معرض الصور المحاضرات صوتيات المكتبة سؤال و جواب اتصل بنا الرئیسیة
 
اعتقادات و كلام أخلاق حکمة عرفان العلمي و الإجتماعي التاریخ القرآن و التفسير
المكتبة > محاضرات العلامة الطهراني > كتاب أنوار الملكوت > نور ملكوت الصلاة > المجلس الأول: الصلاة وسيلةٌ لمحو قلب الإنسان وحقيقته في عظمة الحقّ عزّ وجلّ

_______________________________________________________________

هو العليم

سلسلة مباحث أنوار الملكوت
نور ملكوت الصلاة

المجلس الأول: الصلاة وسيلةٌ لمحو قلب الإنسان وحقيقته،
في عظمة الحقّ عزّ وجلّ

(مواعظ شهر رمضان المبارك من عام 1390 )

من مصنّفات العلاّمة الراحل

آية اللـه الحاجّ السيّد محمّد الحسين الحسيني الطهراني قدس اللـه نفسه الزكيّة

_______________________________________________________________

تحميل ملف البد دي أف تحميل ملف البد دي أف

بسم اللـه الرّحمن الرّحيم
والصّلاة على محمّد وآله الطّاهرين
ولعنة اللـه على أعدائهم أجمعين
من الآن إلى قيام يوم الدّين

{(يا رسول اللـه) اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ (للخلق) مِنَ الْكِتابِ (السماوي أي القرآن) وَأَقِمِ الصَّلاةَ (أعظم عبادة لله) إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللـه أَكْبَرُ وَاللـه يَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ (طلباً لرضاه وذكره)}.[1]

    

حقيقة الصلاة

الصلاة خلوة العبد مع ربّه،ونحو مناجاة وتضرّع، ومدح وثناء وتمجيد، واستمداد واستنصار، وغرق في أنوار جمال اللـه وعظمته. حينما يتأمّل الإنسان في نفسه، يجدها تشتمل على جنبتين: إحداهما هي بدنه؛إذ الإنسان كسائر الموجودات الخارجيّة من حيث طروّ التغيّر والتبدّل والكون والفساد عليه. والثانية حقيقته التي لا تتحوّل بتحوّل العالم الخارجي وتغيّره. وفي حال الصلاة ينمحي قلب الإنسان وحقيقته في عظمة ذلك الموجود الأزلي الأبدي الذي تقوم به جميع الموجودات، فيتّصل الإنسان بتلك الأبديّة المطلقة، مطمئنّاً بذكره، {الَّذينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللـه أَلا بِذِكْرِ اللـه تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}.[2]
ولا يخلو الإنسان في كلّ لحظةٍ من الأفكار والخواطر،سواء كان في حالة سكون أوحركة، في حالة نوم أويقظة، فتهجم عليه الأفكار والخواطر ـ كالأمواج الهادرة ـ من مختلف أصقاع النفس ونواحيها، فتُولِّد الملكات المكتسبة و المشاهدات اليوميّة في الإنسان خاطرةًفي كلّ آنٍ.وتشنّ هذه الخواطر حملة على القلب كالسهام المسنونة والسيوف الصارمة، فتطرحه جانباً وتجرحه.وكلّما فرّ من خاطرة تورّط بخاطرةٍ أُخرى، فيكون الهروب من كلّ خاطرة عبارة بدوره عن خاطرة جديدة أيضاً.وتصطفّ صور الموجودات الفانية وأشكالها في ذهن الإنسان مستعرَضةً نفسهاعلى الدوام، وتجعل ميدان النفس محلاًّ للهجوم والإغارة. يقول مولانا الرومي محمّد البلخي:
جان همه روز از لگدكوب خيال
                             وز زيان وسود واز بيم زوال
نى صفا مى ماندش نى لطف وفـر
                             نى بسوى آسمـــان راه سفـر
[3]
وحينئذٍ تعود الروح الملكوتيّة مجروحةً مغلوبةً مهجورة. والصلاة هي الارتباط والاتصال الوحيد الذي ينقذ المصلّي من هذه الضجّة والضوضاء؛ لأنّ حقيقة الصلاة هي حضور القلب، وحضور القلب مستلزمٌ لنفي الخواطر والتوجّه التامّ للذات الربوبيّة المقدّسة. ومع هذا التوجّه تضمحلّ جميع الخواطر، وتزول الأفكار والخيالات، ولا يبقى منها شيءٌ. فتلك الجيوش المصطفّة من الأفكار وذلك التداعي لمعاني الصور والأشكال قد صارت كالملح الذائب في الماء، وتلك الفوضى والاضطراب قد تبدّلت إلى هدوء وسكينة، كما تبدّل غبار الخيالات إلى أرض خضِرة ونضِرة وناضِحة بالماء،وتبدّلت تلك الأمواج المشحونة بالصخَب إلى ماء صاف وساكن.ومن الواضح أنّ ما يترتّب على ذلك التوجهّ هو الاستراحة المؤقّتة من تشتّت الحواس والأفكار واضطرابها، لتثمر الاتّصال بالأبديّة وباللـه جلّ وعلا. فإذا ما صارت مرآة القلب صافية، وسكن الماء الصاخب، وخمد غبار ولهيب الشهوات والأفكار المشوّشة، عاد مشهد شمس الحقيقة والشمس السرمديّة واضحاً جليّاً في القلب، فيرى العبد ربّه،وبه يتكلّم، وبه يسمع.
يقول أحد العظماء: كلّما رغبت أن يحدّثني اللـه، قمت لأقرأ القرآن، وكلّما أردت أن أتحدّث مع اللـه قمت لأصلّي. فأيّ حال أفضل من الحال الذي يُخلي فيه الإنسان ذهنه من التفكير بهذه الدنيا المليئة بالشرور والفتن (الدنيا التي عيشها توأم مع المرارة والتنغيص، وحياتها مشفوعة بالموت، وفرحها مقرون بالحزن والعزاء)، وينقل اهتماهه وتوجّهه إلى حرم الأنس ومقام القرب ومحلّ الأمن، ليصير متّصلاً بعالم الأبديّة.

