معرض الصور المحاضرات صوتيات المكتبة سؤال و جواب اتصل بنا الرئیسیة
 
اعتقادات و كلام أخلاق حکمة عرفان العلمي و الإجتماعي التاریخ القرآن و التفسير
المكتبة > محاضرات العلامة الطهراني > سلسلة محاضرات تفسير آية النور > تفسير آية النور - المحاضرة العاشرة

_______________________________________________________________

هو العلیم

تفسـير آيــة

{اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}

المحاضرة العاشرة

موعظة ليلة الثلاثاء
في
27 شعبان 1396 هجريّة قمريّة

حضرة العلاّمة آية الله الحاجّ السيّد محمّد الحُسين الحسينيّ الطهرانيّ

قدّس الله نفسه الزكيّة

_______________________________________________________________

تحميل ملف البد دي أف

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين
ولعنة الله على أعدائهم أجمعين


{اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}[1]
كان الكلام حول إمكانيّة معرفة الله, وإثبات أنّه يمكننا أنْ ننال لقاء الله ونفوز برؤيته, وقد وصلَ بنا البحث إلى أنّه لماذا لا يرى الكثيرون من الناس ربّهم؟ بل بعضهم لا يعترف بالله بتاتاً! مع أنّ الله أظهر من كلّ شيء, ونور جماله سارٍ في تمام الوجودات, وأنّه سارٍ في كلّ موجودٍ من موجودات عالم الوجود, وجارٍ في علمه وقدرته وحياته؟!
وهل يستطيع الإنسان أن يصل إلى مقام أسماء الله الحسنى وصفاته؟ ـ والحال أنّ هذه الصفات ظاهرة ومتحقّقة في الموجودات, وأنّ كلاًّ من هذه الموجودات يعدّ أحدَ أسماء الله؛ سواء أسماءه الكلّية أم أسماءه الجزئيّة ـ فهل يتمكّن الإنسان من إدراكها بعين قلبه, حتّى يصلَ إلى مرحلة الفناء في الذات الإلهية؟ أم أنّ ذلك مستحيل؟ وقدْ وصلَ البحث بنا إلى هذه النقطة.

    

سريان النور الإلهي في جميع الموجودات

لكي يتّضح المطلب بشكل جليّ, وينكشف لنا بشكل وجدانيّ, ولكي نتمّمَ البحثَ ونكشف النقاب عنه من الناحية العلميّة, لا بدّ وأنْ نقول:
إنّ ذاتَ الله العليّ الأعلى أحديّة, يعني: هي فوق أيّ اسم أو رسم, وهي ما فوق أيّ تعيّن, حتّى ذات الوجود المنبسط والذي هو خالٍ عن جميع التعيّنات, فإنّه بلحاظ أنّه وجود ظلّي لوجود ذات الله, وكون وجود الله وجوداً حقيقيّاً, فسوف يكون للوجود المنبسط تعيّناً حينئذٍ؛ لأنّ كلّ ظلٍّ بالنسبة إلى ذي الظلّ يكون له تعيّن.
فمن تلك الذات التي هي فوق الوجود المنبسط, أي الذات الأحديّة التي لا اسم لها ولا رسم.. من تلك الذات تنشأ سلسلة المراتب الوجوديّة: من العقل الأوّل, العقل الثاني, وسلسلة مراتب العقول العشرة والنفوس, أو ما يطلق عليه بلسان الشرع النور الأوّل:
"أوّل ما خلقَ اللهُ نور نبيّك يا جابر"[2] "أوّل ما خلقَ اللهُ العقل"[3] "أولّ ما خلقَ اللهُ النور"[4] "كنتُ نبياً وآدمُ بين الماءِ والطين"[5]وجميع ذلك يدلّ على أنّ أوّل مخلوق في الأزل كانَ وجوداً واسعاً بحيث أنّ باقي الموجودات خلقت منه.
نعم, ذاك الموجود والذي هو اسم الله الأعظم من حيث السعة الوجوديّة, أوسع من ذلك بكثير, واستعداده وطاقته أشدّ وأوسع من الموجودات التي تتحقّق بالأسماء الجزئيّة لله تعالى, فحدودها وتعيّناتها من ناحية العلم والحياة والقدرة وسائر الصفات أقلّ وأضيق.
ثمّ بعدَ ذلك تظهر مراتب الخِلقة في السلسلة المتنزّلة, بدءً من النور الأوّل أو العقل الأوّل أو الاسم الأعظم, وصولاً إلى المرحلة الأسفل والعالم الأنزل الواقع في آخر تلك السلسلة, ثمّ الأسفل والأسفل.. إلى أنْ تصل إلى هذا العالم؛ أي عالم المادّة, وهو عبارة عن أظلم العوالم, فعالم المادّة هو عالم الجسم, وله حدوده الزمانيّة والمكانيّة, وهو عالم الكون والفساد وعالم التغيّرات والآفات, وسعته الوجوديّة أقلّ من جميع العوالم, وإحاطته أضعف من سائر العوالم, وهو أظلمُ العوالم وأضعُفها على الإطلاق.
فالنّور الإلهيّ وكذلك القدرة الإلهية والعلم والحياة, قد سرى في جميع الموجودات, وأصبحت بتمامها ظهوراً له. لأجل ذلك, فإنّ تلك الصفات الصادرة من الله, قدْ ملأت عالم الوجود, وعالم الوجود هو أسماء الله وكلماته, وهو عبارة عن حقائق تمثّل آيات وعلامات دالّة على ذاته تعالى, وتحكي صفاته الحسنى, فهي مظاهر تلك الأسماء والصفات, وهذا ما نسميه الجمال.

    

