معرض الصور المحاضرات صوتيات المكتبة سؤال و جواب اتصل بنا الرئیسیة
 
اعتقادات و كلام أخلاق حکمة عرفان العلمي و الإجتماعي التاریخ القرآن و التفسير
المكتبة > محاضرات العلامة الطهراني > كتاب أنوار الملكوت > نور ملكوت المسجد > المجلس الثاني ـ الآداب الظاهريّة والباطنية للمسجد

_______________________________________________________________

هو العليم

أنوار الملكوت

نور ملكوت المسجد

المجلس الثاني : تفسير آية

{إنّما يعمر مساجد الله من آمن بالله و اليوم الآخر و أقام الصلاة و آتى الزكاة و لم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين}

 

من مصنّفات العلاّمة الراحل

آية الله الحاجّ السيّد محمّد الحسين الحسيني الطهراني قدس الله نفسه الزكيّة

_______________________________________________________________

تحميل ملف البد دي أف                                          

بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة على محمّد وآله الطاهرين
ولعنةُ الله على أعدائهم أجمعين من الآن إلى قيام يوم الدين

{إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ أَقامَ الصَّلاةَ وَءاتَى الزَّكاةَ وَ لَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسى‏ أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدينَ}.[1]

    

طرف من آداب المسجد الظاهريّة بحسب أهل البيت عليهم السلام

تنقسم عمارةُ المسجد إلى قسمين:
الأوّل: العمارة الظاهريّة، وتكون ببنائه والعناية به وترميمه، مضافاً إلى كَنسِه و إنارته وما شابه ذلك، وقد تناولت الروايات هذا الموضوع مفصّلاً وحثّت عليه ورغّبت به.

    

1 استحباب بناء المساجد و الأجر العظيم على ذلك

رُويَ في «من لا يحضره الفقيه» ، وكذا في «الكافي» بإسناده عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي عُبَيدة الحَذّاء، قال:
سمعتُ أبا عبد الله عليه السلام يقول: مَنْ بَنَى مَسْجِداً كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: وَ مَرَّ بِي أُبو عَبدِ اللهِ وَأَنَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ أَضَعُ الأَحْجَار،َ فَقُلْتُ: هَذِهِ مِنْ ذَاكَ؟ قَالَ: نَعَمْ![2]
وفي كتاب «عقاب الأعمال» للصدوق، روى بإسناده، قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: مَنْ بَنَى مَسْجِداً فِي الدُّنْيَا أَعْطَاهُ اللهُ بِكُلِّ شِبْرٍ مِنْهُ ـ أَوْ قَالَ بِكُلِّ ذِرَاعٍ مِنْهُ ـ مَسِيرَةَ أَرْبَعِينَ أَلْفَ عَامٍ مَدِينَةً مِنْ ذَهَبٍ وَ فِضَّةٍ وَ دُرٍّ وَ يَاقُوتٍ وَ زُمُرُّدٍ وَ زَبَرْجَدٍ وَ لُؤْلُؤٍ؛ الْحَدِيث‏.[3]

    

2 كراهة تسقيف المساجد

ورُويَ في «وسائل الشيعة»، و «التهذيب» للمرحوم الطوسي عن الحلبي، قال:
سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللهِ عليه السلام عَنِ الْمَسَاجِدِ الْمُظَلَّلَةِ، أَيُكْرَهُ الصَّلاةُ فِيهَا؟ قَالَ: نَعَمْ! وَلَكِنْ لا يَضُرُّكُمُ الْيَوْمَ، وَلَوْ قَدْ كَانَ الْعَدْلُ لَرَأَيْتُمْ كَيْفَ يُصْنَعُ فِي ذَلِك![4]
وفي «من لا يحضره الفقيه» ورد ما يلي:
وقال أبو جعفر: أوّلُ ما يَبْدَأُ بِهِ قَائِمُنا سُقُوفُ المَسَاجِدِ، فيُكسِّرُها [ويأمُرُ بِها] فَتُجَعَلُ عَريشَاً كَعَريشِ مُوسَى.[5]
قال صاحب «الوسائل» :وَ يَأْتِي أَيْضاً فِي الصَّلاةِ الْمَنْدُوبَةِ وَفِي صَلاةِ الْعِيدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ لا يَكُونَ بَيْنَ الْمُصَلِّي وَ [بَيْنَ] السَّمَاءِ حَائِلٌ وَ لا حِجَابٌ، وَ أَنَّهُ مِنْ أَسْبَابِ قَبُولِ الصَّلاةِ وَإِجَابَةِ الدُّعَاء؛ انتهى.[6]

    

3 كراهة وضع الصور في المسجد

ومن آداب المسجد الأخرى: أن لا توضع فيه صورة.
[ورد في] «الكافي» بإسناده عن عَمرو بن جُمَيع، قال:
سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ عليه السلام عَنِ الصَّلاةِ فِي الْمَسَاجِدِ الْمُصَوَّرَةِ، فَقَالَ: أَكْرَهُ ذَلِكَ، وَلَكِنْ لا يَضُرُّكُمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ؛ وَلَوْ قَدْ قَامَ الْعَدْلُ لَرَأَيْتُمْ كَيْفَ يُصْنَعُ فِي ذَلِكَ![7]

