معرض الصور المحاضرات صوتيات المكتبة سؤال و جواب اتصل بنا الرئیسیة
 
اعتقادات و كلام أخلاق حکمة عرفان العلمي و الإجتماعي التاریخ القرآن و التفسير
المكتبة > محاضرات آية الله السيد محمد محسن الطهراني > أعياد و مناسبات إسلامية > محاضرة 15 شعبان 1438 هـ: انتظار الظهور بين الحقيقة و المجاز

_______________________________________________________________

هو العليم

انتظار الظهور
بين الحقيقة والمجاز

ألقيت في 15 شعبان 1438 هـ

ألقاها سماحة آية الله:

السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ
حفظه الله

_______________________________________________________________

تحميل ملف البد دي أف تحميل ملف البد دي أف

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا ونبيّنا أبي القاسم محمد
وعلى أهل بيته الطاهرين واللعنة على أعدائهم أجمعين

هناك عبارة مشهورة قد ذُكرت في كثير من الروايات عن صاحب العصر والزمان وهي قولهم عليهم السلام: «يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً»>[1].
يملأ الأرض من العدل وظهور الحقيقة والصدق والواقع، ولا يترك فيها مكاناً خالياً لشيء آخر، في وقت تكون فيه الأرض وأهلها وأماكنها مملوءة بالظلم ويجتاحها الجور والطغيان. وقد سمعنا جميعاً هذه العبارة ومعناها واضح لنا بحسب الظاهر، فإنّنا نعرف معنى الظلم، ونعرف معنى العدالة، ونعرف معنى الحقيقة، ونعرف معنى الطغيان، ونعرف معنى الصدق، ونعرف معنى الكذب، نعرف ما الذي يعنيه بيان الواقع وماذا يعني كتمان الواقع، فنحن نمتلك معرفة بهذه الأمور وهذه التعابير والاصطلاحات ولو معرفة إجمالية، وقد جرّب الناس هذه الأمور على مرّ التاريخ، فقد أتت وذهبت الحكومات والملوك والسلاطين على مرّ التاريخ وجاؤوا للناس بهذه الأمور.
يوم النصف من شعبان هو يوم ولادة إمام الزمان عليه السلام، وقد وُلِد الإمام عليه السلام في هذا اليوم قطعًا، وهو له من الخصوصيّات والمسائل ما يختصّ به؛ والعجيب هو أنّنا نرى من يشكّك في ولادة الإمام عليه السلام في هذا العصر حتّى من نفس الشيعة ويورد الشبهات على هذه المسألة، وهناك من أبرز تردّده في هذه المسألة، ورآها منافية للموازين العقليّة والحال أنّه لا يوجد مجال للشكّ فيها! وليس هناك أيّ شبهة في هذه المسألة.

 

