معرض الصور المحاضرات صوتيات المكتبة سؤال و جواب اتصل بنا الرئیسیة
 
اعتقادات و كلام أخلاق حکمة عرفان العلمي و الإجتماعي التاریخ القرآن و التفسير
المكتبة > محاضرات آية الله السيد محمد محسن الطهراني > سلسلة محاضرات شرح حديث عنوان البصري > شرح حديث عنوان البصري - من المجلس رقم 201 إلى الأخير > شرح حديث عنوان البصري ـ الجلسة 237: من هم الأخسرون أعمالاً ؟

_______________________________________________________________

هو العليم

شرح حديث عنوان البصري الجلسة 237:

من هم الأخسرون أعمالاً ؟

ألقيت في 15 صفر لعام 1439 هـ ق

ألقاها:


سماحة آية اللـه السيّد محمّد محسن الحسيني الطهراني
(حفظه اللـه)

_______________________________________________________________

تحميل ملف البد دي أف تحميل ملف البد دي أف

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
وصلّى الله على محمد وعلى آله الطاهرين
ولعنة الله على أعدائهم أجمعين

«وأمّا اللواتي في الحلم، فمن قال لك: إن قلت واحدةً سمعت عشرًا فقل: إن قلت عشرًا لم تسمع واحدةً، ومن شتمك فقل له: إن كنتَ صادقًا فيما تقول فأسأل الله أن يغفر لي، وإن كنتَ كاذبًا فيما تقول فالله أسأل أن يغفر لك، ومن وعدك بالخنى فعده بالنصيحة والرعاء.»
لقد تقدّم في الجلسات السابقة عرض بعض المسائل في محضر الإخوة حول هذه الفقرات، وقلنا: إنّه لو لم يكن من هذا الحديث الشريف ـ حديث عنوان البصريّ ـ إلّا هذه الفقرات لكانت هذه المسائل جديرةً أن تُجعل دائمًا محلًّا للاهتمام والتأمّل. وذكرنا أنّ أساس مشكلة الإنسان وخاصّة سالكي طريق الله عزّ وجلّ، يعود إلى هذه القضيّة، وبحسب ما أتذكّر من خلال عشرتي للعظماء وتلاميذهم وكذا سائر الأفراد، فإن المسائل التي كانوا يطرحونها ويدور كلامهم حولها هي غالبًا هذه المسألة، وهي مسألة الأنانيّة ومحوريّة النفس، مسألة التكبر وعدم التنازل عن الأهواء والأغراض ومطالب النفس.

    

مرجع الخطايا والمشاكل إلى التكبر أمام الحقّ

ومرجع جميع هذه الأمور إلى أنّ الإنسان لا يريد أن يخضع للحقّ، ولا يريد أن يقبل المسائل الواقعيّة والحقّة، ولا يريد أن يجعل نفسه ـ بقبوله لهذه المسائل ـ تحت حكومة الحقّ وسيطرته، ولا يريد أن يخضع لقانونه. وعجيبٌ جدًّا كيف أنّ الإنسان يعرف الأمور والمسائل، وكذلك يرى الواقع؛ ولكن يأتي ويبيّن خلاف هذا الواقع ويُظهر عكسه... طبعًا سنتكلّم عن آفات هذه المسألة التي ترجع لنفس الشخص؛ ولكن فعلًا كلامنا عن آفاتها الاجتماعيّة.
قال أحد الأصدقاء: كان هناك أحد الأشخاص، وقد مات الآن، وقد كان أحدَ علماء الحوزة ومن المعروفين أيضًا، وكان عمره حوالي تسعين سنة، وقد كتب عدّة كتب. يقول صديقي: اختلفت مع هذا الشخص حول مسألة تتعلّق بالكتابة، فقلت له: إنّ هذه العبارة خطأٌ من جهة كتابتها وبلحاظ قواعد الكتابة فقال: لا، إنّ كلَّ ما كتبتُه فهو صحيح، قلت: يا عزيزي لو نأخذها ونعرضها على بعض المتخصّصين؟! فوافق في البداية وقال: اعرضها، فذهبنا إلى بعض المتخصّصين في الكتابة وتقويم النصوص وتصحيحه، فأجمعوا على تأييد رأيي، وبعد أن أنهوا بيان رأيهم، رفض هذا العالم وقال: كلاّ، بل كلامي هو الصحيح.
هذا مرضٌ!! فعندما يأتي شخصٌ أو أكثر ويقول: إنّ هذا غلط، فعلى الإنسان أن يلتفت، لا أن يصرّ، فعندما يخطّئ عشرةُ أشخاصٍ شخصًا لا على أساس الهوى بل على أساس المنطق والقانون، ومع ذلك يقول: (جميعكم مخطئون والحقّ معي)، فهذا أمر غير صحيح وهذا ما يؤدّي إلى أن يصل الإنسان إلى آفات عظيمة، كأن ينكر ضروريّات الدين و المذهب أي أن ينكر مسائل ومباني دين معيّن، وضرورات دين من الأديان التي ذكرها الجميع ونقلوها، فينكرها ويصوّر المسألة بصورةٍ أخرى، ولا أريد أن أفصّل في المسألة أكثر من ذلك.

    

كيف ينتهي الأمر بالإنسان إلى إنكار الحقّ الواضح؟!

فلماذا يصل الإنسان إلى هنا؟! فالإنسان يصل إلى هنا، وهو لا يصل إلى ذلك دفعةً واحدةً، لا، بل بالتدريج، وعندما يتجاوز مسألةً معيّنةً تصبح نفسه مستعدّةً للتجاوز عن مسألةٍ أخرى، وعندما يصل إلى هذه الأخرى ويستقرّ عندها ثمّ يتجاوزها تصبح له القدرة على التجاوز عن مسألةٍ أرفع وأرفع، ويصل إلى درجة أن يقول إنّ حديث النبيّ في نهاية عمره أن أحضروا القلم والقرطاس باطل من أساسه، فيا للعجب! فهذا أمر قد نقله الجميع وليس فقط [الشيعة]، وعندما يراجَع في ذلك لا يخضع للحق بل يقول: لا بأس، لأنّه يمكن أن يسيء البعض الاستفادة من كلامنا فإنّا نتراجع عنه. ولا يقول: لقد أخطأت، بل يبرّر: لأنّ البعض قد يسيء الاستفادة... لماذا كلّ ذلك؟ لأنّك مشيت ومشيت إلى أن وصلت إلى درجةٍ تجعلك تدوس على هذا، في أيّ صورة ٍأو شكلٍ كنت، وفي أيّ لباسٍ كنت، فاللباس لا يصون الإنسان عن الخطأ، فأنا أيضًا أرتدي هذا اللباس [أي لباس أهل العلم]، وأخطئ ألف خطأٍ، فاللباس لا يمنع الشخص من الخطأ؛ نعم، إنّ ما يفعله اللباس هو أنّه يمنع الشخص من القيام ببعض الأخطاء بحسب الظاهر وأمام الناس، وأمّا في الباطن فهو لا يغيّر، فالسيرة والسريرة لا تتغيّران به، وما يغيّرهما هو الإنسان نفسه، وعزيمته وإرادته، فهذا ما يغيّره، طبعًا كلّ ذلك بالتوكّل على الله وبعنايته ولطفه، وإلا فلا يتحقّق شيء. فهذه المسألة [وهي تجاوز الحق] توصل الإنسان إلى هنا.
ولذا كان الأعاظم يوجّهون الإنسان نحو هذه المسألة ويؤكّدون له عليها، وهي أنّ عليه أن يلتفت إلى هذا الخطر من البداية، لا أن يؤجّله إلى ما بعد عشر سنوات، فبعد عشر سنوات سيتحجّر ويتصلّب في طريقٍ خاطئٍ وسيثبت عليه، وسيفتح لنفسه مكانًا فيه، فحينها يقول: الآن عليّ أن أصحّح. كلاّ! لن يصحَّ بعد ذلك، أو سيكون تصحيحه صعبًا جدًّا ومشكلًا للغاية. وقد رأينا أمثال ذلك في زمان المرحوم العلاّمة كثيرًا، فالذين كانوا يأتون، هم في البداية في الشهر الأوّل والشهر الثاني والأشهر الستّة الأولى والسنة الأولى لم تكن لنفوسهم ردّات فعل بعدُ، أو أنّها على الأقل لم تكن تُبرزها بعد، لأنّها لم تكن قد حصلت الفرصة المناسبة بعد للظهور والإبراز، ولكن بعد مضيّ مدّة، وبعد العثور على بعض الأصدقاء، وبعض المعارف، وعندما يتكلّم بكلمتين جيّدتين، ويتفوّه ببعض الكلام الجميل، ويرى تمايل بعض الناس إليه، حينها يُعلم شيئًا فشيئًا وبشكل واضح أنّه يريد أن يُبرز نفسه، فالنفس لا تتأذّى من الظهور ومن البروز وإثبات وجودها!
في السابق عندما كان يوجّه إليه كلام لم يكن يتّخذ موقفًا مضادًّا، أما بعد ذلك وشيئًا فشيئًا يبدأ باتخاذ المواقف المضادّة، سابقًا لم يكن يجيب، أما بعد ذلك تراه يبدأ بالجواب وأمثال ذلك، حتّى يصل إلى مرتبة يواجه فيها أستاذه، ويبدأ بالتشكيك في مسلكه واعتقاداته.
فلماذا صار كذلك هذا الإنسان؟ لأنّه لو كان من البداية يصغي إلى كلام الأعاظم ويلتفت إلى كلماتهم، لما فقدت نفسه القدرة على انتخاب أحد الطريقين، وانحصرت بطريق واحد خاطئ، بل لكانت قد تقدّمت في الطريق الصحيح وتقدّمت وهكذا.
وكما قلت للرفقاء فيما مضى، لا تتصوّروا أنّ هذا الأمر هو فقط للآخرين، لا بل الجميع كذلك، وعلى الجميع أن يلتفتوا إلى هذا الأمر، وهذا امتحانٌ عامٌّ وشاملٌ للجميع.
حتّى مريدي المرحوم الوالد رضوان الله عليه كانوا كذلك، فقد كنتُ في ذلك الزمان شابًّا يافعًا ولكن لم أكن معجبًا بتصرّفاتهم، وكنت أعترض عليهم، وهم ـ نظرًا لما كانوا عليه من التصوّرات ـ لم يكونوا يبالون بكلامي. [فلسان حالهم يقول:] لا، فمثلًا نحن في هذا السنّ وهذا الشابّ يريد أن ينبّهنا، لكنّي كنت أقول: لا يهمّني هذا السنّ، فالطريق هو هذا والمسألة هي هكذا، والآن بعد مرور ذلك الزمان، وبعد مضيّ بضع سنوات على سنّ الشباب، [يقول سماحته ممازحاً:] بضع سنوات لا أكثر!! رأينا أنّا كنّا نفكّر بشكل صحيح، وأنّ المسألة كانت كما كنت أقول، لماذا؟ لأنّا رأينا تبعات هذا السير، ورأينا ما حصل، ورأينا إلى أين انتهى أولئك الذين كانوا يسيرون في ذاك الاتجاه، ورأينا عاقبة الذين كانوا يتبنّون الأسلوب الآخر.

