معرض الصور المحاضرات صوتيات المكتبة سؤال و جواب اتصل بنا الرئیسیة
 
اعتقادات و كلام أخلاق حکمة عرفان العلمي و الإجتماعي التاریخ القرآن و التفسير
المكتبة > الأبحاث التاريخية > لَمَعات‌ الحُسين‌ عليه‌ السلام
كتاب الروح المجرد/ القسم السابع: رواية عنوان البصري، المراد بعرفان الله، جواز الطواف حول اضرحة الائمه و تقبيل إطار أبواب قبورهم علیهم السلام

العمل‌ برواية‌ عنوان‌ البصري‌ّ كان‌ أمراً أساسيّاً من‌ أوامر المرحوم‌ القاضي‌

 لقد كان‌ المرحوم‌ الاُستاذ الكبير، عارف‌ القرن‌ الذي‌ لا نظير له‌، بل‌ هو حسب‌ تعبير أُستاذنا سماحة‌ الحاجّ السيّد هاشم‌: «لم‌ يأت‌ منذ صدر الإسلام‌ حتّي‌ الآن‌ في‌ مثل‌ شمول‌ وجامعيّة‌ المرحوم‌ القاضي‌»، كان‌ قد أصدر تعليماته‌ لتلامذته‌ ومريديه‌ في‌ السير والسلوك‌ إلي‌ الله‌، أن‌ يكتبوا رواية‌ عنوان‌ البصري‌ّ ويعملوا بها من‌ أجل‌ تخطّي‌ النفس‌ الامّارة‌ والرغبات‌ المادّيّة‌ والطبعيّة‌ والشهويّة‌ والغضبيّة‌ التي‌ تنشأ غالباً من‌ الحقد والحرص‌ والشهوة‌ والغضب‌ والإفراط‌ في‌ الملذّات‌.

 أي‌ أنّ العمل‌ وفق‌ مضمون‌ هذه‌ الرواية‌ كان‌ أمراً أساسيّاً ومهمّاً. وكان‌ يقول‌ مضافاً إلي‌ ذلك‌: ينبغي‌ أن‌ تحتفظوا بها في‌ جيوبكم‌ وتطالعونها مرّة‌ أو مرّتين‌ كلّ أُسبوع‌. فهذه‌ الرواية‌ تحظي‌ بالاهمّيّة‌ الكبيرة‌ وتحوي‌ مطالب‌ شاملة‌ وجامعة‌ في‌ بيان‌ كيفيّة‌ المعاشرة‌ والخلوة‌، وكيفيّة‌ ومقدار تناول‌ الغذاء، وكيفيّة‌ تحصيل‌ العلم‌، وكيفيّة‌ الحلم‌ ومقدار الصبر والاستقامة‌ وتحمّل‌ الشدائد أمام‌ أقوال‌ الطاعنين‌؛ وأخيراً مقام‌ العبوديّة‌ والتسليم‌ والرضا والوصول‌ إلي‌ أعلي‌ ذروة‌ العرفان‌ وقِمّة‌ التوحيد.

 لذا، فلم‌ يكن‌ المرحوم‌ القاضي‌ ليقبل‌ تلميذاً لا يلتزم‌ بمضمون‌ هذه‌ الرواية‌. وهذه‌ الرواية‌ منقولة‌ عن‌ الإمام‌ جعفر الصادق‌ عليه‌ السلام‌، وقد ذكرها المجلسي‌ّ في‌ كتاب‌ « بحار الانوار ».

النصّ الكامل‌ لرواية‌ عنوان‌ البصري‌ّ

 ولمّا كانت‌ تمثّل‌ برنامجاً عمليّاً شاملاً نُقِلَ عن‌ ذلك‌ الإمام‌ الهمام‌، لذا نوردها بألفاظها وعباراتها بلا تصرّف‌ ليستفيد منها مُحبّو وعشّاق‌ السلوك‌ إلي‌ الله‌ تعالي‌:

 17 ـ أَقُوُلُ: وَجَدْتُ بِخَطِّ شَيْخِنَا البَهَائِي‌ِّ قَدَّسَ اللَهُ رُوحَهُ مَا هَذَا لَفْظُهُ:

 قَالَ الشَّيْخُ شَمْسُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ مَكِّي‌ٍّ: نَقَلْتُ مِنْ خَطِّ الشَّيْخِ أَحْمَدَ الفَرَاهَانِي‌ِّ رَحِمَهُ اللَهُ، عَنْ عُِنْوَانِ [67] البَصْرِي‌ِّ ـ وكَانَ شَيْخاً كَبِيراً قَدْ أَتَي‌ عَلَیهِ [68] أَرْبَعٌ وَتِسْعُونَ سَنَةً قَالَ: كُنْتُ أَخْتَلِفُ إلی مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ سِنِينَ، فَلَمَّا قَدِمَ جَعْفَرٌ الصَّادِقُ عَلَیهِ السَّلاَمُ المَدِينَةَ اخْتَلَفْتُ إلَيْهِ، وَأَحْبَبْتُ أَنْ آخُذَ عَنْهُ كَمَا أَخَذْتُ عَنْ مَالِكٍ.

 فَقَالَ لِي‌ يَوْماً: إنِّي‌ رَجُلٌ مَطْلُوبٌ وَمَعَ ذَلِكَ لِي‌ أَوْرَادٌ فِي‌ كُلِّ سَاعَةٍ مِنْ آنَاءِ اللَيْلِ وَالنَّهَارِ، فَلاَ تَشْغَلْنِي‌ عَنْ وِرْدِي‌؛ وَخُذْ عَنْ مَالِكٍ وَاخْتَلِفْ إلَيْهِ كَمَا كُنْتَ تَخْتَلِفُ إلَيْهِ. فَاغْتَمَمْتُ مِنْ ذَلِكَ، وَخَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهِ وَقُلْتُ فِي‌ نَفْسِي‌: لَوْ تَفَرَّسَ فِي‌َّ خَيْراً لَمَا زَجَرَنِي‌ عَنِ الاِخْتِلاَفِ إلَيْهِ وَالاَخْذِ عَنْهُ.

 فَدَخَلْتُ مَسْجِدَ الرَّسُولِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمْتُ عَلَیهِ ثُمَّ رَجَعْتُ مِنَ الغَدِ إلی الرَّوْضَةِ [69] وَصَلَّيْتُ فِيهَا رَكْعَتَيْنِ وَقُلْتُ: أَسْأَلُكَ يَا اللَهُ يَا اللَهُ! أَنْ تَعْطِفَ عَلَي‌َّ قَلْبَ جَعْفَرٍ وَتَرْزُقَنِي‌ مِنْ عِلْمِهِ مَا أَهْتَدِي‌ بِهِ إلی صِرَاطِكَ المُسْتَقِيمِ!

 وَرَجَعْتُ إلی دَارِي‌ مُغْتَمَّاً وَلَمْ أَخْتَلِفْ إلی مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ لِمَا أُشْرِبَ قَلْبِي‌ مِنْ حُبِّ جَعْفَرٍ. فَمَا خَرَجْتُ مِنْ دَارِي‌ إلاَّ إلی الصَّلاَةِ المَكْتُوبَةِ حَتَّي‌ عِيلَ صَبْرِي‌.

 فَلَمَّا ضَاقَ صَدْرِي‌ تَنَعَّلْتُ وَتَرَدَّيْتُ وَقَصَدْتُ جَعْفَراً وَكَانَ بَعْدَمَا صَلَّيْتُ العَصْرَ. فَلَمَّا حَضَرْتُ بَابَ دَارِهِ اسْتَأْذَنْتُ عَلَیهِ فَخَرَجَ خَادِمٌ لَهُ فَقَالَ: مَا حَاجَتُكَ؟! فَقُلْتُ: السَّلاَمُ عَلَي‌ الشَّرِيفِ!

 فَقَالَ: هُوَ قَائِمٌ فِي‌ مُصَلاَّهُ. فَجَلَسْتُ بِحِذاءِ بَابِهِ، فَمَا لَبِثْتُ إلاَّ يَسِيراً. إذْ خَرَجَ خَادِمٌ فَقَالَ: ادْخُلْ عَلَي‌ بَرَكَةِ اللَهِ. فَدَخَلْتُ وَسَلَّمْتُ عَلَیهِ. فَرَدَّ السَّلاَمَ وَقَالَ: اجْلِسْ غَفَرَ اللَهُ لَكَ!

 فَجَلَسْتُ. فَأَطْرَقَ مَلِيَّاً، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَقَالَ: أَبُو مَنْ؟!

 قُلْتُ: أَبُو عَبْدِ اللَهِ!

 قَالَ: ثَبَّتَ اللَهُ كُنْيَتَكَ وَوَفَّقَكَ؛ يَا أَبَا عَبْدِ اللَهِ! مَا مَسْأَلَتُكَ؟!

 فَقُلْتُ فِي‌ نَفْسِي‌: لَوْ لَمْ يَكُنْ لِي‌ مِنْ زِيَارَتِهِ وَالتَّسْلِيمِ غَيْرُ هَذَا الدُّعَاءِ لَكَانَ كَثِيراً. ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ ثُمَّ قَالَ: مَا مَسْأَلَتُكَ؟!

 فَقُلْتُ: سَأَلْتُ اللَهَ أَنْ يَعْطِفَ قَلْبَكَ عَلَي‌َّ وَيَرْزُقَنِي‌ مِنْ عِلْمِكَ؛ وَأَرْجُو أَنَّ اللَهَ تَعَالَي‌ أَجَابَنِي‌ فِي‌ الشَّرِيفِ مَا سَأَلْتُهُ.

 فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَهِ! لَيْسَ العِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ، إنَّمَا هُوَ نُورٌ يَقَعُ فِي‌ قَلْبِ مَنْ يُرِيدُ اللَهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَي‌ أَنْ يَهْدِيَهُ؛ فَإنْ أَرَدْتَ العِلْمَ فَاطْلُبْ أَوَّلاً فِي‌ نَفْسِكَ حَقِيقَةَ العُبُودِيَّةِ، وَاطْلُبِ العِلْمَ بِاسْتِعْمَالِهِ، وَاسْتَفْهِمِ اللَهَ يُفْهِمْكَ!

 قُلْتُ: يَا شَرِيفُ! فَقَالَ: قُلْ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَهِ!

 قُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَهِ! مَا حَقِيقَةُ العُبُودِيَّةِ؟!

 قَالَ: ثَلاَثَةُ أَشْيَاءَ: أَنْ لاَ يَرَي‌ العَبْدُ لِنَفْسِهِ فِيمَا خَوَّلَهُ اللَهُ مِلْكاً، لاِنَّ العَبِيدَ لاَ يَكُونُ لَهُمْ مِلْكٌ؛ يَرَوْنَ المَالَ مَالَ اللَهِ يَضَعُونَهُ حَيْثُ أَمَرَهُمُ اللَهُ بِهِ. وَلاَ يُدَبِّرَ العَبْدُ لِنَفْسِهِ تَدْبِيراً. وَجُمْلَةُ اشْتِغَالِهِ فِيمَا أَمَرَهُ تَعَالَي‌ بِهِ وَنَهَاهُ عَنْهُ.

 فَإذَا لَمْ يَرَ العَبْدُ لِنَفْسِهِ فِيمَا خَوَّلَهُ اللَهُ تَعَالَي‌ مِلْكاً، هَانَ عَلَیهِ الإنْفَاقُ فِيمَا أَمَـرَهُ اللَهُ تَعَـالَي‌ أَنْ يُنْفِقَ فِيهِ. وَإذَا فَـوَّضَ العَبْدُ تَدْبِيـرَ نَفْسِـهِ عَلَي‌ مُدَبِّرِهِ، هَانَ عَلَیهِ مَصَائِبُ الدُّنْيَا. وَإذَا اشْتَغَلَ العَبْدُ بِمَا أَمَرَهُ اللَهُ تَعَالَي‌ وَنَهَاهُ، لاَ يَتَفَرَّغُ مِنْهُمَا إلی المِرَاءِ وَالمُبَاهَاةِ مَعَ النَّاسِ.

 فَإذَا أَكْرَمَ اللَهُ العَبْدَ بِهَذِهِ الثَّلاَثَةِ هَانَ عَلَیهِ الدُّنْيَا، وَإبْلِيسُ، وَالخَلْقُ. وَلاَ يَطْلُبُ الدُّنْيَا تَكَاثُراً وَتَفَاخُراً، وَلاَ يَطْلُبُ مَا عِنْدَ النَّاسِ عِزَّاً وَعُلُوَّاً، وَلاَ يَدَعُ أَيَّامَهُ بَاطِلاً.