لماذا نقيم مجالساً للاحتفال بمناسبات أهل البيت عليهم السلام؟

أمّا الخصوصيّة التي يختصّ بها الإمام المهديّ دون باقي الأئمّة عليهم السلام هي أنّه في ولادة الأئمّة عليهم السلام يكون هدفنا وغايتنا من إقامة المجالس هو إحياء ذكر ذلك الإمام، وذلك كما في مولد الإمام الرضا عليه السلام والإمام السجّاد والإمام موسى بن جعفر الكاظم وأمير المؤمنين صلوات الله عليهم أجمعين، فإنّنا نأتي ونقيم مجالس سرورٍ وبهجةٍ ونذكر فيها ما وَصَلنا منهم عليهم السلام من مسائل وكلمات، لتتنوّر قلوبنا ثمّ ينتهي المجلس.
وأمّا في ولادة الإمام المهديّ عجّل الله فرجه فإنّ ما يتبادر إلى ذهن جميع الأشخاص ـ بالإضافة إلى مسألة ولادته عليه السلام ـ فكرة ظهوره عليه السلام، فهو من جهة ولادته كسائر الأئمة، ولكن بمجرّد أن يأتي ذكر ولادته عليه السلام تتبادر مسألة الظهور إلى أذهاننا، فإنّه ما إن نتلفّظ بـ "ولادة الإمام صاحب الزمان" حتّى تكون فكرة الظهور أوّل ما يخطر في ذهننا، وكأنّ هذا المولد هو مولد حيّ؛ فالإمام العسكريّ قد غادر هذه الحياة، كان فيها مدّة ثمّ ارتحل عنها، وكذلك الإمام الهادي والإمام الجواد وحتّى رسول الله صلى الله عليه وآله، ونحن إنّما نقيم هذه المجالس لهم لكي نحيي ذكرهم، وبواسطة إحيائنا لذكرهم فإننّا نحيي وجودهم الحقيقيّ والواقعيّ في أنفسنا ونجدّده في قلوبنا، ونجدّد البيعة مع أرواحهم وأنفسهم ومنهجهم، ونجعل أنفسنا في ذلك الجوّ؛ فهذه الأمور يجب على الإنسان أن يأخذها بعين الاعتبار في هكذا أوقات.
ولهذا لا يوجد لدينا في الشرع أن يُحتفل بالأعياد السنويّة للأولاد وأمثالها؛ لأنّ الولد قد وُلد وما زال موجوداً فلا يحتاج إلى ذكرى سنويّة فها هو يمشي ويلعب ويعيش حياته فلا معنى للذكرى السنويّة، ترى البعض إذا صار عمر الولد سبع سنين يحتفلون به ويقيمون له عيد الميلاد! فهو وإن كان قد ولد منذ سبع سنين إلا أنّه ها هو الآن يأكل طعامه ويلعب ألعابه. فما معنى أن يقام له عيد الميلاد؟!
أمّا بالنسبة للإمام فإنّه قد وُلد منذ ألف وأربعمائة سنة، ومع ذلك يقولون لنا: يجب أن نحتفل بميلاده، فماذا يعني ذلك؟ يعني أنّه يجب علينا أن لا نترك هذه المسألة لتُنسى، يجب أن لا ننسى أنّ الإمام قد وُلد وجاء إلى هذه الدنيا؛ فنفسه وروحه، وحقيقته، وولايته، وملكوته، كلّها موجودةٌ وباقيةٌ؛ إذ لولا أنّ هذه الأمور موجودة وباقية فلِم نقيم نحن الذكرى السنويّة؟! فإنّ الإمام المجتبى عليه السلام وُلد في ذلك الوقت وقد ارتحل عن الدنيا في ذلك الوقت أيضاً، فقد استشهد عليه السلام مسمومًا؛ فهو وإن كان إمامًا وقد بلغ من العمر كذا وخمسين سنة ثمّ ارتحل عن هذه الدنيا، وقد كان رجلاً عظيماً، أعظم ممّا نتصوّر؛ لكن في النهاية انتهت حياته، حسنًا، فلماذا آتي أنا الآن وأتحدّث عنه؟! وما هي النتيجة المتوخّاة من ذلك؟ والفائدة المترتّبة عليه؟ هل التفتّم؟
هنا، يأتي الأولياء والعظماء ليقولوا لنا: اِرْتَقِ بفكرك إلى ما هو أعلى من مستوى عامّة الناس، ولا تسْعَ نحو الأمور الظاهريّة! كأن تحتفل بعيد ميلاد ابنك.. فلو فرضنا أنّ هذا الولد بلغ سنتين، فإنّ غاية ما يفعله هو الرضاعة والبكاء واللعب، وعندما يبلغ خمس سنوات، فإنّه يكون منهمكًا في الأكل، وحينما يبلغ السابعة، يذهب للمدرسة، وهكذا الأمر حينما يصل للعاشرة والعشرين والأربعين والخمسين من العمر؛ فينبغي علينا والحال هذه أن نحتفل بعيد ميلاده طيلة هذه السنوات! فمثلًا لو كان عمره أربعون سنة فسنحتفل بعيد ميلاده وهو بطول 3 أمتار وسيكون وزنه 160 كيلو، فمثل هذا الشخص لا يليق أن نعمل له حفلة عيد ميلاد، إذ هو رجل كبير، فكيف لنا أن نحتفل بعيد ميلاده؟! لا ياعزيزي!
وأمّا بالنسبة للإمام، فقد قالوا لنا: يجب الاحتفال بذكرى مولده، لماذا؟ لأنّ الإمام كان يعيش في زمان خاصّ ومحدّد ببدنه وجسمه وصفاته الظاهريّة، ثمّ ارتحل عن هذه الدنيا بعد انقضاء مدّة معيّنة، غير أنّ حقيقته ظلّت باقية؛ ونحن حينما كنّا نتّبع الإمام المجتبى عليه السلام أو الإمام السجّاد عليه السلام لم نكن نتّبع بدنه؛ إذ لا فارق بين بدنه وبين بقيّة الأبدان؛ فوزنه كان يبلغ فرضًا سبعين كيلو، الآخرون يترواح وزنهم بين السبعين والثمّانين والتسعين والمائة، أو أقلّ أو أكثر؛ ودمه، وما يتألّف منه كالكريّات والبلاسما و...، فإنّه لا يفترق عن بقيّة الناس فيه؛ فلماذا كنّا نتبع الإمام السجّاد عليه السلام في ذلك الزمان، ولم نتّبع الآخرين مع أنّه كان فيهم العلماء والعظماء؟ لأنّ تلك الحقيقة التي يحويها الإمام لا توجد في مكان آخر؛ وهذه الحقيقة هي التي توصلنا إلى السعادة، لا تلك الأمور التي يتوفّر عليها الآخرون؛ فرغم أنّ بقيّة الناس فيهم أناس عالمون وصلحاء إلاّ أنّ السبب الذي جعلنا نتخلّى عن الجميع، ونسعى نحو الإمام السجّاد هو تلك المسألة الخاصّة، وتلك الحقيقة التي لا يُعثر عليها في أيّ مكانٍ آخر، وإلاّ لذهبنا عند الآخرين بدل أن نذهب عند الإمام السجّاد عليه السلام، وعوض أن نذهب عند الإمام الباقر، نذهب عند عكرمة، وبدل أن نذهب عند الإمام الصادق عليه السلام، نذهب عند الآخرين مِن الذين كانوا متواجدين في ذلك العصر؛ مثل أبي حنيفة، ومالك وغيرهما؛ فقد كان هؤلاء على علم ببعض المسائل الدينيّة، لكنّهم كانوا يخلطونها بأنظارهم الخاصّة!
فلماذا علينا إذن أن نذهب إلى موسى بن جعفر عليه السلام؟ لأنّ تلك الحقيقة التي يحويها موسى بن جعفر عليه السلام ـ والتي نحتاجها وفيها نفعنا ـ لن نجدها في أيّ مكان آخر، وتلك الحقيقة التي يضمّها الإمام الرضا عليه السلام لن نعثر عليها في أيّ محلّ آخر؛ فعلينا والحال هذه أن نسعى نحو الإمام الرضا عليه السلام؛ مع العلم أنّ مكانة بقيّة الناس والعظماء محفوظة؛ فإن كانوا صلحاء، فهذا جيّد، وإن كانوا من أهل المعاصي، فإنّ الموقف تجاههم واضح وجليّ.. هذه هي حقيقة المسألة.
ولهذا السبب، نحن نقول بأنّ الإمام المجتبى في ذكرى مولده حيٌّ؛ فَروحُه حيّة، ونفسه وولايته وحقيقته.. كلّها حيّة؛ وهذا هو الذي يدفعنا للاحتفال بمولده؛ وهكذا الأمر بالنسبة للإمام الباقر، والإمام الجواد، فكلّ هذه الأمور محفوظة في محلّها بالنسبة إليهم. وأمّا حينما يصل الدور إلى إمام الزمان عليه السلام، فإنّه علاوةً على هذه المسألة ـ إذ من المعلوم أنّه عليه السلام حيّ وله حياة ظاهريّة ـ فإنّ هناك مسألة أخرى تأتي في البين، وهذه المسألة تتعلّق بظهوره عليه السلام.

