معرض الصور المحاضرات صوتيات المكتبة سؤال و جواب اتصل بنا الرئیسیة
 
اعتقادات و كلام أخلاق حکمة عرفان العلمي و الإجتماعي التاریخ القرآن و التفسير
المكتبة > محاضرات العلامة الطهراني > كتاب أنوار الملكوت > نور ملكوت القرآن > نور ملكوت القرآن ـ المجلس الثاني: منطق القرآن هو التوحيد الخالص

_______________________________________________________________

هو العليم

سلسلة مباحث أنوار الملكوت
نور ملكوت القرآن

المجلس الثاني: منطق القرآن هو التوحيد الخالص

(مواعظ شهر رمضان المبارك من عام 1390 )

من مصنّفات العلاّمة الراحل

آية الله الحاجّ السيّد محمّد الحسين الحسيني الطهراني قدس الله نفسه الزكيّة

_______________________________________________________________

تحميل ملف البد دي أف                                          

بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة على محمّد وآله الطاهرين
ولعنة الله على أعدائهم أجمعين من الآن إلى قيام يوم الدين

قال تعالى: {قُلْ أَيُّ شَيْ‏ءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللَّهُ شَهيدٌ بَيْني‏ وبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ ومَنْ بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرى‏ قُلْ لا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَإِنَّني‏ بَري‏ءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ}.[1]
القرآن هو الوحي الصادر من الله تعالى إلى الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم الموجّه لجميع أفراد البشر: سواءً الذين كانوا في ذلك الزمان أو الذين جاؤوا من بعدهم وتمّ إبلاغهم به.
قل ـ يا أيّها الرسول ـ :إنّ الله تعالى أفضل شاهد بيني وبين الناس، ولقد أُوحي إليّ هذا القرآن لكي أُنذركم وأُنذر الذين بلغهم هذا القرآن من عذاب الله.
كما أنّ خاتم النبيّين قد بُعث لجميع الناس: سواءً الذين عاشوا في ذلك الزمان أو الذين جاؤوا بعد ذلك: {هُوَ الَّذي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ ويُزَكِّيهِمْ ويُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ والْحِكْمَةَ وإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ (أي: قبل أن يأتيهم هذا الرسول) لَفي‏ ضَلالٍ مُبينٍ ! وآخَرينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ (فإنّ هذا الرسول سيُعلّمهم الكتاب والحكمة ويُربّيهم ويتلو عليهم الآيات) وهُوَ الْعَزيزُ الْحَكيمُ}.[2]

    

الدعوة إلى التوحيد

ونظراً لكون القرآن قائماً على أساس التوحيد، فإنّ جميع آياته جاءت لدعوة الناس إلى التوحيد والعروج بهم من عالم التشتّت والتفرقة إلى الوحدة والتجرّد. ومن الطبيعي حينئذٍ أن يرتقي الأُفق الفكري للناس من المستوى السافل لعبادة المادّة والشهوة في اتّجاه الأفق الواسع للإيثار والتقوى والطهارة, وهو ما تعنيه التزكية التي هي بمعنى الرشد والنموّ. والمراد: أنّ هذا النبيّ يهدي على الدوام إلى الله تعالى بواسطة تلاوة الآيات، فيكون المقصود من بيانه للدلائل والعلامات الإلهيّة هو الله تعالى. كما أنّه يقوم من خلال هذه الآيات بمساعدة الناس والأخذ بأيديهم في سبيل العروج الدائم بأرواحهم نحو الأعلى، وتنمية قواهم الروحيّة التي هزلت وضعفت وتكدّرت بسبب الانغمار في الأمور المادّيّة، واقتلاع أعشاب الغفلة والشهوة التي تُؤدّي إلى حرمان شجرة الروح الطيّبة من المواد الغذائية، وتطعيمها وسقيها بواسطة يد الشفقة، والتربية المستديمة لهذه الشجرة من خلال إشراق شمس التوحيد؛ لِتخرُج بذلك من حالة الخمول والكسل والضعف وتُنتج ثماراً نافعة وغزيرة. ويقوم أيضاً بتنوير أرواحهم وقلوبهم بالعلم والحكمة.. ذلك العلم وتلك الحكمة التي لا حدّ لها من الفيوضات الأبديّة والثمار السرمديّة. وخلاصة القول: أنّه يُخرجهم من الضلال والانحراف والعدم والخُبث والغيّ، ويجعل وجودهم ـ من خلال تعليمهم الآيات والحكمة ـ نافعاً واستفادتهم كبيرة وأرواحهم حيّة ومصابيحهم المحترقة والمنطفئة لامعة ومزهرة. إنّه يُخرج الإنسان من سجن النفس والهوى وجهنّم الاعتبارات والخيالات، ويُحلّق به إلى سماء الفضيلة والحقيقة، ويبدّل الخُبث بالطهارة.

