معرض الصور المحاضرات صوتيات المكتبة سؤال و جواب اتصل بنا الرئیسیة
 
اعتقادات و كلام أخلاق حکمة عرفان العلمي و الإجتماعي التاریخ القرآن و التفسير
المكتبة > الأبحاث التاريخية > لَمَعات‌ الحُسين‌ عليه‌ السلام
کتاب نورملكوت القرآن/ المجلد الثالث / القسم السادس: الامام و القرآن، جزئیة البسملة للقرآن، معنی المثانی و السور القصار و المفصلات و الطوال

سفر فروغي‌ إلی باريس‌ لشراء استقالة‌ أحمد شاه‌ بمليون‌ ليرة‌

 لقد كانت‌ هناك‌ جهات‌ عديدة‌ في‌ مجلس‌ التاسع‌ من‌ آبان‌ الذي‌ خلع‌ القاجاريّة‌ من‌ السلطنة‌، والتي‌ كان‌ لها دلالة‌ علی‌ عدم‌ قانونيّة‌ ذلك‌ المجلس‌، ممّا يمكن‌ أن‌ يسبّب‌ لقائد الجيش‌ (رضا خان‌) مشاكل‌ فيما بعد، وتظهر حكومته‌ كحكومةٍ جاءت‌ بالإجبار والإكراه‌، لذا عمد البهلوي‌ّ إلی إرسال‌ ذكاء المُلك‌ فروغي[155]‌ إلی أُوروبّا في‌ مهمّة‌ ليلتقي‌ أحمد شاه‌ في‌ باريس‌ ويحاول‌ تطميعه‌ بأيّة‌ وسيلة‌ ممكنة‌ ليكتب‌ استقالته‌ ويسلّمها له‌ فيستلم‌ مقابل‌ ذلك‌ المال‌.

 وقد سافر فروغي‌ فالتقي‌ بالسلطان‌ أحمد شاه‌ وعرض‌ علیه‌ ذلك‌ فردّ علیه‌ بالرفض‌، فأضاف‌ فروغي‌ في‌ خاتمة‌ طلبه‌: لدي‌ّ أمر يخوّلني‌ أن‌ أشتري‌ استقالتكم‌ ولو بمليون‌ ليرة‌!

 ردّ أحمد شاه‌ وقد امتقع‌ وجهه‌: لستُ مستعدّاً للبيع‌ ولو بألف‌ ضعف‌ هذا المبلغ‌، فقل‌ لسادتك‌ عنّي‌: إنّكم‌ توهّمتم‌ باطلاً! وسأشمخ‌ برأسي‌ أمام‌ وجداني‌ وأمام‌ أجيال‌ إيران‌ القادمة‌، إنّي‌ كنتُ مستعدّاً أن‌ أُقصي‌ عن‌ السلطنة‌ ولا أخون‌ ولا أنكل‌، فلم‌ أعمل‌ إلاّ الواجب‌ الذي‌ أُسند لي‌، وسيحكم‌ التأريخ‌ أ نّي‌ أُقصيت‌ عن‌ السلطنة‌ والحكم‌ علی‌ رغم‌ إرادة‌ الشعب‌ الإيراني‌ّ.

 و علیه‌، فاستقالتي‌ ستُظهر كما لو أ نّي‌ تنازلت‌ ولم‌ أعتبر السلطة‌ حقّي‌ المسلّم‌. لذا، فلن‌ أستقيل‌ ولو أعطيتموني‌ الدنيا بما فيها. [156]

 ولد أحمد شاه‌ بتأريخ‌ 27 شعبان‌ المعظّم‌ 1314 ه. ق‌، وكانت‌ والدته‌ ـ ملكة‌ جهان‌ بنت‌ نائب‌ السلطنة‌ كامران‌ ميرزا معروفة‌ بالعفّة‌ والعصمة‌ والنزاهة‌ والقدسيّة‌، وقد وصل‌ إلی السلطنة‌ سنة‌ 1327 ه. ق‌، أي‌ في‌ سنّ الثانية‌ عشرة‌ من‌ عمره‌، بعد خلع‌ محمّد علی‌ شاه‌، وتُوِّج‌ في‌ السابع‌ عشر من‌ ربيع‌ الاوّل‌ 1334 ه. ق‌، وفي‌ تأريخ‌ 13 ربيع‌ الثاني‌ 1344 ه. ق‌، الموافق‌ للتاسع‌ من‌ شهر آبان‌ 1344 ه. ش‌ أُقصي‌ عن‌ سلطنة‌ إيران‌ علی‌ الرغم‌ من‌ رغبة‌ الشعب‌ الإيراني‌ّ وإرادته‌ الحقيقيّة‌ تصحبه‌ دنيا من‌ المفاخر. وأخيراً رحل‌ عن‌ الدنيا سنة‌ 1347 ه. ق‌، بعد سلسلة‌ من‌ الامراض‌ المستديمة‌، والتحق‌ بعالم‌ الخلود.

 ثمّ حُملت‌ جنازة‌ ذلك‌ المرحوم‌ حسب‌ وصيّته‌ من‌ فرنسا بالطائرة‌ إلی العتبات‌ المقدّسة‌، ودفن‌ في‌ كربلاء، وقد نكّست‌ جميع‌ سفارات‌ الدول‌ الموجودة‌ في‌ بغداد أعلامها احتراماً عند ورود الجنازة‌ إلی بغداد (عدا سفارة‌ دولة‌ إيران‌ التي‌ ظلّ علمها مرفوعاً غير منكّس‌) وأُجريت‌ من‌ قبل‌ دولة‌ العراق‌ أيضاً مراسم‌ عسكريّة‌ من‌ قبل‌ الحرس‌ احتراماً لموكب‌ الجنازة‌. [157]

 وهكذا وضع‌ أحمد شاه‌ في‌ باريس‌ خاتمة‌ حياته‌ المفجعة‌ ولفظ‌ أنفاسه‌ هناك‌، وتولّي‌ عدّة‌ من‌ أصدقائه‌ الاوفياء بعد إجراء المراسم‌ الدينيّة‌ حسب‌ الشريعة‌ المحمّديّة‌ نقل‌ جنازته‌ إلی العراق‌ طبق‌ وصيّته‌ ودفنوها في‌ تلك‌ التربة‌ المقدّسة‌. [158]

 ويقع‌ قبره‌ خلف‌ ضريح‌ سيّد الشهداء علیه‌ السلام‌ في‌ مقبرة‌ الاُسرة‌ القاجاريّة‌ رحمة‌ الله‌ علیه‌ رحمةً واسعة‌، جعله‌ الله‌ من‌ الواصلين‌ الفائزين‌ مع‌ إمامه‌ الشهيد الذي‌ لاذ بفناء بيته‌ الكريم‌.

يتمثّل‌ النهج‌ الاستعماري‌ّ الكافر في‌ الخيانة‌، والنهج‌ القرآني‌ّ في‌ الحياة‌

 نعم‌، كان‌ هدفنا من‌ بيان‌ تأريخ‌ هذا السلطان‌ المظلوم‌ إيراد شاهد لبيان‌ سيطرة‌ وغلبة‌ دولة‌ الإنجليز علی‌ دولة‌ الإسلام‌، حيث‌ ضربت‌ عرض‌ الجدار باسم‌ الحرّيّة‌ بجميع‌ شؤون‌ حياتنا وإنسانيّتنا، فهؤلاء الادعياء المتبجّحون‌ لم‌ يتردّدوا طيلة‌ ثلاثمائة‌ سنة‌؛ توسّلوا فيها بأنواع‌ الخداع‌ والحيل‌، حتّي‌ باسم‌ إلغاء الرقّ والعبوديّة‌ ومنح‌ الحرّيّة‌ والاُخوّة‌ والمساواة‌؛ عن‌ ارتكاب‌ أقسي‌ درجات‌ الاعتداء والاسر والقتل‌ والتعذيب‌ والسجن‌، ولم‌ يتورّعوا ـ وصولاً لنهب‌ الاموال‌ والثروات‌ عن‌ أيّة‌ جناية‌ وخيانة‌؛ [159] أمّا القرآن‌ الكريم‌ وتعاليمه‌ الباعثة‌ علی‌ الحياة‌ فهي‌ حيّة‌ لا تموت‌ ولا يخمد بريق‌ ساحتها المقدّسة‌ مرّ الدهور وكرّ العصور.

وجود الإمام‌ المعصوم‌ حقيقة‌ القرآن‌

 فإن‌ كان‌ أعداؤنا لم‌ يؤمنوا بالقرآن‌ ولم‌ تنفذ تعاليمه‌ إلی أرواحهم‌ وقلوبهم‌، فإنّ هناك‌ مَن‌ يدهش‌ ويُغمي‌ علیه‌ لسماع‌ نغمة‌ مُحْيِيَة‌ واحدة‌ لهذا الكتاب‌ السماوي‌ّ، ومن‌ هو مستعدّ ـ في‌ سبيل‌ إعلاء كلمة‌ القرآن‌ للإيثار والتضحية‌ والموت‌، وأن‌ يقدّم‌ روحه‌ وماله‌ وعرضه‌ وأهله‌، ولا يقف‌ في‌ عطائه‌ عند حدّ:

 وَبِالْحَقِّ أَنـزَلْنَـ'هُ وَبِالْحَقِّ نَـزَلَ وَمَآ أَرْسَـلْنَـ'كَ إِلاَّ مُبَشِّـرًا وَنَذِيـرًا * وَقُرْءَانًا فَرَقْنَـ'هُ لِتَقْرَأَهُ و عَلَی‌ النَّاسِ عَلَي‌' مُكْثٍ وَنَزَّلْنَـ'هُ تَنزِيلاً * قُلْ ءَامِنُوا بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُو´ا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِن‌ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَي‌' عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلاْذْقَانِ سُـجَّدًا * وَيَقُـولُـونَ سُـبْحَـ'نَ رَبِّنَآ إِن‌ كَانَ وَعْـدُ رَبِّنَا لَمَفْعُـولاً * وَيَخِرُّونَ لِلاْذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا. [160]

 فهذه‌ الآيات‌ عجيبة‌، وخاصّة‌ الآية‌ الاُولي‌ القائلة‌: «وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَـ'هُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ»، والتي‌ يقول‌ بعدها: «وَمَآ أَرْسَلْنَـ'كَ إِلاَّ مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا»؛ مع‌ أنّ حقّ العبارة‌ أن‌ يقول‌: وما أرسلنا القرآن‌ إلاّ مبشّراً ونذيراً، لانّ الكلام‌ كان‌ عن‌ القرآن‌ لا عن‌ الرسول‌.

 و علیه‌، فإنّ هذه‌ الآية‌ تبيّن‌ أنّ رسول‌ الله‌ هو حقيقة‌ القرآن‌، وأنّ حقّانيّة‌ القرآن‌ ممثّلة‌ في‌ نزول‌ حقّانيّة‌ رسول‌ الله‌ في‌ البشارة‌ والإنذار.

 و علی‌ هذا الاسـاس‌ فقد قال‌ أميـر المؤمنين‌ علیه‌ أفضـل‌ صلـوات‌ المصلّين‌ في‌ حرب‌ صفّين‌ التي‌ رفع‌ فيها معاوية‌ بخديعة‌ عمرو بن‌ العاص‌ المصاحفَ علی‌ الرماح‌: لا تلتفتوا إلی هذا القرآن‌ وارموه‌ بالرماح‌ والسهام‌، فأنا القرآن‌ الناطق‌، أَنَا كِتَابُ اللَهِ النَّاطِقُ.