صفات الجمال وصفات الجلال

فالصفات الإلهيّة تسمّى الجمال, ما هو الجمال؟ الجمال هو علم الله, قدرة الله, حياة الله, وجود الله الساري والجاري في هذه المظاهر وضمن هذه العوالم, وحينئذٍ تصبح كلّها جمالاً.
فمن جهةٍ, نكون بالمقدار الذي ندركه من الرحمة الموجودة في هذه المظاهر الوجوديّة, وما نحسُّ به من السعة والبركة والحياة والعلم والقدرة والجمال والحُسن, ممّا هو كائن في هذه الموجودات وقابلٌ للإدراك بالنسبة لنا, وملائمٌ لطباعنا.. نسمّيه بصفات الجمال, ومن جهةٍ ثانية, فإنّ هذه الصفات الكائنة في أيٍّ من الموجودات ـ ولكن في رتبةٍ وجوديّةٍ أعلى وأقوى ـ والتي يمكن إدراكها بالنسبة إلى ذاك الموجود الأعلى, وغير قابلة للإدراك بالنسبة إلى الموجود الأسفل, فإنّها تسمّى بالنسبة إليه جلالاً.
من باب المثال: التلميذ الذي يذهب إلى المدرسة ويتعلّم الألف باء, فهذه الألف والباء جمالٌ بالنسبة إليه, لأنّها بالنسبة إلى مستواه قابلة للفهم, وأمّا علمُ أستاذه بالنسبة إليه فغير قابل للإدراك, وعندئذٍ سوف تكون معلوماتُ أستاذه وعلمُه جلالاً بالنسبة إليه؛ أي لا يمكنه أن يهتدي إلى طريق الوصول إلى علم أستاذه, فعلمُ أستاذه قد بلغَ النهاية والدرجة الأقوى والأعلى.
والشخص الذي يمتلك درهماً ويكون مأنوساً به, فهو جمالٌ بالنسبة له, إلاّ أنّ نفسَ هذا الشخص الذي يكون الدرهم جمالاً بالنسبة له, لو كان هناك شخص آخر يمتلك مائة درهم أو ألفاً, أو مليون درهماً, ففي حالة عدم تمكّنه من امتلاكه مثله سوف يكون امتلاك هذا المبلغ جلالاً بالنسبة له؛ يعني: هو عاجز عن امتلاك المليون درهم, وإنْ بلغه أنّه قدْ ورثَ مليون درهماً من زيد, فسوف يصاب بسكتة من شدّة الفرح؛ يعني: إنّ وجوده قاصر عن تحمّل هذا الحجم من الملكيّة.
كذلك الأمر بالنسبة إلى أسماء الله وصفاته, فليس لله نوعان من الرحمة.. أو نوعان من العلم.. أو نوعان من الحياة.. نوعان من القدرة.. ونوعان من سائر الصفات الأخرى.. لا, وإنّما تلك الصفّات حينما تتشخّص في عالم الإمكان وتتلبّس بماهيّاتها ـ وتتشكّل ضمنَ قالبها وماهيّتها التي تحدّد وجودها التي تفيض عليها كينونيّتها الوجوديّة ـ فإنّها لا تكون إلاّ جمالاً حينئذٍ, إلاّ أنّ المراتب الأعلى سوف تكون جلالاً بالنسبة لهذه الماهيّة؛ يعني: سيقالُ لهذه الماهيّة: لا يحقّ لكِ أنْ تتقدّمي إلى الأمام, وإنْ اقتربتِ سوف تحترقين.
فالذي يقدرُ على وضعِ جمرةٍ في كفّه دون أنْ يصاب بأذىً, لا يستطيع إلقاء نفسه في النار ويحرق رأسه وقدمه! فمع أنّها نارٌ في كلا الحالين, إلاّ أنّ الفارق هو أنّ الأولى تقبل التحمّل, بخلاف الثانية لا يمكن تحمّلها.
هذا هو معنى صفات الجمال والجلال, وهو الذي وردَ في الآية الشريفة:
{تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ}[6] وليس بمعنى أنّ هناك نوعين للصفات الإلهيّة؛ بحيث أنّ لله تعالى من نفسه نوعين من الصفات المتضادّة ـ واحدة باسم الجمال والأخرى باسم الجلال ـ تترشّحان من مقام ذاته وتعيّنان في مقام التعيّن, لا.. فأوّل اسم لله اسم "هو" أو اسم "أَحَد" أو اسم "الحيّ"، ومنها يتشعّب اسم "العالم" و"القادر", ومنها تنشعبُ سائر الأسماء.
غاية الأمر أنّنا نلحظُ هذه الأسماء والصفات ضمنَ مراتبها المتنزّلة بواسطة اعتبارين: فبالمقدار الذي تنزّلتْ وسرتْ في الموجودات, وصنعتْ وجود الماهيّات وحقّقت كينونيّتها, وملأتْ كلَّ ماهيّة بحدودِ سعتها وظرفيّتها الوجوديّة.. يطلقُ عليه أنّه الجمال, وأمّا بلحاظ المقدار الأعلى والأرفع ممّا لا يقبلُ الفهم والإدراك بالنسبة لهذه الماهيّات, فهو جلال.
كانت النساء المصريّات جميلات, وكان جمالهن بالنسبة إليهن قابلاً للتصوّر والإدراك, لأنّ وجودهن مصنوعُ من ذلك الجمال ومخلوق من تلك الرتبة, ولذلك حينما كنّ يرينَ وجوههن في المرآة لم يكنّ يقطعن أيديهن، لكن حينما تجلّى أمامهن جمالُ يوسف الذي كانت رتبته الوجوديّة أقوى من طاقتهن, فإنّه خطف أبصارهن وعقولهن, وعطّل حواسّهن, وأخذن بتقطيع أيديهن بدلاً من الأُترج.
لأجلِ ذلك, لو كان علمُ أحد الأفراد يعادل ألف درجة, وكانت هذه الألف درجة هي سعة علمه الوجوديّة, فلو أرادَ أنْ ينالَ علماً يعادلُ درجةَ المليون, فلن يتمكّن من تحمّله, والحال أنّه علمٌ ليس إلاّ, لكنّه علمٌ وفير.. علمٌ واسع.. علمٌ محيطٌ, وهو جلال بالنسبة له.
من باب المثال: الله العليّ الأعلى مثل الشمس, ولا يُفيضُ من ذاته إلاّ النور, فلا شيء غير النور, لا يوجد صفتان لهذا النور المتجلّي منه أحدهما: الجلال والآخر الجمال, وإنّما هو نور واحد فحسب, ولكن ضمن تنزّل هذا النور إلى هذا العالم هناك مراتب متفاوتة, والرتبة التي يمكنُ أنْ تدركها عيوننا هي هذه الرتبة من الأنوار, وليس لأعيننا أن تدركَ الرتبة الأعلى من هذا النور, بل سوف تضمحلّ عيوننا لو أردنا مشاهدة تلك الرتبة العالية من النور؛ لأنّ بروز النور هناك سوف يكون أشدّ وأقوى. لذلك, فإنّ هذه الدرجة من النور تحاكي جمال الشمس بالنسبة لنا, وتلك الدرجة من النور تحاكي جلال الشمس. فللشّمس جمالٌ وجلالٌ, وهما عبارة عن لحاظين واعتبارين لنورٍ واحد.. هلْ فهمتمْ معنى الجمال ومعنى الجلال بشكل واضح؟ والتفتّم ما هي حقيقة الجمال وحقيقة الجلال؟

    

لماذا هناك حجاب بين الإنسان وربّه؟

ولنأتْ الآن لنتعرّفَ على سرّ المسألة, ونجيب عن هذا السؤال: لماذا هناك حجاب بين الإنسان وبين الله؟ بلْ ما هو معنى الحجاب والستار هنا؟ فليس هناك حجاب بيننا وبين الشمس التي نشاهدها؛ لأنّ الحجاب المتصوّر بيننا وبين الشمس إنّما هو عدم قدرتنا على إدراك المراتب العالية من النور وعدم استطاعتنا على النظر والمشاهدة, ولا يوجد شيءٌ آخر يكون حجاباً. فلو أزلنا ضعفَ بصرنا وعيوننا وأصبحت عيوننا حادّة قويةً وقادرة على النظر, فسوف نتمكّن حينئذٍ من المشاهدة, وهو ممّا لا شكّ فيه؛ لأنّ من يقوّي عينه ويمرّنها على النظر ويستعمل الكُحل والأدوية الخاصّة بذلك, أو كما هو المعروف عند عوام الناس من أنّ من يستعمل "هليلة" لعدّة أيّام، في الصباح عند الفطور.. وذلك بحسب ترتيب زمنيّ خاصّ, فهو يقوّي العين إلى حدّ يصير بإمكانه أنْ ينظر إلى الشمس بشكلٍ واضح وجليّ دون أيّ ألم.
وبناء على ذلك, فإنّ سبب عدم رؤية الناس للشمس يعود إلى ضعفِ بصرهم, والحجاب الواقع بينهم وبين الشمس هو ضعفُ بصرهم.. وضعفُ الرؤية.. وإلاّ فلا حجاب آخر بين العين والشمس, ولا وجود لأيّ ستار ولا طبقةٍ في السماء تمنعُ عن رؤية السماء.. ولا يوجد طبقات من الغيوم الكثيفة التي تقفُ مانعاً أمام الإنسان حينما يريد أن ينظر إلى الشمس!! وكذا لا تولّد الشمس من ذاتها نوعاً من الذبذبات والأمواج التي تمنع من خروج النور, لتقول للإنسان: لا حقّ لك في الرؤية.. لا أبداً.. لا مجال لهذا الكلام ولا معنى له، فالشمس إنما تعطي النور. وما ندركه من نور الشمس يسمّى جمالاً, والنور الذي هو فوق رتبتنا وأشدّ من وجودنا هو جلال, والسبب في عدم إدراكنا للنور الوافر الصادر من الشمس هو أنّه نور شديد وقويّ.. وهو ضعف عيوننا؛ بحيث أنّنا عاجزون عن إدراك مقام الجلال. وعليه فلا وجود لأيّ نوع من الحجاب والستار؛ لأنّهما أمرٌ عدميّ لا وجود له مقابل صفات الشمس, فلا يمكننا عدّ الحجاب والستار شيئاً موجوداً في قبال وجود أحد صفات الشمس, ولا يمكننا أن نقول: هناك نورٌ وحجاب! أو هناك نور وستار!!
فلله العليّ الأعلى صفاتٌ جماليّة وصفات جلاليّة، وذلك حسب البيان السابق, والجلال إنّما يتحقّق بالنسبة للموجودات التي لا تستطيع أن تدرك الرتبة الأعلى, وإلاّ فإنّ الله بالنسبة لذاته لا جلال له.. ولا حجاب لديه على مستوى ذاته.. فلا حجابَ يحجبُ ذاتَه بالنسبة لذاته.. ولا معنى لعنوانَي الجمال والجلال هناك.. ونحن إنّما قسّمنا الأسماء الإلهيّة إلى الجلال والجمال بسبب ملاحظة سلسلة درجات الموجودات.. والسبّب في عجزنا عن إدراك معدن العظمة وضعفنا عن مشاهدة ذلك النور هو ضعف بصرنا, والحال أنّ ضعفَ بصرنا هو أمرٌ عدميّ.
إذاً, فالحجاب أمرٌ عدميّ كذلك. فإذا تمكّنا من رفع هذا الأمر العدميّ ـ وذلك بأنْ نزيل الوجود الضعيف للعين؛ أي نزيل الجهة العدميّة, بأنْ نكسرَ الماهيّة, ويحصل لدينا وجود قويّ ـ حينئذٍ يمكننا أن ندرك ونشاهد.
هذا خلاصة الكلام حول مسألة صفات الجمال وصفات الجلال, وما يتعلّق بالحجاب وكون حقيقته تعيّنُ نفس الموجودات.

