معرض الصور المحاضرات صوتيات المكتبة سؤال و جواب اتصل بنا الرئیسیة
 
اعتقادات و كلام أخلاق حکمة عرفان العلمي و الإجتماعي التاریخ القرآن و التفسير
المكتبة > محاضرات العلامة الطهراني > كتاب أنوار الملكوت > نور ملكوت الصلاة > المجلس السابع: معنى الاستخفاف بالصلاة وعواقبه

_______________________________________________________________

هو العليم

سلسلة مباحث أنوار الملكوت
نور ملكوت الصلاة

المجلس السابع:
معنى الاستخفاف بالصلاة وعواقبه

(مواعظ شهر رمضان المبارك من عام 1390 )

من مصنّفات العلاّمة الراحل

آية اللــه الحاجّ السيّد محمّد الحسين الحسيني الطهراني قدس اللـه نفسه الزكيّة

_______________________________________________________________

تحميل ملف البد دي أف تحميل ملف البد دي أف

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين
ولعنة الله على أعدائهم أجمعين

{حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى‏ وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتينَ}.[1]

    

ما هي الصلاة الوسطى؟

إنّ المقصود من المحافظة هو المواظبة وعدم تضييع الصلاة بتأخيرها، وعدم تركها، وكذا عدم رعاية أحكامها حقّ المراعاة. وقد وقع اختلاف بين المفسّرين في المراد من الصلاة الوسطى (فقد روي في "مجمع البيان" عن بعض الصحابة بأنّها صلاة الصبح، وأخرى بأنّها صلاة الظهر، وأخرى بأنّها صلاة العصر، وأخرى بأنّها صلاة المغرب، وأخرى بأنّها صلاة العشاء. كما روي عن بعضهم أنّ المراد بها هي إحدى هذه الصلوات الخمس، وأنّ الله تعالى تعمّد إخفاءها وعدم التصريح بها لكي يحافظ الناس على جميع الصلوات الخمس، كما هو الحال بالنسبة إلى ليلة القدر، التي لم تعيّن لكي يقوم الناس بالعبادة في جميع لياليها) ولكنّ الروايات الصادرة عن الإمامين أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام قد عيّنت أنّها صلاة الظهر.[2] والمراد من القنوت في الآية هو الدعاء، والمعنى قوموا وقفوا بين يدي الله تعالى واطلبوا منه ما تريدون وادعوه بما تحتاجون.

    