 لكنّ العـوامّ لا يـرون‌ إلاّ الظـواهـر، ولا تنفـذ عقـولهـم‌ إلی اللبّ والحقائق‌، فما يرونه‌ في‌ الظاهر يعدّونه‌ ملاكاً للحقّ، لذا لم‌ يُصغوا إلی أمره‌ علیه‌ السلام‌ وأحاطوا به‌ قائلين‌: سلِّم‌ لحُكم‌ الحكمَين‌ وحكمِّ القرآن‌، وإلاّ جعلناك‌ طعمة‌ سيوفنا العشرة‌ آلاف‌ فقطّعناك‌ إرباً إرباً. قال‌: امهلوني‌ ساعة‌، فقد أشرف‌ الاشتر علی‌ الفتح‌ ووصل‌ إلی معسكر معاوية‌. قالوا: لا مهلة‌ في‌ الامر أبداً. فالخفّاش‌ ينكر وجود الشمس‌! هذه‌ الشمس‌ الموجودة‌ التي‌ تمنح‌ نورها الشرق‌ والغرب‌؛ فليس‌ إنكاره‌ إلاّ حجابه‌ هو، وضعف‌ بصره‌ وعماه‌. ولم‌ يكن‌ له‌ أن‌ ينكر الشمس‌، بل‌ كان‌ علیه‌ أن‌ يعالج‌ عينه‌.

 يقول‌ المامقاني‌ّ: ولقد أجاد الخَلِيلُ العَرُوضِي‌ُّ النَّحْوِي‌ُّ لمّا سُئل‌: مَا تَقُولُ فِي‌ عَلِي‌ِّ بْنِ أَبِي‌ طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ؟

 قال‌: مَا أَقُولُ فِي‌ حَقِّ امْرِي‌ٍ كَتَمَتْ مَنَاقِبَهُ أَوْلِيَاؤُهُ خَوْفاً وَأَعْدَاؤُهُ حَسَداً؛ ثُمَّ ظَهَرَ مِنْ بَيْنِ الكَتْمَيْنِ مَا مَلاَ الخَافِقَيْنِ.

 وقال‌ المُتَنَبِّي‌ُّ الشاعر المشهور في‌ جواب‌ مَنِ اعترض‌ علیه‌ في‌ عدم‌ مدحه‌ أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ علی‌ كثرة‌ أشعاره‌:

 وَتَرَكْـتُ مَدْحِـي‌ لِلْـوَصِـي‌ِّ تَعَمُّـداً                    إذْ كَانَ نُـوراً مُـسْـتَـطِـيلاً شَـامِـلا

 وَإذَا اسْـتَطَـالَ الشَّـي‌ءُ قَـامَ بِنَفْـسِـهِ                         وَصِفَاتُ ضَوْءِ الشَّمْسِ تَذْهَبُ بَاطِلاَ

 فوجود الإمام‌ حقيقة‌ النور، وحقيقة‌ القرآن‌، وهو البشير والنذير، وهو المحيي‌ والمميت‌.

 روزي‌ كه‌ شود إِذَا السَّمَآءُ انفَطَرَتْ                    و آنگه‌ كه‌ شود إِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ [161]

 من‌ دامن‌ تو بگيرم‌ اندر سُئِلَتْ               گويم‌: صَنما بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ

 عشق‌ تو مرا أَلَسْتُ مِنْكُمْ بِبَعِيدْ                       هجر تو مرا إِنَّ عَذَابِي‌ لَشَدِيدْ

 بر كنج‌ لبت‌ نوشته‌ يُحْيِي‌ وَيُمِيتْ                      مَنْ مَاتَ مِنَ العِشْقِ فَقَدْ مَاتَ شَهِيد[162]

 ولقد انهال‌ سيف‌ ابن‌ ملجم‌ المرادي‌ّ علی‌ القرآن‌ فَفَلَقَهُ، وكانت‌ قطعات‌ بدن‌ الحسـين‌ علیه‌ السـلام‌ أوراق‌ القرآن‌ المتناثـرة‌. وما كان‌ أبلغ‌ بيان‌ الشاعر لهذه‌ الحقيقة‌ في‌ بدنه‌ الذي‌ صار من‌ فرط‌ نور تجلّيات‌ جلال‌ الحقّ سبحانه‌ كالمصحف‌ ذي‌ الاوراق‌ المتناثرة‌، طريحاً علی‌ أرض‌ كربلاء:

 چو رسيد زينب‌ مبتلا بر قتلگاه‌ پر از بلا                            رَأَتِ الحُسَيْنَ مُقَطَّعاً وَعَلَي‌ التُّرَابِ مُرَمَّلاَ

 ز تجلّيات‌ جمال‌ حقّ شده‌ مصحفانه‌ ورق‌ ورق                   ‌ ز وفا نوشته‌ بهر ورق‌ كه‌ أَنَا الشَّهِيدُ بِكَرْبَلاَ [163]

 ز نجوم‌ زخم‌ تنش‌ فزون‌ ز حساب‌ وشماره‌ شده‌ برون‌                      زده‌ خيمه‌ گرد وجود آن‌ سپه‌ مصيبت‌ وابتلا

 چو بديد كشته‌ برادرش‌ ز وفا گرفت‌ چو بر درش                  ‌ سخني‌ شنيد ز حنجرش‌ فأجابها كه‌ بَلَي‌ بَلَي‌

 كه‌ مگر نه‌اي‌ تو برادرم‌؟ ز نژاد حضرت‌ مادرم‌                      به‌ فداي‌ پيكر تو سرم‌؛ لِمَ فِي‌ التُّرابِ مُجَدَّلاَ [164]

 اللَهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَزِدْ وَبَارِك‌ عَلَی‌ الحُسَيْنِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَأَخِيهِ وَعَلَي‌ التِّسْعَةِ الطَّاهِرَةِ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ وَأَلْحِقْنَا بِهِمْ فِي‌ جَنَّاتِ النَّعِيمِ، وَأَهْلِكْ وَالْعَنْ أَعْدَاءَهُمْ مِنَ الاَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ؛ آمِينَ رَبَّ العَالَمِينَ.

أعُوذُ بِاللَهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجِيمِ

بِسْـمِ اللَهِ الـرَّحْمَنِ الـرَّحِيمِ

وصلَّي‌ اللَهُ عَلَی‌ سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وآلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ

ولَعْنَةُ اللَهِ عَلَی‌ أعْدَائهِمْ أجْمَعِينَ مِنَ الآنَ إلَي‌ قِيامِ يَوْمِ الدِّينِ

ولاَ حَولَ ولاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللَهِ العَلِي‌ِّ العَظِيمِ

 قال‌ الله‌ الحكيم‌ في‌ كتابه‌ الكريم‌:

 اللَهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَـ'بًا مُّتَشَـ'بِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَي‌' ذِكْرِ اللَهِ ذَ لِكَ هُدَي‌ اللَهِ يَهْدِي‌ بِهِ مَن‌ يَشَآءُ وَمَن‌ يُضْلِلِ اللَهُ فَمَا لَهُ و مِنْ هَادٍ. [165]

تفسير آية‌: اللَهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَـ'بًا مُّتَشَـ'بِهًا مَّثَانِيَ

 قال‌ سماحة‌ أُستاذنا الاكرم‌ العلاّمة‌ آية‌ الله‌ الطباطبائي‌ّ قدّس‌ الله‌ سرّه‌ العزيز في‌ تفسـير هذه‌ الآية‌: المراد بأحسـن‌ الحديث‌ هو القرآن‌ الكريم‌، والحديث‌ هو القول‌، كما في‌ قوله‌ تعالي‌: فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ [166]؛ وقوله‌: فَبِـأَيِّ حَدِيـثٍ بَعْدَهُ و يُؤْمِنُـونَ. [167] فهو أحسـن‌ القول‌ لا شـتماله‌ علی‌ محض‌ الحق‌ الذي‌ لاَ يَأْتِيـهِ الْبَـ'طِلُ مِـن‌ بَيْـنِ يَدَيْـهِ وَلاَ مِـنْ خَلْفِهِ، [168] وهو كَـلاَمُهُ المَجِيدُ. [169]

 وقوله‌ كِتَـ'بًا مُّتَشَـ'بِهًا، أي‌ يشبه‌ بعض‌ أجزاءه‌ بعضاً، وهذا غير التشابه‌ الذي‌ في‌ المتشابه‌ المقابل‌ للمُحكم‌، فإنّه‌ صفة‌ بعض‌ آيات‌ الكتاب‌ وهذا صفة‌ للجميع‌.

 وقوله‌ مَثَانِي‌ جمع‌ مَثْنِيَّة‌، بمعني‌ المعطوف‌، لانعطاف‌ بعض‌ آياته‌ علی‌ بعض‌، ورجوعه‌ إليه‌ بتبيين‌ بعضها ببعض‌ وتفسير بعضها ببعض‌ من‌ غير اختلاف‌ فيها بحيث‌ يدفع‌ بعضه‌ بعضاً أو يناقضه‌، كما قال‌ تعالي‌:

 أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْءَانَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَـ'فًا كَثِيرًا. [170]

 وقوله‌: تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ، والاقشعرار تقبّض‌ الجلد تقبضّاً شديداً لخشية‌ عارضة‌ عن‌ استماع‌ أمر هائل‌ أو رؤيته‌، وليس‌ ذلك‌ إلاّ لا نّهم‌ علی‌ تبصّر من‌ موقف‌ نفوسهم‌ قبال‌ عظمة‌ ربّهم‌، فإذا سمعوا كلامه‌ توجّهوا إلی ساحة‌ العظمة‌ والكبرياء فغشيت‌ قلوبهم‌ الخشية‌ وأخذت‌ جلودهم‌ في‌ الاقشعرار. [171]

 ومن‌ الآيات‌ الكريمة‌ لهذا الكتاب‌ المبين‌ أيضاً:

 وَلَقَدْ ءَاتَيْنَـ'كَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي‌ وَالْقُرْءَانَ الْعَظِيمَ. [172]

 وقال‌ سماحة‌ الاُستاذ قدّس‌ الله‌ نفسه‌ في‌ شأن‌ هذه‌ الآية‌:

 المراد من‌ السَّبْع‌ المَثَانِي‌ سورة‌ الحمد، علی‌ ما فُسِّر في‌ عدّة‌ من‌ الروايات‌ المأثورة‌ عن‌ النبي‌ّ وأئمّة‌ أهل‌ البيت‌ علیهم‌ السلام‌، فلا يُصغي‌ إلی ما ذكره‌ بعضهم‌: أ نّها السبع‌ الطوال‌، وما ذكره‌ بعضٌ آخر أ نّها الحَوَامِيم‌ السَّبْع‌ (السور السبع‌ التي‌ تبدأ بـ « حم‌´ »)، وما قيل‌: إنّها سبع‌ صحف‌ من‌ الصحف‌ النازلة‌ علی‌ الانبياء؛ فلا دليل‌ علی‌ شي‌ء منها من‌ لفظ‌ الكتاب‌ ولا من‌ جهة‌ السنّة‌.

 وقد كثر اختلافهم‌ في‌ قوله‌ من‌ المثاني‌، من‌ جهة‌ كون‌ مِن‌ للتبعيض‌ أو للتبيين‌، وفي‌ كيفيّة‌ اشتقاق‌ لفظ‌ المَثَاني‌ ووجه‌ تسميتها بالمثاني‌.

 والذي‌ ينبغي‌ أن‌ يقال‌ ـ والله‌ أعلم‌ إنّ مِن‌ للتبعيض‌، فإنّه‌ سبحانه‌ سمّي‌ جميع‌ آيات‌ كتابه‌ مثاني‌، إذ قال‌: كِتَـ'بًا مُّتَشَـ'بِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ؛ [173] وآيات‌ سورة‌ الحمد من‌ جملتها، فهي‌ بعض‌ المثاني‌ لا كلّها.