    

خصوصية الاحتفال بمولد الإمام المهدي عليه السلام

فصحيح أنّ إمام الزمان حيّ كما كان بقيّة الأئمّة عليهم السلام، إلاّ أنّه يختلف عنهم بمسألةٍ وهي توقّع مجيئه وانتظار ظهوره؛ فهذه المسألة ليست موجودة في الإمام السجّاد، ولا في أمير المؤمنين، ولا حتّى في النبيّ الأعظم؛ فحينما نحتفل في السابع عشر من ربيع الأوّل بولادة الرسول الأكرم والإمام الصادق صلوات الله عليهما، فإنّنا لا نتوقّع مجيئه وظهوره صلّى الله عليه وآله وسلّم، بل نقتصر على إقامة مجالس الاحتفال والحديث وأكل الحلوى وطرح المسائل المرتبطة بالمناسبة؛ ولكن حينما يصل الدور إلى إمام الزمان، فإنّ كلّ تلك الأمور تترافق مع انتظار ظهوره عليه السلام.
وهنا، ينبغي علينا الالتفات إلى هذه المسألة، وهي أنّه ما هي حقيقة مسألة انتظار ظهور الإمام ومجيئه وظهوره؟ وما معنى أنّ الإمام عليه السلام سيظهر، ويُحدث كلّ تلك المسائل، وأنّه سيملأ الأرض قسطًا بعد أن ملئت بالظلم؛ فيعمّ العدل كافّة البلدان؛ فلن يلجأ أحد إلى كتمان أيّة حقيقة، ولن يخدع أحدٌ الآخر، ولن يعمد أحد إلى المداهنة والاحتيال، ولن يكذب أحد على الآخر بكلِّ وقاحة وهو ينظر إليه، مدّعياً في الوقت ذاته أنّه من أتباع الإمام عليه السلام!

    