    

4 أن لا يبنى عالياً مرتفعاً مُشرِفاً

ومن آدابه: أن لا يُبنى عالياً ومرتفعاً فيصبح بابه ونافذته مُشرِفة على الخارج.
ورَوى في «الكافي» بإسناده عن الإمام محمد الباقر عليه السلام:
أَنَّ عَلِيّاً عليه السلام رَأَى مَسْجِداً بِالْكُوفَةِ وَ قَدْ شُرِّفَ، فَقَالَ كَأَنَّهُ بِيعَةٌ! وَ قَالَ: إِنَّ الْمَسَاجِدَ تُبْنَى جُمّاً[8] لا تُشَرَّفُ.[9]
وينقل المرحوم المفيد في «الإرشاد» عن الإمام محمّد الباقر عليه السلام أنّه قال:
إِذَا قَامَ الْقَائِمُ لَمْ يَبْقَ مَسْجِدٌ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ لَهُ شُرَفٌ إِلاَّ هَدَمَهَا.[10]

    

5 أن لا ينام فيه ويجنّبه كل ما ينفّر الطبع

ومن آداب المسجد: أن لا يُنام فيه، ولا تُلقى فيه النخامة أو البصاق، كما أنّ على من أكل الثوم والبصل والكرّاث أو جميع ما ينبعث بسببه رائحةٌ حادّةٌ ومؤذيةٌ ألاّ يذهب إلى المسجد.
كما وينبغي أن لا يُلوّث المسجد بالنجاسة أيضاً. فقد روي عن رسول الله، أنّه قال:
جَنِّبُوا مَسَاجِدَكُمْ النَجَاسَةَ![11]

    

6 يكره أن تبنى المنارة أعلى من سطحه

ومن آداب المسجد: عدم بناء منارته أعلى من سطحه. فقد روي عن الشيخ الطوسي بإسناده عن عليّ بن جعفر، قال:
سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ عليه السلام عَنِ الأَذَانِ فِي الْمَنَارَةِ، أَسُنَّةٌ هُوَ؟ فَقَالَ: إِنَّمَا كَانَ يُؤَذَّنُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسلّم فِي الأَرْضِ فَلَمْ تَكُنْ يَوْمَئِذٍ مَنَارَةٌ.[12]
وقد روى الشيخ الطوسي بإسناده عن البرقيّ عن النوفليّ عن السكونيّ عن جعفر [الصادق] عن أبيه عن أبائه عليهم السلام:
أَنَّ عَلِيّاً عليه السلام مَرَّ عَلَى مَنَارَةٍ طَوِيلَةٍ فَأَمَرَ بِهَدْمِهَا و [ثُمَّ] قَالَ: لا تُرْفَعُ الْمَنَارَةُ إِلاَّ مَعَ سَطْحِ الْمَسْجِدِ![13]

    

7 إستحباب وضع مكان الوضوء على باب المسجد

ومن آداب المسجد: أن تُجعل الميضاة[14] على أبواب المساجد. فقد روى الشيخ الطوسي بإسناده عن أبي إبراهيم، قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وآله وسلّم فِي حَدِيثٍ: وَ اجْعَلُوا مَطَاهِرَكُمْ عَلَى أَبْوَابِ مَسَاجِدِكُمْ.[15]

    

8 استحباب كنسه، وبالأخصّ يوم الخميس

ومن آدابه أيضاً: أن يكنس المسجد، وبالأخص يومَ الخميس. رُويَ في كتاب «من لا يحضره الفقيه» عن رسول الله أنّه قال: مَنْ كَنَسَ الْمَسْجِدَ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَلَيْلَةَ الْجُمُعَةِ فَأَخْرَجَ مِنْهُ مِنَ التُّرَابِ مَا يُذَرُّ فِي الْعَيْنِ غَفَرَ اللَّهُ تعالى لَهُ.[16]

    

