معرض الصور المحاضرات صوتيات المكتبة سؤال و جواب اتصل بنا الرئیسیة
 
اعتقادات و كلام أخلاق حکمة عرفان العلمي و الإجتماعي التاریخ القرآن و التفسير
المكتبة > محاضرات العلامة الطهراني > كتاب أنوار الملكوت > نور ملكوت القرآن > نور ملكوت القرآن ـ المجلس السادس: آثار القرآن على المؤمنين و على الظالمين.

_______________________________________________________________

هو العليم

سلسلة مباحث أنوار الملكوت
نور ملكوت القرآن

المجلس السادس: آثار القرآن على المؤمنين و على الظالمين

(مواعظ شهر رمضان المبارك من عام 1390 )

من مصنّفات العلاّمة الراحل

آية اللـه الحاجّ السيّد محمّد الحسين الحسيني الطهراني قدس اللـه نفسه الزكيّة

 

_______________________________________________________________

تحميل ملف البد دي أف تحميل ملف البد دي أف

بسم اللـه الرحمن الرحيم‏
و الصلاة على محمّد وآله الطاهرين‏
و لعنة اللـه على أعدائهم أجمعين من الآن إلى قيام يوم الدين‏

قال تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ ورَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنينَ ولا يَزيدُ الظَّالِمينَ إِلاَّ خَساراً}.[1]
إنّ القرآن حكمٌ حقٌّ فاصلٌ بين الحقيقة والمجاز وبين الحقّ والباطل؛ ولذا فهو فرقان سماويٌّ ومحكٌّ إلهيٌّ يُقسّم الناس إلى صنفين: صنف من المؤمنين يُفضي إلى شفائهم ويكون رحمةً لهم، وصنف من الظالمين يُؤدّي إلى خسرانهم ويكون وبالاً عليهم. ويشتمل هذا الفرقان السماويّ على طاقة وقوّة تُساهم في تقوية كلّ صنف على مستوى ذاته وصفاته, فهو نظير المطر السماوي النقي الطاهر الذي يسقط على أشجار الفواكه والورود, فيزيد في نضارتها وحلاوتها وطيب رائحتها، لكنّه حينما يهطل على الحنظل والأشواك، فإنّه يجعلها مرّة وسامّة وعديمة الفائدة: {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ} (ويفنى في الضلالة والغواية) {عَنْ بَيِّنَة} (وحجّة وبرهان) {ويَحْيى مَنْ حَيَّ} (ويلتحق بالحياة الخالدة والكمال الإنساني) {عَنْ بَيِّنَةٍ} (وحجّة وبرهان).[2]

    

بيان القرآن لحالات المؤمنين وسماتهم

فالقرآن بالنسبة إلى المؤمنين سببٌ للحياة الخالدة المتجلّية في السجود والبكاء والتسبيح والتقديس وقيام الليل والتضرّع والدعاء إلى اللـه رغبةً ورهبةً، وباعثٌ لتحليق الروح نحو عالم التوحيد واقشعرار الجلد شوقاً للقاء المحبوب وخوفاً من هجران ساحته المقدّسة: {وَالَّذينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمّاً وعُمْياناً} (بل رأوها بعين البصيرة واستمعوا لها بأُذنٍ واعيةٍ وقاموا بأداء حقّها).[3]
وتحكي الآية (83) من سورة المائدة (5) عن بكاء هؤلاء وجريان دموعهم: {وَإِذا سَمِعُوا} (أي العلماء المسيحيّون المعرضون عن الدنيا ـ من القساوسة والرهبان ـ غير المصابين بالغرور والاستكبار) {ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدينَ} (والمعترفين والمقرّين بحقّانيّة رسول اللـه والقرآن).
كما تُبيّن سورة الزمر (39) في الآية الثالثة والعشرين منها رقّةَ قلوب المؤمنين والحالات الرفيعة التي تظهر على جوارحهم وأعضائهم بسبب ذكر اللـه تعالى: {اللـه نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَديثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ} (أي: إنّ آياته متشابهة وناظرة إلى بعضها البعض, وهي في حكم الإعادة والتكرار) {تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلينُ جُلُودُهُمْ وقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللـه ذلِكَ هُدَى اللـه يَهْدي بِهِ مَنْ يَشاءُ ومَنْ يُضْلِلِ اللـه فَما لَهُ مِنْ هادٍ}.
وتستعرض سورة السجدة (32) في الآيتين 15 و16 تسبيحهم وحمدهم مع تجافيهم وهجرانهم لفراش النوم في الليالي الحالكة، وعكوفهم على خدمة حضرة الحقّ: {إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً وسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ * تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وطَمَعاً ومِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُو}‏.