    

الشجرة الطيبّة والشجرة الخبيثة

كم هو لطيف وعذب ذلك التمثيل الذي يصف به الله تعالى في القرآن المجيد حال هاتين الطائفتين وأسلوب حياتهما من حيث ضيق الأُفق وسعة الفكر!
{وَ أُدْخِلَ الَّذينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْري مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدينَ فيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فيها سَلامٌ ! أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وفَرْعُها فِي السَّماءِ ! تُؤْتي‏ أُكُلَها كُلَّ حينٍ بِإِذْنِ رَبِّها ويَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ! ومَثَلُ كَلِمَةٍ خَبيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ ! يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وفِي الْآخِرَةِ ويُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمينَ ويَفْعَلُ اللَّهُ ما يَشاءُ ! أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ ! جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وبِئْسَ الْقَرارُ}.[3]
في تلك الجنّة لا تحيّة إلاّ السلام؛ فهناك الصفاء والمودّة والرأفة والحميّة والإيثار والتقوى والطهارة والتوحيد. وأمّا ذاك الذي لم ينقَد وأفسد قواه الروحيّة وضيّع النعم الإلهيّة ووضع حجاب الغفلة والشهوة والمجاز على عين الحقّ والبصيرة، وأورد نفسه وقومه موارد الهلاك والضلال، فحكمه كحكم تلك الشجرة الخبيثة التي انفصلت عن الأبديّة، وبقيت يابسة على الأرض دون أن تتّصل بالمبدأ، فما لها من قرار ولا ثبات، فصارت طُعمة لجهنّم والحريق. ومن الواضح أنّ مصير مثل هذه الشجرة هو النار، وأنّ مقرّها في ذلك المقام.
{يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وهُدىً ورَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنينَ ! قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}.[4]

    

دور القرآن في رقي الإنسان وهدايته

إنّ القرآن لموعظةٌ من المواعظ الإلهيّة بحقّ، وشفاء للأمراض الكامنة والمتراكمة في الصدور، وكتاب هداية وسبب لنزول الرحمة. وعلى المؤمن أن يسعى لمباشرة هذا الكتاب، وأن يكون مسروراً مبتهجاً ـ بفضل الله ورحمته ـ بتعلّم القرآن، لا بحطام الدنيا الذي هو من نصيب البهائم والجهّال. لقد بلغ المسلمون على إثر تعليم القرآن منزلةً يعجز العقل عن وصفها حقّاً, فببركة اتبّاع القرآن المجيد، استقرّت المحبّة والأُلفة بين قلوب تلك الجماعة من عبدة المادّة ـ المتعطشّين للدماء المفتقرين إلى الغيرة والعاطفة والإنصاف، والذين كانوا يدفنون بناتهم أحياءً ـ إلى درجةٍ يصعُب تصوّرها وإدراكها.
هناك رواية عن حذيفة عن هشام قال: أخذتُ إناءً في معركة بدر لأسقيَ أحد إخوتي في الله، وكان قد سقط في جانب من الميدان تشخب الدماء منه وهو على شفير الموت، فلمّا دنوتُ منه قال: ناول هذا الماء ذلك الرجل المجروح الساقط على الأرض هناك، فلمّا أخذتُه إليه قال: إنّ بدن أخي فلان في ذلك الجانب من الميدان مضرّج بالدماء: خذ الماء إليه؛ فهو أشدّ منّي ظمأً! وعندما أخذت الماء إليه، وجدتُه قد فارق الحياة. وحينما رجعت إلى الثاني لأُعطيه الماء، وجدتُه بدوره قد فارق الحياة. ولمـّا وصلت عند الأوّل، فارق الحياة هو أيضاً. كان قدح الماء القُراح في يده، لكنّ شهداء طريق الحقّ الثلاثة ماتوا مُؤثِرِين، يهدّهم العطش والجراح. ولقد كان هؤلاء جميعاً على أعتاب التوحيد، {فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} فلقد اختمرت قلوبهم وضمائرهم وأرواحهم بهذه الآية.[5]