 فَهَذَا أَوَّلُ دَرَجَةِ التُّقَي‌؛ قَالَ اللَهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَي‌:

 «تِلْكَ الدَّارُ الاْخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي‌ الاْرْضِ وَلاَ فَسَادًا وَالْعَـ'قِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ». [70]

 قُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَهِ! أَوْصِنِي‌!

 قَالَ: أُوصِيكَ بِتِسْعَةِ أَشْيَاءَ، فَإنَّهَا وَصِيَّتِي‌ لِمُرِيدِي‌ الطَّرِيقِ إلی اللَهِ تَعَالَي‌؛ وَاللَهَ أَسْأَلُ أَنْ يُوَفِّقَكَ لاِسْتِعْمَالِهِ.

 ثَلاَثَةٌ مِنْهَا فِي‌ رِيَاضَةِ النَّفْسِ، وَثَلاَثَةٌ مِنْهَا فِي‌ الحِلْمِ، وَثَلاَثَةٌ مِنْهَا فِي‌ العِلْمِ. فَاحْفَظْهَا؛ وَإيَّاكَ وَالتَّهَاوُنَ بِهَا!

 قَالَ عُِنْوَانٌ: فَفَرَّغْتُ قَلْبِي‌ لَهُ.

 فَقَالَ: أَمَّا اللَوَاتِي‌ فِي‌ الرِّيَاضَةِ:

 فَإيَّاكَ أَنْ تَأْكُلَ مَا لاَ تَشْتَهِيهِ، فَإنَّهُ يُورِثُ الحَمَاقَةَ وَالبَلَهَ. وَلاَ تَأْكُلْ إلاَّ عِنْدَ الجُوعِ. وَإذَا أَكَلْتَ فَكُلْ حَلاَلاً وَسَمِّ اللَهَ، وَاذْكُرْ حَدِيثَ الرَّسُولِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَیهِ وَآلِهِ: مَا مَلاَ آدَمِي‌ٌّ وِعَاءً شَرَّاً مِنْ بَطْنِهِ. فَإنْ كَانَ وَلاَبُدَّ فَثُلْثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلْثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلْثٌ لِنَفَسِهِ.[71]

 وَأَمَّا اللَوَاتِي‌ فِي‌ الحِلْمِ:

 فَمَنْ قَالَ لَكَ: إنْ قُلْتَ وَاحِدَةً سَمِعْتَ عَشْراً، فَقُلْ: إنْ قُلْتَ عَشْراً لَمْ تَسْمَعْ وَاحِدَةً. وَمَنْ شَتَمَكَ فَقُلْ لَهُ: إنْ كُنْتَ صَادِقاً فِيمَا تَقُولُ فَأَسْأَلُ اللَهَ أَنْ يَغْفِرَ لِي‌؛ وَإنْ كُنْتَ كَاذِباً فِيمَا تَقُولُ فَاللَهَ أَسْأَلُ أَنْ يَغْفِرَ لَكَ.

 وَمَنْ وَعَدَكَ بِالخَنَي‌ فَعِدْهُ بِالنَّصِيحَةِ وَالرَّعَاءِ.

 وَأَمَّا اللَوَاتِي‌ فِي‌ العِلْمِ:

 فَاسْأَلِ العُلَمَاءَ مَا جَهِلْتَ؛ وَإيَّاكَ أَنْ تَسْأَلَهُمْ تَعَنُّتاً [72] وَتَجْرِبَةً. وَإيَّاكَ أَنْ تَعْمَلَ بِرَأْيِكَ شَيْئاً؛ وَخُذْ بِالاِحْتِيَاطِ فِي‌ جَمِيعِ مَا تَجِدُ إلَيْهِ سَبِيلاً. وَاهْرَبْ مِنَ الفُتْيَا هَرْبَكَ مِنَ الاَسَدِ؛ وَلاَ تَجْعَلْ رَقَبَتَكَ لِلنَّاسِ جِسْراً!

 قُمْ عَنِّي‌ يَا أَبَا عَبْدِ اللَهِ! فَقَدْ نَصَحْتُ لَكَ، وَلاَ تُفْسِدْ عَلَي‌َّ وِرْدِي‌؛ فَإنِّي‌ امْرُءٌ ضَنِينٌ بِنَفْسِي‌. «وَالسَّلَـ'مُ عَلَي‌' مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَي‌'». [73]

تعاليم‌ المرحوم‌ القاضي‌ وصيّة‌ من‌ الإمام‌ الصادق‌ المقتبسة‌ من‌ القرآن‌

 وبالتأمّل‌ والتدقيق‌ في‌ المطالب‌ الواردة‌ في‌ هذا الحديث‌ المبارك‌ في‌ مراده‌، والعظيم‌ في‌ مفاده‌، تتَّضح‌ لنا درجة‌ السمو والرفعة‌ التي‌ ارتقت‌ إليها تعاليم‌ آية‌ الحقّ والعرفان‌، وسند التحقيق‌ والإيقان‌، وعماد البصيرة‌ والبرهان‌: الحاجّ السيّد علي‌ القاضي‌ قدّس‌ الله‌ تربته‌ الزكيّة‌. فلقد كان‌ يعطي‌ هذه‌ التعاليم‌ التي‌ تنصبّ بشكل‌ كامل‌ في‌ طريق‌ الإعراض‌ عن‌ مشاعر العداء والانتقام‌ وكسر صولة‌ النفس‌ الامّارة‌، والعثور علي‌ نافذة‌ للإطلال‌ علي‌ عالم‌ المعني‌ والتجرّد والملكوت‌، ومن‌ ثمّ لعرفان‌ ذات‌ الحقّ تعالي‌ واندكاك‌ الوجود المعار المجازي‌ّ في‌ الوجود المطلق‌ والوجود المحض‌ والصرف‌ السرمدي‌ّ الازلي‌ّ الابدي‌ّ الذي‌ لا يُتناهي‌ لذاته‌ القدسيّة‌.

 فرواية‌ عنوان‌ البصري‌ّ ينبغي‌ أن‌ تُؤَلَّف‌ الكتب‌ في‌ شرحها وتفصيلها، وبالرغم‌ من‌ أنّ ذلك‌ قد حصل‌ فعلاً، إلاّ أنّ تلك‌ الكتب‌ لم‌ تأت‌ باسم‌ شرح‌ رواية‌ عنوان‌ البصري‌ّ. أوَ ليس‌ كتاب‌ « إحياء الإحياء » القيّم‌ الجليل‌ للفيض‌ الكاشاني‌ّ الذي‌ دعاه‌ بـ «المحجّة‌ البيضاء» وكتاب‌ «جامع‌ السعادات‌» للحاجّ الملاّ مهدي‌ النراقي‌ّ جدّنا الجليل‌، وكتاب‌ «عدّة‌ الداعي‌» وغيرها من‌ الكتب‌ بالحمل‌ الشايع‌ الصناعي‌ّ غير شرح‌ وتفصيل‌ هذه‌ المطالب‌ القيّمة‌؟!

 ولقد استشهد الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ في‌ هذه‌ الرواية‌ بهذه‌ الآية‌ المباركة‌: تِلْكَ الدَّارُ الاْخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي‌ الاْرْضِ وَلاَ فَسَادًا وَالْعَـ'قِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ. يعني‌: أيّها السيّد هاشم‌! إن‌ كنتَ تطلب‌ عالم‌ النور والتجرّد والمنزل‌ الباقي‌ والخالد للقاء الله‌ والورود في‌ حرم‌ أمنه‌ وأمانه‌، وإن‌ كنت‌ تفتِّش‌ عن‌ رضا المحبوب‌، وإن‌ جعلتَ همّك‌ الاكبر في‌ عرفان‌ الذات‌ القدسيّة‌، وإن‌ كنت‌ قد عشقته‌ فعلاً، فأنت‌ تسعي‌ لوصال‌ المعشوق‌ ونيل‌ المُني‌؛ فليس‌ أمامك‌ من‌ سبيل‌ إلاّ التسامي‌ والتعالي‌ والتنزّه‌ عن‌ الفساد في‌ الارض‌.

 وإن‌ كنت‌ جادّاً في‌ السعي‌ لنيل‌ ذلك‌ المقام‌ المنيع‌، فعليك‌ الإغماض‌ عن‌ أذي‌ أُمّ زوجتك‌ وتجاهله‌، وإلاّ فلو رددتَ عليها وجازيتها علي‌ فعلها أو طلّقت‌ زوجتك‌ ـ مع‌ أنّ ذلك‌ حقّك‌ الشرعي‌ّ فإنّك‌ لن‌ تصل‌ إلي‌ هذا المقام‌. فهذا هو الشرع‌ الاعلي‌، والجهاد الاكبر، وهذه‌ هي‌ الهجرة‌ الكبري‌؛ وينبغي‌ تطبيق‌ هذه‌ التعاليم‌ بصورة‌ صحيحة‌ للوصول‌ إلي‌ ذلك‌ الهدف‌.

تعاليم‌ الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ متّخذة‌ من‌ آيات‌ القرآن‌ المعجزة‌ الخالدة‌

 ولقد كانت‌ تعاليم‌ الإمام‌ جعفر الصادق‌ عليه‌ السلام‌ في‌ هذه‌ الرواية‌ أيضاً مُتّخذة‌ من‌ آيات‌ القرآن‌ الكريم‌ المعجزة‌ في‌ قوله‌:

 خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَـ'هِلِينَ. [74]

 أو قوله‌: وَعِبَادُ الرَّحْمَـ'نِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَي‌ الاْرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَـ'هِلُونَ قَالُوا سَلَـ'مًا. [75]

 حتّي‌ يصل‌ إلي‌ قوله‌:

 وَالَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا. [76]

 ولدينا في‌ القرآن‌ الكريم‌ أن‌: لَن‌ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّي‌' تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [77]؛ حيث‌ إنّ الوصول‌ إلي‌ لقاء الاحديّة‌ ومشاهدة‌ الجمال‌ والجلال‌ الازلي‌ّ هو من‌ أفضل‌ أقسام‌ البرّ والخير، ولن‌ يكون‌ ميسوراً بالطبع‌، إلاّ إذا صرف‌ سالك‌ طريق‌ الله‌ نظره‌ عمّا يملك‌ وأنفقه‌ في‌ سبيل‌ الوصول‌ لهذا الهدف‌ الاعلي‌ والمقصد الاسني‌.

 كما أنّ مخاصمة‌ وشتم‌ المخاصم‌ المعتدي‌، والردّ عليه‌ بالمثل‌ هي‌ من‌ الغرائز الطبيعيّة‌ للإنسان‌، ومن‌ الطبيعي‌ّ أن‌ يرغب‌ كلّ شخص‌ في‌ إحقاق‌ حقّه‌ والاقتصاص‌ من‌ شاتمه‌، لكنّ هذه‌ الرغبات‌ ناشئة‌ جميعاً من‌ الاهواء والرغبات‌ النفسيّة‌؛ فما لم‌ يتخطّ الإنسان‌ رغبات‌ نفسه‌ وآثارها، فلن‌ يصل‌ إلي‌ ما وراء النفس‌. فالتجرّد عن‌ الهوي‌ والهوس‌ تجرّد عن‌ الميول‌ والرغبات‌ النفسيّة‌، كما أنّ الإصرار والإبقاء علي‌ المشتهيات‌ النفسيّة‌ واللذائذ الطبيعيّة‌ والانغماس‌ في‌ الشهوات‌ الحيوانيّة‌ والاوهام‌ الشيطانيّة‌ وثورات‌ الغضب‌ السبعيّة‌ كلّ ذلك‌ يجعل‌ وصول‌ الإنسان‌ إلي‌ مقام‌ التجرّد محالاً، لا نّه‌ يمثل‌ الجمع‌ بين‌ النقيضَين‌.

 التجرّد هو التنزّه‌ من‌ النفس‌ وآثارها النفسانيّة‌، بينما الإصرار علي‌ مشتهيات‌ النفس‌ يعني‌ الإصرار علي‌ إبقاء النفس‌ وآثارها النفسانيّة‌، وهما أمران‌ يقعان‌ علي‌ طرفي‌ نقيض‌. ومن‌ ثمّ ينبغي‌ رفع‌ اليد عن‌ الرغبات‌ والميول‌ النفسيّة‌ وتجاهلها، ليتجلّي‌ جمال‌ زينة‌ عالم‌ ما وراء النفس‌.