9 أن لا يشتغل فيه بأعمال تنافي الصلاة في المسجد

ومن آداب المسجد؛ أن لا يُشتغل فيه بالأعمال المنافية للصلاة في المسجد: من البيع والشراء، وإنشاد الضالّة، وبَرْيِ النْبل، والخياطة، وقراءة الشعر، والقضاء، وترك الصبيان والمجانين فيه، وغير ذلك.
يروي الشيخ الطوسي بإسناده عن الإمام الصادق عليه السلام، أنّه قال:
جَنِّبُوا مَسَاجِدَكُمُ الْبَيْعَ وَ الشِّرَاءَ وَالْمَجَانِينَ وَالصِّبْيَانَ وَالأَحْكَامَ والضَّالَّةَ وَالْحُدُودَ وَرَفْعَ الصَّوْت.[17]
و يروي في «المجالس» بإسناده عن أبي ذَر عن رسول الله، أنّ من جملة وصاياه صلوات الله عليه وآله وسلّم، أنّه قال:
يَا أَبَا ذَرٍّ ! الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ وَكُلُّ خُطْوَةٍ تَخْطُوهَا إِلَى الصَّلاةِ صَدَقَةٌ. يَا أَبَا ذَرٍّ ! مَنْ أَجَابَ دَاعِيَ اللهِ وَأَحْسَنَ عِمَارَةَ مَسَاجِدِ اللهِ كَانَ ثَوَابُهُ مِنَ اللهِ الْجَنَّةَ، فَقُلْتُ: كَيْفَ يُعْمَرُ مَسَاجِدُ اللهِ؟ قَالَ: لا تُرْفَعُ فِيهَا الأَصْوَاتُ، وَلا يُخَاضُ فِيهَا بِالْبَاطِلِ، وَلا يُشْتَرَى فِيهَا وَلا يُبَاعُ، وَاتْرُكِ اللَّغْوَ مَا دُمْتَ فِيهَا؛ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَلا تَلُومَنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلاَّ نَفْسَكَ.[18]
وروى المرحوم الصدوق، قال:
سَمِعَ النَّبِيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم رَجُلاً يُنْشِدُ ضالّته [ضَالَّةً] فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: قُولُوا لَهُ: لا رَدَّ اللَّهُ عَلَيْكَ! فَإِنَّهَا لِغَيْرِ هَذَا بُنِيَتْ.[19]
ورُوي في «الكافي» عن الإمام علي بن الحسين عليهما السلام، قال:
قَالَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وآله وسلّم: مَنْ سَمِعْتُمُوهُ يُنْشِدُ الشِعْر فِي المسجد [الْمَسَاجِدِ] فَقُولُوا: فَضَّ اللَّهُ فَاكَ! إِنَّمَا نُصِبَتِ الْمَسَاجِدُ لِلْقُرْآنِ.[20]
يقول المرحوم الشيخ ورّام بن أبي فِراس في كتابه، أنّه:
قَالَ عليه السلام: يَأْتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ يَأْتُونَ الْمَسَاجِدَ فَيَقْعُدُونَ حَلَقاً، ذِكْرُهُمُ الدُّنْيَا وَ حُبُّ الدُّنْيَا، لا تُجَالِسُوهُمْ! فَلَيْسَ لِلَّهِ فِيهِمْ حَاجَةٌ.[21]

    

طرف من آداب المسجد الباطنيّة وكيفيّة عمارته الحقيقيّة

 

    

1 المسجد هو مركز عبادة المؤمن، يتردّد إليه دائماً

وأمّا الآداب الباطنيّة والعمارة الحقيقيّة للمسجد، فهي: أن يتردّد المؤمنون إلى المسجد دائماً، فيجعلوه محلاً للصلاة وتلاوة القرآن.
يروي في كتاب «التهذيب» بإسناده عن الأصبغ بن نباتة عن عليّ بن أبي طالب عليه السلام، قال:
كانَ يَقُولُ: مَنِ اختَلَفَ إلَى المَسجِدِ أصابَ إحدَى الثَّمانِ: أخًا مُستَفادًا في اللهِ، أو عِلمًا مُستَطرَفًا،( ) أو آيَةً مُحكَمَةً، أو سَمِعَ كَلِمَةً تَدُلُّهُ عَلَى هُدًى، أو رَحمَةً مُنتَظَرَةً، أو كَلِمَةً تَرُدُّهُ عَن رَدًى، أو يَترُكُ ذَنبًا خَشيَةً أو حَياءً.[23]
كما ورد في «من لا يحضره الفقيه» :
وَإنَّ اللهَ تَبارَكَ وتَعالَى لَيُرِيدُ عَذابَ أهلِ الأرضِ جَمِيعًا حَتَّى لا يُحاشِىَ مِنهُم أحَدًا، فَإذا نَظَرَ إلَى الشِّيبِ ناقِلِي أقدامِهِم إلَى الصَّلَواتِ والوِلدانِ يَتَعَلَّمُونَ القُرآنَ، رَحِمَهُمُ اللهُ فَأخَّرَ ذَلِكَ عَنهُم.[24]
وروى الصدوق في كتابه «الخصال» عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم:
قالَ: سَبعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ في ظِلِّهِ يَومَ لا ظِلَّ إلاّ ظِلُّهُ: إمامٌ عادِلٌ، وشابٌّ نَشَأ في عِبادَة اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، ورَجُلٌ قَلبُهُ مُتَعَلِّقٌ بِالمَسجِدِ إذا خَرَجَ مِنهُ حَتَّى يَعُودَ إلَيهِ، ورَجُلانِ كانا فى طاعَة اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فَاجْتَمَعا عَلَى ذَلِكَ و تَفَرَّقا، ورَجُلٌ ذَكَرَ اللهَ خالِيًا فَفاضَت عَيناهُ، ورَجُلٌ دَعَتهُ امْرَأة ذاتُ حَسَبٍ و جَمالٍ فَقالَ: إنِّي أخافُ اللهَ! ورَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَة فَأخفاها حَتَّى لا تَعلَمَ شِمالُهُ ما يَتَصَدَّقُ بِيَمِينِهِ.[25]
ورَوى كذلك في «من لا يحضره الفقيه» ، قال:
رُوِيَ أنَّ في التَّوراة مَكتُوبًا: إنَّ بُيُوتِي في الأرضِ المَساجِدُ؛ فَطُوبَى لِعَبدٍ تَطَهَّرَ في بَيتِهِ ثُمَّ زارَنِي في بَيتِي! ألا إنَّ عَلَى المَزُورِ كَرامَة الزّائِرِ! ألا بَشِّرِ المَشّائِينَ في الظُّلُماتِ إلَى المَساجِدِ بِالنُّورِ السّاطِعِ يَومَ القِيامَة!( )
ورُوي في كتاب «علل الشرايع» بإسناده عن أمير المؤمنين عليه السلام، أنّه قال:
إنَّ اللهَ إذا أَرَادَ أن يُصِيبَ أهلَ الأرضِ بِعَذابٍ قَالَ: لَولا الَّذِينَ يَتَحَابُّونَ بِجَلالِي،‏ ويَعمُرُونَ مَسَاجِدِي ويَستَغفِرُونَ بِالأسْحَارِ، لأنزَلتُ عَذابِي![27]

