معرض الصور المحاضرات صوتيات المكتبة سؤال و جواب اتصل بنا الرئیسیة
 
اعتقادات و كلام أخلاق حکمة عرفان العلمي و الإجتماعي التاریخ القرآن و التفسير
المكتبة > محاضرات العلامة الطهراني > كتاب أنوار الملكوت > نور ملكوت الصلاة > المجلس السادس: أهمّية الصلاة بالنسبة للمؤمن

_______________________________________________________________

هو العليم

سلسلة مباحث أنوار الملكوت
نور ملكوت الصلاة

المجلس السادس:
أهمّية الصلاة بالنسبة للمؤمن

(مواعظ شهر رمضان المبارك من عام 1390 )

من مصنّفات العلاّمة الراحل

آية اللــه الحاجّ السيّد محمّد الحسين الحسيني الطهراني قدس اللـه نفسه الزكيّة

_______________________________________________________________

تحميل ملف البد دي أف تحميل ملف البد دي أف

بسم الله الرّحمن الرّحيم‏
والصّلاة على محمّد وآله الطّاهرين‏
ولعنة الله على أعدائهم أجمعين
من الآن إلى قيام يوم الدّين

{وَما أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وَيُقيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ وَذلِكَ دينُ الْقَيِّمَةِ}[1].

    

الصلاة هي الطريق المستقيم إلى اللـه

إنّ المُستفاد من آيات كتاب الله سبحانه وتعالى هو أنّه يتوجّب على جميع الناس أن يخرجوا من تحت عبوديّة أمثالهم, ليدخلوا في عبودّية ربّ الأرباب وتحت حكمه, وعليهم أن لا يروا مؤثّرا في شؤونهم غير الله سبحانه, وأن يتخلّوا عن كل طريق منحرف ومسلك معوجّ وينتقلوا إلى الطريق المستقيم؛ المتمثّل بالإعراض عمّا سوى الله تعالى والإقبال إليه سبحانه. والمتكفّل بهذا الغرض أمران هما: أولاً: الصلاة؛ حيث تربط قلوب الناس بالله سبحانه، وتحرّرهم من كلّ الخواطر والتفكير في غير الله سبحانه وتعالى. وثانياً: الزكاة التي تأخذ منهم شيئاً من المال الذي يعدّ جزءً من وجودهم. وهذا يُمثّل في الحقيقة الدّين الأصيل المبني على أساس الحقيقة، لا على المجاز والاعتبارات.
خَطَبَ أمِيرُ المُؤمِنينَ عليه السّلام بِذِي قارٍ فَحَمِدَ اللهَ وأثنَى عَلَيهِ، ثُمَّ قالَ:
أمّا بَعدُ: فَإنَّ اللهَ تَبارَكَ وتَعالَى بَعَثَ مُحَمَّدًا صلّى الله عليه وآله وسلّم بِالحَقِّ لِيُخرِجَ عِبادَهُ مِن عِبادَة عِبادِهِ إلَى عِبادَتِهِ، ومِن عُهُودِ عِبادِهِ إلَى عُهُودِهِ، ومِن طاعَة عِبادِهِ إلَى طاعَتِهِ، ومِن وَلايَة عِبادِهِ إلَى وَلايَتِهِ، بَشِيرًا ونَذِيرًا [وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ‏] وَسِراجاً مُنيرا.[2]
وأهم ما يتكفّل بهذا الموضوع هو الصلاة؛ التي توجب انقطاع العبد إلى ربّه, وتفصله عن جميع الأرباب المتفرّقين، وتوصله إلى الله الواحد القهّار.

    