 لقد كان‌ سماحة‌ الحاجّ السيّد هاشم‌ الحدّاد يعدّ الكثير من‌ أعمال‌ الخير من‌ حظوظ‌ النفس‌، لانّ النفس‌ تلتذّ به‌، وكان‌ يقول‌: إنّ المجالس‌ التي‌ يشكّلها بعض‌ السالكين‌ فيقرؤون‌ فيها الشعر، هي‌ غالباً من‌ حظوظ‌ النفس‌، ومع‌ أ نّهم‌ يحصلون‌ فيها علي‌ لذّة‌ معنويّة‌ لكنّها تبقي‌ من‌ حظوظ‌ النفس‌، كذلك‌ الذين‌ يأتون‌ بالكثير من‌ الاذكار والاوراد لاغراض‌ النفس‌ وحظوظها.

 فالقرآن‌ الذي‌ يتلونه‌، إن‌ جذبهم‌ فيه‌ جمال‌ جلده‌ وورقه‌ وخطّه‌، ولو تلوه‌ وهو علي‌ رَحْل‌ مشبّك‌ بحيث‌ أثَّر ذلك‌ الرحل‌ في‌ حال‌ قراءتهم‌ لكان‌ ذلك‌ من‌ حظّ النفس‌. كما أنّ السجّادة‌ البيضاء بلا نقوش‌ أمر مطلوب‌ ومقبول‌، في‌ حين‌ أنّ السجّاد الجميل‌ الملوّن‌ الذي‌ تنتظمه‌ النقوش‌ هو من‌ حظّ النفس‌. كذلك‌ فإنّ تربة‌ سيّد الشهداء عليه‌ السلام‌ أمر مطلوب‌ لو كانت‌ علي‌ هيئة‌ القالب‌ المعيّن‌ المعهود المستعمل‌ للسجود عليه‌ في‌ الصلاة‌ ولو كان‌ سطحها خشناً غير مستوٍ، أمّا لو اشترط‌ فيها صفاء سطحها وصقله‌ لتحوّلت‌ إلي‌ حظوظ‌ النفس‌.

 ومن‌ ثمّ ينبغي‌ الانتباه‌ بدقّة‌ كم‌ أنّ الشيطان‌ قد وسّع‌ دائرة‌ نفوذه‌، بحيث‌ إنّه‌ يرغب‌ في‌ إعمال‌ تأثيره‌ في‌ محلّ سجود المؤمن‌ الشيعي‌ّ، وذلك‌ علي‌ التربة‌ الطاهرة‌ لتلك‌ الارض‌ المقدّسة‌.

 كما أنّ المِسبحات‌ الجميلة‌ التي‌ تؤثّر في‌ ذِكر الإنسان‌ هي‌ جميعاً من‌ حظّ النفس‌، وهكذا الامر بالنسبة‌ للعمامة‌ والعباءة‌ والرداء وغيرها من‌ الاشياء التي‌ تؤثّر في‌ عبادة‌ وصلاة‌ ودعاء وزيارة‌ وتلاوة‌ وذِكر المؤمن‌ وورده‌.

 وكان‌ السيّد الحدّاد يقول‌: إنّ الرغبة‌ في‌ الاحلام‌ والرؤيا المعنويّة‌ والروحيّة‌ هي‌ من‌ حظوظ‌ النفس‌، كما أنّ طلب‌ المكاشفات‌ والاتّصال‌ بعالم‌ الغيب‌ والاطّلاع‌ علي‌ الضمائر والعبور علي‌ الماء والهواء والنار والتصرّف‌ في‌ موادّ الكائنات‌ وشفاء المرضي‌ هي‌ بأجمعها من‌ حظوظ‌ النفس‌.

السيّد هاشم‌ الحدّاد: لماذا يطلب‌ الناس‌ مكاشفة‌؟! العالَم‌ بأرجائه‌ مكاشفة‌

 وكان‌ يقول‌: أعجبُ لتلك‌ الجماعة‌ من‌ السالكين‌ الذين‌ يريدون‌ المكاشفة‌! فليفتحوا أعينهم‌، فهذا العالم‌ كلّه‌ مكاشفات‌.

 إن‌ المكاشفة‌ ليست‌ مشاهدة‌ صورة‌ في‌ زاوية‌ علي‌ هيئة‌ خاصّة‌ وحالة‌ استثنائيّة‌، بل‌ إنّ كلّ كشف‌ عن‌ إرادة‌ الحقّ واختياره‌ وعلمه‌ وقدرته‌ وحياته‌ هو مكاشفة‌. فافتح‌ عينيك‌ وتأمّل‌ أنّ كلّ ذرّة‌ في‌ هذا العالم‌ الخارجي‌ّ مكاشفة‌، وأ نّها تحوي‌ عجائب‌ وغرائب‌ لا سبيل‌ للفكر إلي‌ منتهاها.

 وإذا ما أراد السالك‌ في‌ السير والسلوك‌ ـ أو في‌ غير هذا الطريق‌ عموماً شيئاً غير الله‌، فإنّه‌ لم‌ يرد الله‌ سبحانه‌، وستكون‌ إرادته‌ ورغبته‌ النفسيّة‌ هذه‌ مانعة‌ من‌ وصوله‌ إلي‌ ذات‌ الحقّ القدسيّة‌.

 فإن‌ طلبتَ الجنّة‌، أو الحوريّة‌ والغلمان‌، فلن‌ تكون‌ قد طلبت‌ الله‌ أو أردته‌! وإن‌ طلبت‌ المقامات‌ والدرجات‌ فمن‌ الممكن‌ أن‌ يمنّ بها الله‌ عليك‌، لكنّك‌ لم‌ ترد الله‌؛ لذا فقد تسمّرت‌ في‌ ذلك‌ المقام‌ والدرجة‌ واسـتحال‌ عليك‌ الارتقـاء منها إلي‌ أعلـي‌ منها، وذلـك‌ لا نّك‌ لـم‌ تـرد ولم‌ تطلب‌.

 ولو جاءك‌ جبرئيل‌ مثلاً فقال‌ لك‌: تَمَنَّ ما شئت‌ من‌ الدرجات‌ والمقامات‌ والسيطرة‌ علي‌ الجنّة‌ والجحيم‌ وخلّة‌ سماحة‌ النبي‌ّ إبراهيم‌ عليه‌ السلام‌ ومقام‌ الشفاعة‌ الكبري‌ لمحمّد صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ والحبّ له‌، فقل‌: ما أنا إلاّ عبد! ولا طلب‌ للعبد في‌ شي‌ء؛ فما أراده‌ لي‌ ربي‌ّ فهو المطلوب‌. وإن‌ أنا أردتُ، لتخطّيت‌ بذلك‌ القدر من‌ إرادتي‌ المتعلّقة‌ بي‌، ساحةَ عبوديّتي‌ ولوضعتُ قدمي‌ في‌ ساحة‌ عزّ الربوبيّة‌، لانّ الإرادة‌ والاختيار مختصّان‌ به‌ وحده‌ سبحانه‌.

 وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَـ'نَ اللَهِ وَتَعَـ'لَي‌' عَمَّا يُشْرِكُونَ. [78]

 كما لا تقل‌: أُريد الله‌! فمن‌ تكون‌ أنت‌ ـ تري‌ لتريد الله‌؟! فأنت‌ لا تقدر ولن‌ تقدر أن‌ تريده‌ وتطلبه‌! فهو غير محدود وأنت‌ محدود وطلبك‌ بنفسـك‌ والناشـي‌ عن‌ نفسـك‌ محـدود، فلـن‌ تقـدر به‌ أبداً أن‌ تـريد الله‌ اللامتناهي‌ أو أن‌ تطلبه‌. وذلك‌ لانّ الإله‌ الذي‌ تطلبه‌ محدود في‌ إطار طلبك‌ ومحدود ومقيّد بإرادتك‌، ووارد في‌ حدود مجال‌ نفسك‌ بسبب‌ طلبك‌، وذلك‌ الإله‌ ليس‌ هو الله‌، بل‌ إنّ ذلك‌ الإله‌ المتصوَّر والمتوهَّم‌ بتصوّرك‌ وتوهّمك‌، ليس‌ في‌ الحقيقة‌ إلاّ نفسك‌ التي‌ تصوّرتها إلهاً.

 بناءً علي‌ هذا، عليك‌ أن‌ تكفّ عن‌ طلبك‌، فادفن‌ أُمنيتك‌ هذه‌ معك‌ في‌ القبر: أن‌ تري‌ الله‌ أو أن‌ تصل‌ إلي‌ لقائه‌ أو أن‌ تطلبه‌! فعليك‌ أن‌ تخرج‌ بنفسك‌ من‌ الطلب‌، وأن‌ تترك‌ طلبك‌ ورغبتك‌ التي‌ كانت‌ لك‌ حتّي‌ الآن‌، وأن‌ تَكِلَ نفسك‌ إلي‌ الله‌ وتدعه‌ يُرِد لك‌ ويطلب‌ لك‌!

 وستكون‌ في‌ هذه‌ الحالة‌ غير واصل‌ إلي‌ الله‌، كما لم‌ تصله‌ قبل‌ ولن‌ تصله‌ بعد؛ بَيدَ أ نّك‌ لمّا خرجت‌ وتنصّلت‌ من‌ طلبك‌ وإرادتك‌ فأوليتَه‌ زمامك‌ وسلّمته‌ قيادك‌، فإنّه‌ سيقودك‌ في‌ معارج‌ ومدارج‌ الكمال‌ الذي‌ حقيقته‌ السير إلي‌ الله‌ مع‌ فناء المراحل‌ والمنازل‌ وآثار النفس‌، واندكاك‌ وفناء جميع‌ وجودك‌ في‌ النهاية‌ في‌ وجود ذاته‌ المقدّسة‌. فالله‌ سبحانه‌ هو العارف‌ بنفسه‌، ولست‌ أنت‌ العارف‌ بالله‌! إنّ وصول‌ الممكن‌ إلي‌ الواجب‌ أمر محال‌. فوجود شيئَين‌ هناك‌ محال‌.

 إنّ الممكن‌ و الواجب‌ و الوصول‌ هي‌ بأجمعها ضمّ وضميمة‌ تستلزم‌ تركيب‌ ذاته‌ القدسيّة‌، وتنتهي‌ أخيراً إلي‌ حدوثه‌ الذي‌ ينافي‌ قِدَمه‌ سبحانه‌.

 أمّا الفَناء المطلق‌ للعبد واندكاكه‌ في‌ ذاته‌ تعالي‌، واضمحلاله‌ في‌ جلاله‌ وجماله‌ فلا إشكال‌ فيه‌! ولكن‌ ينبغي‌ العلم‌ أنّ العبد لا يمكنه‌ الورود في‌ تلك‌ الذات‌ البحتة‌ المحضة‌ غير المتناهية‌، لا نّه‌ عنوان‌ العبد، أو عنوان‌ فَناء العبد حيث‌ لا تقبله‌ الذات‌، وليس‌ هناك‌ أي‌ّ شي‌ّ غير الذات‌، لا العبد ولا فَناؤه‌، بل‌ هناك‌ الذات‌؛ والذات‌ هي‌ الذات‌. هناك‌ الله‌، والله‌ هو الله‌.

 كَانَ اللَهُ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ شَي‌ءٌ وَالآن‌ كَمَا كَانَ.[79]

المراد بعرفان‌ الله‌، الفَناء في‌ ذاته‌

 وينبغي‌ أن‌ يعلم‌ الجميع‌ أنّ المراد بلفظ‌ الوصول‌ ولقاء الذات‌ الاحديّة‌ ومعرفتها ليس‌ ذلك‌ النحو من‌ المعاني‌ الذي‌ يسـتلزم‌ الثنائيّة‌ و البينونة‌، بل‌ المراد بالمعرفة‌ والمشاهدة‌ واللقاء وأمثالها جميعاً هو الاندكاك‌ ومقام‌ الفناء المطلق‌. وذلك‌ لانّ المعرفة‌ بالله‌ مختصّة‌ بالله‌ وحده‌، فمعرفته‌ من‌ قبل‌ غيره‌ أمر محال‌. فالافراد الذين‌ لم‌ يصلوا إلي‌ الفَناء المطلق‌ لم‌ يعرفوه‌بعد، لانّ المحدود لا يعرف‌ غير المحدود. أمّا الافراد الذين‌ وصلوا إلي‌ الفَناء المطلق‌ فلم‌ يعد لديهم‌ وجود ليعرفوا الله‌، لانّ الوجود هو وجود واحد لا غير، وهو وجود الحقّ جلّ وعلا، فهو الذي‌ يعرف‌ نفسه‌، عرفها أوّلاً كما يعرفها الآنَ؛ والآنَ كَمَا كَانَ.