الالتفات أثناء الصلاة وعدم الاستخفاف بها

جاء في الرواية: إنّ صلواتنا ذكر ودعاء وقرآن. وعليه، فإنّ القنوت الذي ورد في الآية المباركة ليس بمعنى القنوت الاصطلاحي؛ وهو رفع اليدين للدّعاء في الركعة الثانية قبل الركوع، بل المقصود بيان أنّ الصلاة الحقيقيّة في الأصل ليست إلا توجّه العبد إلى الله ومناجاته وطلب الحوائج منه، ولذلك لا يختصّ الدعاء والقرآن والذكر بمواضع معيّنة في الصلاة. من هنا متى ما أراد الإنسان أن يذكر ويدعو ويقرأ القرآن في أيّ موضع في الصلاة (غير المواضع التي صُرّح بها في الفقه) فبإمكانه القيام بذلك.
ومن أجل ذلك، فقد ورد في القرآن المجيد وأخبار أهل البيت سلام الله عليهم أجمعين، تحذير شديد بحقّ الأشخاص الذين يعرضون عن الصلاة أو يستخفّون بها، ولا يشتغلون أثناءها بالدعاء والذكر، ولا يناجون الله بقلوبهم؛ فقد ورد: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ * الَّذينَ هُمْ يُرآءُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ}.[3]
ومع أنّ "السهو" الوارد في هذه الآية الكريمة وردت فيه تفاسير مختلفة، ومصاديق متغايرة، إلّا أنّ إطلاق الآية وتفسيرها بالآيات التالية على وجه الخصوص: {الَّذينَ هُمْ يُرآءُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ} يتحصّل: أنّ الأفراد الذين لا يصلّون لله، ويمتنعون عن دفع الزكاة والإنفاق وكلّ أشكال المساعدات الميسّرة للمحتاجين، هم الذين يضيّعون الصلاة.
فقد ورد في "الكافي" عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ قَالَ:
سَأَلْتُ عَبْداً صَالِحاً عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ}، قَالَ: هُوَ التَّضْيِيعُ.[4]
وأيضاً ورد في "الكافي" بإسناده عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ:
إِذَا قَامَ الْعَبْدُ فِي الصَّلَاةِ فَخَفَّفَ صَلَاتَهُ، قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِمَلَائِكَتِهِ: أمَا تَرَوْنَ إِلَى عَبْدِي! كَأَنَّهُ يَرَى أَنَّ قَضَاءَ حَوَائِجِهِ بِيَدِ غَيْرِي، أَمَا يَعْلَمُ أَنَّ قَضَاءَ حَوَائِجِهِ بِيَدِي![5]
ويروي عَنِ الْعِيصِ بْنِ الْقَاسِمِ قَالَ:
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: وَاللَّهِ إِنَّهُ لَيَأْتِي عَلَى الرَّجُلِ خَمْسُونَ سَنَةً وَمَا قَبِلَ اللَّهُ مِنْهُ صَلَاةً وَاحِدَةً! فَأَيُّ شَي‏ءٍ أَشَدُّ مِنْ هَذَا! وَاللَّهِ إِنَّكُمْ لَتَعْرِفُونَ مِنْ جِيرَانِكُمْ وَأَصْحَابِكُمْ مَنْ لَوْ كَانَ يُصَلِّي لِبَعْضِكُمْ مَا قَبِلَهَا مِنْهُ لِاسْتِخْفَافِهِ بِهَا! إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَقْبَلُ إِلَّا الْحَسَنَ فَكَيْفَ يَقْبَلُ مَا يُسْتَخَفُّ بِهِ.[6]
ويروي عَنِ السَّكُونِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وآله: لَا يَزَالُ الشَّيْطَانُ ذَعِراً مِنَ الْمُؤْمِنِ مَا حَافَظَ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، فَإِذَا ضَيَّعَهُنَّ تَجَرَّأَ عَلَيْهِ فَأَدْخَلَهُ فِي الْعَظَائِمِ.[7]
ويروي عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ:
بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وآله وسلّم جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ فَقَامَ يُصَلِّي، فَلَمْ يُتِمَّ رُكُوعَهُ وَلَا سُجُودَهُ، فَقَالَ صلّى الله عليه وآله وسلّم: نَقَرَ كَنَقْرِ الْغُرَابِ، لَئِنْ مَاتَ هَذَا وَهَكَذَا صَلَاتُهُ لَيَمُوتَنَّ عَلَى غَيْرِ دِينِي.[8]
ويروي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الصادق عليه السلام، أنّه قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: لِكُلِّ صَلَاةٍ وَقْتَانِ، وَأَوَّلُ الْوَقْتِ أَفْضَلُهُ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَجْعَلَ آخِرَ الْوَقْتَيْنِ وَقْتاً إِلَّا فِي عُذْرٍ مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ.[9]
ويروي عنْ قُتَيْبَةَ الْأَعْشَى عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ:
إِنَّ فَضْلَ الْوَقْتِ الْأَوَّلِ عَلَى الْآخِرِ كَفَضْلِ الْآخِرَةِ عَلَى الدُّنْيَا.[10]

    