    

2 المؤمن لا يُعرض عن المسجد، وقصّة مسجد ضرار

بل إنّه ورد في الأخبار نهيٌ شديدٌ، عن الأشخاص الذين يُعرِضون عَن المسجد ولا يحضرون في الصلوات، ويتّخذون لأنفسهم أماكن أخرى. وقد أورد الكتاب المجيد قصّة مسجد أبي عامر الراهب؛ المعروف بمسجد ضِرار، فاعتَبرَ من كان يحضر فيه محارباً لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم؛ [قال تعالى] :
{وَالَّذينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَ كُفْراً وَ تَفْريقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنينَ وَ إِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَ لَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلاَّ الْحُسْنى وَ اللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُون}.[28]
والقصّة: أنّ طائفة من المنافقين قامت ببناء مسجد في قبال مسجد قباء رغبةً منهم في إحداث شرخٍ بين المسلمين، وجعلهم عرضة للنفاق والتفرقة، فبنوه لكي يقلّ عدد الأفراد المتردّدين إلى مسجد قباء أو مسجد الرسول؛ وهذا هو المراد من {ضِراراً} . فأسّسوه وبنوه لأبي عامرٍ الراهب الذي كان من المحاربين لله ورسوله، وهذا هو معنى {وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَه}.‏
وبيان القصّة كما نُقلت في «مجمع البيان»[29] ، كالتالي:
كان أبو عامرٍ قد ترهّب في الجاهليّة، ولبس المسوح، فلمّا قدم النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم المدينة، حسده وحزَّب عليه الأحزاب، ثمّ هَرب بعد فتح مكّة إلى الطائف، ولمّا أسلم أهل الطائف، لحق بالشام، وخرج إلى الروم، وتنصّر (وهو والد حنظلة الملقّب بغسيل الملائكة، الذي قُتِل مع النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم يوم أحد) .
وسمّى النبيّ أبا عامر بالفاسق، وكان أبو عامر قد أرسل إلى المنافقين أن استعدّوا، وابنوا مسجداً، فإنّي ذاهبٌ إلى قيصر، وسوف آتيكم من عنده بالجنود، وأُخرِجَ محمّداً من المدينة، فكان هؤلاء المنافقين يتوقّعون أن يجيئهم أبو عامر، فمات قبل أن يبلغ ملك الروم.
ولمّا قدم رسول الله من غزوة تبوك، أنزل الله تعالى الآية، وأخبره بأنّ هذا المسجد مسجد ضرار! فوجّه النبيّ عاصم بن عَوف ومالك بن دخشم، وروي أنّه بعث عمّار بن ياسر ووحشي، حتى يهدماه من أساسه ويحرقاه، وأمر بأن يتّخذ كناسة يلقى فيها الجيف. فجاء المنافقون ـ الذين باشروا ببناء المسجد ـ من بني غَنم بن عَوف إلى النبيّ، يحلفون: ما أردنا ببناء هذا المسجد إلا الفعلة الحسنى {إِنْ أَرَدْنا إِلاَّ الْحُسْنى وَ اللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُون} وإعانة الضّعفاء والعجزة. ولأنّ الله مطّلع على نواياهم، قال: {وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُون}.‏
حينها يقول الله سبحانه: { لا تَقُمْ فيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى‏ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فيهِ فيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرينَ * أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى‏ تَقْوى‏ مِنَ اللهِ وَ رِضْوانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى‏ شَفاجُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ[30] بِهِ في‏ نارِ جَهَنَّمَ وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمينَ * لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذي بَنَوْا ريبَةً في‏ قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَليمٌ حَكيمٌ}.[31]
يقول الله تعالى: «لا تقم في ذلك المسجد أبداً (لأنّه قد بُنيَ على أساس النفاق والإلحاد والكفر والضرار) ! أليس مسجد قباء الذي بُني على أساس التقوى والإيمان والطهارة، وكان منذ اليوم الأوّل مركزاً لنشر الإيمان والمعرفة، أفضل وأحقّ بأن تذهب إليه وتقوم فيه بالصلاة؟! ففيه أناس يريدون أن يتطهّروا ويرغبون بالطهارة المطلقة.
وهل المسجد الذي بُني على أساسٍ من تقوى الله ورضوانه أفضل، أم المسجد الذي بني بلا أعمدة أو أُسس؛ ومثله كالبناء الذي شُيّد على جانب النهر فأفرغ دفع الماء القويّ ما تحته؟! ومن البديهيّ، أنّ هذا البناء سيسقط وينهار في النهر، وكذلك مسجدهم الذي لا يستند إلى أيّة حقيقة، بل يقوم على أوهامهم وأفكارهم الشيطانيّة، فإنّه سينهار في جهنّم، والله لا يعين الظالمين ولا يهديهم.
يا أيّها النبيّ! هذا البنيان الذي بنوه سيكون سبباً للشّك والريب في قلوبهم دائماً، ولن يرتفع عنهم هذا الشك، حتّى يهلكوا وتتقطّع قلوبهم قطعة قطعة، والله عليم حكيم».

