعل الإنسان يسقط؛ ولقد سقط بالفعل؛ طبعًا نرجوا الله أن يتجاوز عن تقصيره وعن أخطاء الجميع، فلقد كان ذلك خطأ كبقيّة الأخطاء التي نرتكبها نحن؛ فإن دخلت مكانًا، ووجدتَ بأنَّ الأمر على هذه الكيفيّة، فما الذي يعنيك منه؟
لقد ذكرت هذا الأمر كرارًا ومرارًا وهو أنَّ من التصرّفات الخاطئة التي أشاهدها ـ والتي يكون البعض منها صادرًا عن الجهل وعدم العلم ـ هو أنه بينما يتحدّث اثنان حول موضوع معيّن، ترى أحدهم يقوم بتركيز نظره عليهما ليعرف ما الذي يتحدّثون عنه؛ وما الذي يعنيك من أمرهم يا هذا؟! علينا أن ننشغل بأمور أنفسنا؛ فهذه التصرّفات هي واحدة من تلك التصرّفات التي تعمل على صرف الإنسان عن المسائل الأساسيّة التي ينبغي عليه الاشتغال بها فهي تعمل على توقّفه ولا تسمح له بالمضي في مسيره؛ فتمضي على المرء العشرة سنوات والعشرون بل والمائة سنة والألف، وهو يرى نفسه يراوح مكانه، لم يبرحه ولو لسانتيمترٍ واحد؛ وبالتالي فمن المعلوم كيف ستكون عليه عاقبة هكذا رجل.
فالله هو الستّار، إِذْ لَمْ تُظْهِرْها لأَحَدٍ مِنْ عِبادِكَ الصّالِحينَ، فلمّا كنت لم تظهرها لأحدٍ من عبادك الصالحين، فَلاَ تَفْضَحْنِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رُؤُوسِ ?لأَشْهَادِ، واستر عيوبي.
لقد مضى الوقت، ويبدو بأنَّ حديثنا لهذا الشهر قد وصل إلى آخره، لنرى ما الذي يريده الله؛ أمّا ما توصلنا إليه من نتيجة من حديثنا خلال هذا الشهر فهي: عندما تصل نهاية الشهر، نتوجّه إلى الله قائلين: إلهي ليس لدينا ما نقوله غير ما تكلّم به الإمام السجّاد عليه السلام، فنقول: نحن لسنا سوى ذلك الصفر المطلق، فها نحن نعطي لأنفسنا درجة الصفر، ونقوم بتسليم ملفّنا وشهادتنا إليك؛ فلمّا كنَّا صفرًا ولا نمتلك لأنفسنا شيئًا، فإن مننت علينا بكرمك ووهبتنا من عطاياك في شهر رمضان، فذلك من فضلك وعظمتك، وإن منعتنا، فنحن عبيدك وإرادتنا بيدك، ولا ينقصك بذلك شيء؛ فإن كان الأمر على هذه الكيفيّة، فعاملنا بعظمتك وكرمك يا ربِّ.

    