إذن فليس المقصود من الآية الشريفة أنّ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكرات الظاهريّة فقط، بل هذه الأفكار والخيالات التي هي الفحشاء والمنكر الحقيقيّ وموانع طريق السلوك والتجرّد ـ إذ الصلاة حقيقتها التوجّه الكامل إلى ربّ الأرباب ـ ستحرقها بأجمعها، كما تُحرق القشّ ودقائق التبن وتصهرها في بَوتقة مقام القرب.ولهذا روى محمّد بن الفُضيل عن مولاناالرضا عليه السلام أنّه قال:
«الصلاة قُربانُ كُلِّ تَقِيٍّ».[4]
نعم، إنّ اللـه قريب من كلّ موجودٍ، غير أنّ الإنسان قد يحجب نفسه عنه من خلال الأهواء النفسيّةوالآمال البعيدة. قال مولانا السجّاد عليه السلام:
«وإنّك لا تَحتجِب عن خَلقِكَ إلاَّ أَن تَحجُبَهم الآمالُ [الأَعمَالُ السيِّئَةُ] دُونَكَ».[5]
والصلاة من شأنها أن ترفع الحجاب وتوصل الحبل.
«الصلاةُ مِعراجُ المُؤمِنِ».[6]
إنّ الحقائق التي شوهدت في معراج رسول اللـه (صلّى اللـه عليه وآله وسلّم) قد ينكشف أشباهها ونظائرها للمؤمنين الذين اتّبعوا النبيّ وتأسّوا به وصاروا معدودين من أُمّته. وفي الحديث القدسي:
«لا يسَعُني أرضي ولا سَمَائي، بل يَسَعُني قلبُ عبدي المؤمِنِ بِي».[7]
فالصلاة خلوة العبد مع اللـه، كخلوة العاشق مع المعشوق.والخواطر هي المانع والعائق الذي يظهر للعاشق حال الخلوة، فتصيبه بالكسل والتعب، وتقلقه وتُصيبه بالاضطراب، ولا تتركه یهنأکما ینبغي، كما أنّ التوجّه في الصلاة إلى غير اللـه يتعب الروح ويغمّها، ولا يتركه يتمتّع بلقاء اللـه ويأنس به.
عن مُعَاوِيَةَ بْنِ وَهْبٍ قَال: «سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللـه عليه السلام عَنْ أَفْضَلِ مَا يَتَقَرَّبُ بِهِ الْعِبَادُ إِلَى رَبِّهِمْ وَأَحَبِّ ذَلِكَ إِلَى اللـه عَزَّ وَجَلَّ، مَا هُوَ؟ فَقَالَ: مَا أَعْلَمُ شَيْئاً بَعْدَ الْمَعْرِفَةِ أَفْضَلَ مِنْ هَذِهِ الصَّلاَةِ؛ أَلاَ تَرَى أَنَّ الْعَبْدَ الصَّالِحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ عليه السلام قَالَ: {وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيّاً}».[8]