    

كل ساعة من عمرنا تحمل امتحاناً لمواجهة الأنانية

لقد رأينا كل ذلك، ولذلك التفتنا أنّ الأعاظم لم يك ونوا يؤكّدون عبثًا، فقد كانوا يدركون شيئًا ما في النهاية، ولم يكن تأكيدهم على ضرورة المراقبة في كلّ حال وفي كلّ لحظة بغير داع، وقد قالوا مرارًا بأنّه يجب على الإنسان أن لا يركّز على ابتلاء الله له ببعض الابتلاءات الخاصّة دون غيرها، لأنّ كلّ لحظة من لحظات الإنسان هي امتحان، بل كلّ ساعة هي امتحان.. وهذا الامتحان هو تجاوز النفس وسحقها، ورؤية الواقع.
نلاحظ أنّ الإنسان أحيانَا بأنّه قد عَلِق في بعض المسائل العاديّة، مثلًا أثناء قيادة السيّارة، يقال له: لماذا تقود بهذه الطريقة؟ فيشرع بتبرير ذلك بقوله: قيادتي صحيحة! ولعلّ هذا الأمر يكون صغيراً في البداية في نفسه، ولكن عندما يعمل على التبرير ويقول: قيادتي صحيحة، فإنّه في كل مرّة يقول ذلك يقوّي هذا الشعور عنده. يا عزيزي قل: قيادتي خطأ، واذهب وأصلح أمرك! فلماذا تقود هكذا؟! ولماذا تذهب في هذا الاتّجاه وفي ذاك الاتّجاه؟! قُد بشكلٍ صحيح مثل سائر الناس! أو لماذا تضع رجلك على الوقود، ثمّ ترفعها فجأةً وتضعها على المكابح؟! فأنت بفعلك هذا تحرق أعصاب الناس.. فلكلّ شيءٍ قاعدةٌ وحسابٌ خاصّ!
إذا قيل له: لماذا تفعل هكذا! يقول: إنّ بنزين السيّارة هو هكذا!
لا تقل بنزين السيارة هكذا، بل قل أعصابي هكذا! فما علاقة ذلك بوقود السيّارة ومكابحها؟! لماذا الذي خلفك يقود كسائر الناس؟!
تجده يضع المسؤوليّة على وقود السيّارة ومكابحها، وحينما يضع المسؤوليّة على السيّارة يعني أنّه سقط [في الاختبار].
لا ينبغي أن ننتظر حتّى يحصل أمرٌ عجيبٌ في الكون أو ترعد السماء وتبرق أو تحصل قضيّة لتكون هي الامتحان، كلّا بل نفس هذا الشيء امتحانٌ لك! فأنت هنا تفسد الأمر وتخرّب على نفسك، بهذه البساطة.
مثلًا يقال لك:
لماذا تتكلّم هكذا مع زوجتك وأهل بيتك؟
فتقول: لا ليس الأمر كذلك، بل هي كذا وكذا...
يا عزيزي يجب على الإنسان أن يكون حسن الخلق مع زوجته وأن يتكلم معها بشكل صحيح!
فيجيب: دعنا من هذا فهذه المسألة ليست مهمّة، ونحن نعيش حياتنا!
كلاّ، لا ينبغي أن يكون الأمر كذلك! بل عليك أن موقفك الآن، ما الذي ينبغي عليك فعله! وكيف ينبغي أن تكون ردّة فعلك! ضع نفسك مكان زوجتك، فلو كنت مكانها ماذا كنت تتوقّع؟! ماذا تنتظر من زوجك؟! وكذا الأمر بالعكس! فلا تقل بأنّ المسألة عاديّة، إنّ نفس هذه المسائل العاديّة التي تراها، تصير بعد فترة غير عاديّة! يعني أنّ الإنسان وبسبب مجرّد أسلوب كلامه في موقف واحد قد ...
كان المرحوم العلّامة كثيرًا ما يُذكّر: لا تتدخّلوا في الأمور التي لا تعنيكم، ولا علاقة لكم بها. فإن كان هناك أمر ينبغي التنبيه عليه فسينبّه عليه هو بنفسه وإن كانت هناك مسألةٌ ينبغي التذكير بها فسيذكّر بها! وفي الموارد التي ينبغي فيها أن يلقي على شخص فيفهمه مسألة ما فسيقوم بإفهامه. وقد ذكر لنا المباني وبيّنها، وعرّفنا الطريق، ووضّح السبيل. فإذا فرضنا أنّ هناك أشخاصًا لا يعملون أو لم يعملوا بهذه المباني فهذا شأنهم! لكنّه بيّن الطريق وبيّن المباني، وأفهمنا كيفيّة التعامل مع الأمور والمسائل الاجتماعيّة؛ أين ينبغي التحرّك وأين ينبغي التوقّف، ومتى نتحدّث ومتى نسكت! وأين لا نتدخّل بالأمور مهما حصل، مهما حصل! وفي أيّ الموارد ينبغي التدخّل. لم يتركوا لنا شيئًا لم يبيّنوه، وبحسب تعبيره قال: لقد بيّنا أكثر ممّا يحتاجه السالك للوصول بأربعة أضعاف! لكن هذا الكلام بحاجة إلى أُذنٍ صاغيةٍ، وبحاجةٍ إلى من يسمع.. لقد بيّنا الحقّ والباطل..

    

منهج الأولياء هو الالتزام بالحقّ في صغير الأمور وكبيرها

ذهبنا إليه لنعرض عليه حادثةً جرت مع أحد العلماء الذي لا يزال حيًّا، حول تغيير تاريخ مسألةٍ معيّنةٍ؛ كأن يغيّر سنة ولادته فيزيدها أو ينقصها، أو أن يغيّر شهر ولادته، أو أن يغيّر فيزيد أو ينقص من يوم الولادة! فعندما ذكرنا له ذلك قال المرحوم العلّامة: هذا خطأٌ! مثلًا إذا كان يوم ولادتي في كذا محرّم، فيقال وُلدت يوم النصف من شعبان! يا عزيزي يوم ولادتك لم يكن يوم النصف من شعبان! أو مثلاً يكون ولد في اليوم الفلاني، فيقال: ولد قبل يومين من ذلك التاريخ أو بعده بيومين! فهذا الأمر باطل! والباطل باطل! هل التفتّم؟! فإن كان هذا باطلٌ، وأتيت أنا الذي أنتسب إليه وغيّرت في تاريخ حادثة معيّنة، أكون قد ارتكبت هذا الأمر الباطل، دون أيّ فرق بيني وبين أيّ شخص ٍآخرٍ! فإن كان هذا صحيحًا، فذاك ليس بباطل! وإن كان ذاك باطلًا فهذا باطلٌ أيضاً! ومجرّد الارتباط لا يجعل الباطل حقاً! فالباطل باطلٌ؛ إذ العدد ثمانية عشر ليس سبعة عشر ولا تسعة عشر، بل هو ثمانية عشر، كما أنّ العدد تسعة عشر ليس ثمانية عشر ولا عشرين، والعشرون كذلك، والثلاثون أيضًا.. فإن أتيت وقلت بدلًا من العشرين، ثلاثين ـ لمصلحةٍ آخذها بعين الاعتبار ـ أكون مخطئًا! دون أيّ مجاملة. فإن كانت عشرين يجب أن تكتب عشرون، وإن كانت تسعة عشر يجب أن تكتب كذلك! فإن أردت أن تحتال وتكتبها عشرين. فهذا يعتبر مشيًا على خلاف المنهج؛ وإن كان هذا الأمر لمصلحته، وإن كان يصبّ في مصلحة العظماء! فطريق العظماء ليس ضلالًا! المرحوم العلّامة قد علّمنا هذا من أوّل الأمر؛ وقال لنا: خمسة عشر هي خمسة عشر، لا أربعة عشر ولا ستة عشر! هذا هو الذي علّمنا إيّاه! الحق حقّ دائمًا، ولا يمكن للإنسان أن يتنازل عن هذا الحقّ.
فإن قمتُ بالتوجيه والتبرير والدوران، فإني أكون قد غششت نفسي وخدعتها! فالواقع لا يتغيّر، بل الواقع كما هو، لكن أنا الذي أفسدت نفسي! ﴿وَ يَمْكُرُونَ وَ يَمْكُرُ اللَّهُ وَ اللَّهُ خَيْرُ الْماكِرين‏﴾﴾[1]، خير الماكرين يعني أن يحصل الأمر بحيث تنطلي الأمور على الإنسان [ويصير مصداقًا للآية]؛ ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرينَ أَعْمَالًا﴾..[2]