وصايا للحفاظ على آثار شهر رمضان

لقد كان المرحوم العلاّمة رضوان الله عليه يوصي تلامذته في الليالي الأخيرة من شهر رمضان ببعض الوصايا دائمًا، وما أتذكّره مما كان يُوصي به في أغلب الأوقات أنَّه كان يقول لتلامذته: لا تُضيّعوا أيّها الإخوة الحالات التي حصلتم عليها في شهر رمضان، ولا يكن هذا الشهر الذي مرّ عليكم كأنّه لم يمرّ عليكم بعد الشهر المبارك وفي آخره بأن تعودوا لما كنتم عليه قبل هذا الشهر؛ بل عليكم أن تحافظوا على هذه الحال التي اكتسبتموها، وهي حالة رقّة القلب التي حصلتم عليها.
قرأت اليوم هذه الرواية عن الإمام الباقر عليه السلام، إذ يقول الإمام: وَتَعَرَّضْ لِرِقَّةِ الْقَلْبِ بِكَثْرَةِ الذِّكْرِ فِي الْخَلَوَاتِِ[5]؛ أي عليك الاستمداد بالإكثار من الذكر في الخلوات وذلك لكي تستمرّ لديك حالة الرقّة والرحمة التي حصلت لك؛ فكما كنَّا نهتم بأمر المراقبة خلال هذا الشهر، وكما كنَّا نُقلّل من كلامنا مع الناس ومخالطتنا لهم، وكما كنَّا نتجنّب الخوض في الأحداث المختلفة التي تجري من حولنا، ونتجنّب ما كنَّا نفعله طوال العام من أمور ـ إنَّنا نفعل كلّ ذلك بفضل الصيام، ولقد شاهدنا آثاره المترتبة عليه بأنفسنا ـ فكما كنَّا نفعل كلّ ذلك في شهر رمضان، فعلينا المحافظة على ما كسبناه في هذا الشهر وذلك بالاستمرار في التقليل من الكلام، وأن لا نتلف أوقاتنا من دون استفادة وفي متابعة المسائل غير المفيدة، وعلينا أن نديم المراقبة في الأيام التي تلي شهر رمضان، كما وعلينا الالتزام بما كان العظماء يوصون به.
لقد كان المرحوم العلاّمة يقول: إنَّ الحال الذي يحصل لكم في شهر رمضان هو بمثابة الضيف الذي يرسله الله إليكم ليستقرّ في قلوبكم، فلا تعجّلوا في إخراجه منها وتطلبوا منه الرحيل؛ بل اعملوا على حفظه في قلوبكم؛ فإن قام أحدكم بإحكام أمر المراقبة والعمل بما أوصى به العظماء، فسيبقى له هذا الحال، فليس من طبيعة هذا الحال أن يغادر، بل إنَّ هذا الحال سيلازم الإنسان، غير أن ملازمته له تعتمد على مدى اهتمام الإنسان بهذا الأمر؛ وسيرى الإنسان بنفسه ما يترتّب عليه من بركات وآثار.
فعلينا أن نتوجّه الآن إلى الله قائلين: إلهي، ها قد انتهى هذا الشهر، ونحن لا ندري إن كان التوفيق سيلازمنا في إدراك شهر رمضان القادم، أم لا؛ غير أنَّنا نعلم مقدار سعة رحمتك، ونعلم بأنَّك لا تنظر إلى عجزنا وقصورنا؛ وها نحن نطلب ونرجو منك أن تمنحنا تلك الرؤية التي مننت بها على أوليائك والعظماء من أهل المعرفة عندما يقابلونك ويستغرقون في مناجاتك وأن تشملنا بلطفك ورعايتك.
الّلهمّ صلِّ على محمّد وآلِ محمّد

    


[1] ـ اللّر، هي إحدى القوميّات التي يتشكّل منها الشعب الإيراني؛ وعبارة لرّ ــ كأن يُقال فلان لرّ ــ تّستخدم من قبل الإيرانيّين عادة لوصف الرجل صريح اللهجة والذي يُظهر ما في قلبه على لسانه من دون تأمّل في ما يمكن أن تؤول إليه الكلمة. [المترجم]

[2] ـ كلمة خر الفارسية والتي هي على وزن حر تعني حمار. [المترجم]

[3] ـ ولاية الفقيه في الحكومة الإسلامية، ج 4، هامش الصفحة ص 118.

[4] ـ الروح المجرّد، ص 488.

[5] ـ تحف العقول، ص 285.

      
  

جميع الحقوق محفوظة لـ موقع المتقين www.motaghin.com ويسمح باستخدام المعلومات بشرط الإشارة إلى المصدر.

© 2008 All rights Reserved. www.Motaghin.com


Links | Login | SiteMap | ContactUs | Home
عربی فارسی انگلیسی