معرض الصور المحاضرات صوتيات المكتبة سؤال و جواب اتصل بنا الرئیسیة
 
اعتقادات و كلام أخلاق حکمة عرفان العلمي و الإجتماعي التاریخ القرآن و التفسير
المكتبة > محاضرات العلامة الطهراني > كتاب أنوار الملكوت > نور ملكوت الصوم > المجلس الثاني - الصوم وأثره في حصول ملكة التقوى

_______________________________________________________________

هو العليم

أهمّيّة الصوم وأثره في حصول ملكة التقوى

المجلس الثانی من نور ملکوت الصیام

مواعظ شهر رمضان المبارك من عام 1390

 

سماحة العلامة

آية الله السيد محمد الحسين الحسيني الطهراني

رضوان الله عليه

_______________________________________________________________

تحميل ملف البد دي أف                                            

بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على محمّدٍ وآله الطاهرين
ولعنة الله على أعدائهم أجمعين من الآن إلى قيام يوم الدين

قال الله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[1].
إنّ المنزلة الحقيقيّة للإنسان هي منزلة التقوى, وهي الحالة التي يتصرّف فيها الإنسان من خلال مقام إنسانيّته، وعندما تحصل لديه هذه الملكة فلن يصدر عنه إلاّ الخير والبرّ والعدالة والرحمة. وأمّا إذا لم تحصل لدى الإنسان هذه الملكة فلن يكون قد وصل إلى مكانته الحقيقيّة ومنزله الواقعي، وستكون الأفعال الصادرة عنه إمّا شرّاً وظلماً، أو متوائمة مع الشرّ والظلم؛ وذلك لأنّ الأفعال الصادرة عن البهائم بما هي بهائم ـ من الشهوة والغضب ـ ليست من آثار الإنسان من حيث هو إنسان. وعليه فكلّ من كان أسير آماله واُمنياته عمى بصيرة عن رؤية الحقّ، أهبطه هواه من منزله الحقيقي إلى مصافّ البهائم.
والآية الشريفة :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}[2] تبيّن المنزل الواقعي للإنسان، وتقول: أيها المؤمنون! قبل أن يدرككم الموت عليكم أن تسعوا إلى الوصول إلى منزلكم الحقيقي الذي هو التقوى، وأن تبلغوا أفضل مقاماته، وعند ذلك سوف تحظون بحظّ وافر من الحياة، وإلاّ سيأتيكم الموت في وقت لم تصلوا فيه بعد إلى المنزل المقصود، وسترون أنّكم لن تبلغوا هدفكم، وأنكم انتقلتم عن هذه الدنيا وأنتم في رتبة الحيوانات والبهائم.
آثار ظهور ملكة التقوى على العبد ويعدّ الصوم من الأركان المهمّة التي يعتمد عليها صرح التقوى، والوجه في وجوبه هو الوصول إلى تلك المنزلة بناء السقف لهذا الصرح العظيم. إذ كانت ملكة التقوى عبارة عن الحصانة الإلهية، يتبين لنا غير واحد من آثار التقوى ونتائجها:
أولاً: أنّ الله تعالى هو المعلّم للإنسان المتّقي، وأنّ المجهولات التي لديه تظهر وتنحلّ له شيئاً فشيئاً: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}[3].
ثانياً: أنّ الله تعالى يمنحه الفرقان الذي هو عبارة عن القوة المفرّقة والمميّزة بين الحقّ والباطل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}[4]. والفرقان هو النور الإلهي الذي ينير قلب المؤمن ويبعده عن غياهب الظلمات، وعند ذلك يمكنه أن يشخّص وظيفته في كلّ مورد من الموارد, فيمكنه تشخيص الصديق من العدو، السمّ من الدواء، الدواء من الداء، الخواطر الشيطانيّة من الإلهامات الربّانيّة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[5]. ويمكنه بهذا النور الإلهي الذي ظهر نتيجة التقوى أن يمشي فيه ويسلك من خلاله الطرق النافعة للوصول إلى الهدف المقصود. والفرقان هو قوّة أنزلها الله تعالى إلى موسى مع التوراة لهداية قومه: {وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}[6]، وحينما يصل الإنسان إلى حصن التقوى يمنحه الله تعالى هذا الفرقان.
وثالثاً: عندما يفوز الإنسان بالتقوى تزول الوساوس الشيطانيّة عنه ويصير الإنسان في مأمن منها؛ لأنّه بارتباطه بالرادار الإلهي يعرف متى يرد الشيطان، بل يعرف نفس الشيطان أيضاً: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ}[7]. وفي هذه الحالة يمكن للإنسان بهذه البصيرة الإلهيّة أن يتذكّر ولا يدع الخواطر الشيطانيّة تدخل عليه أو تقف في طريقه.
[رابعاً:] لا يخفى أنّ هؤلاء الأشخاص يخرجون عن كافة ذنوبهم وتمحى عنهم جميع سيئاتهم: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا}[8]. وهذه هي الفائدة الرابعة للتقوى.
خامساً: أنّ الله تعالى ينزل عليه بركات السماء والأرض؛ بالوضوح أنّ مفتاح هذه البركات هو التقوى، وعند ذلك لا يبتلى بشيء من الفقر والقحط والغلاء والمرض والمشاكل الروحيّة والاضطرابات القلبيّة والعصبيّة: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[9]. ونلاحظ هنا أنّ الله تعالى أكّد على أنّ نفس الإنسان المتقّي يمكنها أن تؤثّر في بركات الأرض والسماء، وأنّ العلاقة بين طهارة باطنه وبين زيادة النعمة ورفع النقمة علاقة عليّة ومعلوليّة.
سادساً: أنّ أعمال الشخص المتقّي تتيسّر ولا تصل إلى طريق مسدود، وأنّ المشاكل تسهل عليه، ويأتيه رزقه من حيث لا يحتسب {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}[10]. فالمتّقي الذي منح نفسه لله يكفيه الله تعالى ويحلّ له سائر مشاكله العويصة وييسّرها له: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً}[11]، ولا يدع أذى الأعداء ومكرهم يصل إليه أو يتضرّر به: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا}[12].
سابعاً: أنّ مثواهم الجنّة التي هي المنزل الحقيقي والدرجة الواقعيّة التي يحصل عليها الإنسان؛ إذ الجنّة لم يكتبها الله للمفسدين والمتجاوزين والمعتدين، فالذين يعتدون على حقوق الآخرين هم من البهائم، لا من البشر: {تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}[13]، قال تعالى في موضع ٍآخر: {تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا}[14].
يُلاحظ: أنّه ورد في القرآن المجيد مائتان وواحد وخمسون مورداً حول التقوى والدعوة إلى التقوى والتحلّي بصفات المتّقين، بالإضافة إلى العديد من الآيات الأخرى التي تتحدّث عن أفراد متّقين أو مصاديق التقوى من الصلاة والصوم وسائر الأعمال الحسنة. وعليه نرى أنّ فائدة الصوم ـ والتي هي حصول ملكة التقوى ـ ذات قيمة عالية جداً، وأنّ الصوم يوصل إلى هذا الهدف لا في شهر رمضان المبارك فحسب، بل ينفع أيضاً في سائر أيّام السنة إذا صام فيها الإنسان للوصول إلى هذا الهدف، وليس عبثاً أن يبعث الله تعالى الملائكة لحفظ الصائم وبشارته والمسح عليه ووعده بالمغفرة.