    

دور السجود في رقيّ الإنسان وعروجه

وفي حديث آخر عن زيد الشَحّام عن الصادق عليه السلام: سَمِعْتُهُ يَقُولُ:

«أَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللـه عَزَّ وَجَلَّ الصَّلاَةُ، وَهِيَ آخِرُ وَصَايَا الأَنْبِيَاءِ عليهم السلام. فَمَا أَحْسَنَ الرَّجُلَ يَغْتَسِلُ أَوْ يَتَوَضَّأُ فَيُسْبِغُ الْوُضُوءَ (بمراعاة الشروط والآداب)، ثُمَّ يَتَنَحَّى حَيْثُ لاَ يَرَاهُ أَنِيسٌ فَيُشْرِفُ عَلَيْهِ وَهُوَ رَاكِعٌ أَوْ سَاجِدٌ! إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا سَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ نَادَى إِبْلِيسُ: يَا وَيْلاَهْ! أَطَاعَ وَعَصَيْتُ وَسَجَدَ وَأَبَيْتُ».[9]
ومراد الإمام (عليه السلام) من التنحّي هو الابتعاد عن الناس والتزام الخلوة؛ لينال حضور القلب في جميع الحالات وليتّصل بمقام جمعيّة النفس،[10] وقطع كلّ صارف يصرفه عن التوجّه التامّ الكامل.ويسعى الشيطان بدوره لکي يبعد الإنسان عن ساحة القرب الالهي؛ لأنّ الشيطان أتى بنفسه من عالم الكثرة والتفرقة، ولذا لا يرضى أنّ يتقرّب أحد من الخلق قطّ فيضع قدمه في عالم التوحيد وعالم الخلوص، ولذا يئنّ ويصرخ.
عَنْ عَبْدِ اللـه بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللـه عليه السلام، أَنَّهُ قَالَ: «مَرَّ بِالنَّبِيِّ صلّى اللـه عليه وآله وسلّم رَجُلٌ وَهُوَ يُعَالِجُ بَعْضَ حُجُرَاتِهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللـه! أَلاَ أَكْفِيكَ؟ فَقَالَ: شَأْنَكَ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللـه صلّى اللـه عليه وآله وسلّم: حَاجَتُكَ؟ قَالَ: الْجَنَّةُ. فَأَطْرَقَ رَسُولُ اللـه صلّى اللـه عليه وآله وسلّم ثُمَّ قَالَ: نَعَمْ! فَلَمَّا وَلّى (ذلك الرجل مبتهجاً ومرتاح البال) قَالَ لَهُ (رسول اللـه فجأةً): يَا عَبْدَ اللـه! أَعِنَّا بِطُولِ السُّجُودِ».[11]
ويقول الوشّاء أيضاً:
سَمِعْتُ الرِّضَا عليه السلام يَقُولُ: «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنَ اللـه عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ سَاجِدٌ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ}».[12]

    