 والظاهر أنّ المثاني‌ جمع‌ مَثْنِيَّة‌، اسم‌ مفعول‌ من‌ الثني‌ بمعني‌ اللوي‌ والعطف‌ والإعادة‌، قال‌ تعالي‌: يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ. [174]

 وسمّيت‌ الآيات‌ القرآنيّة‌ مثاني‌، لانّ بعضها يوضِّح‌ حال‌ البعض‌ ويلوي‌ وينعطف‌ علیه‌، كما يُشعر به‌ قوله‌: كِتَـ'بًا مُّتَشَـ'بِهًا مَّثَانِيَ، حيث‌ جمع‌ بين‌ كون‌ الكتاب‌ متشابهاً يشبه‌ بعض‌ آياته‌ بعضاً وبين‌ كون‌ آياته‌ مثاني‌.

 وفي‌ كلام‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ في‌ صفة‌ القرآن‌: إنَّ القُرْآنَ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضاً.

 وعن‌ علی‌ّ علیه‌ السلام‌ فيه‌: يَنْطِقُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ وَيَشْهَدُ بَعْضُهُ عَلَی‌ بَعْضٍ.

 أو أنّ المَثَانِي‌ جمع‌ مَثْنَي‌ بمعني‌ التكرار والإعادة‌، وهو كناية‌ عن‌ بيان‌ بعض‌ الآيات‌ ببعضها الآخر. وفي‌ التعبير بلفظ‌ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي‌ وَالْقُرْءَانَ الْعَظِيمَ من‌ تعظيم‌ أمر الفاتحة‌ والقرآن‌ ما لا يخفي‌ علی‌ المفكّرين‌ والمتأمّلين‌؛ أمّا الفاتحة‌ فلمكان‌ التعبير عنها بالنكرة‌ غير الموصـوفة‌ سَـبْعاً وفيه‌ من‌ الدلالـة‌ علی‌ عظـمة‌ قدرها وجـلالة‌ شـأنها ما لا يخفي‌، وقد قوبل‌ بها القرآن‌ العظيم‌ وهي‌ بعضه‌، وأمّا القرآن‌ فلتوصيفه‌ من‌ ساحة‌ العظمة‌ والكبرياء بالعظيم‌. [175]

 وهذه‌ الآية‌ المباركة‌: سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي‌ تبيّن‌ بوضوح‌ أنّ بِسْمِ اللَهِ الرَّحْمَـ'نِ الرَّحِيمِ هي‌ آية‌ مستقلّة‌ عن‌ سورة‌ الحمد، لانّ مجموع‌ آيات‌ هذه‌ السورة‌ بضميمة‌ هذه‌ الآية‌ تساوي‌ سبعاً.

روايات‌ الخاصّة‌ والعامّة‌ علی‌ أنّ البسملة‌ جزء من‌ القرآن‌

 وينقل‌ السيوطي‌ّ ـ وهو من‌ العامّة‌ في‌ كتاب‌ « الإتقان‌ » روايات‌ كثيرة‌ من‌ طرق‌ العامّة‌ أنّ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ قال‌ بأنّ بِسْمِ اللَهِ الرَّحْمَـ'نِ الرَّحِيمِ في‌ جميع‌ سور القرآن‌ وفي‌ سورة‌ الحمد جزء من‌ القرآن‌.

 ويروي‌ الفقيه‌ الجليل‌ الحاجّ آقا رضا الهمداني‌ّ في‌ « مصباح‌ الفقيه‌ » عن‌ يونس‌ بن‌ عبد الرحمن‌، عن‌ محمّد بن‌ مسلم‌ قال‌: سألتُ أبا عبد الله‌ الصادق‌ علیه‌ السلام‌ عن‌ قول‌ الله‌: وَلَقَدْ ءَاتَيْنَـ'كَ سَبْعًا مِّنَ المَثَانِي‌ وَالْقُرْءَانَ الْعَظِيمَ، فقال‌: فاتحة‌ الكتاب‌ يثنّي‌ فيها القول‌. قال‌: وقال‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌:

 إنَّ اللَهَ تَعَالَي‌ مَنَّ عَلَيَّ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ مِنْ كَنْزِ الجَنَّةِ مِنْهَا «بِسْمِ اللَهِ الرَّحْمَـ'نِ الرَّحِيمِ» الآية‌ الَّتي‌ يَقُولُ اللَهُ تَعَالَي‌ فِيهَا: «وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي‌ الْقُرْءَانِ وَحْدَهُ و وَلَّوْا عَلَي‌'´ أَدْبَـ'رِهِمْ نُفُورًا»؛ و«الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَـ'لَمِينَ» دَعْوَي‌ أَهْلِ الجَنَّةِ حِينَ شَكَرُوا اللَهَ حُسْنَ الثَّوَابِ. «مَـ'لِكِ يَوْمِ الدِّينِ» قَالَ جِبْرَئيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: مَا قَالَهَا مُسْلِمٌ قَطُّ إلاَّ صَدَّقَهُ اللَهُ وَأَهْلُ سَمَاوَاتِهِ؛ «إِيَّاكَ نَعْبُدُ» إخلاَصُ العِبَادِ؛ «وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ» أَفْضَلُ مَا طَلَبَ بِهِ العِبَادُ حَوَائِجَهُمْ.

 «اهْدِنَا الصِّرَ طَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَ طَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِم‌» صِرَاطُ الاَنْبِيَاءِ، وَهُمْ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَهُ عَلَيْهِمْ «غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ» اليَهُودُ «وَلاَ الضَّآ لِّينَ» النَّصَارَي‌.

 وورد في‌ صحيحة‌ محمّد بن‌ مسلم‌، قال‌: سألتُ أبا عبد الله‌ الصادق‌ علیه‌ السلام‌ عن‌ السبع‌ المثاني‌ والقرآن‌ العظيم‌، هي‌ الفاتحة‌؟ قال‌: نعم‌.

 قلتُ: بِسْمِ اللَهِ الرَّحْمَـ'نِ الرَّحِيمِ من‌ السَّبْع‌ المثاني‌؟ قال‌: نعم‌، هي‌ أفضلهنّ.

 ومن‌ بين‌ الروايات‌ الدالّة‌ علی‌ أنّ بِسْمِ اللَهِ الرَّحْمَـ'نِ الرَّحِيمِ جزء من‌ سائر السور القرآنيّة‌، صحيحة‌ معاوية‌ بن‌ عمّار المرويّة‌ في‌ « التهذيب‌ »، قال‌: قلتُ لابي‌ عبد الله‌ الصادق‌ علیه‌ السلام‌: إذا قمتُ للصلاة‌، أقرأُ بِسْمِ اللَهِ الرَّحْمَـ'نِ الرَّحِيمِ في‌ فاتحة‌ القرآن‌؟

 قال‌: نعم‌.

 قلتُ: فإذا قرأتُ فاتحة‌ القرآن‌، أقرأُ بِسْمِ اللَهِ الرَّحْمَـ'نِ الرَّحِيمِ مع‌ السُّورة‌؟

 قال‌: نعم‌.

 وورد كذلك‌ في‌ كتاب‌ « الكافي‌ » للكليني‌ّ هذا المضون‌ بأدني‌ اختلاف‌ في‌ العبارة‌.

 وورد عن‌ العيّاشي‌ّ في‌ تفسيره‌ رواية‌ عن‌ خالد بن‌ المختار، قال‌: سَمِعْتُ جَعْفَرَ بنَ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَقُولُ: مَا لَهُمْ قَاتَلَهُمْ اللَهُ عَمَدُوا إلَي‌ أَعْظَمِ آيَةٍ في‌ كِتَابِ اللَهِ فَزَعَمُوا أَ نَّهَا بِدْعَةٌ إذَا أَظْهَرُوا وَهِي‌َ «بِسْمِ اللَهِ الرَّحْمَـ'نِ الرَّحِيمِ».

 ويروي‌ أيضاً عن‌ يحيي‌ بن‌ عمير الهُذلي‌ّ، عن‌ أبي‌ حمزة‌ قال‌: سمعتُ الإمام‌ محمّد الباقر علیه‌ السلام‌ يقول‌: حَرَّفُوا أَكْرَمَ آيَةٍ فِي‌ كِتَابِ اللَهِ: «بِسْمِ اللَهِ الرَّحْمَـ'نِ الرَّحِيمِ».

 وقد ادّعي‌ هذا العالِم‌ الجليل‌ الإجماع‌ علی‌ جزئيّة‌ البسملة‌ للقرآن‌، وقال‌: بلا خلافٍ بيننا علی‌ الظاهر، بل‌ الإجماع‌ علی‌ أنّ البسملة‌ جزء من‌ كلّ سورة‌ من‌ سور القرآن‌ عدا سورة‌ براءة‌، بل‌ ادّعي‌ العلاّمة‌ في‌ « التذكرة‌ » وغيرها الإجماع‌ علیه‌، ونسبه‌ في‌ « المنتهي‌ » إلی فقهاء أهل‌ البيت‌. [176]

معني‌ المثاني‌ والسور الطوال‌ والمئين‌ والمفصّلات‌ والقِصار

جميع‌ آيات‌ القرآن‌ متشابهة‌ ومثاني‌

 ويتّضح‌ ممّا أوردنا في‌ هذا البحث‌ أنّ لفظ‌ المثاني‌ يُطلق‌ علی‌ جميع‌ سور وآيات‌ القرآن‌ وعدم‌ اختصاصه‌ ببعض‌ السور، كما احتمل‌ المرحوم‌ الفيض‌ الكاشاني‌ّ بأنّ المراد به‌ السور السبع‌ بعد السور السبع‌ الطُّوَل‌ الاُوَل‌، لانّ ثَنَي‌ يَثْنِي‌ الذي‌ اشتقّ منه‌ المَثْنِيَّة‌ و المَثَانِي‌ بمعني‌ العطف‌ وإرجاع‌ شي‌ء إلی شي‌ء آخر كما في‌ العطف‌ واللوي‌، لا مطلق‌ المتابعة‌ الذي‌ بني‌ علیه‌ الفيض‌ الكاشاني‌ّ لمجرّد مجي‌ء سبع‌ سور بعد السور السبع‌ الطُّوَل‌ فعدّها مثاني‌. [177]

 و علیه‌، فلا يمكن‌ قبول‌ ما ورد في‌ بعض‌ الروايات‌ من‌ تفسير لفظ‌ المَثَانِي‌ ببعض‌ السور أو تخصيصه‌ بسورة‌ الفاتحة‌ باعتبار تكرارها في‌ الصلاة‌، لانّ مفاد هذه‌ الروايات‌ مرفوض‌، وذلك‌ أوّلاً: لمعارضتها مدلول‌ الكتاب‌ الذي‌ يعتبِر المثاني‌ جميع‌ الكتاب‌، وثانياً: فإنّ المعني‌ الحقيقي‌ّ للمثاني‌ إرجاع‌ شي‌ء إلی شي‌ء آخر، وهو ناظر إلی جميع‌ الآيات‌ التي‌ يبيّن‌ بعضها ويفسِّر البعض‌ الآخر، في‌ حين‌ أنّ معني‌ التكرار أو مطلق‌ التبعيّة‌ يخالف‌ المعني‌ اللغوي‌ّ الحقيقي‌ّ.

 فالقرآن‌ يضمّ مائة‌ وأربع‌ عشرة‌ سورة‌، منها 37 سورة‌ من‌ عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ إلی آخر القرآن‌ تدعي‌ بالسُّوَرِ القِصَار، ويبقي‌ 77 سورة‌ أوّلها سورة‌ فاتحة‌ الكتاب‌ تليها سبع‌ سور طوال‌ هي‌: سور البَقَرة‌، آل‌ عِمْرَان‌، النِّسَاء، المَائِدَة‌، الانْعَام‌، الاعْرَاف‌، والانْفَال‌ والتَّوْبَة‌، إذا ما اعتبرنا هاتَين‌ السورتَين‌ سورة‌ واحدة‌، وفي‌ الحقيقة‌ فإنّ هاتين‌ السورتين‌ تُعدّان‌ سورتَين‌ مستقلّتَين‌، لذا فإنّ مجموع‌ هذه‌ السور الثمان‌ سيصبح‌ مع‌ سورة‌ الفاتحة‌ تسع‌ سور، وإذا ما أنقصناها من‌ السور السبع‌ والسبعين‌ تبقّي‌ 68 سورة‌ تدعي‌ بالمُفَصَّلاَت‌.