  إنّ نهاية‌ سير كلّ موجود هو الفَناء في‌ الموجود الافضل‌ والاعلي‌ منه‌، أي‌ فناء كلّ ظهور في‌ مُظهره‌، وكلّ معلول‌ في‌ علّته‌؛ ونهاية‌ سير الإنسان‌ الكامل‌ الذي‌ وصلت‌ جميع‌ قواه‌ وإمكاناته‌ إلي‌ مرحلة‌ الفعليّة‌ هو الفناء في‌ الذات‌ الاحديّة‌ والفناء في‌ ذات‌ الله‌ سبحانه‌، والفناء في‌ «هو»، والفناء في‌ ما لا اسم‌ له‌ ولا رسم‌ له‌.

  فهذه‌ هي‌ غاية‌ سير كلّ موجود وغاية‌ السير المتصوّرة‌ للإنسان‌ الكامل‌، وغاية‌ سير الانبياء والمرسلين‌ والائمّة‌ الطيّبين‌ صلوات‌ الله‌ وسلامه‌ عليهم‌ أجمعين‌، والمراد والمقصود الصحيح‌ من‌ المعرفة‌ ونتيجة‌ السلوك‌ والسير نحو مقامه‌ المقدّس‌ جلّ شأنه‌ والسير العملي‌ّ العرفاني‌ّ والبحوث‌ العلميّة‌ للعرفاء بالله‌ علت‌ أسماؤهم‌؛ لا شي‌ء آخر سواه‌.

 فَتَأمَّلْ يَا أَخِي‌ فِي‌ هَذَا المَقَامِ فَإنَّهُ مِنْ مَزَالِّ الاَقْدَامِ. وَهَبَكَ اللَهُ هَذَا بِمُحَمَّدٍ وَآلِهِ أجْمَعِينَ [80].

 تشرّف‌ الحاجّ السيّد هاشم‌ الحدّاد بزيارة‌ المرقد المطهّر للإمام‌ الثامن‌ الضامن‌ علي‌ّ بن‌ موسي‌ الرضا عليه‌ السلام‌ وإقامته‌ عشرة‌ أيّام‌ في‌ ذلك‌ البلد المبارك‌

 استعدّ سماحة‌ الحاجّ السيّد هاشم‌ للسفر إلي‌ خراسان‌، وكان‌ يرغب‌ بالسفر في‌ الحافلات‌ العاديّة‌، لكنّ زوجته‌ ـ أُمّ مهدي‌ التي‌ لم‌ يسـبق‌ لها السفر بالطائرة‌، أصرّت‌ علي‌ أن‌ يكون‌ سفرهم‌ من‌ طهران‌ إلي‌ مشهد للتشرّف‌ بالزيارة‌ بواسطة‌ الطائرة‌، فوافقها السيّد علي‌ ذلك‌. لذا فقد سافرا بالطائرة‌ وتبعهم‌ بالسيّارات‌ بقيّة‌ الرفقاء للتشرّف‌ بالزيارة‌، وكان‌ عددهم‌ يقرب‌ من‌ خمسة‌ عشر شخصاً من‌ طهران‌ وغيرها.

 ولا يخفي‌ أنّ الحقير كان‌ في‌ نيّته‌ اصطحاب‌ ولديه‌ الكبيرين‌ ـ السيّد محمّد صادق‌، وله‌ من‌ العمر ثلاث‌ عشرة‌ سنة‌، والسيّد محمّد محسن‌ وله‌ من‌ العمر إحدي‌ عشرة‌ سنة‌ ونصف‌ ولم‌ يكن‌ في‌ نيّتي‌ اصطحاب‌ أخيهما الاصغر منهما ـ واسمه‌ السيّد أبو الحسن‌ وله‌ ثمان‌ سنين‌ فقد كان‌ الاوّلان‌ يستطيعان‌ إدارة‌ أُمورهما بنفسهما تقريباً، أمّا بالنسبة‌ لهذا الطفل‌ الصغير فقد كان‌ الامر صعباً، لذا فلم‌ أقطع‌ له‌ ـ كأخويه‌ تذكرة‌ للسفر حين‌ أعددت‌ تذاكر السفر بالسيّارة‌ مع‌ الرفقاء. وحين‌ عرف‌ سماحة‌ السيّد الحدّاد بذلك‌ قال‌: أيّها السيّد محمّد الحسين‌! لِمَ لَم‌ تقطع‌ تذكرة‌ سفر للسيّد أبي‌ الحسن‌؟!

 قلت‌: إنّه‌ طفل‌ صغير، وسيبقي‌ مع‌ أُمّه‌. فردّ قائلاً: كلاّ، إنّ السيّد أبا الحسن‌ كبير، فاقطع‌ له‌ تذكرة‌ هو الآخر!

 قلت‌: سأفعل‌ ذلك‌. وهكذا فقد قطعت‌ له‌ تذكرة‌ معنا. وقد وصلنا مشهد بالسيّارة‌ مع‌ الرفقاء، وصادف‌ وصولنا بعد وصول‌ السيّد الحدّاد. وكان‌ الصديق‌ العزيز الحاجّ عبد الجليل‌ محيي‌ (أبو أحمد) قد جاء كذلك‌ إلي‌ مشهد مع‌ عائلته‌ وأعدّ مكاناً مستقلاّ للسيّد وله‌. ومع‌ أنّ ذلك‌ المكان‌ كان‌ واسعاً نسبيّاً إلاّ أ نّه‌ لم‌ يكن‌ ليتّسع‌ لحلول‌ جميع‌ الرفقاء، لذا فقد ضمّ إليه‌ مكاناً آخر، فكان‌ السيّد يتردّد علي‌ هذين‌ المكانَين‌ في‌ الايّام‌ العشرة‌ من‌ إقامته‌.

 وكان‌ من‌ دأب‌ السيّد حين‌ يتشرّف‌ بزيارة‌ الحرم‌ المطهّر، أن‌ يغتسل‌ أوّلاً، ثمّ يُقبّل‌ باب‌ الصحن‌ كلّما ورده‌، ثمّ يُقبّل‌ باب‌ محلّ خلع‌ الاحذية‌ وإيداعها، ثمّ باب‌ الرواق‌ وباب‌ الحرم‌. وكان‌ عند وروده‌ يقبّل‌ العتبة‌ المباركة‌ بعد الاستئذان‌، ثمّ يطوف‌ بالقبر الشريف‌ سبعة‌ أشواط‌ قبل‌ أن‌ يزور، ويبدأ طوافه‌ من‌ جانب‌ اليسار، ثمّ يزور الإمام‌ ويصلّي‌ عند رأس‌ الإمام‌ عليه‌ السلام‌ أو حيثما أمكن‌ ذلك‌. وكان‌ الحقير مع‌ جميع‌ الرفقاء الذين‌ تشرّفوا للزيارة‌ معه‌ وفي‌ معيّته‌ نزور علي‌ هذا النحو، فنقبّل‌ إطار الابواب‌، ونطوف‌ سبعة‌ أشواط‌، ثمّ نزور ونصلّي‌.

 وباعتبار أنّ فعل‌ أولياء الله‌ حجّة‌، فقد دأب‌ الحقير حتّي‌ الآن‌ علي‌ هذا النحو في‌ الزيارة‌، من‌ تقبيل‌ الابواب‌ والطواف‌، أي‌ إلي‌ الزمن‌ الذي‌ لم‌ يكونوا قد وضعوا عند الضريح‌ المطهّر حائلاً يفصل‌ بين‌ الرجال‌ والنساء. فكان‌ الحقير يفعل‌ ذلك‌ لمدّة‌ أربع‌ عشرة‌ سنة‌ تقريباً كلّما وُفِّق‌ للزيارة‌ في‌ أشهر الصيف‌ وبعض‌ الاوقات‌ الاُخري‌، كشهر رجب‌ أو في‌ الثالث‌ والعشرين‌ من‌ ذي‌ القعدة‌ الحرام‌. وكنت‌ أقوم‌ بالطواف‌ بهذه‌ الاشواط‌ السبعة‌ بناءً علي‌ متابعة‌ سماحة‌ السيّد الحدّاد.

 وأجد لزاماً هنا أن‌ أقوم‌ ببيان‌ هذا المطلب‌ لسائر الإخوة‌ في‌ الدين‌ والاخلاّء الروحانيّين‌ سواء بالنسبة‌ إلي‌ الطواف‌ أم‌ في‌ تقبيل‌ العتبة‌ المباركة‌، وبإيراد بحث‌ فقهي‌ّ بهذا الشأن‌ للبرهنة‌ علي‌ جواز الطواف‌ وجواز تقبيل‌ العتبة‌ في‌ كلّ من‌ المراقد الشريفة‌ للائمّة‌ الطاهرين‌ سلام‌ الله‌ عليهم‌ أجمعين‌.

 بحث‌ فقهي‌ّ في‌ جواز الطواف‌حول‌ أضرحة‌ الائمّة‌ الاطهار عليهم‌ السلام‌

 أقول‌: عقد الشـيخ‌ الحرّ العامـلي‌ّ عامله‌ الله‌ بلطـفه‌ في‌ كتاب‌ مزار « وسائل‌ الشيعة‌ » (ج‌ 2، ص‌ 411، طبعة‌ أمير بهادر) باباً في‌ عدم‌ جواز الطواف‌ بالقبور، ذكر فيه‌ روايتَين‌ لعدم‌ الجواز.

 الاُولي‌: محمّد بن‌ علي‌ّ بن‌ الحسين‌ في‌ « العِلَل‌ » عن‌ أبيه‌، عن‌ سعد بن‌ عبد الله‌، عن‌ أحمد بن‌ محمّد بن‌ عيسي‌، عن‌ محمّد بن‌ أبي‌ عمير، عن‌ حمّاد، عن‌ الحلبي‌ّ، عن‌ أبي‌ عبد الله‌ عليه‌ السلام‌، قال‌: لاَ تَشْرَبْ وَأَنْتَ قَائِمٌ، وَلاَ تَطُفْ بِقَبْرٍ، وَلاَ تَبُلْ فِي‌ مَاءٍ نَقِيعٍ. فَإنَّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَأَصَابَهُ شَي‌ْءٌ فَلاَ يَلُومَنَّ إلاَّ نَفْسَهُ الحديث‌. وتتمّة‌ الحديث‌ هي‌: وَمَنْ فَعَلَ شَيْئاً مِنْ ذَلِكَ، لَمْ يَكُنْ يُفَارِقُهُ إلاَّ مَا شَاءَ اللَهُ.

 الثانية‌: محمّد بن‌ يعقوب‌، عن‌ عدّة‌ من‌ أصحابنا، عن‌ سهل‌ بن‌ زياد، عن‌ أحمد بن‌ محمّد بن‌ أبي‌ نصر، عن‌ صفوان‌، عن‌ العلاء، عن‌ محمّد بن‌ مسلم‌، عن‌ أحدهما عليهما السلام‌ أ نّه‌ قال‌: لاَ تَشْرَبْ وَأَنْتَ قَائِمٌ، وَلاَ تَبُلْ فِي‌ مَاءٍ نَقِيعٍ، وَلاَ تَطُفْ بِقَبْرٍ الحديث‌.

أخبار «لاَتَطُفْ بِقَبْرٍ» قويّة‌ سنداً، لكنّها خارجة‌ عن‌ المقام‌ دلالةً

 وأقول‌: هاتان‌ الروايتان‌ بالرغم‌ من‌ قوّتهما من‌ جهة‌ السند، لانّ كليهما رواية‌ صحيحة‌؛ لكنّهما ـ من‌ جهة‌ الدلالة‌ غير راجعتَين‌ إلي‌ الطواف‌ بمعني‌ الدوران‌ حول‌ شي‌ء، بل‌ إنّهما غريبتان‌ عن‌ المقام‌ تماماً. فالمراد بالطوف‌ بالقبر في‌ هذين‌ الحديثَين‌ هو التغوّط‌، لا الطواف‌ والدوران‌ حول‌ القبر. يشهد علي‌ هذا الكلام‌ عبارة‌ الطُّرَيْحي‌ّ في‌ « مجمع‌ البحرين‌ » حيث‌ يقول‌ في‌ مادّة‌ طَوَفَ: والطَّوْفُ: الغائطُ، ومنه‌ الخبر: لاَ يُصَلِّ أَحَدُكُمْ وَهُوَ يُدَافِعُ الطَّوْفَ. ومنه‌ الحديث‌: لاَ تَبُلْ فِي‌ مُسْتَنْقَعٍ وَلاَ تَطُفْ بِقَبْرٍ!