    

بيان معنى الحجاب وأنّه ليس هناك حجاب بين الله وخلقه غير خلقه

فهذه المخلوقات التي خلقها الله العليّ الأعلى, إنّما خلقها ضمن قالب خاصّ لكلّ منها, وهذا القالب الوجوديّ هو حقيقة تعيّنها.. وحقيقة ماهيّتها.. وحدّها الوجوديّ.. وهذا الحدّ الوجودي لا يدع هذا الموجود أنْ يدركَ الرتبة الأعلى؛ وذلك لأنّنا محدودون بهذا الحدّ.
فلا يمكن لـ "استكان" صغير أنْ يتّسعَ لإناءٍ أكبر من الماء؛ لأنّه محدود. وإنْ أرادَ أنْ يستوعبَ ذاك المقدار من الماء, فعليه أنْ يوسّعَ وجوده, ويكسرَ حدّه.. والحال أنّه بمقدار "استكان"!! لأجلِ ذلك, فكلّ الموجودات التي لها حدود وتعيّنات, يكون ذاك التعيّن هو حجابها! وليس الحجابُ إلاّ التعيّن والحدود؛ أي ذاك الحدّ الماهويّ. ومع انعدام الحدّ الماهويّ يرتفعُ الحجاب والستار.
إذاً, حجابُ كلّ موجودٍ عبارة عن وجود هذا الوجود وتعيّنه وكينونته ونطاق ماهويّته, ومع انعدام هذا الإطار وزوال النطاق الوجوديّ لن يبقى بين الإنسان وبين الله شيء من الحجب. وعليه, فلا حجاب بين الإنسان وربّه إلاّ وجود نفس الإنسان ـ وهذه المسألة دقيقة جدّاً ـ فذاك الوجود الذي يمثّل الحجاب والساتر يرجعُ في واقعه إلى أمرٍ عدميّ؛ لأنّ هذا الوجود (الحدّي) هو من حدود الوجود لا من ذاته، فلو زال الحدّ العدميّ سيرتفعُ الحجاب بشكلٍ تامّ.
ينقلُ العلامة الطباطبائي ـ مدّ ظلّه العالي ـ عن "البحار" و"الإرشاد" و"الاحتجاج" رواية عن الشعبيّ عن أمير المؤمنين عليه السلام, وذلك في المجلّد السادس من "تفسير الميزان" في سورة المائدة, ضمنَ بحثٍ يدور حول النفس؛ حيثُ يذكرُ خلاله نقلاً عن الإمام:
"إنّ الله أجلّ من أن يحتجبَ عن شيء أو يحتجبَ عنه شيء"[7].
ويروي في توحيد الصدوق عن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام أنّه قال:
"ليس بينه وبين خلقه حجاب غير خلقه, احتجب بغير حجاب محجوب واستتر بغير سترٍ مستور, لا إله إلاّ هو الكبير المتعال"[8].
أيّ ليس هناك ستار وحجاب بين الله العليّ الأعلى وبين خلقه إلاّ نفس الخلق, هذا الحجاب هو نفس كينونتهم ونفس موجوديّة الموجودات ذاتها, فالله مستور بغير حجاب يعرض عليه ويحجبه, ومحجوب بدون ستار يستره ويخفيه وراءه, ومعنى "لا إله إلاّ هو الكبير المتعال" هو أنّ الله أعلى من أنْ يتمكّن الإنسان من وضع حجاب يحجب الله غير ذات وجودها.
وكذلك يروي عن "عبد الأعلى" في كتاب "التوحيد" للصدوق مسنداً عن الإمام الصادق عليه السلام, حيث يقول:
"من زعم أنّه يعرف الله بحجاب أو بصورة أو بمثال فهو مشرك؛ لأنّ الحجابَ والصورة والمثال غيرُه, وإنّما هو واحدٌ موحّدٌ, فكيف يوحِّدُ من زعمَ أنّه يوحِّده بغيره؟! إنّما عرفَ اللهَ من عرفه بالله, فمن لم يعرفه به فليس يعرفه, إنّما يعرف غيره.."[9]
فالإمام الصادق يقول: من يتخيّل أنّه يعرفُ الله بواسطة حجابٍ من صورةٍ أو مثال, فلم يعرف الله, وإنّما عرفَ تلك الحدود والصورة والحجاب والمثال فقط؛ لأنّ الحجاب والصورة والمثال مغايرة لله, والله واحدٌ موحّد, فكيف يمكن أن يدّعي التوحيد مَنْ يظنُّ أنّه يعرف الله بغيره؟! فيجب أن يعرفَ الله بالله. إذاً, من لم يعرف الله بذاته لم يعرفه, وإنّما عرفَ غيره.
وهو مطلبٌ رفيع جدّاً.. مطلبٌ دقيق وعالٍ, وهو يمثّل عينَ الحكمة والحقيقة التي بيّنت ضمن تلك الروايات الثلاث.

    