    

من هم الأخسرون أعمالاً ؟

إنّ بعض الناس يأنسون بهذه الدنيا، ويتنعّمون في حياتهم الدنيا، وإن كانت آخرتهم غير حسنة، ولكن على الأقلّ دنياهم جميلة؛ يتحدّثون ويضحكون ويفعلون ما يحلو لهم إلى أن يأتيهم الملك عزرائيل ويقول لهم: تفضّلوا! فهؤلاء على الأقلّ قد أنِسوا بدنياهم، حيث قالوا: إذا كانت آخرتنا غير صالحة، فلا أقلّ دنيانا جميلة.
كان هناك شخصٌ في عصر هارون ذهب للقاء صديقٍ له، فرآه يأكل في شهر رمضان! فقال له: ما لك تأكل في شهر رمضان؟! فقال له: لقد أضعت آخرتي، فلا أقلّ أعيش في هذه الدنيا..
نعم هارون نفسه الذي قال عنه بعضهم بأنّه من الخلفاء العدول ـ وقد ردْدت على ذلك في بعض كتبي ـ هارون الذي سجن الإمام موسى بن جعفر ثمان سنين، ثم قتله. وبعد ذلك تعقّبَ ذراريه في جميع الأماكن وقضى عليهم، هارون هذا صار من الخلفاء العدول!! هارون والمأمون!!
حسناً، عندما سمع صديقه منه هذا الكلام قال له: كيف ذلك؟ ماذا جرى؟ فذكر له قصّته بالتفصيلل[3] وهي: أنّ هارون استدعاني في ليلة من الليالي وسألني كيف طاعتك لي؟ قلت له: مستعدّ أن أفديك بمالي! وعدت إلى المنزل، ثم استدعاني مرّة أخرى، وسألني نفس السؤال فأجبته بعِرضِي، ثم استدعاني مرة ثالثة وقال لي: كيف طاعتك لي؟ فأنا لا أرضى بما ذكرتَه! أريد منك شيئاً آخر، فقلت له: أفديك بديني! فقال حسناً! هذا ما أريد أن أوصلك إليه. (نعم هذا هو هارون العادل!) ثمّ قال له: إذا كان الأمر كذلك، فاذهب مع هذا الغلام وافعل ما يأمرك، فذهبت معه إلى السجن وقتلت ستين سيّداً من الأطفال والشيوخ والشباب. ضرب أعناق ستين شخصاً ورمى بهم في بئر كانت هناك! فإن كنت قد فعلتُ هذا فأنا أدرى بآخرتي كيف ستكون! فلا أقلّ دعنا نعيش حياتنا في هذه الدنيا.
طبعًا قال الإمام موسى بن جعفر عليه السلام بأنّ يأس هذا الرجل من رحمة الله أعظم من ذنبه! فالإنسان لا ينبغي أن ييأس من رحمة الله [مهما حصل].
على كلّ حال، نرى أنّ البعض يقول إذا لم يكن لنا في الآخرة نصيب، فعلى الأقلّ لا نضيع هذه الحياة الدنيا، فهذا صنفٌ من الناس، ومن الواضح أنّ هؤلاء ليسوا هم «الأخسرين» الذين تتحدث عنهم الآية؛ فهم قد استأنسوا بهذه الدنيا على الأقلّ، لكن لن يكون لهم نصيبٌ من ذاك العالم، وهم يعلمون بوضعهم وبأنّ طريقهم باطل.
أمّا الآية فتقول بأنّ الأخسرين هم الذين يتخيّلون بأنّهم يفعلون الشيء الصحيح، لكنّهم في الواقع يمشون في المسير الخاطئ! يبذلون جهدًا، لكن هذا الجهد الذي يبذلونه يذهب هباءً منثورًا. لماذا؟ لأنّ جميع هذه الحركات والجهود والتبليغ وجميع هذه الخطابات وجميع هذه الكتابات والتأليفات وجميع هذه التنظيمات، جميع هذه الأفعال التي تكون باسم الله ورسوله، جميع هذه الأمور ناشئةٌ من حدود النفس، لا من الواقع! فهذه جميعها تذهب هباءً منثورًا، لا يحصلون على شيءٍ منها، بل يحصلون على تعاسة الدنيا والآخرة، هؤلاء هم التعساء والمساكين؛ حيث يظنّون أنّهم يعملون ويتقدّمون في طريق السير والسلوك، ويظنّون بأنّهم يبلّغون دين النبي، يقولون لهذا كلامًا سيّئًا ولذاك كلامًا، ويزدرون هذا وذاك! ويقولون أمورًا خلاف الواقع؛ فمثلًا إذا أراد أحدهم أن يبلّغ، فإنّه يقول كلاماً فيه إهانة للعظماء، و الحال أنّه:
ببزرگش نخوانند اهل خرد
                             که نام بزرگان به زشتی برد
(لا يعتبر عظيماً عند أهل العقل والفهم ذلك الذي يتكلم بسوءٍ عن الأعاظم)

يأتي ويعمل على توهين العظماء، ما معنى ذلك؟! أن يفتري ويهتك الستر و.. لماذا؟ لأنّ نفسه قد تصلّبت في طريقٍ ما! وإذا أراد أن يخرج من ذلك المكان، يواجه الكثير من الأمور والقضايا؛ إذ يأتيه الناس ويقولون له: حتى الآن كنت تقول كذا! لقد ذكرت في كتابك كذا، وقلت في خطابك هذا الكلام! وبما أنّه لا يستطيع أن يرفع نفسه ويقترب من الحقّ ويتخلّى عن هذه المطالب الباطلة، يُنزِل الحقّ إلى مستواه ليقول: الحقّ هو ما أقوله، وما أقوله هو الحقّ! وكلّ منهما عين الآخر. فهو يريد أن يُنزِل الحقّ إلى مستواه هو، ولا يريد أن يرتفع هو إلى مستوى الحقّ، لا يريد أن يحرّك نفسه!
يا عزيزي الحقّ لا ينزل؛ بل الحقّ باقٍ في مكانه، حتّى وإن فرضنا أنّك تكلّمت بهذا الكلام وأصررت على كلامك، ثم توفّيت وانتقلت من هذه الدنيا. فعندما أقرأ كتابك الآن وأسمع كلامك، فأنا لست مثلك أحكم بما حكمتَ، بل أقول: عجبًا كم كان شخصًا أحمقًا! عجبًا مِن فهم هذا الرجل الذي وقف وأصرّ على رأيه في هذه القضيّة!

    

الحرّ الرياحي نموذج لنبذ الأنانية والالتزام بالحقّ

بعد مضيّ ألف وأربعمائة سنة ترانا جميعاً نقول: أحسنت أيّها الحرّ الرياحي! بارك الله بك، جميعنا نمدح أولئك الذين تراجعوا عن خطئهم، جميعنا نمدحهم، وكلّ واحدٍ منّا يرجو شفاعتهم.. أن يأتي الحرّ [ويعتذر من الإمام] مع أنّه هو السبب في حصول هذه الوقائع، ثم يأتي يوم عاشوراء [ويعتذر ويتراجع] لماذا؟! لأنّ قلبه كان صافيًا، لم يقسُ قلبه بعد، كما ذكرت لكم. صحيح أنّ عمله في هذه المدّة كان خطأً؛ حيث وقف مقابل الإمام الحسين، والوقوف في وجه الإمام الحسين خطأٌ، وتجييش الجيوش مقابل الإمام الحسين خطأٌ، لكنّه عندما كان يقوم بهذا الفعل، ومنذ اليوم الأوّل من خروجه، في جميع تلك الحالات كان في نيّته أن يأتي إلى ابن بنت النبيّ ولا يدعه يذهب إلى مكان آخر ولا يدعه يجمع الأعوان والأنصار، في نيّته أن يأخذه إليهم ويتحاوروا معه ويصلوا إلى حلّ للأمور وتنتهي المسألة بخيرٍ وسلامةٍ.
لم يكن في نيّته من البداية أن يأتي ويقاتل الإمام الحسين؛ لذا نرى أنّه في يوم عاشوراء عندما شاهد أنّ القضيّة تتّجه باتّجاهٍ آخرٍ، أتى إلى ابن سعد وسأله: ماذا ستفعل؟ فأجابه: أتظنّ أنّنا جمعنا ثلاثين ألفًا وأحضرناهم إلى هنا عبثًا؟ إمّا أن يقبل ببيعة يزيد ويسلّم لنا، ونأخذه كعبد إلى ابن زياد ويزيد ويرون فيه رأيهم، وإمّا أن يكون أقلّ ما نحن فاعلين بهم، أن تطير رؤوسهم جميعًا! فنظر الحرّ إلى جدّية المسألة، وتبدّلت جميع معادلاته، جميع ما كان قد فكّر فيه من الصلح والحوار والاتفاق قد انتهى فعلًا، ووصل الأمر إلى أن نرفع السيف في وجه ابن النبيّ؟! كلّا! لن يحصل ذلك!
يقول في نفسه:
ولكننا قد جمعنا هؤلاء الأشخاص وأتينا بهم، فما الذي سنقوله لهم [إذا انسحبنا]؟!
فيجيب على نفسه: ليذهب هؤلاء الأشخاص إلى الجحيم!
ولكن ماذا نقول لهم لو لاموني وقالوا لي: أنت فعلت كل هذا حتى الآن؟!!
إنّما هي أيامٌ معدودةٌ وسأمضي عن هذه الدنيا ولن يعينني هناك أحدٌ منهم! سحقًا لهؤلاء الناس جميعًا، وليختر كل واحد منهم طريقه!!
أجل، هنا ينبغي على الإنسان أن يفكّر في نفسه، وليعلم بأنّه سيكون هناك وحيدًا؛ لا رفيق له يعينه، ولا مالٌ ينفعه ولا جارٌ ولا قريبٌ ولا شيءٌ من الاعتبار! فعندما يأتي جناب عزرائيل لن يقول لك: أنت حاكم هذه البلاد أو ملك هذه البلاد، بل يقول: لقد انتهى وقت هذه الأمور! ولا فرق عندي في قبض الروح بينك وبين فقيرٍ لا يجد قوت يومه، كلاكما سيّان عندي. حتى لو كنتَ ملكًا لجميع العالم، وبدلًا من أن يكون لديك ألف حارسٍ ومرافقٍ وجنديٍ، كان لديك مائة ألفٍ حولك سآتيك من بين جميع هؤلاء المائة ألف وأقبض روحك كشربة ماءٍ، سأحل فوق رأسك مباشرة أنت من دون أن أخطئك وأذهب إلى غيرك! انتهى الأمر! بل حتى لو كان هناك مائة مليون بدلًا من المائة ألف، يمكنني أن أتجاوزهم جميعًا، ولا فرق في ذلك عندي! لو كان حولك مائة ألف أو كنت وحيدًا، لا فرق عندي. بل لو كنتَ وحيدًا، لكان أفضل لك. إذ قد نتحادث فيما بيننا أو يحصل بيننا أخذٌ وردٌ [قبل نزع الروح]، لكن كلّما كان هناك أشخاصٌ أكثر حولك كلّما كان الحوار بيني وبينك أعقد، يصير الحديث بيننا معقّدًا! هؤلاء الأشخاص إنّما هم لأجل أن يحولوا بيني وبينك، فلو لم يكونوا من الأساس لكان أفضل!

    

أمير المؤمنين عليه السلام نموذج التسليم لأمر الله

أمّا أمير المؤمنين عليه السلام فقد كان يعرف مثل هذا الكلام بشكل أفضل؛ فقد أتى في ليلة التاسع عشر وأحاطت به الإوز، فقال الإمام دعوها. ثم ذهب وأذّن وحينما رأى قاتله نائمًا ـ حيث كان ابن ملجم نائمًا ـ أيقظه، وقال له انهض للصلاة، أيقظ قاتله! لماذا؟ لأنّ أمير المؤمنين قد تجاوز هذا الأمر. إذا كان التقدير الإلهي بأن أذهب هذه الليلة، فحتّى لو أطبقت السماء على الأرض ورُفعت الأرض إلى السماء، فسوف يتحقّق هذا الأمر. كم حارسًا كان لدى أمير المؤمنين؟! هل جعل له حارسًا واحدًا؟! من هو؟ من يعرف اسمه؟ حتّى لم يقبل للإمام الحسن أن يحرسه، بل كان يقول: لماذا تأتي؟ اذهب بحال سبيلك وأنا أذهب لسبيلي! لقد وصل إلى هذا الأمر بشكل كامل! الليلة إما أن تكون هي أو لا، فإن لم تكن فمِمّ أخشى، وإن كانت هي فمن الذي بإمكانه أن يدفع التقدير عنّي؟! لذا يأتي ويوقظ قاتله، يقول له: انهض للصلاة وقم بتكليفك! فأنا أعلم ما تخفي تحت ثوبك، إنّ ما تريد فعله تهتزّ له السماوات! كان يقول ذلك بوضوح، ومع ذلك ذهب للصلاة.
صدّقوني! وقسمًا بروحه الطاهرة أنّ تلك الصلاة التي صلاّها في ذلك الوقت لا تختلف أبدًا عن الصلاة التي صلاّها أمس! لا فرق بينهما أبدًا، كانتا سواء! أما لو كنّا نحن مكانه، ففي أحسن الحالات سنكون مسلّمين، لكن سيحصل في قلبنا قلق؛ متى سيأتي ويضربني؟ هذا إذا لم نفرّ أساسًا من المسجد! فإن علمنا بأنّ قاتِلنا في الكوفة سنبتعد عنها إلى أستراليا؛ لنفرّ من عزرائيل. فهو لا يستطيع الوصول إلى أستراليا، إذ مهمته في الكوفة!
وأمّا لو فرضنا أنّا كنّا شجعانًا جدًّا، وقرّرنا أن نصمد ونكون من الرجال الإلهيّين، وبذلنا غاية ما في وسعنا لنبقى هناك ونصمد، فإنّ غاية ما نقدر عليه هو أن نقف هناك مرتجفين لا نكاد نقدر أن ننطق بكلمات الصلاة [يضحك سماحة السيد]، ونقول في أنفسنا: الآن سيضربني. بعد قليل سيضربني. هل سيضربني بعد التكبير مباشرةً؟ أم عند قراءة سورة الحمد. وهكذا سيظل بالنا مشغولًا بهذا الأمر!
ولكنّ أمير المؤمنين عليه السلام وقف يصلّي دون التفاتٍ أبدًا، وكأنّه لا يوجد سيفٌ مسمومٌ سيضرب رأسه بعد لحظات أبدًا! اذهبوا واسألوه، فهذا رأيي أنا، ولا بأس أن تذهبوا وتسألوا الإمام أمير المؤمنين بأنفسكم وقولوا: يا أمير المؤمنين، ألم ينشغل بالك أبدًا بهذا الأمر؟ ألم يتغيّر حالك؟ ألم يخطر في بالك أيّ خطور بخصوص ما سيحل بك؟ لو سألتموه فسيقول لكم: لا يا عزيزي، بل بالعكس، لقد كانت حالتي أفضل وكنت أكثر سرورًا!
وهذا ما ينبغي أن يكون عليه الأمر، فهؤلاء العظماء يختلفون عنّا، ولهم حسابهم الخاصّ بهم. انظر ماذا يقول مولانا جلال الدين الرومي رحمة الله عليه ورضوان الله عليه:
آنکه مردن پیش جانش مهلکه‌ست
                             نهي لا تلقوا نگیرد او به دست
[يقول: من كان يرى الموت في عينه هلاكاً و«تهلكة» *** فعليه أن لا يأخذ أمر (لا تلقوا)]

يعني من كان يرى الموت هلاكًا وبوارًا.. وهذا حالنا نحن فنحن نرى الموت كذلك، ولذا تجدنا إذا واجهنا خطرًا ما، فسرعان ما نتمسّك بهذه الآية الشريفة. فترانا نقول: لا تفعل هذا العمل.. لا تُلقِ بنفسك في التهلكة. لا تذهب إلى الجهاد. لا تخرج من منزلك. وهكذا نتذرّع بهذه الآية للهروب من كل شيءٍ فيه خطر، فلو كنّا مكان أمير المؤمنين عليه السلام في تلك الليلة، لقلنا: لا تخرج من المنزل أبدًا، فإنّ ابن ملجم يترصّدك في المسجد قد أعدّ سيفه ليقتلك، وهو أمر قطعي لأنّ الفرض أن الصادق المصدّق قد أخبر بذلك!
أمّا من كان لا يرى الموت هلاكًا له، بل يراه طيرانًا وتحليقًا وارتقاءً، [فحاله مختلفة]. وذلك مثل الإمام الحسين عليه السلام الذي يقول عنه مولانا [جلال الدين الرومي]:
جان سلطانی ز زندانی برست
[يقول: إنّ روح السلطان قد تحرّرت من قيود هذا السجن]

    

