معرض الصور المحاضرات صوتيات المكتبة سؤال و جواب اتصل بنا الرئیسیة
 
اعتقادات و كلام أخلاق حکمة عرفان العلمي و الإجتماعي التاریخ القرآن و التفسير
المكتبة > محاضرات العلامة الطهراني > كتاب أنوار الملكوت > نور ملكوت الصوم > المجلس الثالث - أهمية الصوم وأثره في حصول ملكة التقوى

_______________________________________________________________

هو العليم

أهمّية الصوم وأثره في حصول ملكة التقوى

المجلس الثالث

مواعظ شهر رمضان المبارك من عام 1390

سماحة العلامة

آية الله السيد محمد الحسين الحسيني الطهراني
رضوان الله عليه

_______________________________________________________________

تحميل ملف البد دي أف                                            

بسم الله الرّحمن الرّحيم‏
و الصّلاة على محمّد و آله الطّاهرين‏
و لعنة الله على أعدائهم أجمعين من الآن إلى قيام يوم الدّين‏

قال تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ‏ * أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَريضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّة مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذينَ يُطيقُونَهُ فِدْيَة طَعامُ مِسْكينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُون‏}.[1]
أفادت هذه الآية أنّه يجب عليكم الصوم أيّها المؤمنيُن، ووجوب الصوم في أيّام قليلة، فإنّ لفظ معدودة يُستعمل لالقلّة، كما في قوله تعالى: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِين}، أو أن يُراد أنّ أيّام الصوم محدودة بعدد معيّن. والصوم واجب على الجميع إلّا فيما إذا كان المكلّف مريضاً يضرّ به الصوم أو كان الصوم عليه عسيراً (نظراً إلى قوله فيما بعد: ولا يريد بكم العسر) فيجب عليه في هذه الحالة أن يفطر ويقضي ما فاته في أيّام اُخر. وتدلّ هذه الآية على وجوب الإفطار على المريض والمسافر. وقد ورد في ذلك العديد من الروايات عن الأئمّة عليهم السلام: «الصائم في السفر في شهر رمضان كالمفطر [فيه] في الحضر»[2].

    