    

قصّة الفضيل بن عِياض

نقل صاحب كتاب «سفينة البحار» قصّة الفُضَيل بن عِياض[6] وكيف أنّ آية قرآنيّة واحدة استقرّت في أعماق وجوده وشغلت روحه، بحيث قامت بمحو برنامج سنين متمادية من القتل والنهب والإغارة، فتاب وصار في صفّ أولياء الله والمقرّبين من فناء حضرته، فكانت له حالات وكرامات صارت سبباً لعبرة أهل زمانه. يقول:
كان الفضيل بن عياض سارقاً يقطع الطريق بين أبِيوَرْد وسَرَخْس، وكانت القوافل تُعاني من جرائمه الأمرَّين، بحيث كان يزداد خوفهم ورعبهم منه بشكل أكبر، وكان بدوره لا يتحرّج في إغارته على القوافل عن فعل أيّ شيء. ثمّ إنّه اتّفق أن عشق جاريةً. وبينما كان يرتقي جدار المنزل في نصف الليل ليختطفها، سمع من سطح الدار تالياً يتلو هذه الآية: {ألَمْ يَأنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا أن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ ومَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ}.[7] فقال والدموع تنحدر من مُقلتيه: آنَ، آنَ، والله آنَ! (لقد حلّ الوقت أقسم بالله لقد حلّ الوقت الذي تصير فيه قلوب المؤمنين خاشعةً لذكر الله!) فرجع لتوّه وآوى إلى خربة كان فيها بعض المسافرين يقول بعضُهم لبعض: لِنرحل الليلة. وقال بعضهم: لِنصبر حتّى يطلع الصبح؛ فإنّ فضيلًا كامن في الطريق وسيُغير علينا. فلمّا سمع الفضيل كلامهم، أخبرهم بتوبته وآمنهم. ثمّ التحق الفضيل من هناك بصُحبة الإمام الصادق عليه‏السلام، وصار من خاصّته وأصحاب سرّه، فبدأ يُحدّث عنه ويذكره جميع العظماء بالوثاقة.[8]
يقول المرحوم الشيخ النوري (ره) في «المستدرك» في بيانه لأحوال كتاب «مصباح الشريعة»:
وَبِالجُملةِ فَلا أَستبعِدُ أن يَكونَ المِصباحُ هُوَ النسخَةُ التي رَوَاها الفُضَيلُ، وَهُوَ عَلَى مَذَاقِهِ وَمَسلَكِهِ. وَالذي أَعتَقِدُهُ أَنّه جَمَعَهُ مِن مُلتَقَطات كَلامِهِ [كَلِماتِهِ] أي: الصادق عَلَيه‏ السلامُ في مَجَالِسِ وَعظِهِ وَنَصيحَتِهِ، وَلَو فُرِضَ فِيهِ شَي‏ءٌ يُخالِفُ مَضمونُهُ بَعضَ ما في غَيرِهِ وَتَعذَّرَ تَأويلُهُ فَهُوَ مِنه عَلَى حَسَبِ مَذهَبِهِ لا مِن فِريَتِهِ وَكِذبِهِ؛ فَإنَّهُ يُنافي وثاقَتَهُ. انتهى.[9]
نعم، لقد ذهب الفضيل من عند محضر الإمام الصادق عليه‏السلام إلى مكّة، حيث توفّي هناك يوم عاشوراء من سنة 187 هجرية.
وقيل بأنّه كان للفضيل ولد اسمه عليّ، وكان أفضل من أبيه في الزهد والعبادة، إلّا أنّه لم يُعمّر كثيراً ومات. وذكروا في سبب موته أنّه كان يوماً في المسجد الحرام واقفاً قرب ماء زَمْزَم، حيث سمع قارئاً يقرأ: {وتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَؤْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ في الأصْفَادِ، سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ}[10] فصاح صيحة, وسقط على الأرض مُسلماً الروح.
أجل، بهذه الطريقة يُؤثّر القرآن في القلوب. وقد كان الرسول يهدف إلى سوق جميع الناس إلى منزل السعادة هذا، بينما حوّلت حكومة بني أميّة ـ التي كانت تُجاهر بمخالفة القرآن وتنهى الناس عن التفسير والتأويل وتكتفي بالقراءة فقط ـ مسار تقدّم المؤمنين، فلو لم تحدث ثورة سيّد الشهداء عليه السلام، لما بقِي للقرآن على ظهر الأرض اسم ولا رسم، ولما كان حجّة على الناس، ولانغمس الناس في الظلمات دفعةً واحدةً، وقُضيَ على آخر بارقة أملٍ لهم جميعاً، فلن يتجرّأ أحد على إظهار الحقّ وفضائل أهل البيت.