لا يزول الحجاب وتتحقّق المعرفة إلاّ بالعبودية وإزالة حدود النفس

"تو خود حجاب خودي حافظ از ميان برخيز"[10]
أيّ إنّ الذي يريد المعرفة, ويريدُ الوصول إلى مقام ذات الله, أو أسماء الله وصفاته, يجبُ عليه أنْ ينسى حدوده الوجوديّة ويغرقَ في ذلك الوجود, لا في الحدّ!! عليه أن يغرق في ذاك الوجود الذي لا حدّ له, وحينئذٍ يكون عارفاً بالله.
يعني: ارفعْ ذاك الستار.. وأزلْ ما لا وجودَ له.. حينئذٍ يصبحُ الوجودُ شيئاً آخر.. فيترفّع الوجود وينتقل من هذه المراتب الجماليّة ويرتفعُ إلى الأعلى نحوَ مراتب الجلال؛ يعني: إنّ تلك المراتب الجلاليّة التي كانت مستحيلة الإدراك بالنسبة إليه, تصبحُ الآن ممكنة الإدراك عنده وممكنة الفهم، وحينئذٍ يأخذ الجلال عنوان الجمال.
الطفلُ عندما يكون في المرحلة الابتدائيّة يعجزُ عن تعلّم العمليّات الرياضيّة الأساسيّة الأربع (الجمع والطرح والضرب والقسمة), ولو أراد الأستاذ تعليمه فلن يقوى على تحمّله؛ لأنّه جلال بالنسبة إليه, ولكن حينما يرتقي إلى المراحل الأعلى, سوف تتبدّل هذه الوظائف الأربعة إلى جمال عنده, وتكون قابلة للدرك والفهم, وتبقى المراتب الأعلى جلالاً, إلى أن يتمكّن من الرقيّ ثانية, فيتبدّل ذاك الجلال ويصبحُ جمالاً بالنسبة له.
فخلاصة المطلب هي: أنّ المسافة الواقعة بين الإنسان وبين الله هي حجاب الذات والموجوديّة, وإذا زالت هذه الموجوديّة فلن يبقى أيّ حجاب آخر.
تو آن گنجي كه از چشم دو عالَم
                             شدى مستور در ويرانه دل[11]
روي تو ظاهر است به عالم نهان كجاست
                              گراو نهان بود به ‌جهان، خود عيان ‌كجاست
عالم شده است مظهر حسن و جمـال او
                              اي جان بگو كه مظهر جان وجهان ‌كجاست[12]
ياريســــت مــرا وراي پــــرده
                              حُســـن رخ او ســـــزاي پــرده
عالـم همـــه پــرده مـصـــــوّر
                              اشــيـاء همــه نقشـــهاي پــرده
اين پـرده مـرا ز تـو جـدا كــرد
                              اين اسـت خـود اقتضـــاي پــرده
ني نـي كـه ميــــان ما جـدائــي
                              هرگــز نكنــــد غِطــــاي پــرده[13]
أكئـُــوسٌ تلألأت بِمُـدام
                             أم شُمــُوسٌ تَهلَّـلَت بِغَمـام
از صـفـاى مـي و لطـافـت جـام
                              به هم آميخت رنگ جام و مــدام
همه جام است و نيست گوئي مي
                              يا مدام است و نيسـت گوئـي جـام[14]

فما الذي ينبغي فعله؟ يجب أنْ نرفع التعيّن ونعدمه؛ لأنّ من يطلب الوصول إلى مقام معرفة الله, يجب عليه أنْ لا ينظر إلى التعيّن، ولا ينظر إلى الوجود.. ولا يدخل في الأمور التي تزيد من تعيّنه من قبيل: أكلِ الربا واللعب بالقمار وشرب الخمر والغرق في الشهوات والنزوات.. والعبوديّة لغير الله.. والانقياد لغير أوامر الله.. فذلك يغرقُ الإنسان في التعيّن ويبعده عن عالم الإطلاق, على الإنسان أن يترك هذه الأمور. وعلى العكس من ذلك, فإنّ عبوديّة الله تُعدمُ الحدّ الماهويّ وتزيل موجوديّته وتقرّبه إلى عالم الإطلاق وتدخله في عالم السعة.
وقد أجادَ هذا الشاعر حيث يقول: "هستى اندر نيستى بتوان نمود".
حينما يريد أن يظهر الله وجوده في الإنسان ويظهر فيه, فعلى الإنسان أن يعدم وجوده, يعني: عليه أن يعدم حدود ذاته كي يتجلّى ذاك الوجود الإطلاقيّ, وما دمنا موجودين فنحن مقابل وجود الله.
هستى اندر نيستى بتوان نمود
                             مالداران بر فقير آرند جود
خواجة اِشكسـته بند آنجا رود
                             كه در آنجا پاي اِشكسته بوَد
[15]

يقول: إنّ الشخص الذي يقوم بتضميد الجروح وتجبير الكسور, هذا الشخص إلى أين يذهب؟ ونحو أيّ منزل يتوجّه؟ يذهب حيث يوجد شخص قد كسرت قدمه, فيذهب ليعالجه ويجبّر قدمه؛ والله سبحانه إلى أيّ قلب يلتفت ويحضر؟ يأتي إلى القلب المكسور:
"أَنا عندَ المنكسرةِ قُلُوبهمْ والمندَرِسةِ قُبورُهُمْ"[16].
ولا يأتي الله في الموضع الذي يدّعى فيه الأنانيّة والفرديّة والاستكبار والوجود, فالله لا يتوجّه نحو تلك القلوب؛ يعني: لا يظهر هناك نور الله, ولا أثر للعرفان هناك.
خواجــه اِشكســته بنـــد آنجــا رود
                              كـه در آنجـــا پــاى إشـكســــته بـــود
نقـصـها آئينــه وصـــف و كـمــــال
                             و آن حـقــارت آيـنـــه عزّ و جـــلال[17]
وَ مَا هِيَ إِلاَّ أَنْ بَـدَتْ بِمَظَاهِــرِي
                              فَظَّنُوا سِوَاهَا وَ هِــيَ فِيـهَا تَجَلَّــت
مهر رخسار تو مي تابد، ز ذرّات جهان
                             هر دو عالم پر ز نور و ديده نابينا چه سود[18]


سألوا أحد العظماء: ما الدليل على وجود الصانع؟
فقال في جوابه: أَغنى الصباح عن المصباح.
أي حينما يطلع الصبح لا نحتاج إلى المصباح. فالله سبحانه قد برز في جميع العوالم وتحقّق فيها, وأنت بسؤالك عن دليل يدلّ على وجود الله, تماماً كمن يسأل شخصاً آخر عن وجود نفسه!! أيها (السيد علي) هل اتفقَ لك أن سألتَ (السيد محسن) عن وجود ذاتك؟! فهو سؤال خاطئ, بل سوف يقول لك: قدْ أثبتّ وجود نفسك بنفس التماسك الدليل على وجودها.
سألوا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أنّه: بمَ عرفت الله؟ فأجابهم: عرفتُ الأشياءَ بالله.
گنج پنهان است زير هر طلسم
                              پيش عارف شد مسمّي عين اسم
ديده حقّ بين اگر بـودي تو را
                              از رخ هـر ذرّه بنمــودي تـو را[19]

وعلى أيّ حال، فما هي صفات الجمال حسبما تقدّم؟ يجب على العارف أنْ يزيل حدود نفسه، ويصير قلبه منكسراً.. رقيقاً، وتصبح مرآته صافية نقيّة كي يتجلّى الله العليّ الأعلى فيه, وهو متوقّفٌ على بلوغ مرحلة العبوديّة.

    

الصفات الثبوتية والسلبية

هناك مسألة أخرى هي أنّه يُقال: إنّ لله صفاتاً ثبوتيّة وصفاتاً سلبيّة, فالصفات الثبوتيّة واضحة, مثل: العلم والقدرة, فهما صفتان ثبوتيّتان, وكذلك الحياة فإنّها صفة ثبوتيّة أيضاً.
وأما الصفات السلبيّة التي يقولون عنها من أنّ الله ليس بجسم, ولا جوهر, ليس مادّة, ليس ممكناً, لا محلّ له, ولا حالٌّ في محلّ..
نه مركّب بود وجسم, نه مرئى نه محلّ
                             بى شريك است ومعانى تو غنىّ دان خالق[20]