الصائم في السفر كالمفطر في الحضر

ونظير ذلك ما رواه عبد الرحمن بن عوف عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم قال:
«الصائم في السفر كالمفطر في الحضر»[3].
وروى العياشي مرفوعاً عن محّمد بن مسلم عن الصادق عليه السلام أنّه قال: «لَم يَكُنْ رَسولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيهِ وآلِه وسَلَّم يَصُومُ في السَّفَرِ تَطَوُّعًا ولا فَرِيضَة، يُكَذِّبونَ عَلَى رَسولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيهِ وآلِهِ وسَلّم. نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَة ورَسولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيهِ وآلِهِ وسَلّم بِكُرَاعِ الغَميمِ عِندَ صلاة الفَجرِ، فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيهِ وآلِه وسَلَّم بِإناءٍ، فَشَرِبَ وأمَرَ النّاسَ أنْ يُفطِرُوا. فَقالَ قَومٌ: قَد تَوَجَّهَ النّهَارُ، ولَو صُمنَا يَومَنا هَذا، فَسَمّاهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيهِ وآلِه وسَلَّم العُصاة. فَلَم يَزالُوا يُسَمَّونَ بِذلِكَ الاسْمِ حَتَّى قُبِضَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيهِ وآلِه وسَلَّم»[4].
وعليه فما ذكره العامّة من تخيير المريض والمسافر بين الإفطار والكفّارة وبين الصوم، فيقدّرون في الآية قوله (فأفطر)ـ أي: {فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَريضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ [فأفطر] فَعِدَّة مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} لا وجه له. ومعه فلا يجب الصوم على من يتحمّل المشاقّ والأذى الكبير، و يوقع نفسه في تعب شديد ويهدر جميع قواه وطاقته لإتمام صومه، بل يمكن أن يفطر ويطعم مسكيناً عن كلّ يوم. وفي المقام بحث حول هذه الفقرة من الآية: {وَعَلَى الَّذينَ يُطيقُونَهُ فِدْيَة طَعامُ مِسْكينٍ}. فقد فسّرها وأوّلها كلٌّ حسب رغبته، مع أنّ المعنى الصحيح هو ما ذُكر؛ لأنّ الطاقة بمعنى القدرة والقوّة، وطاق يطوق طوقاً وطاقة وأطاق إطاقة بمعنى إعمال تمام القوّة والقدرة. فهذه الآية تفيد أنّ الصوم واجب على الأفراد الذين لا يسبّب لهم الصوم حرجاً ومشقّة، أمّا الذين عليهم أن يصرفوا قواهم و قدرتهم ولا يبقى لديهم طاقة (كالشيخ والشيخة وذي العطاش والحامل المقرب والمرضعة القليلة اللبن، كلّ من يضعفه الصوم ويذهب بطاقته وقوّته ويوقعه في نهاية اليوم في عسر وحرج) فلا يجب عليهم الصوم.
مع أنّه لا يخفى أنّ التكليف لا يتوقّفً على إعمال تمام القدرة، بل هو متوقّف على الوسع، فقوله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا}[5] وقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}[6]، ونحوه الفقرة اللاحقة للآية محلّ البحث أعني: قوله تعالى:{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}[7] جميعها تبيّن وتعيّن المراد من الآية. وعلى هذا الأساس يمكن لهؤلاء الأشخاص أن يفطروا ويطعموا عن كلّ يوم مسكيناً (مدّاً من الطعام)، وكلّما كان الطعام أفضل أو عدد المساكين أكثر ـ مع اندراجهما معاٌ تحت عنوان {فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَه} ـ كان أفضل. إلاّ أنّ وجوب الإفطار مرجعه إلى خصوص المريض والمسافر، وفإن فرضنا أنّ الصوم لا يضرّ بهما بل كان عسّيراً عليكما فقط، فالصوم وإن لم يكن واجباً عليهما وكانت وظيفتهما التخيير بين الإفطار والكفارة وبين الصوم ـ طبقاً للآية الكريمة ـ إلاّ أنّ الصوم أفضل لهم: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُون‏}[8].
وقال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[9].
وهذه الأيّام المعلومة أو الأيّام القليلة المعدودة هي أيّام شهر رمضان الذي هو شهر مبارك؛ لنزول القرآن الكريم نزل دفعة واحدة إلى السماء الدنيا على قلب النبي صلّى الله عليه وآله المبارك في هذا الشهر وفي ليلة القدر بالخصوص، إن كان النزول بنحو مجمل لا بنحو مفصّل. نعم تفصيله تمّ تدريجّياً على امتداد ثلاثة وعشرين سنة. وقد تفضّل الله تعالى على اُمّة النبي بهذا الشهر الشريف، ودعاهم من خلال إيجاب الصوم عليهم إلى مقام الطهارة والتجرّد. كما أنّ هذا الكتاب [النازل في هذا الشهر المبارك] يهدي الناس إلى أعمال الخير والتحلّي بالفضائل والملكات الحميدة والاعتقاد بالعقائد الحقّة، ويدعوهم إلى الابتعاد عن سائر أنحاء الضلال التي تقع في مقابل أنحاء الهداية. ثمّ إنّ هذا الكتاب يتضمّن أدلّة وبراهين على سلوك طريق الحقّ، عبر ذكره حالات الأنبياء السابقين والشرائع السالفة وأخبارهم، كما أنّه فرقان بين الحقّ والباطل. ومن هنا فقد أكّد القرآن على وجوب إفطار المسافر والمريض من خلال تكرار الطلب في هذه الآية أيضاً.
وفي «الكافي» عَن الصّادقِ عليه السّلام قالَ:« قالَ رَسولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيهِ وآلِه وسَلَّم: إنَّ اللهَ عَزّ وجَلَّ تَصَدَّقَ عَلَى مَرْضَى اُمَّتِي ومُسافِريها بِالتَّقصيرِ والإفْطارِ. أيَسُرُّ أحَدَكُمْ إذا تَصَدَّقَ بِصَدَقَة أنْ تُرَدَّ عَلَيهِ»[10]
وفي «الخِصالِ» عَن النّبيّ صَلّى الله عَلَيه وآله قال:«إنَّ اللهَ تَبارَكَ وتَعالَى أهْدَى إلَيّ وإلَى اُمَّتِي هَدِيَّة لَم يُهدِهَا إلَى أحَدٍ مِنَ الأمَمِ، كَرامَة مِنَ اللهِ لَنا. قالُوا: وما ذاكَ يا رَسولَ اللهِ؟ قالَ: الإفطارُ في السَّفَرِ، و التَّقصِيرُ في الصّلاة. فَمَنْ لَم يَفعَلْ‏ ذلِكَ، فَقَد رَدَّ عَلَى اللهِ عَزّ وجَلَّ هَدِيَّتَه»[11].