آثار الصلاة

فالصلاة اتّصال باطن الإنسان بعالم الأنوار. الصلاة هي الاتّصال بعالم الطهارة. الصلاة تبعث النور في الإنسان، کما أنّ المؤمن منوّرٌ بنور اللـه {اللـه نُورُ السَّماواتِ والأَرْض}.[13] ومن انمحى في جمال الأحديّة، غرق في النور من قمّة رأسه إلى أخمص قدميه، أثّر هذا النور في ذاته وصفاته وأفعاله أيضاً. {يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللـه وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ}،[14] كما أنّه سيوضح له الطريق.
«اتَّقُوا فِرَاسَةَ الْمُؤْمِنِ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ بِنُورِ اللـه [عَزَّ وَجَل]»(أي: لأنّه ينظر إلى الحوادث والأشخاص بنور اللـه من عالم الغيب).[15]
مرّ مولانا أمير المؤمنين عليه السلام على قوم وهم قعودٌ في المسجد في أوّل يوم من شعبان، وقد كانوا يخوضون في أمر القضاء والقدر، فنهاهم عن ذلك ورغّبهم بالعمل الصالح، إلى أن شرع في وصف أصحاب البصيرة الذين ظهر فيهم أثر العبادة والصلاة فقال:
لقد بعث الرسول الأكرم ذات يوم جيشاً لجهاد الكّفار. وفي تلك اللّيلة المظلمة شنّ العدوّ عليهم هجمة مباغتة، وكان الليل في حينها حالكاً شديد الظلمة. وقد كان المسلمون قد خلدوا للاستراحة،ولم يكونوا مطّلعين على مكان تواجد سيوفهم ورماحهم، ولا متمكّنين في ذلك الظلام الدامس من رؤية الأعداء (الذين جعلوا منهم أغراضاً لنبالهم، بحيث لو قدّر أن طال ذلك الأمر لفترة قصيرة، لكان قد أودى إلى هلاك الجميع).وبينما هم كذلك وإذا بنور يسطع من أفواه أربعة أشخاص هم:عبد اللـه بن رَواحَة[16] وزيد بن حارِثة و قَتادة بن النُعمان وقيس بن عاصم المِنقَري؛ إذ كلّ واحد منهم في جانب من جوانب المعسكر مستيقظاً منشغلاً بالصلاة وتلاوة القرآن، فصار جوّ المعسكر مضيئاً كالنهار، فاستبسل المسلمون، واستعادوا قوّتهم، وشهروا سيوفهم، وهجموا على الأعداء، وأودوهم بين قتيل وجريح، وأسروا بعضهم أيضاً. وعندما رجعوا إلى المدينة، قصّوا الحادثة على رسول اللـه، فقال: لقد كان ذلك النور بسبب ما قام به أُولئك الأشخاص الأربعة من صلاة وقرآن في اليوم الأوّل من شعبان.[17]
وبالجملة: عندما يصير العبد مستغرقاً في أداء الصلاة بصورة متواصلة مراعياً للآداب الظاهريّة والباطنيّة، سيحصل له الأنس بالصلاة إلى درجة يهرب معها من جميع المتاعب، ليرتاح تحت ظلّ الصلاة،فلا تعُد أيّ لذّة عنده مضاهيةً للصلاة، بل إنّ لذّات هذا العالم لا تعدو أن تكون ـ في قبال الصلاة وبالمقارنة معها ـ موجبةً للألم والغمّ.

    