    

طرق من الروايات الواردة في فضل الصوم و منزلته

ورد في «الكافي»:
قال أبو عبد الله [الصادق] عليه السلام: «مَن صامَ لِلَّهِ عَزَّ وجَلَّ يَومًا في شِدَّة الحَرِّ فَأصابَهُ ظَمَأٌ وَكَّلَ اللهُ بِهِ ألفَ مَلَكٍ يَمسَحونَ وَجهَهُ ويُبَشِّرونَهُ حَتَّى إذا أفطَرَ, قالَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ [لَهُ‏]: ما أطيَبَ ريحَكَ ورَوحَكَ[15]! [يا] مَلائِكَتي, اشهَدوا أنِّي قَد غَفَرتُ لَهُ»[16].
وقال رسول صلّى الله عليه وآله وسلّم:
«لِلصّائِمِ فَرحَتانِ: فَرحَةٌ عِندَ إفطارِهِ، و فَرحَةٌ عِندَ لِقاءِ رَبِّهِ»[17].
كما نقل في كتاب «المحجّة البيضاء» عن ابن ماجة، وفي كتاب «من لا يحضره الفقيه» رواية:
وَقالَ صلّى الله عليه وآله وسلّم:« قالَ اللهُ [تَبارَكَ و] تَعالَى: الصَّومُ لي وأنا أجزى بِهِ. ولِلصّائِمِ فَرحَتانِ: حينَ يُفطِرُ وحينَ يَلقَى رَبَّهُ عَزَّ وجَلَّ. والَّذي نَفسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخَلوفُ[18] فَمِ الصّائِمِ عِندَ اللهِ أطيَبُ مِن ريحِ المِسكِ[19]».