هل هناك محلاّن وموضعان في ذات الله؟ محلّ للصفات الثبوتيّة ومحلّ للصفات السلبيّة؟ لو كان كذلك للزم أنْ يكون الله العليّ الأعلى مجزّأً إلى قسمين, وعندئذٍ يكون مركّباً, والحال أنّ ذاته بسيطة, وبساطته إنّما تقتضي أن لا تتركّب ذاته من صفتين متضادّتين بعنوان السلب والإيجاب. لذلك فلا يمكن أن يكون هناك صفات سلبيّة في الذات, وعليه فالصفات السلبيّة تعني سلب السلب والذي هو منتزعٌ من الوجود, وليس مركّباً, يعني حينما نقول: غير مركّب, فهو يعني أنّه مجرّد, وحينما نقول: لا يرى, يعني أنّه مجرّد, وحينما نقول: ليس حالاً في محلّ, فهو يعني أنّه ذو سعة وجوديّة ولا مكان له.
فكلّ الصفات الإلهيّة السلبيّة إنّما ترجع إلى سلب السلب, وجميعها يرجع إلى سلب المكان, يعني حينما نقول: إنّ الله ليس ممكناً, بمعنى أنّه واجب الوجود, فإذاً حينما نسلب الإمكان عنه نكون مثبتين لوجود واجب الوجود, لا أنّ الله >واجب الوجود< و >غير ممكن< بحيث يكون هناك صفتان حقيقيتان في ذاته, فحينما نقول: هو واجب وليس ممكناً, فإنّنا ننتزع الإمكان من نفس الواجب, فالممكن إنّما يعني: غير الواجب, وحينئذٍ يكون معنى "غير الممكن" هو الواجب, وهو سلب السلب, على نحو الانتزاع والاعتبار.
والفرق بين الصفات الانتزاعيّة والاعتباريّة هو: أنّ الصفات السلبيّة ترجع جميعها إلى الانتزاعيّة, وهي عبارة عن سلب السلب, وكلّها ترجع إلى سلب الإمكان؛ فليس في الله إلاّ الصفات الحقيقيّة فقط, ولا وجود لأيّ صفة سلبيّة في الله, فهي كلّها اعتباريّة.

    

كلام صدر المتألهين حول صفات الجمال والجلال

هناك عبارة للمرحوم الملاّ صدرا ـ رضوان الله عليه ـ في المجلّد الثالث من "الأسفار" حول صفات الجمال وصفات الجلال لله, حيث يقول:
"الصِّفَةُ إِمَّا ايجَابِيّةٌ ثُبُوتيّةٌ وإِمَّا سَلبِيَّةٌ تَقْدِيسيَّة، وقَد عَبَّرَ الْكِتَابُ عَنْ هَاتَيْنِ بِقَولِهِ: (تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِيْ الْجَلاَلِ وَ الإِكْرَامِ) فَصَفَةُ الْجَلاَلِ مَا جَلَّتْ ذَاتُهُ عَنْ مُشَابَهَةِ الْغَيْر، وصَفَةُ الإِكْرَامِ مَا تَكَرَّمَتْ ذَاتُهُ بِهَا وتَجَمَّلَتْ، والأولى: سُلوبٌ عَنْ الْنَّقَائِصِ والأعَدْام، وجَمِيعُهَا يَرْجِعُ إلى سَلْبٍ وَاحِدٍ هُوَ سَلْبُ الإمْكَانِ عَنْهُ تَعَالى؛ وَالثَّانِيَةُ: تَنْقَسِمُ إِلى حَقيقِيَّةٍ كَالْعِلْمِ وَالْحَياةِ، وإِضافِيّة كَالْخَالِقيَّةِ والرَّازِقِيَّةِ والتَّقَدُّمِ والْعِلِّيَّةِ وجَمِيْعُ الْحَقِيقَيّاتِ ترجِعُ إلى وُجُوبِ الْوُجُودِ؛ أَعْنِي الْوُجُودَ المُتأَكّدِ، وجَمِيعُ الإِضَافِيَّاتِ يَرْجِعُ إِلَى إِضَافَةٍ وَاحِدَةٍ هِيَ إِضَافَةُ الْقَيُّومِيَّة، هَكَذَا حُقِّقَ الْمَقَام وإِلاّ فَيُؤَدِّي إِلَى إنثِلام الوَحدَة وتَطَرُّقِ الْكَثْرَةِ إِلَى ذَاتِهِ الأَحَدِيَّةِ تَعَالَى الله عنْ ذَلِكَ عُلُّوًّا كَبِيرا"[21].
يقول المرحوم الملاّ صدرا بأنّ صفات الله تنقسم إلى قسمين:
القسم الأوّل: الصفات السلبيّة, ويقال لها: الصفات التنزيهيّة والصفات التقديسيّة.
القسم الثاني: الصفات الثبوتيّة, وقد تعرّض القرآن الكريم إلى ذكر الصفات, من الصفات السلبية والثبوتيّة ضمن هذه الآية الشريفة: {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ}[22] حينئذٍ يصحّ أنْ يقال: الصفات الجلاليّة هي الصفات التي تفيد أنّه تعالى أكبر من أن يشبّه به غيرهُ, وأمّا صفات الجمال فهي الصفات التي تكرّمَ الله بواسطتها وتجمّل بها.
من هنا فقد اعتبرَ الملاّ صدرا صفات الجلالِ صفاتاً سلبيّة, مستدلاًّ عليه بقوله تعالى{تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} وقال: بما أنّ الجلال بمعنى العظمة وأنّها ينطبق عليها وصف "جلّت عن مشابهة الغير", لذلك لا بدّ وأنْ نعدَّ الصفات السلبيّة صفاتاً جلاليّة.
ثمّ يقسّم صفات الجمال الوجوديّة إلى قسمين:
أحدهما: الصفات الحقيقيّة الثابتة لله, وهي الصفات التي لا ارتباط لها مع شيء خارج عن الذات الإلهيّة؛ مثل: العلم والحياة.
ثانيهما: الصفات الإضافيّة، وهي المتعلّقة بشيء خارجٍ عن الذات, فهي صفات مضافة إلى شيء خارجيّ؛ كالخالقيّة والرازقيّة.
وجميع الصفات الإلهيّة الحقيقيّة ترجعُ إلى وجوب وجود الله, وجميع الصفات الإضافيّة ترجع إلى صفة القيوميّة, يقول الملاّ صدرا: هكذا ينبغي أنْ نعالج هذا البحث, وإلاّ لزمَ الاثنينيّة في ذات الله ولآل الأمر إلى الازدواجيّة.

    