عقوبة تارك الصلاة والمستخفّ بها

ورُوِيَ عَنْ مَسْعَدَةَ بْنِ صَدَقَةَ أَنَّهُ قَالَ:
سُئِلَ أَبُوعَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: مَا بَالُ الزَّانِي لَا تُسَمِّيهِ كَافِراً وتَارِكُ الصَّلَاةِ تُسَمِّيهِ كَافِراً؟ ومَا الْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ؟ فَقَالَ: لِأَنَّ الزَّانِيَ ومَا أَشْبَهَهُ إِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ لِمَكَانِ الشَّهْوَةِ لِأَنَّهَا تَغْلِبُهُ، وتَارِكُ الصَّلَاةِ لَا يَتْرُكُهَا إِلَّا اسْتِخْفَافاً بِهَا. وذَلِكَ لِأَنَّكَ لَا تَجِدُ الزَّانِيَ يَأْتِي الْمَرْأَةَ إِلَّا وهُو مُسْتَلِذٌّ لِإِتْيَانِهِ إِيَّاهَا قَاصِداً إِلَيْهَا، وكُلُّ مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ قَاصِداً لِتَرْكِهَا فَلَيْسَ يَكُونُ قَصْدُهُ لِتَرْكِهَا اللَّذَّةَ، فَإِذَا نُفِيَتِ اللَّذَّةُ وَقَعَ الِاسْتِخْفَافُ، وإِذَا وَقَعَ الِاسْتِخْفَافُ وَقَعَ الْكُفْرُ.[11]
وفي "العلل" أسنده إلى أبي عبد الله عليه السلام، قال:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وآله وسلّم: لَيْسَ مِنِّي مَنِ اسْتَخَفَّ الصلاة، لَا يَرِدُ عَلَيَّ الْحَوْضَ، لَا واللَّهِ![12]
وعن "دعائم الإسلام" عن عليّ عليه السلام، قال:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وآله وسلّم: أَسْرَقُ الناس [السُّرَّاقِ] مَنْ سَرَقَ مِنْ صَلَاتِهِ، يَعْنِي لَا يُتِمُّهَا.[13]
وفي كتاب "الكافي" بإسناده عن أبي بصير، قال:
قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْأَوَّلُ عليه السلام: إِنَّهُ لَمَّا حَضَرَ أَبِيَ الْوَفَاةُ قَالَ لِي: يَا بُنَيَّ! إِنَّهُ لَا يَنَالُ شَفَاعَتَنَا مَنِ اسْتَخَفَّ بِالصَّلَاةِ.[14]
وقد ورد نظير هذه الرواية بنحو أكمل في "وسائل الشيعة" بإسناده عن أبي بصير، أنّه قال:
قَالَ دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ حَمِيدَةَ أُعَزِّيهَا بِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام، فَبَكَتْ وبَكَيْتُ لِبُكَائِهَا، ثُمَّ قَالَتْ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ! لَو رَأَيْتَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عِنْدَ الْمَوْتِ لَرَأَيْتَ عَجَباً، فَتَحَ عَيْنَيْهِ ثُمَّ قَالَ: اجْمَعُوا كُلَّ مَنْ بَيْنِي وبَيْنَهُ قَرَابَةٌ! قَالَتْ: فَمَا تَرَكْنَا أَحَداً إِلَّا جَمَعْنَاهُ، فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ ثُمَّ قَالَ: إِنَّ شَفَاعَتَنَا لَا تَنَالُ مُسْتَخِفّاً بِالصَّلَاةِ.
ورواه الصدوق في "عقاب الأعمال".[15]

    

استخفاف بني إسرائيل بالصلاة واتّباعهم الشهوات

وفي سورة مريم، بعد أن مجّد الله تعالى وأثنى على النبيّ موسى وهارون وإسماعيل عليهم السلام، ورفع النبيّ إدريس عليه السلام مكاناً عليّاً، قال عزّ وجلّ: {أُولئِكَ الَّذينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ ومِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ ومِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهيمَ وإِسْرائيلَ ومِمَّنْ هَدَيْنا واجْتَبَيْنا إِذا تُتْلى‏ عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وبُكِيًّا}،[16] ثمّ قال: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ واتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا * إِلاَّ مَنْ تابَ وآمَنَ وعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ ولا يُظْلَمُونَ شَيْئاً * جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتي‏ وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا * لا يَسْمَعُونَ فيها لَغْواً إِلاَّ سَلاماً ولَهُمْ رِزْقُهُمْ فيها بُكْرَةً وعَشِيًّا * تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتي‏ نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا}.[17]
تشرح الآيات الأخيرة حال الأشخاص الذين أتوا بعد الأنبياء العظام وكانوا خلفاً لهم، بأنّهم ضيّعوا الصلاة ولم يتوجّهوا إلى الله ولم يرتبطوا به أبداً، ووضعوا عالم المعنى والحقيقة وراء ظهورهم إلى غير رجعة، وغرقوا في اتّباع الشهوات والنفس الأمّارة من رؤوسهم إلى أقدامهم. ومن المسلّم أنّ هذه الفئة من الناس ستصاب بالانحراف والكدورة والانغمار بالجهل والضلال، وسيتربّع الغيّ والضلال في نفوسها.