    

بيان المراد من الحديث الشريف « لي وأنا أجزي به »

لقد اختلف العلماء في مفاد قوله« أجزى به»: فبعضهم قرأها بصيغة المعلوم بمعنى: أنّي أجزيه ثواب الصوم بنفسي، وبعضهم الآخر قرأها بصيغة المبني للمجهول والمراد: أنّي أنا ثواب الصائم. وفي كلتا الحالتين فمفاد الخبر ذو أهمّيّة كبيرة. لكن إذا قلنا«أجزي به» فيكون شرف الصوم في أنّ الله تعالى هو الذي يجزي الصائم بنفسه، بينما إذا قلنا «أجزى به» فتعني أنّه لا توجد درجة من درجات الجنّة تفي بثواب الصائم إلا ذاته المقدّسة جلّ وعلا، فيكون تعالى نفسه ثواب الصائم، ومن هنا يستفاد أنّ طريق الوصول إلى لقاء الله والفناء في ذاته من لوازم ثواب الصوم، ولا يمكن أن يتيسّر بدونه.
لذا اعتبر العلماء الباحثون حول معرفة النفس أنّ الجوع والصوم من أركان سلوك طريق الله تعالى، وورد ذلك في روايات أهل البيت عليهم السلام؛ حيث نقل المرحوم المجلسي عن «إرشاد الديلمي »ومصادر أخرى مطالب عجيبة في فوائد الجوع والصوم.
كما تصدّى الغزالي لشرح الرواية المذكورة من طرقنا في كتاب «من لا يحضره الفقيه»، والتي نقل نظيرها أيضاً في كتابه «إحياء العلوم» عن طريق العامّة حيث قال: إنّما كان الصوم لله ومشرّفاً بالنسبة إليه ـ وإن كانت العبادات كلّها له, كما شرّف البيت بالنسبة إليه والأرض كلّها له ـ لمعنيين:
أحدهما: أنّ الصوم كفٌّ وترك، وهو في نفسه سرّ ليس فيه عمل يُشاهد، فجميع الطاعات بمشهد من الخلق ومرأى، والصوم لا يعلمه إلاّ الله تعالى؛ فإنّه عمل في الباطن بالصبر المجرّد.
والثاني: أنّه قهر لعدوّ الله؛ فإنّ وسيلة الشيطان لعنه الله الشهوات، وإنّما يقوى الشهوات بالأكل والشرب، ولذلك قال صلّى الله عليه وآله وسلّم: «إنّ الشيطان ليجري من ابن آدم مجرى الدم، فضيّقوا مجاريه بالجوع»[20].
فلمّا كان الصوم على الخصوص قمعاً للشيطان وسدّاً لمسالكه وتضييقاً لمجاريه استحقّ التخصيص بالنسبة إلى الله، وهذا معنى الفقرة الأولى التي تقول: «الصوم لي». وأمّا الفقرة الثانية: «وأنا أجزى به» فإنّما كانت بهذا المفاد لأجل أنّ نصرة الله تعالى عبده متوقّفة على نصرة العبد لربّه؛ قال الله تعالى: {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}[21]. فالبداية بالجهد من العبد، والجزاء بالهداية من الله عزّ اسمه، ولذلك قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}[22]. وبناء عليه، فالله تعالى سيعطي ثواب الصوم بنفسه[23]؛ لأنّ العبد قد نصره بالصوم ومجاهدة النفس الأمّارة في سبيل الله. ومن جهة أخرى قال[24] الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}[25]، وإنّما التغيير بكسر الشهوات فهي مرتع الشياطين ومرعاهم، فما دامت مخصّبةً لم ينقطع تردّدهم، وما داموا يتردّدون فلا ينكشف للعبد جلال الله وكان محجوباً عن لقائه. قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم: «لولا أنّ الشياطين[26] يحومون على قلوب بني آدم لنظروا إلى ملكوت السماء»[27]. فمن هذا الوجه صار الصوم باب العبادة وصار جنّة. [انتهى كلام الغزالي بتصرّف].
قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم:
«الصوم جنّة من النار»[28]، وقال أيضاً: «لكلّ شيء باب وباب, العبادة الصوم [الصيام]»[29].
يقول الإمام الصادق عليه السلام ـ بناء على رواية «الكافي» ـ :
«إذا نزلت بالرجل النازلة أو الشدّة فليصم؛ فإنّ الله تعالى يقول: واستعينوا بالصبر [يعني: الصيام] والصلاة»[30].
فالمراد بالصبر هو الصوم، ومن الضروري على الإنسان ـ لكي يقضي حوائجه ومهماته ـ أن يصوم ويصلّي، وأن يطلب من الله الغني حاجاته، لذا يستحبّ للإنسان أن يصوم ويصلّي صلاة الحاجة لقضاء الحوائج المهمّة.