 ويقال‌ للسور الكبيرة‌ الاُوَل‌ في‌ القرآن‌ السُّوَر الطِّوال‌، وكان‌ ينبغي‌ الإتيان‌ بسورة‌ يونس‌ بعد سورة‌ الاعراف‌، لكنّ عثمان‌ كان‌ قد قدّم‌ عند جمعه‌ القرآن‌ سورة‌ الانفال‌ والتوبة‌ علی‌ سورة‌ يونس‌، فقد كان‌ يعتقد أنّ سورة‌ التوبة‌ ليست‌ سورة‌ مستقلّة‌ بنفسها لعدم‌ احتوائها علی‌ البسملة‌، وكان‌ يعدّها من‌ متمّمات‌ سورة‌ الانفال‌، لذا فقد كانت‌ هاتان‌ السورتان‌ في‌ نظره‌ سورة‌ واحدة‌ تعدّ من‌ السور الطوال‌.

 وحين‌ اعترض‌ البعض‌ علی‌ عثمان‌ بأنّ رسول‌ الله‌ كان‌ قد جعل‌ سورة‌ يونس‌ بعد سورة‌ الاعراف‌ وعدّها من‌ السور الطوال‌، لم‌ يكن‌ لديه‌ من‌ جواب‌ إلاّ أن‌ يقول‌: لم‌ يكن‌ لي‌ من‌ علمٍ بعمل‌ رسول‌ الله‌ هذا.

 ومن‌ بين‌ السور المفصّلات‌ هناك‌ سور سبع‌ آياتها في‌ حدود المائة‌ آية‌ يُقال‌ لها أيضاً السور المئين‌، وهي‌ عبارة‌ عن‌ سور الإسراء، الكهف‌، مريم‌، طه‌، الانبياء، الحجّ، المؤمنون‌.

 و علیه‌، ينبغي‌ تفسير مضمون‌ الرواية‌ التي‌ أوردها الكليني‌ّ في‌ « الكافي‌ »، واستشهد بها الشيخ‌ محمّد حسن‌ في‌ كتاب‌ « الجواهر » في‌ باب‌ استحباب‌ قراءة‌ السُّورة‌ بَعْد الحمد في‌ النوافل‌، وتعديله‌ وفق‌ ما ذُكِر.

 فقد روي‌ الكليني‌ّ بسنده‌ عن‌ سعد الإسكاف‌ أ نّه‌ قال‌: قال‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌:

 أُعطِيتُ السُّوَرَ الطِّوَالَ مَكَانَ التَّوْرَاةِ، والمِئِينَ مَكَانَ الإنْجِيلِ، وَالمَثَانِي‌ مَكَانَ الزَّبُورِ، وَفُضِّلْتُ بِالمُفَصَّلِ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ سُورَةً، وَهُوَ مُهَيْمِنٌ عَلَی‌ سَائِرِ الكُتُبِ. [178]

 ومضافاً إلی الإشكال‌ الموجود في‌ هذه‌ الرواية‌ من‌ جهة‌ المضمون‌، وعدّها المثاني‌ في‌ مقابل‌ السـور الطوال‌ والمفصّـل‌ والمئين‌، فهي‌ مرفوعة‌ من‌ جهة‌ السند أيضاً ومنسوبة‌ إلی رسول‌ الله‌ مع‌ حذف‌ الواسطة‌.

ماذا تفعل‌ آيات‌ القرآن‌ بنفوس‌ المؤمنين‌؟

 نعم‌، فقد كانت‌ بداية‌ كلامنا في‌ هذه‌ الآية‌ المباركة‌ أنّ القرآن‌ هو أفضل‌ القول‌ وأنّ آياته‌ متشابهة‌ وناظرة‌ إلی بعضها، وأنّ جلود المتّقين‌ تقشعرّ عند قراءته‌ أو استماع‌ آياته‌، وأنّ القلوب‌ والابدان‌ تطمئنّ وتستقرّ بذكر الله‌.

 وهذه‌ هي‌ المسيرة‌ التي‌ وضع‌ القرآن‌ عالَم‌ الآدميّة‌ فيها علی‌ مدارج‌ ومعارج‌ الروح‌ والنفس‌، وكان‌ له‌ بالغ‌ الاثر علی‌ أرواح‌ المؤمنين‌ ونفوسهم‌، وهذه‌ هي‌ الهداية‌ الإلهيّة‌ مقابل‌ تخبّط‌ المعرضين‌ عن‌ القرآن‌ في‌ وادي‌ الظلمات‌ متشبّثين‌ بالاهواء والخيالات‌ والتصوّرات‌ حتّي‌ آخر عمرهم‌.

 والقرآن‌ في‌ الحقيقة‌ كالمحكّ الذي‌ يميّز المهتدي‌ عن‌ الضالّ في‌ صَفَّين‌ متميّزَين‌: صفّ المؤمنين‌ والسير في‌ الكمال‌ النفساني‌ّ، وصفّ الكافرين‌ والجمود في‌ زوايا الاهواء النفسانيّة‌، فهو كالبيّنة‌ القويمة‌:

 لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن‌ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَي‌' مَنْ حَيَّ عَن‌ بَيِّنَةٍ. [179]

 يستتبع‌ حياة‌ الخلود للمؤمنين‌ المنهمكين‌ بالسجود والبكاء والتسبيح‌ والتقديس‌ وقيام‌ الليل‌ والمسألة‌ والدعاء والرغبة‌ والرهبة‌ إلی الله‌ سبحانه‌، وتحليق‌ الروح‌ إلی عالم‌ التوحيد وارتجاف‌ البدن‌ واقشعرار الجلد ووجل‌ القلب‌ من‌ خوف‌ هجر المحبوب‌ الازلي‌ّ، والطمأنينة‌ والسكينة‌ من‌ وجد وصال‌ المعشوق‌ السرمدي‌ّ والحظو بلقائه‌.

 تأمّلوا في‌ هذه‌ الآيات‌ في‌ كيفيّة‌ امتداح‌ وتمجيد القرآن‌ الكريم‌ للذين‌ تربّوا في‌ هذه‌ المدرسة‌. وأي‌ّ آثار وخصائص‌ يمتدحها فيهم‌، وأخيراً الصفات‌ والمزايا النفسيّة‌ والملكات‌ الروحيّة‌ التي‌ يُشير إليها في‌ خِرِّيجي‌ هذه‌ المدرسة‌، والتي‌ هي‌ مثار الإعجاب‌ حقّاً:

 وَعِبَادُ الرَّحْمَـ'نِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَی‌ الاْرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَـ'هِلُونَ قَالُوا سَلَـ'مًا * وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَـ'مًا * وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا * إِنَّهَا سَآءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا * وَالَّذِينَ إِذَآ أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَ لِكَ قَوَامًا * وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَهِ إِلَـ'هًا ءَاخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي‌ حَرَّمَ اللَهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن‌ يَفْعَلْ ذَ لِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَـ'عَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَـ'مَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلاَّ مَن‌ تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَـ'لِحًا فَأُولَـ'´نءِكَ يُبَدِّلُ اللَهُ سَيِّـَاتِهِمْ حَسَنَـ'تٍ وَكَانَ اللَهُ غَفُورًا رَّحِيمًا * وَمَن‌ تَابَ وَعَمِلَ صَـ'لِحًا فَإِنَّهُ و يَتُوبُ إِلَي‌ اللَهِ مَتَابًا * وَالَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا * وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِـَايَـ'تِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا * وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَ جِنَا وَذُرِّيَّـ'تِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا * أُولَـ'´نءِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَـ'مًا * خَـ'لِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا * قُلْ مَا يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي‌ لَوْلاَ دُعَآؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا. [180]

 هذا هو المنطق‌ القرآني‌ّ في‌ تربية‌ فرد يكون‌ عبداً للّه‌، فرد قطع‌ كلّ نسبة‌ للعبوديّة‌ مع‌ غير الله‌ وارتبط‌ بالله‌ وحده‌، وفاز أخيراً بشهادة‌ التوفيق‌ والنجاح‌ وهي‌ رضوان‌ الحضرة‌ الاحديّة‌ والاستقرار في‌ حرم‌ الامن‌ والامان‌ الإلهي‌ّ في‌ الغرفة‌ العالية‌ الإلهيّة‌ والسكني‌ فيها، ثمّ يعدّد لهذا الفرد في‌ هذه‌ الآيات‌ الشريفة‌ الاربع‌ عشرة‌ خصالاً أربع‌ عشرة‌ هي‌ من‌ ضروراته‌ اللازمة‌.

 أي‌ أنّ القرآن‌ الكريم‌ يقول‌: إنّ علی‌ الراغبين‌ بالخلاص‌ من‌ عبوديّة‌ النفس‌ الامّارة‌ ومن‌ ربقة‌ الاوهام‌، والوصول‌ إلی مقام‌ عزّ الإنسانيّة‌ كي‌ تكون‌ لهم‌ إنسانيّتهم‌ ويكون‌ الله‌ الواحد القدير ال علیم‌ معبودهم‌ ولتنشأ من‌ ذلك‌ نسبة‌ عبوديّتهم‌ له‌؛ علیهم‌ أن‌ يتّصفوا ويتحلّوا بهذه‌ الصفات‌ الاربع‌ عشرة‌ التي‌ أشرنا إليها.

 وحين‌ يُتلي‌ هذا القرآن‌ علی‌ أُولئك‌ الذين‌ تخلو قلوبهم‌ من‌ الاحقاد والضغائن‌ والعصبيّات‌، فإنّ دموعهم‌ ستنساب‌ تلقائيّاً من‌ أعينهم‌، لانّ هذا الكلام‌ هو حديث‌ المحبوب‌ الذي‌ يذكّرهم‌ بالحبيب‌، وله‌ إشارة‌ ودلالة‌ علی‌ الوطن‌ الاصلي‌ّ والمقرّ الدائمي‌ّ، فيؤمنون‌ به‌ بلا تردّد أو إبطاء:

 وَإِذَا سَمِعُوا مَآ أُنزِلَ إِلَي‌ الرَّسُولِ تَرَي‌'´ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَآ ءَامَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّـ'هِدِينَ. [181]

 فانظروا ماذا تفعل‌ الآيات‌ الإلهيّة‌ التي‌ هي‌ حديث‌ الشوق‌ إلی الإله‌ القديم‌ الازلي‌ّ بالقلوب‌ الغرثي‌ والارواح‌ الظمأي‌؟ لكأ نّها تقتلع‌ الإنسان‌ من‌ الارض‌ إلی حيث‌ يستقرّ في‌ فضاء القدس‌ ونور التجرّد والوطن‌ الاصلي‌ّ عند الربّ الودود.

 تطرد عنه‌ التفكير بالطعام‌ والنوم‌، وتسلب‌ منه‌ الراحة‌، فينهض‌ المؤمن‌ فيغتسل‌ أو يتوضّأ في‌ ليالي‌ الشتاء الباردة‌ المظلمة‌، ثمّ ينهمك‌ بتلاوة‌ القرآن‌، ثمّ يهوي‌ للسجود ويقوم‌، ويحسّ عند قراءته‌ كلّ آية‌ كأ نّه‌ يَرِدُ جُنينات‌ خاصّة‌ فيرتع‌ فيها ويقطف‌ من‌ فاكهتها الحلوة‌ الهانئة‌ العطرة‌، ثمّ يطوف‌ من‌ شجرة‌ لاُخري‌ ذات‌ شكل‌ آخر، ثمّ يتعدّاها إلی غيرها، فهي‌ جميعاً ذات‌ ثمار لذيذة‌ هانئة‌ تبعث‌ الطمأنينة‌ في‌ القلب‌ والهدوء في‌ النفس‌ البشريّة‌ المليئة‌ بالقلق‌ والاضطراب‌.

 إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِـَايَـ'تِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ * تَتَجَافَي‌' جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَـ'هُمْ يُنفِقُونَ. [182]

 وهذه‌ حالات‌ وملكات‌ جيّدة‌ تبعث‌ علی‌ النشاط‌ والسرور، وتثير الرعب‌ والخشية‌، وهي‌ ناتجة‌ من‌ كون‌ آيات‌ القرآن‌ شفاء ونور ورحمة‌ للمؤمنين‌، ينالونها في‌ مراحل‌ سيرهم‌ وسلوكهم‌ النفسي‌ّ، لكنّها علی‌ العكس‌ من‌ ذلك‌ بالنسبة‌ للمتمرّدين‌ والمستكبرين‌ تبعث‌ علی‌ الشقاء وظهور الادران‌ النفسانيّة‌ وبروز الملكات‌ الضالّة‌ والصفات‌ الشيطانيّة‌.

عدم‌ قبول‌ آيات‌ القرآن‌ من‌ علائم‌ الكفر

موقف‌ الكفّار من‌ قبول‌ القرآن‌ موقف‌ الاصمّ الذي‌ لا يسمع‌

 نعم‌، هذا القرآن‌ الذي‌ يُتلي‌ علی‌ المؤمن‌ فيسمو بروحه‌ إلی الملكوت‌ الا علی‌ ويهزّ نفسه‌ بهبوب‌ نسائم‌ اللطف‌ وجذبات‌ المحبوب‌، إذا ما تُلي‌ علی‌ الكافر والمُنكر هبّ وانتفض‌ كأنّ جبال‌ العالم‌ توشك‌ أن‌ تُهدّ فوق‌ رأسه‌، وكأ نّهم‌ يريدون‌ الإنهيال‌ بمطارق‌ الحديد الثقيلة‌ علی‌ أُمّ رأسه‌، أو يحطّمونه‌ تحت‌ المقبضة‌ فيهلكونه‌؛ وستظهر حالات‌ المنكرين‌ والمعاندين‌ للقرآن‌ مشهودةً جليّة‌ بالتمعّن‌ والتأمّل‌ في‌ الآيات‌ التالية‌:

 وَيَعْبُدُونَ مِن‌ دُونِ اللَهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَـ'نًا وَمَا لَيْسَ لَهُم‌ بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّـ'لِمِينَ مِن‌ نَّصِيرٍ * وَإِذَا تُتْلَي‌' عَلَيْهِمْ ءَايَـ'تُنَا بَيِّنَـ'تٍ تَعْرِفُ فِي‌ وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ ءَايَـ'تِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُم‌ بِشَرٍّ مِّن‌ ذَ لِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ. [183]

 وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِـَايَـ'تِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي‌ الظُّلُمَـ'تِ مَن‌ يَشَإِ اللَهُ يُضْلِلْهُ وَمَن‌ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَي‌' صِرَ طٍ مُّسْتَقِيمٍ. [184]

 وَيَقُولُ الَّذِينَ ءَامَنُوا لَوْلاَ نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَآ أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي‌ قُلُوبِهِم‌ مَّرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَي‌' لَهُمْ * طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الاْمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ * فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن‌ تَوَلَّيْتُمْ أَن‌ تُفْسِدُوا فِي‌ الاْرْضِ وَتُقَطِّعُو´ا أَرْحَامَكُمْ * أُولَـ'´نءِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَي‌'´ أَبْصَـ'رَهُمْ * أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْءَانَ أَمْ عَلَي‌' قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا. [185]

 فهو يذكر في‌ هذه‌ الآيات‌ نفاق‌ وشكّ وارتياب‌ ذوي‌ القلوب‌ المريضة‌ والحالكة‌، الذين‌ تنتابهم‌ حالة‌ النزع‌ ويغطّي‌ وجوههم‌ غبار اليأس‌ والكآبة‌ والخمول‌ والخوف‌ من‌ الموت‌ حين‌ تنزل‌ آيات‌ القرآن‌ فتأمر بالجهاد، فتغور الاعين‌ في‌ الاحداق‌، ويكادون‌ يلفظون‌ أنفاسهم‌ الاخيرة‌ في‌ حالة‌ من‌ الإغماء والتهالك‌.

 يَحْذَرُ الْمُنَـ'فِقُونَ أَن‌ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُم‌ بِمَا فِي‌ قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِءُو´ا إِنَّ اللَهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ.[186]

 وكان‌ المنافقون‌ يدهشون‌ عند نزول‌ آيات‌ القرآن‌ وإخبارهم‌ عن‌ المغيّبات‌ ويحذرون‌ أن‌ تنزل‌ آيات‌ منه‌ فتفضح‌ أسرارهم‌ وأفكارهم‌ وتبيّن‌ نواياهم‌ وخططهم‌ السرّيّة‌ وحيلهم‌ ومكرهم‌ وتخبر عن‌ تواطؤهم‌ وخفاياهم‌ في‌ لقاءاتهم‌ الليليّة‌، وكانوا لهذا يحذرون‌ القرآن‌ ويتجنّبونه‌ خوفاً من‌ كشفه‌ إيّاهم‌.

 وَمِنَ النَّاسِ مَن‌ يَشْتَرِي‌ لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن‌ سَبِيلِ اللَهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَـ'´نءِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ * وَإِذَا تُتْلَي‌' عَلَيْهِ ءَايَـ'تُنَا وَلَّي‌' مُسْتَكْبِرًا كَأَن‌ لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي‌´ أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ. [187]

 فليس‌ المنافقون‌ والمشركون‌ إلاّ كالاصمّ الذي‌ انخرقت‌ طبلة‌ أُذنه‌ وتمزّقت‌، فلا يصله‌ أبداً هذا النداء المحيي‌ والباعث‌ علی‌ النشاط‌ والبهجة‌، ولن‌ يخترق‌ سماعُ القرآن‌ أو قراءته‌ مغاليق‌ قلبه‌ أو يستقرّ في‌ روحه‌ ونفسه‌.

 وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لاَ تَسْمَعُوا لِهَـ'ذَا الْقُرْءَانِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ * فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي‌ كَانُوا يَعْمَلُونَ. [188]

 ومن‌ الجلي‌ّ أن‌ عدم‌ قبول‌ القرآن‌ هو عدم‌ قبول‌ مراده‌ ومضمونه‌ وليس‌ عدم‌ قبول‌ ظاهره‌، فهدف‌ المتمرّدين‌ والمنافقين‌ كان‌ عدم‌ قبول‌ المحتوي‌ والمضمون‌ لا الظاهر، ولم‌ يكن‌ يضير الكفّار والمشركين‌ والمنافقين‌ الذين‌ دأبوا علی‌ الكذب‌ والنفاق‌ قبولهم‌ بظاهر القرآن‌ لو أنّ مسألة‌ قبول‌ حقيقة‌ القرآن‌ لم‌ تكن‌ في‌ الحساب‌، وكان‌ يمكن‌ لهؤلاء أن‌ يقبلوا القرآن‌ بسهولة‌ ثمّ يتمرّدوا عن‌ قبول‌ محتواه‌ ومضمونه‌، ولقد كان‌ إنكارهم‌ له‌ وإعراضهم‌ عنه‌ واعتراضهم‌ علیه‌ بلحاظ‌ العمل‌ بحقائقه‌ والالتزام‌ بتعاليمه‌ والميثاق‌ والبيعة‌ لهدفه‌ وغايته‌.

 لذا نري‌ أنّ هؤلاء الافـراد الذين‌ كانـوا يعارضـون‌ القرآن‌ بلبـاس‌ الشرك‌، قد لجأوا بعد إسلامهم‌ الشكلي‌ّ الظاهري‌ّ ـ الذي‌ لم‌ يمسّ الباطن‌ ولم‌ يقترن‌ بالقبول‌ الحقيقي‌ّ إلی تغيير صورتهم‌ وشكلهم‌ الخارجي‌ّ فتلبّسوا بلباس‌ الدين‌ وتظاهروا به‌، ثمّ وقفوا في‌ وجه‌ القرآن‌ كما كانوا يفعلون‌ من‌ قبل‌.

 وحقّاً أنّ روح‌ الشيطنة‌ والمقاصد الفكريّة‌ وأُسلوب‌ التفكير عند هؤلاء وأُولئك‌ كانت‌ واحدة‌، وكانوا يتستّرون‌ بغطاء الدين‌ حسب‌ مقتضيات‌ الوقت‌ لتحقيق‌ أهدافهم‌ الدنيئة‌، وكان‌ لديهم‌ غطاءان‌ ولباسان‌ تحكمهما مصلحتان‌:

 فحين‌ كانت‌ القوّة‌ ترجح‌ لصالح‌ الكفر والشرك‌، وكانوا يرون‌ سياستهم‌ وحكومتهم‌ ثابتة‌ في‌ ذلك‌ الظرف‌، فقد كانوا يتجاهرون‌ بحماية‌ الاصنام‌ ويحملون‌ علی‌ عواتقهم‌ أعلام‌ هُبَل‌ و اللات‌ و العُزَّي‌، وكان‌ نداؤهم‌ أُعْلُ هُبَل‌ [189] يملا أرجاء ساحة‌ أُحد؛ أمّا حين‌ عجزوا عن‌ الصمود في‌ ذلك‌ الخطّ، وحين‌ انتشرت‌ عظمة‌ الإسلام‌ وقدرته‌ بفتح‌ مكّة‌ في‌ السنة‌ الثامنة‌ للهجرة‌ فملات‌ كلّ حدب‌ وصوب‌، فقد ارتدي‌ هؤلاء لباس‌ الإسلام‌ ثمّ حملوا سيوفهم‌ ورماحهم‌ تلك‌ علی‌ عواتقهم‌ فحاربوا بها حقيقة‌ القرآن‌ المتجلّية‌ في‌ مقام‌ الولاية‌ المقدّس‌ حامي‌ صميم‌ القرآن‌ ومبيِّن‌ أسراره‌ وموضِّح‌ تأويله‌ ومضمونه‌ ومعناه‌.

 كان‌ هؤلاء يتظاهرون‌ بمتابعة‌ القرآن‌، لكنّهم‌ كانوا يمنعون‌ الناس‌ من‌ تفسير القرآن‌، ويفسّرون‌ برأيهم‌ آياته‌ المتشابهات‌ التي‌ لا سبيل‌ لمعرفتها ودرك‌ معانيها غير سبيل‌ أُولي‌ العلم‌، وكانوا يعدّون‌ أنفسهم‌ أُولي‌ الاَمر، وقد فعلوا بكتاب‌ الله‌ الافاعيل‌.

 هُوَ الَّذِي‌´ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَـ'بَ مِنْهُ ءَايَـ'تٌ مُّحْكَمَـ'تٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَـ'بِ وَأُخَرُ مُتَشَـ'بِهَـ'تٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي‌ قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَـ'بَهَ مِنْهُ ابْتِغَآءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَآءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ و´ إِلاَّ اللَهُ وَالرَّ سِخُونَ فِي‌ الْعِلْمِ يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ´ أُولُوا الاْلْبَـ'بِ. [190]

 يقول‌ سـماحة‌ العلاّمة‌ الاُسـتاذ قدّس‌ الله‌ سـرّه‌: أُمُّ الْكِتَـ'بِ أصـل‌ القرآن‌ ومرجعـه‌، والمحكمات‌ هي‌ الآيـات‌ ذات‌ المعنـي‌ الظاهـر الذي‌ لا يحتاج‌ لفهمه‌ للرجوع‌ إلی آيات‌ أُخر، بل‌ تفي‌ وتبيّن‌ معناها بنفسها، في‌ حين‌ أنّ المتشابهات‌ هي‌ الآيات‌ التي‌ لا يتعيّن‌ مرادها لفهم‌ السامع‌ بمجرّد استماعها، بل‌ يتردّد بين‌ معنيً ومعني‌ حتّي‌ يرجع‌ إلی محكمات‌ الكتاب‌ فتعيّن‌ هي‌ معناها وتبيّنها بياناً، فتصير الآية‌ المتشابهة‌ عند ذلك‌ مُحكمة‌ بواسطة‌ الآية‌ المحكمة‌، والآية‌ المحكمة‌ محكمة‌ بنفسها، وفي‌ النتيجة‌ فإنّ جميع‌ آيات‌ الكتاب‌ محكمة‌ وليس‌ لدينا فيها آية‌ لا ترجع‌ إلی محكم‌.