    

3 المسجد هو مكان اجتماع المسلمين، وجار المسجد لا يصلّي إلاّ فيه

لذا ينبغي على المسلمين جميعاً أن ينبذوا الفرقة، وأن يجتمعوا مع بعضهم البعض في مسجدٍ واحدٍ على أساس التوحيد والتقوى والطهارة، وأمّا مَن يتخلّف عن جماعة المسلمين فإنّه يتسبّب بسخط صاحب الشريعة.
يروي الشيخ الطوسي بإسناده عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام، قال:
سَمِعْتُهُ يَقُولُ: إِنَّ أُنَاساً كَانُوا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ ـ صَلّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّم ـ أَبْطَئُوا عَنِ الصَّلاةِ فِي الْمَسْجِدِ. فَقَالَ النبيّ [رَسُولُ اللهِ] صَلّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّم: لَيُوشِكُ قَوْمٌ يَدَعُونَ الصَّلاةَ فِي الْمَسْجِدِ أَنْ نَأْمُرَ بِحَطَبٍ فَيُوضَعَ عَلَى أَبْوَابِهِمْ فَتُوقَدَ عَلَيْهِمْ نَارٌ فَتُحْرَقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتُهُمْ.[32]
ويروي الشيخ الطوسي بإسناده عن أمير المؤمنين عليه السلام، قال:
لا صَلاةَ لِمَنْ لا [لَمْ] يَشْهَدِ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ مِنْ جِيرَانِ الْمَسْجِدِ إِذَا كَانَ فَارِغاً صَحِيحاً.[33]
كذلك يروي الشيخ الصدوق في «الخصال» بإسناده عن أمير المؤمنين عليه السلام:
حَرِيمُ الْمَسْجِدِ أَرْبَعُونَ ذِرَاعاً، وَالْجِوَارُ أَرْبَعُونَ دَاراً مِنْ أَرْبَعَةِ جَوَانِبِهَا.[34]
وفي «الأمالي» يروي الشيخ الطوسي بإسناده عن زُرَيق عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام أنّه يقول:
رُفِعَ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام بِالْكُوفَةِ أَنَّ قَوْماً مِنْ جِيرَانِ الْمَسْجِدِ لا يَشْهَدُونَ الصَّلاةَ جَمَاعَةً فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ عليه السلام: لَيَحْضُرُنَّ مَعَنَا [صَلاتَنَا] جَمَاعَةً أَوْ لَيَتَحَوَّلُنَّ عَنَّا وَ لا يُجَاوِرُونَا وَ لا نُجَاوِرُهُمْ.[35]
ورُوي عن زُرَيق عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام، أنّه قال:
شَكَتِ الْمَسَاجِدُ إِلَى اللهِ تَعَالَى الَّذِينَ لا يَشْهَدُونَهَا مِنْ جِيرَانِهَا، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهَا وَعِزَّتِي وَ جَلالِي! لا قَبِلْتُ لَهُمْ صَلاةً [وَاحِدَةً] وَ لا ظهر [أَظْهَرْتُ] لَهُمْ فِي النَّاسِ عَدَالَةً، وَ لا نَالَتْهُمْ رَحْمَتِي، وَ لا جَاوَرُونِي فِي جَنَّتِي![36]
وينقل المرحوم الكليني بإسناده عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:
ثَلاثَةٌ يَشْكُونَ إِلَى اللهِ عَزَّ وَ جَلَّ: مَسْجِدٌ خَرَابٌ لا يُصَلِّي فِيهِ أَهْلُهُ، وَعَالِمٌ بَيْنَ جُهَّالٍ، وَمُصْحَفٌ مُعَلَّقٌ قَدْ وَقَعَ عَلَيْهِ الْغُبَارُ لا يُقْرَأُ فِيهِ.[37]
ورُوي عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، أنّه قال:
يَجِي‏ءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَلاثَةٌ يَشْكُونَ: الْمُصْحَفُ وَ الْمَسْجِدُ وَ الْعِتْرَةُ. ويَقُولُ الْمُصْحَفُ: يَا رَبِّ حَرَّفُونِي وَمَزَّقُونِي! وَيَقُولُ الْمَسْجِدُ: يَا رَبِّ عَطَّلُونِي وَضَيَّعُونِي! وَتَقُولُ الْعِتْرَةُ: يَا رَبِّ قَتَلُونَا وَطَرَدُونَا وَشَرَّدُونَا! فَأَجْثُو لِلرُّكْبَتَيْنِ فِي الْخُصُومَةِ، فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِي: أَنَا أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْكَ.[38]

    