ما هي حقيقة انتظار ظهور الإمام عليه السلام؟

فما هي حقيقة الأمر؟ إنّ حقيقة المسألة تكمن في أنّنا غير راضين عن الحالة التي نحن عليها، فنشعر بالفراغ والنقصان والخلأ، وإلاّ، فهل شاهدنا إنسانًا سليمًا من جميع النواحي؛ أي في رأسه وبدنه ومعدته وأعضائه وجوارحه ومع ذلك يهتمّ لمجيء طبيبٍ حاذقٍ إلى بلده، فإنّه إذا قيل له: يا فلان، لقد جاء إلى هذه المدينة طبيب حاذق وماهر جدًّا، سيُجيب قائلاً: ما علاقتي أنا بالأمر؟! فأنا سليم، والأمر عندي سيّان سواءٌ أتى هذا الطبيب أم لم يأت!
أو يُقال له: لقد جاء إلى هنا المهندس الفلاني وهو قادر على أن يبني العمارة الفلانية، وله تصميمات معروفة، فإنّه سيردّ قائلاً: لا يهمّني مجيئه، فأنا أمتلك بيتًا، أو إنّني لا أحتاج إلى بيت من الأساس!
فلماذا لا يبحث السليم عن الطبيب؟ لأنّه لا يحتاج إليه! ولماذا لا يُفكرّ الإنسان الذي لا يشعر بألم في معدته أو رأسه أو رجله بالذهاب عند الطبيب؟ لأنّه لا يحسّ بالحاجة إليه! فسواءً عليه أجاء هذا الطبيب أم لم يأت!
متى يهتمّ الإنسان لمجيء هؤلاء بحيث أنّه متى ما سمع بمجيئهم تراه يقول: يا للعجب، لقد جاءت شخصيّة من هذا القبيل إلى هذه المدينة!
كأن يُقال لك: لقد أتى من طهران أو من الخارج ليعيش في قمّ.
فتقول عجباً لقد جاء، هذا جيدٌ.
إنّك لا تقول هذا الكلام إلا لأنّك إمّا مريض، أو أنّك تخشى من الإصابة بهذا المرض؛ فتقول: إذا مرضنا بهذا المرض فهو موجود، فهذه الكلمة "إذا" موجودة في قلوبنا، أو أنّك مريض فعلاً وبحاجة إليه؛ فقد ذهبتَ إلى هنا وهناك ولم تحصل على نتيجة، فتقول: لقد جاء هذا الطبيب، فلنرى ماذا سيحصل معه وماذا يمكنه أن يفعل.
لو كانت حالنا الآن واقعًا هي نفس حالنا عندما يأتي صاحب الزمان، ويقيم في هذه الدنيا، ويعمل ما يريد أن يعمله، فما الذي سنشعر به بالنسبة لظهور إمام الزمان؟ لن تختلف المسألة لدينا؛ سواء ظهر أم لم يظهر! لماذا؟ لأنّ إمام الزمان سيأتي ليحيي الصدق في وجودنا، باعتبار أنّ الكذب صار مستولياً على وجودنا من رأسنا إلى أخمص قدمينا، ولم يبق لدينا صدق أساساً، حتّى أنّك إذا ما رأيت صدقًا فإنّك تتعجّب منه! فالكذب صار يملؤنا من أعلى رأسنا حتّى أخمص قدمينا! كلّه كذب، ولم يبق فيه أيّة واقعيّة، ولم يبق أيّ صفاء؛ فقد استولى علينا الخداع من رأسنا إلى أخمص قدمينا، لقد مُلئنا بالكذب والرياء والنفاق.
ومن هنا، فإذا أتينا ووضعنا أنفسنا في حالة ـ إمّا بواسطة الرياضة الشرعيّة أو بأن نضع أنفسنا تحت تربية شخص خبير أو أمثال ذلك ـ بحيث لا يصدر منّا كذب أصلاً، يعني أنّ لساننا لا يعود ينطق بكلمة كذب.. فما يريد إمام الزمان أن يطبّقه علينا موجود لدينا فعلاً! ونراه من أنفسنا حقيقة. فنحن الآن لدينا الكثير من النقائص التي تحتاج إلى إصلاح في وجودنا وفي نفسنا فإنّهما يحتويان على ألف مشكلة تحتاج إلى إصلاح وإكمال؛ مثلاً مسألة الإحساس بالرحمة والعطف على الغير، فهذه من جملة المسائل، فإذا فرضنا أنّنا واقعاً جعلنا أنفسنا في حالة صرنا نشعر معها بالنسبة إلى الآخرين كما نشعر بالنسبة إلى أنفسنا، فنريد لغيرنا نفس ما نريده لنفسنا، ووصلنا فعلاً إلى هذه المرتبة، فسيكون هذا هو نفس ما سيقوم به صاحب الزمان عليه السلام! ما الفرق بينهما؟ هو نفسه.
وإذا فرضنا أنّنا وصلنا إلى مرحلة بحيث صار كتمان الحقّ وكتمان الواقع لا يتحقّق منّا أبدًا! فهذا هو نفس ذلك الأمر الذي يريد الإمام أن يطبّقه بحكومته ومبانيه، وها نحن نطبّقه على أنفسنا. وإذا فرضنا وفرضنا و...، و هكذا نحصل على صفة بعد الأخرى، وأعلى من الجميع وأفضل منها هو الوصول إلى مقام المعرفة وإدراك حقيقة الولاية، فهذه أعلى من جميع تلك الصفات؛ حيث إنّها تتحقّق في مرتبة السرّ ومرتبة الروح، فإذا وصلنا إلى هذه المرتبة فلا فرق بين ظهور الإمام وعدم ظهوره في هذه المرحلة؟! لا فرق في ذلك!

    

لا فرق عند أولياء الله بين حصول الظهور الظاهري و عدمه

ولذا نرى أنّ الظهور وعدم الظهور بالنسبة إلى الأولياء على السواء؛ وإنّما يختلف ذلك بالنسبة إلينا نحن، فقد سيطر على وجودنا الكذب بدلاً من الصدق، والمجاز والرياء والمداهنة بدلاً من الواقعيّة، وملئت نفوسنا بالقسوة والوحشيّة بدلًا من العطف والرحمة؛ لذا ترانا نسعى دائماً للحصول على القدرة والقوّة الإضافية لكي نغيّر فيها الواقع ونغيّر النظام وغير ذلك!
فإذا فرضنا وجود وليّ الله الذي تجاوز كل هذه الصفات الرذيلة بحيث لا معنى للكذب عنده، ولا معنى للمخـالفة ولا للريـاء ـ وقد شاهدنـا هذه الأمور منهم ـ فما الفرق عندهم والحـال هذه بين ظهور الإمام وعدم ظهوره؟!
ما تفضّل به الأخ جناب الشيخ ... [في خطبته قبل سماحة السيّد] من ذكر الرواية عن الإمام الباقر عليه السلام: إذا عرفت هذا الأمر فلن يختلف الأمر بالنسبة لك سواء أظهر الإمام أم لم يظهرر[2].
فإن وَصَلْتَ إلى مقام المعرفة فلن يكون عندك فرق بين ظهور الإمـام وعدمه؛ لذا فالمسألة الحسّاسة في المقام، والهامّة جداً هي أنّ الإنسان إذا ما وضع نفسه في ضمن ظروف معيّنة، بحيث إنّ نفس تلك الواقعيّة وتلك الحقيقة ونفس تلك التربية والهدايـة التي ينبغي أن تحصل له بظهور الإمام، ستحصل له بعينها في عصر الغيبة! فلماذا يسعى للظهور حينئذٍ؟!
وبما أنّ الأمر متاح بهذا النحو فتفضّلوا! تصوّروا لو أنّ مائدةً قد وُضِعت أمامنا ودُعِينا لها ولا يفصلنا عنها سوى مترين ثمّ قلنا: يا ليتنا كنّا مدعوّين إلى هذه المائدة وتناولنا منها وأسكتنا جوعنا بها! يا عزيزي تقدّم مترين فقط واجلس، فلماذا تقول يا ليتنا .. و يا ليتنا؟ إنّ قولنا : "متى يظهر الإمام عليه السلام .. ومتى يظهر" هو لأنّنا نأخذ الأمور بهزل ولا نأخذها بجدّية، إنّنا لا نأخذ المسائل بواقعيّة.