    

الحكمة من وجوب الإفطار على المسافر والمريض

ثمّ بيّن تعالى علّة وجوب الإفطار على المسافر والمريض بأنّه تعالى يريد أن يجعل الناس في سعة، لا أن يوقعهم في العسر والمشقّة. ومن جهة اُخرى و لكي لا تفوت هذه الفائدة بنحو مطلق على هؤلاء الأشخاص أوجب عليهم القضاء، فيمكن لهم تدارك ما فاتهم من أيّام الإفطار. ومن هنا فعليكم أيّها المسلميُن أن تكبّروا الله تعالى على هذه النعمة الكبرى ـ وأي: وجوب الصوم في شهر رمضان وتخفيفه على أصحاب الحرج والمشقّة وسقوطه عن المسافر والمريض ـ وأن تذكروه؛ لعلّكم تكونوا من الشاكرين.
وقال تعالى:{أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}[12].
في صدر الإسلام وقبل نزول هذه الآية كان إذا نام الصائم في الليل لم يجز له أن يأكل شيئاً، بل يجب عليه أن ينوي الصوم إلى الليلة القادمة، كما كان يحرم على المسلمين أن يقاربوا نساءهم في ليالي الصوم أيضاً فضلاً عن نهاره.
إليك نص الرواية الواردة عن علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه رفعه إلى أبي عبد الله عليه السلام[13]، قال« كان الأكل محّرماً في شهر رمضان بالليل بعد النوم، وكان النكاح حراماً بالليل والنهار في شهر رمضان، وكان رجل من أصحاب رسول الله يقال له مطعم بن جبير[14]أخو عبد الله بن جبير ـ الذي كان رسول الله وكله بفم الشعب يوم اُحد في خمسين من الرماة، وفارقه أصحابه، وبقي في اثني عشر رجلاً، فقتل على باب الشعب ـ وكان أخوه هذا مطعم بن جبير شيخاً ضعيفاً، وكان صائماً، فأبطأت عليه أهله بالطعام، فنام قبل أن يفطر، فلمّا انتبه قال لأهله: قد حرم عليّ الأكل في هذه الليلة. فلمّا أصبح حضر حفر الخندق، فاُغمي عليه، فرآه رسول الله، فرقّ له. وكان قوم من الشباب ينكحون بالليل سّراً في شهر رمضان، فأنزل الله هذه الآية، فأحلّ النكاح بالليل في شهر رمضان والأكل بعد النوم إلى طلوع الفجر...، وقال بعضهم: إنّ هذا الشابّ كان قيس بن صرمة، ولم ينكح، بل جاء إلى رسول الله فقال: عملت في النخل نهاري أجمع، حتّى إذا أمسيت، فأتيت أهلي لتطعمني فأبطأت فنمت، فأيقظوني وقد حرم عليّ الأكل، وقد أمسيت وقد جهدني الصوم. فقال عمر: يا رسول الله. أعتذر إليك من مثله: رجعت إلى أهلي بعدما صلّيت العشاء، فأتيت امرأتي. وقام رجال واعترفوا بمثل الذي سمعوا، فنزلت الآية».

    

لزوم الاستعانة بالصوم والصلاة

ونقل «مجمع البيان» رواية، مفادها أنّ عديّ بن حاتم قال للنبيّ: إنّي وضعت خيطين من شعر أبيض وأسود، فكنت أنظر فيهما فلا يتبيّن لي. فضحك رسول الله حتّى بدت [رؤيت] نواجذه، ثمّ قال: «يا ابن حاتم إنّما ذلك بياض النهار وسواد الليل، فابتداء الصوم من هذا الوقت»[15].
وقال تعالى: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}.
يُلاحظ: أنّ الله تعالى ختم هذه الآيات بأنّ الغرض من الصوم إنّما هو حصول ملكة التقوى، وبن في ضوء ما ذكر سابقاً جميع الأمور تحصل بحصول ملكة التقوى ولذا ورد في القرآن المجيد: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلا عَلَى الْخَاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}[16]، و نحوها في الآية 153 من هذه السورة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}[17].
ومن هنا دأب الأصحاب والأئمّة على رفع همومهم وقضاء حاجاتهم بالصلاة والصوم اللذين عبّر عنهما ـ في الروايات ـ الصبر والصلاة في الآية. وقد ورد في كتب الأخبار أبواب لقضاء الحوائج بالصوم والصلوات المستحبّة.
فقد ذكر في تفسير «مجمع البيان»[18]ما يلي : قد روى الخاصّ والعاّم أنّ سورة هل أتى ـ من قوله {إنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ} إلى قوله: {وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورا}ـ نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام وجارية لهم تسمّى فضّة.