آداب الدخول إلى المسجد

ويستحبّ للمؤمن أنّ يرتدي أنظف الثياب عندما يريد الدخول إلى المسجد، وأن يتعطّر ويمشّط شعره، ويشتغل بذكر الله بطمأنينة ووقار وسكينة، حتّى يدخل المسجد.
{يا بَني‏ آدَمَ خُذُوا زينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَ كُلُوا وَ اشْرَبُوا وَ لا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفينَ}.[39]
يروي المرحوم الكليني عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:
إِنَّ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ عليه السلام اسْتَقْبَلَهُ مَوْلًى لَهُ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ وَعَلَيْهِ جُبَّةُ خَزٍّ وَمِطْرَفُ خَزٍّ وَعِمَامَةُ خَزٍّ وَهُوَ مُتَغَلِّفٌ[40] بِالْغَالِيَةِ، فَقَالَ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ! فِي مِثْلِ هَذِهِ السَّاعَةِ عَلَى هَذِهِ الْهَيْئَةِ إِلَى أَيْنَ؟ قَالَ: فَقَالَ: إِلَى مَسْجِدِ جَدِّي رَسُولِ اللهِ صلّى الله عليه وآله وسلّم أَخْطُبُ الْحُورَ الْعِينَ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.[41]
ومن جملة آداب المسجد: أن يتفحّص باطن النعل حين الدخول إلى المسجد حتّى يكون طاهراً، وأن يدعو أثناء الدخول، وأن يكسو جسده من السرّة إلى الركبة فلا يترك هذا المقدار عارياً، وأن يدخل المسجد مُقدّماً رجله اليمنى، ويخرج مُقدّماً رجله اليسرى، وحين الدخول يقوم للصلاة إن كانت مقامة، وإن كان يريد صلاة الفريضة فهو كافٍ، وإلاّ فعليه أداء ركعتين تحيّة للمسجد.
ويروي بإسناده عن عبد الله بن ميمون القَدّاح عن الإمام جعفر عن أبيه عليه السلام:
قَالَ: النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ: تَعَاهَدُوا نِعَالَكُمْ عِنْدَ أَبْوَابِ مَسَاجِدِكُمْ، وَنَهَى أَنْ يَنْتَعِلَ الرَّجُلُ وَهُوَ قَائِمٌ.[42]كما ورد في «من لا يحضره الفقيه»، أنّه:
وَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَلْيُدْخِلْ رِجْلَهُ الْيُمْنَى قَبْلَ الْيُسْرَى، وَلْيَقُلْ: بِسْمِ اللهِ وَ بِاللهِ! السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ! اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَافْتَحْ لَنَا أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ، وَاجْعَلْنَا مِنْ عُمَّارِ مَسَاجِدِكَ، جَلَّ ثَنَاءُ وَجْهِكَ! وَإِذَا خَرَجَ فَلْيُخْرِجْ رِجْلَهُ الْيُسْرَى قَبْلَ الْيُمْنَى، ولْيَقُلْ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَافْتَحْ لَنَا بَابَ رَحْمَتِكَ ![43]
وبالنسبة لصلاة تحيّة المسجد، رُوي في كتاب «وسائل الشيعة» عن المرحوم الصدوق محمّد بن عليّ بن الحسين في «معاني الأخبار» وفي «الخصال» ، بإسناده عن عُبَيد بن عُمَير عن أبي ذرّ الغفاري، قال:
دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلّی الله عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وهُوَ فِي الْمَسْجِدِ جَالِسٌ، فَقَالَ لِي: يَا أَبَا ذَرٍّ! إِنَّ لِلْمَسْجِدِ تَحِيَّةً. قُلْتُ: وَمَا تَحِيَّتُهُ قَالَ: رَكْعَتَانِ تَرْكَعُهُمَا، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّكَ أَمَرْتَنِي بِالصَّلاةِ، فَمَا الصَّلاةُ؟ قَالَ: خَيْرُ مَوْضُوعٍ، فَمَنْ شَاءَ أَقَلَّ وَمَنْ شَاءَ أَكْثَرَ، إِلَى أَنْ قَالَ: قُلْتُ: فَأَيُّ الصَّلاةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: طُولُ الْقُنُوتِ. قُلْتُ: فَأَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: جُهْدٌ مِنْ مُقِلٍّ فِي فَقِيرٍ فِي سِرٍّ. قُلْتُ: فَمَا الصَّوْمُ؟ قَالَ: فَرْضٌ مُجْزِي وَعِنْدَ اللهِ أَضْعَافٌ كَثِيرَةٌ؛ الْحَدِيثَ.[44]

    

استحباب الصلاة في المساجد التي بنيت على أساس التقوى و النهي عن الصلاة في المساجد الملعونة