    

تاثير القرآن على الظالمين والمنافقين

فهذه الحالات هي حالات البهجة والنشاط والسرور والرعب والخوف التي تتجلّى بسبب شفاء القرآن ورحمته للمؤمنين، لكنّه على العكس من ذلك بالنسبة إلى الظالمين سبب في زيادة الشقاء وظهور الأدران النفسيّة وبروز السجايا والملكات الضالّة والصفات الشيطانيّة: {وإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ تَعْرِفُ فى وُجُوهِ الَّذينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكادُونَ يَسْطُون[4] بِالَّذينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آياتِنا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللـه الَّذينَ كَفَرُوا وبِئْسَ الْمَصيرُ}.[5]
ويُبيّن اللـه تعالى في سورة الأنعام (6) في الآية 39 عمى أبصارهم وصمم آذان قلوبهم، وكيف أنّهم قد انغمسوا في الظلمات، فتركهم الإضلال الإلهي حبيسي سجن الغفلة والجهل: {والَّذينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا صُمٌّ وبُكْمٌ فِى الظُّلُماتِ مَنْ يَشَأِ اللـه يُضْلِلْهُ ومَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقيم}.
وتتعرّض سورة محمّد (47) في الآية 20 إلى نفاق الناس المصابين بمرض القلب وقسوته، فهؤلاء إذا ما أُنزلت الآيات القرآنيّة ودُعوا إلى الجهاد، كأنّ وجوههم تعلوها أمارات الموت وغبار الفناء والاضطراب، بحيث تغوص أعينهم في أحداقهم من شدّة الخوف, فكأنّهم يلفظون آخر أنفاسهم في الحياة وتصيبهم حالةٌ من الإغماء والغشية: {ويَقُولُ الَّذينَ آمَنُوا لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَة فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَة مُحْكَمَة وذُكِرَ فيهَا الْقِتالُ رَأَيْتَ الَّذينَ فى قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} (مرض النفاق) {يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلى لَهُم‏}.
فالمنافقون ـ الذين يفضح القرآن أسرارهم ويحكي عن قلوبهم ونيّاتهم وخُططهم الخفيّة وحيلهم ومكرهم ـ فارّون من القرآن خوفاً من أنّه لربّما أُنزلت سورة تكشف عن نيّاتهم ورغباتهم الباطنيّة: {يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَة تُنَبِّئُهُمْ بِما في قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِؤُا إِنَّ اللـه مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُون} (وسيطلعكم في الآيات القرآنيّة أنتم وجميعَ الناس على تلك النوايا الفاسدة ومؤامراتكم الخبيثة ضدّ نبينا والمسلمين).[6]
وبشكل عامّ فحال المنافقين والكفّار والمشركين حال شخصٍ أعمى وأصمّ قد وُقرت أُذنُه، فلا يصل ذلك النداء الإلهيّ إلى سمع قلبه أبداً, ولذلك فهو في فرارٍ دائمٍ من القرآن: {وَإِذا تُتْلى‏ عَلَيْهِ آياتُنا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها كَأَنَّ في‏ أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَليمٍ}.[7]
فترى هؤلاء يُجادلون القرآن ويُعادونه بكّل ما أُوتوا من قوّة، وتراهم ينأون بأنفسهم عن القرآن ويُبعدون قومهم وأتباعهم عنه: {وَقالَ الَّذينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ والْغَوْا[8] فيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُون}.[9]
ومن هنا، لمّا كان إنكار هؤلاء للقرآن وإعراضهم عنه بسبب رفضهم لمعانيه والعمل بها و إنكار الحقائق القرآنيّة، فإنّ أُولئك الذين كانوا يواجهون القرآن في لباس الشرك قد لجؤوا ــ بعد إسلامهم الظاهري دون الإيمان الواقعي ــ إلى الوقوف في وجه القرآن متظاهرين بهذا اللباس. لقد كانت تسري فيهم بحقّ نفس روح الشيطنة وكانوا يحملون نفس الفكر، فقد تقمّصوا لباسين اثنين ـ بحسب ما تقتضيه المصلحة ـ في سبيل الوصول إلى مقاصدهم الدنيئة:
ففي الوقت الذي كان فيه للكفر والشرك قدرةٌ وسطوةٌ وكانوا يرون سياستهم وحكومتهم ثابتة في تلك الظرف، فقد حملوا على عاتقهم أعلام هُبل واللاّت والعُزّى علانيةً من أجل الدفاع عن الأصنام، وكان نداؤهم: أعلُ هُبَل يملأ أرجاء ساحة أُحد.
أمّا حين عجزوا عن الصمود في ذلك الخطّ، وحين انتشرت عظمة الإسلام وقدرته بفتح مكّة في السنة الثامنة للهجرة, فملأت كلّ حدب وصوب؛ فقد ارتدى هؤلاء لباس الإسلام ثمّ حملوا سيوفهم ورماحهم تلك على عواتقهم فحاربوا بها حقيقة القرآن المتجلّية في مقام الولاية المقدّس, حامي أسرار القرآن ومبيِّن تأويله ومضامينه ودلالاته. كان هؤلاء يتظاهرون بمتابعة القرآن، لكنّهم كانوا يمنعون الناس من تفسير القرآن، ويفسّرون برأيهم آياته المتشابهات التي لا سبيل لمعرفتها ودرك معانيها إلاّ لأُولي العلم، ففعلوا بكتاب اللـه الأفاعيل.