    

سبب نزول سورة الإنسان في أمير المؤمنين وأهل بيته عليهم السلام

حاصلة: أنّه مرض الحسن والحسين عليهما السلام، فعادهما جدّهما صلّى الله عليه وآله وسلم ووجوه العرب، وقالوا: يا أبا الحسن، لو نذرت على ولديك نذراً. فنذر صوم ثلاثة أيّام إن شفاهما الله سبحانه، ونذرت فاطمة عليها السلام كذلك، وكذلك فضّة. فبَرِءَا وليس عندهم شيء، فاستقرض عليّ عليه السلام ثلاثة أصوع من شعير من يهودي ـ وروي أنّه أخذها ليغزل له صوفاً ـ وجاء به إلى فاطمة عليها السلام، فطحنت صاعاً منها، فاختبزته. وصلّى عليّ المغرب، وقرّبته إليهم، فأتاهم مسكين وقال: السّلامُ عَلَيكُم يا أهلَ بَيتِ مُحَمَّدٍ أنا مِسكِينٌ مِن مَساكينِ المُسلِمينَ، أطْعِمُونِي مِمّا تَأكُلُونَ أطعَمَكُمُ اللهُ عَلَى [من] مَوَائِدِ الجَنَّة. فأعطوه، ولم يذوقوا إلاّ الماء. وفي بعض الروايات أنّ الحسنين عليهما السلام أعطياه قرصيهما، ولم يأكلا شيئاً. فلّما كان اليوم الثاني، أخذت صاعاً فطحنته وخبزته وقدّمته إلى عليّ عليه السلام، فإذا يتيم بِالبابِ يَستَطعِمُ ويَقولُ: السّلامُ عَلَيكُم يا أهلَ بَيتِ مُحَمَّدٍ أنا يَتيمٌ مِن يَتامَى المُسلِمِينَ، أطعِمُونِي أطعَمَكُمُ اللهُ عَلَى مَوائِدِ الجَنَّة. فأعطوه، ولم يذوقوا إلاّ الماء. فلمّا كان اليوم الثالث عمدت إلى الباقي، فطحنته وخبزته، وقدّمته إلى عليّ عليه السلام، فإذا أسير بالباب يقول: أنا أسِيرٌ مِن اُسَرَاءِ المُشرِكينَ، السّلامُ عَلَيكُم يَا أهلَ بَيتِ مُحَمَّدٍ تَأسِرُونَنا و تَشُدُّونَنا ولا تُطعِمُونَنا. فأعطوه ولم يذوقوا إلاّ الماء. فلمّا كان اليوم الرابع، وقد قضوا نذورهم، أتى عليّ عليه السلام ومعه الحسن والحسين عليه السلام إلى النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم ، وبهما ضعف ، فبكى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ونزل جبرائيل بسورة (هل أتى) فيهم[19].

    

علوّ مقام فضّة رضوان الله تعالى عليها

وليس من العجب أن تنزل هذه السورة في حقّ أهل البيت عليهم السلام، أعني: أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، بل العجب نزولها في حقّ فضّة خادمتهم أيضاً؛ نظراً إلى أنّ هذه السورة نزلت في جميع هؤلاء. نعم، فالشخص الذي يسير في صراط التقوى على إثر هؤلاء العظام، كيف لا يصير واحداً منهم؟ وقد ذكر الله تعالى في القرآن أنّ كلب أصحاب الكهف كان منهم؛ حيث يقول: {سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلا قَلِيلٌ فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا}[20]. فكيف لا تكون فضّة من أهل هذا البيت، كما كان سلمان الفارسي منهم؟!
وقد نقل الشيخ حافظ رجب البرسي أنّه لما دخلت فضّة إلى بيت الزهراء عليها السلام، لم تجد هناك إلّا السيف والدرع والرحى، وكانت بنت ملك الهند، وكانت عندها ذخيرة من الإكسير، فأخذت قطعة من النحاس وألانتها، وجعلتها على هيئة سبيكة، وألقت عليها الدواء وصنعتها ذهباً. فلمّا جاء أمير المؤمنين عليه السلام وضعتها بين يديه، فلمّا رآها قال: «أحسنت يا فضّة، لكن لو أذبت الجسد، لكان الصبغ أعلى والقيمة أغلى». فقالت: يا سيّدي، تعرف هذا العلم؟ قال« نعم، وهذا الطفل يعرفه» ـ وأشار إلى الحسين عليه السلام ـ فجاء وقال كما قال أمير المؤمنين عليه السلام. فقال أمير المؤمنين عليه السلام:« نحن نعرف أعظم من هذا»، ثمّ أومأ بيده، فإذا عنق من ذهب وكنوز الأرض سائرة ، ثمّ قال: «ضعيها مع أخواتها» فوضعتها فسارت [21].
أشار المجلسي في رواية[22] إلى أنّ فضّة بقيت عشرين سنة لا تتكلّم بغير القرآن، وكانت فضّة ممّن أوصت فاطمة أن تحضر جنازتها وتشارك في تجهيزها.