    

الإمام حاضر وظاهر بولايته وإشرافه على النفوس!

عندما يظهر الإمام عليه السلام، فهل سيتعامل معنا بحقيقته الباطنية وبولايته وإشرافه وسيطرته على النفوس والأفكار والقلوب.. هل يأتي بهذه الحقيقة أم يأتي ويتكلّم معنا اعتماداً على الجرائد والراديو والتلفزيون؟ إن كان يتكلم معنا على أساس هذه المسائل، فما الفرق بينه وبين الآخرين؟ فأنا أقرأ الصحف وأشاهد التلفزيون وأستمع إلى الراديو ويحصل لي أفكار وعقليّة معيّنة، وأتحدّث بناء على هذه العقليّة مثل سائر الناس، وفي الغد يظهر بأنّ تمام ذلك الكلام كان كذباً! فأكتشف بأنّ ذلك المخبر كان كاذباً وذاك الذي كتب في الجريدة كان كاذبًا، والذي تحدّث في الراديو كان كاذبًا.. فنقول: عجباً! لقد سمعنا هذا الكذب ونقلناه للناس!
لكن إمام الزمان ليس كذلك، فالإمام إذا أراد أن يتحدّث إلى الناس لا يعتمد على الجرائد، ولا يستمع إلى الراديو، الإمام إذا أراد أن يتحدّث بواقع معيّن يتحدّث من خلال ولايته ونفسه المشرفة على تمام عالم الوجود، لذا نرى بأنّ كلامه يستقر في القلوب. لماذا كلامنا لا يستقرّ في القلوب؟ لأنّنا لسنا كذلك، وبما أنّنا لسنا كذلك، فالناس ينظرون إلينا بنفس ذلك القدر، فيقولون: إنّ هؤلاء مثلنا لا يختلفون عنا، فنحن نقرأ في الصحف ونستمع إلى الراديو والتفلزيون، وهم يفعلون مثلنا، بل قد نكون نحن أفهم منهم، فلماذا نسمع كلامهم؟!
إمام الزمان ليس كذلك، إمام الزمان ينظر إلى سرّك الذي لا تعرف أنت عنه شيئاً، ينظر إلى قلبك وإلى تلك الزوايا التي لا تعرف عنها شيئاً، وربَّما تعرف شيئاً عنها لاحقاً وربَّما لا تعرف. الإمام يضع يده تماماً على تلك النقطة الأساسيَّة؛ وبناء عليه يقول لك افعل كذا ولا تفعل كذا! لذا فكلّ كلمة يقولها يصيب بها الهدف، وكلّ عمل يقوم به هو عين الواقع، وكلّ إشارة يشيرها هي نفس الحقيقة، لماذا؟ لأنّه صاحب الولاية.. ومن السخافة بمكان ما يقوله البعض من: أنّ الإمام ليس لديه علم بالمسألة الفلانيّة! يا عزيزي، إنّ الإمام لديه ولاية، لا أنّ لديه بعض المحفوظات وأمثال ذلك.
لذا يقول المرحوم العلاّمة: عندما أنظر إلى وليّ الله فكأنّي أنظر إلى نبيّ الله، فهذا هو ما يعنيه من كلامه هذا، والذي يقول هذا الكلام عالمٌ مجتهد، وهو الأعلم في زمانه، حيث كان لديه اطّلاع على تمام المباني الظاهريّة؛ فعندما يقول هو هذا الكلام فلا شكّ أنّه عرف شيئًا، وأدرك شيئًا ما، ولمس شيئًا بحيث صار يقول هذا الكلام!
وهذا هو نفس كلام الإمام الباقر عندما قال: إذا عرفت إمامك فلا يختلف لديك الأمر ظهر الإمام أم لم يظهر، وهذا عبارة عن هذا الكلام؛ فعندما أصل إلى وليّ الله؛ الوليّ الحقيقيّ لا الوليّ الادّعائيّ، فهؤلاء مدّعون.. بل ذاك الوليّ، الذي ذُكر له بعض التوضيحات في المجلّد الثاني من أسرار الملكوت، إذا وصل شخص إلى ذاك الوليّ، عندئذٍ يمكننا أن نقول بأنّ الأمر عنده قد انتهى؛ لأنّ كلاهما واحد ولا يوجد فرق بينهما، وهذه القضيّة لم يستطع العظماء أن يبيّنوها كما ينبغي، بل كانوا يشيرون إليها بالكناية والإشارة، ولكننا لم نكن ندرك هذه المسألة كما ينبغي.

    

إذا كنتَ مع أولياء الله فلماذا تقلق؟!