الصلاة هي أوّل ما يُسأل عنه الإنسان يوم القيامة

من هنا كانت الصلاة أوّل ما يُسأل عنه العبد يوم القيامة.
فقد ورد في «عُيُونِ الأخبارِ» بِإسنادِه إلى الرّضا [بِالإسنادِ المَذكُورِ في إسباغِ الوُضُوءِ عَنِ الرِّضا] عَن أبِيهِ عليهما السّلام قالَ: قالَ رَسولُ اللهِ صلّى الله عليه وآله وسلّم: إذا كانَ يَومُ القِيامَة يُدعَى بِالعَبدِ، فَأوَّلُ شَي‏ءٍ يُسألُ عَنهُ الصَّلاة، فَإذا جاءَ بِها تامَّة وإلّا زُخَّ [زُجَ‏] في النّار.[3]
وينقل أيضا في سفينة البحار عن «أسرار الصلاة» عن أبي جعفر عليه السّلام قال:
أوّلُ ما يُحاسَبُ بِه العَبدُ الصّلاة، فَإنْ قُبِلَتْ قُبِلَ ما سِواها. إنّ الصّلاة إذا ارتَفَعَتْ في وَقتِها رَجَعَتْ إلى صاحِبِها وهي بَيضاءٌ مُشرِقَة، تَقولُ: حَفِظتَنِي حَفَظَكَ اللهُ! وإذا ارتَفَعَت في غَيرِ وَقتِها بِغَيرِ حُدودِها رَجَعَت إلى صاحِبِها وهي سَوداءٌ مُظلَمَة، تَقولُ: ضَيَّعتَني ضَيَّعَكَ اللهُ![4].

    