    

حول المراد من الآيات المتشابهة

{هُوَ الذي أنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ ءَايَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أمُّ الْكِتَابِ وأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَآءَ الْفِتْنَةِ وابْتِغَآءَ تَأوِيلِهِ ومَا يَعْلَمُ تَأوِيلَهُ إلَّا اللـه والرَّاسِخُونَ في الْعِلْمِ يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ومَا يَذَّكَّرُ إلاّ أولُوا الألْبَابِ}.[10]
لقد أخبر اللـه تعالى في هذه الآية الكريمة عن نيّاتهم السيّئة: يا أيّها النبيّ، لقد أنزل اللـه عليك الكتاب، فبعض آياته محكمةٌ ظاهرةٌ ولا تحتاج في إيصالها للمراد إلى تفسيرٍ وتأويلٍ، بل إنّ عامّة الناس تستطيع إدراك معناها؛ والبعض الآخر منها متشابهة، أي: أنّها قد تُوقِع الإنسان في الخطأ عند محاولته الوصول إلى المراد منها ؛ حيث إنّ معناها وتأويلها غير ظاهر. فأُولئك الذين في قلوبهم زيغ وميل نحو الباطل وتوجّه نحو هوى النفس والشيطان يتّبعون الآيات المتشابهة، ويسعون إلى تأويلها وتفسيرها بما يتوافق مع نظرهم ورأيهم؛ ليُشعلوا بذلك نار الفساد وآلاف الفتن، مع أنّه لا اطّلاع لأحد على معناها وتأويلها غير اللـه والراسخين في العلم. هذا مع أنّ الراسخين في العلم يقولون: كلّ قد جاء من عند اللـه وقد آمنّا به كلّه [والمطّلعون على هذه الحقيقة هم العقلاء والعلماء فحسب].
والعجيب: أنّهم سعوا أيضاً إلى التغيير في نفس هذه الآية وإخراج أنفسهم من كونهم مصاديق للمفسدين ومثيري الفتن والمؤوّلين! لأنّ اللـه تعالى يقول في هذه الآية الشريفة: إنّ اللـه والراسخين في العلم فقط هم الذين لديهم اطّلاع على تأويلاتها ومعانيها: {وَما يَعْلَمُ تَأْويلَهُ إِلَّا اللـه وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْم}.