الإمام الحسين عليه السلام يرى الموت حرية من سجن الدنيا و قيودها

إنّ الإمام الحسين عليه السلام كان قد ضاق ذرعًا بهذا السجن، وكان سعيدًا بالخلاص منه والتحرّر من قيوده. فهل نتصوّر بعد ذلك أن يحاول الإمام الحسين تغيير ما حصل في كربلاء؟ أو أن يعمل عملًا حتّى لا تحصل واقعة كربلاء؟! كلاّ، لا يمكن ذلك. بل إنّ الإمام عليه السلام كان متشوّقًا يعدّ اللحظات! غاية الأمر أنّه كان يعمل بوظيفته ولا يتقدّم على تقدير الله ومشيئته، وإلاّ فإنّه كان مشتاقًا لحصول هذه الواقعة، فلسان حاله يقول: لماذا يجب أن تحصل هذه الواقعة في العاشر من محرّم، ولماذا لا تحصل قبل ذلك في الأوّل من محرّم مثلًا؟! ولماذا لا تحصل قبل ذلك بعشرين يومًا؟! ولماذا لا تحصل فورًا؟! فإن كان من المفترض أن نطوي هذا الطريق [فلماذا نؤخّر ذلك]؟!
منذ مدّة كنت متحيّرًا حقيقةً في هذه القصّة؛ وهي أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله جاء إلى الحسين عليه السلام في المنام أو المكاشفة عندما أراد الخروج من المدينة إلى مكّة، وقال له: «إنّ لك درجةً عند الله لا تنالها إلّا بالشهادة»»[4]. أي لا بدّ من طيّ هذا المسير والوصول إلى هذه النتيجة لكي تصل إلى هذه الدرجة. فما الأمر هنا؟! فإنّ الإمام الحسين عليه السلام قد حاز مقام الولاية الكبرى، وكذلك كلّ الأئمّة صلوات الله عليهم أجمعين؛ فالإمام الحسن المجتبى والإمام الرضا والإمام الباقر والإمام الصادق والإمام الجواد ... كل الأئمّة عليهم السلام قد حازوا هذا المقام؛ فما هي تلك الدرجة التي تكون غير مقام الإمامة والتي يقول عنها رسول الله صلّى الله عليه وآله: «لا تنالها إلاّ بالشهادة». فلا بدّ لك من طيّ هذا الطريق؟!
حسنًا، فلو غضضنا النظر عن الإمام الحسين عليه السلام، ومقام إمامته وولايته المطلقة، فالإمام الحسين كان مسيطرًا على كلّ عالم الوجود، والعالم كلّه تحت ولايته، ثم يأتي بعض من يدّعي العلم من الجهّال فيقولون: لو كان الإمام يعلم بما سيحصل فلماذا لم يمنعه من الوقوع؟!
أصلًا دعنا من ذلك، ولنفرض أنّنا كنّا في مكان الإمام الحسين عليه السلام (من الواضح أنّنا لسنا في مقام الإمام الحسين عليه السلام، فأين نحن وأين مقام الأئمّة، ولكن من باب الافتراض)، فلنفرض أنّه جاءنا ذلك الوعد من النبيّ صلّى الله عليه وآله، طبعًا ذلك الوعد كان للإمام عليه السلام من النبيّ، ولا كلام لنا في ذلك، ولكن لو فرضنا أنّ النبيّ أو الإمام أو أيّ شخص صادق نقطع بصدقه جاء إلينا نحن المسلمون العاديّون الذين نصلّي ونصوم وقال لنا: إنّ الله سيعطيك درجةً تنالها بواسطة القتل والشهادة؛ أما كنّا سنشتاق إلى ذلك؟! خصوصًا ـ حسب الفرض ـ أنّ هذا الوعد قطعي لا ريب فيه، بحيث أنّنا علمنا يقينًا بأنّ مثل هذا المقام والدرجة لا يُنال إلاّ بالشهادة، فإنّنا في هذه الحالة سنقول: يا ربّ اجعل ذلك قريبًا ولا تؤخّره، فاجعله يحصل هذه الليلة ليلةَ السبت دون تأخير، حتّى لا يحصل بداءٌ وتفوتنا هذه الفرصة!
هذا حالنا نحن، فكيف بالإمام الحسين عليه السلام؟! فالمرتبة التي وُعد إيّاها هي بعد مرتبة الإمامة وبعد الولاية الكبرى، والحقيقة أنّ عقلنا لا يتصوّر درجةً فوق ذلك، فنحن نقول: إنّ أولياء الله المقرّبين قد وصلوا إلى آخر الطريق، ولا يوجد مرتبةٌ ما وراء ذلك، فالأمر بالنسبة إلى الإمام الحسين أوضح!
وحينئذٍ، ألا يكون سيّد الشهداء عليه السلام راغبًا ومشتاقًا لحادثة كربلاء؟ ألا يكون هو نفسه حريصًا على حصولها وساعيًا لتحقّقها؟!
إذا تذكرون، فقد قلت لكم في بعض كلامي السابق: إنّ حادثة كربلاء حادثةٌ عجيبةٌ، وينبغي التأمّل في مجريات هذه الحادثة، وقلت لكم: عندما جاء ذلك السهم نحو ابنه الأصغر، ألم يكن الإمام الحسين عليه السلام قادرًا على أن يتحرّك قليلًا إلى هذا الطرف أو ذاك [بحيث يتفادى السهم] ؟! ومن البديهي أنّ الإمام عليه السلام مطّلع على مجريات الأمور، وعالمٌ بما سيحصل، وهذا واضحٌ؛ فلماذا بقي عليه السلام حاملًا طفلَه في نفس ذلك الموضع ولم يحرّكه يمينًا أو شمالًا حتّى جاء ذلك السهم وأصابه بشكل دقيق؟ لماذا؟ لأنّ الإمام عليه السلام هو نفسه يستقبل هذه الحادثة، ولأنّ الإمام يعلم بما يجري وراء ستار الغيب، وإلاّ فقد كان بإمكانه عليه السلام أن يحرك الطفل عشرة سنتيمترات إلى هذا الطرف أو ذاك فيتفادى السهم بذلك، وهذه مسألةٌ واضحةٌ!
عندما قلت لكم: إنّ الإمام الحسين عليه السلام هو بنفسه كان المدير والمدبّر لأحداث كربلاء، فهذا ما كنت أعنيه؛ وهو أنّ الإمام عليه السلام بنفسه ـ وطبقًا لتقدير الله ومشيئته ـ هو يُحدِث تلك الواقعة ويوجدها، وهو يختار الأفراد المشاركين فيها، فهذا الفرد يجب أن يأتي، وذاك أيضًا، فالشمر يجب أن يكون حاضرًا، وخولي كذلك، ولا بدّ من وجود يزيد، وعمر بن سعد وحرملة، فهو يختار كلّ واحد من هؤلاء، وهو يديرهم ويدير الأحداث كلها! فلكي تُقطع يد أخيه اليمنى، عليه هو أن يدير المسائل ويدبّرها، وكذلك من أجل قطع يده اليسرى. والحقيقة أنّ الإنسان يكاد يصاب بالجنون عندما يتأمّل في حقيقة قضيّة كربلاء، وما الذي جرى فيها؟ وما هي الأمور المختفية خلف الستار وراء أحداثها. هل التفتّم؟

    