الردّ على كلام صدر المتألهين

وفي مقام الردّ عليه ينبغي أن يقال: إنّ ما تمسّكت به من تفسير الآية الواردة في القرآن الكريم: {ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} ثمّ عبّرتَ عنه بالصفات السلبيّة والصفات الثبوتيّة, حذراً من لزوم الانثلام في الذات الإلهيّة, وهرباً من وقوع أيّ شرخٍ فيها.. هو كلام غير تامّ؛ لأنّنا لو التزمنا بأنّ الصفات السلبيّة هي صفات واقعيّة, بحيث يكون لها ثبوتٌ واقعيّ في الذات الإلهيّة, فالكلام صحيح وتامّ على هذا التقدير, ولكن حقيقة الأمر أنّ الصفات السلبيّة هي سلب السلب, وهي صفات انتزاعيّة, لا وجودَ ولا تحقّقَ لها في الذات, فصفات الجلال والجمال ليس لهما مبدأ مستقلّ بالنسبة للذات, فلا يوجد إلا صفة الحياة والعلم والقدرة, وهي بدورها تسري وتنتشر.
فالموجودات التي تمتلك قابليّة للإدراك, ولها ظرفيّة وقدرة لاستيعاب هذه الصفة, سوف تكون هذه الصفة بالنسبة لهذا الموجود صفة جمال, وأمّا بالنسبة لما هو أعلى من ذلك؛ أي حيثُ يكون النور أشدّ, فيسمّى بالجلال. وعليه ينبغي أنْ لا نسمّي الصفات الجلاليّة الإلهيّة بالصفات السلبيّة, ولا نقول بأنّ جميع الصفات الجلاليّة الإلهيّة مثل القهاريّة والعظمة والتكبّر والجبروتيّة والكبريائيّة والعزّ والجلال... وأمثال ذلك هي صفات انتزاعيّة ترجع إلى سلب السلب! كيف يمكن لنا أنْ نتفوّه بذلك؟!
وقد ورد في رواية أنّ النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم أثناء معراجه, أصابته ذرّةٌ من نور العظمة, وفني وجود النبيّ؛ فقد عبّر عن النور بنور العظمة, لا بأنّه أمرٌ عدميّ وسلب السلب, بل حتّى لو كان سلب السلب, فإنّ مرجعه ومآله إلى الوجود, فيكون سلب السلب منتزعاً من الوجود, غاية الأمر أنّ له عنوان السلب, أليس كذلك؟! فالنور الذي ترشّح وأصاب حضرةَ النبيّ هو نور العظمة وشدّة الوجود والعظمة الإلهيّة.
وجميع الروايات الواردة فيما يتعلّق بصفات الجلال الإلهيّة من قريب أو بعيد, تنبئ وتحاكي تلك المراتب الجماليّة الشديدة والمتراكمة إلى الحدّ الذي لا تقبل الإدراك والتصوّر بالنسبة للأفراد القاصرين عن بلوغ هذه المرحلة وإدراكها.
النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم, في معراجه حيث عرج إلى الأعلى حتّى يبلغَ مقام العظمة, لم يستطع جبرائيل أن يتقدّم, وعدم تمكّن جبرائيل من التقدّم يعني أنّ هذا المقام أعلى منه, فهو نور شديد ووجود قويّ, فيقول هناك: لا يمكنني التقدّم لأنّ أجنحتي تحترق، فأجنحتي من العلم، والعلم محدود. وإذا أردت أن أخطو إلى الأمام عَلَيَّ أنْ أتخلّى عن حدودي الوجوديّة، والحال أنّ الله لم يخلقني مهيّئاً لخلع حدودي الوجوديّة، فهذا لك يا رسول الله.. أنتَ الذي تستطيعُ أنْ تتخلّى عن حدودك الماهويّة, لتتحرّك بوجودك ذاك.. أمّا أنا فلا أقدر على ذلك, لذلك عليّ أنْ أبقى, ولو تقدّمت إلى الأعلى لاحترقت؛ يعني: كلّ ذاك العلم القويّ والقدرة القويّة وذاك الوجود القويّ المنيع سوف يختفي ويتلاشى, وسوف تتحلّل حقيقة جبرائيل إلى ماء، ويذوب. لذلك قال: أنا لا يمكنني التقدّم.
فخلاصة الأمر أنّ صدر المتألّهين ـ رضوان الله عليه ـ يريد أن يقول: بما أنّه ينبغي عدم إدخال شيء في الذات لأنّها محكومة بالوحدة الصرفة, يجب أن نلتزم بأنّ صفات الجلال هي صفات سلبيّة وأمور انتزاعيّة, أما صفات الجمال فهي ذاتيّة بأجمعها, ثمّ بعد ذلك يقسّم صفات الجمال إلى الحقيقيّة والإضافيّة. والحال أنّه يمكننا بكلّ سهولة أن نقول: إنّ الصّفات السلبيّة ليست موجودة في الذّات قطعاً, وإنّما الثابت للذّات هو خصوص صفات الجمال وصفات الجلال, غاية الأمر أنّ الذات متصّفة بعنوان الوحدة, وأمّا وجه تقسيمنا لها إلى عنوانيّ الجلال والجمال، فهو لأجل ملاحظة القابليّات ومستوى تحمّل الموجودات وظرفيّة الماهيّات. وعليه, فلا تشتمل الذات على صفتين: جلال وجمال, ولا اثنينيّة هناك, بل هو شيء واحد نلحظه من وجهين وباعتبارين, فالعلم القابل للتحمّل نسميّه جمالاً, وهو برتبته الأشدّ يسمّى جلالاً, والقدرة كذلك, ما يتحمّل منها فهو جمال, والأعلى جلال, لا أنّ الجمال والجلال مختلفان جنساً وماهيّة وحقيقة, هذا فيما يتعلّق بكلام الملاّ صدرا.

    

كلام الحكيم السبزواري مؤيد لصدر المتألهين في أنّ صفات الجلال هي سلب السلب

المرحوم الحاج السبزواريّ في تعليقته على منظومته ـ أي في شرح منظومته ـ تحت عنوان: "غررٌ في تكلُّمه تعالى" في أواخر بحث الإلهيّات, يرتضي هذا الرأي ويوافق الملاّ صدرا على أنّ صفات الجلال هي سلب للسلب, ويقول: الجلال سلبُ السلب, ثمّ بعد ذلك يتوقّف في تفسير الشعر المشهور والمعروف, فيذكر هذه الأبيات من الشعر وهي:
جمالك في كلّ الحقائقِ سائرُ
                             وليس له إلاّ جلالك ساترُ

فيقول الحاج السبزواريّ: هذا الشعر مع حسنه وشموخه ورفعة مضامينه وشهرته, إلاّ أنّه كيف يمكننا الالتزام بأنّ الجلال ساترٌ للجمال؟! والحال أنّ الجلال هو سلب للسلب, ومن الواضح أنّ سلب السلب هو ثبوت ووجود, فهو أمرٌ وجودي, ومعه كيف يمكن لأمرٍ وجوديّ أن يكون ساتراً!! فالساتر هو حجاب وهو عدمي لا وجودي, وحيث أنّه لا وجود للاثنينيّة في الذات الإلهيّة ولا تضادّ في الصفات؛ ليكون بعضها جمالاً وبعضها جلالاً يستر ذاك الجمال, فالساتر أمرٌ عدميّ, يرجع إلى قصور إدراك الموجودات عن إدراك العظمة, وعلى ذلك فما معنى هذا الشعر: "وليس له إلاّ جلالك ساترُ"؟! والحال أنّ الجلال هو سلب السلب, وسلب السلب أمرٌ وجوديّ, وبعد ذلك يقول: إنّنا قد أجبنا عن هذا الشعر في السابق بقولنا:
وكيف جلال الله سترُ جماله
                             ولم يك سلب السّلب قطّ يحاصرُ

أيْ كيف يمكن للجلال الإلهيّ أن يستر جماله, وليس لسلب السلب القدرة على أن يحدّ شيئاً آخر, فما هو سلب السلب؟ هو وجود, والوجود لا يصدّ ولا يمنع, بل الذي يمنع هو العدم, فالسلب هو الذي يحصر.. أمّا سلب السلب والذي هو وجود فهو سعة ورحابة, ولا يوجب المنع لشيء, والموجب للجلال هو الحصر, وسلب السلب لا يؤدّي إلى المنع والحصر بأيّ نحو من الأنحاء.

    

مناقشة كلام الحكيم السبزواري

وهنا يجب أن نقول لجناب الحاجّ السبزواريّ:
أولاً: إنّ التزامك بكون صفات الجلال سلباً للسلب ـ تبعاً للمرحوم صدر المتألّهين ـ غير صحيح. فصفات الجلال لا تغيّر صفات الجمال كما بينّاه, غاية الأمر أنّها تلحظ باعتبارين وبعنوانين مختلفين..
وأمّا قولهم بأنّ جلال الله ساتر لجماله, فلم يقصدوا أنّ نفس حقيقة الجلال ساتر, بل المراد أنّ الجلال يتحقّق في المحلّ الذي يكون فيه عنوان تعيّن, وعنوان نقص ماهويّ, وإلاّ فلو لم يكن هناك نقصٌ ماهويّ فلا يصدق الجلال ولا معنى له؛ فلو لم يكنْ التلميذ مقابل أستاذه, فلا معنى للجلال الناشئ من ناحية رفعة العلم, ولو لم نقس العبد إلى الملك, فلن يكون هناك أيّ معنى للجلال الناشئ من القدرة والعظمة, ولو لم يكن الجاهل مقابل العالم, فلا معنى لجلال العلم.
إذاً, الجلال إنّما يتحقّق في ما له حدود ماهويّة وقيود وجوديّة, أيّ له موجوديّة محدودة ومتعيّنة, وهذه الحدود والقيود هي التي منعته من إدراك المرتبة الأعلى ولذلك صارت بالنسبة له جلالاً, وهنا يتحقّق عنوان الجلال. وعليه, فعنوان الجلال يصدق في كلّ موردٍ يكون هناك ساتر؛ أيّ حيث يكون هناك تعيّن. فهم لا يريدون أنْ يقولوا بأنّ هناك جلال يغطّي الجمال بشكل حقيقيّ وخارجيّ!! فكلّ ما هو فوق وأعلى من مراتب إدراكنا وتحمّلنا وفهمنا للجمال سوف يكون جلالاً, والجمال الأعلى من ظرفيّتنا لا نسمّيه جمالاً أصلاً, بل نطلقُ عليه عنوان الجلال من أوّل الأمر, وكذلك الجمال في مراحله المتنزّلة بما يتناسب مع الظرفيّة والحدود الماهويّة فهو جمال وليس جلالاً. وحينئذٍ يكون السبب في عدم إمكانية إدراك جمال تلك الموجودات الجميلة هو بقاء ماهيّتها وحدودها الوجوديّة, وعليه يكون معنى الشعر:
جمالك في كلّ الحقائق سائرُ
                             وليس له إلا جلالك ساترُ