المحافظة على الإتيان بالصلاة في وقتها

لذا ينبغي السعي بجدّ في حفظ الصلاة وأدائها في أوقاتها مع شرائطها وآدابها الخاصّة بها.
يروي في كتاب «من لا يحضره الفقيه» أنّه قالَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وآله وسلّم: ما مِن صَلاة يَحضُرُ وَقتُها إلّا نادَى مَلَكٌ بَينَ يَدَيِ النّاسِ: أيُّها النّاسُ! قُومُوا إلَى نِيرانِكُمُ الَّتِي أوقَدتُمُوها عَلَى ظُهُورِكُم فَأطفِئُوها بِصَلاتِكُم.[5]
جاء في «نهج البلاغة» أنّه مِمّا كانَ عَلَيه السّلامُ يُوصِي بِهِ أصحابَهُ:
تَعاهَدُوا أمرَ الصَّلاة وحافِظُوا عَلَيها واستَكثِرُوا مِنها وتَقَرَّبُوا بِها، فَإنَّها كانَت عَلَى المُؤمِنِينَ كِتابًا مَوقُوتًا؛ ألا تَسمَعُونَ إلَى جَوابِ أهلِ النّارِ حِينَ سُئِلُوا: {ما سَلَكَكُمْ في سَقَرَ، قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّين}[6] وإنَّها لَتَحُتُّ الذُّنُوبَ حَتَّ الوَرَقِ وتُطلِقُها إطلاقَ الرِّبَقِ؛ وشَبَّهَها رَسولُ اللهِ صلّى الله عليه وآله وسلّم [بِالجَمَّة] بِالحَمَّة تَكُونُ عَلَى بابِ الرَّجُلِ فَهُوَ يَغتَسِلُ مِنها في اليَومِ واللَّيلَة خَمسَ مَرّاتٍ، فَما عَسَى أن يَبقَى عَلَيهِ مِنَ الدَّرَنِ. وقَد عَرَفَ حَقَّها رِجالٌ مِنَ المُؤمِنِينَ الَّذِينَ لا تَشغَلُهُم عَنها زِينَة مَتاعٍ ولا قُرَّة عَينٍ مِن وَلَدٍ ولا مالٍ؛ يَقُولُ اللهُ سُبحانَهُ: {رِجالٌ لا تُلْهيهِمْ تِجارَة ولا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وإِقامِ الصَّلاة وإيتاءِ الزَّكاة}, وكانَ رَسولُ اللهِ صلّى الله عليه وآله وسلّم نَصِبًا بِالصَّلاة بَعدَ التَّبشِيرِ لَهُ بِالجَنَّة، لِقَولِ اللهِ سُبحانَهُ: {وَاْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاة واصْطَبِرْ عَلَيْها}، فَكانَ يَأمُرُ [بِها] أهلَهُ ويَصبِرُ عَلَيها [نَفسَهُ‏]؛ الخطبة.[7]
وفيما يرتبط بصبر الرسول الأكرم على إقامة الصلاة, واستقامته بالتعامل مع أهل بيته في هذا الشأن, جاء في رواية عن أبي سعيد الخدري:
لمّا نزلَت هَذِه الآية، كانَ رَسولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيهِ وآلِه وسَلَّمَ يَأتِي بابَ فاطِمَة وعليّ تِسعَة أشهُر عِندَ كُلّ صَلاة فَيَقولُ: الصَّلاة رَحِمَكُمُ اللهُ! {إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ويُطَهِّرَكُمْ تَطْهيرا}.[8][9]
وأمَّا بالنسبة إلى إشارته لسؤال أهل النار، فقد وردت هذه المسألة في سورة المدثّر: {كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهينَة، إِلَّا أَصْحابَ الْيَمينِ، في جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ، عَنِ الْمُجْرِمينَ، ما سَلَكَكُمْ في سَقَرَ، قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ، ولَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكينَ، وكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضينَ، وكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ، حَتَّى أَتانَا الْيَقينُ، فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَة الشَّافِعين}[10]