    

هل الواو في {والراسخون في العلم يقولون آمنا به} عاطفة أم استئنافيّة؟

فقال هؤلاء بوجوب الوقف عقيب لفظ (اللـه) وبأنّ واو (والراسخون) استئنافيّة، وينبغي أن تقرأ بهذا الشكل: {وَالرَّاسِخُونَ فِى الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا}، إلاّ أنّ هذا التفسير غير وجيه من عدّة جهات:
الاُولى: أنّه لو كان العلم [بهذه الآيات] منحصراً ومختصّاً بالذات الربوبيّة المقدّسة بحيث لا يكون لرسول اللـه منه أيّ حظّ، فما الفائدة إذن من نزول هذه الآيات المتشابهة؟ فمن المسلّم به إذاً أن يكون لمولانا رسول اللـه صلّى اللـه عليه وآله علمٌ وإحاطةٌ كاملة بهذه الآيات.
وقد رُوي عن مولانا الإمام محمّد الباقر عليه السلام أنّه قال:
«كان رسولُ اللـه أفضَلَ الراسِخِينَ فى العِلمِ، قَد عَلِمَ جَميعَ ما أنزَلَ اللـه عَلَيهِ مِنَ‏ التَّأوِيلِ والتَّنزِيلِ, وما كانَ اللـه لِيُنزِلَ عَلَيهِ شَيئًا لَم يُعَلِّمهُ تَأوِيلَهُ، وهو وأوْصِياؤُهُ مِن بَعدِهِ يَعلَمُونَهُ كُلَّهُ.»[11]
الثانية: أنّ جميع الصحابة والتابعين أجمعوا كافّةً على تفسير جميع الآيات القرآنيّة، ولم يُشاهد أنّهم توقّفوا في آيةٍ ما ولم يفسّروها متذرّعين بأنّ علمها لا يُحيط به أحد غير اللـه؛ لأنّها آية متشابهة، وهذا بنفسه دليل على أنّ الباب مفتوح أمام غير اللـه أيضاً من أجل تأويل مثل هذه الآية؛ ولهذا ينبغي عدّ {والراسخون في العلم} معطوفاً على {اللـه}.
الثالثة: أنّ ابن عبّاس كان يعدّ نفسه من الراسخين، وقيل[12]: وكانَ ابنُ عبّاسٍ يَقولُ فِي هَذه الآية: أنا مِن الرّاسِخينَ فِي العِلمِ. فإذا تقرّر أن يكون من الراسخين في العلم، أفلا يكون رسول اللـه وأوصياؤه الكرام منهم، فيكون لديهم أيضاً علم التأويل؟!
الرابعة: إنّ الذين عدّوا جملة (والراسخون) جملةً مستقلّة استئنافيّةً ادّعوا بأنفسهم تفسير القرآن وبيان معناه ـ علاوةً على ما ذكرناه سابقاً من أنّ جميع الصحابة والتابعين لم يتوقّفوا في تفسير وبيان معنى آيةٍ ما موكّلين تفسيرها إلى اللـه ــ واضطرّوا إلى القول بأنّ الآيات المتشابهات تدور حول الساعة وتحديد يوم القيامة وفناء الدنيا وزمان طلوع الشمس من المغرب ونزول عيسى عليه السلام وخروج الدجّال وأمثال هذه الأمور التي يختصّ علمها باللـه تعالى، غافلين عن أنّه لو كان الأمر كذلك فلن يعود أيّ معنى لاتّباع الآيات المتشابهة والاقتداء بالأشخاص الذين في قلوبهم زيغ! فما هي الفتنة التي سيُشعلها المغرضون ــ الذين يسعون إلى تفسير الآيات المتشابهة وفقاً لمصلحتهم ــ من خلال تحديد وقت طلوع الشمس وغروبها؟! وما هو الفساد الذي سيُثيرونه بذلك؟!
و من هنا يتبيّن أنّه لا بدّ أن تكون الآيات المتشابهة آياتٍ تملك عدّة معان محتملة: معنىً حقّ يُدركه الراسخون، بينما يقوم الآخرون الذين في قلوبهم زيغ بتفسير هذه الآيات بحسب منفعة حياتهم المادّيّة والشخصيّة وبما يتوافق مع تجبّرهم وكبريائهم ليحرفوا الناس عن المعنى الصحيح, وهذا شاهد مهمّ على أنّ المراد من الراسخين هم أهل البيت ورسول اللـه، ولذا فلا بدّ أن نقول أنّ "الراسخون" في الآية معطوفة على "اللـه".
الخامسة: أنّه لو كانت (والراسخون) جملةً مستقلّة، فكيف تكون مختصّة بهم؟ فجميع المؤمنين أعمّ من الراسخين وغيرهم ـ الذين هم في مقام التسليم والخضوع والخشوع والانقياد للآيات الإلهيّة ـ يقولون: {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا}، وحتّى ضعيفو الإيمان يُصدّقون إجمالاً بجميع الآيات. بينما إذا كانت جملة (والراسخون) معطوفةً على (اللـه)، سيتبيّن بشكل واضح أنّ نفس مُنزّل القرآن ـ أي اللـه تعالى ـ والأشخاص الذين يُحيط علمهم بالقرآن، والذين رسخ التوحيد والنور والعلم الربوبيّ في أرواحهم وشراشر وجودهم، ووصلوا إلى العلم الواقعيّ والحقيقيّ ووطؤوا بأقدامهم عالم الطهارة والقدس، فأولئك يمتلكون العلم بتأويل القرآن ولهم اطّلاع عليه، وفي ضمن ذلك يقولون أيضاً: {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا}.
السادسة: أنّه قد رُوي عن ابن عبّاس[13] والربيع ومحمّد بن جعفر بن الزبير وأبي مسلم، وكذا عن مولانا باقر العلوم محمّد بن علي بن الحسين.. أبي جعفر عليه الصلاة والسلام: أنّ الواو عاطفة، ولذا عدّوا (الراسخون) معطوفةً. وأمّا الذين اعتبروا بأنّ الواو استئنافيّة نظير عائشة[14] وعروة بن االزبير والحسن ومالك والكسائي والفرّاء والجبائي، فإنّ رأيهم فاسد، ولربّما لم يخل الأمر من أغراض خاصّة.
السابعة: توجد أخبار كثيرة مفادها أنِ اطلبوا تأويل القرآن من الراسخين في العلم, فإذا ما كان التأويل مختصّاً بالذات الربوبيّة، فلن يكون لهذه الأخبار أيّ معنىً صحيح.