العلامة الطهراني: عاشوراء حادثة حية، لا مجرد شعائر

وهنا يقول السيّد العلاّمة الطهراني رضوان الله عليه: على الإنسان أن ينظر إلى حادثة كربلاء على أنّها حادثةٌ حيّة، لا مجرّد شعائر يجب إقامتها.
لا شكّ أنّه ينبغي إقامة الشعائر، وهذا أمر محفوظ لا خلاف فيه، ولكنّ لا بدّ من السعي لفهم ما جرى في واقعة كربلاء، فعندما يذهب شخصٌ إلى مجلس سيّد الشهداء عليه أن يشعر بأنّه قد ورد في ذلك الجوّ وتلك الواقعة، ويرى نفسه أحد المشاركين في هذه الواقعة، وأحد الأشخاص الذين يلعبون دورًا فيها، غاية الأمر أنّ الزمان مختلف، وأنّنا جئنا في زمان متأخّر عن ذلك الزمان.
ولكنّنا نرى أنّ ما يحصل حاليًا ليس كذلك، بل صارت المجالس من أجل التنافس والتفاخر، فهذا يريد أن يتفوّق على صاحبه [في إقامة المجالس]، وهذا يريد أن يكون عَلَمه أعلى من ذاك، وهذا يريد أن يكون هو المعروف والمشهور الذي يتحدّث الناس عنه، وكلّ واحد يريد أن يميّز مجلسه بشيءٍ لا يكون عند الآخر. وهذا في الحقيقة يعني الخروج والابتعاد عن ذلك الشخص الذي أوجد هذه الواقعة وعن صاحب هذه الواقعة!
أليس من الأفضل أن يأتي الإنسان إلى المجلس ويتأمّل في قضيّة من قضايا هذه الواقعة، وعندما يقيم مجلسًا فلا يهتمّ بعدد المشاركين؛ سواءٌ كان الحاضرون قليلين أم كثيرين أم لم يأت أحد أصلًا! كلاهما سواءٌ بالنسبة له، وإنّما المهم هو أن يرى الإنسان هل أنّ نفس سيّد الشهداء عليه السلام حاضرٌ في هذا المجلس الذي يقيمه أم لا؟ فإن كان عليه السلام حاضرًا، فقد انتهى الأمر، ولا أهمية لشيءٍ وراء ذلك. فحتّى لو أغلقت الباب ولم يأت أحدٌ آخرٌ فلا بأس. وحينئذٍ يأتي قارئ العزاء وذاكر المصيبة ويتحدّث عن الإمام الحسين عليه السلام وينقل بياناته ومطالبه، ويبيّن أفعاله ومنهجه، فبيان هذه الأمور يجعل الإنسان يقترب أكثر وأكثر.
ألم يحصل ذلك في خطبة المتّقين التي ألقاها أمير المؤمنين عليه السلام على همّام؟! لقد طلب همّام من أمير المؤمنين عليه السلام أن يصف له المتّقين، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: إنّك لا تحتمل ذلك! لو بيّنت لك صفات المتّقين فإنّك لن تحتمل ذلك! فأمير المؤمنين عليه السلام لم يكن جهاز راديو أو تلفزيون حتّى يكون المطلب بالنسبة له عاديًا، ولذا فإنّ أمير المؤمنين عليه السلام يقول: إذا قمت أنا ـ عليّ بن أبي طالب ـ ببيان هذا الأمر لك، فهل ستحتمل ذلك؟! أنا من سيبيّن لك ذلك، وإنّني لأعلم ما هو الأثر الذي سيوجده كلامي فيك، وإنّني لأدري ما التغيير الذي سيُحدثه بياني في نفسك، وأخشى ألاّ تحتمل ذلك!
فقال له همام: لا يا علي، تحدّث أنت وستجدني من جهتي متحمّلا وثابتاً، ولا تشغل بالك.
فشرع أمير المؤمنين ببيان صفات المتّقين: المتّقين كذا وكذا ... «عَظُمَ الخالق في أنفسهم، فصغر ما دونه في أعينهم»... ما أعجبها من عبارات! واقعًا عجيبة! يقول: إنّهم يرون الله عظيمًا جدًّا؛ فهم يرون الله تعالى علّةً لكل معلول، ويرون الله تعالى سببًا وراء كل سبب، ويرون الله تعالى مبدأً لكلّ الأشياء ومنشأً لها، ويرون الله تعالى هو المدير والمدبّر لكلّ شيء وهو المتسلّط والمشرف على كلّ شيء! إنّهم يعرفون ذلك واقعًا، لا أنّ ذلك طرق أسماعهم فقط، بل هم يعرفونه معرفةً حقيقيةً.
ولمّا كانوا يعرفون تلك الحقيقة، فإنّهم أمسوا لا يخشون أحدًا سواه؛ فلا يخشون الحارس، ولا يخشون الوزير ولا نائبه، ولا يخافون من قائد السريّة، ولا من الجنديّ ولا من المدفع والصاروخ والدبّابة! لا يخافون أحدًا ولا يخشون من أحدٍ أبدًا! لماذا؟ لأنّهم كلّما نظروا إلى واحدٍ منهم، رأوا أنّ الله عزّ وجلّ فوقهم؛ فإذا نظروا إلى الوزير، وجدوا الله فوقه، وإذا نظروا إلى الوكيل، وجدوا الله فوقه، وإذا نظروا إلى الرئيس، وجدوا الله فوقه، وهكذا مع كلّ أحد فوق هؤلاء أو تحتهم، فالله فوقهم جميعًا، ولذا «فصغر [ما دونه في أعينهم]».
وهكذا كلّما بيّن أمير المؤمنين عليه السلام صفةً من صفاتهم، أحدث ذلك تغييرًا في همّام، وصار يصعد ويصعد مع بيانات أمير المؤمنين، صار يصعد وصارت نفسه تزداد اقترابًا من مقام التجرّد والقرب حتّى وصل إلى نقطة لم يعد يحتمل بعدها؛ أي أنّ بدنه ما عاد يحتمل حركة النفس تلك، ولم يعد قادرًا أن يتماشى معها ويرافقها في حركتها، ولذا أصابته سكتةٌ وصُعِقَ صَعْقَةً كَانَتْ نَفْسُهُ فِيهَا، فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام: أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ كُنْتُ أَخَافُهَا عَلَيْهِ. ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا تَصْنَعُ الْمَوَاعِظُ الْبَالِغَةُ بِأَهْلِهَا (وبالقلوب المستعدّة لها).
إنّ مجلس الإمام الحسين عليه السلام ينبغي أن يكون مثل المجلس الذي ألقيت فيه خطبة همّام! لا أن نقتصر فيه على بعض الشعائر، فيأتي أحد قرّاء العزاء، و... نعم، صحيح أنّ هذا الأمر جيّد هو أيضًا، ومن الجيّد الحفاظ على الشعائر، إلاّ أنّ الذي ينبغي السعي إليه هو إحساس المرء بحضور إمام الزمان والإمام الحسين في هذه المجالس؛ فيتوجّب علينا المشاركة فيها ونحن حاملون لهذه الرؤية، لا أن يكون همّنا إحصاء الأفراد المتواجدين، وعدد الأحذية التي انضافت في هذه الليلة، والتي ستنضاف في الليلة اللاحقة. ثمّ نقول: «الحمد لله تعالى، إنّ أمورنا تسير بنحوٍ جيّد، فالناس يتوافدون على المجلس، والجيران انتبهوا لنا، ونراهم يُشاركون!» فما كلّ هذه الأمور؟! وما معنى هذا الكلام؟! هل التفتمّ؟
لقد كان أسلوب المرحوم العلاّمة في عقد المجالس على النحو التالي: كان يرى ضرورة التحدّث عن تاريخ الأئمّة عليهم السلام وكلماتهم، وعن المسائل التي لم تطرق أسماع الناس. لكنّنا غارقون في عالم الأوهام؛ فتجد أحدهم قد ارتحل عن هذا العالم، وانقضت خمسون سنةً على وفاته؛ مع أنّ مرور ثلاثين سنةٍ من وفاة الميّت تكفي لدفن ميّت آخرٍ في قبره؛ لأنّ جسده سيكون قد تحلّل، وصار ترابًا، وتبخّر في الهواء، بينما ترانا نكتب على اللافتات الإعلانيّة: «ذكرى وفاة العلاّمة الفلاني في...» ما خطبك يا عزيزي؟! لقد تحدّثت في السنة الأولى من وفاته عن حياته، وعن المسجد الذي كان يخطب فيه، وعن مصنّفاته، وتعرّفنا على ذلك كلّه، ثمّ تأتي في السنة الثانية، وتريد أن تُعيد نفس الكلام! لقد ذكرتَه في السنة الأولى!! وهكذا تأتي في السنة الثالثة، وتريد أن تتحدّث عن المشاقّ التي تحمّلها.. ولنفرض أنّه تحمّل مشاقًّا، رحمة الله عليه، وماذا بعد؟ هل تُريد أن نُعوّضك عن ذلك؟! وهكذا في السنة العاشرة، تأتي وتقول: نعم، لقد تحمّل الكثير من المشاقّ، وكان مسؤولًا في المؤسّسة الفلانيّة، و..!! ما الخبر؟! ومتى ينتهي هذا الكلام؟! يا إلهي، نرجو منك أن تُعيّن وقتًا لانتهاء أمد هذا الشريط!!
إنّ مرجع كافّة هذه الأمور إلى نفسك أنت، وأمّا ذاك المسكين، فقد تحلّل بدنه، واندثر، وصار بالإمكان دفن ميّت آخر في قبره، لكنّ الكلام موجّه إليك أنت؛ فما الذي تصبو إليه من وراء هذه المراسيم؟! ثمّ تأتي وتطلق عليها اسم الشعائر، فهل هذه شعائر؟!

    

عند إقامة مجلس لأحد الأئمة عليهم السلام ينبغي بيان كلماته ومنهجه

إنّ الشعائر مختصّة بالأئمّة فقط. حيث يتوجّب علينا عقد المجالس في ذكرى ولادتهم وشهادتهم، لماذا؟ لأنّهم هم الأحياء! وهم من حياتهم أبديّة! فأحوال الإمام عليه السلام، وأوضاعه، وحياته، وكلماته سرمديّة وخالدة؛ فهي التي ينبغي على الإنسان المحافظة عليها، والحديث عنها. لكنّنا نأسف للذين يأتون إلى هذه المجالس، ويتحدّثون عن أشياء أخرى.. يا سيّدي، عندما يكون المجلس مختصًّا بالإمام الهادي، على الإنسان أن يذكر المسائل ذات الصلة به عليه السلام؛ وهكذا أيضًا، إذا كان المجلس مختصًّا بالإمام الرضا، حيث على الإنسان أن ينتخب فقرةً من كلامه عليه السلام، ويبيّنها للناس؛ وحينما يكون المجلس متعلّقًا بالإمام السجّاد، على الإنسان أن يأتي، ويتحدّث عن سيرته عليه السلام، وعن عصره، وأنّ كلّ يوم ينقضي عليه كان يُمثّل بالنسبة إليه عاشوراء، فيتحدّث عن أحواله، وخلاصة القول، أنّ المبلّغ ينبغي عليه الحديث عن الأمور التي كانوا يسعون بأنفسهم لإبرازها وإحيائها.
وأمّا أن نأتي ونتكلّم عن الذكرى السنويّة لأحد العلماء في هذا العام، وفي العام اللاحق، والذي بعده، فما هي نتيجة ذلك؟ إنّها لا تخرج عن ﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرينَ أَعْمالاً ...﴾، ثمّ يأتي بعضهم ويتحجّج بالشعائر الدينيّة. لكن، من قال إنّها من شعائر الدين؟! ما خطبك؟ لقد انقضت أربعين سنة، وأنت تُقيم مجالس التأبين! فلو كان الأمر كما تقول، لوجب أن تقيم الذكرى السنويّة طيلة الأربعمائة، بل الأربعة آلاف سنة القادمة! لكن ما هو المسوّغ لهذا الفعل؟ وما وجه الضرورة فيه؟ أليس من الأجدر بنا الاهتمام أكثر بتلك الشعائر الحقيقيّة، بدل إقامة هذه المجالس التأبينيّة السنويّة؟ فمن أيّهما سنستفيد أكثر؟ فإذا كان لا بد من أن نصرف [أعمارنا] في شيءٍ، فليكن ذلك في الأمور الأساسيّة والحقيقيّة، وأمّا الأمور التي تجول فيها أوهامنا وخيالاتنا، فلن نُحصّل منها أيّة فائدة.
وعليه، فإنّ مفاد كلام الإمام الصادق عليه السلام هو أن نرتقي بأنفسنا ـ في كلّ حال وظرف ووضع ـ إلى الأعلى، ثمّ نطابقها مع الحقّ والواقع، مهما كان هذا الواقع، وفي أيّ مجال وزمان كان، وسواء ارتبط بالمسائل المتعارفة أو الاجتماعيّة أو العباديّة، أو تعلّق بمجالس سيّد الشهداء عليه السلام؛ ففي جميع هذه المجالات، ينبغي على الإنسان أن يخضع لهذا الأمر. فإذا أقمنا مجلسًا ما مثلاً، وقيل لنا إنّ هناك مجلسًا آخر على بُعد كيلومترين من هنا، فلا يجب علينا أن ننزعج، ونقول: «لقد عقدوا مجلسًا بقربنا، ممّا سيؤدي إلى حضور عددٍ أقلّ من الناس».. لا، بل علينا أن نفرح؛ بسبب انعقاد مجلس إضافيّ للإمام الحسين عليه السلام؛ فعلينا أن نُغيّر من أحوالنا وتصرّفاتنا وأفكارنا، حتّى إذا ما أتى الأشخاص المدعوّون، يكون بوسعهم الاستفادة أكثر من هذه المسائل الحقيقيّة والبكر التي لم يُكشف عنها اللثام، والمجهولة لديهم لحدّ الآن؛ فهذه هي المواضيع التي ينبغي علينا أن نبيّنها ونتحدّث عنها، ونوضّح أيضًا نهج [الأئمّة] ومدرستهم.
أجل.. فالمسائل كثيرةٌ، والحديث طويلٌ في هذا المجال، فنرجو من الله تعالى أن يوفّقنا حتّى نتمكّن من الاستفادة أكثر من كلمات الأئمّة ونهجهم وسيرتهم، ومن هذه القضايا والقصص التي نعيشها الآن، ومن مجالس سيّد الشهداء، ومن هذه المحافل التي تُقام لإحياء ذكر الأئمّة عليهم السلام وكلامهم، والتي نراها بأعيننا، وتصل إلى مسامعنا، وبيّنها العظماء.