    

كيفيّة صلاة الحاجة المنقولة عن الإمام الصادق عليه السلام

لقد نقل العديد من العلماء: كالشيخ الطوسي والشيخ المفيد والسيّد ابن طاووس وغيرهم عن الإمام الصادق عليه السلام صلاة الحاجة، وكيفيّتها بناء على رواية السيّد[31] كما يلي« إذا حضرت لك حاجة مهمّة إلى الله عزّ وجلّ فصم ثلاثة أيّام متوالية؛ الأربعاء والخميس والجمعة، فإذا كان يوم الجمعة فاغتسل والبس ثوباً جديداً نظيفاً ثمّ اصعد إلى أعلى موضع في دارك فصلّ ركعتين، ثمّ ارفع يديك إلى السماء وقل: (الدعاء المذكور في مفاتيح الجنان)، ثمّ ضع وجهك على الأرض وقل: «اللهُمَّ إنَّ يونُسَ بنَ مَتَّى عَبْدَكَ دَعاكَ في بَطنِ الحوتِ وهو عَبدُكَ فاستَجَبتَ لَهُ، و أنا عَبدُكَ أدعوكَ فاستَجِب لِي». قال الصادق عليه السلام: «ربّ حاجةٍ تعرض لي فأدعو بهذا الدعاء، فأرجع وقد قضيت حاجتي».

    

طرف من أحداث ليلة عاشوراء

عندما هجم عسكر الكفر عصر يوم التاسع على خيام الحسين عليه السلام ولم تنفع فيهم نصائح الأصحاب، قال الحسين لأخيه العبّاس عليهما السلام:
«إن استطعت أن تصرفهم عنّا في هذه الليلة [هذا اليوم] فافعل؛ لعلّنا نصلّي لربّنا في هذه الليلة؛ فإنّه يعلم أنّي أحبّ الصلاة وتلاوة كتابه»[32].
وعندما أخذ له الأمان وخطب الحسين عليه السلام في أصحابه، ذهب كلّ منهم إلى خيمته.
قال الراوي: وبات الحسين وأصحابه تلك الليلة ولهم دويّ كدويّ النحل: ما بين راكع ٍوساجدٍ وقائمٍ وقاعدٍ[33].
قال علي بن الحسين عليهما السلام:«إني جالس في تلك الليلة التي قتل أبي في صبيحتها وعندي عمّتي زينب تمرّضني، إذا اعتزل أبي في خباء له، وعنده جون مولى أبي ذرّ الغفاري وهو يعالج سيفه ويصلحه[34]، وأبي يقول:
يا دهر أُفٍّ لك من خليل
                              كم لك بالإشراق والأصيل