    

قتال أمير المؤمنين على التأويل كقتال رسول اللـه على التنزيل

وقد ورد في عدّة روايات أنّ الرسول الأكرم قال: «أنا قاتَلتُهُم عَلَى التَّنزيلِ» (والقبول بظاهر القرآن وحقّانية نزوله) «وأنتَ يا عَلي تُقاتِلُهُم عَلَى التَّأوِيلِ» (وحقّانية معانيه ومدلولاته)![15] وعليه فقد كانت حروب أمير المؤمنين عليه السلام تنحو منحى غزوات الرسول الأكرم وتقع امتداداً لها؛ فالمشركون كانوا يتقاتلون قبل الإسلام مع الرسول والقرآن، وأصحاب الجمل وصفّين والنهروان قد حاربوا حقيقة الرسول والقرآن المتمثّلة في النفس المقدّسة لأمير المؤمنين عليه السلام.
وقد ورد في عدّة روايات من طرق الخاصّة أنّ الرسول صلّى اللـه عليه وآله أخبر مراراً وتكراراً بأنّ أمير المؤمنين مكلّف من قِبل اللـه تعالى بجهاد الناكثين (أي الناقضين للبيعة)، وهم عائشة وطلحة والزبير وأعوانهم، والقاسطين (أي الظلمة والمعتدين) وهم: معاوية وأتباعه في حرب صفّين، والمارقين (أي الخارجين عن الدين) والمراد بهم أصحاب النهروان والخوارج، إلاّ أنّنا سننقل هنا بعض المطالب عن كتب أهل السنّة:
فَأمّا الطّائِفَة النّاكِثَة فَهُم أصحابُ الجَمَلِ، وأمّا الطّائِفَة القاسِطَة فأصحابُ صِفِّينِ, وسَمّاهُم رَسولُ اللـه صَلّى اللـه عَلَيهِ وآلِهِ [و سَلَّم‏] القاسِطينَ. وأمّا الطّائِفَة المارِقَة فأصحابُ النَّهروانِ. وأشَرنا نَحنُ بِقَولِنا: سَمّاهُم رَسولُ اللـه صَلّى اللـه عَلَيهِ وآلِهِ [و سَلَّم‏] القاسِطينَ إلى قَولِهِ عَليه السّلامُ: «سَتُقاتِلُ بَعدِي الناكِثينَ والقاسِطينَ والمارِقينَ». وهَذا الخَبَرُ مِن دَلائِلِ نُبُوَّتِهِ صَلواتُ اللـه عَلَيهِ؛ لأنّهُ إخبارٌ صَريحٌ بِالغَيبِ، لا يَحتَمِلُ التَّموِيهَ والتَّدلِيسَ، كما تَحتَمِلُهُ الأخبارُ المُجمَلَة. وصَدَّقَ قَولُهُ عَلَيه السّلام: «والمارِقينَ» قَولَهُ أوّلًا في الخَوارِجِ: «يَمرُقونَ مِنَ الدِّينِ كما يَمرُقُ السَّهمُ مِنَ الرَّميَة». وصَدَّقَ قَولُهُ عَلَيه السّلام: «النّاكِثينَ» كَونُهُم [أي أصحاب حرب الجمل] نَكَثوا البَيعَة بادِيءَ بَدءٍ ، وقَد كانَ عَليه السّلامُ يَتلو وَقتَ مُبايَعَتِهِم لَه: (ومَن نَكَثَ فإنِّما يَنكُثُ عَلَى نَفسِهِ). وأمّا أصحابُ صِفِّينَ، فَإنّهُم عِندَ أصحابِنا رَحِمَهُم اللـه مُخَلَّدونَ في النّار؛ِ لِفِسقِهِم, فَصَحَّ فيهم قَولُهُ تَعالى: {وأَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً}[16] (وهو ما يدلّ على خلودهم في نار جهنّم).[17]