ومن جملة آداب المسجد: أن يذهب المؤمن إلى المساجد التي يشارك فيها المؤمنون و الأخيار، والتي بُنيت على أساس التقوى، مثل مسجد الكوفة ومسجد السهلة (مسجد بني ظَفَر)، كما ينبغي له ألاّ يصلّي في المساجد الملعونة.
يروي الشيخ الطوسي في «التهذيب» بإسناده عن هشام بن سالم عن الإمام محمّد الباقر عليه السلام، قال:
جُدِّدَتْ أَرْبَعَةُ مَسَاجِدَ بِالْكُوفَةِ فَرَحاً لِقَتْلِ الْحُسَيْنِ عليه السلام: مَسْجِدُ الأَشْعَثِ، وَمَسْجِدُ جَرِيرٍ، وَمَسْجِدُ سِمَاكٍ، وَمَسْجِدُ شَبَثِ بْنِ رِبْعِيٍّ لَعَنَهُمُ اللَّهُ.[45]
وأمّا الصلاة في مسجد الكوفة، فثواب كلّ ركعة فيه تعادل ألف صلاة.
وفي «وسائل الشيعة» يروي بإسناده عن حنَان بن سَدير عن أبي جعفر عليهما السلام:
أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ: أَتُصَلِّي فِي مَسْجِدِ الْكُوفَةِ كُلَّ صَلاتِكَ؟ قَالَ: لا! قَالَ: أَتَغْتَسِلُ مِنْ فُرَاتِكُمْ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّةً؟ قَالَ: لا ! قَالَ: فَفِي كُلِّ جُمْعَةٍ؟ قَالَ: لا! قَالَ: فَفِي كُلِّ شَهْرٍ؟ قَالَ: لا! قَالَ: فَفِي كُلِّ سَنَةٍ؟ قَالَ: لا! فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام: إِنَّكَ لَمَحْرُومٌ مِنَ الْخَيْرِ!
قَالَ: ثُمَّ قَالَ: أَتَزُورُ قَبْرَ الْحُسَيْنِ فِي كُلِّ جُمْعَةٍ؟ قَالَ: لا! قَالَ: فِي كُلِّ شَهْرٍ؟ قَالَ: لا! قَالَ: فِي كُلِّ سَنَةٍ؟ قَالَ: لا! فَقَالَ: أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام: إِنَّكَ لَمَحْرُومٌ مِنَ الْخَيْرِ!
[46]

    

فضيلة زيارة سيّد الشهداء، وقصّة المنكر لفضل زيارته عليه السلام

وتفوق الروايات الواردة في ثواب زيارة سيّد الشهداء عليه السلام حدّ الإحصاء، و لكنّنا ننقل في المقام، قصّة لطيفة قد أوردها المرحوم الشيخ[47] محمّد بن المشهدي، في كتابه «المزار الكبير»:
قال: كنت قد نزلت بالكوفة، وكان لي جارٌ غير موالٍ لأهل البيت، وكثيراً ما كنت أقعد إليه، وفي ليلةٍ من ليالي الجمعة، قلت له: ما تقول في زيارة الحسين عليه السلام؟ فقال لي: بدعةٌ وكلّ بدعةٍ ضلالة، وكلّ ضلالة في النار، فقمت من بين يديه وأنا أستشيط غضباً، فأتيت المنزل، وقلت: إذا كان السَحَر، أتيته وحدّثته عن فضائل أمير المؤمنين ما يجمّر الله به عينيه من شدّة الحزن والغصّة.
قال: فأتيته وقَرعتُ عليه الباب، فإذا بصوت من وراء الباب: إنّه ليس في المنزل، فقد قصد كربلاء لزيارة الإمام الحسين!! فتعجّبت وخرجت مسرعاً إلى كربلاء. فإذا أنا بالشيخ ساجداً لا يملّ من السجود والركوع، فقلت له: بالأمس تقول لي: بدعةٌ، وكلّ بدعةٍ ضلالة، وكلّ ضلالةٍ في النار، واليوم تزوره؟!
فقال لي: يا سليمان لا تلمني، فأنا ما كنت لأثْبتّ إمامةً لأهل هذا البيت قبل ليلتي هذه؛ لقد رأيت رؤيا أرعبتني: رأيت رجلاً لا بالطويل الشّاهق ولا بالقصير اللاّصق، لا أُحسن أن أصفه من حسنه وبهائه، معه أقوام يحفّون به حفيفاً ويزفّونه زفّاً، وبين يديه فارسٌ على فرسٍ له ذَنوب، على رأسه تاج، للتاج أربعة أركان، في كلّ ركن جوهرة تضيء مسيرة ثلاثة أيّام.
فقلت: من هو ذلك الشخص الذي اجتمعوا حوله؟ فقالوا: محمّد بن عبد الله خاتم النبيّين. فقلت: ومن ذلك الفارس الذي يسير في المقدّمة؟ فقالوا: أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ثمّ مددت عيني فإذا أنا بناقة من نور، عليها هودج من نور، تطير بين السماء والأرض، فقلت: لمن الناقة؟ قالوا: لخديجة بنت خويلد وفاطمة الزهراء. قلت: والغلام؟ قالوا: الحسن المجتبى. قلت: فأين يريدون؟ قالوا: يمضون بأجمعهم إلى زيارة المقتول ظلماً الشهيد بكربلاء الحسين بن عليّ.
ثمّ قصدت الهودج، وإذا أنا برِقاع تَساقط من السماء، مكتوبٌ على كلّ واحدةٍ منها: أمان من النار لزوّار الحسين عليه السلام في ليلة الجمعة، ثمّ هتف بنا هاتف: أَلاَ إنّا وشيعتنا في الدّرجة العليا من الجنة! يا سليمان! لا أفارق هذا المكان حتّى تفارق روحي جسدي.[48]
يقول الشيخ النوري: ونقل الشيخ الطُرَيحي آخر الخبر هكذا:
وإذا أنا برقاع مكتوبة تَساقط من السماء، فسألت: ما هذه الرقاع؟ فقال: فيها أمان من النار لزوّار الحسين عليه السلام في ليلة الجمعة. فطلبتُ منه رقعةً، فقال لي: إنّك تقول زيارته بدعة، فإنّك لا تنالها حتّى تزور الحسين وتعتقد فضله وشرفه، فانتبهت من نومي فزعاً مرعوباً، وقصدت من وقتي وساعتي إلى زيارة سيدي الحسين عليه السلام.