وورد في الرواية: قال[11] النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم: مَن حَفِظَ خَمسَ صَلواتٍ في أوقاتِها وأتَمَّ رُكوعَها وسُجُودَها أكْرَمَهُ اللهُ تَعالى بِخَمسَ عَشَرَ خِصلَة، ثَلاثَة في الدُّنيا وثلاثَة عِندَ المَوتِ وثلاثَة في القَبرِ وثلاثَة في الحَشرِ وثلاثَة عِندَ الصِّراطِ. أمّا الثلاثَة الّتي في الدُّنيا: فَزادَ عُمرَهُ ومالَهُ وأهلَهُ. وأمّا الثلاثَة الّتي عِندَ المَوتِ: فَبَراءَة مِن الخَوفِ والفَزَعِ ودُخولِ الجَنَّة كَما قَالَ اللهُ تَعالَى: {إِنَّ الَّذينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَة أَلَّا تَخافُوا ولا تَحْزَنُوا وأَبْشِرُوا بِالْجَنَّة الَّتي كُنْتُمْ تُوعَدُون}[12] وأمّا الثّلاثَة الّتي في القَبرِ: فَيُسَهَّلُ عَلَيه سُؤالُ مُنكَرٍ ونَكيرٍ، ويُوسَّعُ عَلَيه قَبرُهُ، ويُفتَحُ لَه بابٌ مِن الجَنّة. وأمّا الثلاثة الّتي في الحَشرِ: فَيُخرَجُ من قَبرِهِ ويَتَلألأُ وَجهُهُ كَالقَمَرِ لَيلَة البَدرِ كَما قالَ اللهُ تَعالَى: {يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْديهِمْ وبِأَيْمانِهِم}[13] ويُعطَى كِتابَهُ بِيَمينِهِ، ويُحاسَبُ حِسابًا يَسيرًا. وأمّا الثلاثَة الّتي عِندَ لِقاءِ اللهِ: فَرِضَى الله تَعَالَى عَنهُ، والسَّلامُ عَلَيهِ، والنَّظَرُ إلَيهِ كَما قالَ تَعالَى: {سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحيم} و{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَة، إِلى رَبِّها ناظِرَة}
قالَ: ومَن يُهاوِنُ الصَّلَواتَ الخَمسِ عاقَبَهُ اللهُ تَعالَى عَلى خَمسَة عَشَرَ خَصلَة، ثلاثَة في الدُّنيا: فَيُرفَعُ البَرَكَة مِن رِزقِهِ، ومِن عُمرِهِ، وسِيماءُ الصّالِحينَ مِن وَجهِهِ. وأمّا الثلاثَة الّتي عِندَ المَوتِ: فَيَموتُ جائِعًا وعاطِشًا وذَليلًا. وأمّا الثلاثة الّتي في القَبرِ: فَيَضيقُ قَبرُهُ حَتّى يَدخُلَ أضلاعُهُ بَعضُها في بَعضٍ، ويُسَلَّطُ عَلَيهِ الحَيّاتُ والعَقارِبُ، ويُفتَحُ لَه بابٌ مِن النَّارِ، وأمّا الثلاثَة الّتي في الحَشرِ: فَيُخرَجُ مِن قَبرِهِ مُسوَدَّ الوَجهِ، ومَكتُوبٌ في جَبهَتِهِ هَذا آيِسٌ مِن رَحمَة اللهِ تَعالَى، ويُعطَى الكِتابَ مِن وَراءِ ظَهرِهِ. وأمّا الثلاثَة الّتي عِندَ لِقاءِ اللهِ تَعالَى: فَلا يُكَلِّمُهُ اللهُ، ولا يَنظُرُ إلَيهِ يَومَ القِيامَة، ولا يُزَكّيهِ ولَه عَذابٌ أليمٌ، كَما قالَ اللهُ تَعالَى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاة واتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا}.[14]