وأمّا فيما يخصّ قتال أمير المؤمنين الناس في تلك الحروب على التأويل، فتوجد عدّة روايات نقلها ابن أبي الحديد بدوره في «شرح نهج البلاغة»، قال:
رَوَى إبراهِيمُ بنُ دَيزِيلَ الهَمدانِيُّ في كِتابِ صِفِّينَ عَن يَحيَى بنِ سُلَيمانَ[18] مُسندًا عَن أبِي سَعِيدٍ الخُدرِيِّ رَحِمَهُ اللـه قالَ: كُنّا مَعَ رَسُولِ اللـه صلّى اللـه عَلَيهِ وآلِهِ وسلّمَ, فَانْقَطَعَ شِسعُ نَعلِهِ، فَألقَاهَا إلَى عَلِيٍّ عَلَيهِ السّلامُ يُصلِحُها. ثُمَّ قالَ: «إنّ مِنكُمْ مَن يُقاتِلُ عَلَى تَأويلِ القُرآنِ, كَما قاتَلْتُ عَلَى تَنزِيلِهِ» فَقالَ أبوبَكرٍ: أنا هو يا رَسولَ اللـه؟ قالَ: «لا!» فَقالَ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ: أنا هُو يا رَسولَ اللـه؟ قالَ: «لا! وَلَكِنَّهُ ذاكُمْ خاصِفُ النَّعلِ» ويَدُ عَلِيٍّ عَلَيهِ السّلامُ [عَلَى نَعلِ النبيّ][19] يُصلِحُها. قالَ أبوسَعيدٍ: فَأتَيْتُ عَلِيًّا, فَبَشَّرتُهُ بِذَلِكَ, فَلَمْ يَحفِلْ بِهِ[20] كَأنَّهُ شَي‏ءٌ قَد كانَ عَلِمَهُ مِن قَبْلُ.[21]
وينقل ابن أبي الحديد أنّ:
ابنُ دَيزِيلَ في هَذا الكِتابِ أيضًا عَن يَحيَى بنِ سُلَيمانَ عَن ابنِ فُضَيلٍ عَن إبراهيمَ بنِ الهَجَرِيِّ عَن أبِي صادِقٍ قالَ: قَدِمَ عَلَينا أبُو أيُّوبَ الأنصارِيُّ العِراقَ, فَأهدَت لَهُ الأزدُ جُزُرًا,[22] فَبَعَثُوها مَعِي, فَدَخَلتُ إلَيهِ فَسَلَّمتُ عَلَيهِ وقُلتُ لَهُ: يا أبا أيُّوبَ! قَد كَرَّمَكَ اللـه [عزّوجلّ‏] بِصُحبَة نَبِيِّهِ صَلّى اللـه عَلَيه وآلِه وسَلّم ونُزُولِهِ عَلَيكَ، فَما لِي أراكَ (مع كلّ هذه السوابق والحسنة والخصوصيّات التي تمتلكها) تَستَقبِلُ النّاسَ [بِسَيفِكَ‏] تُقاتِلُهُم هَؤُلاءِ مَرَّة وهَؤُلاءِ مَرَّة؟ قالَ: إنَّ رَسُولَ اللـه صَلّى اللـه عَلَيه وآلِه وسَلّم عَهِدَ إلَينا أن نُقاتِلَ مَعَ عَلِيٍّ النّاكِثِينَ (الناقضين للعهد) فَقَد قاتَلناهُم، وعَهِدَ إلَينا أن نُقاتِلَ مَعَهُ القاسِطِينَ (الظلمة والمعتدين), فَهَذا وَجهُنا إلَيهِم, يَعنِي: مُعاوِيَة وأصحابَهُ، وعَهِدَ إلَينا أن نُقاتِلَ مَعَ عَلِيٍّ المارِقِينَ (الخارجين عن الدين) ولَم أرهم بَعد.[23]
ويقول ابن أبي الحديد:
رَوَى كَثِيرٌ مِنَ المُحَدِّثِينَ عَن عَلِيٍّ عَلَيه السّلامُ أنَّ رَسُولَ اللـه صَلّى اللـه عَلَيه وآلِه وسَلّم قالَ لَهُ: «إنَّ اللـه قَد كَتَبَ عَلَيكَ جِهادَ المَفتُونِينَ, كَما كَتَبَ عَلَيَّ جِهادَ المُشرِكِينَ». قالَ: فَقُلتُ: «يا رَسُولَ اللـه! ما هَذِهِ الفِتنَة الَّتِي كُتِبَ عَلَيَّ فِيها الجِهادُ؟» قالَ: «قَومٌ يَشهَدُونَ أن لا إلَهَ إلاّ اللـه وأنِّي رَسُولُ اللـه وهُم مُخالِفُونَ لِلسُّنَّة». فَقُلتُ: «يا رَسُولَ اللـه! فَعَلامَ أُقاتِلُهُم وهُم يَشهَدُونَ كَما أشهَدُ؟» قالَ: «عَلَى الإحداثِ فى الدِّينِ ومُخالَفَة الأمرِ». فَقُلتُ: «يا رَسُولَ اللـه! إنَّكَ كُنتَ وَعَدتَنِي الشَّهادَة، فاسألِ اللـه أن يُعَجِّلَها لِي بَينَ يَدَيكَ! » قالَ: «فَمَن يُقاتِلُ [قاتل‏] النّاكِثِينَ والقاسِطِينَ والمارِقِينَ؟! أما إنِّي وَعَدتُكَ بِالشَّهادَة [وستُستَشهَدُ]؛ يُضرَبُ عَلَى هَذِهِ (أي مفرق رأسك بالسيف) فَتُخضَبُ هَذِهِ (أي لحيتك بالدم)؛ فَكَيفَ صَبرُكَ إذن؟» فَقُلتُ: «يا رَسُولَ اللـه! لَيسَ ذا بِمَوطِنِ صَبرٍ، هَذا مَوطِنُ شُكرٍ». قالَ: «أجَل! أصَبتَ فَأعِدَّ لِلخُصُومَة؛ فَإنَّكَ مُخاصَمٌ». فَقُلتُ: «يا رَسُولَ اللـه! لَو بَيَّنتَ لِي قَلِيلًا؟» فَقالَ: «إنَّ أمَّتِى سَتُفتَنُ مِن بَعدِي، فَتَتَأوَّلُ القُرآنَ وتَعمَلُ بِالرَّأي وتَستَحِلُّ الخَمرَ بِالنَّبِيذِ (ماء العنب) والسُّحتَ بِالهَدِيَّة والرِّبا بِالبَيعِ وتُحَرِّفُ الكِتابَ عَن مَواضِعِهِ (ومفاده ومعانيه) وتَغلِبُ كَلِمَة الضَّلالِ، فَكُن حِلسَ [جليس‏] بَيتِكَ (واركن للعزلة متشبّهاً بذلك الفراش الذي تجلس عليه) [حَتَّى تُقَلَّدَها]، فَإذا قُلِّدْتَها جاشَت عَلَيكَ الصُّدُورُ وقُلِبَت لَكَ الأمُورُ، تُقاتِلُ حِينَئِذٍ عَلَى تَأوِيلِ القُرآنِ, كَما قاتَلتُ عَلَى تَنزِيلِهِ، فَلَيسَت حالُهُمُ الثّانِيَة بِدُونِ حالِهِمُ الأولَى» (أي ستكون حالة الناس في المرحلة الأخيرة ـ التي تُقاتلهم عليها أنت ـ مثل حالتهم الاُولى في الشـرك وعبادة الأصنام التي قاتلتهم أنا عليها من دون أن تنقص عنها بأدنى درجة). فَقُلتُ: «يا رَسُولَ اللـه! فَبِأيِّ المَنازِلِ أُنزِلَ هَؤُلاءِ المَفتُونِينَ مِن بَعدِكَ؟ أبِمَنزِلَة فِتنَة (فأتعامل معهم على هذا الأساس) أم بِمَنزِلَة رِدَّة (فأتعامل معهم على أساس قوانين وأحكام أهل الردّة والمرتدّين)؟» فَقالَ: «بِمَنزِلَة فِتنَة (فعاملهم معاملة المسلم المفتون والمبتلى بالفساد) يَعمَهُونَ فِيها إلَى أن يُدرِكَهُمُ العَدلُ». فَقُلتُ: «يا رَسُولَ اللـه! أيُدرِكُهُمُ العَدلُ مِنّا أم مِن غَيرِنا؟» فَقالَ: «بَل مِنّا: بِنا فَتَحَ اللـه (الإسلام والرحمة والعدل والولاية) وبِنا يَختِمُ, وبِنا ألَّفَ اللـه بَينَ القُلُوبِ بَعدَ الشِّركِ، وبِنا يُؤَلِّفُ بَينَ القُلُوبِ بَعدَ الفِتنَة!» فَقُلتُ: «الحَمدُ للـه عَلَى ما وَهَبَ لَنا مِن فَضلِه».[24]