 فمثلاً، قوله‌ تعالي‌: الرَّحْمَـ'نُ عَلَی‌ الْعَرْشِ اسْتَوَي‌'، [191] يشتبه‌ المراد منها علی‌ السامع‌ أوّل‌ ما يسمعها، إذ يمكن‌ أن‌ يكون‌ معني‌ العرش‌ كهذه‌ العروش‌ المعهودة‌، فإذا أرجعناها إلی مثل‌ قوله‌ تعالي‌: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ[192] اتّضح‌ أنّ عرش‌ الله‌ متناسب‌ ووجوده‌ الازلي‌ّ اللامتناهي‌، والذي‌ ينطبق‌ ـ شئنا أم‌ أبينا علی‌ عالم‌ الإرادة‌ والمشيئة‌، و علی‌ هيكل‌ الوجود وجميع‌ العالم‌. [193]

 وأمّا في‌ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ و´ إِلاَّ اللَهُ، فظاهر الكلام‌ رجوع‌ الضمير إلی مَا تَشَـ'بَهَ، كما هو الظاهر أيضاً في‌ قوله‌ وَابْتِغَآءَ تَأْوِيلِهِ.

 وقد مرّ سابقاً أنّ ذلك‌ لا يستلزم‌ كون‌ التأويل‌ مقصوراً علی‌ الآيات‌ المتشابهة‌، ومن‌ الممكن‌ أن‌ نرجع‌ الضمير إلی الكتاب‌، كالضمير في‌ قوله‌ مَا تَشَـ'بَهَ مِنْهُ.

 ويستفاد من‌ ظاهر الحصر في‌ عبارة‌ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ و´ إِلاَّ اللَهُ كون‌ العلم‌ بالتأويل‌ مقصوراً علیه‌ سبحانه‌. وأمّا قوله‌ وَالرَّ سِخُونَ فِي‌ الْعِلْمِ فظاهر الكلام‌ أنّ الواو للاستئناف‌ لا العطف‌ (ولو أ نّنا اعتبرنا الواو عاطفة‌ ووقفنا علی‌ فِي‌ الْعِلْمِ وقلنا: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ و´ إِلاَّ اللَهُ وَالرَّ سِخُونَ فِي‌ الْعِلْمِ، فلن‌ يكـون‌ هنـاك‌ من‌ إشـكال‌، لا مـن‌ جهة‌ الإعـراب‌ والتركيـب‌ اللغوي‌ّ، ولا من‌ جهة‌ المحتوي‌ والمعني‌)؛ بمعني‌ كونها طرفاً للترديد الذي‌ يدلّ علیه‌ قوله‌ في‌ صدر الآية‌: فَأَمَّا الَّذِينَ فِي‌ قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ؛ ف علی‌ هذا سيكون‌ معني‌ هذه‌ العبارة‌: أنّ الناس‌ في‌ الاخذ بكتاب‌ الله‌ قسمان‌: فمنهم‌ من‌ يتّبع‌ ما تشابه‌ منه‌ (المتشابهات‌)، ومنهم‌ من‌ يقول‌ إذا تشابه‌ علیه‌ شي‌ء منها: ءَامَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّن‌ عِندِ رَبّـِنَا، وإنّما اختلفوا لاختلافهم‌ من‌ جهة‌ زَيْغ‌ القَلْب‌ (الانحـراف‌ الفكـري‌ّ)، و رُسُـوخ‌ العِلْـم‌ (العلـم‌ الراسـخ‌ الاصـيل‌ والصحيح‌).

 مضافاً إلی أ نّنا لو اعتبرنا الواو عاطفة‌ لاستلزم‌ ذلك‌ إشكالاً مهمّاً، وهو أ نّنـا نكـون‌ قـد خرجنـا عـن‌ دأب‌ القرآن‌، ذلـك‌ لانّ الواو لو كانـت‌ عاطفة‌ وكان‌ المراد بالعطف‌ تشريك‌ الراسخين‌ في‌ العلم‌ بالتأويل‌ كان‌ منهم‌ رسول‌ الله‌ وهو أفضلهم‌.

 وكيف‌ يتصوّر أن‌ ينزل‌ القرآن‌ علی‌ قلبه‌ وهو لا يدري‌ ما أُرِيدَ به‌؟ وسنكون‌ قد خرجنا عن‌ دأب‌ القرآن‌، لانّ دأبه‌ إذا ذكر الاُمّة‌ أو وصف‌ أمر جماعة‌ وفيهم‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ أن‌ يفرده‌ بالذِّكر أوّلاً ويميّزه‌ بالشخص‌ تشريفاً له‌ وتعظيماً لامره‌ ثمّ يذكرهم‌ جميعاً، كقوله‌ تعالي‌:

 ءَامَنَ الرَّسُولُ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن‌ رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ. [194]

 وكآية‌: ثُمَّ أَنزَلَ اللَهُ سَكِينَتَهُ و عَلَي‌' رَسُولِهِ وَعَلَي‌ الْمُؤْمِنِينَ. [195]

 وآية‌: لَـ'كِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا مَعَهُ. [196]

 وقوله‌ تعالي‌: هَـ'ذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا. [197]

 وقوله‌ تعالي‌: يَوْمَ لاَ يُخْزِي‌ اللَهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا مَعَهُ. [198]

 وهناك‌ آيات‌ أُخري‌ غير هذه‌ الآيات‌ وردت‌ في‌ القرآن‌ الكريم‌ علی‌ هذا النهج‌.

 فلو كان‌ المراد بقوله‌: وَالرَّ سِخُونَ فِي‌ الْعِلْمِ أ نّهم‌ عالمون‌ بالتأويل‌ ـ ورسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ منهم‌ قطعاً كان‌ حقّ الكلام‌ أن‌ يُقال‌: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلاَّ اللَهُ وَرَسُولُهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي‌ العِلْمْ.

 هذا وإن‌ أمكن‌ أن‌ يقال‌ إنّ قوله‌ في‌ صدر الآية‌ هُوَ الَّذِي‌´ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَـ'بَ يدلّ علی‌ كون‌ النبي‌ّ عالماً بالكتاب‌، فلا حاجة‌ إلی ذكره‌ ثانياً.

 فالظاهر من‌ كلّ ما قيل‌ أنّ العلم‌ بالتأويل‌ مقصور في‌ الآية‌ علیه‌ تعالي‌، ولا ينافي‌ ذلك‌ ورود الاستثناء علیه‌ في‌ هذه‌ الآية‌ وجعْل‌ أفراد معيّنين‌ من‌ العالمين‌ بالتأويل‌ بشكل‌ مسلّم‌، كما هو الامر في‌ الآيات‌ الدالّة‌ علی‌ انحصار علم‌ الغيب‌ علیه‌ تعالي‌ مع‌ ورود الاستثناء علیه‌، كما في‌ قوله‌ تعالي‌:

 عَـ'لِـمُ الْغَيْـبِ فَلاَ يُظْهِـرُ عَلَي‌' غَيْبِهِ أَحَـدًا * إِلاَّ مَـنِ ارْتَضَـي‌' مِن‌ رَّسُولٍ. [199]

 ولا منافاة‌ لذلك‌ أن‌ يكون‌ المستثني‌ من‌ جملة‌ لاَ يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ و´ إِلاَّ اللَهُ نفس‌ الراسخين‌ في‌ العلم‌، إذ لا منافاة‌ بين‌ أن‌ تدلّ هذه‌ الآية‌ علی‌ شأن‌ من‌ شؤون‌ الراسخين‌ في‌ العلم‌، وهو الوقوف‌ عند الشبهة‌ والإيمان‌ والتسليم‌ في‌ مقابل‌ الزائغين‌ قلباً، وبين‌ أن‌ تدلّ آيات‌ أُخر علی‌ أ نّهم‌ أو بعضاً منهم‌ عالمون‌ بحقيقة‌ القرآن‌ وتأويل‌ آياته‌ علی‌ ما سيجي‌ء بيانه‌. [200]

 نعم‌، لقد كان‌ هدفنا من‌ الاستشهاد بهذه‌ الآية‌ المباركة‌ أنّ مخالفة‌ حقيقة‌ القرآن‌ أمر لا ينحصر بالمشركين‌ والمخالفين‌، فقد نزلت‌ هذه‌ الآية‌ في‌ شأن‌ المسلمين‌ فقسّمتهم‌ صنفَين‌، أوّلهما مؤمن‌ ملتزم‌ يسلّم‌ بالحقّ، وثانيهما متمرِّد يسعي‌ للفتنة‌ ويتعقّب‌ المسارات‌ المنحرفة‌ الملتوية‌ ويقبع‌ كامناً في‌ الزوايا، مبتعداً علی‌ الدوام‌ عن‌ الصراط‌ المستقيم‌ والطريق‌ القويم‌، فهؤلاء منحرفون‌ في‌ خطّ سيرهم‌ النفسي‌ّ، وهم‌ موجودون‌ في‌ كلّ زمان‌ ومكان‌، شأنهم‌ ودأبهم‌ التصيّد في‌ الماء العكر، يميلون‌ مع‌ الريح‌ حيثما مالت‌ وينعقون‌ مع‌ كلّ ناعق‌، ويمدّون‌ رؤوسهم‌ في‌ كلّ مخلاة‌، ويمرّون‌ علی‌ كلّ معلف‌، ويعيشـون‌ كالعلق‌ علی‌ امتصـاص‌ دماء الآخرين‌ وإزهاق‌ أرواحهم‌، ويديمـون‌ حياتهـم‌ عبـوراً علی‌ أجسـاد المظـلومين‌ ودمـاء المحرومين‌.

 قال‌ في‌ « تفسير الصافي‌ » بعد تفسير معني‌ المحكم‌ والمتشابه‌:

 ورد في‌ كتاب‌ « الكافي‌ » والعيّاشي‌ّ عن‌ الإمام‌ علیه‌ السلام‌ في‌ تأويل‌ القرآن‌ قوله‌: إنَّ المُحْكَمَاتِ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ وَالاَئِمَّةُ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ، وَالمُتَشَابِهَاتِ فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ.

 وتدلّ هذه‌ الرواية‌ علی‌ أنّ الإمام‌ علیه‌ السلام‌ هو الوجود الخارجي‌ّ والتكويني‌ّ للقرآن‌، وأنّ الخليفتَين‌ بغير حقّ الغاصبَين‌ لامر الولاية‌ هما الوجود الخارجي‌ّ والتحقّقي‌ّ للشيطنة‌ والانحراف‌ والنزوع‌ إلی الباطل‌.

 

ارجاعات


[155] ـ محمّد علی‌ فروغي‌ ذكاء المُلك‌ من‌ الذين‌ أدّوا خدمات‌ هامّة‌ إلی البهلوي‌ّ في‌ زمنه‌، وقد شغل‌ منصب‌ رئاسة‌ الوزراء لعدّة‌ سنين‌، وقد عدّه‌ إسماعيل‌ رائين‌ في‌ كتاب‌ «فراموشخانه‌ وفراماسونري‌ در إيران‌» (= المحافل‌ والماسونيّة‌ في‌ إيران‌) ج‌ 2، ص‌ 53 و 54، من‌ فرقة‌ الماسونيّة‌ في‌ درجة‌ أُستاذ أعظم‌، ونشر صورته‌ بملابس‌ المحفل‌ الخاصّة‌.