    

طرف من واقعة الطفّ

ومن العجيب أنّه لم تُنقل في الفقه عن الإمام الحسن وسيّد الشهداء رواية واحدة ، وتمّ ذلك في سائر الأُمور بنحوٍ ضئيلٍ جدّاً؛ إذ إنّ التقيّة الشديدة كانت سبباً في عدم امتلاك الناس للجرأة على السؤال أو الكتابة، فضاعت جميع رواياتهما عليهما السلام بموت الرواة. وأمّا بالنسبة إلى عائشة وأبي هريرة وأنس بن مالك، فقد نُقلت عنهم العديد من الأحاديث. أَفَهل كانوا أقرب إلى الرسول من الحسنين عليهما السلام؟ كلاّ وحاشا! بل إنّ الأوضاع قد اشتدّت في عهد حكومة الجور إلى درجة ادّعى الغُرباء انتحالهم للإسلام، بينما كان يعيش فلذات كبد الرسول ـ الذين نزل القرآن في بيتهم ـ وسط الجور والعدوان، فرحلوا عن هذه الدنيا مغصوبي الحقوق. ولقد ثار الإمام أبو عبد الله الحسين عليه السلام لكي يرفع حجاب الجهل عن قلوب الناس وحسب، ويُضيئها إلى يوم القيامة, ولهذا عندما أتت لنصرته طائفةٌ من الملائكة وأقالهم عليه السلام، جاءته طائفة من مسلمي الجنّ، فَقَالوا: يا سَيِّدَنا نَحنُ شِيعَتُكَ وأنصارُكَ فَمُرنا بِأَمرِكَ! إلى أن يقول: «وإذا أَقمتُ بِمَكَاني فَبِماذا يُبتلَى هَذَا الخَلقُ المـَتعُوسُ[11] وبِماذَا يُختَبَرونَ؟!»[12]
كما أنّه عليه السلام كان يُجيب كلّ واحد من أصحابه وأرحامه ـ الذين كانوا يمنعونه من المسير ـ بطريقة خاصّة. وكان قلب أمّ سلمة يحترق كثيراً، فكانت تبكي؛ لأنّ الرسول أطلعها مراراً وتكراراً على حادثة الطفّ.
رُوِيَ عن أُمِّ سَلَمَة [رَضِي َاللهُ عَنها] أَنَّهَا قَالَتْ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ مِنْ عِنْدِنَا ذَاتَ لَيْلَةٍ, فَغَابَ عَنَّا طَوِيلًا, ثُمَّ جَاءَنَا وهُوَ أَشْعَثُ أَغْبَرُ ويَدُهُ مَضْمُومَةٌ. فَقُلْتُ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا لِي أَرَاكَ شَعِثاً مُغْبَرّاً؟ فَقَالَ: «أُسْرِيَ بِي فِي هَذَا الْوَقْتِ إِلَى مَوْضِعٍ مِنَ الْعِرَاقِ يُقَالُ لَهُ كَرْبَلاءُ، فَأُرِيتُ فِيهِ مَصْرَعَ الْحُسَيْنِ ابْنِي وجَمَاعَةٍ مِنْ وُلْدِي وأَهْلِ بَيْتِي، فَلَمْ أَزَلْ أَلْقُطُ دِمَاءَهُمْ فَهَا هُوَ فِي يَدِي»، وبَسَطَهَا إِلَيَّ فَقَالَ: «خُذِيهَا فَاحْتفَظِي بِهَا!» فَأَخَذْتُهَا فَإِذَا هِيَ شِبْهُ تُرَابٍ أَحْمَرَ, فَوَضَعْتُهُ فِي قَارُورَةٍ, وشَدَدْتُ رَأْسَهَا, واحْتَفَظْتُ بِهَا. فَلَمَّا خَرَجَ الْحُسَيْنُ [عَلَيه السلامُ] مِنْ مَكَّةَ مُتَوَجِّهاً نَحْوَ الْعِرَاقِ كُنْتُ أُخْرِجُ تِلْكَ الْقَارُورَةَ فِي كُلِّ يَوْمٍ ولَيْلَةٍ, فأَشَمُّهَا وأَنْظُرُ إِلَيْهَا, ثُمَّ أَبْكِي لِمُصَابِهِ. فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْمِ الْعَاشِرِ مِنَ الْمُحَرَّمِ وهُوَ الْيَوْمُ الَّذِي قُتِلَ فِيهِ [عَلَيهِ السلامُ] أَخْرَجْتُهَا [فِي] أَوَّلِ النَّهَارِ وهِيَ بِحَالِهَا ثُمَّ عُدْتُ إِلَيْهَا آخِرَ النَّهَارِ فَإِذَا هِيَ دَمٌ عَبِيطٌ فَصِحْتُ فِي بَيْتِي وبَكَيْتُ... إلى أن قالت: حَتَّى جَاءَ النَّاعِي يَنْعَاهُ [فَحُقِّقَ مَا رَأَيْتُ].[13]