الصلاة عند سيّد الشهداء عليه السلام

وحكى المرحوم المفيد رضوان اللـه عليه في «الإرشاد» أنّه لمّا أحضر أبو الفضل عليه السلام في عصر تاسوعاء رسالة جيش عمر بن سعد إلى الإمام ـ وكان قد خُيّر فيها سيّد الشهداء بين التسليم لأمر عبيد اللـه بن زياد وبين المناجزة والمقاتلة ـ قال عليه السلام:
«ارجِع إلَيهِم، فَإِن استَطَعتَ أَن تُؤَخِّرَهُم إلى الغَدَوةِ وتَدفَعَهُم عَنَّا العَشيَّةَ؛ لَعَلَّنا نُصلِّي لِرَبِّنَا اللَّيلَةَ ونَدعُوه ونَستَغفِرُه، فَهُو يَعلَمُ أَنِّي قَد كُنتُ أُحِبُّ الصلاَةَ لَهُ وتِلاَوَةَ كِتابِهِ وكَثرَةَ الدعَاءِ والاستِغفَارِ».
وحينما استمهلهم أبا الفضل وعاد، جمع سيّد الشهداء عليه السلام أصحابه عند قرب المساء.
قَالَ عَلِيٌّ بنُ الحُسَينِ زَينُ العَابَدينَ عليهما السلام: «فَدَنَوْتُ مِنهُ لأَسمعَ ما يَقُولُ لَهُم وَأَنَا إذ ذَاكَ مَريضٌ، فَسمِعتُ أَبي يَقولُ لأصحَابِهِ:
أُثنِي عَلى اللـه أَحسنَ الثناءِ وأحمَدُهُ عَلَى السرَّاءِ والضرَّاءِ. اللـهمَّ إِنّي أَحمَدُكَ عَلَى أَن كَرَّمتَنَا بِالنبُوَّةِ وعَلَّمتَنَا القُرآنَ وفَقَّهتَنَا في الدينِ وجَعَلتَ لَنَا أَسماعاً وَأَبصاراً وَأَفئدةً، فَاجعَلنا مِن الشاكِرِينَ. أَمَّا بَعدُ: فإنِّي لاَ أَعلَمُ أَصحاباً أَوفَى وَلاَ خيراً مِن أَصحابي وَلاَ أَهلَ بيتٍ أبَرَّ ولاَ أوصَلَ مِن أهلِ بَيتي فَجَزاكُم اللـه عَنّي خَيراً. أَلاَ وإنّي لأَظُنُّ يوماً لَنَا [أنّه آخِر يومٍ لَنَا] مِن هَؤُلاءِ، أَلاَ وَإنّي قَد أذِنْتُ لَكُم فَانطَلِقوا جَميعاً في حِلٍّ لَيس عَلَيكُم مِنّي ذِمامٌ، هَذَا اللّيلُ قَد غَشِيَكُم فَاتَّخِذُوهُ جَمَلاً.
فَقَالَ لَهُ إِخوتُهُ وأَبناؤُهُ وبَنو أَخيه وَابنَا عَبدِ اللـه بنِ جَعفرٍ: لِمَ نفعلُ ذَلِك؟ لِنبقى بَعدَك؟ لاَ أَرانا اللـه ذَلِك أبداً أبداً! بَدَأهم بِهذا القَولِ عَبَّاسُ بنُ عَليٍّ عليه السلام، وَأتبَعَتهُ الجماعةُ عَليهِ فَتَكلَّمُوا بِمِثلِه وَنَحوِه. فَقَالَ الحُسينُ عليه السلام: يا بني عقيل! حَسبُكُم مِنَ القَتلِ بِمُسلمِ بنِ عَقيلٍ، فَاذهَبوا أَنتُم فَقَد أَذِنتُ لَكُم. فَقَالوا: سُبحانَ اللـه! مَا يقولُ النَّاسُ؟ يَقولُونَ [نَقولُ]: إِنَّا تَرَكنَا شَيخَنا وسَيِّدَنَا وَبَني عُمُومتِنا خَيرَ الأعمامِ وَلَم نرمِ معهم بِسَهمٍ، وَلَم نَطعَن مَعهُم بِرُمحٍ وَلم نَضرِب مَعَهم بِسَيفٍ ولا نَدري مَا صَنَعوا. لاَ واللـه! ما نَفعَلُ ذَلِك، وَلَكِن نَفدِيكَ بِأنفُسِنا وَأَموالِنَا وأَهلينَا، وَنُقاتِلُ مَعَكَ حَتَّى نَرِد مَورِدَكَ، فَقَبَّحَ اللـه العَيشَ بعدَكَ!
وَقامَ إليهِ مُسلِمُ بنُ عَوسَجة فَقَالَ: أَنَحنُ نُخلّي عَنكَ؟! وبِما نَعتَذِرُ إلى اللـه في أَدَاءِ حَقّك؟ أما [لا] واللـه حتى أطعَنَ في صُدُورِهِم بِرُمحي وَأضرِبَهُم بِسَيفي مَا ثَبَتَ قَائِمُه في يَدي، ولو لَم يكُن مَعي سِلاحٌ أُقاتِلُهم بِهِ لَقَذَفتُهُم بِالحِجارةِ! وَاللـه لاَ نُخَلّيكَ حَتّى يَعلَمَ اللـه أَنَّا قَد حَفِظنَا غَيبَةَ رَسولِهِ [رسول اللـه] فِيكَ! أَمَا واللـه لَو عَلِمْتُ أنّي أُقتَلُ ثُمَّ أُحيَا ثُمَّ أُحرَقُ ثُمَّ أُحيَا ثُمَّ أُذرَى، يُفعلُ ذَلِكَ بِي سَبعِينَ مَرَّةً! ما فَارَقتُك حَتّى أَلقَى حِمَامِي دُونَكَ، وَكيفَ لاَ أَفعَلُ ذَلِك وَإنَّمَا هِيَ قَتلَةٌ وَاحِدة ثُمَّ هَيَ الكَرَامَةُ التي لاَ انقِضاءَ لَهَا أَبَداً!
وقَامَ زُهَيرُ بنُ القَينِ رَحمةُ اللـه عَلَيهِ فَقَالَ: واللـه لَودِدتُ أَنّي قُتلتُ ثُمَّ نُشِرتُ ثُمَّ قُتِلتُ حَتَّى أُقتَلَ هَكَذَا أَلفَ مَرَّةٍ، وَإنَّ اللـه عَزَّ وَجَلَّ يَدفَعُ بِذلِكَ القَتلَ عَن نَفسِكَ وَعَن أَنفُسِ هَؤُلاءِ الفِتيانِ مِن أَهلِ بَيتِكَ!!
وَتَكلَّمَ جَماعَةُ أَصحَابِهِ بِكَلامٍ يُشبِهُ بعضُه بَعضاً في وجهٍ واحدٍ، فَجَزَاهُم الحُسينُ عليه السلام خَيراً وَانصرَفَ إِلى مِضرَبِه».
[18]