من صاحب وطالب قتيل
                              والدهر لا يقنع بالبديل

وإنّما الأمر إلى الجليل
                              وكلّ حيٍّ سالك سبيلي

فأعادها مرّتين أو ثلاثاً، حتّى فهمتها وعلمت ما أراد، فخنقتني العبرة، فرددتها ولزمت السكوت، وعلمت أنّ البلاء قد نزل، وأمّا عمّتي فلمّا سمعت ما سمعت وهي امرأة ومن شأن النساء الرقّة والجزع، فلم تملك نفسها أن وثبت تجرّ ثوبها وإنّها لحاسرة[35] حتّى انتهت إليه، وقالت: وا ثكلاه [واثكلتاه] ليت الموت أعدمني الحياة. اليوم ماتت أُمّي فاطمة وأبي علي وأخي الحسن. يا خليفة الماضي، وثمال الباقي فنظر إليها الحسين عليه السلام وقال لها: يا اُخته! لا يذهبنّ بحلمك [حلمك] الشيطان! [وترقرقت عيناه بالدموع، وقال]: لو تُرك القطا [ليلاً] لنام. فقالت: يا ويلتاه أفتغتصب نفسك اغتصاباً؟ فذلك أقرح لقلبي وأشدّ على نفسي، ثمّ لطمت وجهها، وخرّت مغشيّة عليها. فقام إليها الحسين عليه السلام فصبّ على وجهها الماء، وقال لها: يا اُختاه اتّقي الله وتعزّي بعزاء الله، واعلمي أنّ أهل الأرض يموتون، وأهل السماء لا يبقون، وأن كلّ شيء هالك إلاّ وجه الله [تعالى] الذي خلق الخلق بقدرته ويعيدهم [يعودون] وهو فرد وحده. الحديث[36].


[1] ـ سورة البقرة (2)، الآية 183.

[2] ـ سورة آل عمران (3)، الآية 102.

[3] ـ سورة البقرة (2)، من الآية 282.

[4] ـ سورة الأنفال (8)، الآية 29.

[5] ـ سورة الحديد (57)، الآية 28.

[6] ـ سورة البقرة (2)، الآية 53.

[7] ـ سورة الأعراف (7)، الآية 201.

[8] ـ سورة الطلاق (65)، الآية 5.

[9] ـ سورة الأعراف (7)، الآية 96.

[10] ـ سورة الطلاق (65)، الآيتان 2 و3.

[11] ـ سورة الطلاق (65)، من الآية 4.

[12] ـ سورة آل عمران (3)، من الآية 120

[13] ـ سورة القصص (28)، الآية 83.

[14] ـ سورة مريم (19)، الآية 63.

[15] ـ الرَوْح: نسيم الريح، والرُوح: ما به حياة النفس، وكلاهما محتملان في الرواية.

[16] ـ الكافي، ج 4، ص 64.

[17] ـ المصدر السابق، ص 65.

[18] ـ الخلوف (بفتح الخاء) تغيّر رائحة الفم.

[19] ـ من لا يحضره الفقيه، ج 2، ص 75. والكافي، ج 4، ص 63، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الله تبارك وتعالى يقول: الصوم لي وأنا أجزى به [عليه].

[20] ـ مستدرك الوسائل، ج 16، ص 221، وأخرج صدره البخاري وأحمد في المسند.

[21] ـ سورة محمد (47)، الآية 7.

[22] ـ سورة العنكبوت (29)، الآية 69.

[23] ـ الظاهر أنّ الغزالي هنا يفسّر «أجزي به» بصيغة المعلوم.

[24] ـ الظاهر أنّه من هنا يبدأ بتفسير «أجزى به» بصيغة المبني للمجهول.

[25] ـ سورة الرعد (13)، الآية 11.

[26] ـ يقول حافظ: منظر دل نيست جاى صحبت أغيار                               ديو چو بيرون رود فرشته در آيد (يقول: ليس القلب مكاناً لاجتماع الأغيار، فإذا خرج الشيطان دخلته الملائكة).

[27] ـ بحار الأنوار، ج 67، ص 161، أخرجه أحمد عن أبي هريرة مع اختلاف يسير في الألفاظ.

[28] ـ من لا يحضره الفقيه، ج 2، ص 74.

[29] ـ كنز العمال، ج 8، ص 448، قال العراقي: أخرجه ابن مبارك في الزهد.

[30] ـ الكافي، ج 4، ص 63، باختلاف يسير، وبحار الأنوار، ج 93، ص 254.

[31] ـ راجع مفاتيح الجنان، حاشية ص 242.

[32] ـ اللهوف، ص 114.

[33] ـ اللهوف، ص 120.

[34] ـ وكان جون خبيراً في صنع السلاح، وقد أعتقه أبو ذر قبل وفاته.

[35] ـ حسرت الجارية خمارها عن وجهها فهي حاسرة: كشفت.

[36] ـ إرشاد المفيد.

      
  

جميع الحقوق محفوظة لـ موقع المتقين www.motaghin.com ويسمح باستخدام المعلومات بشرط الإشارة إلى المصدر.

© 2008 All rights Reserved. www.Motaghin.com


Links | Login | SiteMap | ContactUs | Home
عربی فارسی انگلیسی