    

العلامة الطهراني بيّن مرتبة أعلى من واقعة عاشوراء في "الروح المجرد"

وأقول بحقّ: إنّ كتاب الروح المجرّد الذي ألّفه المرحوم العلاّمة لهو كتاب عجيب! فانظروا إلى المسائل والكلمات التي تضمنّها بشأن تلك الشعائر! فإذا كان الأمر يتعلّق بالأمور الظاهريّة، فقليل هم الأشخاص الذين أعرفهم وضاهوه من الناحية الظاهريّة في الاهتمام بإحياء هذه المجالس؛ إذ كان له اهتمام وابتهال وتضرّع وبكاء خاصّ في هذه المجالس. ولا حاجة لنا للحديث هنا عن هكذا أمور، بل إنّ معارضيه كانوا يعترفون بأنفسهم بهذه الحقيقة، حيث كان أحدهم ـ وهو من العلماء المشهورين في مشهد (رحمة الله عليه) ـ يقول: «لو كان هناك أحد يفوق الجميع بإخلاصه في إقامة هذه المجالس، فهو السيّد الطهراني. فنفس طريقة عقده للمجالس يحكي عن تلك النية»؛ فنفس معارضيه كانوا يرضخون لهذا الأمر.
وحينئذ، عندما يعمد إلى تأليف كتابٍ يتحدّث فيه عن هذه المسائل، لو كان مقرّرًا أن يتحدّث في هذا الكتاب عن نفس ما تحدّث عنه الآخرون، ويقول: اجلسوا وابكوا واندبوا واضربوا بأيديكم على رؤوسكم وأمثال ذلك، فإنّ هذا لا يحتاج إلى تأليفٍ جديدٍ؛ لأنّ الجميع ألّفوا عنه. ولهذا، نجده هنا يحكي لنا عن قصّة كربلاء بطريقة أخرى، ويُفسّرها لنا بنحو مغاير، ويُخرج الإمام الحسين عليه السلام من كلّ الأفكار والتخيّلات والأوهام التي قيّدناه بها، ويرتقي به إلى مستوى لا يرقى إليه فكرنا ولا عقلنا أبدًا.

    

أفق الإمام الحسين عليه السلام أعلى من أفق الملائكة المقربين

قبل عدّة ليالي، كنت في مشهد برفقة مجموعةٍ من الرفقاء، فقلت لهم: ألم يأت الملائكة المقربّون (كجبرائيل وغيره) في يوم عاشوراء عند سيّد الشهداء عليه السلام، وقالوا له: «يا ابن رسول الله، أنت عليك أن تأمر فقط، ونحن نبيد جميع هذا الجيش عن آخره»، فقال لهم عليه السلام: لا، لأنّ تقدير الله تعالى ومشيئته أعلى من ذلك!![5] رضى الله رضانا أهل البيتت[5]، فنحن مسلّمون للطريق الذي اختاره الله تعالى لنا؛ ومن هنا، يُعلم أنّ جبرائيل عليه السلام لم يُدرك حقيقة هذه المسائل؛ ولهذا، أتى وعرض نصرته، وإلاّ لما كان عليه أن يأتي؛ فمن الواضح إذن أنّ الإمام يُدرك أشياء لا يستطيع إدراكها الملائكة المقرّبون؛ فهو ينظر إلى أفق لا يتمكّن حتّى جبرائيل من النظر إليه. وإلاّ لو كان جبرائيل مطّلعًا على حقيقة الأمر، لما جاء وقال للإمام عليه السلام: يا ابن رسول الله فلنغيّر مجرى حادثة كربلاء! وكأنّ الإمام الحسين عليه السلام لا يعلم بمجريات الأمور؛ وحينئذ قال له الإمام عليه السلام: لا، أين أنت من هذه الأمور؟! لو كنتُ أريد تغيير مسار واقعة كربلاء، لما احتجت إليك في ذلك!! ولما احتجت إلى مجيء جبرائيل ولا عزرائيل ولا إسرافيل ولا الملائكة المقرّبين حتّى يقلبوا العالم رأسًا على عقب بنظرةٍ واحدةٍ!
فبماذا كان يُفكّر الإمام والحال هذه؟ وما هو الهدف الذي كان يضعه نصب عينيه؟ وما هو الأمر الذي كان يصبو إليه، بحيث إنّ جبرائيل لم يكن حتّى هو مطّلعًا عليه، مع كلّ ذلك العلم اللامتناهي الذي منحه الله تعالى إيّاه؟! حيث من المعلوم أنّ جبرائيل عليه السلام هو مصدر جميع العلوم ومبدؤها، وهو المظهر لاسم الله العليم، وكان مكلّفًا بإنزال الوحي على الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم، وعلى الأنبياء عليهم السلام، ويُفيض عليهم العلم، لكن، مع ذلك، نجده في حادثة كربلاء عاجزًا عن التقدّم إلى الأمام، ومرافقة سيّد الشهداء خطوة خطوة. فنراه يقول: عليّ أن آتي وأغيّر مسار كربلاء! وهكذا يقول إسرافيل، وأمّا سيّد الشهداء، فكان يقول: لقد كنت أعدّ الأيّام مترقّبًا حلول موعد كربلاء، فتأتي أنت وتريد تغيير مسارها!!
فهذا ما كان العظماء يسعون لإفهامنا إيّاه؛ أي أنّهم كانوا في صدد بيان تفسير آخر لحكاية كربلاء؛ غاية الأمر أنّ هناك مجموعة من الأشخاص لازالوا يتخبّطون في قضاياهم النفسانيّة، فليفعلوا، فلا إشكال في ذلك!!
نرجو من الله تعالى أن يرتقي بفهمنا ورؤيتنا وبصيرتنا إلى مستوى فهم الأولياء وعظماء الدين ورؤيتهم وبصيرتهم، وأن يُوفّقنا لهذا الأمر.
اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد

    


[1] ـ سورة الأنفال، من الآية 30.

[2] ـ سورة الكهف، الآية 103.