    

اهتمام الأئمّة عليهم السلام والصالحين بالصلاة

لذلك ورد في الأخبار قصص عجيبة عن شدّة اهتمام الصالحين والمؤمنين، وخصوصًا الأئمّة الطاهرين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين:
قالَ عُروَة بنُ زُبيرِ: كُنّا جُلوسًا في مَسجِدِ رَسولِ اللهِ، فَتَذاكَرنا أعمالَ أهلِ بَدرٍ وبَيعَة الرِّضوانِ؛ فَقالَ أبو الدَّرداءَ: ألا أخبِرُكُم بِأقَلِّ القَومِ مالًا وأكثَرِهِم وَرَعًا وأشَدِّهِم اجتِهادًا في العِبادَة؟ قالوا: مَن؟ قالَ: عَليُّ بنُ أبي ‏طالِبٍ سَلامُ اللهِ عَلَيه.
قالَ: رَأيتُهُ في حائِطِ بَنِي النّجّارِ يَدعُو بِدَعَواتٍ كَثيرَة؛ وذَكَرَ الدَّعَواتِ إلَى أن قالَ: ثُمّ انْغَمَرَ في الدُّعاءِ فَلَم أسمَعْ لَهُ حِسًّا ولا حَرَكَة، فَقُلتُ: غَلَبَ عَلَيهِ النَّومُ لِطُولِ السَّهَرِ أو قَطَعُهُ [قِظُهُ‏] لِصَلاة الفَجرِ. فَأتَيتُهُ فَإذا هُوَ كَالخَشَبَة المُلقَاة، فَحَرَّكتُهُ فَلَم يَتَحَرَّكْ، فَقُلتُ: إنَّا لِلَّهِ وإنَّا إلَيهِ راجِعُونَ، ماتَ واللهِ عَلِيُّ بنُ‏ أبِي ‏طَالِبٍ عَلَيهِ السَّلام! فَأتَيتُ مَنزِلَهُ مُبَادِرًا أنعَاهُ إلَيهِم؛ فَقَالَتْ فَاطِمَة سلام الله عليها يا أبا الدَّرْدَاءِ! مَا كَانَ مِن شَأنِهِ وقِصَّتِهِ؟ فَأخبَرتُهَا الخَبَرَ. فَقَالَتْ: هِيَ واللهِ يا أبا الدَّردَاءِ! الغَشْيَة الَّتِي تَأخُذُهُ مِن خَشيَة اللهِ تَعالَى! ثُمَّ أتَوْهُ بِمَاءٍ فَنَضَحُوهُ عَلَى وَجهِهِ فَأفَاقَ؛ ونَظَرَ إلَيَّ وأنَا أبكِي فَقالَ لي: ما بُكَاؤُكَ يَا أبَا الدَّردَاءِ؟ فَقُلتُ: مِمَّا أراهُ تُنزِلُهُ بِنَفسِكَ. فَقالَ: يا أبا الدَّرداءِ! كَيفَ إذا رَأيْتَنِي أدعَى إلَى الحِسابِ وأيقَنَ أهلُ الجَرَائِمِ بِالعَذَابِ واحْتَوَشَتنِي مَلائِكَة غِلاظٌ زَبانِيَة فِظاظٌ فَوَقَفتُ بَينَ يَدَىِ المَلِكِ الجَبّارِ، قَد أسلَمَنِي الأحِبَّاءُ ورَفَضَني [رَحِمَنِي‏] أهلُ الدُّنيَا لَكُنتَ أشَدَّ رَحمَة لِي بَينَ يَدَيْ مَن لا تَخفَى عَلَيهِ خافِيَة. فَقالَ أبُو الدَّرداءِ: [فَوَ اللهِ‏] ما رَأيتُ ذَلِكَ لأحَدٍ مِن أصحَابِ رَسولِ اللهِ صلّى الله عليه وآله وسلّم.
[15]
ونقل في كتاب معراج السعادة عن أبي طلحة الأنصاري بأّنّه كان مشغولاً بأداء الصلاة داخل بستان له, وإذا به يسمع صوت طائر، فلفت انتباهه, وعندما فرغ من صلاته قال: أيّ فعل اجترحته بحقّي أيّها البستان؛ لقد سلبت حضور قلبي أثناء الصلاة! وبعد ذلك قام على الفور ببيع بستانه بألفي درهم، وتداركاً لما فات منه في صلاته تصدّق بها.[16]
كذلك ينقل الشهيد الثاني في كتابه الشريف "أسرار الصلاة": وقد رُوي أنّ بعضهم صلّى في حائط له فيه شجرة، فأعجبه ريش طائر في الشجرة يلتمس مخرجاً فأتبعه نظره ساعة، لم يذكر كم صلّى، فجعل حائطه صدقةً ندماً و رجاءً للعوض عمّا فاته.[17]
وجاء في "روضة الأنوار" للمحقّق السبزواري: كان بعضهم يصلّي في البستان, وإذا به يرى صقراً على شجرة يريد أن ينقضّ على طائر ليصطاده, وهذا الطائر يفرّ من غصن لآخر هرباً منه, فاشتغل فكره بهذه المسألة، ولم يدرِ كم ركعة صلّى. بعد ذلك تشرّف بلقاء النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم وقصّ عليه ما حدث معه، ثم قال: يا رسول الله! لقد بذلت هذا البستان صدقة لوجه الله تعالى. فقام رسول الله ببيع هذا البستان بألفي درهم وقسّمها على الفقراء.