أذكر أنّه في الزمن السابق حيث كان قد حصل بعض القضايا والأمور والحوادث، كان بعض الأشخاص المحبّين له [العلّامة الطهرانيّ] والمريدين يأتون إليه وهم في حالة قلق وتوجّس ممّا يجري، فيقولون: سيّدنا ما الذي ستؤول إليه الأمور؟ وواقعاً كان الوضع مخيفًا ومقلقًا، خصوصًا مع المسائل التي كانوا يشاهدونها! فكان يجيبهم بالضحك والقهقهة ويقول لهم: ولماذا أنتم أيضًا قلقون؟! يعني يريد أن يقول لهم: ما بالكم؟ أين أنتم؟ يبدو أنّكم بعيدون جدًا عن إدراك الواقع!
الناس قلقون؟ لهم الحقّ في ذلك ـ والأوضاع كانت مقلقة فعلاً فالرصاص لا يمازح أحداً ـ لكن أنتم لماذا تقلقون؟ عندما كانوا يأتونه كانوا بحالة من الوجل.. ولا زالوا على قيد الحياة، حفظهم الله ورعاهم وزاد من فهمهم، ندعو لهم.. كانوا يأتون إليه ويقولون فلان فعل كذا، وفلان العسكريّ تكلّم بهذا الكلام، وفلان قال ذلك.. وكانوا في حالة من الخوف والوجل، بينما كان هو ينظر إليهم ويضحك، ثمّ يقول: ماذا بعد؟! هل لديكم خبر آخر ومسألة أخرى؟! وكنّا نعرف ما هو الداعي لهذا الضحك منه، وما هو منشأه، وما هي العوالم التي ينشأ هذا الضحك منها.. وبعد ذلك كان يبيّن بعض الأمور ثم كان يقول لهم: إذا كان الناس خائفون، فأنتم لا تخافوا! بهذه الجملة فقط.
حسناً، عندما يكون لديك شخص مثل هذا إلى جانبك فلماذا تقلق؟! وما معنى إحساسك بوجود تكليفٍ ملقى على عاتقك؟! إذا كان هناك تكليف فهذا هو الذي ينبغي أن يبيّنه! وإذا كان هناك أمر فهو الذي ينبغي أن يدركه، فلماذا تأتي أنت وتقول: أشعر بوجود تكليف لديّ! فقولك هذا يعني أنّه هو لا يدرك التكليف ولا يفهمه، بل أنت الذي تفهم! هذا هو معناه. هل التفتّم؟
لماذا ينبغي أن يكون الأمر كذلك؟ لأنّ هذه منّة إلهيّة يمنحها الله في عصر الغيبة للذين يسعون بشكل حقيقيّ وواقعيّ، و أمّا الآخرون فلا يتدخّل بأمرهم بل يتركهم يتناطحون فيما بينهم و يتكالبون على هذه الدنيا! فهذا يقول لذاك وذاك يردّ على هذا، ألا ترون الآن ما يحصل؟ هذا يتكلّم على هذا وذاك يعلو وذلك ينخفض...والأمر صار مشهوداً لكلّ الناس.. والأدهى من ذلك أنّ كلّ واحد منهم يقول: أنا أشعر بالتكليف! فهم يشعرون بأنّهم مكلّفون بأمر لا يشعر به حتّى النبيّ! يعني أنّ التكليف الذي نشعر به نحن هو فوق الرسالة والإمامة!!
أمّا الأعاظم فإنّهم يقولون: اخرجوا من هذا الجو؛ فلا وجود للغيبة، ولا يفرق الأمر بين موت الإمام وحياته، ولا بين نومه وصحوه، لا معنى للجهل والعلم بالنسبة للإمام، فالإمام حيّ في جميع الأحوال، ولديه إشراف على الجميع.. ولكن عليك أن تتعرّف على نفسك أنت؛ فلا تركض خلفي من أجل الظهور، وتطالبني بالظهور، فأنا لا أريد أن أظهر، فهل أنت قيّم عليّ؟! فلا أريد أن آتي إليكم، فأنتم أناس جيّدون، فهل آتي إليكم لكي تضعوا تاجًا على رأسي؟! وتعطوني مكانتي التي أستحقّها؟! لا يا عزيزي لا أريد ذلك، بل أريد أن أعيش حياتي في المدينة أو أينما كنت!
يقولون: يا ابن رسول الله لا يصحّ ذلك، فنحن لدينا دين ولدينا آخرة ولدينا سعادة، يقول: هل تقولون ذلك حقاً أم تكذبون؟ إن كنتم كاذبين، فدعوني وشأني! اتركوني وشأني ولا ترفعوا أيديكم بالدعاء للظهور عبثاً، بل امضوا خلف أعمالكم وكسبكم وسائر أشغالكم؛ وإن كنتم صادقين، فلا شأن لظهوري بالمسألة! إذ لوكنتم صادقين فسأجعل لكم ألف طريق للوصول.

    