[3] ـ لقد نقل هذه القصة الشيخ الصدوق في كتاب عيون أخبار الرضا عليه السلام، ج 1، ص 100 ـ 102: "حدثنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن الحسن البزاز قال : حدثنا أبو طاهر الساماني قال : حدثنا أبو القاسم بشر بن محمد بن بشير قال : حدثني أبو الحسين أحمد بن سهل بن ماهان قال : حدثني عبيد الله البزاز النيسابوري وكان مسنا قال : كان بيني وبين حميد بن قحطبه الطائي الطوسي معامله فرحلت إليه في بعض الأيام فبلغه خبر قدومي فاستحضرني للوقت وعلى ثياب السفر لم أغيرها وذلك في شهر رمضان وقت صلاه الظهر فلما دخلت عليه رايته في بيت يجرى فيه الماء فسلمت عليه وجلست فاتى بطشت وإبريق فغسل يديه ثم امرني فغسلت يدي وأُحضِرت المائدة وذهب عنى انى صائم وانى في شهر رمضان ثم ذكرت فأمسكت يدي فقال لي حميد : ما لك لا تأكل ؟ فقلت : أيها الأمير هذا شهر رمضان ولست بمريض ولا بي عله توجب الافطار ولعل الأمير له عذر في ذلك أو عله توجب الافطار فقال : ما بي عله توجب الافطار وأني لصحيح البدن ثم دمعت عيناه وبكى فقلت له بعد ما فرغ من طعامه : ما يبكيك أيها الأمير ؟ فقال : انفذ هارون الرشيد وقت كونه بطوس في بعض الليل ان أجب فلما دخلت عليه رايته بين يديه شمعه تتقد وسيفا اخضر مسلولا وبين يديه خادم واقف فلما قمت يديه رفع رأسه إلى فقال : كيف طاعتك لأمير المؤمنين ؟ فقلت : بالنفس والمال فأطرق ثم اذن لي في الانصراف فلم البث في منزلي حتى عاد الرسول إلى وقال : أجب أمير المؤمنين فقلت في نفسي : انا لله أخاف يكون قد عزم على قتلى وانه لما رآني استحيى منى قعدت إلى بين يديه فرفع رأسه إلى فقال : كيف طاعتك لأمير المؤمنين فقلت : بالنفس والمال والأهل والولد فتبسم ضاحكا ثم اذن لي في الانصراف فلما دخلت منزلي لم البث ان عاد إلى الرسول فقال : أجب أمير المؤمنين فحضرت بين يديه وهو على حاله فرفع رأسه إلى وقال لي كيف طاعتك لأمير المؤمنين ؟ فقلت : بالنفس والمال والأهل والولد والدين فضحك ثم قال لي : خذ هذا السيف وامتثل ما يأمرك به الخادم قال : فتناول الخادم السيف وناولنيه وجاء بي إلى بيت بابه مغلق ففتحه فإذا فيه بئر في وسطه وثلاثة بيوت أبوابها مغلقة ففتح باب بيت منها فإذا فيه عشرون نفسا عليهم الشعور والذوائب شيوخ وكهول وشبان مقيدون فقال لي : ان أمير المؤمنين يأمرك بقتل هؤلاء وكانوا كلهم علوية من ولد على وفاطمة عليهما السلام فجعل يخرج إلي واحدا بعد واحد فاضرب عنقه حتى أتيت على آخرهم ثم رمى بأجسادهم ورؤوسهم في تلك البئر ثم فتح باب بيت آخر فإذا فيه أيضا عشرون نفسا من العلوية من ولد علي وفاطمة عليهما السلام مقيدون فقال لي : ان أمير المؤمنين يأمرك بقتل هؤلاء فجعل يخرج إلى واحدا بعد واحد فاضرب عنقه ويرمى به في تلك البئر حتى أتيت إلى آخرهم ثم فتح باب البيت الثالث فإذا فيه مثلهم عشرون نفسا من ولد على وفاطمة عليهما السلام مقيدون عليهم الشعور والذوائب فقال لي : ان أمير المؤمنين يأمرك بقتل هؤلاء أيضا فجعل يخرج إلى واحدا بعد واحد فاضرب عنقه ويرمى به في تلك البئر حتى أتيت على تسعه عشر نفسا منهم وبقى شيخا منهم عليه شعر فقال لي : تبا ( 1 ) لك يا ميشوم ! أي عذر لك يوم القيامة إذا قدمت عليه جدنا رسول الله ( ص ) وقد قتلت من أولاده ستين نفسا قد ولدهم على وفاطمة عليهما السلام ؟ ! فارتعشت يدي وارتعدت فرايصي فنظر إلى الخادم مغضبا وزبرني ( 2 ) فأتيت على ذلك الشيخ أيضا فقتلته ورمى به في تلك البئر فإذا كان فعلى هذا وقد قتلت ستين نفسا من ولد رسول الله ( ص ) فما ينفعني صومي وصلاتي ؟ ! وانا لا أشك انى مخلد في النار

[4] ـ أمالي الصدوق، ص 217 : ... فبلغ ذلك الحسين (عليه السلام)، فهمّ بالخروج من أرض الحجاز إلى أرض العراق، فلمّا أقبل الليل راح إلى مسجد النبي (صلّى الله عليه وآله) ليودّع القبر، فلمّا وصل إلى القبر سطع له نور من القبر فعاد إلى موضعه، فلمّا كانت الليلة الثانية راح ليودّع القبر، فقام يصلي فأطال، فنعس وهو ساجد، فجاءه النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وهو في منامه ، فأخذ الحسين (عليه السلام) وضمّه إلى صدره، وجعل يقبّل بين عينيه، ويقول::: بأبي أنت، كأنّي أراك مرمّلًا بدمك بين عصابة من هذه الأمّة، يرجون شفاعتي، ما لهم عند الله من خلاق، يا بنيّ إنّك قادم على أبيك وأمّك وأخيك، وهم مشتاقون إليك، وإنّ لك في
الجنّة درجات لا تنالها إلاّ بالشهادة
. فانتبه الحسين (عليه السلام) من نومه باكيًا...

[5] ـ عن أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ: لَمَّا سَارَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مِنَ الْمَدِينَةِ لَقِيَهُ أَفْوَاجٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ الْمُسَوَّمَةِ فِي أَيْدِيهِمُ الْحِرَابُ عَلَى نُجُبٍ مِنْ نُجُبِ الْجَنَّةِ فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ وقَالُوا: يَا حُجَّةَ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ بَعْدَ جَدِّهِ وأَبِيهِ وأَخِيهِ إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَمَدَّ جَدَّكَ بِنَا فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وإِنَّ اللَّهَ أَمَدَّكَ بِنَا فَقَالَ لَهُمُ: الْمَوْعِدُ حُفْرَتِي وبُقْعَتِيَ الَّتِي أُسْتَشْهَدُ فِيهَا وهِيَ كَرْبَلَاءُ فَإِذَا وَرَدْتُهَا فَأْتُونِي. فَقَالُوا: يَا حُجَّةَ اللَّهِ مُرْنَا نَسْمَعْ ونُطِعْ فَهَلْ تَخْشَى مِنْ عَدُوٍّ يَلْقَاكَ فَنَكُونَ مَعَكَ؟ فَقَالَ: لَا سَبِيلَ لَهُمْ عَلَيَّ ولَا يَلْقَوْنِي بِكَرِيهَةٍ أَوْ أَصِلَ إِلَى بُقْعَتِي. وأَتَتْهُ أَفْوَاجُ مُسْلِمِي الْجِنِّ فَقَالُوا: يَا سَيِّدَنَا نَحْنُ شِيعَتُكَ وأَنْصَارُكَ فَمُرْنَا بِأَمْرِكَ ومَا تَشَاءُ فَلَوْ أَمَرْتَنَا بِقَتْلِ كُلِّ عَدُوٍّ لَكَ وأَنْتَ بِمَكَانِكَ لَكَفَيْنَاكَ ذَلِكَ فَجَزَاهُم‏الْحُسَيْنُ خَيْرًا وقَالَ لَهُمْ: أَ ومَا قَرَأْتُمْ كِتَابَ اللَّهِ الْمُنْزَلَ عَلَى جَدِّي رَسُولِ اللَّهِ ﴿أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ ولَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍؤ وقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى‏ مَضاجِعِهِمْ﴾ وإِذَا أَقَمْتُ بِمَكَانِي فَبِمَا ذَا يُبْتَلَى هَذَا الْخَلْقُ الْمَتْعُوسُ وبِمَا ذَا يُخْتَبَرُونَ ومَنْ ذَا يَكُونُ سَاكِنَ حُفْرَتِي بِكَرْبَلَاءَ وقَدِ اخْتَارَهَا اللَّهُ يَوْمَ دَحَا الْأَرْضَ وجَعَلَهَا مَعْقِلاً لِشِيعَتِنَا ويَكُونُ لَهُمْ أَمَانًا فِي الدُّنْيَا والْآخِرَةِ ولَكِنْ تَحْضُرُونَ يَوْمَ السَّبْتِ وهُوَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ الَّذِي فِي آخِرِهِ أُقْتَلُ ولَا يَبْقَى بَعْدِي مَطْلُوبٌ مِنْ أَهْلِي ونَسَبِي وإِخْوَتِي وأَهْلِ بَيْتِي ويُسَارُ بِرَأْسِي إِلَى يَزِيدَ لَعَنَهُ اللَّهُ. فَقَالَتِ الْجِنُّ: نَحْنُ واللَّهِ يَا حَبِيبَ اللَّهِ وابْنَ حَبِيبِهِ لَوْ لَا أَنَّ أَمْرَكَ طَاعَةٌ وأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَنَا مُخَالَفَتُكَ قَتَلْنَا جَمِيعَ أَعْدَائِكَ قَبْلَ أَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَقَالَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ لَهُمْ: نَحْنُ واللَّهِ أَقْدَرُ عَلَيْهِمْ مِنْكُمْ ولَكِنْ لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ ويَحْيى‏ مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ. (بحارالأنوار، ج 44، ص 330)

[6] ـ بحار الأنوار، ج 44، ص 366.

      
  

جميع الحقوق محفوظة لـ موقع المتقين www.motaghin.com ويسمح باستخدام المعلومات بشرط الإشارة إلى المصدر.

© 2008 All rights Reserved. www.Motaghin.com


Links | Login | SiteMap | ContactUs | Home
عربی فارسی انگلیسی