    

بيان رسول اللـه لأهل آخر الزمان في وصيّته لابن مسعود

وممّا وصّى به رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ابن مسعود ـ إلى أن يصل إلى قوله ـ:
يا ابن مسعود! سيأتي من بعدي أقوام يأكلون طيّبات الطعام وألوانها، ويركبون الدوابّ ويتزيّنون بزينة المرأة لزوجها، ويتبرّجون تبرّج النساء، وزيُّهم مثل زيّ الملوك الجبابرة، وهم منافقو هذه الأمّة في آخر الزمان، شاربو القَهَوات، لاعبون بالكِعاب، راكبون الشهوات، تاركون الجماعات، راقِدون عن العتَمات، مفرّطون في الغُدُوات، يقول الله تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ واتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا}.
يا ابن مسعود! مثلهم مثل الدّفلَى زهرتها حسَنة وطعمها مرٌّ، كلامهم الحكمة وأعمالهم داء لا يقبل الدواء {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى‏ قُلُوبٍ أَقْفالُها}.
يا ابن مسعود! ما ينفع [يُغنِي] من يتنعّم في الدنيا إذا أخلِد في النار {يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ} يبنون الدُّور، ويشيّدون القصور، ويزخرفون المساجد، ليست همّتُهُم إلّا الدنيا، عاكفون عليها، معتمدون فيها، آلِهتُهم بطونهم، قال الله تعالى: {وتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ * وإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وأَطِيعُونِ}، وقال الله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى‏ عِلْمٍ وخَتَمَ عَلى‏ سَمْعِهِ وقَلْبِهِ}، إلى قوله: {أَفَلا تَذَكَّرُونَ}. وما هو إلّا منافق جعل دِينه هواه وإلَهَه بطنه، كلّ ما اشتهى من الحلال والحرام لم يمتنع منه، قال الله تعالى: {وفَرِحُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا ومَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتاعٌ}.[18]
يا ابن مسعود! محاريبهم نساؤهم، وشرفهم الدراهم والدنانير، وهمّتُهم بطونهم، أولئك هم شرّ الأشرار، الفتنة منهم وإليهم تعود. يا ابن مسعود! اقرأ قول الله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ* ثُمَّ جاءَهُمْ مّا كانُوا يُوعَدُونَ* ما أَغْنى‏ عَنْهُمْ مّا كانُوا يُمَتَّعُونَ}.[19]
يا ابن مسعود! أجسادهم لا تشبع وقلوبهم لا تخشع. يا ابن مسعود! الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء! فمَن أدرك ذلك الزمان [ممّن يَظهَر] مِن أعقابكم، فلا يسلّم عليهم في ناديهم، ولا يشيّع جنائزهم، ولا يعود مرضاهم، فإنّهم يستنّون بسنّتكم ويظهرون بدَعواكم ويخالفون أفعالكم فيموتون على غير ملّتكم، أولئك ليسوا منّي ولست منهم.[20]

    