[156] ـ «تاريخ‌ زندگاني‌ سياسي‌ سلطان‌ أحمد شاه‌» ص‌ 245 و 246.

[157] ـ «تاريخ‌ زندگاني‌ سياسي‌ سلطان‌ أحمد شاه‌» ص‌ 20 و 21.

[158] ـ «تاريخ‌ زندگاني‌ سياسي‌ سلطان‌ أحمد شاه‌»، ص‌ 289.

[159] ـ يتّضح‌ جيّداً من‌ كيفيّة‌ سلوك‌ أحمد شاه‌ وتصرّفه‌ أنّ هدف‌ رافعي‌ ألوية‌ النهضة‌ الدستوريّة‌ ودعاتها الاصليّين‌ لم‌ يكن‌ إيجاد محيط‌ المساواة‌ والعدل‌ ورفع‌ الظلم‌ والاستبداد، ولو صحّ ذلك‌ لوصلوا ـ مع‌ وجود ملك‌ عادل‌ إلی الكمال‌ المنشود، ولسمت‌ إيران‌ إلی قمّة‌ العدل‌ والعلم‌ والعظمة‌ والرقي‌ّ. لقد وردت‌ النهضة‌ الدستوريّة‌ من‌ صوب‌ إنجلترا، ولقد هبّت‌ ريح‌ السموم‌ المشؤومة‌ هذه‌ من‌ هناك‌ لتبتلع‌ إيران‌ تحت‌ غطاء الحرّيّة‌ الموهومة‌ وتزدردها لقمة‌ سائغة‌ لغدائها، لكنّ هذا النداء برز مبرقعاً بقناع‌ ردع‌ ظلم‌ وجناية‌ الملوك‌ المستبدّين‌ وأعوانهـم‌، وتحـت‌ لواء محاربة‌ الاسـتبداد الدينـي‌ّ، أي‌ مـن‌ علمـاء البـلاط‌ ومؤيّـدي‌ الحكومة‌.

 وباعتبار نشأة‌ النهضة‌ الدستوريّة‌ في‌ ظروف‌ الاستبداد العنيف‌ والتهوّر والانغماس‌ بالمتع‌ والملذّات‌ من‌ قبل‌ الملوك‌ والاُمراء، فقد حظت‌ بقبول‌ عامّة‌ الناس‌ الضعفاء والمحرومين‌ والعلماء الاغيار المتديّنين‌، وحرّكتهم‌ ضدّ نظام‌ الظلم‌ والاستبداد وللسعي‌ لاءيجاد دار للعدالة‌ وإحقاق‌ الحقوق‌، غافلين‌ أنّ اسم‌ الحرّيّة‌ هذا ليس‌ إلاّ أُلعوبة‌ ودميً تحرّكها الاصابع‌ من‌ وراء الستار، أُعدّت‌ لتخدير مسلمي‌ إيران‌ البسطاء الطيّبين‌.

 ويمكن‌ لمن‌ يتأمّل‌ في‌ كتاب‌ «تنبيه‌ الملّة‌ وتنزيه‌ الاُمّة‌» للعالم‌ الجليل‌ آية‌ الله‌ النائيني‌ّ قدّس‌ سرّه‌ أن‌ يعرف‌ كيف‌ قام‌ هذا الرجل‌ الحكيم‌ بإخلاص‌ ونصح‌ واستدلال‌ قوي‌ّ متين‌ بوضع‌ أُسس‌ الحكومة‌ الدستوريّة‌ معتبراً أنّ سبيل‌ العلاج‌ والطريق‌ الوحيد لنجاة‌ الشعب‌ الاءيراني‌ّ المظلوم‌ يكمن‌ في‌ إرساء مجلس‌ شوري‌ وطني‌ّ وتدوين‌ القانون‌ الاساسي‌ّ الذي‌ يحدّ من‌ جنايات‌ الملوك‌ المستبدّين‌، ومع‌ أنّ استدلاله‌ كان‌ صحيحاً إلاّ أ نّه‌ لم‌ يكن‌ ليعلم‌ أنّ مطلب‌ دعاة‌ الحرّيّة‌ كَلِمَةُ حَقٍّ يُرَادُ بِهَا بَاطِلٌ. فقد أراد أُولئك‌ أن‌ يعبروا بهذا الجسر علی‌ أجساد شهداء إيران‌ ويعدموا أمثال‌ الشيخ‌ فضل‌ الله‌ النوري‌ّ علی‌ خشبة‌ الاءعدام‌، ويرسلوا أمثال‌ أحمد شاه‌ داعي‌ الحرّيّة‌ المظلوم‌ الغيور المتديّن‌ في‌ مطامير الموت‌ والفناء، ويأتوا للحكم‌ برضا خان‌ المعتدي‌ المتجاوز. وقد فهم‌ بعض‌ المستبدّين‌ هذه‌ الحيلة‌ فصاروا لا يستسلمون‌ لها، وصار بعضهم‌ يُجانب‌ التعقّل‌ في‌ حفظ‌ أساس‌ سلطنتهم‌ مهما كانت‌ جائرة‌.

 لكنّ هاتين‌ المجموعتَين‌ مخطئتان‌، فكِلا الاستبداد والنهضة‌ الدستوريّة‌ أمرٌ خاطي‌؛ والنهضة‌ الدستوريّة‌ لو جري‌ تطبيقها بحذافيرها وفق‌ رؤيا النائيني‌ّ لما كانت‌ إلاّ كغسل‌ يَدي‌ أَمة‌ سوداء ملوّثة‌ بالنجاسة‌، فالحقّ هو في‌ دولة‌ الاءسلام‌، وثورة‌ الشعب‌ علی‌ أساس‌ حكومة‌ القرآن‌، وتشكيل‌ الحكومة‌ الاءسلاميّة‌ علی‌ الاساس‌ الصحيح‌ والمعني‌ الواقعي‌ لولاية‌ الفقيه‌ والتي‌ لم‌ يتحدّث‌ عنها في‌ ذلك‌ الزمان‌ أحد. فقد كان‌ كبراؤنا وعلماؤنا الصالحون‌ وأعلامنا قد أنسوا بتلك‌ السيرة‌ النسبيّة‌ وقبول‌ الظلم‌ النسبي‌ّ، وقنعوا من‌ ظاهر السلاطين‌ بتديّنهم‌ الصوري‌ّ، وكان‌ ذلك‌ خطأً.

 وللّه‌ الحمد وله‌ المنّة‌، فبعد مرور ما يقرب‌ علی‌ القرن‌ علی‌ آثار الشؤم‌ والجناية‌ لاسم‌ الحرّيّة‌ المخرِّب‌ للبيوت‌، فقد خطت‌ الاُمّة‌ الاءسلاميّة‌ خطوات‌ علی‌ طريق‌ الواقعيّة‌.

[160] ـ الآيات‌ 105 إلی 109، من‌ السورة‌ 17: الاءسراء.

[161] ـ يقول‌: «في‌ يومٍ يتحقّق‌ فيه‌ إذا السـماء انفطـرت‌، وحين‌ يُصـبح‌ إذا النجـوم‌ انكدرت‌ ».

[162] ـ يقول‌: «سأتعلّق‌ بذيل‌ ثوبك‌ في‌ سُئلت‌، قائلاً: يا صنمي‌ ومعبودي‌ بأي‌ّ ذنبٍ قُتِلَتْ.

 عشقك‌ أراني‌ ألستُ منكم‌ ببعيد، وهجرانك‌ أراني‌ إنّ عذابي‌ لشديد.

 مخطوط‌ علی‌ زاوية‌ شفتك‌ يُحيي‌ ويُميت‌، مَن‌ مات‌ من‌ العشقِ فقد ماتَ شهيد ».

[163] ـ يقول‌:

 «حين‌ وصلت‌ زينت‌ الممتحنة‌ إلی أرض‌ المصرع‌ المفعمة‌ بالبلاء، رأت‌ الحسين‌ مقطّعاً و علی‌ التراب‌ مرمّلا.

 ولقد تناثرت‌ أوراق‌ هذا المصحف‌ من‌ تجلّيات‌ جمال‌ الحقّ، كُتب‌ علی‌ كلٍّ منها من‌ الوفاء: أنا الشهيد بكربلاء».

[164] ـ يقول‌: «كانت‌ جراحاته‌ تزيد علی‌ النجوم‌ عدداً، وجلّت‌ عن‌ الحصر والعدّ، وقد نشرت‌ خيمتها علی‌ وجود بطل‌ المحنة‌ والمصيبة‌ ذلك‌.

 وحين‌ رأت‌ أخاها قتيلاً ضمّته‌ وفاءً إلی صدرها، فسمعت‌ كلاماً من‌ حنجرته‌ وأجابها أن‌ بلي‌، بلي‌.

 أوَلسـتَ أنت‌ أخي‌؟ أوَلسـتَ من‌ نسـل‌ أُمّي‌؟ فديتُ بدنك‌ برأسـي‌، لِمَ فِي‌ التراب‌ مجدّلا؟ ».

[165] ـ الآية‌ 23، من‌ السورة‌ 39: الزمر.

[166] ـ الآية‌ 34، من‌ السورة‌ 52: الطور.

[167] ـ الآية‌ 50، من‌ السورة‌ 77: المرسلات‌.

[168] ـ اقتباس‌ من‌ الآية‌ 41 و 42، من‌ السورة‌ 41: فصّلت‌: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَآءَهُمْ وَإِنَّهُ و لَكِتَـ'بٌ عَزِيزٌ * لاَّ يَأْتِيهِ الْبَـ'طِلُ مِن‌ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ.

[169] ـ اقتباس‌ من‌ آيتين‌ قرآنيّتين‌، هما الآية‌ 1 من‌ السورة‌ 50: ق‌: ق‌´ وَالْقُرْءَانِ الْمَجِيدِ. والآيتان‌ 21 و 22 من‌ السورة‌ 85: البروج‌: بَلْ هُوَ قُرْءَانٌ مَّجِيدٌ * فِي‌ لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ.

[170] ـ الآية‌ 82، من‌ السورة‌ 4: النساء.

[171] ـ «الميزان‌ في‌ تفسير القرآن‌» ج‌ 17، ص‌ 269 إلی 271.

[172] ـ الآية‌ 87، من‌ السورة‌ 15: الحجر.

[173] ـ الآية‌ 23، من‌ السورة‌ 39: الزمر.

[174] ـ الآية‌ 5، من‌ السورة‌ 11: هود.

[175] ـ «الميزان‌ في‌ تفسير القرآن‌» ج‌ 12، ص‌ 201 و 202.

[176] ـ «مصباح‌ الفقيه‌»، كتاب‌ الصلاة‌، ص‌ 276 (ملخّصاً).

[177] ـ أورد في‌ هامش‌ صفحة‌ 601 من‌ «أُصول‌ الكافي‌» الجزء الثاني‌ من‌ الطبعة‌ الحروفيّة‌ نقلاً عن‌ «الوافي‌» أنّ السور الطُّوَل‌ علی‌ وزن‌ صُرَد هي‌ السور السبع‌ الاُوَل‌ بعد الفاتحة‌، علی‌ أن‌ تعدّ الانفال‌ والتـوبة‌ واحـدةً (باعتبار أنّ كليهما كانت‌ في‌ شـأن‌ غزوات‌ رسـول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌، لذا تُدعيان‌ بالقرينتَين‌، وكذلك‌ لعدم‌ فصلهما بالبسملة‌) أو السابعة‌ سورة‌ يونس‌. والمثاني‌ هي‌ السبع‌ التي‌ بعد هذه‌ السبع‌، سمّيت‌ بها لا نّها ثنّتها، واحدها مثني‌ مثل‌ معاني‌ ومعني‌. والمئون‌ هي‌ من‌ بني‌ إسرائيل‌ إلی سبع‌ سور، لانّ كلاّ منها علی‌ نحو مائة‌ آية‌ كما قيل‌ في‌ بعض‌ التفاسير انتهي‌ كلام‌ صاحب‌ «الوافي‌».