 ومضافاً إلي‌ ذلك‌، فإنّ فقرات‌ الحديث‌ التي‌ تتحدّث‌ عن‌ الشرب‌ حال‌ القيام‌ والتبوّل‌ في‌ الماء الراكد النقيع‌ تناسب‌ التغوّط‌ علي‌ القبور ولا تناسب‌ الطواف‌ والدوران‌ حولها، وخاصّة‌ مع‌ ورود التعليل‌ في‌ الرواية‌ الاُولي‌ في‌ أنّ من‌ ارتكب‌ هذه‌ الاُمور: فَإِنْ أَصَابَهُ شَي‌ءٌ فَلاَ يَلُومَنَّ إلاَّ نَفْسَهُ؛ والذي‌ يناسب‌ التغوّط‌ الذي‌ يفعله‌ الإنسان‌، فلربّما لدغته‌ عقرب‌ أو حيّة‌، خاصّة‌ في‌ الازمنة‌ التي‌ كان‌ التغوّط‌ فيها علي‌ القبور في‌ المقابر أمراً شائعاً، فقد كانت‌ الحيّات‌ والعقارب‌ وسائر الحشرات‌ والهوامّ الارضيّة‌ تكثر في‌ المقابر. كما أنّ التغوّط‌ علي‌ قبور المؤمنين‌ يسبّب‌ هتك‌ حُرْمَة‌ ويمنع‌ من‌ نزول‌ الملائكة‌.

 ومضافاً إلي‌ قولنا، فإنّ الشاهد والدليل‌ علي‌ جواز الطواف‌ رواية‌ أُخري‌ يذكرها في‌ « الوسائل‌ »:

 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَي‌ ] وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ ـ خ‌ ل‌ [ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الحَسَنِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الحُسَيْنِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الطَّيِّبِ، عَنْ عَبْد الوَهَّابِ ابْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي‌ العَلاَءِ، عَنْ يَحْيَي‌ بْنِ أَكْثَمَ فِي‌ حَدِيثٍ.

 قَالَ: بَيْنَا أَنَـا ذَاتَ يَـوْمٍ دَخَلْتُ أَطُـوفُ بِقَبْرِ رَسُـولِ اللَهِ، فَرَأَيْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِي‌ٍّ الرِّضَا يَطُوفُ بِهِ، فَنَاظَرْتُهُ فِي‌ مَسَائِلٍ عِنْدِي‌ الحديث‌.

 ويذكر صاحب‌ « الوسائل‌ » هنا محامل‌ لهذه‌ الرواية‌ ليمكنه‌ الجمع‌ بين‌ مفادها في‌ جواز الطواف‌ وبين‌ تينك‌ الروايتَين‌، فيقول‌:

 أَقُولُ: هَذَا غَيْرُ صَرِيحٍ فِي‌ أَكْثَرَ مِنْ دَوْرَةٍ وَاحِدَةٍ لاَجْلِ إتْمَامِ الزِّيَارَةِ وَالدُّعَاءِ مِنْ جَمِيـعِ الجِهَـاتِ، كَمَا وَرَدَ فِي‌ بَعْضِ الزِّيَـارَاتِ لاَ بِقَصْـدِ الطَّوَافِ. عَلَي‌ أَ نَّهُ مَخْصُوصٌ بِقَبْرِ رَسُولِ اللَهِ، وَلاَ يَدُلُّ عَلَي‌ غَيْرِهِ مِنَ الاَئَمَّةِ وَلاَ غَيْـرِهِمْ؛ وَالِقَيِاسُ بَاطِـلٌ. وَرَاوِيهِ عَامِّـي‌ٌّ ضَعِيفٌ وَقَـدْ تَفَـرَّدَ بِروَايَتِهِ. وَيُحْتَمَلُ كَوْنُ الطَّوَافِ فِيهِ بِمَعْنَي‌ الإلْمَام‌ وَالنُّزُولِ كَمَا ذَكَرَهُ عُلَمَاءُ اللٌّغَة‌، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ مَعْنَي‌ الزِّيَارَةِ. وَيُحْتَمَلُ الحَمْلُ عَلَي‌ التَّقِيَّةِ بِقَرِينَةِ رَاوِيهِ، لاَنَّ العَامَّـةَ يُجَـوِّزُونَهُ، وَالصُّـوفِيَّةُ مِـنَ العَامَّـةِ يَطُـوفُـونَ بِقُبُـورِ مَشَايِخِهِمْ؛ وَاللَهُ أَعْلَمُ انتهي‌.

 لكن‌ الامر هو ما ذكرناه‌ هنا، والذي‌ أخذنا فيه‌ معني‌ الطواف‌ بمعني‌ التغوّط‌. لذا فإنّ هاتَين‌ الروايتَين‌ تخرجان‌ عن‌ عهدة‌ الاستدلال‌ بهما، كما أنّ هذه‌ المحامل‌ والتأويلات‌ التي‌ ذكرها الشيخ‌ الحرّ في‌ هذه‌ الرواية‌ الاخيرة‌ ليست‌ صحيحة‌ علي‌ الإطلاق‌، فالمتعيّن‌ في‌ معني‌ الطواف‌ في‌ هذه‌ الرواية‌ الاخيرة‌ هو الطواف‌. ونورد هنا لدعم‌ كلامنا شواهد من‌ كتب‌ لغويّة‌ أُخري‌:

 1 ـ يقول‌ في‌ شـرح‌ « قاموس‌ اللغة‌ » (بالفارسـيّة‌) في‌ مادّة‌ طَـوَفَ: والطَّوْف‌ بمعني‌ الغائط‌. طَافَ أي‌ جلس‌ للتغوّط‌، مثل‌ اطّافَ من‌ باب‌ الافتعال‌.

 2 ـ يقول‌ في‌ « صحاح‌ اللغة‌ »: وَالطَّوْفُ: الغَائِطُ، تَقَولُ مِنْهُ: طَافَ يَطُوفُ طَوْفاً واطَّافَ اطِّيَافاً: إذَا ذَهَبَ إلی البَرَازِ لِيتَغَوَّطَ.

 3 ـ ويقول‌ في‌ « تاج‌ العروس‌ »: وَالطَّوْفُ: الغَائِطُ وَهُوَ مَا كَانَ مِنْ ذَلِـكَ بَعْدَ الرِّضَـاعِ، وَأَمَّا مَا كَانَ قَبْلَهُ فَهُـوَ عِقْي‌ٌ؛ قَالَهُ الاَحْمَـرُ. وَفِي‌ الحَدِيثِ: لاَ يَتَنَـاجَي‌ اثْنَـانِ عَلَي‌ طَـوْفِهِمَـا! وَفِي‌ حَـدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: لاَ يُصَلِّيَنَّ أَحَدُكُمْ وَهُوَ يُدَافِعُ الطَّوْفَ وَالبَوْلَ. وَفِي‌ كَلاَمِ الرَّاغِبِ مَا يَدُلُّ عَلَي‌ أَ نَّهُ مِنَ الكِنَايَةِ. وَطَافَ يَطُوفُ طَوْفاً: إذَا ذَهَبَ إلی البَرَازِ لِيَتَغَوَّطَ. وَزَادَ ابْنُ الاَعْرَاِبي‌ِّ: كَاطَّافَ اطِّيَافاً إذَا أَلْقَي‌ مَا فِي‌ جَوْفِهِ، وَأَنْشَدَ:

 عَشَّيْتُ جَابَان‌ حَتَّي‌ اسْتَدَّ مَغْرِضُهُ وَكَادَ يَنْقَدُّ إلاَّ أ نَّه‌ اطَّافَا

 4 ـ وذكر في‌ « لسان‌ العرب‌ » ما يشبه‌ ما نقلنا عن‌ « تاج‌ العروس‌ ».

 وَالعِقْي‌ُ كَمَا ذَكَرَهُ اللُّغَوِيُّونَ: شَي‌ءٌ لَزِجٌ أَسْوَدُ يَخْرُجُ مِنْ بَطْنِ المَوْلُودِ قَبْلَ أَنْ يَأكُلَ وَيَشْرَبَ.

بحث‌ للعلاّمة‌ المجلسي‌ّ في‌ جواز الطواف‌ حول‌ أضرحة‌ الائمّة‌ الاطهار

 وقد أورد جدّنا العلاّمة‌ المجلسي‌ّ رضوان‌ الله‌ تعالي‌ عليه‌ في‌ هذا الشأن‌ بحثاً بليغاً أدّي‌ فيه‌ حقّ البحث‌، لذا نذكر نصّ بحثه‌ هنا، فبعد أن‌ نقل‌ الرواية‌ الاُولي‌ عن‌ « علل‌ الشرايع‌ » قال‌ في‌ بيانه‌ لها:

 يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النَّهْي‌ُ عَنِ الطَّوَافِ بالعَدَدِ المَخْصُوصِ الَّذِي‌ يُطَـافُ بِالبَيْت‌، وَسَـيَأْتِي‌ فِي‌ بَعْـضِ الزَّيَارَاتِ ] الجَـامِعَةِ: بِأَبِـي‌ وَأُمِّـي‌ يَا آلَ المُصْطَفَي‌ إلاَّ أَ نَّا لاَ نَمْلِكُ [[81] إلاَّ أَنْ نَطُوفُ حَوْلَ مَشَاهِدِكُمْ. وَفِي‌ الرِّوَايَاتِ: قَبِّلْ جَوَانِبَ القَبْرِ.

 ثمّ يروي‌ الرواية‌ الواردة‌ بشأن‌ الطواف‌ في‌ كتاب‌ « الكافي‌ » عن‌ جواد الائمّة‌ الإمام‌ محمّد التقي‌ّ عليه‌ السلام‌ بنفس‌ الإسناد عن‌ يحيي‌ بن‌ أكثم‌، فيقول‌ في‌ ذيلها:

 وَالاَحْوَطُ أَنْ لاَ يَطُوفَ إلاَّ للإتْيَانِ بِالاَدْعِيَة‌ وَالاَعْمَالِ المَأثُورَةِ، وَإنْ أَمْكَنَ تَخْصِيصُ النَّهْي‌ِ بِقَبْرِ غَيْرِ المَعْصُومِ، إنْ كَانَ مُعَارِضٌ صَرِيحٌ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ المُرَادُ بِالطَّوَافِ المَنْفِي‌ِّ هُنَا التَّغَوُّطَ.

 ثمّ يقول‌ بعده‌: قَالَ فِي‌ «النِّهَايَة‌»: الطَّوْفُ: الحَدَثُ مِنَ الطَّعَامِ، وَمِنْهُ الحَدِيثُ: نُهِي‌َ عَنْ مُتَحَدِّثَيْنِ عَلَي‌ طَوْفِهِمَا، أَي‌ْ عِنْدَ الغَائِطِ. وَيُؤَيِّدُ هَذَا الوَجْهَ أَ نَّهُ رَوَي‌ الكُلَيْنِي‌ُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي‌ جَعْفَرٍ عَلَیهِ السَّلاَمُ قَالَ:

 مَنْ تَخَلَّي‌ عِنْدَ قَبْرٍ، أَوْ بَالَ قَائِماً، أَوْ بَالَ فِي‌ مَاءٍ قَائِمٍ، أَوْ مَشَي‌ فِي‌ حِذَاءٍ وَاحِدٍ، أَوْ شَـرِبَ قَائِماً، أَوْ خَلَي‌ فِي‌ بَيْتٍ وَحْـدَهُ، أَوْ بَاتَ عَلَي‌ غَمَرٍ [82]، فَأَصَابَهُ شَي‌ءٌ مِنَ الشَّيْطَانِ لَمْ يَدَعْهُ إلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَهُ. وَأَسْرَعُ مَا يَكُونُ الشَّيْطَانُ إلی الإنْسَانِ وَهُوَ عَلَي‌ بَعْضِ هَذِهِ الحَالاَتِ.

 مَعَ أَ نَّهُ رُوِي‌َ أَيْضاً بِسَنَدٍ آخَرَ فِيهِ ضَعْفٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ رَاوِي‌ هَذَا الحَدِيثِ، عَنْ أَحَدِهِمَا عَلَیهِمَا السَّلاَمُ أَ نَّهُ قَالَ:

 لاَ تَشْرَبْ وَأَنْتَ قَائِمٌ، وَلاَ تَبُلْ فِي‌ مَاءٍ نَقِيعٍ، وَلاَ تَطُفْ بِقَبْرٍ، وَلاَ تَخْلُ[83] فِي‌ بَيْتٍ وَحْدَكَ، وَلاَ تَمْشِ بِنَعْلٍ وَاحِدَةٍ! فَإنَّ الشَّيْطَانَ أَسْرَعُ مَا يَكُونُ إلی العَبْدِ إذَا كَانَ عَلَي‌ بَعْضِ هَذِهِ الحَالاَتِ. وَقَالَ: إنَّهُ مَا أَصَابَ أَحَداً شَي‌ءٌ عَلَي‌ هَذِهِ الحَالِ فَكَادَ أَنْ يُفَارِقَهُ إلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَهُ عَزَّ وَجَلَّ.