[1] ـ سورة العنكبوت (29)، الآية 45.

[2] ـ سورة الرعد (13)، الآية 28.

[3] ـ الروح في كلّ يوم على أثر ضغوط الخيال والتفكير في النفع والضرر وخوف الزوال لا صفاء لها ولا لطف ولا جلال، ولا طريق لها تسلك منه نحو السماء.

[4] ـ ورد في الكافي، ج 3، ص 265، وكذلك في ج 78، بحار الأنوار، طبعة الآخوندي، ص 208، أنّه: لمّا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ للصادق عليه السلام: يا أَبَا عَبْدِ اللـه مَا أَصْبَرَكَ عَلَى الصَّلَاةِ؟ فَقَالَ: وَيْحَكَ يَا نُعْمَانُ! أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الصَّلَاةَ قُرْبَانُ كُلِّ تَقِيٍّ؟! الحديث. وروي أيضاً في تحف العقول، ص 221؛ وفي ج 17، بحار الأنوار، الكمباني، ص 132 من تحف العقول عن أمير المؤمنين عليه السلام: الصلاة قربان كلّ تقيّ؛ الحديث

[5] ـ دعاء أبي حمزة الثُمالي.

[6] ـ هذه الجملة ليست برواية، ولم تذكر في أيّ من كتب الشيعة أو السنّة بعنوان رواية، بل إنّما يذكرها فقط الملّا محمد كاظم الخراساني في باب الصحيح والأعمّ من كفاية الأصول في صفّ الآية القرآنيّة: {الصلاة تنهى عن الفحشاء} وروايتي: [الصلاة] عمود الدين والصوم جنّة من النار، ويدلّ ظاهرها على أنّها رواية، إلاّ أنّ هذا خطأ واشتباه. وقد رأيت مؤخّراً أنّ المرحوم صدر المتألّهين قد أسند هذه الرواية في تفسيرهلسورة الجمعة (ص 225، من الطبعة الحروفيّة) إلى رسول اللـه صلّى اللـه عليه وآله، وذكرها أيضاً في تفسيرهلسورة الأعلى (ص 357) من دون إسنادها إلى رسول اللـه. [ وقد وردت في مستدرك سفينة البحار، ج 6، ص 343 نقلاً عن العلامة المجلسي في كتاب بيان الاعتقادات].

[7] ـ نقله العلّامة المجلسي في بحار الأنوار، ج 20، ص 209، الطبعة الرحليّة؛ ج 55، ص 39، الطبعة الجديدة.

[8] ـ الكافي، ج 3، ص 264.

[9] ـ الكافي، ج 3، ص 265.

[10] ـ ورد في الباب الخامس والعشرين من مصباح الشريعة: فإنّ النبيّ صلّى اللـه عليه وآله وسلّم قال: إنّ المُصلّي مُناج ربّه.

[11] ـ الكافي، ج 3، ص 266.

[12] ـ الكافي، ج 3، ص426.

[13] ـ سورة النور (24)، الآية 35.

[14] ـ سورة الحديد (57) الآية 28.

[15] ـ الكافي، ج 1، ص 218، مع اختلاف يسير.