[1] ـ سورة الأنعام (6)، الآية 19.

[2] ـ سورة الجمعة (62)، الآية 2 و3.

[3] ـ سورة إبراهيم (14)، الآيات 23 إلى 29.

[4] ـ سورة يونس (10)، الآيتان 57 و58.

[5] ـ نور ملكوت القرآن، ج 3، ص 276.

[6] ـ عِياض بكسر العين.

[7] ـ سورة الحديد (57)، الآية 16.

[8] ـ سفينة البحار، ج 2، ص 369؛ بحار الأنوار، ج 75، ص 225؛ الاختصاص، ص 41.

[9] ـ في خاتمة المستدرك، ج 3، ص 328، يتعرّض المرحوم النوري للبحث حول بعض الجوانب المتعلّقة بمصباح الشريعة، حيث يقول بأنّ السيّد بن طاووس الكفعمي والشهيد الثاني يقطعون بصدوره عن الإمام الصادق، هذا مع أنّ بعض العلماء شكّكوا في سنده. وفي الأخير وفي ص 333، يتعرّض لبيان نظريّته من خلال العبارات السابقة.

[10] ـ سورة إبراهيم (14)، الآية 49 و50.

[11] ـ [مجمع البحرين: المتعوس من تعس يتعس تعساً: من باب نفع ومن باب تعب لغة: إذا عثر وانكبّ على وجهه وهودعاء.]

[12] ـ بحار الأنوار، ج 44، ص 330.

[13] ـ بحار الأنوار، ج 44، ص 239، عن إرشاد المفيد، ج 2، ص 130، نقله في باب ذكر طرف من فضائل الإمام الحسين وفضل زيارته وذكر مصيبته.

      
  

جميع الحقوق محفوظة لـ موقع المتقين www.motaghin.com ويسمح باستخدام المعلومات بشرط الإشارة إلى المصدر.

© 2008 All rights Reserved. www.Motaghin.com


Links | Login | SiteMap | ContactUs | Home
عربی فارسی انگلیسی