 ثمّ قال‌: فَإنَّ كَوْنَ كُلّ مَا فِي‌ هَذَا الخَبَرِ مَوْجُوداً فِي‌ الخَبَرِ السَّابِقِ سِوَي‌ قَوْلِهِ «لاَ تَطُفْ بِقَبْرٍ»، مَعَ أَنَّ فِيهِ مَكَانَهُ «مَنْ تَخَلَّي‌ عَلَي‌ قَبْرٍ»، لاَسِيَّمَا مَعَ اتِّحَادِ الرَّاوِي‌ وَاشْتِرَاكِ المَفْسَدَةِ المُتَرَتِّبَةِ فِيهِمَا، مَا يُورِثُ ظَنَّاً قَوِيَّاً بِكَوْنِ الطَّوْفِ هُنَا بِمَعْنَي‌ التَّخَلِّي‌. وَكَذَا اشْتِرَاكُ المَفْسَدَةِ وَسَائِرِ الخِصَالِ بَيْنَ خَبَـرِ الحَلَبِي‌ِّ وَالخَبَـرِ الاَوَّلِ، يَـدُلُّ عَلَي‌ أَنَّ الطَّـوْفَ فِيهِ أَيْضاً بِهَـذَا المَعْنَي‌.

 وَلاَ أَظُنُّكَ تَرْتَابُ بَعْدَ التَّأَمُّلِ الصَّادِقِ فِي‌ الاَخْبَارِ الثَّلاَثَةِ فِي‌ أَنَّ الاَظْهَرَ مَا ذَكَرْنَا.

 وحين‌ يتأمّل‌ أهل‌ التحقيق‌ في‌ هذا الاستدلال‌ فإنّهم‌ سيرون‌ أنّ المجلسي‌ّ رحمة‌ الله‌ عليه‌ قد أدّي‌ في‌ هذا البحث‌ البليغ‌ الذي‌ أوردناه‌ هنا، حقّ المطلب‌ كما ينبغي‌. جَزَاهُ اللَهُ خَيْراً.

 وقد أوردنا كلامه‌ من‌ «البحار» ج‌ 22، من‌ طبعة‌ الكمباني‌ّ، الباب‌ 3، من‌ مجلّد المزار، ص‌ 9؛ و ج‌ 100، من‌ الطبعة‌ الحيدريّة‌ الباب‌ الثالث‌ من‌ مجلّد المزار، الحديث‌ 3 إلي‌ 6، ص‌ 126 إلي‌ 128؛ كما أشار المحدِّث‌ القمّيّ إلي‌ هذه‌ المطالب‌ في‌ « سفينة‌ البحار » الطبعة‌ الحجريّة‌، المجلّد الثاني‌، في‌ مادّة‌ طوَف‌، ص‌ 99.

بحث‌ المحدِّث‌ النوري‌ّ في‌ «مستدرك‌ الوسائل‌» باب‌ «جواز الطواف‌ بالقبور»

 وكذلك‌ فقد قام‌ المرحوم‌ المحدِّث‌ النوري‌ّ الحاجّ الميرزا حسين‌ أعلي‌ الله‌ مقامه‌ بإيفاء المطلب‌ حقّه‌ في‌ « مستدرك‌ الوسائل‌ » كتاب‌ المزار، المجلّد الثاني‌ ص‌ 226 و227، فقد عقد أوّلاً باباً دعاه‌: جواز الطواف‌ حول‌ القبور، خلافاً لصاحب‌ « الوسائل‌ » الذي‌ كان‌ قد عقد باباً في‌ عدم‌ جواز الطواف‌ بالقبور. وقد اعتبر رأساً الطوف‌ بمعني‌ الغائط‌ والحدث‌ كما ذكرنا. ونورد هنا عين‌ عباراته‌ لئلاّ نحرم‌ من‌ فوائدها:

 72: بَابُ جَوَازِ الطَّوَافِ بِالقُبُورِ:

 1 ـ عَلِيُّ بْنُ إبْرَاهِيمَ فِي‌ تَفْسِيرِهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي‌ عُمَيْرٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَي‌، وَحَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي‌ عَبْدِ اللَهِ عَلَیهِ السَّلاَمُ فِي‌ حَدِيثٍ طَوِيلٍ فِي‌ قِصَّةِ فَدَكٍ قَالَ فِي‌ آخِرِهِ: وَدَخَلَتْ فَاطِمَةُ عَلَیهَا السَّلاَمُ المَسْجِدَ وَطَافَتْ بِقَبْرِ أَبِيهَا وَهِي‌َ تَبْكِي‌ وَتَقُولُ: إنَّا فَقَدْنَاكَ فَقْدَ الاَرْضِ وَابِلَهَا الخبر.

 وَرَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ عَلي‌ِّ بْنَ أَبِي‌ طَالِبٍ الطَّبَرْسِيِّ فِي‌ «الاحْتِجَاجِ» عَنْ حَمَّادِ بْنَ عُثْمَانَ، عَنْهُ عَلَیهِ السَّلاَمُ مِثْلُهُ.

 2 ـ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ بْنُ المَشْهَديِّ فِي‌ «المَزَارِ» وَالسَّيِّدُ عَلِي‌ُّ بْنُ طَاوُوسٍ فِي‌«المِصْبَاحِ» قَالاَ: زِيَارَةٌ مَرْوِيَةٌ عَنِ الاَئمَّةِ عَلِيهِمُ السَّلاَمُ: إذَا أَرَدْتَ ذَلِكَ... إلی أَنْ قَالَ عَلَیهِ السَّلاَمُ: ثُمَّ قَبِّلْهُ وَقُلْ: بِأَبِي‌ وَأُمِّي‌ يَا آلَ المُصْطَفَي‌ إنَّا لاَ نَمْلِكُ إلاَّ أَنْ نَطُوفَ حَوْلَ مَشَاهِدِكُمْ وَنُعَزِّي‌ فِيهَا أَرْوَاحَكُمْ الزيارة‌.

 قُلْتُ: جَعَلَ الشَّيْخُ [84] عُنْوَانَ البَابِ عَدَمَ جَوَازِ الطَّوَافِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ إلاَّ الصَّادِقي‌َّ وَغَيْرَهُ: لاَ تَشْرَبْ وَأَنْتَ قَائِمٌ، وَلاَ تَطُفْ بِقَبْرٍ، وَلاَ تَبُلْ فِي‌ مَاءٍ نَقِيعٍ إلي‌ آخر الحديث‌.

 وَالمُرَادُ بِالطَّوْفِ الحَدَثُ فِي‌ هَذِهِ الاَخْبَارِ، بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: وَلاَ تَبُلْ. وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الكُلَيْنِيَّ رَوَي‌ فِي‌ الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي‌ جَعْفَرٍ عَلَیهِ السَّلاَمُ قَالَ: مَنْ تَخَلَّي‌ عَلَي‌ قَبْرٍ، أَوْ بَالَ قَائِماً فِي‌ مَاءٍ قَائِمٍ، أَوْ مَشَي‌ فِي‌ حِذَاءٍ وَاحِدٍ، أَوْ شَرِبَ قَائِماً، أَوْ خَلاَ فِي‌ بَيْتٍ وَحْدَهُ، أَوْ بَاتَ عَلَي‌ غَمَرٍ، فَأَصَابَهُ شَي‌ءٌ مِنَ الشَّيْطَانِ لَمْ يَدَعْهُ إلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَهُ. وَأَسْرَعُ مَا يَكُونُ الشَّيْطَانُ إلی الإنْسَانِ وَهُوَ عَلَي‌ بَعْضِ هَذِهِ الحَالاَتِ.

 وَرَوَي‌ أَيْضاً بِسَنَدٍ آخَرَ عَنْ مَحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَحَدِهِمَا عَلَیهِمَا السَّلاَمُ أَ نَّهُ قَالَ: لاَ تَشْرَبْ وَأَنْتَ قَائِمٌ، وَلاَ تَبُلْ فِي‌ مَاءٍ نَقِيعٍ، وَلاَ تَطُفْ بِقَبْرٍ، وَلاَ تَخْلُ فِي‌ بَيْتٍ وَحْدَكَ، وَذَكَرَ بَاقِي‌ الخَبَرَ باخْتِلاَفٍ فِي‌ الاَلفَاظِ.

 وَالمُتَأَمِّلُ يَعْلَمُ اتِّحَادَ الخَبَرَيْنِ وَأَنَّ أَحَدَهُمَا نَقْلٌ لاِ´خَرَ.

 وَقَالَ الجَزَرِي‌ُّ: الطَّوْفُ: الحَدَثُ مِنَ الطَّعَامِ، وَمِنْهُ الحَدِيثُ: نُهِي‌َ عَنِ المُتَحَدِّثَيْنِ عَلَي‌ طَوْفِهِمَا: أَي‌ْ عِْندَ الغَائِطِ.

 فَظَهَرَ أَ نَّهُ لاَ مُعَارِض‌ لِمَا دَلَّ عَلَي‌ جَوَازِ الطَّوَافِ بِالقُبُورِ بِمَعْنَاهُ الشَّائِع‌. وَلِذَا ذَكَرْنَا العُنْوَانِ: جَوَازَ الطَّوَافِ. وَلَوْ سُلِّمَ فَالنِّسْبَةُ بَيْنَهُمَا بِالعُمُومِ وَالخُصُوصِ.

 فَلاَ بَأسَ بَالطَّوَافِ حَوْلَ قُبُورِهِمْ عَلَیهمُ السَّلاَمُ» انتهي‌.

 أذكر جيّداً أ نّني‌ كنت‌ قد تشرّفت‌ بالذهاب‌ إلي‌ أرض‌ قم‌ المقدّسة‌ لتحصيل‌ العلوم‌ الدينيّة‌ في‌ شهر شوّال‌ لسنة‌ ألف‌ وثلاثمائة‌ وأربع‌ وستّين‌ هجريّة‌ قمريّة‌، فحللتُ أوّلاً في‌ منزل‌ آية‌ الله‌ السيّد حسن‌ سيّدي‌ القمّي‌ّ وهـو ابن‌ عمّة‌ أبي‌؛ فجـاء يوماً آية‌ الله‌ العظمـي‌ السـيّد محمّد حجّـت‌ كوه‌ كمري‌ لرؤية‌ أبناء عمّته‌ (آية‌ الله‌ السيّد حسن‌ وإخوته‌ الحاجّ السيّد علي‌ محمّد والسيّد محمّد وآية‌ الله‌ الحاجّ السيّد عبد الحسين‌) وكان‌ الحقير قد جلس‌ في‌ زاوية‌ الغرفة‌ معهم‌. فدار الحديث‌ عن‌ مواضيع‌ متعدّدة‌ كان‌ من‌ بينها قول‌ لا تَطُفْ بِقَبْرٍ، فقال‌ المرحوم‌ حجّت‌ رضوان‌ الله‌ عليه‌: ليس‌ المراد به‌ الطواف‌ بل‌ التغوُّط‌، وأورد شاهداً من‌ كتاب‌ « مجمع‌ البحرين‌ » اللغوي‌ّ. رحمة‌ الله‌ عليه‌ رحمةً واسعة‌.

 بحث‌ فقهي‌ّ في‌ جواز تقبيل‌ إطار أبواب‌ الدخول‌لقبور الائمّة‌ عليهم‌ السلام‌

 كان‌ ما ذكرناه‌، حول‌ جواز الطواف‌ حول‌ قبورهم‌ المطهّرة‌، ونورد الآن‌ بحثنا لجواز التقبيل‌، أي‌ تقبيل‌ إطـار أبواب‌ أضـرحة‌ الائـمّة‌ عليهم‌ السلام‌، أي‌ أبواب‌ الصحن‌ الشريف‌ ومحلّ إيداع‌ الاحذية‌ وأبواب‌ الرواق‌ والحرم‌ المطهّر.

 إنّ تقبيل‌ أبواب‌ قبور الائمّة‌ عليهم‌ السلام‌ أمر لا شبهة‌ ولا إشكال‌ فيه‌، كما أ نّه‌ قد ورد في‌ بعض‌ الروايات‌ الواردة‌ في‌ كتاب‌ المزار. وإذا ما قصرنا اللفظ‌ وجمّدناه‌ علي‌ معني‌ العَتَبَة‌، فإنّ تقبيل‌ الارض‌ التي‌ أمام‌ الباب‌ وتقبيل‌ الجزء الاسفل‌ من‌ الباب‌ سيكون‌ كذلك‌ جائزاً. فقد ورد في‌ هذه‌ الروايات‌ أن‌: قَبِّل‌ العَتَبَة‌ ثمّ ادخُل‌!.