من كان يريد إصلاح نفسه بصدق، لا يتركه الإمام

إذن علينا أن نبحث في داخل أنفسنا ونرى إلى أيّ حدٍّ نحن صادقون في هذه القضيّة! إذ بمقدار ما نكون صادقين، بمقدار ما يأتي الإمام إلينا، لا أنّنا نحن الذين نذهب إليه، بل هو الذي يأتي إلينا! لكن إذا كان كلامنا خداعاً يا عزيزي.. ولا يفرق الأمر سواءٌ كان على رأسنا عمامة أم لا، فالخداع موجود في كلّ مكان، وفي كلّ النفوس؛ فمن درس لديه خداع ومن لم يدرس لديه خداع، بل المتعلّم [المخادع] أسوأ حالاً من غيره.
إن كان حالنا هو أنّنا نخادع أو ننافق، أو كنّا ممّن يكتم الحقيقة، أو إن كان حالنا هو أننا نكذب ونظهر الكذب لا الحقيقة، فماذا ينفعنا إمام الزمان؟ نقول: اظهر يا ابن الحسن! سيقول: هل أظهر وأنتم في هذه الحالة؟! فإنّكم لم تتحسّنوا بعد! فأنتم لا زلتم تكذبون، وتكتبون مقالة كاذبة، وتكتبون كتاباً فيه كذب! مع أنّكم تعلمون بأنّكم إذا حقّقتم وبحثتم أكثر فستصلون إلى الحقيقة ولكنّكم لا تفعلون، فما دمتم تلفّون وتدورون هكذا، فلماذا تقولون: يا ابن الحسن عجّل على ظهورك! لماذا تقولون ذلك؟ هل تخادعون أنفسكم؟ فأنا لا يستطيع أحد أن يخادعني، ولن أتدخّل بأمرك، بل سأوكل أمرك إلى نفسك وأتركك تدور حتّى تدوخ وتقع أرضاً! ولا دخل لي بك.
لكن إن كان حالك هو أنّك تريد أن تعمل على تغيير نفسك، فسوف ترى أنّك تغيّرت خلال ساعتين أو ساعة أو نصف ساعة! سترى أنّ حالتك قد تغيّرت وبرنامجك تغيّر، اذهب أولاً وغيّر نفسك، ولا علاقة لك بي، فاذهب أولاً وغيّر نفسك وانظر ما هي حالتك، من دون أن يكون لك شغل بي. إنّ العظماء والأولياء كانوا يسوقوننا نحو هذا السمت، وهو أنّ إمام الزمان موجود، ولكن لم نكن نعرف!
كنّا مع المرحوم العلّامة رحمة الله عليه وأخي سماحة السيّد محمّد صادق في كربلاء، حيث كان قد عمّمه السيّد الحدّاد رضوان الله عليه، وكنت في ذلك الوقت صغيراً على العمامة حيث لم يحن وقتها بعد، حيث أنّني تعمّمت بعد ذلك بسنتين أو ثلاث سنوات، لكن كنت أحبّ أن يعمّمني السيّد الحدّاد، فقال لي السيّد الحدّاد: أنا سوف أعمّمك! ففرحت لذلك، فالسيّد الحدّاد سيعمّمني! ومرّت الأيام إلى أن عاد المرحوم العلّامة من مكّة؛ حيث كان قد تشرّف بالذهاب إلى الحجّ، ووصل ليلة عيد الغدير، وكنتُ قد ذهبتُ من قم إلى طهران، وكان قد طلب منّي أن أهيّئ لباس التعمّم قبل ذلك، ولكن لم أكن أظنّ أنّ الأمر بهذه العجلة، بل كنت أعتقد بأنّه بعد سنتين أو ثلاثة، ثمّ نذهب إلى كربلاء لأتعمّم على يد السيّد الحدّاد. وكانت ليلة الغدير، فناداني المرحوم الوالد وقال: سيّد محمّد محسن، لي معك شغل فتعال إليّ! فبدأ بالحديث وقال: لقد حان أوانك والوقت الآن جيّد بالنسبة إليك و...، عند ذلك انزعجت، وقلت: لقد وعدني السيّد الحدّاد أن يعمّمني، وأنت تقول غداً أتعمّم؟! فقال لي: يا سيّد محسن،، إنّ اليد واحدة.. ما إن قال ذلك حتّى غرقت في التفكير، وأنزلت رأسي وقلت له: بأمرك!
أجل، إنّ اليد واحدة، فالسيّد الحدّاد عندما يقول أنا سأضع العمامة على رأسك، يعني أنّي سأعمّمك غداً ولكن بيد والدك! فاليد واحدة، وهي يد الولاية التي تقوم بهذه الأعمال.. فرأيت أنّ الأمر صحيح والواقع هو هذا، ولذا قلت له: نعم! ولم أشعر بعد ذلك بأيّ اضطراب أو تشويش أو وساوس شيطانيّة أو أيّ أمور أخرى. هل التفتّم؟
عندما يكون المرحوم العلاّمة موجوداً فلا معنى لأن أقول: أشعر بالتكليف هنا وأشعر بالتكليف هناك، وأمثال ذلك! فنحن مبتلون بالظاهر، وفي هذه الحالة يكون الظاهر هو المانع لنا، وهنا تكون هذه الظواهر سدّاً لنا في طريق الوصول إلى معرفة الإمام وإلى معرفة الولاية والحقيقة، بحيث تصير هذه الظواهر سداً أمامنا؛ لذا ينبغي أن نرفع هذا الظاهر، حتّى يتمكّن الإنسان من الوصول إلى تلك الحقيقة وتلك الواقعيّة للإمام.

    