هو أنّه يريد أن ينبئ تحقّق هذا الجمال وسريانه في كلّ الموجودات وأنّه يسعها جميعها ويسري فيها كلّها؛ وذلك لأنّها موجودة ولها موجوديّة وتعيّن وتحقّق, كما ولها ضعف إدراكٍ بالنسبة للمراتب الأعلى, فما عجزتْ عن إدراكه من المراتب الأعلى فهو جلال, وعليه فالجلال إنّما يتصوّر في المحلّ الذي يكون فيه تعيّن.
وعلى أساس ذلك تكون عبارة المرحوم الحاجّ السبزواريّ حينما أجاب عن الشعر صحيحة, حيث قال:
                             وكيف لمْ يكُ سلبُ السلبِ قطّ يحصرُ
إلاّ أنّه ليس مرادهم من الجلال ما سبق, وإنّما مقصودهم منه هذا الساتر الماهويّ والتعيّن الوجوديّ الذي ما إن يوجد يؤدّي إلى وجود الجلال بتبعه.
يقول المثل المغربي:
انوار جمال اوست در ديده هر مؤمن
                             آثار جلال اوست در سينه هر كافر[23]

    

كلّما ترقّى المؤمن أصبح الجلال بالنسبة إليه جمالاً على عكس الكافر

يترقّى المؤمن بشكلٍ دائم ويتخطّى مراتب التقيّد, فتلفّه أنوارُ الجمالِ من رأسه إلى أخمص قدمه؛ لأنّ المؤمن يترقّى بشكل دائم, وكلّما يرتفع ويحلّق عالياً تصبحُ تلك المراتب الجلالية ـ التي كانت جلالاً بالنسبة إليه ـ جمالاً, فلا يبقى أمامه جلال حينئذ. أمّا الكافر, فبما أنّه في ابتعاد دائم, يبتعد عن رحمة الله بشكل مستمر, ويشتدّ تعيّنه ويقوى بشكل دائم, ويزداد حجابه ويغلظ. وحينئذٍ سوف يزداد الجلال بالنسبة له, لذلك يتوّقف ويُضربُ بالعصا ويمنعُ من التقدّم والرقيّ؛ لأنّ وجوده ضعيف..
إذاً, ليستْ آثار الجلال في صدر الكافر, وإنّما تعيّنه شديد، وشقاوته كثيرة، ومشقّته كبيرة؛ لأنّ الحزام واللجام محكم جداً, وحينما يكون اللجام محكماً جداً سوف يعجز عن الحركة نحو المراتب العالية؛ لأنّه مقيّد بها. وحينئذٍ لن تظهر آثار الجلال في قلبه.. آثار الجلال غير موجودة في قلب الكافر.. فقلب الكافر ضيق ومحدود وفيه تعيّن وتقيّد شديد, وفي أيّ مكان يحلّ فيه, سوف يلفّه الجلال بسوطه, ويقول له: لا تتقدّم!!
بينما نرى النبيّ الأكرم قد راح مع الجمال وفنيَ في الذات الإلهيّة, ولعنَ الشيطان, وقال له {وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ}[24]
يعني: اذهبْ ولا تقتربْ, لا بمعنى أنّ الشيطان هو مظهر للجلال؛ فأين الشيطان من جلال الله؟! فذات الله هي مظهر جلال ذاته, وأمّا الشيطان فهو موجود له تعيّن كبير جدّاً, تقيّده شديد جداً, لذلك ضُرب بالعصا, يعني: جميع مراتب الجلال تضربه قائلة له: لا تقترب! لا تتجاوز مرحلة العلم! ومن الناحية الوجوديّة لا تتقدّم! من ناحية الحياة لا تتقدّم! من جهة القدرة لا تتقدّم! لا تترقى أبداً! الزم حدودك وابقَ محبوساً هناك!
هذا المطلب الذي بينّاه دقيق جداً, وقد أجبنا عن كلام الملاّ صدرا وكذلك الحاجّ السبزواريّ.

    

لا بدّ من قطع العلائق والتعيّنات ليصل العبد إلى الكمال والفناء

خلاصة المطلب أنّ إلهنا جميل, وجماله عينُ جلاله, وهو شيء جيدٌ جدّاً!
"يا منْ أظهرَ الجميلَ وسَتَرَ القَبيحَ"[25] ما هو القبيح؟ هي تلك الحدود الماهويّة, إلاّ أنّ الجمال ـ أيْ ذاك الوجود ـ سارٍ وجار.
وإذا أراد الإنسان أن يبلغ مرحلة الكمال ـ تماماً كالطفل الذي يذهب إلى المدرسة الابتدائيّة ـ ففي اليوم الأوّل يمزّقُ تعيّناً ويعدمه، وذلك بواسطة ما تعلّمه من الكلمات, وهكذا في اليوم الثاني ثمّ الثالث.. حيث يأتي ليلاً ويجلس قرب المصباح ويدرس ويقرأ، ويضغط على نفسه.. فيزاح ستار الجهل شيئاً فشيئاً، ويتمزّق ذلك الحزام والتعيّن، ويتجاوز مرحلة اللعب والطفولة ويسترشد بالعلم ويتقدّم إلى الأمام. كذلك الإنسان عليه أنْ يتخلّى عن مراتبه الماهويّة، لكن كيف يتسنّى للإنسان ذلك؛ فمن جانبٍ هو جماد, ومن طرف ثانٍ هو حيوان! فالإنسان حيوان أيضاً, وهو صاحب شهوة وصاحب غضب، ولديه وهم وغير ذلك... فالإنسان منشغلٌ في ذلك ولا بدّ له من قطع هذه الأحزمة, ليأتي إلى الأعلى ويحلّق في مقام العبوديّة؛ ليطوي كلّ يومٍ مرحلة.. وينكشفَ له كلّ يومٍ معرفة.. ويظلّ يقطّعُ الأحزمة حتّى يرتفع التعيّن ويزول, فيصبح الإنسان في مقام السعة.
ثمّ إنّ لتلك السعة ـ بالنسبة إلى رتبتها ـ تعيّن وحدّ, وعليه أنْ يزيله ليدخل في عالم أوسع.. يظلّ يفعل ذلك حتّى يستطيع الورود في تلك العوالم.. العوالم التي كانت جلالاً بالنسبة له؛ يعني: أنّ ذاك النور الإلهيّ ومراتب الموجودات المجرّدة والملأ الأعلى, والتي كانت تضرب الإنسان بعصاها قائلة له: ليس من حقّك التقدّم إلى هنا... حينما يقطع الإنسان اللجام ويمزّق الحزام, ويرد في عالم السعة, يصبح بإمكانه الورود, فليس عليه أيّ حزام أو رباط؛ لأنّ الضرب بالعصا ينصبّ على من يكون مقيّداً باللجام ومتعيّناً, ولكن حينما تمزّق هذا الحزام وانعدم فقد أصبح بإمكان الإنسان أنْ يفهم, ويبلغَ مقام الأسماء والصفات, ويفنى فيها, ثمّ بعد الفناء في الأسماء والصفات يفنى في الذات.
هذه خلاصة المطالب المتقدّمة والتي كانت تدور حول الجمال والجلال الإلهي, وقد بينّاها حسبما وعدناكم من قبل.