 وقال‌ في‌ « شرح‌ قاموس‌ اللغة‌ » (بالفارسيّة‌): العَتَبَة‌ بالتحريك‌ هي‌ أُسكُفَّة‌ الباب‌ أو العارضة‌ العليا التي‌ تعلو قِسْمَي‌ الباب‌.

 وقال‌ في‌ « صحاح‌ اللغة‌ » وَالعَتَبُ: الدَّرَجُ وَكُلُّ مِرْقَاةٍ مِنْهَا عَتَبَةٌ. وَالجَمْعُ عَتَبٌ وعَتَبَاتٌ. وَالعَتَبَةُ: أُسْكُفَّةُ البَابَ، وَالجَمْعُ: عَتَبٌ.

 وقال‌ في‌ « تاج‌ العروس‌ »: (العَتَبَةُ، مُحَرَّكَةً) كَذَا فِي‌ نُسْخَتِنَا وَسَقَطَ مِنْ نُسْخَةِ شَيْخِنَا (أُسْكُفَّة‌ البَابَ) الَّتِي‌ تُوطَأُ (أَوِ) العَتَبَةُ (العُلْيَا مِنْهُمَا) وَالخَشَبَةُ الَّتِي‌ فَوْقَ الاَعْلَي‌: الحَاجِبُ، وَالاُسْكُفَّةُ السُّفْلَي‌ وَالَعَارِضَتَانِ: العُضَادَتَانِ. وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الإشَارَةُ إلَيْهِ فِي‌ «ح‌ ج‌ ب‌»، وَالجَمْعُ: عَتَبٌ وَعَتَبَاتٌ.

 وفي‌ اللغة‌ أنّ الاُسْكُفَّةَ والاُسْكُوفَةَ هي‌ خَشَبَةُ البَابِ الَّتِي‌ تُوطَأُ عَلَیهَا.

 لكنّ سماحة‌ أُستاذنا المكرّم‌ المرحوم‌ آية‌ الله‌ الحاجّ الشيخ‌ مرتضي‌ الحائري‌ّ أعلي‌ الله‌ درجته‌ نقل‌ عن‌ المرحوم‌ آية‌ الله‌ الحاجّ حسين‌ الطباطبائي‌ّ البروجردي‌ّ قدّس‌ الله‌ نفسه‌ أ نّه‌ قال‌: إنّ الانحناء وتقبيل‌ مقدّم‌ الباب‌ له‌ حكم‌ السجدة‌؛ فالمراد بالسجدة‌ ليس‌ فقط‌ وضع‌ الجبهة‌ علي‌ الارض‌، بل‌ الانكباب‌ علي‌ الارض‌ والتواضع‌ إلي‌ حدّ جعل‌ الجبهة‌ قُرب‌ الارض‌، وعليه‌ فالافضل‌ تقبيل‌ إطار الباب‌ من‌ غير قسمه‌ الاسفل‌.

 وقد نقل‌ للحقير هذا المطلب‌ عن‌ آية‌ الله‌ البروجردي‌ّ، آية‌ الله‌ الحائري‌ّ، وذلك‌ في‌ اليوم‌ الثامن‌ عشر من‌ شهر شوّال‌ المكرّم‌ لسنة‌ ألف‌ وأربعمائة‌ هجريّة‌ قمريّة‌ في‌ مشهد المقدّسة‌.

 * * * * *

 

ارجاعات


[67] ـ يقول‌ في‌ «أقرب‌ الموارد»: عَنْوَنَ الكِتَابَ عَنْوَنَةً: كَتَبَ عُنْوَانَهُ؛ وَيُقَالُ: عَنْوَنَهُ وعَنَّهُ وعَنَّنَهُ وعَنَّاهُ. وَالاسْمُ: العُنْوَانُ؛ عُنْوَانُ الكِتَابِ وَعِنْوَانُهُ وَعُنْيَانُهُ وَعِنْيَانُهُ: سِمَتُهُ وَدِيبَاجَتُهُ؛ سُمِّي‌َ بِهِ لاِ نَّهُ يَعِنُّ لَهُ مِنْ نَاحِيَتِهِ. وَأَصْلُهُ عُنَّانُ كَرُمَّانِ. وُكُلُّ مَا اسْتَدْلَلْتَ بِشَي‌ءٍ يُظْهِرُكَ عَلَي‌ غَيْرِهِ فَعُنوَانٌ لَهُ؛ يُقَالُ: «الظَّاهِرُ عُنْوَانُ البَاطِنِ».

[68] ـ يقول‌ في‌ «أقرب‌ الموارد»: أَتَا ـ ض‌ أَتْياً وَإتْيَاناً وإتْيَانَةً؛ وَمأْتَاةً وَأُتِيَّاً (وَيُكْسَرُ) عَلَي‌ الشَّي‌ءِ: أَنْفَدَهُ وَبَلَغَ آخِرَهُ وَمَرَّ بِهِ؛ وَ عَلَیهِ الدَّهْرُ: أَهْلَكَهُ.

[69] ـ المقصود بالروضة‌: الموضع‌ الواقع‌ بين‌ القبر المطهّر للرسول‌ الاكرم‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ ومنبره‌. روي‌ الكلينيّ في‌ «فروع‌ الكافي‌»، ج‌ 4، ص‌ 553 و 554، كتاب‌ الحجّ، باب‌ المنبر والروضة‌ ومقام‌ النبي‌ّ، طبعة‌ دار الكتب‌ الاءسلاميّة‌، طهران‌، سنة‌ 1391: أنّ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ قال‌: مَا بَيْنَ بَيْتِي‌ وَمِنْبَرِي‌ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الجَنَّةِ. وقد أورد هذه‌ الرواية‌ المحقّق‌ الفيض‌ الكاشاني‌ّ في‌ «المحجّة‌ البيضاء» ج‌ 2، ص‌ 187، طبعة‌ مكتبة‌ الصدوق‌، من‌ كتاب‌ «أسرار الحجّ» بلفظ‌: مَا بَيْنَ قَبْرِي‌ وَمِنْبَرِي‌ رَوْضَةٌ مِنْ رِياضِ الجَنَّةِ.

 [70] ـ الآية‌ 83، من‌ السورة‌ 28: القصص‌.

[71] ـ كان‌ من‌ ضمن‌ كلام‌ السيّد الحدّاد قوله‌: أنت‌ تأكل‌ ما يلزمك‌ من‌ الغذاء، أمّا ما زاد عليه‌ فإنّ الغذاء يأكلك‌.

[72] ـ يقول‌ في‌ «أقرب‌ الموارد»: تَعَنَّتَهُ: أَدْخَـلَ عَلَیهِ الاَذَي‌ وَطَـلَبَ زَلَّتَهُ وَمشَـقَّتَهُ. يُقَالُ: جَاءَهُ مُتَعَنِّتاً، أَي‌ْ طَالِباً زَلَّتَهُ. وَ ـ فِي‌ السُّؤَالِ: سَأَلَهُ عَلَي‌ جِهَةِ التَّلْبِيسِ عَلَیهِ. وَرُبَّمَا عُدِّي‌َ بِـ «عَلَي‌».

[73] ـ «بحار الانوار» ج‌ 1، ص‌ 224 إلي‌ 226، كتاب‌ العلم‌، الباب‌ 7: باب‌ آداب‌ طلب‌ العلم‌ وأحكامه‌، الحديث‌ 17، الطبعة‌ الحروفيّة‌، المطبعة‌ الحيدريّة‌.

[74] ـ الآية‌ 199، من‌ السورة‌ 7: الاعراف‌.

[75] ـ الآية‌ 63، من‌ السورة‌ 25: الفرقان‌.

[76] ـ الآية‌ 72، من‌ السورة‌ 25: الفرقان‌.

[77] ـ الآية‌ 92، من‌ السورة‌ 3: آل‌ عمران‌.

[78] ـ الآية‌ 68، من‌ السورة‌ 28: القصص‌.

[79] ـ يروي‌ المرحوم‌ الصدوق‌ في‌ كتاب‌ «التوحيد» ص‌ 178 و 179، باب‌ نفي‌ المكان‌ والزمان‌ والحركة‌ عنه‌ تعالي‌، طبعة‌ مكتبة‌ الصدوق‌، سنة‌ 1398؛ والمرحوم‌ المولي‌ محسن‌ الفيض‌ في‌ كتاب‌ «الوافي‌» ج‌ 1، ص‌ 403، الطبعة‌ الحروفيّة‌ في‌ إصفهان‌، مكتبة‌ الاءمام‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌، أبواب‌ معرفة‌ الله‌، باب‌ إحاطته‌ بكل‌ شي‌ء؛ والمرحوم‌ المجلسي‌ّ في‌ كتاب‌ «بحار الانوار» ج‌ 3، ص‌ 327، الحديث‌ 27، الطبعة‌ الحروفيّة‌، المطبعة‌ الحيدريّة‌، كتاب‌ التوحيد، الباب‌ 4، وهذان‌ الاخيران‌ عن‌ الصدوق‌ حيث‌ يروي‌ الصدوق‌ عن‌ علي‌ّ بن‌ أحمد بن‌ محمّد بن‌ عمران‌ الدقّاق‌، عن‌ محمّد بن‌ أبي‌ عبد الله‌ الكوفي‌ّ، عن‌ محمّد بن‌ إسماعيل‌ البرمكي‌ّ، عن‌ علي‌ّ بن‌ عبّاس‌، عن‌ حسن‌ بن‌ راشد، عن‌ يعقوب‌ بن‌ الجعفري‌ّ، عن‌ أبي‌ إبراهيم‌ موسي‌ بن‌ جعفر عليهما السلام‌، أ نّه‌ قال‌:

 إنَّ اللَهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَي‌ كَانَ لَمْ يَزَلْ بِلاَ زَمَانٍ وَلا مَكَانٍ؛ وَهُوَ الآنَ كَمَا كَانَ. لاَ يَخْلوُ مِنْهُ مَكَانٌ وَلاَ يَشْغَلُ بِهِ مَكَانٌ وَلاَ يَحِلُّ فِي‌ مَكَانٍ. مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَي‌ ثَلاَثَةٍ إلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ، وَلاَ خَمْسَةٍ إلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ، وَلاَ أَدْنَي‌ مِنْ ذَلِكَ وَلاَ أكْثَرَ إلاَّ هَوَ مَعَهُمْ أَيْنَما كَانُوا. لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَلْقِهِ حِجَابٌ غَيْرُ خَلْقِهِ. احْتَجَبَ بِغَيْرِ حِجابٍ مَحْجُوبٍ، وَاسْتَتَرَ بِغَيْرِ سَتْرٍ مَسْتُورٍ، لاَ إلَهَ إلاَّ هُوَ الكَبِيرُ المُتَعَالِ.

 وأورد سماحة‌ أُستاذنا العلاّمة‌ آية‌ الله‌ الطباطبائي‌ّ قدّس‌ الله‌ نفسه‌ الشريفة‌ في‌ كتاب‌ «التوحيد» ص‌ 6، النسخة‌ الخطّيّة‌ للحقير: كَمَا فِي‌ حَدِيثِ مُوسَي‌ بْنِ جَعْفَرٍ َعَليْهِمَا السَّلاَمُ: كَانَ اللَهُ وَلاَ شَي‌ءَ مَعَهُ؛ وَهُوَ الآنَ كَمَا كَانَ.

 وذكر المرحوم‌ السيّد حيدر الآملي‌ّ في‌ موضعَين‌ من‌ «جامع‌ الاسرار» طبعة‌ المجمع‌ الفرنسي‌ّ لمعرفة‌ إيران‌ وشركة‌ الانتشارات‌ العلميّة‌ والثقافيّة‌، هذه‌ العبارة‌: كَانَ اللَهُ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ شَي‌ءٌ وَالآنَ كَمَا كَانَ؛ الموضع‌ الاوّل‌: ص‌ 56، رقم‌ 112 في‌ الاصل‌ الاوّل‌ في‌ القاعدة‌ الاُولي‌: وَبالنَّظَرِ إلی هَذَا المَقَامِ قَالَ أَرْبَابُ الكَشْفِ وَالشُّهُودِ: التَّوحِيدُ إسْقَاطُ الاءضَافَاتِ؛ وَقَالَ النَّبِي‌ُّ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: كَانَ اللَهُ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ شَي‌ءٌ. وَقَالَ الَعاِرِفُ: (وَهُوَ) الآنَ كَمَا كَانَ. لاِنَّ الاءضَافَاتِ غَيْرُ مَوْجُوَدةٍ كَمَا مَرَّ. وَأَيْضاً «كَانَ» فِي‌ كَلاَمِ النَّبِي‌ِّ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بِمَعْنَي‌ الحَالِ لاَ بِمَعْنَي‌ المَاضِي‌؛ مِْثلَ: «كَانَ الَلهُ غَفُورًا رَحِيمًا».