[16] ـ بعد شهادة جعفر بن أبي طالب،تسلّم كلّ من عبد اللـه بن رَواحَة وزيد بن حارِثة راية الجيش في معركة مؤتة بأمرٍ من الرسول الأكرم، واستشهدا فيها جميعاً الواحد تلو الآخر.

[17] ـ لقد نقل هذا الخبر في التفسير المنسوب إلى الامام العسكري عليه السلام ـ الذي طُبعفي حاشية تفسير عليّ بن إبراهيم ـ، وذلك في الصفحة 250 ضمن خبر مفصّل ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام في ذيل الآية {أو ضعيفاً أو لا يستطيعُ أن يُمِلّ هو فلْيُملِل وليُّه بالعدل}.

[18] ـ الإرشاد، ج 2،ص 90 إلى 93. وردت هذه الرواية في الكتاب المذكور ـ مع اختلاف يسير ـ بالشكل الآتي: فجمع الحسين ع أصحابه عند قرب المساء قال علي بن الحسين زين العابدين ع فدنوت منه لأسمع ما يقول لهم وأنا إذ ذاك مريض فسمعت أبي يقول لأصحابه أثني على اللـه أحسن الثناء وأحمده على السراء والضراء اللـهم إني أحمدك على أن أكرمتنا بالنبوة وعلمتنا القرآن وفقهتنا في الدين وجعلت لنا أسماعا وأبصارا وأفئدة فاجعلنا من الشاكرين أما بعد فإني لا أعلم أصحابا أوفى ولا خيرا من أصحابي ولا أهل بيت أبر ولا أوصل من أهل بيتي فجزاكم اللـه عني خيرا ألا وإني لأظن أنه آخر يوم لنا من هؤلاء ألا وإني قد أذنت لكم فانطلقوا جميعا في حل ليس عليكم مني ذمام هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا. فقال له إخوته وأبناؤه وبنو أخيه وابنا عبد اللـه بن جعفر لم نفعل ذلك لنبقى بعدك لا أرانا اللـه ذلك أبدا بدأهم بهذا القول العباس بن علي رضوان اللـه عليه واتبعته الجماعة عليه فتكلموا بمثله ونحوه. فقال الحسين ع يا بني عقيل حسبكم من القتل بمسلم فاذهبوا أنتم فقد أذنت لكم قالوا سبحان اللـه فما يقول الناس يقولون إنا تركنا شيخنا وسيدنا وبني عمومتنا خير الأعمام ولم نرم معهم بسهم ولم نطعن معهم برمح ولم نضرب معهم بسيف ولا ندري ما صنعوا لا واللـه ما نفعل ذلك ولكن تفديك أنفسنا وأموالنا وأهلونا ونقاتل معك حتى نرد موردك فقبح اللـه العيش بعدك. وقام إليه مسلم بن عوسجة فقال أ نخلي عنك ولما نعذر إلى اللـه سبحانه في أداء حقك أما واللـه حتى أطعن في صدورهم برمحي وأضربهم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي ولو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة واللـه لا نخليك حتى يعلم اللـه أن قد حفظنا غيبة رسول اللـه ص فيك واللـه لو علمت أني أقتل ثم أحيا ثم أحرق ثم أحيا ثم أذرى يفعل ذلك بي سبعين مرة ما فارقتك حتى ألقى حمامي دونك وكيف لا أفعل ذلك وإنما هي قتلة واحدة ثم هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبدا. وقام زهير بن القين البجلي رحمة اللـه عليه فقال واللـه لوددت أني قتلت ثم نشرت ثم قتلت حتى أقتل هكذا ألف مرة وأن اللـه تعالى يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن أنفس هؤلاء الفتيان من أهل بيتك. و تكلم جماعة أصحابه بكلام يشبه بعضه بعضا في وجه واحد فجزاهم الحسين ع خيرا وانصرف إلى مضربه. ـ المترجم ـ

      
  

جميع الحقوق محفوظة لـ موقع المتقين www.motaghin.com ويسمح باستخدام المعلومات بشرط الإشارة إلى المصدر.

© 2008 All rights Reserved. www.Motaghin.com


Links | Login | SiteMap | ContactUs | Home
عربی فارسی انگلیسی