[1] ـ سورة الإسراء (17)، الآية 82.

[2] ـ سورة الأنفال (8)، الآية 42.

[3] ـ سورة الفرقان (25)، الآية 73.

[4] ـ سطى يسطو سطواً وسطوةً به وعليه: وثب عليه وقهره.

[5] ـ سورة الحجّ (22)، الآية 72.

[6] ـ سورة التوبة (9)، الآية 64.

[7] ـ سورة لقمان (31)، الآية 7.

[8] ـ لَغَى يلغى لَغىً بالأمر: لَهِج به ولَغِيَ في الحساب: غلط فيه.

[9] ـ سورة فصّلت (41)، الآية 26.

[10] ـ سورة آل عمران (3)، الآية 7.

[11] ـ تفسير مجمع البيان، ج 2، ص 241.

[12] ـ نفس المصدر.

[13] ـ مجمع البيان، ج 2، ص 241.

[14] ـ نفس المصدر.

[15] ـ تمّت الإشارة سابقاً إلى أنّ هذه الرواية قد أسندت بعدّة طرق تمّ إيرادها في بحار الأنوار، ج 8، ص 455 وص 456؛ كما تمّ التعرّض في ص 475 إلى مسائل متعلّقة بهذا الموضوع. وجاء في ص 233 من ينابيع المودّة طبعة إسلامبول: عن وهب بن صفي البصري قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: أنا أقاتل على تنزيل القرآن وعليٌّ يقاتل على تأويل القرآن! رواه صاحب الفردوس.

[16] ـ سورة الجنّ (72)، الآية 15.

[17] ـ شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج 1، ص 201.

[18] ـ ذكر نفس الإسناد في شرح نهج البلاغة.

[19] ـ العبارة بين المعقوفتين جاءت في المصدر ولكنها سقطت من المتن. (المترجم )

[20] ـ حَفَله وحفل به: اعتنى إليه.

[21] ـ شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج 3، ص 206. على ما نقل عنه في البحار، ج 32، ص 307.

[22] ـ الجُزْرْ: ما أعدّ للذّبح أو النّحر كالشّاة والنّاقة.

[23] ـ بحار الأنوار، ج 32، ص 308 نقلًا عن شرح نهج البلاغة ابن أبي الحديد، ج 3، ص 207.

[24] ـ بحار الأنوار، ج 32، ص 243؛ شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج 9، ص 207.

      
  

جميع الحقوق محفوظة لـ موقع المتقين www.motaghin.com ويسمح باستخدام المعلومات بشرط الإشارة إلى المصدر.

© 2008 All rights Reserved. www.Motaghin.com


Links | Login | SiteMap | ContactUs | Home
عربی فارسی انگلیسی