    

الصلاة لا تسقط بحال

فالصلاة على قدر كبير من الأهميّة؛ بحيث لا تسقط عن الإنسان في حال من الأحوال. فإن كان الشخص متمكّناً من الغسل والوضوء، فعليه القيام بذلك, وإن كان مجروحاً فعليه أن يضمّد جرحه [ويتوضّأ وضوء جبيرة]، وإن لم يكن قادراً على الوضوء بوجه أو أضرّه استعمال الماء؛ وجب عليه التيمّم، وإن لم يستطع من مباشرة الوضوء بنفسه عليه أن يلجأ إلى من يوضّؤه، وكذا إن تعذّر عليه مباشرة التيمّم يمّمه غيره. كما أنّ عليه أن يأتي بالصلاة قائمًا عند قدرته على ذلك, وأمّا عند تعذّر القيام مستقلاً يعتمد على متّكأ يساعده في قيامه, ومع تعذر ذلك يصلّي من جلوس, وفي حال عدم القدرة على الجلوس يأتي بصلاته وهو على جنبه الأيمن؛ بحيث تكون جميع مقاديم بدنه متّجهة إلى القبلة, ومع تعذّر ذلك يلجأ لجنبه الأيسر مع مراعاة التوجّه إلى القبلة, ومع تعذّر كلّ ما ذُكر يصلّي مستلقيًا على ظهره متوجهّا بباطن قدميه إلى القبلة.
وأمّا بالنسبة إلى ما يذكره، فإن استطاع الإتيان به بلسانه وجب ذلك، وإلّا أخطر ما يريد ذكره في قلبه، ويومئ للركوع والسجود (يعني بتحريك رأسه)، وعند تعذّر الإيماء، يقصد الركوعَ والسجودَ بإغماض عينيه، والقيامَ منهما بفتحهما. وإذا كان عالقا في الطين أو الوحل أو كان في حالة غرق، فيجب عليه الصلاة إيماءً, كما أنّه عند السفر أو الخوف الشديد يقصّر صلاته. أمّا الغريق والمتوحّل فيجب عليهما الإتيان بها تماماً، وإذا استطاع نطقها باللّسان وجب, وإلاّ فبالقلب مع تعذّره، ويومي للركوع والسجود.