    

طرف من شهادة الزهراء عليها السلام وغسلها ودفنها

قال أمير المؤمنين عليه السلام:« ...أخذت عليّ فاطمة عليها السلام عهد الله ورسوله أنّها إذا توفّت لا أعلم أحداً إلّا اُم سلمة زوج رسول الله (صلّى الله عليه وآله) واُم أيمن وفضّة، ومن الرجال ابنيها وعبد الله بن عبّاس وسلمان الفارسي وعمّار بن ياسر والمقداد وأبا ذر وحذيفة» [23].
حين غسّلها أمير المؤمنين عليه السلام، ساعدته فضّة. قال أمير المؤمنين عليه السلام:« فلمّا هممت أن أعقد الرداء، ناديت: يا أم كلثوم، يا زينب، يا سكينة، يا فضّة، يا حسن، يا حسين، هلمّوا تزوّدوا من اُمّكم؛ فهذا الفراق، واللقاء في الجنّة». فأقبل الحسن والحسين عليهما السلام وهما يناديان: «وا حسرتاً لا تنطفئ أبداً من فقد جدّنا محمّد المصطفى واُمّنا فاطمة الزهراء يا اُمّ الحسن، يا اُمّ الحسين! إذا لقيت جدّنا محمّد المصطفى فأقرئيه منّا السلام وقولي له: إنّا قد بقينا بعدك يتيمين في دار الدنيا». فقال أمير المؤمنين عليه السلام« إنّي أشهد الله أنّها قد حنّت وأنّت ومدّت يديها وضمّتهما إلى صدرها ملّياً، وإذا بهاتف من السماء ينادي: يا أبا الحسن، ارفعهما عنها، فلقد أبكيا والله ملائكة السماوات، فقد اشتاق الحبيب إلى المحبوب...» الحديث[24].


[1] ـ سورة البقرة (2)، الآيتان 183 و 184.

[2] ـ تفسير مجمع البيان، ج 2، ص 10. وتفسير الصافي، ج 1، ص 219.

[3] ـ تفسير مجمع البيان، ج 2، ص 10.

[4] ـ المصدر السابق، تفسير العياشي، ج 1، ص 81 مع اختلاف يسير.

[5] ـ سورة البقرة (2)، من الآية 286.

[6] ـ سورة الحج (22)، من الآية 78.

[7] ـ سورة البقرة (2)، من الآية 185.

[8] ـ سورة البقرة (2)، من الآية 184.

[9] ـ سورة البقرة (2)، الآية 185.

[10] ـ تفسير الصافي، ج 1، ص 222.

[11] ـ المصدر السابق.

[12] ـ سورة البقرة (2)، الآية 187.

[13] ـ تفسير مجمع البيان، ج 2، ص 21

[14] ـ قال في الصافي، ج 1، ص 225, وفي الكافي والفقيه والعياشي: عن الصادق عليه السلام أنّها نزلت في خوّات بن جبير الأنصاري.

[15] ـ تفسير مجمع البيان، ج 2، ص 23.

[16] ـ سورة البقرة (2)، الآيتان 45 و46.

[17] ـ سورة البقرة (2)، الآية 153.

[18] ـ تفسير مجمع البيان، ج 10، ص 209.

[19] ـ راجع:تفسير الميزان، ج 20، ص 132. وتفسير فرات الكوفي، ص 521. تفسير نور الثقلين، ج 5، ص 471 و 474.

[20] ـ سورة الكهف (18)، الآية 22.

[21] ـ بحار الأنوار، ج 9، ص 575 الطبعة الحجرية، وج 41، ص 273 الطبعة الحروفية.

[22] ـ المصدر السابق، ج 10، ص 26 الطبعة الحجرية، وج43، ص 87 من الطبعة الحروفية.

[23] ـ المصدر السابق، 10، ص 59 الطبعة الحجرية، وج 43، ص 208 الطبعة الحروفية.

[24] ـ المصدر السابق، ج 10 ، ص 59، الطبعة الحجرية، وج 43، ص 179 الطبعة الحروفية.

      
  

جميع الحقوق محفوظة لـ موقع المتقين www.motaghin.com ويسمح باستخدام المعلومات بشرط الإشارة إلى المصدر.

© 2008 All rights Reserved. www.Motaghin.com


Links | Login | SiteMap | ContactUs | Home
عربی فارسی انگلیسی