وظيفة طلاب العلم، وتعميم بعض الطلاّب

ولذا فإنّ وظيفة أهل العلم ووظيفة من يريد أن يتوّج بهذا اللباس ويسير بهذه الحركة أن يرى ما الذي قاله الإمام ويتّبعوه، أمّا أن نقول: إنّ المصلحة تقتضي ذلك، أو أن نقول هذا دون ذاك، فلا قيمة له، بل ينبغي أن نقول ما يقوله الإمام والسلام، لدينا أربعة عشر معصوماً لا غير، هؤلاء فقط الذين يمكن أن نسير خلفهم، ونرى رضا الإمام في أيّ شيء، فإن فعل ذلك سيصل، وإلا فسيبقى في مكانه أسير هذه المسائل.
كنت أتحدّث إلى بعضهم، فقلت له: إذا كنت تعرف الحقّ في هذا الأمر فلماذا تعمل هذا العمل؟ فقال لي: إذا لم أفعل ذلك فسوف يقطعون عنّي رزقي! فقلت له: ما الفرق بينك وبين الآخرين إذًا؟ إن كان الحال كذلك فلِم لم تصر سنّيًا، فها أنت قد أتيت وصرت شيعيًا ووضعت عمامة على رأسك فما معنى قولك: "إنّهم سيقطعون عنّي رزقي"؟! إنّ الرزق والخبز الذي يأتي من هذا الباب لا ينبغي أن يدخل جوفك أبداً!
لقد أتى الأولياء لكي يقطعوا هذه العلاقة بيننا وبين الخبز، وأن يرفعوا هذه التعلّقات ويحطّموا القيود ويحرّرونا من كلّ شيء؛ بحيث لا نسعى وراء كلام الناس، ولا نسعى خلف أفكار الناس، ولا نمشي خلف هذه الأمور التي نراها اليوم.. بل يريدون أن يرفعونا إلى الأعلى، وإلّا فإن أردنا البقاء في هذا المستوى، فسوف نبقى وسيكون نصيبنا منهم هذا المقدار، لكن إذا أردنا أن نخرج من هذا الجو، فعلينا أن نمشي في الطريق الذي خطّه لنا أولياء الله، وطريقهم محدّد وواضح؛ سواء في المسائل والقضايا أم في كيفيّة الحركة أم في الفهم وغير ذلك من الأمور، وهذا هو نفسه كلام الإمام الباقر عليه السلام الذي يقول فيه: إن عرفت إمامك فلا يضرّك ظهر الإمام أم لا!
اليوم مَنّ الله علينا بالحضور في مولد الوليّ الحيّ والحجّة المنتظر، نطلب منه تعالى أن يهيّء لنا الظهور الحقيقيّ وتجلّي المعرفة والولاية الحقيقيّة له، وأن يوصلنا إلى إدراك هذه المسألة.
طبعاً مسألة إدراك عصر الظهور وتلك الحقائق والمسائل التي تحصل فيه لها مكانتها الخاصّة، إذ لا يمكن لأحد أن ينكر ذلك أبداً، لكن أصل المطلب وواقعيّته في مكان آخر؛ لذا نطلب من الله تعالى أن يفتح لنا طريق الوصول إلى تلك الحقيقة وتلك الواقعيّة، دون أن نهتمّ بالآخرين ماذا يفعلون وماذا يعملون.
هل حصل أن شاهدنا شخصاً مريضاً بمرض خطير، ومع ذلك يجلس ويفكّر في هذا الشخص أو ذاك؟! كلّا، بل إنّه بعد أن يعرف بمرضه يركض نحو الطبيب ويطلب منه الدواء، لماذا؟ لأنّه يرى نفسه في خطر، ولذا لا يفكّر في الآخرين، بل يقول: عليّ أن أسعى لأنجي نفسي، ولا شأن لي بالآخرين!
نحن الآن جلسنا ننظر إلى الآخرين وإلى الناس، يا عزيزي ما شأنك والناس، بل اذهب وانظر ماذا عليك أن تفعل! أيّ طريق عليك أن تسلكه، لا علاقة لك بالآخرين ماذا يفعلون، وماذا يفعل الأقارب وماذا يفعل الأصدقاء، فليفعلوا ما يحلو لهم، فهل عليك أن تتّبعهم إذا شربوا سماً؟! بل اذهب وانظر أيّ طريق ينبغي عليك أن تسلكه، وعندئذٍ إن كنت كذلك فسوف يُؤخذ بيدك، وسوف يرشدونك، وسوف تُلقى المطالب في ذهنك، وحتّى لو لم تصل إليهم، سوف يُلقى في قلبك ما يكون فيه صلاحك، لماذا؟ لأنّك اتّصلت بهم، وعندما تتّصل بهم تأتيك المسائل وتتّضح لك الحقائق.
إن شاء الله نأمل في هذا اليوم الذي سيوفّق فيه بعض إخواننا للتلبّس بلباس أهل العلم، نسأله أن يوفقنا جميعاً بالاهتداء بالأولياء الإلهيّين والتأسّي بهم، والتأسّي بسيرة الأولياء الإلهيّين.
اللهمَّ صلِّ على محمَّد وآل محمَّد

    


[1] ـ المتقي الهندي كنز العمال الجزء: ( 14 ) رقم الصفحة : (261 / 262 / 263)

[2] ـ بحار الأنوار ج52، ص 141.. عن الفضيل بن يسار قال: سألت أبا عبدالله عن قول الله عز وجل ﴿يوم ندعو كلَّ اناس بإمامهم﴾، فقال: يا فضيل اعرف إمامك فانك إذا عرفت إمامك لم يضرك تقدم هذا الأمر أو تأخّر، ومن عرف إمامه ثمّ مات قبل أن يقوم صاحب هذا الأمر، كان بمنزلة من كان قاعدًا في عسكره، لا، بل بمنزلة من كان قاعدًا تحت لوائه.
قال : ورواه بعض أصحابنا: بمنزلة من استشهد مع رسول الله

      
  

جميع الحقوق محفوظة لـ موقع المتقين www.motaghin.com ويسمح باستخدام المعلومات بشرط الإشارة إلى المصدر.

© 2008 All rights Reserved. www.Motaghin.com


Links | Login | SiteMap | ContactUs | Home
عربی فارسی انگلیسی