[178] ـ «أُصـول‌ الكافي‌» ج‌ 2، ص‌ 601، وقـد روي‌ الكليني‌ّ هـذه‌ الروايـة‌ عن‌ علی‌ّ بـن‌ إبراهيم‌، عن‌ صالح‌ بن‌ سندي‌، عن‌ جعفر بن‌ بشير، عن‌ سعد الاءسكاف‌، وورد في‌ تتمّتها: وَالتَّوْرَاةُ لِمُوسَي‌، وَالاءنجِيلُ لِعِيسَي‌، وَالزَّبُورُ لِدَاوُدَ.

[179] ـ الآية‌ 42، من‌ السورة‌ 8: الانفال‌.

[180] ـ الآيات‌ 63 إلی 77، من‌ السورة‌ 25: الفرقان‌.

[181] ـ الآية‌ 83، من‌ السورة‌ 5: المائدة‌.

[182] ـ الآيتان‌ 15 و 16، من‌ السورة‌ 32: السجدة‌.

[183] ـ الآيتان‌ 71 و 72، من‌ السورة‌ 22: الحجّ.

[184] ـ الآية‌ 39، من‌ السورة‌ 6: الانعام‌.

[185] ـ الآيات‌ 20 إلی 24، من‌ السورة‌ 47: محمّد.

 وأورد القاضي‌ القضاعي‌ّ في‌ الشرح‌ الفارسي‌ «شهاب‌ الاخبار» في‌ الكلمات‌ القصار للنبي‌ّ الخاتم‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ ص‌ 332، رقم‌ 569: مَا آمَنَ بِالقُرْآنِ مَنِ اسْتَحَلَّ مَحَارِمَهُ.

[186] ـ الآية‌ 64، من‌ السورة‌ 9: التوبة‌.

[187] ـ الآيتان‌ 6 و 7، من‌ السورة‌ 31: لقمان‌.

[188] ـ الآيتان‌ 26 و 27، من‌ السورة‌ 41: فصّلت‌.

[189] ـ كان‌ المشركون‌ في‌ غزوة‌ أُحد يحملون‌ معهم‌ صنم‌ هُبل‌ الذي‌ كان‌ أعظم‌ الاصنام‌ رأساً، وكان‌ طويلاً بقدر قامة‌ الرجل‌، فجاءوا به‌ إلی المدينة‌ وتحلّقوا حوله‌ في‌ ساحة‌ المعركة‌ يهتفون‌: أُعْلُ هُبَل‌، أُعْلُ هُبَل‌. فأمر رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌ المسلمين‌ أن‌ يردّوا علیهم‌ فينادوا: اللَهُ أَعْلَي‌ وَأَجَلّ.

[190] ـ الآية‌ 7، من‌ السورة‌ 3: آل‌ عمران‌.

[191] ـ الآية‌ 5، من‌ السورة‌ 20: طه‌.

[192] ـ الآية‌ 11، من‌ السورة‌ 42: الشوري‌.

[193] ـ «الميزان‌ في‌ تفسير القرآن‌»، ج‌ 3، ص‌ 18 و 19.

[194] ـ الآية‌ 285، من‌ السورة‌ 2: البقرة‌.

[195] ـ الآية‌ 26، من‌ السورة‌ 9: التوبة‌.

[196] ـ الآية‌ 88، من‌ السورة‌ 9: التوبة‌.

[197] ـ الآية‌ 68، من‌ السورة‌ 3: آل‌ عمران‌.

[198] ـ الآية‌ 8، من‌ السورة‌ 66: التحريم‌.

[199] ـ الآيتان‌ 26 و 27، من‌ السورة‌ 72: الجنّ.

[200] ـ «الميزان‌ في‌ تفسير القرآن‌» ج‌ 3، ص‌ 26 و 27.

      
  
الفهرس
  المقدّمة
  كلام‌ سيّد الشهداء عليه‌ السلام‌ في‌ لزوم‌ معرفة‌ الله‌
  خطبته‌ عليه‌ السّلام‌ لإصلاح‌ الناس‌
  وصيّته‌ عليه‌ السّلام‌ إلي‌ محمّد بن‌ الحنفيّة‌
  الحثّ علي‌ المكارم‌
  أُسلوب‌ اجتناب‌ المعاصي‌
  مواعظ‌ سيّد الشهداء عليه‌ السلام‌
  خطبته‌ عليه‌ السلام‌ بمني‌ وتنوير الاذهان‌ في‌ زمن‌ معاوية‌
  مناشدته‌ عليه‌ السلام‌ للاصحاب‌ والتابعين‌
  خطبته‌ عليه‌ السلام‌ عند خروجه‌ من‌ مكّة‌
  أشعاره‌ عليه‌ السلام‌ في‌ جواب‌ الفرزدق‌ و محادثته‌ معه‌
  خطبة‌ الإمام‌ عليه‌ السلام‌ عند ممانعة‌ الحرّ إیّاه‌
  كلامه‌ عليه‌ السلام‌ في‌ جواب‌ تهديد الحرّ
  كلام‌ سيّد الشهداء عليه‌ السلام‌ في‌ استعداده‌ للشهادة‌
  خطبته‌ عليه‌ السلام‌ في‌ أصحابه‌ و أصحاب‌ الحرّ
  خطبة‌ الإمام‌ ليلة‌ عاشوراء في‌ أصحابه‌
  دعاؤه‌ عليه‌ السلام‌ صبيحة‌ يوم‌ عاشوراء
  خطبته‌ عليه‌ السلام‌ صبيحة‌ يوم‌ عاشوراء
  خطبة‌ الإمام‌ الغرّاء يوم‌ عاشوراء
  أشعاره‌ الرجزيّة‌ يوم‌ عاشوراء
  نداؤه‌ عليه‌ السلام‌ في‌ أتباع‌ آل‌ أبي‌ سفيان‌
  دعاؤه‌ عليه‌ السلام‌ علي‌ أهل‌ الكوفة‌ و مخاطبته‌ لهم‌
  كيفيّة‌ استشهاده‌ عليه‌ السلام‌
  أشعار في‌ تصوير حالات‌ سيّد الشهداء عليه‌ السلام‌ وحال‌ جميع‌ المخلوقات‌
  أشعار المؤلّف‌ في‌ مدح‌ سيّد الشهداء عليه‌ السلام‌
  العناوين المرتبطة بالامام الحسين عليه‌السلام في طي دورة‌ علوم‌ ومعارف‌ الإسلام‌
  بيان‌ حال‌ سيّد الشهداء عليه‌ السلام‌ في‌ الخلوة‌ بالحبيب‌
  عظمة‌ الاوج‌ العرفاني‌ّ لسيّد الشهداء عليه‌ السلام‌
  المشاعر والعواطف‌ البشريّة‌ عند الائمّة‌ علیهم‌ السلام‌
  مشاعر سيّد الشهداء علیه‌ السلام‌ وعواطفه‌ يوم‌ عاشوراء
  استشهاد الطفل‌ الرضيع‌ يوم‌ الطفّ
  فضائل‌ عليّ الاكبر علیه‌ السلام‌ واستشهاده‌
  عليّ الاكبر علیه‌ السلام‌ من‌ منظار معاوية‌
  حوار عليّ الاكبر مع‌الإمام الحسين‌ علیهما السلام‌ حول‌ الشهادة‌
  جعل‌الإمام عليّ علیه‌ السلام‌ محمّدَ ابن‌ الحنفيّة‌ درعاً للحسنين‌
  عليّ الاكبر علیه‌ السلام‌ تلميذ مدرسة‌ الحسنين‌ علیهما السلام‌
  مضامين‌ زيارة‌ سيّد الشهداء علیه‌ السّلام‌ في‌ الاول‌ من‌ رجب‌
  عفو السجّاد عن السیخ الشامیّ الذی شتم أسری آل محمد
  خطبة سیّّد الشهداء علیه السلام صبح عاشوراء
  مواعظ سیّد الشهداء علیه السلام وإنکار أهل الکوفة
  استمهال الامام الحسین القوم لیلة عاشوراء للصلاة و التلاوة و الدعاء
  >>وجود الإمام‌ المعصوم‌ حقيقة‌ القرآن‌
  قصّة‌ قول‌ سيّد الشهداء لحبيب‌ بن‌ مظاهر: للّه‌ درّك‌ يا حبيب‌!
  حبيب‌ بن‌ مظاهر كان‌ يختم‌ القرآن‌ كلّ ليلة‌
  نقل‌ ابن‌ أبي‌ الحديد في‌ أنّ أصحاب‌ الإمام‌ الحسين‌ كانوا كالاُسود الضارية‌
  مضامین دعاء سيّد الشهداء عليه‌ السلام‌الرفیعة فی یوم عرفة‌
  عبارات دعاء عرفة تشیر إلی الله تعالی فی جمیع الموجودات
  الملکات العرفانیة لسید الشهداء علیه السلام فی الزیارة المطلقة
  بحث‌ فقهي‌ّ في‌ جواز الطواف‌حول‌ أضرحة‌ الائمّة‌ الاطهار عليهم‌ السلام‌
  أخبار «لاَتَطُفْ بِقَبْرٍ» قويّة‌ سنداً، لكنّها خارجة‌ عن‌ المقام‌ دلالةً
  بحث‌ للعلاّمة‌ المجلسي‌ّ في‌ جواز الطواف‌ حول‌ أضرحة‌ الائمّة‌ الاطهار
  بحث‌ المحدِّث‌ النوري‌ّ في‌ «مستدرك‌ الوسائل‌» باب‌ «جواز الطواف‌ بالقبور»
  بحث‌ فقهي‌ّ في‌ جواز تقبيل‌ إطار أبواب‌ الدخول‌لقبور الائمّة‌ عليهم‌ السلام‌
  تفصيل‌ وقائع‌ عاشوراء التي‌ كانت‌ عشقاً محضاً
  قراءة‌ سماحة‌ الحدّاد أشعار «المثنوي‌ّ» في‌ غفلة‌ عامّة‌ الناس‌ عن‌ عاشوراء
  أشعار المولوي‌ّ في‌ مرثيّة‌ سيّد الشهداء عليه‌ السلام‌
  أبيات‌ عاشوراء في‌ أشعار «المثنوي‌ّ»
  ما أحسن‌ تحقيق‌ الملاّ الرومي‌ّ لقضايا عاشوراء!
  قراءة‌ سماحة‌ الحدّاد أبيات‌ عاشوراء وكأ نّها مختمرة‌ مع‌ روحه‌ ونفسه‌
  تفسير السيّد هاشم‌ لفائدة‌ حقيقة‌ اللعن‌ في‌ دعاء علقمة‌
  كلامه‌: لا يرشح‌ عن‌ أولياء الله‌ شرّ؛ ولعنهم‌ للاعداء نفع‌ يعود علی‌ الاعداء
  دعاء «الصحيفة‌ السجّاديّة‌» يشابه‌ دعاء علقمة‌ في‌ لعن‌ الكفّار
  خطبة‌ سيّد الشهداء علیه السلام‌
  ابیات سید الشهداء علیه السلام لیلة عاشوراء و حال زینب علیها السلام
  فهرس‌ المنابع‌ والمصادر

جميع الحقوق محفوظة لـ موقع المتقين www.motaghin.com ويسمح باستخدام المعلومات بشرط الإشارة إلى المصدر.

© 2008 All rights Reserved. www.Motaghin.com


Links | Login | SiteMap | ContactUs | Home
عربی فارسی انگلیسی