 والموضع‌ الثاني‌: في‌ الاصل‌ الثالث‌، ص‌ 696، رقم‌ 181: لاِ نَّهُ تَعَالَي‌ دَائِماً «هُوَ» عَلَي‌ تَنَزُّهِهِ الذَّاتِي‌ِّ وَتَقدُّسِهِ الاَزَلِي‌ِّ؛ لِقَوْلِهِ عَلَیهِ السَّلاَمُ: كَانَ اللَهُ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ شَي‌ءٌ، وَلِقَوْلِ (بَعْضِ) عَارِفِي‌ أُمَّتِهِ: وَالآنَ كَمَا كَانَ. والمراد من‌ «بعض‌ عارفي‌ أُمّته‌» الاءمام‌ موسي‌ بن‌ جعفر عليهما السلام‌.

 وقد ورد في‌ «الكلمات‌ المكنونة‌» للفيض‌، ص‌ 33، الطبعة‌ الحروفيّة‌، مؤسّسة‌ انتشارات‌ فراهاني‌: ولانّ التعيّن‌ أمر اعتباري‌ّ، فإنّ ظهوره‌ بواسطة‌ نور سارٍ في‌ الرُّتب‌. وحين‌ سمع‌ الجُنيد حديث‌ كَانَ اللَهُ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ شَي‌ءٌ، قال‌: الآنَ كَمَا كَانَ. فأُدرجت‌ هذه‌ الاءضافة‌ مع‌ الحديث‌. و «كَانَ اللَهُ» فيها من‌ قبيل‌: وَكَانَ اللَهُ عَلِيمًا حَكِيمًا.

 وقد نقل‌ المرحوم‌ المجلسـي‌ّ في‌ «بحار الانوار» ج‌ 4، ص‌ 305، الحديث‌ 34، كتاب‌ التوحيد، الباب‌ 4، من‌ أبواب‌ أسمائه‌ تعالي‌، الطبعة‌ الحروفيّة‌ الحيدريّة‌، عن‌ «توحيد الصدوق‌» ثمانية‌ أبيات‌ لامير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ في‌ جوابه‌ علي‌ ذعلب‌ أوردها في‌ نهاية‌ الخطبة‌، أوّلها:

 وَلَمْ يَزَلْ سَيِّدِي‌ بِالحَمْدِ مَعْرُوفاً وَلَمْ يَزَلْ سَيِّدِي‌ بِالجُودِ مَوْصُوفاً

 فكتب‌ أُستاذنا العلاّمة‌ في‌ هامشها: الاشعار من‌ أحسن‌ الدليل‌ علي‌ أن‌ الخلقة‌ غير منقطعة‌ من‌ حيث‌ أوّلها، كما أ نّها كذلك‌ من‌ حيث‌ آخرها.

[80] ـ ولربّما أشار إلي‌ هذا المعني‌ بيتا الشعر اللذان‌ أنشدهما صدر المتأ لّهين‌ الشيرازي‌ّ في‌ العشق‌ وعرفان‌ الله‌؛ قال‌:

 آنانكه‌ ره‌ دوست‌ گزيدند همه‌ در كوي‌ شهادت‌ آرميدند همه‌

 در معركة‌ دو كون‌ فتح‌ از عشق‌ است‌ هر چند سپاه‌ او شهيدند همه‌

 يقول‌: «إنّ أُولئك‌ الذين‌ اختاروا سبيل‌ الحبيب‌ قد رقدوا جميعاً في‌ طريق‌ الشهادة‌.

 ولقد كان‌ الفتح‌ والظفر بين‌ الجانبَين‌ من‌ نصيب‌ العشق‌ مع‌ أنّ جنده‌ قد استشهدوا جميعاً».

 قيل‌ إنّه‌ لم‌ ينشد بالفارسيّة‌ غيرهما؛ لكنّه‌ ذكر في‌ تفسير سورة‌ السجدة‌، طبعة‌ أنتشارات‌ بيدار، ص‌ 10 أبياتاً بالفارسيّة‌ في‌ عظمة‌ القرآن‌، وفي‌ ص‌ 34 أبياتاً بالفارسيّة‌ أيضاً في‌ عظمة‌ رسول‌ الله‌ وارتباطها مع‌ يوم‌ الجمعة‌، وقال‌: أنشدتُ هذه‌ الابيات‌ في‌ حال‌ الوجد.

 [81] ـ ما بين‌ المعقوفتَين‌ عبارة‌ «سفينة‌ البحار».

[82] ـ الغَمَر: الدَّسم‌ والزهومة‌ من‌ اللحم‌ تبقي‌ في‌ اليدين‌.

[83] ـ خَلاَ يَخلُو خُلُوّاً وخَلاَءً الرجلُ: انفرد في‌ مكانه‌.

[84] ـ يعني‌ الشيخ‌ الحرّ العاملي‌ّ صاحب‌ «الوسائل‌» الذي‌ جعل‌ النوري‌ّ كتابه‌ مستدركاً لكتابه‌.

      
  
الفهرس
  المقدّمة
  كلام‌ سيّد الشهداء عليه‌ السلام‌ في‌ لزوم‌ معرفة‌ الله‌
  خطبته‌ عليه‌ السّلام‌ لإصلاح‌ الناس‌
  وصيّته‌ عليه‌ السّلام‌ إلي‌ محمّد بن‌ الحنفيّة‌
  الحثّ علي‌ المكارم‌
  أُسلوب‌ اجتناب‌ المعاصي‌
  مواعظ‌ سيّد الشهداء عليه‌ السلام‌
  خطبته‌ عليه‌ السلام‌ بمني‌ وتنوير الاذهان‌ في‌ زمن‌ معاوية‌
  مناشدته‌ عليه‌ السلام‌ للاصحاب‌ والتابعين‌
  خطبته‌ عليه‌ السلام‌ عند خروجه‌ من‌ مكّة‌
  أشعاره‌ عليه‌ السلام‌ في‌ جواب‌ الفرزدق‌ و محادثته‌ معه‌
  خطبة‌ الإمام‌ عليه‌ السلام‌ عند ممانعة‌ الحرّ إیّاه‌
  كلامه‌ عليه‌ السلام‌ في‌ جواب‌ تهديد الحرّ
  كلام‌ سيّد الشهداء عليه‌ السلام‌ في‌ استعداده‌ للشهادة‌
  خطبته‌ عليه‌ السلام‌ في‌ أصحابه‌ و أصحاب‌ الحرّ
  خطبة‌ الإمام‌ ليلة‌ عاشوراء في‌ أصحابه‌
  دعاؤه‌ عليه‌ السلام‌ صبيحة‌ يوم‌ عاشوراء
  خطبته‌ عليه‌ السلام‌ صبيحة‌ يوم‌ عاشوراء
  خطبة‌ الإمام‌ الغرّاء يوم‌ عاشوراء
  أشعاره‌ الرجزيّة‌ يوم‌ عاشوراء
  نداؤه‌ عليه‌ السلام‌ في‌ أتباع‌ آل‌ أبي‌ سفيان‌
  دعاؤه‌ عليه‌ السلام‌ علي‌ أهل‌ الكوفة‌ و مخاطبته‌ لهم‌
  كيفيّة‌ استشهاده‌ عليه‌ السلام‌
  أشعار في‌ تصوير حالات‌ سيّد الشهداء عليه‌ السلام‌ وحال‌ جميع‌ المخلوقات‌
  أشعار المؤلّف‌ في‌ مدح‌ سيّد الشهداء عليه‌ السلام‌
  العناوين المرتبطة بالامام الحسين عليه‌السلام في طي دورة‌ علوم‌ ومعارف‌ الإسلام‌
  بيان‌ حال‌ سيّد الشهداء عليه‌ السلام‌ في‌ الخلوة‌ بالحبيب‌
  عظمة‌ الاوج‌ العرفاني‌ّ لسيّد الشهداء عليه‌ السلام‌
  المشاعر والعواطف‌ البشريّة‌ عند الائمّة‌ علیهم‌ السلام‌
  مشاعر سيّد الشهداء علیه‌ السلام‌ وعواطفه‌ يوم‌ عاشوراء
  استشهاد الطفل‌ الرضيع‌ يوم‌ الطفّ
  فضائل‌ عليّ الاكبر علیه‌ السلام‌ واستشهاده‌
  عليّ الاكبر علیه‌ السلام‌ من‌ منظار معاوية‌
  حوار عليّ الاكبر مع‌الإمام الحسين‌ علیهما السلام‌ حول‌ الشهادة‌
  جعل‌الإمام عليّ علیه‌ السلام‌ محمّدَ ابن‌ الحنفيّة‌ درعاً للحسنين‌
  عليّ الاكبر علیه‌ السلام‌ تلميذ مدرسة‌ الحسنين‌ علیهما السلام‌
  مضامين‌ زيارة‌ سيّد الشهداء علیه‌ السّلام‌ في‌ الاول‌ من‌ رجب‌
  عفو السجّاد عن السیخ الشامیّ الذی شتم أسری آل محمد
  خطبة سیّّد الشهداء علیه السلام صبح عاشوراء
  مواعظ سیّد الشهداء علیه السلام وإنکار أهل الکوفة
  استمهال الامام الحسین القوم لیلة عاشوراء للصلاة و التلاوة و الدعاء
  وجود الإمام‌ المعصوم‌ حقيقة‌ القرآن‌
  قصّة‌ قول‌ سيّد الشهداء لحبيب‌ بن‌ مظاهر: للّه‌ درّك‌ يا حبيب‌!
  حبيب‌ بن‌ مظاهر كان‌ يختم‌ القرآن‌ كلّ ليلة‌
  نقل‌ ابن‌ أبي‌ الحديد في‌ أنّ أصحاب‌ الإمام‌ الحسين‌ كانوا كالاُسود الضارية‌
  مضامین دعاء سيّد الشهداء عليه‌ السلام‌الرفیعة فی یوم عرفة‌
  عبارات دعاء عرفة تشیر إلی الله تعالی فی جمیع الموجودات
  الملکات العرفانیة لسید الشهداء علیه السلام فی الزیارة المطلقة
  بحث‌ فقهي‌ّ في‌ جواز الطواف‌حول‌ أضرحة‌ الائمّة‌ الاطهار عليهم‌ السلام‌
  أخبار «لاَتَطُفْ بِقَبْرٍ» قويّة‌ سنداً، لكنّها خارجة‌ عن‌ المقام‌ دلالةً
  بحث‌ للعلاّمة‌ المجلسي‌ّ في‌ جواز الطواف‌ حول‌ أضرحة‌ الائمّة‌ الاطهار
  >>بحث‌ المحدِّث‌ النوري‌ّ في‌ «مستدرك‌ الوسائل‌» باب‌ «جواز الطواف‌ بالقبور»
  بحث‌ فقهي‌ّ في‌ جواز تقبيل‌ إطار أبواب‌ الدخول‌لقبور الائمّة‌ عليهم‌ السلام‌
  تفصيل‌ وقائع‌ عاشوراء التي‌ كانت‌ عشقاً محضاً
  قراءة‌ سماحة‌ الحدّاد أشعار «المثنوي‌ّ» في‌ غفلة‌ عامّة‌ الناس‌ عن‌ عاشوراء
  أشعار المولوي‌ّ في‌ مرثيّة‌ سيّد الشهداء عليه‌ السلام‌
  أبيات‌ عاشوراء في‌ أشعار «المثنوي‌ّ»
  ما أحسن‌ تحقيق‌ الملاّ الرومي‌ّ لقضايا عاشوراء!
  قراءة‌ سماحة‌ الحدّاد أبيات‌ عاشوراء وكأ نّها مختمرة‌ مع‌ روحه‌ ونفسه‌
  تفسير السيّد هاشم‌ لفائدة‌ حقيقة‌ اللعن‌ في‌ دعاء علقمة‌
  كلامه‌: لا يرشح‌ عن‌ أولياء الله‌ شرّ؛ ولعنهم‌ للاعداء نفع‌ يعود علی‌ الاعداء
  دعاء «الصحيفة‌ السجّاديّة‌» يشابه‌ دعاء علقمة‌ في‌ لعن‌ الكفّار
  خطبة‌ سيّد الشهداء علیه السلام‌
  ابیات سید الشهداء علیه السلام لیلة عاشوراء و حال زینب علیها السلام
  فهرس‌ المنابع‌ والمصادر

جميع الحقوق محفوظة لـ موقع المتقين www.motaghin.com ويسمح باستخدام المعلومات بشرط الإشارة إلى المصدر.

© 2008 All rights Reserved. www.Motaghin.com


Links | Login | SiteMap | ContactUs | Home
عربی فارسی انگلیسی