    

نتيجة قطع الإنسان المراتب الجلاليّة

وحينما يعبر الإنسان إلى المراتب الجماليّة؛ أي ضمن المراتب المختلفة من الجمال, ثمّ يصل إلى حقيقة الجلال في مراتبه العالية.. ماذا يظهر له حينئذٍ وكيف يشعر؟ وأيّ نوعٍ من نور الله يتجلّى له؟ وهل تظهر آثار الصفات فيه؟ هذه مطالب وبحوث هامّة. إن شاء الله نبيّن ذلك إنْ وفّقنا الله العليّ الأعلى ضمن جلسة مفصّلة، ونوضّح أنّه من أيّ نوع هو ذاك النور؟ والإنسان في هذه المرحلة, أيّ نوعٍ من ظهور الله يكون؟ وما معنى "عبدي أطعني حتّى أجعلك مِثْلِي أو مَثَلِي؟"[26] ثمّ ما معنى بزوغ نور الله في النفس.. ومن أيّ نوعٍ هو؛ بحيث تظهر جميع الموجودات للإنسان، ولا يبقى شيءٌ مخفيّ بالنسبة له ليصبح الإنسان مركز إرادة الله.. وكلّ شيء يختاره الإنسان يكون الله قد اختاره.. وأيّ شيء يريده الإنسان يكون الله قد أراده. إن شاء الله أنا مدينٌ لكم بعرض هذا البحث.
نسأل الله العليّ الأعلى بحقّ المقرّبين من عرشه أنْ يقطعَ كلّ حبائل عالم التعيّن وأحزمته, وأنْ يخرجنا من ضيق عالم الجهات, وأنْ يجعلنا في فسيحِ عالم التجرّد والعلم والقدرة والحياة الإلهيّة الواسعة, وأنْ يخرجنا من جميع مراتب التعيّن, ويلحقنا بمعدن العظمة وعزّ قدس ذاته, وأنْ يزيل عنّا تبعاً لذلك جميع الصفات الرذيلة التي تستوجب التقيّد والتعيّن.


[1] ـ سوره النّور (24) صدر آية 35.

[2] ـ بحار الأنوار، 15: 24.

[3] ـ عوالي اللآلي 4: 99 وبحار الأنوار 1: 97.

[4] ـ بحار الأنوار 54: 309.

[5] ـ عوالي اللآلي 1: 418 وبحار الأنوار 16: 402.

[6] ـ سورة الرحمن (55) الآية 78.

[7] ـ الإرشاد للشيخ المفيد 1: 224 والاحتجاج للطبرسي 1: 313 وبحار الأنوار 3: 310 وتفسير الميزان 6: 172 و8: 63.

[8] ـ التوحيد للشيخ الصدوق صفحة 179 وكذلك البحار 3: 327 ونور البراهين للسيد نعمة الله الجزائريّ 1: 254.

[9] ـ التوحيد للشيخ الصدوق صفحة 143وصفحة 192 وتحف العقول صفحة 328 وبحار الأنوار 4: 161 ونور البراهين 1: 360 وتفسير الميزان 8: 265.

[10] ـ الشاعر يخاطب نفسه هنا ويقول لها: حافظ! أنت حجاب نفسك فقم واقلعها!!

[11] ـ أنت ذاك الكنز المخفيّ والمستور عن عين كلا العالمين الدنيا والآخرة، فأنت المخفيّ في خرابة القلب

[12] ـ جمالك ظاهر في العالم, وليس له خفاء فلو كان مخفيّا في العالم فأيّ شيء هو يكون عياناً في هذا العالم؟! أصبح العالم مظهراً لحسن الحبيب وجماله, فيا محبوب قل لي: أينَ هو مظهر هذا العالم وأين هي حقيقة هذا العالم!!

[13] ـ يقول: عندي حبيبٌ خلف الستار, جميل إلى الحدّ الذي لا يمكن لتمام الموجودات أن تنظر إليه, لا يمكنهم مشاهدته إلاّ من وراء حجاب, فهذا الستار هو تعيّنات الموجودات. فالعالم مثل الستار المنقّش, والأشياء في العالم كلّها صورة هذا الستار فهذا الستار قطعني وحجبني عنك, وهو علّة انعزالي عنك, فالستار يوجب البينونة بيني وبينك كلا, لا يقدر غطاء الستار أن يجعل بيننا البينونة

[14] ـ يعني: من صفاء الشراب ولطافة الكأس, اختلط لون الكأس ولون الشراب. كأنّ كلّ شيء هو الكأس, وكأنّه ليس في الكأس شراب, وذلك بسبب شدّة اختلاطهما فلا يتميّز أحدهما عن الآخر.

[15] ـ يعني: الوجود دخل في العدم, فعلى الأثرياء أنْ يجودوا على الفقراء ( الثري هو الوجود والفقراء هم العدم). فالشخص المجبّر (الذي يجبر العظم) هو الذي يذهب إلى البيت الذي فيه قدم مكسورة (إشارة إلى أنّ الوجود هو الكريم وأنّ الله هو المفيض دون العدم).

[16] ـ منية المريد للشهيد الثاني صفحة 123وكذلك كتاب الدعوات لقطب الدين الراوندي صفحة 120وعدة الداعي لابن فهد الحلّي صفحة 165 وبحار الأنوار 70: 157ولكن بدون قوله (والمندرسة قبورهم) نعم قد ورد عين هذا النص في إثنا عشر رسالة للمحقق المير داماد 8: 18 وكشف الخفاء للعجلوني 2: 325.

[17] ـ يعني: فالشخص المجبّر (الذي يجبر العظم) هو منْ يذهب إلى البيت الذي فيه قدم مكسور (إشارة إلى أنّ الوجود هو الكريم وأنّ الله هو المفيض دون العدم). كلّ النقائص الكائنة في العالم مرآة لوصفه ومبرزة لكون الكمال منحصر به دون غيره, فهذه الحقارة والخسّة مرآة لعزّة جلاله.

[18] ـ يعني: وعنايتك وعطوفة جمالك تطلع على كلّ ذرّات العالم ولكن العين العمياء لا تفهم ولا ترى شيئاً من هذه المسألة.

[19] ـ فالكنز مخفيّ تحت كلّ الطلاسم وعند العارف صار المسمّى (الكنز) عين الاسم (الطلسم). لو كان عندك عين ترى الحق واقعاً (وهو حال الأحول) لكنت ترى كلّ ذرّة صورة الحبيب ولكنّك أحول.

[20] ـ فهو ليس مركّباً ولا جسماً ولا مرئيّاً ولا محلاً لمكان, ولا شريك له, بل هو أن تعلم بأنّه غنيّ عن كلّ هذه الأوصاف.

[21] ـ الأسفار الأربعة 6: 118.

[22] ـ سورة الرحمن (55) الآية 78.

[23] ـ يعني: أنوار جمال المولى تطلع في عين المؤمن, وآثار جلال الله تعالى تطلع من صدر الكافر (الذي يحجبه فعله عن الجمال).

[24] ـ سورة ص (28) الآية 78.

[25] ـ مصباح المتهجّد, الشيخ الطوسي, صفحة 70. طباعة مؤسسة فقه الشيعة بيروت.

[26] ـ بحار الأنوار 102: 165.

      
  

جميع الحقوق محفوظة لـ موقع المتقين www.motaghin.com ويسمح باستخدام المعلومات بشرط الإشارة إلى المصدر.

© 2008 All rights Reserved. www.Motaghin.com


Links | Login | SiteMap | ContactUs | Home
عربی فارسی انگلیسی