    

كيفيّة صلاة الخوف والمطاردة وسبب تشريعها

وأمّا صلاة الخوف والمطاردة التي تُؤدّى خلال الحرب, فإن كان المسلمون في حالة خوف وحذر يقصرون صلاتهم الرباعيّة ويأتون بها ركعتين. وعند تمّكن قسم من الجيش أن يدفعوا الكفّار ولو مؤقتّا، فهنا يجب عليهم أن ينقسموا فرقتين: فرقة تبدأ بالصلاة مع الإمام، فتصلي ركعة واحدة خلفه حاملة أسلحتها معها, في حين تقوم الفرقة الأخرى بحمايتهم والدفاع عنهم والحفاظ على أموالهم وأمتعتهم, وعندما ينهض الإمام للركعة الثانية، لا يشرع بقراءة الحمد والسورة، بل يبقى منتظراً إتمام الفرقة الأولى الركعة الثانية من صلاتها فرادى، وبعد تسليمها تنهض لصدّ الأعداء وحماية المسلمين, وفي هذا الوقت تقوم الفرقة الثانية التي كانت تدافع عنهم بالالتحاق بالصلاة خلف الإمام حاملين أسلحتهم, فيقرأ الإمام الحمد والسورة من الركعة الثانية، وعندما يصل إلى التّشهد يبقى جالسًا ولا يتشهد، على أن يقوم المسلمون من خلفه بإكمال ركعتهم الثانيّة فرادى، وبعد رفع رؤوسهم من السجدة الثانية، يكمل الإمام تشهده وتسليمه بهم، فينتهوا من صلاتهم مع الإمام. وعليه تكون الفرقة الأولى قد دخلت في صلاتها مع تكبير الإمام، بينما الفرقة الثانية انتهت من صلاتها بتسليم الإمام.
ولقد أورد الله سبحانه هذه الكيفيّة من الصلاة في سورة النساء، في الآية 102: {وَإِذا كُنْتَ فيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاة فَلْتَقُمْ طائِفَة مِنْهُمْ مَعَكَ ولْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ (وليتمّوا صلاتهم فرادى) ولْتَأْتِ طائِفَة أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ ولْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وأَمْتِعَتِكُمْ فَيَميلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَة واحِدَة ولا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكافِرينَ عَذاباً مُهينا}.
لمّا خرج رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم في السنة السادسة للهجرة إلى مكة للعمرة مع ألف وأربعمائة من أصحابه، نزل في أرض الحديبية، وعندما وصل خبره إلى مكة، أرسلت قريش خالد بن الوليد ـ على ما ورد في تفسير القمّي[18] ـ في مائتي فارس ليناجز رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم على الجبال، فلما كان في بعض الطريق، حضرت صلاة الظهر فأذّن بلال، وصلّى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بالناس، فقال خالد بن الوليد: لو كنّا حملنا عليهم وهم في الصلاة لأصبناهم، فإنّهم لا يقطعون صلاتهم، ولكن يجئ لهم الآن صلاة أخرى هي أحب إليهم من ضياء أبصارهم، فإذا دخلوا في الصلاة أغرنا عليهم. فنزل جبرائيل على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم بصلاة الخوف في قوله {وَإِذا كُنْتَ فيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاة} الخ.
وقد ورد في مجمع البيان أنّ هذه القضيّة كانت السبب في إسلام خالد بن الوليد. ولقد أورد في ذيل الآية {ولا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً} عند تفسيره لها: ذكر أبو حمزة ـ أي الثمالي ـ في تفسيره بأنّ النبيّ غزا محارباً بني أنمار فهزمهم الله وأحرزوا الذراري والمال، فنزل رسول الله والمسلمون ولا يرون من العدوّ واحداً، فوضعوا أسلحتهم وخرج رسول الله ليقضي حاجته وقد وضع سلاحه، فجعل بينه وبين أصحابه الوادي إلى أن يفرغ من حاجته، وقد درأ الوادي [امتلأ ماءً] والسماء ترش، فحال الوادي بين رسول الله وبين أصحابه وجلس في ظل شجرة فبصر به غورث بن الحارث المحاربي فقال له أصحابه: يا غورث هذا محمّد قد انقلع من أصحابه. فقال: قتلني الله إن لم أقتله. وانحدر من الجبل ومعه السيف، ولم يشعر به رسول الله إلا وهو قائم على رأسه ومعه السيف قد سلّه من غمده، وقال: يا محمّد من يعصمك منّي الآن؟ فقال الرسول: الله سبحانه وتعالى. فانكبّ عدوّ الله لوجهه، فقام رسول الله فأخذ سيفه وقال: يا غورث من يمنعك منّي الآن؟ قال: لا أحد قال: أتشهد أن لا إله إلا الله وإنّي عبد الله ورسوله؟ قال: لا ولكنّي أعهد أن لا أقاتلك أبداً ولا أعين عليك عدواً، فأعطاه رسول الله سيفه، فقال له غورث: والله لأنت خير منّي. قال صلّى الله عليه وآله وسلم: إنّي أحق بذلك‏. وخرج غورث إلى أصحابه، فقالوا يا غورث: لقد رأيناك قائماً على رأسه بالسيف، فما منعك منه؟ قال: الله؛ أهويت له بالسيف لأضربه فما أدري من زلجني بين كتفي، فخررت لوجهي وخرّ سيفي، وسبقني إليه محمّد وأخذه. ولم يلبث الوادي أن سكن، فقطع رسول الله إلى أصحابه فأخبرهم الخبر وقرأ عليهم {ولا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكافِرينَ عَذاباً مُهينا}.[19]
وأمّا كيفيّة صلاة المطاردة (وهي الصلاة التي تقام في ساحة المعركة والتي تكون فيها محتدمة بحيث لا يستطيع الإمام أن يقسّم جيشه فرقتين), ففي هذه الحالة يصلّي المسلمون أثناء النزال في المعركة. فيكبّر الإمام, ويُكبّر المسلمون معه، متّجهين للقبلة إن استطاعوا ذلك, وإلاّ فإلى أيّ جهة كانوا يقاتلون إليها, ويسجدون على قلّة السرج إن توفّر لهم ذلك, وإلاّ يؤدّونهما إيماءً، وإلا يومؤون للركوع والسجود والقيام منهما بغمض العينين وفتحهما. وبذلك تنتهي الصلاة والقتال مستمرّ. وإن لم يكن هناك مجال حتّى لقراءة الحمد والسورة، يستعيضون عن كلّ ركعة بذكر )سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر(. فتكون الصلاة على هذا الوجه مؤلّفة من تكبير وتسبيحتين (عوض الركعتين) ومن تشهّد وتسليم.
وقد ورد في شرح اللمعة أنّ أمير المؤمنين سلام الله عليه صلّى مع أصحابه الظهرين والعشائين على هذا النحو ليلة الهرير.