قيام سيّد الشهداء إحياءً للصلاة

لقد دعى سيّد الشهداء عليه السلام لإقامة الصلاة على الأرض. وفي الحقيقة، لولا قيامه عليه السلام لكانت جميع الديانات ـ لا خصوص الاسلام ـ في معرض الخطر؛ لأنّ حكومة بني أميّة كانت ضدّ الدين. وعليه، فإنّ قيام سيّد الشهداء عليه السلام لم يكن مفيداً فقط لأمّة النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم، بل فائدته تعمّ جميع الأديان السماويّة. لذا نقرأ في زيارة الامام الحسين عليه السلام: «أشهد أنّك قد أقمت الصلاة وآتيت الزكاة، وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر، وأطعت الله ورسوله حتّى أتاك اليقين».
لقد ضحّى سيّد الشهداء عليه السلام بكلّ ما لديه ليصل إلى اليقين؛ فنصب خيمته وتوطّن في حرم الله، ونفض يديه عمّا سوى الله ليحيا في أفق الأبديّة. لقد كان وحيداً فريداً، لا ناصر له ولا معين، لا أخَ له ولا ولد، حتّى صاح في أواخر لحظاته وحالات انقطاعه وهو متّكئ على رمحه:
يا مُسلِمَ بنَ عَقيلَ! ويا هانِي بنَ عُروَة! ويا حَبيبَ بنَ مُظاهِرَ! ويا زُهَير بن القَينِ! ويا إبراهيمَ الحُصَينِ! ويا عُمَيرَ بنَ المُطاعِ! ويا أسَد الكَلبي! ويا عَبدَ اللهِ بنَ عَقيلَ! ويا مُسلِمَ بنَ عَوسَجَة! ويا داوُدَ بنَ الطّرِمّاحِ! ويا يزيدَ بنَ مُظاهِرَ! ويا يَحيَى بنَ كَثيرٍ! ويا هِلالَ بنَ نافعَ! ويا عُمَيرَ بنَ المُطاعِ! ويا حُرُّ الرَّياحِي! ويا عَليّ بنَ الحُسَينِ! ويا أبطالَ الصَّفا ويا فُرسانَ الهَيجاءِ! ما لي أنادِيكُم فَلا تُجيبُونِي وأدعُوكُم فلا تَسمَعُونِي؟! أنتُم نِيامٌ أرجوكُم تَنتَبِهُونَ؟ أم حَالَتْ مَوَدَّتُكُم عَن إمامِكُم فَلا تَنصُرونَهُ؟ فَهذِهِ نِساءُ الرَّسولِ لِفَقدِكُم قَد عَلاهُنَّ النُّحُولَ! فَقُومُوا مِن نَومَتِكُم أيُّهَا الكِرَامُ وادفَعُوا عَن حَرَمِ الرَّسُولِ الطُغاةَ اللِئامَ! ولَكِن صَرَعَكُم واللهِ رَيبُ المَنونِ وغَدَرَ بِكُمُ الدَّهرُ الخَؤونُ، وإلّا لَما كُنتُم عن دَعوَتي تَقصُرُونَ ولا نُصرَتِي تَحتَجِبونَ، فَها نَحنُ بِكُم مُفتَجِعُونَ وبِكُم لاحِقونَ، فَإنّا للّه وإنّا إليهِ راجِعون.[21]


[1] ـ سورة البقرة (2) الآية 238.

[2] ـ مجمع البيان، ج 2، ص 127.

[3] ـ سورة الماعون (107) الآيات 4 إلى 7.

[4] ـ الكافي، ج 3، ص 268.

[5] ـ المصدر السابق، ص 269.

[6] ـ المصدر السابق.

[7] ـ المصدر السابق.

[8] ـ المصدر السابق، ص 268.

[9] ـ المصدر السابق، ص 274.

[10] ـ المصدر السابق.

[11] ـ من لا يحضره الفقيه، ج 1، ص 206.

[12] ـ وسائل الشيعة، ج 3، ص 16، مع اختلاف يسير.

[13] ـ مستدرك الوسائل، ج 1، ص 110.

[14] ـ الكافي، ج 3، ص 270.

[15] ـ وسائل الشيعة، ج 3، ص 17.

[16] ـ سورة مريم (19) الآية 58.

[17] ـ سورة مريم (19) الآيات 59 إلى 63.

[18] ـ سورة الرعد (13) ذيل الآية 26.

[19] ـ سورة الشعراء (26) الآيات 205 إلى 207.

[20] ـ مكارم الاخلاق، الطبعة الحجريّة، ص 449.

[21] ـ كلمات الامام الحسين عليه السلام، ص 484؛ ناسخ التواريخ، ج 2، ص 337، مجلّد حالات سيّد الشهداء.

      
  

جميع الحقوق محفوظة لـ موقع المتقين www.motaghin.com ويسمح باستخدام المعلومات بشرط الإشارة إلى المصدر.

© 2008 All rights Reserved. www.Motaghin.com


Links | Login | SiteMap | ContactUs | Home
عربی فارسی انگلیسی