[1] ـ سورة التوبة، الآية: 18.

[2] ـ من لا يحضره الفقيه 1 : 235 ؛ وسائل الشيعة 3 : 486.

[3] ـ وسائل الشيعة 3 : 486.

[4] ـ وسائل الشيعة 3 : 488 ، وقريب منه ما رواه في من لا يحضره الفقيه1 : 235 ؛ التهذيب 3 : 253.

[5] ـ من لا يحضره الفقيه 1 : 236.

[6] ـ وسائل الشيعة 3 : 488.

[7] ـ وسائل الشيعة 3 : 493.

[8] ـ الحصن الأجَم: الذي لا شُرْف له، (م) جمّاء، (ج) جُمّ، الشُرفة من القصر: ما أشرف من بنائه، (ج) شَرف.

[9] ـ الكافي 3 : 369؛ وسائل الشيعة 3 : 494.

[10] ـ وسائل الشيعة 3 : 494 ؛ الإرشاد 2 : 385 ، مع أدنى اختلاف.

[11] ـ وسائل الشيعة 3 : 504.

[12] ـ المصدر السابق 3 : 505.

[13] ـ المصدر السابق.

[14] ـ وهي المكان أو الإناء الذي يتوضأ منه. (المترجم)

[15] ـ المصدر السابق.

[16] ـ من لا يحضره الفقيه 1: 233؛ وسائل الشيعة 3 : 511.

[17] ـ وسائل الشيعة 3 :507.

[18] ـ المصدر السابق.

[19] ـ المصدر السابق: 508.

[20] ـ المصدر السابق 3 : 493.

[21] ـ المصدر السابق.

[22] ـ المستطرف: الطريف وهو الحديث النادر المستحسن.

[23] ـ تهذيب الأحكام 3 : 249.

[24] ـ من لا يحضره الفقيه 1 : 239.

[25] ـ وسائل الشيعة 3 : 482.

[26] ـ من لا يحضره الفقيه 1 : 239.

[27] ـ وسائل الشيعة 3 : 486 ؛ علل الشرائع 2 : 521.

[28] ـ سورة التوبة، الآية: 107.

[29] ـ مجمع البيان 5: 126.

[30] ـ الشفَا: الجانِب، جُرْف: الجانِب الذي أكَلَه الماء من حاشية النهر؛ هَار يَهور البِناء: هدَمَه؛ هار البناء: انهدم هائر؛ ويقال أيضاً: هار كَما في شائِك السلاح؛ وشاكي السلاح على القَلب: البناء المُنهَدَم.

[31] ـ سورة التوبة، الأيات: 108 إلى 110.

[32] ـ تهذيب الأحكام 3 : 25 ؛ وسائل الشيعة 3 : 478.

[33] ـ تهذيب الأحكام 3: 261 ؛ وسائل الشيعة 3 : 478.

[34] ـ الخصال: 541 ؛ وسائل الشيعة 3 : 484.

[35] ـ الأمالي للطوسي: 696 ؛ وسائل الشيعة 3 : 478.

[36] ـ الأمالي للطوسي: 696؛ وسائل الشيعة 3 : 479.

[37] ـ الكافي 2 : 613 ، وسائل الشيعة 3 : 484.

[38] ـ وسائل الشيعة 3 : 484.

[39] ـ سورة الأعراف، الآية: 31.

[40] ـ تغلّف الرجل: غشّى لحيته بالغالية، أي: أخلاط الطيب.

[41] ـ الكافي 6 : 517 ؛ وسائل الشيعة 3 : 503.

[42] ـ تهذيب الأحكام 3 : 256.

[43] ـ من لا يحضره الفقيه 1 : 240.

[44] ـ وسائل الشيعة 3 : 518.

[45] ـ تهذيب الأحكام 3 : 250.

[46] ـ وسائل الشيعة، ج 3، ص 527.

[47] ـ قد أورد هذه القصّة المرحوم الحاج الميرزا حسين نوري في النجم الثاقب بعد ذكره لقصّة تشرّف الحاج علي البغدادي بلقاء إمام الزمان عليه السلام في ص 53.

[48] ـ بحار الأنوار 45 : 401.

      
  

جميع الحقوق محفوظة لـ موقع المتقين www.motaghin.com ويسمح باستخدام المعلومات بشرط الإشارة إلى المصدر.

© 2008 All rights Reserved. www.Motaghin.com


Links | Login | SiteMap | ContactUs | Home
عربی فارسی انگلیسی