    

صلاة الإمام الحسين عليه السلام الظهر والعصر يوم عاشوراء

كما أنّ سيّد الشهداء عليه السلام أتى بصلاة الظهر بنحو صلاة الخوف. وقصّة ذلك أنّ أبا ثمامة الصيداوي لمّا رأى ما وصل إليه الإمام سلام الله عليه أتى إليه وقال له: يا أبا عبد الله نفسي لنفسك الفداء هؤلاء اقتربوا منك، ولا والله لا تقتل حتّى أقتل دونك وأحبّ أن ألقى الله ربّي وقد صلّيت هذه الصلاة، فرفع الحسين رأسه إلى السماء وقال: ذكرت الصلاة جعلك الله من المصلّين، نعم هذا أوّل وقتها ثم قال : سلوهم أن يكفّوا عنّا حتّى نصلّي، فقال الحصين بن نمير: إنّها لا تقبل!! (والعجب أنّهم قالوا بأن صلاة ابن رسول الله لا تقبل وصلاتهم تقبل، والحال أنّ الله تعالى أمر نبيّه أن يعلّمه تكرار تكبيرة الإحرام سبع مرات وكان لا يزال صغيراً) فقال حبيب بن مظاهر: زعمت أنّ الصلاة لا تقبل من ابن رسول الله وتقبل منك يا ختّار، فحمل عليه حصين بن نمير وحمل عليه حبيب فضرب وجه فرسه بالسيف، فشبّ به الفرس ووقع عنه الحصين فاحتوشه أصحابه فاستنقذوه, عندها ارتجز حبيب، وقتل منهم اثنين وستّين شخصًا ـ على رواية ـ قبل أن يستشهد. وكانت شهادة هذا الشيخ الكبير صعبة على سيّد الشهداء عليه السلام، وهو الذي كان يختم القرآن في كلّ ليلة، وكان من الأصحاب الخاصّين لأمير المؤمنين سلام الله عليه؛ حتّى تغيّر وجهه المبارك وبدت عليه آثار الضعف والانكسار؛ فجاءه زهير وقال له: أولسنا على الحقّ يا أبا عبد الله؟ّ! فقال له: نعم! عند الله أحتسب نفسي وحماة أصحابي! ثمّ قال: لله درّك يا حبيب!ثمّ قال الحسين عليه السلام لزهير بن القين وسعيد بن عبد الله: تقدّما أمامي حتّى أصلّي الظهر. فتقدّما أمامه في نحو من نصف أصحابه حتّى صلّى بهم صلاة الخوف. وقام النصف الثاني بدفع الأعداء. وروي أنّ سعيد بن عبد الله الحنفي تقدّم أمام الحسين، فاستهدف لهم يرمونه بالنبل كلّما أخذ الحسين عليه السلام يمينًا وشمالاً، قام بين يديه، فما زال يرمى به حتّى سقط إلى الأرض وهو يقول: اللهمّ العنهم لعن عاد وثمود، اللهمّ أبلغ نبيّك السلام عنّي وأبلغه ما لقيت من ألم الجراح، فإنّي أردت بذلك نصرة ذريّة نبيّك ثمّ مات رضوان الله عليه، فوُجد به ثلاثة عشر سهماً سوى ما به من ضرب السيوف وطعن الرماح.
ثمّ أتى سيّد الشهداء بصلاة العصر عند مصرعه، وهو يناجي قاضي الحاجات وحيداً فريداً بلا ناصر ومعين, وكان إشراق نور الذات الأحديّة على وجهه شديداً؛ بحيث أنَّ كلّ من كان يقترب منه بقصد قتله، كانت ترتعد فرائصه فينصرف عن ذلك. ففي الوقت الذي كان عليه السلام غارقاً في حالة من الأنس مع ربّه، هجم الأعداء على الخيام, فما كان منه عليه السلام إلاّ أن صاح بهم وقد أخذ الضعف والانكسار والجراح مأخذه منه قائلاً لهم بصوت ضعيف: ويحكم يا شيعة آل أبي سفيان! إن لم يكن لكم دين، وكنتم لا تخافون المعاد، فكونوا أحراراً في دنياكم.[20]


[1] ـ سوره البيّنة (98) الآية 5.

[2] ـ الكافي، ج 8، ص 386.

[3] ـ وسائل الشيعة، ج 1، ص 214 الطبعة الرحليّة؛ وج 4، ص 29الطبعة الإسلامية.

[4] ـ سفينة البحار، ج 2، ص [44] الطبعة الرحلية؛ وج 6، ص [333] الطبعة الجديدة.

[5] ـ من لا يحضره الفقيه، ج 1، ص 208.

[6] سوره المدثر (74) الآية [42] و[43] .

[7] ـ نهج البلاغة، ص 316، الخطبة 227.

[8] ـ سوره الأحزاب (33) ذيل الآية 33.

[9] ـ مجمع البيان، ج 7، ص‏: 68.

[10] ـ سوره المدّثّر (74) آيات 38 الى 48.

[11] ـ لئالي الأخبار، ص 314.

[12] ـ سوره فصّلت (41) الآية 30.

[13] ـ سوره الحديد (57) جزء من الآية 12.

[14] ـ لئالى الأخبار، ص 326.

[15] ـ لئالي الأخبار، ص 324, ولقد أورد هذه القضيّة المرحوم الصدوق مفصّلا في الأمالي مع ذكر أدعية منقولة عنه عليه السلام.

[16] ـ على ما نقل عنه في لئالي الأخبار، ص 324.

[17] ـ نفس المصدر

[18] ـ تفسير الميزان، ج 5،ص 65.

[19] ـ مجمع البيان, ج 3, ص 177.

[20] ـ بحار الأنوار,ج45, ص51.

      
  

جميع الحقوق محفوظة لـ موقع المتقين www.motaghin.com ويسمح باستخدام المعلومات بشرط الإشارة إلى المصدر.

© 2008 All rights Reserved. www.Motaghin.com


Links | Login | SiteMap | ContactUs | Home
عربی فارسی انگلیسی